![]() |
ابو رائد جزاك الله خيرا ووالله لو أن في أحدهم ذرةً من عقل ما انتسب بعد هذا إلى ما يسمونه بالصوفية التي أتيت بشاهد عليها وعليهم بالصوت والصورة وسيأتي إليك صلاح وتابعيه بأسمائه الأخرى ليكذبوا هذا وستسمع منهم ما لم تسمعه في حياتك من السب والذم والقدح والشتم وأنا واثق أنه كلما زاد الألم إرتفع الصراخ .. فاحتسب تحياتي :) |
ونواصـــل ...
وانثنت زوجتي تلومني لأنني كنت قاسياً معهم ، وهم الذين يخافون على طفلهم.. الذي عاش لهم بعد أن تقدم بهما العمر، ومات لهما من الأطفال الكثير وصحت في زوجتي، إن الطفل إذا كان سيعيش فذلك لأن الله يريد له أن يعيش، وإن كان سيموت فذلك لأن الله يريد له ذلك.. لا شريك لله في أوامره و لاشريك له في إراداته. وذهبت إلى إدارة الجريدة التي أعمل بها.. وإذا بالدكتور يتصل بي تليفونيا ليتحدث معي في شأن له، ولم يخطر بباله أن يسألني.. ماذا فعل بي الكتاب؟ أو ماذا فعلت به.. واضطررت أن أقول له : إنني في حاجة إلى مناقشة بعض ما جاء في الكتاب معه.. والتقينا في الليل وحدثته عن الكارثة التي جاءتني من الصعيد، ولم يعلق على محاولتي إقناعهم بالعدول عن شركهم.. مع أنني منذ أيام فقط.. كنت لا أقل شركاً عنهم. وقلت له: ألا يلفت نظرك أنني أقول لهم ما كنت تقوله لي..؟ قال في هدوء يغيظ : إنه كان على يقين من أنني سوف أكون شيئاً مفيداً للدعوة.. وأردت الاحتجاج على أنني من "الأشياء" ولست من الآدميين لكن الدكتور لم يتوقف، وقال لقد صدر منك كل هذا بعد قراءة نصف الكتاب. فكيف بك إذا قرأت الكتب الأخرى ؟! وأغرق في الضحك!! وعلمت بعد أيام أن قريبتي عادت من "طنطا" إلى الصعيد مباشرة دون المرور علينا في القاهرة، وأنها غاضبة مني، وشكتني لكل شيوح الأسرة، وفي الأسبوع الثاني.. فوجئت بجرس الباب يدق.. وذهب ابني الصغير ليستطلع الأمر .. ثم عاد يقول لي: - إبراهيم الحران.. "الحران" . إنه زوج ابنة خالتي.. ماذا حدث..؟ هل جاءوا بخروف جديد، ونذر جديد لضريح جديد .. أم ماذا..؟ وقررت أن يخرج غضبي من الصمت إلى العدوان هذه المرة ولو بالضرب.. ومشيت في ثورة إلى الباب.. وإذا بهذا "الحران" يمد يده ليصافحني، ودعوته إلى الدخول فرفض.. إذاً لماذا جاء..؟ وفيما جاء وابتسم ابتسامة مغتصبة وهو يقول.. إنه يطلب كتاب : "الشيخ محمد بن عبدالوهاب "، الذي عندي، وحملقت فيه طويلا،، وجلست على أقرب مقعد..! سقطت قلعة من قلاع الجاهلية.. لكن لماذا؟ وكيف كان ذاك السقوط؟ جاء صاحبي إبراهيم يسعى بقدميه.. يطلب ويلح في أن يبدأ مسيرة التوحيد.. لابد أن وراء عودته أمراً ليس من المعقول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية جعلت أعماقه تتفتح ، وتفيق .. على حقائق غفل عنها طويلاً . . ! ورحمة بي من الذهول ، والإغماء الذي أوشك أن يصيبني . . بدأ يتكلم ، وكانت الجملة التي سقطت من فمه .. ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل .. صكت سمعي .. ثم ألقت بنفسها تتفجر على الأرض .. تصيب وتدمي شظاياها وقال : - لقد مات ابني عقب عودتنا .. ! إنا لله وإنا إليه راجعون .. هذا .. هذا هو الولد الرابع الذي يموت لإبراهيم تباعاً ، وكلما بلغ الطفل العام الثالث .. لحق بسابقه . . وبدلاً أن يذهب إلى الأطباء ليعالج زوجته ، بعد التحليلات الازمة .. فقد يكون مبعث ذلك مريضاً في دم الأب أو الأم .. اقتنعنع ، وقنع بأن ينذر مع زوجته مرة للشيخ هذا ، ومرة للضريح ذاك ، وأخرى لمغارة في جبل بني سويف .. إذا عاش طفله ، ولكن ذلك كله لم ينفعه .. ورغم الجهل والظلم الذي يظلمه لنفسه .. إلا أنني حزنت من أجله .. تألمت حقيقة .. أخذته من يده .. أدخلته.. جلست أستمع إلى التفاصيل ..! .. يتبع .. |
