![]() |
بسم الله الرحمن الرحيم أخي الفاضل مبلغ شكرا لك على الدعاء والمرور (ولا ننسى أخانا غيث في الدعاء) وشكرا على الثناء الذي لا أستحقه، أما بخصوص ملاحظتك فإني ممنون لك كثيرا ولكن دعني أتحقق من الموضوع أكثر . وسلام الله عليك وعلى الجميع . |
مع آيات السكينة :
مع آيات السكينة إن البشرية اليوم تحتاج الى من يفتح لها نوافذ السكينة لتدلف النفوس الى واحات الرحمة ، ولتذوق طعم الراحة والطمأنينة ، لتُشرق حينئذ الحياة وتُذاق لذتها ، فلا يضر المرء حينها أن يعيش في وسط هذا الزخم المذهل من جمود الحياة وتقلص سعادتها ، فالعبد يحتاج الى كل ملطف يلطف به أرجاء نفسه لتصفو ، ويطرق كل باب يستطيعه ليترقى في درجات الفلاح ويعلو ، وإن القرآن الكريم أعظم ما تطمئن به القلوب وترتاح ، وأنجع ما تُدفع به الهموم والاتراح ، ونقتبس من معينه في هذه الكلمات آيات السكينة ، ونسلط عليها الضوء لنعرف الحق ونستبينه ، قال ابن القيم – رحمه الله - : وكان شيخ الإسلام إبن تيمية إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة. وهذا من فقهه للكتاب والسنة على ما سنذكره من الآيات ، وقد استفاد ابن القيم من هذه الفائدة العظيمة من شيخه فعمل بها حيث يقول " وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه ، فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته " . ياللــــه! ما أشد حاجتنا إلى هذا العلاج القرآني ، وحالات القلق والهموم والإضطرابات العصبية والأحزان ..، قد عصفت بكثير من أبناء الجيل ، فجعلتهم ما بين جريح وقتيل ، مع أن العلاج بسيط جدا ، والوصفة يملكها كل مسلم . وهذه الآيات التي سأذكرها هي أحد بنود هذه الوصفة ، إذا قرأها موقنا بها قلبه ، فإنها – بإذن الله – من أعظم الأسباب في سكون القلب وتلاشي اضطرابه ، وهي تشمل كل ما ذكر من لفظ السكينة في القرآن ، جُمعت هنا ليسهل حفظها ، مع تذكير سريع بالأجواء التي نزلت فيها ليتيسر فهمها وهي كالتالي : 1- ( وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ){البقرة :248} قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير هذه الآية " و( التَّابُوتُ ) شيء من الخشب أو من العاج يُشبه الصندوق ، ينزل ويصطحبونه معهم ، و فيه السكينة – يعني أنه كالشيء الذي يُسكنهم ويطمئنون إليه – وهذا من آيات الله " و قال " وصار معهم – أي التابوت – يصطحبونه في غزواتهم فيه السكينة من الله سبحانه وتعالى : أنهم إذا رأوا هذا التابوت سكنت قلوبهم ، وانشرحت صدورهم " 2- في يوم حنين وفي تلك الساعات الحرجة ، التي قال الله عنها ( وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {25} ) نزلت السكينة فقال تعالى : ( ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ) {التوبة : 26} 3- ولو نظر أحد المشركين الى ما تحت قدمه في يوم الهجرة لرأى النبي وصاحبه قال ابن سعدي : " فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة ، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما فأنزل الله عليهما من نصره مالا يخطر على بال " فقال تعالى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) {التوبة :40} 4- وفي الحديبية تزلزلت القلوب من تحكم الكفار عليهم فنزلت في تلك اللحظات السكينة فقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ){الفتح :4} ، والظاهر - والله أعلم – بأن الحديبية كانت من أشد المواقف التي أُمتحن فيها المسلمون ، يدل على ذلك تنزّل السكينة فيها أكثر من مرة كان هذا الموقف أحدها . 5- وهذا الموقف الثاني الذي ذكر الله فيه تنزّل السكينة في الحديبية ، عند بيعة الرضوان حيث قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) {الفتح : 18} قال سيد قطب : 6- وهذه الآية السادسة والأخيرة وهي المرة الثالثة الذي ذكر الله تنزّل السكينة فيها في الحديبية فقال تعالى : ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ){الفتح :26} يقول سيد قطب – رحمه الله – عن قوله تعالى ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ) " بهذا التعبير يرسم السكينة نازلة في هينة وهدوء ووقار ، تُضفي على القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة بردا وسلاما و طمأنينة وارتياحا " فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية السكينة ، وأن بعض المواقف تحتاج الى تنزّل السكينة أكثر من مرة لأهميتها في تجاوز ذلك الموقف – والموفق من وفقه الله - . فتأمل نزول السكينة في الساعات الحرجة ولحظات الإضطراب ، ثم تأمل حساسية المواقف التي نزلت فيها تلك الآيات و تنوع أشكالها ، لعلك تُدرك أثر السكينة في تثبيت النفس وسكون اضطرابها ، وعميق ما تُخلفه من ظلال وارفة على القلب قد آتت ثمارها . فهذه آيات السكينة في القرآن ، وهذا بعض أثرها على قلبك أيها الإنسان ، فلتحفظها ولتكن منك على بال ، ولنقرأها على أنفسنا وأزواجنا والأطفال ، فإن الأثر عظيم ، والنتيجة معلومة . اللهم لولاك ما اهتدينـا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلـن سكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا اللهم اجعلنا ممن تتنزل عليه السكينة ، وتغشاه الرحمة ، وتحفه الملائكة ، واجعلنا ممن تذكره عندك عندك في الملأ الأعلى .... آمين ..آمين
فرحان العطار
|
هل أنت أسد من أسود الله ؟
هل أنت أسد من أسود الله ؟ خالد الرفاعي إن الكلمة لها وقع عظيم على النفس فقد تفتح للشخص الذي تكلمه آفاق الإيمان وتلامس شغاف قلبه فيكون هناك بصيص نور يشع له حياته لينطلق بكل قوة وما أجمل الحماس المتوازن الذي بعده النجاح المستمر . شاب في المدينة المنورة كان يضيع وقته ويدخن بل يتعدى على الغير بل متورط في بعض الأمور جاء في وسط رمضان متبدل الحال عليه هيبة، ونور يغمر وجهه ويعلن أنه أقبل على الله تفاجأ الجميع بذلك بل عانقوه بحرارة ودعاء صادق بل لم يكتف وأعلن أنه سيعتكف في الحرم وسيبذل جهده في نشر هذه اللذة الإيمان والتي وجدها في قلبه لكل الناس ويصبح أسد من أسود الله ويقول: ليرنّ الله ما أعمل ؟ وأخرى في المدينة ...فتاة كانت في العشرين من عمرها تعلقت بثياب والدها وقالت له: منذ عشرين سنة وأنت تجد هذه السعادة الإيمانية وتحرمنا منها ولا تخبرنا عنها ، لن أسامحك أبداً وأجهشت بالبكاء ؟ وهي الآن بألف امرأة في الدعوة لله ما تتكلم إلا وتؤثر وتُبكي من يسمعها، لا تترك صيام أو صلاة ليس الفرض بل النوافل وزيادة... إنه الإيمان . وآخر التقيت به في جدة وبعد محاولات لأخرج بسرٍ من أسراه الإيمانية قال : إني أقر كل يوم جزأين من القرآن الكريم وأسبح وأستغفر وأحوقل وأذكر الله أكثر من سبعة آلاف مرة وأعيش في حياة سعيدة لا يصفها أحد . وآخر في جدة: كان متورط في المخدرات ، بل رأس فيها ، جاءه ناصح وكلمه ومن معه ، فلم ينفع معهم بل سخروا منه كثيراً فوقف الناصح على ركبتيه وهو جالس ورفع يده إلى السماء وقال أما أنا فأريد الفردوس الأعلى فتقشعرت أجسامهم فتأثروا كثيرا بل أعلن رئيس العصابة توبته وتتابعوا وأحداً تلي الآخر بإعلان إقبالهم على الله وتوبتهم ورئيسهم الآن في مكة ويطلق عليه عابد الحرمين من كثرة عبادته . أخي: كلمة لها أثر و ابتسامة من أعماق قلبك ونصيحة من القلب تقع في القلب . ذلك الشاب سمع كلمة صادقة من ناصح ،والفتاة سمعت توجيه إيماني من والدها والشيخ يطمئن بكثرة ذكر الله والعصابة شعرت بتحريك لإيمانها فكلهم اشترك بينهم داعي الإيمان وصدق الكلمة التي انطلقت ودخلت لقلوبهم . أختي ، أخي : الناس فيهم خير فكلمة وابتسامة تحرك القلوب لله . ![]() |
جزاك الله خيرآ أخي النسري على جهدك وعطائك المبارك
|
أصول نفيسة في اصلاح القلوب :
[color=blue][color=blue]
