![]() |
[ مقالة المهاجرين في عيسى عليه السلام عند النجاشي ]
قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص : والله لآتينه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم . قالت فقال له عبد الله بن أبي ربيعة ، وكان أتقى الرجلين فينا : لا نفعل فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا ; قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد . قالت ثم غدا عليه ( من ) الغد فقال ( له ) : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه . قالت فأرسل إليهم ليسألهم عنه . قالت ولم ينزل بنا مثلها قط . فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه ؟ قالوا : نقول والله ما قال الله وما جاءنا به نبينا ، كائنا في ذلك ما هو كائن . قالت فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون في عيسى ابن مريم ؟ قالت فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ( يقول ) : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول . قالت فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود قالت فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - والشيوم الآمنون - من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم . ما أحب أن لي دبرا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم - قال ابن هشام : ويقال دبرا من ذهب ويقال فأنتم سيوم والدبر ( بلسان الحبشة ) : الجبل - ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه . قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار . [ فرح المهاجرين بنصرة النجاشي على عدوه ] قالت فوالله إنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه . قالت فوالله ما علمتنا حزنا حزنا قط كان أشد ( علينا ) من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه . قالت وسار إليه النجاشي ، وبينهما عرض النيل ، قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟ قالت فقال الزبير بن العوام : أنا . قالوا : فأنت . وكان من أحدث القوم سنا . قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم . قالت فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده . قالت فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى ، فلمع بثوبه وهو يقول ألا أبشروا ، فقد ظفر النجاشي ، وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده . قالت فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها . قالت ورجع النجاشي ، وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة . [ قتل أبي النجاشي وتولية عمه ] قال ابن إسحاق : قال الزهري : فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل تدري ما قوله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ؟ قال قلت : لا ; قال فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشي ، وكان للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة ، فقالت الحبشة س بينها : لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلا ، فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا ; فغدوا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك حينا . [ غلبة النجاشي عمه على أمره وسعي الأحباش لإبعاده ] ونشأ النجاشي مع عمه وكان لبيبا حازما من الرجال فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزلة فلما رأت الحبشة مكانه ( منه ) قالت بينها : والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا ، وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه . فمشوا إلى عمه فقالوا : إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خفناه على أنفسنا ، قال ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم بل أخرجه من بلادكم . قالت فخرجوا به إلى السوق فباعوه من رجل من التجار بست مئة درهم فقذفه في سفينة فانطلق به حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته . قالت ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو محمق ليس في ولده خير فمرج على الحبشة أمرهم . [ توليه الملك برضا الحبشة ] فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض تعلموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم غدوة فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه ( الآن ) . قالت فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه . [ حديث التاجر الذي ابتاع النجاشي ] فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه فقال إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه في ذلك ؟ قالوا : لا نعطيك شيئا ، قال إذن والله أكلمه قالوا : فدونك وإياه . قالت فجاءه فجلس بين يديه فقال أيها الملك ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم فأسلموا إلي غلامي وأخذوا دراهمي ، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني ، فأخذوا غلامي ، ومنعوني دراهمي . قالت فقال لهم النجاشي : لتعطنه دراهمه أو ليضعن غلامه يده في يده فليذهبن به حيث شاء قالوا : بل نعطيه دراهمه . قالت فلذلك يقول ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه . قالت وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعد له في حكمه . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت لما مات النجاشي ، كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور [ خروج الحبشة على النجاشي ] قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه قال اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي إنك قد فارقت ديننا وخرجوا عليه . فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال اركبوا فيها وكونوا كما أنتم فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم وإن ظفرت فاثبتوا . ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويشهد أن عيسى ابن مريم عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم ; ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن وخرج إلى الحبشة ، وصفوا له فقال يا معشر الحبشة ، ألست أحق الناس بكم ؟ قالوا : بلى ; قال فكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا : خير سيرة قال فما بالكم ؟ قالوا : فارقت ديننا ، وزعمت أن عيسى عبد قال فما تقولون أنتم في عيسى ؟ قالوا : نقول هو ابن الله فقال النجاشي ، ووضع يده على صدره على قبائه هو يشهد أن عيسى بن مريم ، لم يزد على هذا شيئا ، وإنما يعني ما كتب فرضوا وانصرفوا ( عنه ) . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النجاشي صلى عليه واستغفر له |
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال ابن إسحاق : ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش ، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهما النجاشي بما يكرهون وأسلم عمر بن الخطاب ، وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عازوا قريشا ، وكان عبد الله بن مسعود يقول ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة ، حتى أسلم عمر ( بن الخطاب ) ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة .
قال البكائي ، قال حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم ، قال قال عبد الله بن مسعود : إن إسلام عمر كان فتحا ، وإن هجرته كانت نصرا ، وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه [ حديث أم عبد الله عن إسلام عمر ] قال ابن إسحاق : حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة ، قالت والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا ، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه - قالت وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا - قالت فقال إنه للانطلاق يا أم عبد الله . قالت فقلت : نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله مخرجا . قالت فقال صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا . قالت فجاء عامر بحاجته تلك فقلت له يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا . قال أطمعت في إسلامه ؟ قالت قلت : نعم قال فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب قالت يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام . [ حديث آخر عن إسلام عمر ] قال ابن إسحاق : وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب ، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وكان نعيم بن عبد الله النحام ، رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم ، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له أين تريد يا عمر ؟ فقال أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال . وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما ، وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما ; قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها : طه يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له ما سمعت شيئا ; قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد ; فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها ; فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك . فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى ، وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبا ; فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها ; قال لا تخافي . وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها ; فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها : طه فقرأها ; فلما قرأ منها صدرا ، قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر . فقال له عند ذلك عمر فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف ؟ فقال حمزة بن عبد المطلب : فأذن له فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان ( جاء ) يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن له فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه ( به ) جبذة شديدة وقال ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة ؟ فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم . فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم . |
[ رواية عطاء ومجاهد عن إسلام عمر ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي ، عن أصحابه عطاء ومجاهد ، أو عمن روى ذلك أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول كنت للإسلام مباعدا ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي ، قال فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك قال فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا . قال فقلت : لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها . قال فخرجت فجئته فلم أجده . قال فقلت : فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين . قال فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، وكان إذا صلى استقبل الشام ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، وكان مصلاه بين الركنين الركن الأسود والركن اليماني . قال فقلت حين رأيته والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول ( قال ) فقلت : لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه فجئت من قبل الحجر ، فدخلت تحت ثيابها ، فجعلت أمشي رويدا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة . قال فلما سمعت القرآن رق له قلبي ، فبكيت ودخلني الإسلام فلم أزل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين ، وكانت طريقه حتى يجزع المسعى ، ثم يسلك بين دار عباس بن المطلب ، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري ، ثم على دار الأخنس بن شريق ، حتى يدخل بيته . وكان مسكنه صلى الله عليه وسلم في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان . قال عمر رضي الله عنه فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار بن أزهر أدركته فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني ، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني ، ثم قال ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة ؟ قال قلت : ( جئت ) لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال قد هداك الله يا عمر ، ثم مسح صدري ، ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته قال ابن إسحاق ، والله أعلم أي ذلك كان . [ ذكر قوة عمر في الإسلام وجلده ] قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر قال لما أسلم أبي عمر قال أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له جميل بن معمر الجمحي . قال فغدا عليه . قال عبد الله بن عمر : فغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه فقال له أعلمت يا جميل أني قد أسلمت : ودخلت في دين محمد ؟ قال فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعت أبي ، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش ، وهم في أنديتهم حول الكعبة ، ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ . قال ( و ) يقول عمر من خلفه كذب ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم . قال وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاث مئة رجل ( لقد ) تركناها لكم أو تركتموها لنا ، قال فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش ، عليه حلة حبرة وقميص موشى ، حتى وقف عليهم فقال ما شأنكم ؟ قالوا : صبا عمر فقال فمه رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا خلوا عن الرجل . قال فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه . قال فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ؟ فقال ذاك أي بني العاص بن وائل السهمي . قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أنه قال يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك ( بمكة ) يوم أسلمت وهم يقاتلونك ، جزاه الله خيرا . قال يا بني ذاك العاص بن وائل لا جزاه الله خيرا . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر أو بعض أهله قال قال عمر لما أسلمت تلك الليلة تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت قال قلت : أبو جهل - وكان عمر لحنتمة بنت هشام بن المغيرة - قال فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه . قال فخرج إلي أبو جهل فقال مرحبا وأهلا بابن أختي ، ما جاء بك ؟ قال جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به قال فضرب الباب في وجهي وقال قبحك الله وقبح ما جئت به . خبر الصحيفة قال ابن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا ، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم وأن عمر قد أسلم ، فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجعل الإسلام يفشو في القبائل اجتمعوا وائتمروا ( بينهم ) أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ، ولا يبتاعوا منهم فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي - قال ابن هشام : ويقال النضر بن الحارث - فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشل بعض أصابعه . قال ابن إسحاق : فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب ، فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب ، إلى قريش ، فظاهرهم . [ تهكم أبي لهب بالرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله فيه ] قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة بن ربيعة ، حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشا ، فقال يا بنت عتبة هل نصرت اللات والعزى ، وفارقت من فارقهما وظاهر عليهما ؟ قالت نعم فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة قال ابن إسحاق : وحدثت أنه كان يقول في بعض ما يقول يعدني محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت فماذا وضع في يدي بعد ذلك ثم ينفخ في يديه ويقول تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد . فأنزل الله تعالى فيه تبت يدا أبي لهب وتب قال ابن هشام : تبت خسرت . والتباب الخسران . قال حبيب بن خدرة الخارجي : أحد بني هلال بن عامر بن صعصعة يا طيب إنا في معشر ذهبت مسعاتهم في التبار والتبب وهذا البيت في قصيدة له . [ تعرض أبي جهل لحكيم بن حزام وتوسط أبي البختري ] وقد كان أبو جهل بن هشام - فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ، معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد ، وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه في الشعب ، فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هاشم ؟ والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة . فجاء أبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد ، فقال ما لك وله ؟ فقال يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال ( له ) أبو البختري طعام كان لعمته عنده بعثت إليه ( فيه ) أفتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ ( له ) أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه ووطئه وطئا شديدا ، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشمتوا بهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا ، مباديا بأمر الله لا يتقي فيه أحدا من الناس . |
ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه من الأذى
[ ما أنزل الله تعالى في أبي لهب ]