لقد عاد من طنطا مع زوجته إلى بلدهما .. وحملا معهما بعض أجزاء من "الخروف " الذي كان قد ذبح على أعتاب ضريح "السيد البدوي" . . فقد كانت تعاليم الجهالة تقضي بأن يعودا ببعضه .. التماساً لتوزيع البركة على بقية المحبين - وأيضاً - لكي يأكلوا من هذه الأجزاء .. التي لم تتوافر لها إجراءات الحفظ الصالحة ففسدت .. وأصابت كل من أكل منها بنزلة معوية .. وقد تصدى لها الكبار وصمدوا .. أما الطفل .. فمرض ، وانتظرت الأم بجهلها .. أن يتدخل "السيد البدوي" .. لكن حالة الطفل ساءت .. وفي آخر الأمر ذهبت به للطبيب الذي أذهله .. أن تترك الأم ابنها يتعذب طوال هذه الأيام .. فقد استغرق مرضه أربعة أيام .. وهز الطبيب رأسه ، ولكنه لم ييأس .. وكتب العلاج .. "أدوية" وحقن ، ولكن الطفل .. اشتد عليه المرض ولم يقوى جسمه على المقاومة .. فمات ! من موت الطفل بدأت المشاكل .. كانت الصدمة على الأم .. أكبر من أن تتحملها .. ففقدت وعيها .. أصابتها لوثة .. جعلتها تمسك بأي شيء تلقاه ، وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها .. أما الأب فقد انطوى يفكر في جدية بعد أن جعلته الصدمة .. يبصر أن الأمر كله لله .. لا شريك له .. وأن ذهابه عاماً بعد عام .. إلى الأضرحة والقبور .. لم يزده إلا خسارة .. واعترف لي .. بأن الحوار الذي دار بيني وبينه .. كان يطن في أذنيه .. عقب الكارثة ، ثم صمت ..! فقلت له : بعض الكلام الذي يخفف عنه ، والذي يجب أن يقال في هذه المناسبات .. ولكن بقي في نفسه شيء من حديثه .. فهو لم يكمل ماذا حدث للسيدة المنكوبة وهل شفيت من لوثتها أم لا ؟ فقلت له : لعل الله قد شفي الأم من لوثتها .؟ ! فأجاب وهو مطأطىء الرأس .. إن أهلها يصرون على الطواف بها .. على بعض الأضرحة والكنائس - أيضاً - ويرفضون عرضها على أي طبيب من أطباء الأمراض النفسية والعصبية ..ليس ذلك فحسب .. بل ذهبوا بها إلى "سيدة" لها صحبة مع الجن فكتبت لها على طبق أبيض .. وهكذا تزاد العلة عليها في كل يوم وتتفاقم .. وكل ما يفعله الدجالون يذهب مع النقود المدفوعة إلى الفناء .. ! وحينما أراد أن يحسم الأمر .. وأصر أن تعرض على طبيب .. أو يطلقها لهم .. لأنهم سبب إفسادها .. برزت أمها تتحداه ، وركبت رأسها فاضطر إلى طلاقها وهو كاره .. ! أثارتني قصته ، ورغم حرصي على النسخة التي حصلت عليها من " الدكتور جميل " إلا أنني أتيته بها وناولتها له .. فأمسك بها وقلّبها بين يديه .. وعلى غلافها الأخير كان مكتوباً كلام راح يقرؤه بصوت عال .. كأنه يسمع نفسه قبل أن يسمعني "نواقض الإسلام" من كلمات شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب" .. { ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } . ومنه الذبح لغير الله ، كمن يذبح للجن أو للقبر . ورفع رأسه فحملق في وجهي .. ثم أخذ الكتاب ، وانصرف ، واشترط أن يعيده لي بعد أيام ، وأن أحضر له من الكتب ما يعينه على المضي في طريق "التوحيد"..! انصرف إبراهيم ، والمأساة التي وقعت له تتسرب إلى كياني قطرة بعد قطرة .. فهي ليست مأساة فرد ولا جماعة ، وإنما هي مأساة بعض المسلمين في كثير من الأمصار .. الحرافة أحب إليهم من الحقيقة ، والضلالة أقرب إلي أفئدتهم من الهداية ، والابتداع يجتذبهم بعيداً عن السنة .. ! .. يتبع .. |
حاولت الاتصال تلفونياً "بالدكتور جميل" .. فقد كنت أريد أن أنهي إليه أخبار "إبراهيم" ولكني لم أجده . فبدأت العمل في كتابات لمجلة شهرية تصدر في قطر .. اعتادت أن تنشر لي بحثاً عن الجريمة في الأدب العربي، وصففت أمامي المراجع، وبدأت مستعيناً بالله على الكتابة ، وإذا بالتلفون يدق .. كان المتكلم مصدراً رسمياً في وزارة الداخلية .. يدعوني بحكم مهنتي كصحفي متخصص في الجريمة .. لحضور تحقيق في قضية مصرع أحد عمال البلاط ، وكان قد عثر علي جثته في جوال منذ يومين ..! تركت كل ما كان يشغلني إلى مكان التحقيق .. والغريب في الأمر .. أن يكون الأساس الذي قامت عليه هذه الجريمة هو السقوط أيضاً - في هاوية الشرك ، والدجل والشعوذة .. بشكل يدعو إلى الإشفاق .. فالقتيل كان يدعي صحبة الجن، والقدرة على التوفيق بين الزوجين المتنافرين ، وشفاء بعض الأمراض وقضاء الحاجات المستعصية .. إلى جانب عمله في مهنة البلاط .. ! أما المتهم القاتل .. فكان من أبناء الصعيد .. تجاوز الخمسين من عمره وكان متزوج من إمرأة لم تنجب .. فطلقها وتزوج بأخرى في السابعة عشرة من عمرها لكنها هي الأخرى لم تنجب .. وبلغه من تحرياته أن مطلقته .. قامت بعمل سحر له نكاية فيه .. يمنعه من الإنجاب مع زوجته الجديدة .. فاتصل بذلك الرجل الذي كان شاباً لم يتجاوز الأربعين .. واتفق معه على أن يقوم له بعمل مضاد .. وتلقف الدجال فرصة مواتية .. وذهب معه إلى البيت .. وكتب له الدجال بعد أن تناول العشاء الدسم .. بعض مستلزمات حضور الجن من بخور وشموع وعطور وذهب الرجل ليشتريها .. وترك " الدجال" وزوجته الحسناء في البيت .. ! خرج الرجل مسرعاً يشتري البخور الذي سيحرق تمهيداً لاستحضار الجن .. وترك الدجال الشاب مع الزوجة الحسناء .. وكان لابد أن يحدث ما يقع في مثل هذه المواقف .. فقد حاول المشعوذ أن يعتدي على الزوجة . إذ راودها في عنف ليفتك بشرفها ، وهي العفيفة الشريفة .. فقامت لتغادر البيت إلى جاره لها .. حتى يصل زوجها .. وإذا بها تجد زوجها على الباب .. فقد نسي أن يأخذ حافظة نقوده .. وروت له في غضب ما وقع من الدجال ، وانفعل الزوج الصعيدي ، وحمل عصاة غليظة ، ودخل على الدجال في الغرفة ،وانهار عليه بالعصا .. حتى حطم رأسه .. بعدها وجد نفسه أمام جثة لابد أن يتخلص منها .. فجلس يفكر ! خرج ليلاً فاشتري جولاً ، وعاد فوضع الجثة فيه .. وانتظر حتى انتصف الليل .. ثم حمل الجثة على كتفه ، وألقى بها في خلاء على مقربة من الحي الذي يسكنون فيه .. وعاد إلى غرفته يحاول طمس الآثار ومحورها .. وظن أنه تخلص من الدجال الشاب إلى الأبد ! .. يتبع .. |
اخي الوافي
جزاك الله خيرا صحيح اني لم اقراءها الا ان الموضوع مفهوم من عنونه وشكرا |