أصول نفيسة في اصلاح القلوب
لفضيلة الشيخ عبدالهادي بن حسن وهبي
عَلَيْكَ ـ بارك الله فيك ـ بِحِفْظِ القلب وَإصْلاحِهِ وَحُسْنِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَبَذْلِ المَجْهُودِ، فإنّه أكْثرالأعْضاء أَثَراً، وَأَدَقُّهَا أَمْراً وَأَشَقُّهَا إِصْلاحا، وَأَذْكُرُ فِيهِ خمسةَ أُصُولٍ مُقْنِعَةٍ : الأصْلُ الأول : القلب موضع نظر الله عزوجل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: »إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ «. فَالْقَلْبُ إِذنْ مَوْضِعُ نَظَرِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيَا عَجَباً مِمَّنْ يَهْتَمُّ بِوَجْهِهِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ نَظَرِ الْخَلْقِ، فَيَغْسِلُهُ وَيُنَظِّفُهُ مِنَ الأقْذَارِ وَالأَدْنَاسِ، وَيُزَيِّنُهُ بِمَا أَمْكَنَهُ، لِئَلاَّ يَطَّلِعَ مَخْلُوقٌ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ، وَلاَيَهْتَمُّ بِقَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ نَظَر رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيُطَهِّرَهُ وَيُزَيِّنَهُ وَيُطَيِّبَهُ، كَيْ لاَ يَطَّلِعَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ عَلَى دَنَسٍ فِيهِ وَشَيْنٍ وَآفَةٍ وَعَيْبٍ، بَلْ يُهْمِلُهُ بِفَضَائِحَ وَأَقْذَارٍ وَقَبَائِحَ، لَواطَّلَعَ الْخَلْقُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، لَهَجَرُوهُ وَتَبَرَّؤوا مِنْهُ وَطَرَدُوهُ. واللَّهُ المُسْتَعَانُ. الأَصْلُ الثَّاني : الْقَلْبُ مَلكٌ مُطاَعٌ وَرَئيسٌ مُتَّبَعٌ إنَّ الأَعْضاءَ كُلَّها تَبَعٌ للقلب،فَإذَا صَلَحَ المتْبُوعُ صَلَحَ التَّبَعُ، وَإِذَا اسْتَقَامَ المَلِكُ اسْتَقَامَت الرَّعِيَّةُ. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ... ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ ». وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » لاَ يَسْتَقِيم إيمانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيم قَلْبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ «. والمراد باستقامة إيمانه: استقامة أعمالِ جوارحه، فإنَّ أعمالَ الجوارحِ لا تستقيمُ إلاَّ باستقامةِ القلبِ، ومعنى استقامة القلبِ أنْ يكونَ ممتلئاً منْ محبَّةِ الله، ومحبَّةِ طاعتهِ، وكراهةِ معصيتهِ. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان «. ومعنى هذا أنَّ حركاتِ القلبِ والجوارحِ إذا كانت كلُّها لله فقد كمُلَ إيمان العبد بذلك ظاهراً وباطناً، ويلزم من صلاح حركات القلبِ صلاحُ حركات الجوارح، فإذا كان القلبُ صالحاً ليس فيهِ إلاَّ إرادةُ الله وإرادة ما يريده لم تنبعث الجوارحُ إلاَّ فيما يريده الله، فسارعت إلى ما فيه رضاه، وكفَّتْ عمَّا يكرهه، وعمَّا يخشى أنْ يكونَ مما يكرهه وإنْ لمْ يتيقن ذلك. إذا علمت ذلك " وجبت العنايةُ بالأمور التي يصلحُ بها القلبُ، ليتَّصفَ بها، وبالأمور التي تفسد القلب ليتجنبها ". الأصل الثالث : القلب كثير التقلُّب عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : لا أقول في رجل خيراً ولاشراً،حتى أنظر ما يختم له ـ يعني ـ بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: وما سمعت؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » لقَلب ابنِ آدمَ أشدُّ انقلاباً من القِدْرِ إذا اجْتَمَعَتْ غَلَياناً «. ومعلومٌ سرعةُ حركةِ القدْرِ. وقال القائل : مـا سُـمـِّـيَ الـقلـب إلاّ مـِنْ تقلُّبِه ..................... فـاحــذْر على القلــب من قَلْـبٍ وتحويل وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن«. فهنا يصوِّر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم القلب وكأنه ريشة لخفته ولتأثير الفتن عليه ، صغيرها وكبيرها تماما مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغير اتجاهها ؛ ولاستيقان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة كان يحلف : » لا ومقلِّب القلوب «. فأدْنى شيءٍ يخدشُه ويُدنِّسُه ويؤثِّرُ فيه، فهو كأبيضِ ثوبٍ يكونُ؛ يؤثِّرُ فيه أدنى أثرٍ، وكالمرآةِ الصافية جدًّا؛ أدْنى شيءٍ يؤثِّرُ فيها، ولهذا تُشوِّشُهُ اللحظةُ واللفظةُ والشهوةُ الخفية. الأصل الرابع : القلب عرضةٌ للفتن عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَعرض الْحَصِيرِ عُوداً عُوداً ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَعُودَ القُلُوبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: قلبٍ أَسْوَدَ مُرْبَادّاً كَالْكُوزِ مُجَخِّياً لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَراً؛ إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ، وَقَلبٍ أَبْيَضْ، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ«. فشبَّه عَرْضَ الفِتَنِ على القُلوبِ شيئاً فشيئاً؛ كعَرْضِ عيدانِ الحصيرِ شيئاً فشيئاً. وقسَّمَ القلوبَ عندَ عرضِها عليها إلى قسمينِ : قلبٌ إذا عُرِضَتْ عليهِ فتنةٌ أُشْرِبَها؛ كما يُشْرَبُ السِّفَنْجُ الماءَ، فتُنْكَتُ فيه نكتةٌ سوداءُ. وفي حديث الإفك: قالت عائشة لأبويها رضي الله عنهم:" ـ والله يشهد إنِّي صادقة ـ ما ذاك بنافعي لكم، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم .." أي: حل فيها محل الشرب وقبلوه . إذا ما القــلب أشرب حـــبَّ شيءٍ ....................فـلا تأمــل له عنـــه انصرافـــا فلا يزالُ يُشْرَبُ كلَّ فتنةٍ تُعْرَضُ عليهِ حتى يَسْوَدَّ وينتكسَ، وهو معنى قولِهِ: » كالكوزِ مُجَخِّياً «؛ أي : مكبوباً منكوساً، فإذا اسودَّ وانتكسَ عرضَ لهُ مِن هاتينِ الآفَتَينِ مرضانِ خطيرانِ متراميانِ بهِ إلى الهلاكِ. أحدُهُما : اشتباهُ المعروفِ عليهِ بالمنكرِ، فلا يعرِفُ معروفاً، ولا يُنْكِرُ منكراً، وربّما استحكمَ عليهِ هذا المرضُ حتى يعتقِدَ المعروفَ منكراً، والمنكرَ معروفاً، والسُّنَّةَ بِدعةً والبدعةَ سُنَّةً، والحقَّ باطلاً والباطلَ حقّاً. الثَّاني: تحكيمُهُ هواهُ على ماس جاءَ بهِ الرسولُ صلى الله عليهوسلم، وانقيادُهُ للهوى واتِّباعُه لهُ. وقلبٌ أبيضُ قد أشرقَ فيهِ نورُ الإيمانِ، وأزهرَ فيهِ مصباحُهُ، فإذا عُرِضَتْ عليهِ الفتنةُ أنكَرَهاَ وردَّها، فازدادَ نورهُ وإشراقُه وقوَّتُه . والفِتَنُ التي تُعْرَضُ على القلوبِ هي أسبابُ مرضِها ، وهي فِتَنُ الشَّهواتِ وَفِتَنُ الشُّبُهاتِ16. ففتنة الشبهات إمَّا باعتقاد خلاف الحقِّ الذي أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل به كتابه . كالذي ينفي علوّ الله على العرش ، ونزوله إلى السماء الدنيا، وكلامه بحرف وصوت . وإمَّا بالتعبد بمالم يأذن به الله . وأما فتنة الشهوات ففي قوله تعالى:(فلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ). أي: لا تلنَّ في الكلام فيطمعَ الذي في قلبه فجور وزناءٌ. قالوا: والمرأة ينبغي لها إذا خاطبت الأجانب أن تُغلظَ كلامها وتقوِّيَهُ، ولا تليِّنَهُ وتكسِّرَهُ؛ فإنَّ ذلك أبعدُ من الريبة والطمع فيها. فالأول: هو البدع وما والاه. والثاني: فسق الأعمال. ولهذا كان السلف يقولون: احذروافتنة العالم الفاجر،والعابد الجاهل؛فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون. الأصل الخامس :تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب إنّ الأعمال لا تتفاضل بصُوَرِهَا وعَدَدِها، وإنما تتفاضَلُ بتَفاضُلِ ما في القُلوبِ، فتكونُ صورةُ العملينِ واحدةً، وبينَهما في التَّفاضُلِ كما بين السماءِ والأرضِ، والرَّجُلانِ يكون مَقامُهُما في الصَّفِّ واحداً، وبين صلاتَيْهِما