فجعلت قريش حين منعه الله منها ، وقام عمه وقومه من بني هاشم وبني المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم وفيمن نصب لعداوته منهم ومنهم من سمي لنا ، ومنهم من نزل فيه القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار فكان ممن سمي لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب بن عبد المطلب وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب وإنما سماها الله تعالى حمالة الحطب لأنها كانت - فيما بلغني - تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يمر ، فأنزل الله تعالى فيهما : تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد [ أم جميل ورد الله كيدها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : فذكر لي : أن أم جميل : حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها ، وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فهر من حجارة فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا أبا بكر ، فقالت يا أبا بكر : أين صاحبك ، فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه أما والله إني لشاعرة ثم قالت مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا ثم انصرفت فقال أبو بكر : يا رسول الله أما تراها رأتك ؟ فقال ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني . قال ابن هشام : قولها " ودينه قلينا " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ، ثم يسبونه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش ، يسبون ويهجون مذمما ، وأنا محمد [ ذكر ما كان يؤذي به أمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ] وأمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه فأنزل الله تعالى فيه ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة [ ما كان يؤذي به العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه ] قال ابن إسحاق : والعاص بن وائل السهمي ، كان خباب بن الأرت ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قينا بمكة يعمل السيوف وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له حتى كان له عليه مال فجاءه يتقاضاه فقال له يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب أو فضة أو ثياب أو خدم قال خباب بلى . قال فأنظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقك ، فوالله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند الله مني ، ولا أعظم حظا في ذلك . فأنزل الله تعالى فيه أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب إلى قوله تعالى : ونرثه ما يقول ويأتينا فردا [ ما كان يؤذي به أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه ] ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - فقال له والله يا محمد لتتركن سب آلهتنا ، أو لنسبن إلهك الذي تعبد . فأنزل الله تعالى فيه ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن سب آلهتهم وجعل يدعوهم إلى الله [ ما كان يؤذي به النضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه ] والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا ، فدعا فيه إلى الله تعالى وتلا فيها القرآن وحذر ( فيه ) قريشا ما أصاب الأمم الخالية خلفه في مجلسه إذا قام فحدثهم عن رستم السنديد ، وعن أسفنديار ، وملوك فارس ، ثم يقول والله ما محمد بأحسن حديثا مني ، وما حديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها . فأنزل الله فيه وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ونزل فيه إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ونزل فيه ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم قال ابن هشام : الأفاك الكذاب . وفي كتاب الله تعالى : ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون وقال رؤبة ( بن العجاج ) ما لامرئ أفك قولا إفكا وهذا البيت في أرجوزة له . قال ابن إسحاق : وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما - فيما بلغني - مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون [ مقالة ابن الزبعرى ، وما أنزل الله فيه ] قال ابن إسحاق : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبد الله بن الزبعرى : أما والله لو وجدته لخصمته ، فسلوا محمدا : أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم ( عليهما السلام ) ، فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن ) كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته فأنزل الله تعالى عليه في ذلك إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون أي عيسى ابن مريم ، وعزيرا ، ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله . ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون إلى قوله ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ونزل فيما ذكر من أمر عيسى ابن مريم أنه يعبد من دون الله وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون أي يصدون عن أمرك بذلك من قولهم ثم ذكر عيسى ابن مريم فقال إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم أي ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام فكفى به دليلا على علم الساعة يقول فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم [الأخنس بن شريق وما أنزل الله فيه ] ( قال ابن إسحاق ) : والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة وكان من أشراف القوم وممن يستمع منه فكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرد عليه فأنزل الله تعالى فيه ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم إلى قوله تعالى : زنيم ولم يقل زنيم لعيب في نسبه لأن الله لا يعيب أحدا بنسب ولكنه حقق بذلك نعته ليعرف . والزنيم العديد للقوم . وقد قال الخطيم التميمي في الجاهلية زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع . |
[ الوليد بن المغيرة وما أنزل الله تعالى فيه ]
والوليد بن المغيرة ، قال أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين فأنزل الله تعالى فيه فيما بلغني : وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم إلى قوله تعالى : مما يجمعون [ أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط وما أنزل الله فيهما ] وأبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، وعقبة بن أبي معيط ، وكانا متصافيين حسنا ما بينهما . فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه فبلغ ذلك أبيا ، فأتى عقبة فقال ( له ) : ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه وجهي من وجهك حرام أن أكلمك - واستغلظ من اليمين - إن أنت جلست إليه أو سمعت منه أو لم تأته فتتفل في وجهه . ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله . فأنزل الله تعالى فيهما : ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا إلى قوله تعالى : للإنسان خذولا ومشى أبي بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم بال قد ارفت فقال يا محمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم ثم فته في يده ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا أقول ذلك ، يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا ، ثم يدخلك الله النار . فأنزل الله تعالى فيه وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون [ سبب نزول سورة قل يا أيها الكافرون ] واعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة - فيما بلغني - الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل السهمي ، وكانوا ذوي أسنان في قومهم فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه . فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين أي إن كنتم لا تعبدون إلا الله إلا أن أعبد ما تعبدون فلا حاجة لي بذلك منكم لكم دينكم جميعا ، ولي ديني [ أبو جهل وما أنزل الله فيه ] وأبو جهل بن هشام لما ذكر الله عز وجل شجرة الزقوم تخويفا بها لهم قال يا معشر قريش ، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ؟ قالوا : لا ; قال عجوة يثرب بالزبد والله لئن استمكنا منها لنتزقمنها تزقما . فأنزل الله تعالى فيه إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم أي ليس كما يقول . قال ابن هشام : المهل كل شيء أذبته ، من نحاس أو رصاص أو ما أشبه ذلك فيما أخبرني أبو عبيدة . [كيف فسر ابن مسعود المهل ] وبلغنا عن الحسن ( البصري ) أنه قال كان عبد الله بن مسعود واليا لعمر بن الخطاب على بيت مال الكوفة ، وأنه أمر يوما بفضة فأذيبت فجعلت تلون ألوانا ، فقال هل بالباب من أحد ؟ قالوا : نعم قال فأدخلوهم فأدخلوا فقال إن أدنى ما أنتم راءون شبها بالمهل لهذا وقال الشاعر يسقيه ربي حميم المهل يجرعه يشوي الوجوه فهو في بطنه صهر ويقال إن المهل صديد الجسد . [ استشهاد في تفسير " المهل " بكلام لأبي بكر ] بلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حضر أمر بثوبين لبيسين يغسلان فيكفن فيهما ، فقالت له عائشة قد أغناك الله يا أبت عنهما ، فاشتر كفنا ، فقال إنما هي ساعة حتى يصير إلى المهل . قال الشاعر شاب بالماء منه مهلا كريها ثم عل المتون بعد النهال قال ابن إسحاق : فأنزل الله تعالى فيه والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا [ ابن أم مكتوم ونزول سورة عبس ] ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه وقد طمع في إسلامه فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه . فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه . فأنزل الله تعالى فيه عبس وتولى أن جاءه الأعمى إلى قوله تعالى : في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا ، لم أخص بك أحدا دون أحد ، فلا تمنعه ممن ابتغاه . ولا تتصدين به لمن لا يريده . قال ابن هشام : ابن أم مكتوم ، أحد بني عامر بن لؤي ، واسمه عبد الله ويقال عمرو . ذكر من عاد من أرض الحبشة لما بلغهم إسلام أهل مكة [ سبب رجوع مهاجرة الحبشة ] قال ابن إسحاق : وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى أرض الحبشة ، إسلام أهل مكة ، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك حتى إذا دنوا من مكة ، بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا ، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا [ عدد العائدين من الحبشة ومن دخل منهم في جوار ] فجميع من قدم عليه مكة من أصحابه من أرض الحبشة ثلاثة وثلاثون رجلا فكان من دخل منهم بجوار فيمن سمي لنا : عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي دخل بجوار من الوليد بن المغيرة ، وأبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، دخل بجوار من أبي طالب بن عبد المطلب وكان خاله . وأم أبي سلمة برة بنت عبد المطلب . |
[ قصة عثمان بن مظعون في رد جوار الوليد ]
قال ابن إسحاق : فأما عثمان بن مظعون فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عن عثمان قال لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة ، قال والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني ، لنقص كبير في نفسي فمشى إلى الوليد بن المغيرة ، فقال له يا أبا عبد شمس ، وفت ذمتك ، قد رددت إليك جوارك فقال له ( لم ) يا ابن أخي ؟ لعله آذاك أحد من قومي ، قال لا ، ولكني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره ؟ قال فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية . قال فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري ، قال صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار ، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال عثمان صدقت . قال ( لبيد ) وكل نعيم لا محالة زائل قال عثمان كذبت ، نعيم الجنة لا يزول . قال لبيد بن ربيعة : يا معشر قريش ، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم ؟ فقال رجل من القوم : إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا ، فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان فقال أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة . قال يقول عثمان بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ، فقال له الوليد هلم يا ابن أخي ، إن شئت فعد إلى جوارك فقال لا . قصة أبي سلمة رضي الله عنه في جواره [ ضجر المشركين بأبي طالب لإجارته ودفاع أبي لهب وشعر أبي طالب في ذلك ] قال ابن إسحاق : وأما أبو سلمة بن عبد الأسد فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة أنه حدثه أن أبا سلمة لما استجار بأبي طالب مشى إليه رجال من بني مخزوم فقالوا ( له ) يا أبا طالب لقد منعت منا ابن أخيك محمدا ، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا ؟ قال إنه استجار بي ، وهو ابن أختي ، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي ، فقام أبو لهب فقال يا معشر قريش ، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ ما تزالون توثبون عليه في جواره من بين قومه والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما أراد . دخول أبي بكر في جوار ابن الدغنة ورد جواره عليه [ سبب جوار ابن الدغنة لأبي بكر ] قال ابن إسحاق : وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما حدثني محمد بن مسلم ( ابن شهاب ) الزهري ، عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى ، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى ، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له فخرج أبو بكر مهاجرا ، حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين لقيه ابن الدغنة أخو بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد الأحابيش . [ الأحابيش ] قال ابن إسحاق : والأحابيش : بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة والهون بن خزيمة بن مدركة ، وبنو المصطلق من خزاعة . قال ابن هشام : تحالفوا جميعا ، فسموا الأحابيش ( لأنهم تحالفوا بواد يقال له الأحبش بأسفل مكة ) للحلف ويقال ابن الدغينة . قال ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن عروة ( بن الزبير ) عن عائشة رضي الله عنها قالت فقال ابن الدغنة أين يا أبا بكر ؟ قال أخرجني قومي وآذوني ، وضيقوا علي قال ولم ؟ فوالله إنك لتزين العشيرة وتعين على النوائب وتفعل المعروف وتكسب المعدوم ارجع فأنت في جواري . فرجع معه حتى إذا دخل مكة ، قام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش ، إني قد أجرت ابن أبي قحافة ، فلا يعرضن له أحد إلا بخير . قالت فكفوا عنه [ سبب خروج أبي بكر من جوار ابن الدغنة ] قالت وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح ، فكان يصلي فيه وكان رجلا رقيقا ، إذا قرأ القرآن استبكى . قالت فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته . قالت فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة فقالوا ( له ) يا ابن الدغنة إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي ، وكانت له هيئة ونحو فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء . قالت فمشى ابن الدغنة إليه فقال له يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك ، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه وتأذوا بذلك منك ، فادخل بيتك ، فاصنع فيه ما أحببت قال أوأرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ؟ قال فاردد علي جواري ، قال قد رددته عليك قالت فقام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش ، إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري فشأنكم بصاحبكم . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، قال لقيه سفيه من سفهاء قريش ، وهو عامد إلى الكعبة ، فحثا على رأسه ترابا . قال فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة ، أو العاص بن وائل . قال فقال أبو بكر ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه ؟ قال أنت فعلت ذلك بنفسك . قال وهو يقول أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك |
حديث نقض الصحيفة