ولكن رجال الشرطة .. بعد عثورهم على الجثة ..بدأوا أبحاثهم عن الجوال الذي كان يحتوي على الجثة وما كادوا يعرضونه على البقالين في المنطقة . حتى قال لهم أحدهم : إن الذي اشتراه منه هو فلان ، وكان ذلك بالأمس فقط ، وألقت الشرطة القبض على الرجل ، وفتشت غرفته فوجت الآثار الدالة على ارتكاب الجريمة .. وضيق عليه الخناق اعترف بتفاصيل الجريمة .. ! لم يكن حضوري هذا التحقيق صدفة ، فكل شيء يجري في ملكوت الله بقدر .. إذ يسوق لي هذه الجريمة المتعلقة - أيضاً بفساد العقيدة .. لتجعلني أناقش مع الآخرين .. قضية العقيدة والخرافة من بذورها الأولى .. ولماذا تروج الخرافة ، وتتغلغل في كيانات البشر دون وازع ؟ هل لأن الذين يتاجرون ، بها أوسع ذكاء من الضحايا ؟ وماذا يجعل الضحايا وهم ملايين .. يندفعون إلى ممارستها ، والإيمان بها ، والتعصب لها .. ؟ أم أن ( الوثنية ) التي هي الإيمان بالمحسوس والملموس .. التي ترسبت في أذهان العالمين سنين طويلة .. تفرض نفسها على الناس من جديد .. تساندها الظروف النفسية لبعض البشر .. الذين يعجزون عن الوصول إلى تفسيرلها ؟ فالقاتل والقتيل في هذه الجريمة .. كلاهما فاسد العقيدة .. لا يعرفان من الإسلام سوى اسمه .. فالقتيل مشعوذ يمشي بين عباد الله بالسوء ، ويكذب عليهم ، ويدعي أنه على صلة بالجن ، وأنه يشقي ويسعد ، ويشفي ويمرض بمعاونة الجن ، وفي ذلك شرك مضاعف مع الإضرار بالناس .. أما القاتل فهو من فرط جهالته يعتقد أن إنساناً مثله في وسعه أن يجعله ينجب ولداً أو بنتاً ! وقد يكون عذره أنه في لهفته على الإنجاب ألغى عقله .. غير أنه لو أن عقيدة سليمة .. ترسخ في ذهنه أن الله بلا شركاء ، وأن النفع والضر بيد الله فقط وتؤصِّل هذه المفاهيم في أعماقه .. ما كان يمكنه أن يستسلم لدجال .. ولا استطاعت عقيدته أن تحميه من السقوط في أيدي مثل هذا المشعوذ !! وفي كثير من الأحيان يصل الأمر .. ببعض المتعصبين إلى أن يجعل من نفسه داعية للخرافة .. يروج لها ، ويدافع عنها ، وعلى استعداد للقتال في سبيلها .. فقد نجد من ينبري في المجالس .. فيروي كيف أن الشيخ الفلاني أنقذه هذه الأيام من ورطة كانت تحيق به ، وأنه كان لن يحصل على الترقية هذا العام لولا أن الشيخ الفلاني صنع له تحويطة ، وأنه كان على خلاف مع زوجته وضعهما على حافة الطلاق ، لولا أن الشيخ الفلاني كتب له ورقة وضعها تحت إبطه .. الخ .. وتحضرني في هذا المجال .. قصة سيدة تخرجت من جامعة القاهرة ، ودرست حتى حصلت على الدكتوراه في علوم الزراعة ، وتشغل الآن وظيفة مديرة مكتب وزير زراعة إحدى الدول العربية ، هذه السيدة حاملة الدكتوراه .. عثر زوجها ذات يوم على حجاب تحت وسادته - فسأل زوجته ..فقالت : إنها دفعت فيه ما لا يقل عن خمسين جنيهاً .. لكي تستميل قلبه لأنها تشعر بجفوته في الأيام الأخيرة .. وكانت النتيجة أن زوجها طلقها طبعاً .. وراوي قصتها هو محاميها نفسه الذي تولى دعواها التي أقامتها ضد زوجها ..! وترتفع الخرافة إلى الذروة .. حينما يعمد المتخصصون فيها إلى تقسيم المشايخ الأضرحة .. فصريخ السيدة فلانة يزار لزواج العوانس ، والشيخ فلان يزار ضريحه في مسائل الرزق والقادرة الشاطرة صاحبة الضريح الفلاني يحج إليها في مشاكل الحب