كما بينَ السَّماءِ والأرضِ ، وذلكَ أنَّ أحدهما مقبلٌ على الله عزوجل، والآخر ساهٍ غافل، فينصرف من صلاته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه، وأثقاله لمْ تخفَّ عنه بالصلاة، فإنَّ الصلاة إنَّما تكفِّرُ سيئاتِ منْ أدَّى حقَّها، وأكملَ خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه. وكلُّ قولٍ وفعلٍ رتَّبَ الشارع ما رتَّبَ عليه من الثوابِ، فإنّما هو القولُ التّامُّ والفعل التامّ، كقوله صلى الله عليه وسلم : » مَنْ قَالَ : سبحانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مِائة مَرَّةٍ ، حُطَّتْ عَنْهُ خَطاياهُ وَلَوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ «. وليسَ هذا مرتباً على مجرَّدِ قولِ اللَّسانِ، نعم مَنْ قالها بلِسانِهِ، غافِلاً عن معناها، مُعرِضاً عن تَدَبُّرِها، وَلَمْ يُواطِئ قَلْبُهُ لسانَهُ، ولا عَرَفَ قَدْرَها وحَقيقَتَها، راجياً معَ ذلك ثوابَها، حَطَّتْ من خطاياهُ بِحَسَبِ ما في قَلْبِهِ... فالعمل الذي يكفِّرُ الذنوبَ تكفيراً كاملاً هو العمل الكامل، وأمَّا عملٌ شملته الغفلةُ، أو لأكثرهِ، وفقد الإخلاصَ الذي هو روحه، ولمْ يقدِّرْهُ حقَّ قدْرهِ؛ فأيُّ شيءٍ يكفِّرُ هذا؟! وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة، وهما: تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان. وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه. ومن لم يكن له فقه نفس في هذين الأمرين ومعرفة بهما، فإنه يفوته ربح كبير وهو لا يشعر. وتأمَّلْ هذا الذي نحَّى غصن الشوك عن الطريق، فعله إذْ ذاك بإيمانٍ خالص، وإخلاص قائم بقلبه، فغفر له بذلك، وليس كلّ من نحّى غصن شوكٍ عن الطريق يغفر له. وانظر وقتَ أخذِكَ في القراءةِ إذا أعْرضْتَ عن واجبها وتدبُّرها وتعقُّلها، وفهم ما أريدَ بكلِّ آيةٍ، وحظِّكَ من الخطابِ بها، وتنزيلها على أدْواءِ قلبكَ والتقيُّدِ بها ، كيفَ تدْرِكُ الخَتْمَةَ - أو أكثرها، أو ما قرأتَ منها - بسهولةٍ وخِفَّةٍ، مستكثراً من القراءةِ، فإذا ألزمتَ نفسكَ التدبُّرَ ومعرفةَ المراد، والنَّظرَ إلى ما يخُصُّكَ منه، والتعبُّدَ بهِ، وتنزيلَ دوائهِ على أدْواءِ قلبكَ، والاستشفاءَ به، لمْ تكدْ تجوزُ السُّورةَ أو الآية إلى غيرها، وكذلك إذا جمعت قلبكَ كلَّهُ على ركعتينِ، أعطيتَهُما ما تقدرُ عليه من الحضورِ، والخشوعِ والمراقبةِ، لمْ تكدْ أنْ تصلِّي غيرهما إلاَّ بجهدٍ، فإذا خلا القلب من ذلك عددْتَ الرَّكعاتِ بلا حسابٍ. فهكذا الأعمالُ والعُمّالُ عند اللهِ، والغافِلُ في غَفْلَةٍ عن هذا ... ولا ريب أنّ مجرد القيام بأعمال الجوارح، منْ غير حضورٍ ولا مراقبةٍ، ولا إقْبالٍ على الله قليل المنْفعة، دنيا وأُخْرى، كثير المؤنةِ، فإنَّهُ - وإنْ كثُرَ - متعبٌ غير مفيدٍ. وَلِمِثْلِ هذا المَعْنَى إنَّما وَقَعَ نَظَرُ أُولي الأَبْصَارِ مِنَ الْعُبَّادِ فِي مِثْلِ هذِهِ الدَّقَائِقِ ، وَاهْتَمُّوا بإحسان العمل ، وَلَمْ تُغْنِهِمْ كَثْرَةُ الأَعْمَالِ بِالظَّاهِرِ، وجعلوا نصب أعْينهم قول الله تعالى:(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [ الملك: 2 ]. وَأَمَّا الْذِينَ قَلَّ عِلْمُهُمْ، وَكَلَّ في هذَا الْبَابِ نَظَرُهُمْ، فَجَهِلُوا المَعَانِيَ، وَأَغْفَلُوا أعْمال الْقُلُوبِ، وَاشْتَغَلُوا بِإتْعَابِ النُّفُوس بالُّركُوعِ وَالسُّجوُدِ، وَالإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِ، فَغَرَّهُمُ العَدَدُ وَالْكَثْرَةُ .وَمَا يُغْنِي عَدَدُ الْجَوْزِ وَلاَ لبَّ فِيهَا ؟ وَمَا يَنْفَعُ رَفْعُ السُّقُوفِ وَلَمْ تُحْكَم مَبَانِيهَا ؟ وَمَا يَعْقِلُ هذِهِ الْحَقَائِقَ إِلاَّ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ عزوجل، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى وَليُّ الْهِدَايَةِ بِفَضْلِه. وكفى بهذه الأُصولِ واعظاً لمن اتَّعَظَ.وما يعقلها إلاَّ كلُّ ذي فهمٍ مستقيم. [ ![]() |
حكم من التزم ثم أصابه الفتور :
حكم من التزم ثم أصابه الفتور : السؤال: إنني شاب مستقيم، وفي بداية التزامي كنت أقوم بالاعتناء بنفسي وإيماني كثيراً، ولكن مع طول الطريق، بدأت في التكاسل وانقلبت كثير من الأعمال إلى عادات، ويشكو آخرون بنفس الشكوى من أنهم بعد فترة من التزامهم شعروا بقسوة في قلوبهم, نرجو توجيه نصيحة لي وللباقين؟ الجواب: نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، هذه سنة الله أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16] لا شك أن طول الأمد وإن كان هو نسبي أنه يؤدي إلى ذلك، ولهذا نحتاج إلى تجديد الإيمان، كما في حديث: {إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب } أي: يبلى كالثوب إذا جئت إليه وقد بلي فإنه يتفتت في اليد، فالإيمان يبلى في القلوب فيحتاج إلى تجديد، فنحتاج جميعاً أن نجدد إيماننا. ومن هنا كان قدوم الإنسان خمس مرات إلى المسجد وسماعه في كل مرة آيات يقرؤها الإمام في المغرب ثم في العشاء، وما يلقى من مواعظ تجعل الإنسان يتدبر فيما يتكرر عليه، ومثل ما يتكرر كل يوم: موعظة الليل والنهار، ولكن أكثر الناس قد لا يتذكرها مرة واحدة، وبعضهم يتذكرها مرة واحدة، لكن المؤمن يحتاج في كل مرة وفي كل يوم أن يتذكر ويتفكر كما قال الله تبارك وتعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62]، فينظر إلى الليل وما فيه من حِكم أو عجائب، وإلى النهار من طلوع الشمس إلى غروبها، فلم يأتِ يوم من الأيام يقول الناس فيه: لم تطلع الشمس اليوم, سبحان الله! كذلك في الليل وفي أنفسهم، فهذه مجددات ومقومات الإيمان مما يتكرر، فما بالك فيما لا يتكرر، فعلى الإنسان أن يحرص على تجديد إيمانه. ولا شك أن الإنسان في بداية أمره وأول التزامه -وغالباً التائب- يكون أصدق ما يكون, كما جاء في حديث الرجل الذي قتل مائة نفس، عندما توجه بقلبه بصدق إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لكن سبحان الله! بعد أن يتوب ويطمئن ويدخل في غمار الإيمان فترة, تبدأ الغفلة في الظهور ويمسه طائف من الشيطان, وما أشبه ذلك, وهذا حال القلوب جميعاً, ولكن لا بد من المصابرة ومن تجديد الإيمان بذكر الله، وقراء القرآن، وزيارة المقابر، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، والاعتبار بمصير الأحياء والأموات، وكل ما من شأنه أن يحيى إيمان القلب إن شاء الله. ![]() ![]() ![]() |
يقول الحق سبحانه وتعالى: ![]() (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ* اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) عتاب مؤثِّر من المولى الكريم الرحيم، عتاب فيه الودّ، وفيه الحضّ، وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال الله والخشوع لذكره، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق؛ من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام. إن هذا القلب البشري سريع التقلب سريع النسيان، وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور ويرف كالشعاع، فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكُّر تبلَّد وقسا وانطمست إشراقته وأظلم وأعتم، فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع، ولا بد من الطَّرْق عليه حتى يرق ويشف، ولا بد من اليقظة الدائمة كيلا يصيبه التبلد والقساوة. ولكن.. لا يأس من قلب خمد وجحد وقسا وتبلد، فإنه يمكن أن تدبّ فيه الحياة، وأن يشرق فيه النور، وأن يخشع لذكر الله، فالله يحيي الأرض بعد موتها، فتنبض بالحياة، وتزخر بالنبت والزهر، وتمنح الأكل والثمار، وكذلك القلوب حين يشاء الله ... (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا).
