أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية - وقفة البوطي مع إبن تيميه (2)

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه بعض التعليقات على المقالة الثانية التي كتبها أبو أسامة
1- قال أبو أسامة:"الكوثري في تركيبته الفكرية وخلفيته التربوية لا يمكن إلا أن يكره ابن تيمية وكل ما جاء به". أقول: هذه الأمور لا تناقش هكذا، فالكوثري عالم كبير لا يستطيع واحد إنكار ذلك، وغاية الأمر أنه ترجح عنده أن ابن تيمية مبتدع مجسم متهافت، كما تقول أنت إن ابن تيمية ترجح عنده ضعف مذهب الأشاعرة. فهل يمكنك أن تعارض من يقول لك معارضا وعاكسا ما تقوله عن الكوثري في حق ابن تيمية:"ابن تيمية في تركيبته الفكرية وخلفيته التربوية لا يمكن إلا أن يكره الكوثري وكل ما جاء به الأشاعرة". من الواضح أن النقاش في هذه الأمور لا يمكن أن يتم هكذا معتمدا على مجرد تراشق التهم.
2- كررتَ اتهام الكوثري بأنه شعوبي من دون دليل وهذا اعتداء على العلماء، ينبئ عن تهافت فكري ألجأك إلى الاعتماد على مثل هذه الاتهامات.
3- الإمام الكوثري معالم حنفي من حقه أن يبرز ضعف مذهب غيره كالشافعية والمالكية والحنابلة، وهذا حق مشروع له ولكل من مرجح مذهبا ما دام لم يستهن ويتهافت في نقده.
4- أنت تقول واصفا الإمام الكوثري:"أما كبار علماء الحديث فأقل ما يقوله فيهم أنهم حشوية". أقول: هذا كلام باطل، فأنت عممت اتهامك للكوثري بأنه يتهم كبار المحدثين، والحقيقة أن بعض كبار المحدثين هم فعلا حشوية ومجسمة كأبي سعيد الدارمي صاحب كتاب الرد على بشر المريسي وغيره، والكوثري يتهم هؤلاء بالحشو وهم كذلك فعلا، ولكن هل اتهم الكوثري فعلا جميع كبار المحدثين بذلك؟؟؟! هذا لم يحدث مطلقا ، واتهامه بذلك كذب صريح عليه، فالكوثري يفتخر دائما بأن كثيرا من علماء الحديث هم أشاعرة أو ماتريدية (من أهل السنة) وليسوا مجسمة، فكيف تنسب إليه أنت ما تقوله. فأدعوك للتراجع عنها.
5- أما مسألة خلق الأفعال التي طولتَ في الكلام فيها، فحاصلها كما يلي :
6- أولا: ابن تيمية يقول بأن العباد يخلقون أفعال أنفسهم.
7- ثانيا: ابن حزم ينقل الإجماع على كفر من خالف في أن الله تعالى خالق لكل شيء.
8- ثالثا: لو سلم ابن تيمية لابن حزم هذا الإجماع للزمه تكفير نفسه، ولذلك اعترض على ادعاء الإجماع على ما نقله ابن حزم ليخرج نفسه من الدخول في حكم الكفر.
9- هذه هي كل المسألة
10- ومثلها، أن ابن تيمية يقول في كتبه إن الله تعالى لم يزل ومعه بعض خلقه، لأنه يقول بالقدم النوعي للعالم، وابن حزم ينقل الإجماع على أن الله تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه، فلو سلم ابن تيمية لابن حزم هذا الإجماع للزمه تكفير نفسه، ولذلك فقد قدح أيضا في هذا الإجماع. فاعتراض ابن تيمية على كلام ابن حزم ليس نقدا خالصا عن الأهداف كما يحلو لك تصويره، بل له مقاصد هي كما ذكرناه لك. وكل كلام غير هذا فهو زائد لا حاجة له.