[ بلاء هشام بن عمرو في نقض الصحيفة ] قال ابن إسحاق : وبنو هاشم وبنو المطلب في منزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها ، ثم إنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش ، ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن نصر بن ( جذيمة ) بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه فكان هشام لبني هاشم واصلا ، وكان ذا شرف في قومه فكان - فيما بلغني - يأتي بالبعير وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا ، قد أوقره طعاما ، حتى إذا أقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بزا ، فيفعل به مثل ذلك . [ سعي هشام في ضم زهير بن أبي أمية له ] قال ابن إسحاق : ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال يا زهير ، أقد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يباعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ؟ أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ، ثم دعوته إلى ( مثل ) ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا ; قال ويحك يا هشام فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها ، قال قد وجدت رجلا قال فمن هو ؟ قال أنا ، قال له زهير أبغنا رجلا ثالثا [ سعي هشام في ضم المطعم بن عدي له ] فذهب إلى المطعم بن عدي ( بن نوفل بن عبد مناف ) فقال له يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف ، وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعا ; قال ويحك فماذا أصنع إنما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا ; قال من هو ؟ قال أنا ، قال أبغنا ثالثا ، قال قد فعلت قال من هو ؟ قال زهير بن أبي أمية ، قال أبغنا رابعا . [ سعي هشام في ضم أبي البختري إليه ] فذهب إلى البختري بن هشام فسأل له نحوا مما قال للمطعم بن عدي ، فقال وهل من أحد يعين على هذا ؟ قال نعم قال من هو ؟ قال زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ، قال أبغنا خامسا . [ سعي هشام في ضم زمعة له ] فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فكلمه ذكر له قرابتهم وحقهم فقال له وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ قال نعم ثم سمى له القوم . [ ما حدث بين هشام وزملائه وبين أبي جهل حين اعتزموا تمزيق الصحيفة ] فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة ، فاجتمعوا هنالك . فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها ، وقال زهير : أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم . فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعا ، ثم أقبل على الناس فقال يا أهل مكة ؟ أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة . القاطعة الظالمة . قال أبو جهل : وكان في ناحية المسجد : كذبت والله لا تشق ، قال زمعة بن الأسود : أنت والله أكذب ما رضينا كتابها حيث كتبت قال أبو البختري صدق زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ، ولا نقر به قال المطعم بن عدي : صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ، ومما كتب فيها ، قال هشام بن عمرو نحوا من ذلك . فقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل تشوور فيه بغير هذا المكان ( قال ) : وأبو طالب جالس في ناحية المسجد ، فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها ، إلا " باسمك اللهم " . [ كاتب الصحيفة وشل يده ] وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة . فشلت يده فيما يزعمون . [ إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الأرضة للصحيفة وما كان من القوم بعد ذلك ] قال ابن هشام : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب : يا عم إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش ، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته فيها ، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان فقال أربك أخبرك بهذا ؟ قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد ، ثم خرج إلى قريش ، فقال يا معشر قريش ، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا ، فهلم صحيفتكم فإن كان كما قال ابن أخي فانتهوا عن قطيعتنا ، وانزلوا عما فيها ؟ وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي ، فقال القوم رضينا ، فتعاقدوا على ذلك ثم نظروا ، فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فزادهم ذلك شرا . فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا [ كيف أجار المطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال ابن هشام : وأما قوله " أجرت رسول الله منهم " ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير . فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال إن بني عامر لا تجير على بني كعب . فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده . ثم انصرف إلى منزله . فذلك الذي يعني حسان بن ثابت . |
قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
[ تحذير قريش له من الاستماع للنبي صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه . وجعلت قريش ، حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب . وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا . قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه . قال فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة . قال فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال فسمعت كلاما حسنا قال فقلت في نفسي : واثكل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته قال فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك . قال فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه . قال فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت : يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال اللهم اجعل له آية قال فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت : اللهم في غير وجهي ، إني أخشى ، أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم . قال فتحول فوقع في رأس سوطي . قال فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا أهبط إليهم من الثنية ، قال حتى جئتهم فأصبحت فيهم [ دعوته أباه إلى الإسلام ] قال فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، قال فقلت : إليك عني يا أبت فلست منك ولست مني قال ولم يا بني ؟ قال قلت : أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أي بني فديني دينك ؟ قال فقلت : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت . قال فذهب فاغتسل وطهر ثيابه . قال ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم . ( قال ) ثم أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني ، قالت لم ؟ بأبي أنت وأمي ، قال ( قلت : قد ) فرق بيني وبينك الإسلام وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قالت فديني دينك ، قال قلت فاذهبي إلى حنا ذي الشرى - قال ابن هشام : ويقال حمى ذي الشرى - فتطهري منه . ( قال ) : وكان ذو الشرى صنما لدوس وكان الحمى حمى حموه له ( و ) به وشل من ماء يهبط من جبل . قال فقلت بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ، قال قلت : لا ، أنا ضامن لذلك فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت . ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا علي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت له يا نبي الله إنه قد غلبني على دوس الرنا فادع الله عليهم فقال اللهم اهد دوسا ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم . قال فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر . حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قال قلت : يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه . قال ابن إسحاق : فخرج إليه فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول : يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا إني حشوت النار في فؤادكا [جهاده مع المسلمين بعد قبض الرسول ثم رؤياه ومقتله ] قال ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم . فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ، ومن أرض نجد كلها . ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل ، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأنه لقيتني امرأة فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حثيثا ، ثم رأيته حبس عني ، قالوا : خيرا ، قال أما أنا والله فقد أولتها ؟ قالوا : ماذا ؟ قال أما حلق رأسي فوضعه وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي ، فأغيب فيها ، وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني . فقتل رحمه الله شهيدا باليمامة ، وجرح ابنه جراحة شديدة ثم استبل منها ، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا . [ذل أبي جهل للرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وقد كان عدو الله أبو جهل بن هشام مع عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبغضه إياه وشدته عليه يذله الله له إذا رآه . أمر الإراشي الذي باع أبا جهل إبله [مماطلة أبي جهل له واستنجاده بقريش واستخفافهم بالرسول ] قال ابن إسحاق : حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي ، وكان واعية قال قدم رجل من إراش - قال ابن هشام : ويقال إراشة - بإبل له مكة ، فابتاعها منه أبو جهل فمطله بأثمانها . فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس فقال يا معشر قريش ، من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام ، فإني رجل غريب ابن سبيل وقد غلبني على حقي ؟ قال فقال له أهل ذلك المجلس أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يهزءون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤديك عليه . [إنصاف الرسول له من أبي جهل ] فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عبد الله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله وأنا ( رجل ) غريب ابن سبيل وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه يأخذ لي حقي منه فأشاروا لي إليك ، فخذ لي حقي منه يرحمك الله قال انطلق إليه وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم اتبعه فانظر ماذا يصنع . قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال من هذا ؟ قال محمد فاخرج إلي فخرج إليه وما في وجهه من رائحة قد انتقع لونه فقال أعط هذا الرجل حقه قال نعم لا تبرح حتى أعطيه الذي له قال فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه . ( قال ) : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للإراشي الحق بشأنك ، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي حقي . |
[ما رواه أبو جهل عن سبب خوفه من الرسول]
قال وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا : ويحك ماذا رأيت ؟ قال عجبا من العجب والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال له أعط هذا حقه فقال نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه . قال ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء فقالوا ( له ) ويلك ما لك ؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط قال ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي ، وسمعت صوته فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني . أمر ركانة المطلبي ومصارعته للنبي صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، قال كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش ، فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه ؟ قال إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك ، فقال ( له ) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرأيت إن صرعتك ، أتعلم أن ما أقول حق ؟ قال نعم قال فقم حتي أصارعك . قال فقام إليه ركانة يصارعه فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه وهو لا يملك من نفسه شيئا ، ثم قال عد يا محمد فعاد فصرعه فقال - يا محمد . والله إن هذا للعجب أتصرعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري ، قال ما هو ؟ قال أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني ، قال ادعها ، فدعاها ، فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فقال لها : ارجعي إلى مكانك . قال فرجعت إلى مكانها قال فذهب ركانة إلى قومه فقال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فوالله ما رأيت أسحر منه قط ، ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع أمر وفد النصارى الذين أسلموا قال ابن إسحاق : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ; فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن . فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ما نعلم ركبا أحمق منكم . أو كما قالوا . فقالوا لهم سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نأل أنفسنا خيرا ويقال إن النفر من النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أي ذلك كان . فيقال - والله أعلم - فيهم نزلت هؤلاء الآيات الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين إلى قوله لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين قال ابن إسحاق : وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن فقال لي : ما أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه . والآية من سورة المائدة من قوله ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون إلى قوله فاكتبنا مع الشاهدين [تهكم المشركين بمن من الله عليهم ونزول آيات في ذلك] قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد فجلس إليه المستضعفون من أصحابه خباب وعمار وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث ، وصهيب وأشباههم من المسلمين هزئت بهم قريش ، وقال بعضهم لبعض هؤلاء أصحابه كما ترون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه وما خصهم الله به دوننا . فأنزل الله تعالى فيهم ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم . [ ادعاء المشركين على النبي بتعليم جبر له وما أنزل الله في ذلك ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني يقال له جبر عبد لبني الحضرمي فكانوا يقولون والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بني الحضرمي . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين قال ابن هشام : يلحدون إليه يميلون إليه . والإلحاد الميل عن الحق . |
نزول سورة الكوثر
قال ابن إسحاق : وكان العاص بن وائل السهمي - فيما بلغني - إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه فأنزل الله في ذلك إنا أعطيناك الكوثر ما هو خير لك من الدنيا وما فيها . والكوثر العظيم . [سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ما هو ؟ فأجاب ] قال ابن إسحاق : حدثني جعفر بن عمرو - قال ابن هشام : هو جعفر بن عمرو بن أمية الضمري - عن عبد الله بن مسلم أخي محمد ( بن مسلم ) بن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له يا رسول الله ما الكوثر الذي أعطاك الله ؟ قال نهر كما بين صنعاء إلى أيلةآنيته كعدد نجوم السماء ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل قال يقول عمر بن الخطاب : إنها يا رسول الله لناعمة ؟ قال آكلها أنعم منها قال ابن إسحاق : وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال صلى الله عليه وسلم من شرب منه لا يظمأ أبدا نزول وقالوا لولا أنزل عليه ملك قال ابن إسحاق : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام . وكلمهم فأبلغ إليهم فقال ( له ) زمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث والأسود بن عبد يغوث ، وأبي بن خلف ، والعاص بن وائل لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون نزول ولقد استهزئ برسل من قبلك [ مقالة الوليد وصحبه ونزول هذه الآية ] قال ابن إسحاق : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف ، وبأبي جهل بن هشام فهمزوه واستهزءوا به فغاظه ذلك . فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون [ ذكر الإسراء والمعراج ] قال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس من إيلياء وقد فشا الإسلام بمكة في قريش ، وفي القبائل كلها . قال ابن إسحاق : كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومعاوية بن أبي سفيان ، والحسن بن أبي الحسن ( البصري ) ، وابن شهاب الزهري ، وقتادة وغيرهم من أهل العلم وأم هانئ بنت أبي طالب ، ما اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أسري به صلى الله عليه وسلم وكان في مسراه . وما ذكر عنه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله ( عز وجل ) في قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ليريه من آياته ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد . [ رواية عبد الله بن مسعود عن مسراه صلى الله عليه وسلم ] فكان عبد الله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها - فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم . ثم أتي بثلاثة آنية إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء . ( قال ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت قائلا يقول حين عرضت علي إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمته . قال فأخذت إناء اللبن فشربت منه فقال لي جبريل عليه السلام : هديت وهديت أمتك يا محمد . [ حديث الحسن عن مسراه صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وحدثت عن الحسن أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم في الحجر ، إذ جاءني جبريل فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي : فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه فجلست فأخذ بعضدي ، فقمت معه فخرج ( بي ) إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض بين البغل والحمار في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه يضع يده في منتهى طرفه فحملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته [ حديث قتادة عن مسراه صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وحدثت عن قتادة أنه قال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما دنوت منه لأركبه شمس فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال ألا تستحي يا براق مما تصنع فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . قال فاستحيا حتى ارفض عرقا ، ثم قر حتى ركبته [ عود إلى حديث الحسن عن مسراه صلى الله عليه وسلم وسبب تسمية أبي بكر الصديق ] قال الحسن في حديثه فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى جبريل عليه السلام معه حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ثم أتي بإناءين في أحدهما ، خمر وفي الآخر لبن . قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن فشرب منه وترك إناء الخمر . قال فقال له جبريل هديت للفطرة وهديت أمتك يا محمد ، وحرمت عليكم الخمر . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر . فقال أكثر الناس هذا والله الإمر البين والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرا مقبلة أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة قال فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر ، فقالوا له هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس . وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال فقال لهم أبو بكر إنكم تكذبون عليه فقالوا بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه ( من الله ) من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه . ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال نعم قال يا نبي الله فصفه لي ، فإني قد جئته - قال الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت إليه - فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر صدقت أشهد أنك رسول الله كلما وصف له منه شيئا ، قال صدقت أشهد أنك رسول الله حتى ( إذا ) انتهى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق ؟ فيومئذ سماه الصديق . قال الحسن وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وما دخل فيه من حديث قتادة . [ حديث عائشة عن مسراه صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وحدثني بعض آل أبي بكر : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أسرى بروحه . |