بلي، يا ربِّ قد آن لنا أن تخشع قلوبنا، وآن لنا أن نتوب.. نقف ببابك.. نرجو رحمتك وعفوك.. نتشرف أنا عبادك.. يا حليم.. يا غفار.. يا أرحم الراحمين
|
سلامة القلب :
سلامة القلب :heartpump:heartpump:heartpump:heartpump
بقلم الأستاذ عبد السلام ياسين
نتحدث عن تجديد الدين والإيمان في القلب. والحديث عن القلب وعن تربية الإيمان في القلب هو نقطة البداية. وإن تجديد الإسلام ، تجديد الدين، هو نصيحة العامة والخاصة، نصيحة الخاصة هي التربية، ونصيحة العامة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، ولا جهاد إلا بتربية. إذا كان المومنون باليا إيمانهم، إذا كان المومنون قاعدين خاملين نائمين، لم يجددوا إيمانهم حتى يدعوهم للنهوض بأعباء الدين ويدعوهم للخروج من قوقعة السكوت والصمت والخوف والجبن والقعود، إذا لم يحي الإيمان في قلوبهم فإنه لن يتجدد الدين. فتجديد الإيمان في القلب مرتبط بتجديد الدين في ساحة الجهاد، فعندما نلح على القلب، وأسرار القلب، وأعمال القلب، وخشية الله، ومحبة الله، والإقبال على الله، والجهاد في سبيل الله، وربط العلاقة بالله، فإننا نفعل ذلك لأنه مقدمة ضرورية في تجديد الدين، بمعنى إقامة خلافة الله في الأرض والحكم بما أنزل الله. وعن القلب نتحدث: قال الله عز وجل مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه النصيحة العلية والوصية الربانية: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" سورة الكهف، الآية28. هذه الآيةـ يا من تقرأون حزبكم من القرآن الكريم ولا تغفلون عنه ـ هذه الآية الكريمة من سورة الكهف، حيث يحث الله عز وجل نبيه وهو سيد الذاكرين وسيد الصابرين يأمره بالصبر، ويطلب إليه مزيدا من الصبر مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. أمره ربه عز وجل أن يصبر مع الذاكرين مع الذين يدعو ن ربهم بالغداة والعشي، هؤلاء الذين كرسوا حياتهم وجميع أوقاتهم، في الصباح والمساء لذكر الله ودعائه بإرادة صحيحة التوجه إلى الله:"يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه". ونهاه أن يتعداهم وأن ينضم إلى غيرهم من الغافلين: "ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا". كذلك كل مؤمن منا مخاطب بهذه الآية، كي يجتمع مع المومنين ولكي ينقطع ما بينه وبين الغافلين، ولكي ينقطع عن نشدان زينة الحياة الدنيا وطلبها، ولكي يطلب وجه الله عز وجل بإرادة صحيحة الوجهة صادقة. مومن أو مومنة اكتمل فيهما شروط "الصبر مع" والدعاء الخالص الصادق، والإرادة الصحيحة التوجه إلى المولى عز وجل يرجى لهما أن يصبحا يوما ما مجاهدين. أما ذاك الذي يكتفي بمجلس علمي أو بدرس يتلقاه، يكتفي بمسجد صلى فيه التراويح، وصلى فيه الخمس، ثم ينصرف إلى ما كان فيه من غفلة، وإلى ما كان فيه من قعود، فهذا لا يرجى له أن يلحق بهذا الركب المبارك. "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا". يقول المفسرون "الفرط" من مادة فرط ومنه فرط وأفرط، معناه: المبالغة في الأمر الذي لا ينفع، والتفريط في الأمر الذي ينفع. فمن غفل عن الله عز وجل فقد ضيع دينه، و أضاع حياته، وصرف أوقاته فيما لا يبني لنفسه مصيرا حسنا عند الله، وما لا يبني للأمة مصير العز الذي وعدت به الأمة ووعد به المومنون. نتحدث اليوم عن السير القلبي إلى الله، كيف يسير القلب إلى الله؟ كيف يبدأ القلب من حالة الركود والموت، فينشط من غفلته، ويحيى من موته، فيقبل على الله عز وجل، ثم تتوقد فيه أنوار طلب الحق عز وجل وأنوار الإرادة فيبدأ سيره إلى الله عز وجل؟ ومن أنواع القلوب الغافلة، ومنها القلوب القاسية ومنها القلوب الكافرة والمنافقة، ومنها القلوب السليمة. الآن نتحدث عن السير، سير القلب، هل لهذا ذكر في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم هو كلام يطلقه بعضهم على عواهنه دون أن يكون له أصل من الشرع؟ نقرأ في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى: "سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" سورة آل عمران، الايتان133-134. هذا في سورة آل عمران. ونقرأ في سورة الحديد قول الله عز وجل: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله" سورة الحديد، الآية20. هذا الإسراع ما كنهه؟ كيف يكون؟ وبم يكون؟ هل هو إسراع بالجوارح أم إسراع بالجسم؟ هل هو تخط للمسافات بالفكر؟ هل يكفي أن يرتقي المسلم و المومن بأوهامه الفكرية ولحاقاته الجسدية من عالم الغفلة عن الله فيصبح من الذاكرين؟ أو ينتقل بهما من عالم الرضى بالأمر الواقع المكروه المنكر، فيصبح من المجاهدين؟ أم لا بد من تزكية النفس وتربيتها وحملها على المكاره؟ أم لا بد من إيقاظ الإرادة الإيمانية في القلوب فتتحرك القلوب مبتغية وجه الله فتأمر عند ذلك الجوارح والعقل بالعمل المنسق، العمل الفكري والحركي، لكي نرضي الله عز وجل؟ "سارعوا إلى مغفرة من ربكم"، "سابقوا إلى مغفرة من ربكم"، هل يكفي أن يكون هذا السباق سباقا فكريا؟ تعلمنا، تلقينا العلم، علمنا الحلال والحرام، علمنا المعروف والمنكر، قرأنا كذا وكذا من الكتب، اطلعنا على ما قاله فلان وفلان من أئمة العلماء، هل هذا يكفي؟ هذا لا يكفي فإنه لن يقربك من الله عز وجل مادام علما لا يفضي إلى عمل. في الحديث الشريف: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" رواه أحمد وابن حبان والحاكم عن أنس وهو صحيح. والعلم الذي لا ينفع هو الذي يبقى فكرا، يبقى في الدماغ ويبقى في اللسان، ولا يترجم قولا وحركة. هل يمكن أن يكون صراعنا واضطرابنا بين الناس عملا مرضيا إذا كان عملا لم يوجهه العلم؟ إذا كان عملا بغير علم؟ نعوذ بالله ! العمل بلا علم ضلال وإضلال. إن بين العلم والعمل الصالح أمرا، يمكن أن يكون هنالك عالم لا يعمل، يمكن أن يكون هنالك عامل يعمل على غير هدى فيفتي الناس على غير علم فيضل ويضل. الأمر الذي بين العلم والعمل هو الإرادة القلبية ، ويقظة الإيمان في القلب. يمكن أن يكون العلم متوفرا في أمة فيسخره العالمون الظالمون للتخريب، لتخريب الإسلام. العلم بدون إيمان أداة تخريب، وناهيكم بالعلم الرسمي الذي يبرر الظلم والفساد وينشد الأغاني في مدح الظالمين. العمل بدون علم تخريب أيضا وفوضى. الله عز وجل جعل العلم منطلقا للعمل؛ فبدون أن يلتقي العلم بالعمل إما يكون التخريب من جانب التضليل باسم العلم، وإما يكون التخريب من جانب العمل الفوضوي الذي لا يعتمد على ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. "سارعوا" و"سابقوا "، بم يكون هذا؟ لا يكون بالعلم وحده ولا بالعمل الذي لا يعتمد على العلم ولا بعمل منفصل عن الإرادة والإيمان، بل إنما يكون بالإرادة يحدوها العلم ويخدمها العمل. يقول الله عز وجل يأمرنا جميعا: "ففروا إلى الله، إني لكم منه نذير مبين، ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين" سورة الذاريات، الايتان50-51. فرار، حركة، سير. هل نفر بالعلم؟ يمكن أن نقول بلساننا ما ليس في قلوبنا فنكون منافقين، نقول: يا رب، نفر إليك ونقبل عليك ونحبك ونرجو رحمتك ! لكننا لا نعمل من الأعمال ما يطابق هذه الأقوال. الفرار إلى الله يكون سيرا بالقلب، الإيمان قلب مقبل على الله عز وجل. الحديث النبوي الذي رواه الشيخان والإمام أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم من طريق السيدة عائشة رضي الله عنها، وهو حديث، يقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"، سير إلى الله، لقاء مع الله، بم يكون هذا السير؟ هنالك عمر يطوينا إلى الموت، يسير بنا سيرا حثيثا مسرعا إلى الموت، فنلقى الله عز وجل، لكن اللقاء المعتبر هنا هو اللقاء الذي يكون فيه الرضى وتكون فيه الجنة وتكون فيه معرفة الله عز وجل. "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"، أما الموت فإن المومن يكرهه كما جاء في حديث البخاري، وهو حديث طويل: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه" إلى أن يقول: "وما ترددت في أمر أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المومن يكره الموت وأكره مساءته". المومن يكره الموت لكنه إذا كان يحب لقاء الله وكان يعمل ما يقربه إلى الله عز وجل فعند ذلك يكون موته سبب لقاء الله المحبوب، فيكون الموت محببا إليه لأنه يحب لقاء الله. فكلمات الإسراع والاستباق، والسير، واللقاء، والفرار إلى الله عز وجل، والقرب من الله، والوصول إلى الله، والتزلف إلى الله، معان ترتبط بالقلب، لأن الله عز وجل يقول: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" سورة الحج، الآية35. وفي الحديث الشريف: "التقوى ههنا وأشار إلى صدره الشريف" أخرجه مسلم في البر والصلة عن أبى هريرة. فالذي يعرف الله ويصل إلى الله، ويسارع إلى الله، ويتقرب إلى الله، هو ما فينا من إرادات إيمانية، ما في قلبنا من الإيمان والتقوى. ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