11- أنت يا أبا أسامة لم ترتض من الدكتور علي سامي النشار انتقاد ابن تيمية في قوله بالأسباب والعلل الحادثة، كما عترضت على البوطي انتقاده لابن تيمية لنفس السبب. إذن أنت لا ترضى لأي ناقد أن ينقد ابن تيمية في هذا المجال. أنت تتعصب لابن تيمية مطلقا. فإن القول بالعلل هو مما تميزت به الفلسفة اليونانية وهو أساس فلسفة أرسطو، وقال المعتزلة بالتولد، وقالت الشيعة بصورة قريبة مما يقول به أرسطو وابن سينا. وأبرز الذين خالفوا هذه المسألة من الإسلاميين هم أهل السنة الأشاعرة، فابن تيمية خالف الأشاعرة ووافق الفلاسفة وهذا وصف صحيح لحال ابن تيمية لا مجرد اتهام عارٍ عن الدليل. والقول بالتعلل له مفاسد وضحها علماء أهل السنة في كتب علم الكلام .
12- الدكتور علي سامي النشار عندما ألف كتاب مناهج البحث كان في بداية حياته الفكرية، ومع أنه مدح ابن تيمية فيه، إلا أنه انتقده في بعض المسائل أيضا. ولكنه عندما نضجت أفكاره أعني الدكتور النشار توضحت صورة ابن تيمية عنده وخاصة في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، فقد انتقد ابن تيمية في أكثر من موضع. ولعلك لا تعرف ذلك ، ولذلك حكمت على الدكتور النشار بالحياد في الحكم على ابن تيمية إجمالا، (وهذا الإجمال جاء لأنه انتقد ابن في بعض المواضع، وإلا فلو لم ينتقده بالمرة في كتابه مناهج البحث لحكمت عليه أنت بالحياد تفصيلا؟؟؟!!) ، وحكمت بالتعصب على البوطي في حكمه على ابن تيمية. وأنا متأكد أنك عندما تعرف موقف النشار من ابن تيمية وغيره ممن يخالف أهل السنة الأشاعرة فإنك ستغير حكمك عليه من الحياد إلى التعصب أيضا، لأنك يا أبا أسامة منطلق في حكمك عليه أولا بالحياد وأخيرا –كما أتوقع- بالتعصب منطلق في هذين الموقفين من تعصبك لابن تيمية مطلقا، ولذلك أيضا حكمت على البوطي بالتعصب وكذلك على الكوثري وأنت تحكم بذلك على كل من يخالف ابن تيمية !!! أليس كذلك.
13- وأخيرا أنا لا أريد أن أتعقب كلامك كله، فإن الغلط والتسرع موجودان بكثرة فيه، ولكني اقتصرت على المواضع السابقة اختصارا.
14- وعلى كل حال فإنني أوجه إليك هذه الدعوة الآن
15- المسألة الأساسية عندك كما هو واضح ليس هو البوطي ولا نشار ولا غيرهما، بل المسألة الرئيسية هي ابن تيمية، وادعاء براءته من سائر التم التي ينسبها إليه خصومه.
16- إن من أهم الاتهامات التي ينسبها إلى ابن تيمية خصومه من الأشاعرة هي تهمة التجسيم ولوازم التجسيم كالقول بالحد والجهة وغير ذلك. فأنا أتحداك الآن وأتحدى كل من يدافع عن ابن تيمية في نقاش متصل على المسألة التالية.
17- أنا أقول: إن ابن تيمية ينسب إلى الله تعالى الحدَّ لا من جهة التحت فقط بل من سائر الجهات ، فيقول إن الله عز وجل محدود من سائر الجهات الست، لا من جهة التحت فقط. وأنت تقول –وكذلك جميع أتباع هذا الرجل - إن ابن تيمية ينفي ذلك كله، فأنا أدعوك إلى الإتيان بأدلة تامة ونصوص واضحة من كلام ابن تيمية نفسه على أن ابن تيمية ينفي ذلك، والإتيان بنصوص من كتبه تدل على ذلك صراحة.
18- أتحداك أن تقبل بهذه المناظرة وتحت رعاية الخيمة .
19- وإلا فإن عليك أنت ومن يوافقك أن تستحوا من الاستمرار على اتباع هذا الرجل ومن المجادلة الباطلة التي تدفعكم إلى الوقوع في أغلاط متكررة لا تشعرون بعدها بأنكم غرقتم في أوحال التجسيم. والله الموفق.