والهجر، والفراق، والطلاق، وأخرى في أمراض الأطفال ، والعيون وعسر الهضم وهكذا .. مؤامرة محكمة الحلقات .. تلف خيوطها حول السذج والمساكين ، وكأنهم لم يقرأوا في القرآن : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } . وكأنهم لم يسمعوا بالحديث الشريف : ( من تعلق تميمة فقد أشرك ) . إن الانصياع إلى الخرافات ليس وقفاً على عامة الناس أو جهلتهم .. بل من المؤسف أنها تتمتع بسلطان كبير بين المتعلمين ، والذين درسوا في أرقي الجامعات .. وإذاً فا لأصل فيها هو أنها تتسلل إلى ضمائر الناس . الذين لا تحميهم عقيدة سليمة .. تصد عنهم هذه الشركيات الشرسة الضارية .. فالذي لا شك فيه .. هو أن الرجل الذي وثق إيمانه بالله ، واقتنع بأن الله هو مالك كل شيء ، ورب كل شيء ، لا شريك ولا وسيط له .. هذا الرجل سوف يعيش في مناعة إيمانية .. متحصناً بعقيدته .. لا تصل إليه المفاسد .. بل وتنكسر على صحرة إيمانية كل هذه الخزعبلات .. لماذا ؟ لأنه أنهى أمره إلى الله ، ولم تعد المسألة في حسابه قابلة للمناقشة ! فالإيمان بالله، واعتناق العقيدة السليمة شيء ليس بالضرورة في الكتب أو في الجامعات .. إنه أبسط من ذلك .. فالله - سبحانه - وتعالى جعله في متناول الجميع حتى لا يحرم منه فقير لفقره .. أو يسأثر به غني لغناه .. يتبع .. |
جزاك الله خير
|
ونواصل وبينما أنا منهمك أكتب هذه الحلقة إذ بضجيج تصحبه دقات عنيفة لطبل يمزق سكون الليل ويبدده .. وراح هذا الضجيج يعلو ، ويعربد في ليل الحي .. دون أن يتوقف إلا لحظات .. يتغير فيها الإيقاع ثم يعود ضارباً متوحشاً .. يهز الجدران .. وعرفت بخبرتي من الألحان ، والأصوات المنفرة التي تصاحبها .. أن إحدى المترفات من الجيران تقيم حفلة "زار" , إنها لا بد أن تكون قد دعت كل صديقاتها المصابات مثلها بمس من الجن .. لكي يشهدن حفلها ..إذ لم تكن هي المرة الأولى التي تقيم فيها مثل هذه الحفلة فهي تقوم بعملها هذا مرة كل ستة شهور .. حرصاً على إرضاء الجن الذي يسكن جسدها ..! وعبثاً حاولت الوصول إلى وسيلة للهرب من تلك الكارثة التي تقتحم على أذني .. فتركت الكتابة ، وحاولت أن أقرأ .. وفي خضم هذه المعاناة .. جاء صديق لى من كبار علماء الأزهر ، ومن الذين يعملون في وزارة الأوقاف وشئون علماء الأزهر ، ليزوني واستقبلته فرحاً .. لأنني أحب النقاش معه ، ولأنه سوف يخلصني من عذاب الاستماع إلى الدقات الهمجية . وشكوت إليه جارتي ودخلنا في مناقشة عن( الجن ) وشكوى الناس منه ، وادعاء السيدات أنه يركبهن الجن ، والجيش الجرار من النساء ، والرجال الذين يحترفون عمل حفلات الزار .وإذا بالرجل الذي يحمل شهادة أزهرية عليا ..يؤكد لي أنه كانت له شقيقة .. مسها الجن عقب معركة نشبت بينها وبين زوجها ، فعطل (الجن) ذراعها الأيمن بضعة أيام .. ولم يتركها الجن إلا بعد أن أقاموا لها حفلة زار ، عقدت الشيخة بينها وبين الجن معاهدة تعايش سلمي .. وترك ذراعها على أن تقيم هذا الحفل مرة كل عام . كان هذا كلام الرجل العالم .. طال صمتي .. فقد كنت أفكر في المسكين إبراهيم الحران ، وزوجته الأمية .. فلا عتاب عليهما ولا لوم .. مادام هذا هو رأي مثل هذا الرجل في الزار .. وكانت الدقات العنيفة لا تزال تصل إلى آذاننا ، والصمت المسكين يتلاشى أمام الأصوات المسعورة التي تصرخ في جنون تستجدي رضاء الجن ، ويستعطف قلوب العفاريت ..! انتهت سهرتي مع صديقي العالم الأزهري الخالص .. الذي فجعني فيه إخلاصي فيه .. إذ وجدته من المؤمنين بالخرافة ، والمؤيدين لحكايات الجن .. وأحسست بأن وقتي ضاع بين هذا المغلوط العقيدة ، ودقات الزار التي كانت تقتحم على نوافذ مكتبي .. دون مجير شهم ينقذني من الإثنين ..! .. يتبع .. |