علامات القلب السليم :
علامات القلب السليم
قال الله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88 ـ89] . ولكن ما هي علامات القلب السليم ؟ العلامة الأولى : أَنْ يرتَحِلَ عن الدُّنيا حتى ينزلَ بالآخرةِ ، ويَحِلَّ فيها ، حتى يَبْقَى كأَنَّهُ مِن أهلِها وأَبنائِها ، جاءَ إلى هذه الدَّارِ غريباً يأْخُذُ منها حاجَتَهُ ، ويعودُ إلى وطنِه كما قال عليه السلام لعبدِ اللَّهِ بنِ عُمَر: » كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ أَو عابرُ سبيلٍ ، وعُدَّ نفسَكَ مِن أهلِ القُبورِ « 19. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنّ الدنيا قد ترحلت مدبرة ، وإنّ الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكلٍّ منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإنَّ اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ، ولا عمل . فَـحَيَّ عـَلى جَـنّـَاتِ عَـدْنٍ فـإِنـَّها ..................... مَـنازِلُـكَ الأولى وفـيـهـا الـمُخَيَّمُ ولكِنَّنا سَـبْـيُ الـعَـدُوِّ فَـهَـلْ تَـرَى نَــعُـودُ إلى أَوطـانِـنـا ونُسـَـلِّمُ وكلما صحَّ القلبُ مِن مرضِه ؛ تَرَحَّلَ إلى الآخرَةِ ، وقَرُبَ منها ، حتى يصيرَ مِن أهلِها ، وكلَّما مَرِضَ القلبُ واعتَلَّ ؛ آثَرَ الدُّنيا واستوطَنَها ، حتى يصيرَ مِن أَهلِها . العلامة الثانية : أَنْ يُنِيبَ إلى اللَّهِ ويُخْبِتَ إليهِ ، فلا فلاحَ ، ولا نعيمَ ، ولا سرورَ ؛ إلاَّ برضاه وقُرْبِهِ والأُنْسِ بِهِ ، فبهِ يطمئِنُّ ، وإليهِ يسكُنُ ، وإليهِ يأْوي ، وبهِ يفرَحُ ، وعليهِ يتوكَّلُ ، وبهِ يَثِقُ ، وإِيَّاهُ يرجو ، وله يخافُ . فذِكْرُهُ غذاؤهُ وحياتُه ونعيمُهُ ولذَّتُهُ وسُرورُهُ ، والالتفاتُ إلى غيرِهِ والتعلُّقُ بسواهُ : داؤهُ ، والرُّجوعُ إليهِ : دواؤهُ . قالَ أَبو الحسينِ الورَّاقُ : حياة القلبِ في ذِكرِ الحيِّ الذي لا يموتُ ، والعيشُ الهنِيُّ الحياةُ مع اللهِ تعالى لا غير . العلامة الثالثة : أَنْ لا يَفْتُرَ عن ذِكْرِ ربِّهِ ، ولا يسأَمَ مِن خِدْمَتِه ، ولا يأْنَسَ بغيرِهِ ؛ إلاَّ بِمَنْ يَدُلُّهُ عليه ، ويُذَكِّرُهُ بهِ ، ويُذاكِرُهُ بهذا الأمرِ . العلامة الرابعة : أَنَّهُ إذا فاتَهُ وِرْدُهُ20 وَجَدَ لفواتِه أَلماً أعظمَ مِن تأَلُّمِ الحريصِ بفواتِ مالِهِ وفَقْدِهِ ؛ كمن يحزن على فوت الجماعة ، ويعلم أنّه لوْ تُقُبِّلتْ منه صلاته منْفرداً ، فإنّه قدْ فاته سبعة وعشرون ضعفاً . ولو أنّ رجلاً يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون ديناراً ؛ لأكل يديه ندماً وأسفاً ، فكيف وكلّ ضعفٍ مما تضاعف به صلاة الجماعة خيرٌ من ألف ، وألف ألف ، وما شاء الله تعالى ؟! فإذا فوَّت العبد عليه هذا الربح قطْعاً ، وهو بارد القلب ، فارغ من هذه المصيبة ، فهذا من ضعف الإيمان . وكذلك إذا فاته الصف الأول الذي يصلي الله وملائكته عليه ، ولوْ يعلم العبد فضيلته ؛ لجالد عليه ، ولكانت قرعة . العلامة الخامسة : أَنَّهُ يشتاقُ إلى طاعة ربه ؛ كما يشتاقُ الجائعُ إلى الطَّعامِ والشرابِ . العلامة السادسة : أَنَّهُ إذا دَخلَ في الصّلاةِ ذَهَبَ عنهُ همُّهُ وغَمُّهُ بالدُّنيا ، واشتدَّ عليهِ خروجُهُ منها ، ووجَدَ فيها راحتَهُ ونعيمَهُ ، وقُرَّةَ عينِه وسُرورَ قلبِهِ ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: »يا بلال ، أرحْنا بالصلاة « ولمْ يقلْ : أرحنا منها كما يقول المبْطلون الغافلون . وقال صلى الله عليه وسلم:» جعلت قرة عيني في الصلاة « . فصاحب القلب السليم راحته وقرّة عينه في الصلاة ، والغافل المعرض ليس له نصيب من ذلك ؛ بل الصلاة كبيرة شاقة عليه ، إذا قام فكأنّه على الجمر حتّى يتخلص من واجب الصلاة ، وعجّلها وأسْرعها ، فهو ليس له قرّة عين فيها ، ولا لقلبه راحة بها ، فهي كبيرة على هذا ، وقرّة عين وراحة لذلك . العلامة السابعة : أَنْ يكونَ هَمُّهُ واحداً ، وأَنْ يكونَ في اللّهِ تعالى . فهمّه طاعة ربه ، ورضا ربه ، وعفو ربه ، ومغفرة ورحمة ربه ( وَعَجِلتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84 ]. العلامة الثامنة : أَنْ يكونَ أَشَحَّ بوَقْتِهِ أَنْ يذهَبَ ضائِعاً مِن أشدِّ النّاسٍ شُحّاً بمالِهِ ؛ لأنَّه يرى عزّةَ وقتهِ وخطره وشرفه ، وأنّه رأس مال سعادته فيبخل به أنْ يضيعه فيما لا يقربه إلى ربّه ؛ فإنّ في إضاعته الخسران والحسرة والنّدامة ، وفي حفظه وعمارته الربح والسعادة . فيشح بأنفاسه أنْ يضيعها فيما لا ينفعه يوم معاده . العلامة التاسعة : أَنْ يكونَ اهتمامُهُ بتصحيح العملِ أَعظمَ منهُ بالعملِ ، فيحْرِصُ على الإِخلاص فيهِ والنَّصيحةِ والمُتابعةِ والإحسانِ ، ويشهَدُ مَعَ ذلك منَّةَ اللَّهِ عليهِ وتقصيرَهُ في حقِّ اللّهِ . فهذه ستُّ مشاهدَ لا يشهَدُها إلا القلبُ الحيُّ السليمُ . العلامة العاشرة: أنْ يكون سالماً من محبة ما يكرهه الله ، فدخل في ذلك سلامته من الشرك الجلي والخفي ، ومن الأهواء والبدع ، ومن الفسوق والمعاصي ـ كبائرها وصغائرها ـ الظاهرة والباطنة ، كالرياء ، والعجب ، والغلّ ، والغش ، والحقد ، والحسد ، وغير ذلك 21 . عنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قيل : لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أفْضلُ؟ قال: »كلُّ مخْمومِ القلب ، صدوقِ اللسانِ«.قالوا: صدوق اللسان نعرفه ، فما مخمومُ القلب ؟ قال : » هو التّقيّ النّقيّ لا إثْم فيه ، ولا بغي ولا غلّ ولا حسدْ« 22. العلامة الحادية عشر: اتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم . عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : »يا أبا أمامة! إنّ من المؤمنين من يلين لي قلبه « 23. ومعنى (يلين لي قلبه ) أي يسكن ويميل إليّ بالمودّة والمحبّة. والله أعلم . وليس ذلك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر ، لأن الله تعالى جعل ذلك وحده دليلاً على حبه عزوجل ، فقال :(قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْببكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ). أفلم يأن للذين يزعمون حبه صلى الله عليه وسلم في أحاديثهم وأناشيدهم ، أن يرجعوا إلى التمسك بهذا الحب الصادق الموصل إلى حب الله تعالى ، ولا يكونوا كالذي قال فيه الشاعر: تعـصي الإله وأنت تظــهر حبــه ...................... هذا لعمـرك في القـــياس بديــع فلـو كـان حبــك صادقـاً لأطعتـه إنّ المحـبّ لــمن يــحبّ مطيــع العلامة الثانية عشر : الوجل عندْ ذكر الرحمن . والوجل خوف مقْرونٌ بهيبةٍ ومحبّةٍ . قال سبحانه وتعالى :( وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحج:34-35]. وقال سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [ الأنفال:2] . وقال عزوجل : (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة)[المؤمنون:60 ]. وعن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »إنّ لله آنية في الأرض ، وآنية24 ربّكمْ قلوب عباده الصالحين ، وأحبُّها إليه ألينها وأرقُّها « 25. والمعنى أنّها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الشدّة والقسْوة. عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : (وَالذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)[ المؤمنون : 60 ] قالت : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون " ؟ قال : »لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون « 26 . ومن تأمَّل أحْوال الصحابة رضي الله عنهمْ وجدهمْ في غاية العملِ مع غايةِ الخوفِ ، ويعدُّون أنفسهم من المقصِّرين المفرِّطين المذْنبين ، ونحن مع إساءتنا نعدُّ انفسنا من المحسنين. وبالجملة ؛ فالقلبُ الصَّحيحُ : هو الذي همُّهُ كلُّهُ في اللَّهِ ، وحُبُّهُ كلُّهُ لهُ ، وقصدُهُ لهُ ، وبَدنُهُ لهُ ، وأَعمالُه لهُ ، ونومُهُ لهُ ، ويقظتُهُ لهُ ، وحديثُهُ والحديث عنهُ أشْهى إِليهِ مِن كُلِّ حَدِيثٍ ، وأَفكارُهُ تحوم على مراضيه ومحابِّه . فكلُّه بالله ، وكلُّه لله ، وكلُّه مع الله ، وسيرهُ دائماً إلى الله ، فهو مع الله مجرَّدٌ عن خلقهِ ، ومع خلقهِ مجرَّدٌ عن نفسه ... والله المستعان . ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() ![]()
الطريق إلى الجنة – من مكتبة الأستاذ عمرو خالد
كلنا يبحث عن السعادة ... ولكن لا توجد سعادة كاملة فى الدنيا ... الدنيا زائلة ... والسعادة الحقيقية فى الجنة ونعيمها ... ولكن لن يدخل الجنة إلا من كان نقى تماما من المعصية ... لا يوجد به ذرة خبث أو إثم ... فالجنة مصممة للأنقياء فقط ... لن يدخل الجنة من يحقد على أحد ... أو من توجد بعينه نظرة حرام ... أو شخص بداخله غل من الناس ... أو يعامل الناس بجفوة ... أو يحقد على الناس ... أو يغتاب الناس ... لن يدخل الجنة إلا من كان نقىً تماما. لن يدخل الجنة من فى لسانه كلام حرام ... أو فى قلبه ذنوب ... الجنة للأنقياء فقط ... وقد قال تعالى: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" (73) الزمر ... و طبتم تعنى نُقيتم من المعاصى و الذنوب ... أى أنكم إذا لم تكونوا قد طبتم فلن تدخلوا الجنة ... وفى آية أخرى يقول تعالى: "الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون"(32) النحل أى أن شرط دخول الجنة أن نكون أنقياء من الذنوب ... لا يوجد بنا ذرة معصية ... كيف ذلك؟ ... كلنا بنا ذنوب و معاصى ... هل معنى ذلك أننا لن ندخل الجنة!! بكل تأكيد لن يدخل الجنة إلا الأنقياء فقط ... ولكن الله عز وجل برحمته الواسعة وضع لنا 11 وسيلة تنقية لنُنقى بها. 11 محطة تنقية ... 4 فى الدنيا و3 فى القبر و يوم القيامة.11 محطة تنقية حتى نصل إلى الصراط ... إذا كنت قد نُقيت من الذنوب ... تعبر الصراط ... وإن كنت مازلت غير نقى ... لن تستطيع عبوره. الصراط ... أدق من الشعرة ... وأحد من السيف ... بعرض جهنم ... من يمر عليه يدخل الجنة ... ومن لا يستطيع المرور يسقط فى جهنم . كيف سيمر الناس من فوق الصراط ؟ ... منهم من يمر كطَرفة العين (رمشة العين) ... ومنهم من يمر كالبرق ... ومنهم من يمر كالريح ... ومنهم من يمر حبوا ... ومنهم من يمر زحفا ... ومنهم من يتعلق بالصراط فتجره الملائكة على الصراط ... ومنهم من تخطفه الكَلاليب التى على الصراط وتهوى به فى النار. محطات التنقية فى الدنيا 1- التوبــة : التوبة عبادة و قربة قبل أن تكون إستعتابا ورجعة ... بل هى من أعظم العبادات وأجلها ... بها ننال محبة الله تعالى كما قال سبحانه : "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (222) البقرة التوبة تُغفر الذنوب كما قال تعالى : "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى" (82) طه التوبة تُقلب بها السيئات إلى حسنات ... كما قال سبحانه وتعالى : "إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما" (70) الفرقان 2 - الاستغفار : الاستغفار عن الذنوب التى نتذكرها وما لا نتذكره ... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر فى اليوم مائة مرة (لن تستغرق إلا نصف دقيقة) ... هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... أعلم الخلق بربه واتقاهم له ... وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ... وهو مع ذلك أكثر الناس توبة واستغفارا ... يقول عليه الصلاة والسلام "والله إنى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة" أخرجه البخارى. وقال ابن عمر رضى الله عنهما: إنا كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم يقول: "رب أغفر لى و تب على إنك أنت التواب الرحيم" أخرجه أبو داود و الترمذى. 3 - حسنات تمحو السيئات : إتباع السيئات بحسنات ... عن أبى ذر بن جندب بن جنادة وأبى عبد الرحمن بن معاذ بن جبل رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمزى وكما قال تعالى : “وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ”(114) هود لذلك يجب ألا نضيع أى فرصة خلال اليوم لاكتساب الحسنات ... بدلا من "هاى" أو "باى" نقول السلام عليكم ... نستغل وقت الفراغ فى الذكر ... نذكر الله ونحن جالسون فى السيارة وفى كل وقت . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لديه طموح لاكتساب الحسنات ... ففى يوم الهجرة عندما أعد أبو بكر الصديق رضى الله عنه راحلة الرسول صلى الله عليه وسلم رفضها وقال إلا بالثمن ... مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما يقبل الهدية ... وذلك حتى لا يضيع ثواب الهجرة ... يحب أن يأخذ ثواب الهجرة كاملا. نحن نحتاج إلى حسنات كثيرة فى كميتها ... كم كبير من الحسنات ... وكيفيتها ... حسنات نافعة وأعمال عظيمة ... مثل بر الوالدين ... قيام الليل ... صلاة الفجر ... الصلاة فى وقتها ... الحجاب ... إحسان العمل. 4 - مصائب مكفرة : يبتلى الله عباده بالمصائب لينقيهم و يطهرهم من الذنوب وليدخلهم الجنة ونحن نتعامل مع المصائب (ليه يا رب عملت فى كده). ومن لم يتب من ذنوبه ... ولم يستغفر ... ولا قام بعمل حسنات كثيرة ... ولم يبتليه الله بمصائب مكفره ... أى لم ينُقى فى الدنيا ... له فرصة أخرى للتنقية فى القبر ... لم تنقى فى الدنيا و أنت تحى تنقى فى القبر بعدما تموت ... يا لروعة هذا الدين العظيم ... وإن لمن بساطة دخول الجنة و رحمة الله الواسعة يمكن لنا أن نقول أنه لن يدخل النار أحد. محطات التنقية فى القبر 5 - صلاة الجنازة : العبرة فى الصلاة ليست بعدد المصلين وإنما بالمؤمنين الصالحين ... فلنحاول جمع الصالحين فى صلاة الجنازة ... فدعاء المؤمنين الصالحين لأخيهم المتوفى ينقيه ... مات و ما زال ينقي من الذنوب. 6 - فتنة القبر : سؤال الملكين ... ما ربك؟ ... ما دينك؟ ... ماذا تقول فى الرجل الذى بعث فيكم؟ ... وخوفك و أنت واقف بين يديهم ... ووحدتك فى القبر ... وظلمة القبر ... وخوفك والقبر يقفل عليك ... كل ذلك تنقية للذنوب. من نُقى فى الدنيا لن يتعرض لفتنة القبر ... يقول النبى صلى الله عليه وسلم القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ... فالقبر ليس دائما ظلمة ووحوش ... قد يكون روضة من رياض الجنة. 7 - ما يهديه إليك الأحباء من هدايا : المسلم يموت و ما زال يكتسب حسنات تكفر عنه ... وينقى بفضل هذه الهدايا ... وبإجماع علماء الأمة يصل للميت الحج والعمرة و الدعاء. و عنه أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم. إذا كنت تحب شخص قد مات ... قم بأداء عمرة له أو حج عنه ... أو أخرج عنه صدقة من مالك الخاص ... وكلما كانت الصدقة أنفع للمجتمع ثوابها يزيد ... وأنت أيضا ستأخذ ثواب. هناك من كان سوف يعذب فى القبر و عمل له شخص عمرة فنُقى ... وسيكون من أهل الجنة ... ما هذا الدين العظيم؟. محطات التنقية الأربع فى يوم القيامة : 8 - أهوال يوم القيامة : رؤية الشمس تقفل و النجوم تنفر و البحار تتفجر و الأرض تزلزل كل ذلك يكفر الذنوب. 9 - الوقوف بين يدى الله عز وجل : الوقوف بين يدى الله ... والله يسأل عبدى ألم أنعم عليك ... ألم أرزقك مالا ... ألم أكن رقيبا على عينيك وأنت تنظر بهما إلى الحرام ... ألم أكن رقيبا على قدميك وأنت تمشى بهما إلى الحرام ... ألم أكن رقيبا على لسانك وأنت تتكلم به الحرام ... عبدى إستهونت بلقائى ... أكنت عليك هين ... أتجملت للناس و أتيتنى بالقبيح ... ما غرك بى عبدى؟. هذه الوقفة تنقية للذنوب. 10 - شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبى دعوة مستجابة تعجل الأنبياء دعوتهم وأجلت دعوتى ليوم القيامة وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لى الوسيلة حلت له الشفاعة " رواه مسلم. 11 - عفو الله عز وجل : وهى أعظم محطات التنقية ... شفع الأنبياء ... شفع المرسلون ... شفع المؤمنون..فيقول الله عز وجل أفلا أعفو أنا. أكيد كلنا فى الجنة بعد كل ذلك إن شاء الله ... ومع كل ذلك ... هناك من سيسقط من على الصراط ... إنه يستحق الوقوع فى النار ... ما الذى فعله فى الدنيا ولم ينقى بعد 11 محطة تنقية ... يسقط فى جهنم بالمعصية و الخبث الموجودين فيه ... كآن النار ستقوم بتنقيته ... وحينما يُنقى يُخرج من النار ... كالذهب لا نحصل عليه إلا بعد تعرضه للنار ... الذهب الأنقى أو العيار الأعلى يحتاج للمكوث فى النار مدة أطول ليتخلص من الشوائب ... يسقط من على الصراط فى النار و يبقى بها حتى يصير ذهبا عيار24 ... مقدار البقاء فى النار يكون بمقدار الخبث المتبقى فى الإنسان ... وبعد التنقية من كل الخبث تقول له الملائكة "طبتم فادخلوها خالدين". ![]() ![]() ![]() ![]() |