وفي الصباح استيقظت على جرس التلفون .. يصيح صيحات طويلة ومعناها أن مكالمة قادمة من خارج القاهرة .. ورفعت السماعة .. لأجد أن المكالمة من الصعيد ، والمتكلم هو زوج خالتي .. ووالد زوجة إبراهيم الحران .. يعلنني أنهم سوف يصلون غداً .. وقد اتصل ليتأكد أنني في القاهرة .. خوفاً من أكون على سفر .. فهو يريدني لأمر هام .. ورحبت به ، وقلت : إنني في انتظارهم .. ولم يكن أمامي سوى أن أفعل هذا .. لألف سبب وسبب ! أولها أن الرجل الذي اتصل بي أكن له كل الاحترام والحب ، وأنني لمست في صوته رقة الرجاء ، وأنا ضعيف أمام اليائس الذي يلجأ إليّ في حاجة وفي وسعي أن أقضيها له .. أخشى أن أرده - ولو بالحسنى - وأحاول جاهداً أن أكون من الذين يجري الله الخير على أيديهم للناس .. رغم هذا يسبب لي الكثير من المتاعب، وضياع الوقت إلا أنني أحتسب كل ذلك عند الله .! وفي الغد ومع الركب الحزين ، وكان مؤلفاً من زوج خالتي أم زوجة إبراهيم الحران وابنتها التي أصابتها اللوثة بعد وفاة طفلها .. وكانت في حالة يرثى لها .. تفاقمت الحالة العقلية عندها - دخلت في مرحلة الكآبة العميقة .. رفضت معها الكلام، وفقدت فيها الشعور بما يدور حولها .. لاتستطيع أن تفرق بين النوم واليقظة ، ولا تجيب عمّن يحدثها .. انتقلت من دنيا الناس إلى دنيا من الوهم والكآبة .. حتى ذوت وصارت هيكلاً عظمياً .. ليس فيها من علامات الحياة .. سوى عينين كآلة زجاج .. يرسلان نظرات بلا معنى .. وقال لي الأب وهو حزين .. إنه يريد مني أن أتصل بابني وهوطبيب أمراض عصبية ونفسية ، ويعمل في دار الاستشفاء للأمراض النفسية والعصبية بالعباسية لكي يجد لها مكاناً في الدرجة الأولى ! . كانت الأم تبكي وهي نادمة تعترف بآثامها .. وكيف أنها بإصرارها على علاج ابنتها عند المشايخ، وبالجري والطواف حول الأضرحة ، وضياع الوقت جعلت المرض يستفحل، ويهدم كل قدرة لابنتها على مقاومته .. واعترفت بأنها أخطأت في حق زوج ابنتها إبراهيم الحران واستفزته بإصرارها، على الخطأ، ولكن عذرها أنها كانت ضحية لجهلها، ولعشرات السيدات اللاتي كن يؤكدن لها .. أن تجاربهن مع المشايخ ، والأضرحة والدجالين .. تجارب ناجحة ، والمثل يقول : "اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً " ! واستطعنا بفضل الله أن نجد لها مكاناً ، وأن نلحقها في نفس اليوم بالدرجة الأولى، وقال لي ابني : إنها حالة مطمئنة ، ولا تدعو إلى اليأس .. كل ما في الأمر.. أن الإهمال جعلها تتفاقم .. وبعد مضي أسبوع واحد من العلاج .. تحسنت السيدة ، وقد عولجت بالصدمات الكهربائية.. إلى جانب وسائل علاجية أخرى يعرفها المتخصصون، وخلال ذلك اتصل بي إبراهيم الحران فقلت له : إنني أريده في أمر هام، ولا بد أنه يزورني في البيت .. وحينما جاء شرحت له