غذاء القلب والروح :
![]() ![]()
غذاء القلب والروح
محمد مصطفى ناصيف
اختار الله شهر القرآن العظيم شهر رمضان.. وفرض فيه الصيام الذي تتعدد حكمه ومنها: في الصيام تحرير للإنسان من غرائزه وشهواته. في الصيام تقوية للإراد وتربية على الصبر، فيجوع وأمامه الطعام الشهي، ويعطش وبجواره الماء البارد العذب، ويجتنب الشهوة وبجانبه زوجته، لا رقيب عليه غير الرب، ولا يعينه على ذلك بعد ربه إلا إرادته وصبره. في الصيام يعرف الإنسان نعم الله عليه... عندما يذوق مرارة الجوع وشدة العطش. في الصيام تذكير للغني بجوع الفقراء، وبؤس البائسين فيرق لهم ويعطف عليهم. في الصيام تمام التسليم لله، وكمال العبودية لرب العالمين، ولهذا جاء في الحديث القدسي: ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي ) [ رواه مسلم ]. وفي الصوم تقوية للبدن، وشفاء له من الأمراض. وفي الصيام.. راحة للمعدة من عناء الهضم، وتخليص الجسم من السموم والفضلات الضارة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( صوموا تصحوا ) [ رواه الطبراني ]. شرع الصوم في الإسلام: إيقاظاً للأرواح، وتصحيحاً للأجساد وتقوية للإرادة.. وتعويداً على الصبر، وتربية لمشاعر الرحمة، وتدريباً على كمال التسليم لرب العالمين. وقد كان نهار السلف في الصيام نشاطاً وإنتاجاً وإتقاناً، وليلهم تزاوراً وتهجداً وقرآناً... كان شهرهم كله تعلماً وتعبداً وإحساناً.. ألسنتهم صائمة لا تقع في رفث أو جهل... آذانهم صائمة فلا تسمع حراماً وعيونهم صائمة فلا ينظرون إلى حرام وفحش.. وقلوبهم صائمة فلا تعزم على خطيئة أو إثم وأيديهم صائمة فلا تمتد بسوء أو أذى. ذلك هو الصوم في الإسلام.. لم يشرعه الله تعذيباً للبشر، ولا انتقاماً منهم، بل رحمة بهم وتفضلاً عليهم. فاجعلوا من رمضان موسماً لطاعة الله ومضاعفة الخيرات، والعطف على الضعفاء والمحرومين، فالله جعله للقلب والروح، فلا تجعلوه للبطن والمعدة، وجعله الله للحلم والصبر، فلا تجعلوه للغضب والطيش، وجعله الله للسكينة والوقار، فلا تجعلوه للسباب والشجار، وجعله الله تهذيباً للغني الطاعم ومواساة للبائس، فلا تجعلوه معرضاً لفنون الأطعمة والأشربة، تزداد فيه تخمة الغني.. بقدر ما تزداد فيه حسرة الفقير.. فاستعينوا بصومكم على تقوى الله لأنه سبحانه جعله عوناً على التقوى... لعلكم تتقون. ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
هل تعرف أخي القارىء ماذا تعني الصلاة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل تعرف أخي القارىء ماذا تعني الصلاة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تعني ببساطة أنك في لقاء مع الله تبارك وتعالى والدخول في الصلاة يعني الدخول على الله تبارك وتعالى فهل تفكرت واستشعرت هذا المعنى ؟؟ وهل تخيّلت أنك عندما تقول : (( الله أكبر )) فإن الله بجلاله وعظمته يقبل عليك .. وينظر إليك ؟؟ هل استحضرت هذا المعنى العظيم والذي يجسده الحديث القدسي : (( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل .. ))؟؟ لا يخشع في صلاته إلا من أحب الله تعالى .. ومن أمثلة المحبين لله تعالى حقا وصدقا ابن قيم الجوزية - رحمه الله - والذي يقول " في القلب شعث (أي تمزق) لا يلمه إلا الإقبال على الله , وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله , وفي القلب خوف وقلق لا يذهبه إلا الفرار إلى الله " . ويقول ابن قيم الجوزية -رحمه الله - أيضا " إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله , وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله , وإذا أنس الناس بأحبابهم فأنس أنت بالله , وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله " . ويقول أيضا رحمه الله (( لا تسأم من الوقوف على باب ربك...ولو طردت ))؟؟ بل ابك كثيرا وداوم الطرق فإنه ولا شك سيفتح لك (( فإذا فتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين ))؟؟؟؟؟؟؟ وأسألك أخي وأسأل نفسي قبلا : بالله علينا ما هي آخر مرة خشعت فيها لله في صلاتك ؟؟ وهل كنت تتمنى ألا تقوم من السجود أبدا ؟؟ وما هي آخر مرة اضطرب قلبك لملاقاة الواحد الأحد ؟؟؟؟؟؟ هل ذقت حلاوة الصلاة ؟؟؟؟؟ يقول ابن تيمية : مساكين أهل الدنيا , خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها ! قيل له : وما أحلى ما فيها ؟ قال : حب الله عز وجل فأنت مسكين يا من لم تجرب البكاء في صلاتك بين يدي ربك عز وجل مسكينة يا من لم تشعري بجسدك وقلبك يرتجفان لذنب أذنبتيه , خوفا من الله الواحد القهار هل ابتسمت أخي وأنت داخل على الله في صلاتك ؟؟؟؟؟ يقول الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم : (( إذا قمت إلى الصلاة فكبر , ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن , ثم اركع حتى تطمئن راكعا , ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا , واجعل ذلك في صلاتك كلها )) وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : (( ذلك اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته )) قيل كيف ذلك يا رسول الله ؟؟؟ قال : (( لا يتم ركوعها ولا سجودها )) الآن اقرأ هذا الحديث المخيف * إن الرجل إذا صلى الصلاة فلم يتم ركوعها ولا سجودها لفّت كما يلف الثوب الرديء فتلقى في وجهه وتقول : ضيعك الله كما ضيعتني , وإذا أتم ركوعها وسجودها لفت كما يلف الثوب الطيب الحسن ودعت له قائلة : حفظك الله كما حفظتني * وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يقبل على العبد في الصلاة ما لم يلتفت , فإذا صرف العبد وجهه انصرف الله عنه )) فبالله عليك ... بعد كم ثانية ينصرف عنك الله ؟؟؟ أفلا تستحي أن ينظر الله إيلك بينما تنظر إلى غيره ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وقال صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا أقبل على صلاته ثم التفت يقول الله تعالى : اإلى خير مني؟؟؟؟؟؟ الله يسأل : أوجد عبدي خيرا مني ؟؟؟؟؟؟؟ أوجد إلها أرحم مني؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ قال صلى الله عليه وسلم : (( ليس للمرء من صلاته إلا ماعقل منها )) ويقول أيضا : (( إن الرجل ليصلي الصلاة فلا يكتب له إلا ثلثها أو ربعها أو نصفها أو سدسها أو ثمنها أو عشرها )) فيا ترى كم يكتب لنا من صلواتنا ؟؟؟؟؟؟ نماذج من خشوع الصحابة والتابعين ** روي أن سيدنا طلحة الأنصاري رضي الله عنه كان يصلي في بستانه ذات يوم ورأى طيرا يخرج من بين الشجر فتعلقت عيناه بالطائر حتى نسي كم صلى, فذهب إلى الطبيب صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول : (( يا رسول الله , إني انشغلت بالطائر في البستان حتى نسيت كم صليت , فإني أجعل هذا البستان صدقة في سبيل الله .. فضعه يا رسول الله حيث شئت لعل الله يغفر لي )) ... ** وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول : إن الرجل ليصلي ستين سنة ولا تقبل منه صلاة , فقيل له : كيف ذلك؟ فقال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا خشوعها ... ** ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الرجل ليشيب في الاسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة !! قيل : كيف يا أمير المؤمنين قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها ... ** ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون , وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان !!!!!!! فماذا لو أتيت إلينا يا إمام لتنظر أحوالنا ؟؟؟ ** ويقول الإمام الغزالي رحمه الله : إن الرجل ليسجد السجدة يظن أنه تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى , ووالله لو وزع ذنب هذه السجدة على أهل بلدته لهلكوا , سئل كيف ذلك؟؟؟ فقال : يسجد برأسه بين يدي مولاه , وهو منشغل باللهو والمعاصي والشهوات وحب الدنيا ... فأي سجدة هذه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( وجعلت قرة عيني في الصلاة )) . فبالله عليك هل صليت مرة ركعتين فكانتا قرة عينك ؟؟؟؟ وهل اشتقت مرة أن تعود سريعا الى البيت كي تصلي ركعتين لله ؟؟؟ هل اشتقت إلى الليل كي تخلو فيه مع الله ؟؟؟؟؟؟ ** وانظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم... كانت عائشة رضي الله عنها تجده طول الليل يصلي وطول النهار يدعو إلى الله تعالى فتسأله : يا رسول الله أنت لا تنام؟؟ فيقول لها (( مضى زمن النوم )) ويدخل معها الفراش ذات يوم حتى يمس جلده جلدها... ثم يستأذنها قائلا: (( دعيني أتعبد لربي )) ... فتقول : والله إني لأحب قربك ... ولكني أؤثر هواك ... ** ويقول الصحابة : كنا نسمع لجوف النبي وهو يصلي أزيز كأزيز المرجل من البكاء؟؟؟؟؟؟؟؟ ** وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا دخل في الصلاة ارتعش واصفر لونه ... فإذا سئل عن ذلك قال : أتدرون بين يدي من أقوم الآن؟؟؟؟؟؟ وكان أبوه سيدنا علي رضي الله عنه إذا توضأ ارتجف فإذا سئل عن ذلك قال : الآن أحمل الأمانة التي عرضت على السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها .... وحملتها أنا . ** وسئل حاتم الأصم رحمه الله كيف تخشع في صلاتك ؟؟؟ قال : بأن أقوم فأكبر للصلاة .. وأتخيل الكعبة أمام عيني .. والصراط تحت قدمي ,, والجنة عن يميني والنار عن شمالي ,, وملك الموت ورائي ,, وأن رسول الله يتأمل صلاتي وأظنها آخر صلاة , فأكبر الله بتعظيم وأقرأ وأتدبر وأركع بخضوع وأسجد بخضوع وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته ثم أسلم ولا أدري أقبلت أم لا ؟؟؟؟؟؟؟؟ يقول سبحانه وتعالى : (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله )) ** يقول ابن مسعود رضي الله عنه : لم يكن بين إسلامنا وبين نزول هذه الآية إلا أربع سنوات ,, فعاتبنا الله تعالى فبكينا لقلة خشوعنا لمعاتبة الله لنا ... فكنا نخرج ونعاتب بعضنا بعضا نقول: ألم تسمع قول الله تعالى : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله .... فيسقط الرجل منا يبكي على عتاب الله لنا .. فهل شعرت أنت يا أخي أن الله تعالى يعاتبك بهذه الآية ؟؟؟؟ ** الإمام الغزالي يقول : استجمع قلبك في ثلاثة مواضع عند قراءة القرآن وعند الصلاة وعند ذكر الموت ... فإن لم تجدها في هذه المواضع فاسأل الله أن يمن عليك بقلب .......فإنه لا قلب لك يوصينا حبيبنا صلى الله عليه وسلم ويقول صل صلاة مودع أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ... وأسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون إلى القول (( أو يقرأ القول )) فيتبع أحسنه ........اللهم آمين ...اللهم ارزقنا قلبا خاشعا خاضعا ذليلا بين يديك يا الله . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ((لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) ![]() |
أربعة أشياء :
قال ابن القيم رحمه الله أربعة أشياء تُمرض الجسم *الكلام الكثير ** النوم الكثير *** والأكل الكثير ****الجماع الكثير . وأربعة تهدم البدن *الهم ** والحزن *** والجوع **** والسهر . وأربعة تيبّس الوجه وتذهب ماءه وبهجته *الكذب ** والوقاحة *** وكثرة السؤال عن غير علم **** وكثرة الفجور . وأربعة تزيد في ماء الوجه وبهجته *التقوى **والوفاء *** والكرم **** والمروءة . وأربعة تجلب الرزق *قيام الليل ** وكثرة الاستغفار بالأسحار *** وتعاهد الصدقة **** والذكر أول النهار وآخرة . وأربعة تمنع الرزق *نوم الصبحة ** وقلة الصلاة *** والكسل **** والخيانة . |
وهناك (11)وسيلة للتأثير على القلوب 1- الابتسامة : كالملح في الطعام / أسرع سهم تملك به القلوب / هي عبادة و صدقة . 2- البدء في السلام : شد الكف بالكف / حرارة اللقاء . 3- الهدية : لها تأثير عجيب تذهب بالسمع و البصر و القلب / تجلب الحب . 4- الصمت و قلة الكلام إلا فيما ينفع : إياك و تسيد المجالس / إياك و رفع الصوت / عليك بطيب الكلام / و رقة الحوار . 5- حسن الاستماع و أدب الإنصات : عدم مقاطعة المتحدث / معرفة الوقت للدخول في الحوار . 6- حسن السمت و المظهر : جمال الشكل / اللباس النظيف و المرتب / طيب الرائحة . 7- بذل المعروف و قضاء الحوائج : تملك قلوب و عقول الناس بها . 8- بذل المال : المال مفتاح لكثير من القلوب لتفريج هم المهمومين . 9- إحسان الظن بالآخرين و الاعتذار لهم : أيسر طريق للقلوب . 10- أعلن المحبة و المودة للآخرين : للإيجاد الألفة و الأخاء . 11- المداراة : لين الكلام / التلطف / الثناء بالحق . المصدر : شمس الاسلام ___ الشيخ : إبراهيم الدويش . وجزى الله أخي النسري خيرآ |
قسوة القلب :
قسوة القلب
حين تجف داخلَ النفس الإنسانية عاطفة الإحساس بآلام الآخرين وحاجاتهم، وحين تنعدم من القلوب الرحمة تحل القسوة بالقلوب فتمسي مثل الحجارة التي لا ترشح بأي عطاء ، أو أشد قسوة من الحجارة؛ لأن من الحجارة ما تتشقق قسوته الظاهرة فيندفع العطاء من باطنه ماءً عذبًا نقيًا، ولكن بعض الذين قست قلوبهم يجف من أغوارها كل أثر للفيض والعطاء. وقد وصل أقوام إلى هذا الحال من القسوة وانعدام الرحمة، فقد خاطب الله بني إسرائيل فقال: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[البقرة:74]. إن من الحجارة ما يخرج منه العطاء، أما قلوب هؤلاء فلا تتدفق لأي مؤثر يستثير الرحمة، فتظل في قسوتها واستكبارها. ثم بيَّن الله السبب الذي لأجله قست قلوب أهل الكتاب: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الحديد:16]. إن أية أمة يطول عليها الأمد وهي تتقلب في بحبوحة النعم على فسق وفجور ومعصية ونسيان لربها، تقسو قلوبها فلا تخشع لذكر الله وما نزل من الحق، وبهذا يبتعدون عن مهابط الرحمة فتقسو القلوب أكثر فأكثر. وحين تشتد قسوة قلوب الأمم، يكون آخر علاج لإصلاحها أن تنزل بها الآلام والمصائب، لتردها إلى الله، فتلجأ إليه وتتضرع بذل وانكسار لاستدرار رحمته. فإذا لم تستجب القلوب لهذا الدواء، أتى دور الهلاك وفق سنة الله بعد أن يفتح عليهم أبواب كل شيء من الترف والنعمة، حتى إذا اغتروا بما عندهم من زهرة الدنيا وزينتها أتاهم عذاب الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:42-45]. إن الذين قست قلوبهم قسوة بالغة، فهي لا تلين عند ذكر الله، وتظل معرضة عنه، ولا يزيدها التذكير بالله إلا قسوة ونفورًا، فأولئك الويل لهم: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[الزمر:22، 23] إن أصحاب هذه القلوب القاسية هم أبعد الناس عن الله،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي". إن حرارة الإيمان تستطيع أن تنضج القلوب فتلينها وترققها، فإذا غذاها وقود العمل الصالح والإكثار من الذكر، ومراقبة عدل الله وفضله وسلطانه المهيمن على جميع خلقه رقَّت القلوب وخشعت.. ومتى وصلت القلوب إلى هذه المرحلة تدفقت منها الرحمة. أما عند غياب هذه المعاني الإيمانية عن القلوب فإنها تتيه في ظلمات الضلال والغواية والعصيان، فتقسو وتتكبر. وما أعظمها من عقوبة ،والعجب أن صاحب هذا القلب لا يشعر بأنه معاقب. وما أشد هذه العقوبة وأعظمها، يقول مالك بن دينار: ما ضُرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم. أما عن أعظم أسباب قسوة القلوب فقد أخبر الله عنه عندما ذكر السبب الذي جعل ذريات بني إسرائيل تقسو قلوبهم، فقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة:13]. فالمعصية ومخالفة أمر الله ونقضهم العهد والميثاق سبَّب لهم الطرد عن الله، فابتعدوا بذلك عن مهابط رحمة الله، فأمست قلوبهم جافة قاسية. فاحذر أيها الحبيب مما يسبب لك قسوة القلب،وإذا وجدت قسوة في قلبك فامسح رأس يتيم ،وأطعم المسكين ، وأكثر من ذكر مولاك ، وسله شفاء قلبك. رزقنا الله وإياك رقة القلب وأعاذنا وإياك من القسوة ، وصلى الله على أرحم الخلق محمد وآله وصحبه وسلم. منقـ ــول |
أخي الفاضل : النسـري
![]()
******* ![]() |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.