الأمر وقلت له : إن الأطباء يرون في استرداده لزوجته جزءاً من العلاج - أيضاً - ولكن لفت نظري فيه .. أنه بعد قراءته للكتب التي حصلت له عليها من "الدكتور جميل غازي" في التوحيد أن أصبح إنساناً جديداً .. فالعبارات التي كانت تجري على لسانه .. من الإقسام تارة بالمصحف، وتارة بالأنبياء ، وتارة ببعض المشاريخ قد اختفت نهائياً .. وعاد يمارس حياته بأسلوب الرجل الذي لايعبد غير الله ، ولا يخشى إلا الله ، ولا يرجو سوى الله .. وحتى بعد أن حدثته في أن يعيد زوجته .. أصر على أن يجعل هذه العودة مشروطة .. بأن تقلع أم زوجته عن معتقداتها القديمة ، وكذلك والد زوجته.. أما زوجته .. فقال : إنه كفيل بها .. وعقدت بينهما جميعاً مجلساً لم ينقصه إلا الزوجة لأنها كانت بالمستشفى .. وقبلوا شروطه بعد هذا الدرس القاسي .!! كان لزيارته في المستشفى .. أكبر الأثر في شفائها ، وزادت بهجتها حينما عرفت أنه أعادها إلى عصمته .. قال لي الذي كان يشرف على علاجها .. إن عودتها إلى زوجها وزيارته لها كانت العلاج الحقيقي الذي عجل بشفائها .. لأنها هي وحيدة أبويها .. حطمتها صدمة طلاقها . بعد شهر وعشرة أيام تقريباً تقرر خروجها ، وكان ينتظرها زوجها ووالدها ووالدتها في سيارة على الباب رحلت بهم إلى الصعيد فوراً !. لم أستطيع أن أنزع من نفسي بقايا هذه المأساة ، ولم يكن من السهل أن أتغافل عن الخرافة التي تخرب أو تهدم كل يوم بل وكل لحظة عشرات النفوس والبيوت في عشيرتي ، وأبناء ديني .. وعلى امتداد الوطن الإسلامي كله .. ووجدتني أسأل نفسي لماذا نحن الذين نعيش في الشرق الأوسط .. تمزقنا الخرافة ، وتجثم على صدور مجتمعنا الخزعبلات . فتمسك بنا وتعوقنا عن ممارسة الحضارة.. ؟ مع أن الغرب والمجتمع الأوربي ليس خالياً من الخرافات ، وليس خالياً من الخزعبلات ، ومع ذلك فهم يعيشون في حضارة ، ويمارسونها .. تدفع بهم ويدفون بها دائماً إلى الأمام ؟! .. يتبع .. |
الواقع أن خزعبلاتهم ، وخرافاتهم في مجموعها معادية للروح .. تدفع بهم إلى الانزلاق أكثر من الماديات ، وهذا هو ما يتفق وحضارتهم . !! أما هنا في الشرق .. فإن خرافاتنا معادية للعقل ، وللمادة معاً .. ! ولهذا كانت خرافاتنا هي المسؤلية عن تدمير حياتنا .. في الحاضر والمستقبل . وليس هنالك من سبيل لخروجنا من هذا المأزق الاجتماعي ، والحضاري سوى تنقية العقيدة مما ألصق بها وعلق بها من الشوائب التي ليست من الدين في شيء..! فحينما يصبح التوحيد أسلوب حياة ، وثقافة وعقيدة .. سوف تختفي من أفقنا وإلى الأبد .. هذه الغيوم .. غيوم الخرافات ، والدجل ، والشعوذة ، والكهانة التي لا تقوى . وتلك مسئولية ينبغي أن تقوم بها أجهزة التربية المباشرة ، وغير المباشرة فإن ما نعيشه الآن هو صورة أسوأ مما قرأت في الاعترافات ، ولو أنك اخترعت مائة أسرة كعينة عشوائية وبحثت فيها لوجدت أن كل ما رويته لك في هذه الاعترافات لا يمثل إلا قليل . ! { ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } ******* انتهت الرسالة ******* الحمد لله الذي أبان له طريق الحق والحمد لله الذي أكرمنا بأكبر النعم نعمة العقل والحمد لله على أن هدانا للإسلام تحياتي :) |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.