[ جواز أن يكون الإسراء رؤيا ]
فلم ينكر ذلك من قولهما لقول الحسن إن هذه الآية نزلت في ذلك قول الله تبارك وتعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ولقول الله تعالى في الخبر عن إبراهيم عليه السلام إذ قال لابنه يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ثم مضى على ذلك . فعرفت أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول تنام عيناي وقلبي يقظان . والله أعلم أي ذلك كان قد جاءه وعاين فيه ما عاين من أمر الله على أي حاليه كان نائما ، أو يقظان كل ذلك حق وصدق . [ وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبراهيم وموسى وعيسى ] قال ابن إسحاق : وزعم الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة فقال أما إبراهيم فلم أر رجلا أشبه ( قط ) بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه وأما موسى فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة وأما عيسى بن مريم ، فرجل أحمر بين القصير والطويل سبط الشعر كثير خيلان الوجه كأنه خرج من ديماس تخال رأسه يقطر ماء وليس به ماء أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي . [ وصف علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال ابن هشام : وكانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما - ذكر عمر مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب ، قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد . وكان ربعة من القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم وكان أبيض مشربا ، أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد دقيق المسربة أجرد شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع ، كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة وهو ( صلى الله عليه وسلم ) خاتم النبيين أجود الناس كفا ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم . [ حديث أم هانئ عن مسراه صلى الله عليه وسلم ] قال محمد بن إسحاق : وكان فيما بلغني عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، واسمها هند ، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول ما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي ، نام عندي تلك الليلة في بيتي ، فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى الصبح وصلينا معه قال يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فتكشف عن بطنه كأنه قبطية مطوية فقلت له يا نبي الله لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ، قال والله لأحدثنهموه . قالت فقلت لجارية لي حبشية ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعي ما يقول للناس وما يقولون له . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أخبرهم فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا محمد ؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ; قال آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا . فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا موجه إلى الشام . ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما ، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ثم غطيت عليه كما كان ؟ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء ثنية التنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء . قالت فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل كما وصف لهم وسألوهم عن الإناء فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء . وسألوا الآخرين وهم بمكة ، فقالوا : صدق والله لقد أنفرنا في الوادي الذي ذكر وند لنا بعير فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه حتى أخذناه . قصة المعراج قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أتي بالمعراج ولم أر شيئا قط أحسن منه وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة عليه ملك من الملائكة يقال له إسماعيل تحت يديه اثنا عشر ألف ملك تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك - قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث وما يعلم جنود ربك إلا هو - فلما دخل بي ، قال من هذا يا جبريل ؟ قال ( هذا ) محمد . قال أوقد بعث ؟ قال نعم . قال فدعا لي بخير وقاله [ عدم ضحك خازن النار للرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا ، فلم يلقني ملك ؟ إلا ضاحكا مستبشرا ، يقول خيرا ويدعو به حتى لقيني ملك من الملائكة . فقال مثل ما قالوا ، ودعا بمثل ما دعوا به إلا أنه لم يضحك ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره . فقلت لجبريل يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك ( إلي ) ، ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم ؟ قال فقال لي جبريل : أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك هذا مالك خازن النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لجبريل وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم مطاع ثم أمين ألا تأمره أن يريني النار ؟ فقال بلى ، يا مالك أر محمدا النار . قال فكشف عنها غطاءها ففارت وارتفعت . حتى ظننت لتأخذن ما أرى قال فقلت لجبريل يا جبريل مره فليردها إلى مكانها . قال فأمره فقال لها : اخبي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه . فما شبهت رجوعها إلا وقوع الظل حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها . - 405 [ عود إلى حديث الخدري عن المعراج ] ( و ) قال أبو سعيد الخدري في حديثه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما دخلت السماء الدنيا رأيت بها رجلا جالسا تعرض عليه أرواح بني آدم فيقول لبعضها إذا عرضت عليه خيرا ويسر به ويقول روح طيبة خرجت من جسد طيب . ويقول لبعضها إذا عرضت عليه أف ويعبس بوجهه ويقول روح خبيثة خرجت من جسد خبيث . قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أبوك آدم تعرض عليه أرواح ذريته فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها . وقال روح طيبة خرجت من جسد طيب . وإذا مرت به روح الكافر منهم أفف منها وكرهها ، وساء ذلك وقال روح خبيثة خرج من جسد خبيث . |
[ صفة أكلة أموال اليتامى ]
قال ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل في أيديهم قطع من نار كالأفهار يقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم . فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما . [ صفة أكلة الربا ] قال ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك . قال قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة الربا . [ صفة الزناة ] قال ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون السمين الطيب . قال قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن . [ صفة النساء اللاتي يدخلن على الأزواج ما ليس منهم ] قال ثم رأيت نساء معلقات بثديهن فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم . قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فأكل حرائبهم واطلع على عوراتهم [ عود إلى حديث الخدري عن المعراج ] ثم رجع إلى حديث أبي سعيد الخدري ، قال ثم أصعدني إلى السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، قال ثم أصعدني إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ؟ قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أخوك يوسف بن يعقوب . قال ثم أصعدني إلى السماء الرابعة فإذا فيها رجل فسألته : من هو ؟ قال هذا إدريس - قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعناه مكانا عليا - قال ثم أصعدني إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية عظيم العثنون لم أر كهلا أجمل منه ؟ قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا المحبب في قومه هارون بن عمران . قال ثم أصعدني إلى السماء السادسة " فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى كأنه من رجال شنوءة فقلت له من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أخوك موسى بن عمران . ثم أصعدني إلى السماء السابعة فإذا فيها كهل جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه . قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أبوك إبراهيم . قال ثم دخل بي الجنة فرأيت فيها جارية لعساء فسألتها : لمن أنت ؟ وقد أعجبتني حين رأيتها ؟ فقالت لزيد بن حارثة فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة قال ابن إسحاق : ومن حديث ( عبد الله ) بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغني أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السموات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها : من هذا يا جبريل ؟ فيقول محمد ؟ فيقولون أوقد بعث ؟ فيقول نعم ؟ فيقولون حياه الله من أخ وصاحب حتى انتهى به إلى السماء السابعة ثم انتهى به إلى ربه ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم [ مشورة موسى على الرسول عليهما السلام في شأن تخفيف الصلاة ] ( قال ) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت راجعا . فلما مررت بموسى ( بن ) عمران ، ونعم الصاحب كان لكم سألني كم فرض عليك من الصلاة ؟ فقلت خمسين صلاة كل يوم فقال إن الصلاة ثقيلة وإن أمتك ضعيفة فارجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك فرجعت فسألت ربي فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى ، فقال لي مثل ذلك . فرجعت فسألته فوضع عني عشرا . ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك كلما رجعت إليه قال فارجع فاسأل حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني ، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة . ثم رجعت إلى موسى ، فقال لي مثل ذلك فقلت : قد راجعت ربي وسألته حتى استحييت منه فما أنا بفاعل . فمن أداهن منكم إيمانا بهن واحتسابا لهن كان له أجر خمسين صلاة ( مكتوبة ) . ومن بني خزاعة : الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن ( لؤي بن ) ملكان فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى عليه فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون . قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي . ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه فاستسقى ( بطنه ) فمات منه حبنا ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر سبله وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش في رجله ذلك الخدش وليس بشيء ، فانتقض به فقتله . ومر به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شبارقة فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته . ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه فامتخض قيحا ، فقتله. قصة أبي أزيهر الدوسي قال ابن إسحاق : فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة هشام بن الوليد ، والوليد بن الوليد وخالد بن الوليد ، فقال لهم أي بني أوصيكم بثلاث فلا تضيعوا فيهن دمي في خزاعة فلا تطلنه والله إني لأعلم أنهم منه برآء ولكني أخشى أن تسبوا به بعد اليوم ورباي في ثقيف ، فلا تدعوه حتى تأخذوه ؟ وعقري عند أبي أزيهر فلا يفوتنكم به . وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا ، ثم أمسكها عنه فلم يدخلها عليه حتى مات . [ مطالبة خالد بربا أبيه وما نزل في ذلك ] ولما أسلم أهل الطائف كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد الذي كان في ثقيف لما كان أبوه أوصاه به . قال ابن إسحاق : فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس نزلن في ذلك من طلب خالد الربا يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين إلى آخر القصة فيها . [ أم جميل وعمر بن الخطاب ] فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل ، وهي ترى أنه أخوه فلما انتسبت له عرف القصة فقال إني لست بأخيه إلا في الإسلام ، وهو غاز وقد عرفت منتك عليه فأعطاها على أنها ابنة سبيل . [ ضرار وعمر بن الخطاب ] قال الراوي : قال ابن هشام : وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد . فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول انج يا ابن الخطاب لا أقتلك فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه . [ وفاة أبي طالب وخديجة ] [ صبر الرسول على إيذاء المشركين ] قال ابن إسحاق : وكان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب والحكم بن العاص بن أمية وعقبة بن أبي معيط ، وعدي بن حمراء الثقفي ، وابن الأصداء الهذلي وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص فكان أحدهم - فيما ذكر لي - يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي ، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا يستتر به منهم إذا صلى ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى ، كما حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير ، يخرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم على العود فيقف به على بابه ثم يقول يا بني عبد مناف أي جوار هذا ثم يلقيه في الطريق [ طمع المشركين في الرسول بعد وفاة أبي طالب وخديجة ] قال ابن إسحاق : ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها ; وبهلك عمه أبي طالب وكان له عضدا وحرزا في أمره ومنعة وناصرا على قومه وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين . فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأسه ترابا قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، قال لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها : لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك . قال ويقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب |
[ المشركون عند أبي طالب لما ثقل به المرض يطلبون عهدا بينهم وبين الرسول ]
قال ابن إسحاق : ولما اشتكى أبو طالب وبلغ قريشا ثقله قالت قريش بعضها لبعض إن حمزة وعمر قد أسلما ، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها ، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا ، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا . قال ابن إسحاق : فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد ( بن عباس ) عن بعض أهله عن ابن عباس ، قال مشوا إلى أبي طالب فكلموه ؟ وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ، وأبو سفيان بن حرب في رجال من أشرافهم فقالوا : يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى ، وتخوفنا عليك ، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك ، فادعه فخذ له منا ، وخذ لنا منه ليكف عنا ، ونكف عنه وليدعنا وديننا ، وندعه ودينه فبعث إليه أبو طالب فجاءه . فقال يا ابن أخي : هؤلاء أشراف قومك ، قد اجتمعوا لك ، ليعطوك ، وليأخذوا منك . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم . قال فقال أبو جهل نعم وأبيك ، وعشر كلمات قال تقولون لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه . قال فصفقوا بأيديهم ثم قالوا : أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلها واحدا ، إن أمرك لعجب ( قال ) : ثم قال بعضهم لبعض إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه . قال ثم تفرقوا [ طمع الرسول في إسلام أبي طالب وحديث ذلك ] فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله يا ابن أخي ، ما رأيتك سألتهم شططا ، قال فلما قالها أبو طالب طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسلامه فجعل يقول له أي عم فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة . قال فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قال يا ابن أخي ، والله لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي ، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها . قال فلما تقارب من أبي طالب الموت قال نظر العباس إليه يحرك شفتيه قال فأصغى إليه بأذنه قال فقال يا ابن أخي . والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمع [ ما نزل فيمن طلبوا العهد على الرسول عند أبي طالب ] قال وأنزل الله تعالى في الرهط الذين كانوا اجتمعوا إليه وقال لهم ما قال وردوا عليه ما ردوا : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق إلى قوله تعالى : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة يعنون النصارى ، لقولهم إن الله ثالث ثلاثة - إن هذا إلا اختلاق ثم هلك أبو طالب . [ سعي الرسول إلى ثقيف يطلب النصرة ] قال ابن إسحاق : ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، يلتمس النصرة من ثقيف ، والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل فخرج إليهم وحده . [ نزول الرسول بثلاثة من أشرافهم وتحريضهم عليه ] قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، عمد إلى نفر من ثقيف ، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، ومسعود بن عمرو بن عمير ، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ، وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا . لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقد قال لهم - فيما ذكر لي - : إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه . قال ابن هشام : قال عبيد بن الأبرص : ولقد أتاني عن تميم أنهم ذئروا لقتلى عامر وتعصبوا فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، وهما فيه ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه . وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح فقال لها : ماذا لقينا من أحمائك ؟ [ توجهه صلى الله عليه وسلم إلى ربه بالشكوى ] فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فيما ذكر لي - : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك [ قصة عداس النصراني معه صلى الله عليه وسلم ] قال فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس فقالا له خذ قطفا ( من هذا ) العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه . ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال باسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك ؟ قال نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ، فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك . فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ، قالا له ويحك يا عداس لا ، يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه [ أمر الجن الذين استمعوا له وآمنوا به ] قال ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة ، حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى وهم - فيما ذكر لي - سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا . إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا . فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن إلى قوله تعالى ويجركم من عذاب أليم وقال تبارك وتعالى : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة . |
عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
قال ابن إسحاق : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين ( لهم ) الله ما بعثه به . قال ابن إسحاق : فحدثني من أصحابنا ، من لا أتهم عن زيد بن أسلم عن ربيعة بن عباد الديلي أو من حدثه أبو الزناد عنه - قال ابن هشام : ربيعة بن عباد . قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، قال سمعت ربيعة بن عباد يحدثه أبي ، قال إني لغلام شاب مع أبي بمنى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب ، فيقول يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي ، وتصدقوا بي ، وتمنعوني ، حتى أبين عن الله ما بعثني به . قال وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية . فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه . قال فقلت لأبي : يا أبت من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول ؟ قال هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب ، أبو لهب قال ابن هشام : قال النابغة كأنك من جمال بني أقيش يقعقع خلف رجليه بشن قال ابن إسحاق : حدثنا ابن شهاب الزهري : أنه أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه . [ عرض الرسول نفسه على بني عامر ] قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم - يقال له بيحرة بن فراس قال ابن هشام : فراس بن عبد الله بن سلمة ( الخير ) بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة - : والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش ، لأكلت به العرب ، ثم قال أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء قال فقال له أفتهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كانت أدركته السن ، حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا : جاءنا فتى من قريش ، ثم أحد بني عبد المطلب ، يزعم أنه نبي ، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا قال فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال يا بني عامر هل لها من تلاف هل لذناباها من مطلب والذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط ، وإنها لحق ، فأين رأيكم كان عنكم . [ سويد بن صامت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري عن أشياخ من قومه قالوا : قدم سويد بن صامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا ، وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل ، لجلده وشعره وشرفه ونسبه وهو الذي يقول ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى مقالته بالغيب ساءك ما يفري مقالته كالشهد ما كان شاهدا وبالغيب مأثور على ثغرة النحر يسرك باديه وتحت أديمه نميمة غش تبتري عقب الظهر تبين لك العينان ما هو كاتم من الغل والبغضاء بالنظر الشزر فرشني بخير طالما قد بريتني فخير الموالي من يريش ولا يبري وهو الذي يقول ونافر رجلا من بني سليم ثم أحد بني زعب بن مالك مئة ناقة إلى كاهنة من كهان العرب ، فقضت له . فانصرف عنها هو والسلمي ، ليس معهما غيرها ، فلما فرقت بينهما الطريق قال مالي ، يا أخا بني سليم قال أبعث إليك به قال فمن لي بذلك إذا فتني به ؟ قال أنا ; قال كلا ، والذي نفس سويد بيده لا تفارقني حتى أوتى بمالي ، فاتخذا فضرب به الأرض ثم أوثقه رباطا ، ثم انطلق به إلى دار بني عمرو بن عوف فلم يزل عنده حتى بعثت إليه سليم بالذي له فقال في ذلك : لا تحسبني يا بن زعب بن مالك كمن كنت تردي بالغيوب وتختل تحولت قرنا إذ صرعت بعزة كذلك إن الحازم المتحول ضربت به إبط الشمال فلم يزل على كل حال خده هو أسفل في أشعار كثيرة كان يقولها . فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به فدعاه إلى الله وإلى الإسلام فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الذي معك ؟ قال مجلة لقمان - يعني حكمة لقمان - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها علي فعرضها عليه ؟ فقال له إن هذا لكلام حسن والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى علي هو هدى ونور . فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال إن هذا لقول حسن . ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج ، فإنه كان رجال من قومه ليقولون إنا لنراه قد قتل وهو مسلم . وكان قتله قبل يوم بعاث إسلام إياس بن معاذ وقصة أبي الحيسر قال ابن إسحاق : وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن محمود بن لبيد ، قال لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع ، مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم هل لكم في خير مما جئتم له ؟ فقالوا له وما ذاك ؟ قال أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وأنزل علي الكتاب قال ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن . قال فقال إياس بن معاذ ، وكان غلاما حدثا : أي قوم هذا والله خير مما جئتم له قال فيأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع ، حفنة من تراب البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ ، وقال دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا . قال فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج . قال ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك قال محمود بن لبيد : فأخبرني من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع . بدء إسلام الأنصار [ رسول الله ورهط من الخزرج عند العقبة ] قال ابن إسحاق : فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب ، كما كان يصنع في كل موسم . فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه قالوا : لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج ، قال أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم قال أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى . فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن . قال وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم . فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه . فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك . ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا . |
[ عهد الرسول على مبايعي العقبة ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن ( أبي ) مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت ، قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف . فإن وفيتم فلكم الجنة . وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر . قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب الزهري ، عن عائذ الله بن عبد الله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك ( شيئا ) فأخذتم بحده في الدنيا ، فهو كفارة له وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر . [ إرسال الرسول مصعبا مع وفد العقبة ] قال ابن إسحاق : فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى المقرئ بالمدينة : مصعب . وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبي أمامة . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنه كان يصلي بهم وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض . أول جمعة أقيمت بالمدينة قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه أبي أمامة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال كنت قائد أبي ، كعب بن مالك ، حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة . قال فمكث حينا على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له . قال فقلت في نفسي : والله إن هذا بي لعجز ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة ؟ قال فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له . قال فقلت له يا أبت ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ؟ قال فقال أي بني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت ، من حرة بني بياضة ، يقال له نقيع الخضمات ، قال قلت : وكم أنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا . [ أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير وإسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ] قال ابن إسحاق : وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ، ودار بني ظفر ، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن خالة أسعد بن زرارة ، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر . قال ابن هشام : واسم ظفر كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس - قالا : على بئر يقال لها : بئر مرق فجلسا في الحائط ، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ، ولا أجد عليه مقدما ، قال فأخذ أسيد بن حضير حربته . ثم أقبل إليهما ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير : هذا سيد قومه قد جاءك ، فاصدق الله فيه قال مصعب إن يجلس أكلمه . قال فوقف عليهما . متشتما ، فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب أوتجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره قال أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا : فيما يذكر عنهما : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله . ثم قال ما أحسن هذا الكلام وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي . فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما : إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا ، قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف على النادي قال له سعد ما فعلت ؟ قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ، ليخفروك قال فقام سعد مغضبا مبادرا ، تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة من يده . ثم قال والله ما أراك أغنيت شيئا ، ثم خرج إليهما ، فلما رآهما سعد مطمئنين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة ( أما والله ) لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، أتغشانا في دارينا بما نكره - وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان - قال فقال له مصعب أوتقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ؟ قال سعد أنصفت . ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ؟ قالا : تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين قال فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير . قال فلما رآه قومه مقبلا ، قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا ( وأوصلنا ) وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله قالا : فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة . ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت وهو صيفي ، وكان شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، وقال فيما رأى من الإسلام وما اختلف الناس فيه من أمره أرب الناس أشياء ألمت يلف الصعب منها بالذلول أرب الناس أما إذ ضللنا فيسرنا لمعروف السبيل فلولا ربنا كنا يهودا وما دين اليهود بذي شكول ولولا ربنا كنا نصارى مع الرهبان في جبل الجليل ولكنا خلقنا إذ خلقنا حنيفا ديننا عن كل جيل نسوق الهدي ترسف مذعنات مكشفة المناكب في الجلول قال ابن هشام . أنشدني قوله فلولا ربنا ، وقوله لولا ربنا ، وقوله مكشفة المناكب في الجلول رجل من الأنصار ، أو من خزاعة . أمر العقبة الثانية قال ابن إسحاق : ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، من أوسط أيام التشريق حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته والنصر لنبيه وإعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله . [ البراء بن معرور وصلاته إلى الكعبة ] قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني سلمة أن أخاه عبد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار ، حدثه أن أباه كعبا حدثه وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، قال خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا ، ومعنا البراء بن معرور ، سيدنا وكبيرنا ، فلما وجهنا لسفرنا ، وخرجنا من المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا ، فوالله ما أدري ، أتوافقونني عليه أم لا ؟ قال قلنا : وما ذاك ؟ قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر يعني الكعبة ، وأن أصلي إليها . قال فقلنا ، والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام وما نريد أن نخالفه . قال فقال إني لمصل إليها . قال فقلنا له لكنا لا نفعل . قال فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة قال وقد كنا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك . فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابن أخي ، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه . قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفانه ؟ فقلنا : لا ، قال فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال قلنا : نعم - قال وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس . قال . فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه فسلمنا ثم جلسنا إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ قال نعم هذا البراء بن معرور ، سيد قومه وهذا كعب ( بن ) مالك . قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر ؟ قال نعم . ( قال ) : فقال ( له ) البراء بن معرور : يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها ، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال ( قد ) كنت على قبلة لو صبرت عليها . قال فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام . قال وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات وليس ذلك كما قالوا ، نحن أعلم به منهم . قال ابن هشام : وقال عون بن أيوب الأنصاري : ومنا المصلي أول الناس مقبلا على كعبة الرحمن بين المشاعر يعني البراء بن معرور . وهذا البيت في قصيدة له . |
[ إسلام عبد الله بن عمرو ]
قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه قال كعب ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق . قال فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أو جابر سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، أخذناه معنا ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة . قال فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا . قال فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي ، إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع [ العباس يتوثق للنبي عليه الصلاة والسلام ] قال فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه ( عمه ) العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب ، فقال يا معشر الخزرج - قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج ، خزرجها وأوسها - : إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه . فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده . قال فقلنا له قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت . [ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار ] قال فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال نعم والذي بعثك بالحق ( نبيا ) لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا ( عن كابر ) قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان ، فقال يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم قال ابن هشام : وقال الهدم الهدم : ( يعني الحرمة ) أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم ؟ . قال كعب ( بن مالك ) : وقد ( كان ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا ، ليكونوا على قومهم بما فيهم . فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس . [ كلمة العباس بن عبادة في الخزرج قبل المبايعة ] قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري ، أخو بني سالم بن عوف يا معشر الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا : نعم قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة قالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف . فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ( بذلك ) قال الجنة . قالوا : ابسط يدك . فبسط يده فبايعوه وأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم . وأما عبد الله بن أبي بكر فقال ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي ابن سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم . فالله أعلم أي ذلك كان . [ نسب سلول ] قال ابن هشام سلول امرأة من خزاعة ، وهي أم أبي بن مالك بن الحارث [ تنفير الشيطان لمن بايع في العقبة الثانية ] فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط : يا أهل الجباجب - والجباجب : المنازل - هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب - قال ابن هشام : ويقال ابن أزيب - أتسمع أي عدو الله أما والله لأفرغن لك [ استعجال المبايعين للإذن بالحرب ] قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا إلى رحالكم . قال فقال له العباس بن عبادة بن نضلة : والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر . بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم . قال فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا . [ غدو قريش على الأنصار في شأن البيعة ] ( قال ) : فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . قال فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه . قال وقد صدقوا ، لم يعلموه . قال وبعضنا ينظر إلى بعض . قال ثم قام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعليه نعلان له جديدان قال فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - : يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا ، مثل نعلي هذا الفتى من قريش ؟ قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي وقال والله لتنتعلنهما . قال يقول أبو جابر مه أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه . قال قلت : والله لا أردهما ، فأل والله صالح لئن صدق الفأل لأسلبنه . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر : أنهم أتوا عبد الله بن أبي ابن سلول فقالوا له مثل ما قال كعب من القول فقال لهم ( والله ) إن هذا الأمر جسيم ما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا ، وما علمته كان . قال فانصرفوا عنه . [ خروج قريش في طلب الأنصار ] قال ونفر الناس من كل منى ، فتنطس القوم الخبر ، فوجدوه قد كان وخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وكلاهما كان نقيبا . فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير . |
[ خلاص ابن عبادة من أسر قريش وما قيل في ذلك من شعر ]
قال سعد فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ، فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال قال فقلت في نفسي : إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا ، قال فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة . قال فقلت في نفسي : لا والله ما عندهم بعد هذا من خير . قال فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم فقال ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ قال قلت : بلى ، والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف قال ويحك فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما . قال ففعلت ، وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ، فقال لهما : إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا ؟ قالا : ومن هو ؟ قال سعد بن عبادة ; قالا : صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يظلموا ببلده . قال فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم فانطلق . وكان الذي لكم سعدا ، سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي . قصة صنم عمرو بن الجموح [ عدوان قوم عمرو على صنمه ] فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها ، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، وكان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة وشريفا من أشرافهم وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب يقال له مناة كما كانت الأشراف يصنعون تتخذه إلها تعظمه وتطهره فلما أسلم فتيان بني سلمة معاذ بن جبل ، وابنه معاذ بن عمرو ( بن الجموح ) في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس منكسا على رأسه فإذا أصبح عمرو ، قال ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ؟ قال ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه ، ثم قال أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه . فإذا أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطهره ويطيبه ثم يعدون عليه إذا أمسى ، فيفعلون به مثل ذلك . فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره وطيبه ، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك . فلما أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به . [ إسلام عمرو وشعره في ذلك ] فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت فلما رآه وأبصر شأنه وكلمه من أسلم من ( رجال ) قومه فأسلم برحمة الله وحسن إسلامه . فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة والله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن أف لملقاك إلها مستدن الآن فتشناك عن سوء الغبن الحمد لله العلي ذي المنن الواهب الرزاق ديان الدين هو الذي أنقذني من قبل أن أكون في ظلمة قبر مرتهن بأحمد المهدي النبي المرتهن شروط البيعة في العقبة الأخيرة قال ابن إسحاق : وكانت بيعة الحرب حين أذن الله لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى ، كانت الأولى على بيعة النساء وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب فلما أذن الله له فيها ، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة . قال ابن إسحاق : فحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه الوليد عن جده عبادة بن الصامت ، وكان أحد النقباء ، قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب - وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء - على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم . نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال بسم الله الرحمن الرحيم . قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم فهم من بين مفتون في دينه ومن بين معذب في أيديهم وبين هارب في البلاد فرارا منهم منهم من بأرض الحبشة ، ومنهم من بالمدينة ، وفي كل وجه فلما عتت قريش على الله عز وجل وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور - : أي أني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا ، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر . يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي حتى لا يفتن مؤمن عن دينه ويكون الدين لله أي حتى يعبد الله لا يعبد معه غيره . [ إذنه صلى الله عليه وسلم لمسلمي مكة بالهجرة ] قال ابن إسحاق : فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه . وأوى إليهم من المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها ، واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها فخرجوا أرسالا ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة ، والهجرة إلى المدينة . [ هجرة أبي سلمة وزوجه وحديثها عما لقيا ] فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش ، من بني مخزوم : أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، واسمه عبد الله ، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة ، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار ، خرج إلى المدينة مهاجرا . قال ابن إسحاق : فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة ، عن جدته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري ، ثم خرج بي يقود بي بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتك هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه . قالت وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد ، رهط أبي سلمة فقالوا : لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا . قالت فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد ، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة . قالت ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني . قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي ، حتى أمسى سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي ، أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا لي : الحقي بزوجك إن شئت . قالت ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني . قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة . قالت وما معي أحد من خلق الله . قالت فقلت : أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم علي زوجي ، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لي : إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ قالت فقلت : أريد زوجي بالمدينة . قال أوما معك أحد ؟ قالت فقلت : لا والله إلا الله وبني هذا . قال والله ما لك من مترك فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي ، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط ، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم استأخر عني ، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري ، فحط عنه ثم قيده في الشجرة ، ثم تنحى ( عني ) إلى شجرة فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني ، وقال اركبي . فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي . فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعا إلى مكة . قال فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة [هجرة عامر وزوجه وهجرة بني جحش ] قال ابن إسحاق : ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة ، حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب . ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر وكان يطوف مكة ، أعلاها وأسفلها ، بغير قائد وكان شاعرا ، وكانت عنده الفرعة ابنة أبي سفيان بن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم - فغلقت دار بني جحش هجرة فمر بها عتبة بن ربيعة . والعباس بن عبد المطلب ، وأبو جهل بن هشام بن المغيرة ، وهي دار أبان بن عثمان اليوم التي بالردم وهم مصعدون إلى أعلى مكة ، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا ، ليس فيها ساكن فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ثم قال وكل دار وإن طالت سلامتها يوما ستدركها النكباء والحوب قال ابن هشام : وهذا البيت لأبي داود الإيادي في قصيدة له . والحوب التوجع ( وهو في موضع آخر الحاجة ويقال الحوب الإثم ) . |
هجرة عمر وقصة عياش معه
قال ابن إسحاق : ثم خرج عمر بن الخطاب ، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي ، حتى قدما المدينة . فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب ، قال اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة ، أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار ، فوق سرف ، وقلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه . قال فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب ، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن تغرير أبي جهل والحارث بعياش فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة ، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما ، حتى قدما علينا المدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فكلماه وقالا : إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ، ولا تستظل من شمس حتى تراك ، فرق لها ، فقلت له يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت . قال فقال أبر قسم أمي ، ولي هنالك مال فآخذه . قال فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا ، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما . قال فأبى علي إلا أن يخرج معهما ; فلما أبى إلا ذلك قال قلت له أما إذ قد فعلت ما فعلت ، فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها ، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها . فخرج عليها معهما ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا ابن أخي ، والله لقد استغلظت بعيري هذا ، أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال بلى . قال فأناخ وأناخا ليتحول عليها ، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة ، وفتناه فافتتن . قال ابن إسحاق : فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة : أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا ، ثم قالا : يا أهل مكة ، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا . [ كتاب عمر إلى هشام بن العاصي ] قال ابن إسحاق : وحدثني نافع عن عبد الله بن عمر ، عن عمر في حديثه قال فكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم قال وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون قال عمر بن الخطاب : فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي قال فقال هشام بن العاصي : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى ، أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها ، حتى قلت : اللهم فهمنيها . قال فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا ، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا . قال فرجعت إلى بعيري ، فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة . [ خروج الوليد بن الوليد إلى مكة في أمر عياش وهشام ] قال ابن هشام : فحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة من لي بعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاصي ؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة : أنا لك يا رسول الله بهما ، فخرج إلى مكة ، فقدمها مستخفيا ، فلقي امرأة تحمل طعاما ، فقال لها : أين تريدين يا أمة الله ؟ قالت أريد هذين المحبوسين - تعنيهما - فتبعها حتى عرف موضعهما ، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ، ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما ، فكان يقال لسيفه " ذو المروة " لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما ، فعثر فدميت أصبعه فقال هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة منازل المهاجرين بالمدينة [ منزل عمر وأخيه وابنا سراقة وبنو البكير وغيرهم ] قال ابن إسحاق : ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب ، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمي - وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر ، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده - وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ; وواقد بن عبد الله التميمي ، حليف لهم وخولي بن أبي خولي ومالك بن أبي خولي حليفان لهم . قال ابن هشام : أبو خولي من بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل . قال ابن إسحاق : وبنو البكير أربعتهم إياس بن البكير ، وعاقل بن البكير ، وعامر بن البكير ، وخالد بن البكير ، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث ، على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر ، في بني عمرو بن عوف بقباء وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة . هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [ تأخر علي وأبي بكر في الهجرة ] وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر أن يكونه . [ اجتماع الملأ من قريش وتشاورهم في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم . فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه . قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش ، من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب . ومن بني نوفل بن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل . ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة . ومن بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام . ومن بني مخزوم : أبو جهل بن هشام . ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح : أمية بن خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش . فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال فتشاوروا . ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي . والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره فتشاوروا . ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت . فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه رأيا غير هذا . قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه . فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال فقال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له . |
[ خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستخلافه عليا على فراشه ]
فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام .
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها . قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك أنت أحدهم . وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم إلى قوله فأغشيناهم فهم لا يبصرون حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمدا ; قال خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده . فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا . [ ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي ] قال ابن إسحاق : وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وقول الله عز وجل أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين قال ابن هشام : المنون الموت . وريب المنون ما يريب ويعرص منها . قال أبو ذؤيب الهذلي : أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة . [ طمع أبي بكر في أن يكون صاحب النبي في الهجرة وما أعد لذلك ] قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك . [ حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ] قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها . قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث . قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عني من عندك ; فقال يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة . قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة . قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا . فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما [ من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، حين خرج إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر . أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم . [ قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار ] قال ابن إسحاق : فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ; وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما ، يأتيهما إذا أمسى في الغار . وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما . قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه . [ ابنا أبي بكر وابن فهيرة يقومون بشؤون الرسول وصاحبه وهما في الغار ] قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مئة ناقة لمن يرده عليهم . وكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر . وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه يرعى في عيان أهل مكة ، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا ، فإذا عبد الله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فتحل نطاقها فتجعله عصاما ، ثم علقتها به . [ سبب تسمية أسماء بذات النطاق ] فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر ذات النطاق لذلك . قال ابن هشام : وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين . وتفسيره أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر . [ أبو بكر يقدم راحلة للرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : فلما قرب أبو بكر رضي الله عنه الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم له أفضلهما ، ثم قال اركب فداك أبي وأمي ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيرا ليس لي ; قال فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، قال لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ؟ قال كذا وكذا ، قال قد أخذتها به قال هي لك يا رسول الله . فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق . [ ضرب أبي جهل لأسماء ] قال ابن إسحاق : فحدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت قلت : لا أدري والله أين أبي ؟ قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا ، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي . |
[خبر الهاتف من الجن عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته ]
قالت ثم انصرفوا . فمكثنا ثلاث ليال . وما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر ثم تروحا فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد [ نسب أم معبد ] قال ابن هشام : أم معبد بنت كعب ، امرأة من بني كعب من خزاعة . وقوله " حلا خيمتي " ، و " هما نزلا بالبر ثم تروحا " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وعبد الله بن أرقط دليلهما . قال ابن هشام : ويقال عبد الله بن أريقط . [ أبو قحافة وأسماء بعد هجرة أبي بكر ] قال ابن إسحاق : فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف فانطلق بها معه . قالت فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال والله إني لا أراه قد فجعكم بماله مع نفسه . قالت قلت : كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا . قالت فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال . قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك . سراقة وركوبه في أثر الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه . عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة ، جعلت قريش فيه مئة ناقة لمن رده عليهم . قال فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا ، حتى وقف علينا ، فقال والله لقد رأيت ركبه ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه قال فأومأت إليه بعيني : أن اسكت ثم قلت : إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعله ثم سكت . قال ثم مكثت قليلا ، ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسي ، فقيد لي إلى بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأخرج لي من دبر حجرتي ، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ، ثم انطلقت ، فلبست لأمتي ، ثم أخرجت قداحي ، فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " . قال وكنت أرجو أن أرده على قريش ، فآخذ المئة الناقة . قال فركبت على أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي ، فسقطت عنه . قال فقلت : ما هذا ؟ قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " . قال فأبيت إلا أن أتبعه . قال فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي ، عثر بي ، فسقطت عنه . قال فقلت : ما هذا ؟ ، قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " ، قال فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره . فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار . قال فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني ، وأنه ظاهر . قال فناديت القوم فقلت : أنا سراقة بن جعشم انظروني أكلمكم فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر قل له وما تبتغي منا ؟ قال فقال ذلك أبو بكر قال قلت : تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك . قال اكتب له يا أبا بكر . [ إسلام سراقة ] ( قال ) : فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ، ثم رجعت ، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة . قال فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار . قال فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون إليك ( إليك ) ، ماذا تريد ؟ قال فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة . قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت : يا رسول الله هذا كتابك ( لي ) ، أنا سراقة بن جعشم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاء وبر ادنه . قال فدنوت منه فأسلمت . ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره إلا أني قلت : يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي ، وقد ملأتها لإبلي ، هل لي من أجر في أن أسقيها ؟ قال نعم في كل ذات كبد حرى أجر قال ثم رجعت إلى قومي ، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي . [ تصويب نسب عبد الرحمن الجعشمي ] قال ابن هشام : عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم . [ طريقه صلى الله عليه وسلم في هجرته ] قال ابن إسحاق : فلما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط ، سلك بهما أسفل مكة ، ثم مضى بهما على الساحل ، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان ، ثم سلك بهما على أسفل أمج ، ثم استجاز بهما ، حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز قديدا ، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرار ، ثم سلك بهما ثنية المرة ، ثم سلك بهما لقفا . قال ابن هشام : ويقال لفتا . قال معقل بن خويلد الهذلي : نزيعا محلبا من أهل لفت لحي بين أثلة والنحام قال ابن إسحاق : ثم أجاز بهما مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة محاج - ويقال مجاج ، فيما قال ابن هشام - ثم سلك بهما مرجح محاج ، ثم تبطن بهما مرجح من ذي الغضوين - قال ابن هشام : ويقال العضوين - ثم بطن ذي كشر ، ثم أخذ بهما على الجداجد ، ثم على الأجرد ، ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعداء مدلجة تعهن ، ثم على العبابيد . قال ابن هشام : ويقال العبابيب ويقال العثيانة . يريد العبابيب - . قال ابن إسحاق : ثم أجاز بهما الفاجة ، ويقال القاحة ، فيما قال ابن هشام . قال ابن هشام : ثم هبط بهما العرج ، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم ، يقال له أوس بن حجر على جمل له - يقال له ابن الرداء - إلى المدينة ، وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ثم خرج بهما دليلهما من العرج ، فسلك بهما ثنية العائر ، عن يمين ركوبة - ويقال ثنية الغائر، فيما قال ابن هشام - حتى هبط بهما بطن رئم ، ثم قدم بهما قباء ، على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل . [ قدومه صلى الله عليه وسلم قباء ] قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك في أيام حارة . حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود ، وقد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ، فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة ، هذا جدكم قد جاء . قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر ، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك |
[ منازله صلى الله عليه وسلم بقباء ]
قال ابن إسحاق : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف ، ثم أحد بني عبيد : ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة . ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم : إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا لا أهل له وكان منزل الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ، فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة ، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة : بيت الأعزاب . فالله أعلم أي ذلك كان كلا قد سمعنا . [ منزل أبي بكر بقباء ] ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف ، أحد بني الحارث الخزرج بالسنح . ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج . [ منزل علي بن أبي طالب بقباء ] وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها ، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم . [ ابن حنيف وتكسيره الأصنام ] فكان علي بن أبي طالب ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول كانت بقباء امرأة لا زوج لها ، مسلمة . قال فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه . قال فاستربت بشأنه فقلت لها : يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت هذا سهل بن حنيف بن واهب قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال احتطبي بهذا ، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف ، حتى هلك عنده بالعراق . قال ابن إسحاق : وحدثني هذا ، من حديث علي رضي الله عنه هند بن سعد بن سهل بن حنيف ، رضي الله عنه . [ بناء مسجد قباء ] قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده [ خروجه صلى الله عليه وسلم من قباء وسفره إلى المدينة ] ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة . وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك فالله أعلم أي ذلك كان . فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة . [ اعتراض القبائل له صلى الله عليه وسلم تبغي نزوله عندها ] فأتاه عتبان بن مالك ، وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف ، فقالوا : يا رسول الله . أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة لناقته فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة ، تلقاه زياد بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، في رجال من بني بياضة فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا ، إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها . فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة ، اعترضه سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، في رجال من بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج ، اعترضه سعد بن الربيع ، وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة ، في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة فخلوا سبيلها . فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار ، وهم أخواله دنيا - أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو ، إحدى نسائهم - اعترضه سليط بن قيس ، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار ، فقالوا : يا رسول الله هلم إلى أخوالك ، إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها ، فانطلقت . [ مبرك ناقته صلى الله عليه وسلم بدار بني مالك بن النجار ] حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار ، بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار ، ثم من بني مالك بن النجار ، وهما في حجر معاذ بن عفراء ، سهل وسهيل ابني عمرو . فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها ، فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت وزمت ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو ، وهما يتيمان لي ، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا [ بناء مسجد المدينة ومساكنه صلى الله عليه وسلم ] قال فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجدا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، ودأبوا فيه فقال قائل من المسلمين لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون لا عيش إلا عيش الآخره اللهم ارحم الأنصار والمهاجره قال ابن هشام : هذا كلام وليس برجز . قال ابن إسحاق : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عيش إلا عيش الآخرة ، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار [ إخبار الرسول لعمار بقتل الفئة الباغية له ] قال فدخل عمار بن ياسر ، وقد أثقلوه باللبن فقال يا رسول الله قتلوني ، يحملون علي ما لا يحملون . قالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده وكان رجلا جعدا ، وهو يقول ويح ابن سمية ، ليسوا بالذين يقتلونك ، إنما تقتلك الفئة الباغية [ ارتجاز علي بن أبي طالب في بناء المسجد ] وارتجز علي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ لا يستوي من يعمر المساجدا يدأب فيه قائما وقاعدا ومن يرى عن الغبار حائدا قال ابن هشام : سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا : بلغنا أن علي بن أبي طالب ارتجز به فلا يدرى : أهو قائله أم غيره . [ ما كان بين عمار وأحد الصحابة من مشادة ] قال ابن إسحاق : فأخذها عمار بن ياسر ، فجعل يرتجز بها . قال ابن هشام : فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يعرض به فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن ابن إسحاق ، وقد سمى ابن إسحاق الرجل . [ وصاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعمار ] قال ابن إسحاق : فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية ، والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك . قال وفي يده عصا . قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه . |
[ من بنى أول مسجد ]
قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة عن زكريا ، عن الشعبي ، قال إن أول من بنى مسجدا عمار بن ياسر . [منزله صلى الله عليه وسلم من بيت أبي أيوب وشيء من أدبه في ذلك ] قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب حتى بني له مسجده ومساكنه ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب رحمة الله عليه ورضوانه . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي رهم السماعي قال حدثني أبو أيوب قال لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العلو فقلت له يا نبي الله بأبي أنت وأمي ، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك ، وتكون تحتي ، فاظهر أنت فكن في العلو وننزل نحن فنكون في السفل فقال يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا ، أن نكون في سفل البيت قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن فلقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ، ما لنا لحاف غيرها ، ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه . قال وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة ، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلا أو ثوما ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر ليده فيه أثرا . قال فجئته فزعا ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، رددت عشاءك ، ولم أر فيه موضع يدك ، وكنت إذا رددته علينا ، تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك ، نبتغي بذلك البركة ; قال إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة ، وأنا رجل أناجي ، فأما أنتم فكلوه قال فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة بعد . [ تلاحق المهاجرين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ] قال ابن إسحاق : وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق بمكة منهم أحد ، إلا مفتون أو محبوس ولم يوعب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهل دور مسمون بنو مظعون من بني جمح ; وبنو جحش بن رئاب ، حلفاء بني أمية ; وبنو البكير ، من بني سعد بن ليث ، حلفاء بني عدي بن كعب ، فإن دورهم غلقت بمكة هجرة ليس فيها ساكن . [ عدوان أبي سفيان على دار بني جحش والقصة في ذلك ] ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم عدا عليها أبو سفيان بن حرب ، فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي ; فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم ذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارا خيرا منها في الجنة ؟ قال بلى ، قال فذلك لك فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، كلمه أبو أحمد في دارهم . فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس لأبي أحمد يا أبا أحمد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله عز وجل فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأبي سفيان أبلغ أبا سفيان عن أمر عواقبه ندامه دار ابن عمك بعتها تقضي بها عنك الغرامه وحليفكم بالله رب الناس مجتهد القسامه اذهب بها ، اذهب بها طوقتها طوق الحمامه [انتشار الإسلام ومن بقي على شركه ] قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة حتى بني له فيها مسجده ومساكنه واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها ، إلا ما كان من خطمة وواقف ووائل وأمية وتلك أوس الله وهم حي من الأوس ، فإنهم أقاموا على شركهم . [ أول خطبه عليه الصلاة والسلام ] وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم . تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا وأفضلت عليك ؟ فما قدمت لنفسك ؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم . فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها ، إلى سبع مئة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [خطبته الثانية صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى ، فقال إن الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى ، قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي ، قد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ومن كل ما أوتي الناس الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم [ كتابه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وموادعة يهود ] قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم ، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين وإن أيديهم عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا ، وإن المؤمنين يبئ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسها ، ولا يحول دونه على مؤمن وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة . ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ; وإن ليهود بني ساعدة ما ليهود بني عوف ; وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ; وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وإن البر دون الإثم وإن موالي ثعلبة كأنفسهم وإن بطانة يهود كأنفسهم وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم وإنه لا ينحجز على ثأر جرح وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا ; وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها ، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها . وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة . مع البر المحض ؟ من أهل هذه الصحيفة . قال ابن هشام : ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة . قال ابن إسحاق : وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم أو أثم وإن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . |
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
قال ابن إسحاق : وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال - فيما بلغنا ، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل - : تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين وكان حمزة بن عبد المطلب ، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة ومعاذ بن جبل ، أخو بني سلمة ، أخوين . قال ابن هشام : وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة . قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابن أبي قحافة وخارجة بن زهير ، أخو بلحارث بن الخزرج أخوين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعتبان بن مالك ، أخو بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج أخوين وأبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح ، واسمه عامر بن عبد الله ، وسعد بن معاذ بن النعمان أخو بني عبد الأشهل ، أخوين . وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن الربيع ، أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين . والزبير بن العوام ، وسلامة بن سلامة بن وقش أخو بني عبد الأشهل ، أخوين . ويقال بل الزبير وعبد الله بن مسعود ، حليف بني زهرة ، أخوين وعثمان بن عفان ، وأوس بن ثابت بن المنذر أخو بني النجار ، أخوين . وطلحة بن عبيد الله ، وكعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، أخوين . وسعد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي بن كعب ، أخو بني النجار : أخوين ومصعب بن عمير بن هاشم ، وأبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار : أخوين وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وعباد بن بشر بن وقش ، أخو بني عبد الأشهل : أخوين . وعمار بن ياسر ، حليف بني مخزوم ، وحذيفة بن اليمان ، أخو بني عبد عبس ، حليف بني عبد الأشهل : أخوين . ويقال ثابت بن قيس بن الشماس ، أخو بلحارث بن الخزرج ، خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بن ياسر : أخوين . وأبو ذر ، وهو برير بن جنادة الغفاري ، المنذر بن عمرو ، المعنق ليموت أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج : أخوين . قال ابن هشام : وسمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذر جندب بن جنادة . قال ابن إسحاق : وكان حاطب بن أبي بلتعة ، حليف بني أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة أخو بني عمرو بن عوف ، أخوين وسلمان الفارسي ، وأبو الدرداء ، عويمر بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين . قال ابن هشام : عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد . قال ابن إسحاق : وبلال ، مولى أبي بكر رضي الله عنهما ، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ، ثم أحد الفزع أخوين . فهؤلاء من سمي لنا ، ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه . [ بلال يوصي بديوانه لأبي رويحة ] فلما دون عمر بن الخطاب الدواوين بالشام ، وكان بلال قد خرج إلى الشام ، فأقام بها مجاهدا ، فقال عمر لبلال : إلى من تجعل ديوانك يا بلال ؟ قال مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا ، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني ، فضم إليه وضم ديوان الحبشة إلى خثعم ، لمكان بلال منهم فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام أبو أمامة قال ابن إسحاق : وهلك في تلك الأشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة ، والمسجد يبنى ، أخذته الذبحة أو الشهقة . [ موته وما قاله اليهود في ذلك ] قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقي العرب يقولون لو كان نبيا لم يمت صاحبه ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا [ بموته كان النبي صلى الله عليه وسلم نقيبا لبني النجار ] قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري : أنه لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة ، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو أمامة نقيبهم فقالوا له يا رسول الله إن هذا قد كان منا حيث قد علمت فاجعل منا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم أنتم أخوالي ، وأنا بما فيكم ، وأنا نقيبكم وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض فكان من فضل بني النجار الذي يعدون على قومهم أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم . خبر الأذان [التفكير في اتخاذ بوق أو ناقوس ] قال ابن إسحاق : فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين ، واجتمع أمر الأنصار ، استحكم أمر الإسلام فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصيام وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الإسلام بين أظهرهم وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها ، بغير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أن يجعل بوقا كبوق يهود الذين يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة . [رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان ] فبينما هم على ذلك إذ رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ، أخو بلحارث بن الخزرج ، النداء فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت له يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس ؟ قال وما تصنع به ؟ قال قلت : ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قال قلت : وما هو ؟ قال تقول الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله |
[ تعليم بلال الأذان ]
فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها ، فإنه أندى صوتا منك . فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب ، وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد على ذلك . [رؤيا عمر في الأذان وسبق الوحي به ] قال ابن إسحاق : حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ، عن أبيه . قال ابن هشام : وذكر ابن جريج ، قال قال لي عطاء : سمعت عبيد بن عمير الليثي يقول ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى عمر بن الخطاب في المنام لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة . فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى ، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك قد سبقك بذلك الوحي . [ما كان يقوله بلال قبل الأذان ] قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن امرأة من بني النجار ، قالت كان بيتي من أطول بيت حول المسجد ، فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر فإذا رآه تمطى ، ثم قال اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا على دينك . قالت والله ما علمته كان يتركها ليلة واحدة أبو قيس بن أبي أنس قال ابن إسحاق : فلما اطمأنت برسول الله صلى الله عليه وسلم داره وأظهر الله بها دينه وسره بما جمع إليه من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته قال أبو قيس صرمة بن أبي أنس ، أخو بني عدي بن النجار . قال ابن هشام : أبو قيس صرمة بن أبي أنس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار . قال ابن إسحاق : وكان رجلا قد ترهب في الجاهلية ، ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة وتطهر من الحائض من النساء وهم بالنصرانية ثم أمسك عنها ، ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا لا تدخله عليه فيه طامث ولا جنب وقال أعبد رب إبراهيم ، حين فارق الأوثان وكرهها ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأسلم وحسن إسلامه وهو شيخ كبير وكان قوالا بالحق معظما لله عز وجل في جاهليته يقول أشعارا في ذلك حسانا - وهو الذي يقول يقول أبو قيس وأصبح غاديا : ألا ما استطعتم من وصاتى فافعلوا فأوصيكم بالله والبر والتقى وأعراضكم والبر بالله أول وإن قومكم سادوا فلا تحسدنهم وإن كنتم أهل الرياسة فاعدلوا وإن نزلت إحدى الدواهي بقومكم فأنفسكم دون العشيرة فاجعلوا وإن ناب غرم فادح فارفقوهم وما حملوكم في الملمات فاحملوا وإن أنتم أمعرتم فتعففوا وإن كان فضل الخير فيكم فأفضلوا قال ابن هشام : ويروى : وإن ناب أمر فادح فارفدوهم الأعداء من يهود قال ابن إسحاق : ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا ، لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ، ممن كان عسي على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه فظهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر ، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وجحودهم الإسلام . وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها . إسلام عبد الله بن سلام قال ابن إسحاق : وكان من حديث عبد الله بن سلام ، كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين أسلم ، وكان حبرا عالما ، قال لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما نزل بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت فقالت لي عمتي ، حين سمعت تكبيري : خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت ، قال فقلت لها : أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران ، وعلى دينه بعث بما بعث به . قال فقالت أي ابن أخي ، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال فقلت لها : نعم . قال فقالت فذاك إذا . قال ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي ، فأمرتهم فأسلموا قال وكتمت إسلامي من يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله إن يهود قوم بهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك ، وتغيبني عنهم ثم تسألهم عني ، حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني . قال فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه وساءلوه ثم قال لهم أي رجل الحصين بن سلام فيكم ؟ قالوا : سيدنا وابن سيدنا ، وحبرنا وعالمنا . قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته فإني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومن به وأصدقه وأعرفه فقالوا : كذبت ثم وقعوا بي ، قال فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور قال فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها . حديث مخيريق قال ابن إسحاق : وكان من حديث مخيريق ، وكان حبرا عالما ، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد ، وكان يوم أحد يوم السبت ، قال يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق . قالوا : إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم . ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) يصنع فيها ما أراه الله . فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول مخيريق خير اليهود وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها . شهادة عن صفية قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه . قالت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ونزل قباء ، في بني عمرو بن عوف ، غدا عليه أبي ، حيي بن أخطب ، وعمي أبو ياسر بن أخطب ، مغلسين . قالت فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس . قالت فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى . قالت فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما التفت إلي واحد منهما ، مع ما بهما من الغم . قالت وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال نعم والله قال أتعرفه وتثبته ؟ قال نعم قال فما في نفسك منه ؟ قال عداوته والله ما بقيت . |
من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار
قال ابن إسحاق : وكان ممن انضاف إلى يهود ممن سمي لنا من المنافقين من الأوس والخزرج ، والله أعلم . من الأوس ، ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، ثم من بني لوذان بن عمرو بن عوف زوي بن الحارث .
ومن بني خبيب بن عمرو بن عوف جلاس بن سويد بن الصامت ، وأخوه الحارث بن سويد . [ شيء عن جلاس ] وجلاس الذي قال - وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر . فرفع ذلك من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد ، أحدهم وكان في حجر جلاس خلف جلاس على أمه بعد أبيه فقال له عمير بن سعد : والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي يدا ، وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنك ، ولئن صمت عليها ليهلكن ديني ، ولإحداهما أيسر علي من الأخرى . ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال جلاس فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كذب علي عمير وما قلت ما قال عمير بن سعد . فأنزل الله عز وجل فيه يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير قال ابن هشام : الأليم الموجع . قال ذو الرمة يصف إبلا : وترفع من صدور شمردلات يصك وجوهها وهج أليم وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الخير والإسلام . [ شيء عن الحارث بن سويد ] وأخوه الحارث بن سويد ، الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة ، يوم أحد . خرج مع المسلمين وكان منافقا ، فلما التقى الناس عدا عليهما ، فقتلهما ثم لحق بقريش . قال ابن هشام : وكان المجذر بن ذياد قتل سويد بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج ، فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سويد غرة المجذر بن ذياد ليقتله بأبيه فقتله وحده وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول والدليل على أنه لم يقتل قيس بن زيد أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد . قال ابن إسحاق ; قتل سويد بن صامت معاذ بن عفراء غيلة في غير حرب رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة ، ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه . فأنزل الله تبارك وتعالى فيه - فيما بلغني عن ابن عباس - : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين إلى آخر القصة . ومن بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : بجاد بن عثمان بن عامر . ومن بني لوذان بن عمرو بن عوف : نبتل بن الحارث وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - : من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث وكان رجلا جسيما أذلم ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع الخدين وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذي قال إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه . فأنزل الله عز وجل فيه ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم قال ابن إسحاق : وحدثني بعض رجال بلعجلان أنه حدث أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إنه يجلس إليك رجل أذلم ثائر شعر الرأس أسفع الخدين أحمر العينين كأنهما قدران من صفر كبده أغلظ من كبد الحمار ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره . وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث فيما يذكرون . ومن بني ضبيعة : أبو حبيبة بن الأزعر وكان ممن بنى مسجد الضرار وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إلخ القصة . ومعتب الذي قال يوم أحد : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا إلى آخر القصة . وهو الذي قال يوم الأحزاب : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط . فأنزل الله عز وجل فيه وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا والحارث بن حاطب . [ معتب وابنا حاطب بدريون وليسوا منافقين ] قال ابن هشام : معتب بن قشير ، وثعلبة والحارث ابنا حاطب وهم من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر . قال ابن إسحاق : وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ; وبحزج وهم ممن كان بنى مسجد الضرار ، وعمرو بن خذام ، وعبد الله بن نبتل . ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف : جارية بن عامر بن العطاف وابناه زيد ومجمع ابنا جارية وهم ممن اتخذ مسجد الضرار . وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع من القرآن أكثره وكان يصلي بهم فيه ثم إنه لما أخرب المسجد وذهب رجال من بني عمرو بن عوف كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم وكان زمان عمر بن الخطاب ، كلم في مجمع ليصلي بهم فقال لا ، أوليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار ؟ فقال لعمر يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم ولكني كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا لا قرآن معهم فقدموني أصلي بهم وما أرى أمرهم إلا على أحسن ما ذكروا فزعموا أن عمر تركه فصلى بقومه . |
[ طرد المنافقين من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ]
وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزئون بدينهم فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا ، فقام أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب إلى عمرو بن قيس ، أحد بني غنم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه من المسجد وهو يقول أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة ، أحد بني النجار فلببه بردائه ثم نتره نترا شديدا ، ولطم وجهه ثم أخرجه من المسجد وأبو أيوب يقول له أف لك منافقا خبيثا : أدراجك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن هشام : أي ارجع من الطريق التي جئت منها . قال الشاعر فولى وأدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو ، وكان رجلا طويل اللحية فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خر منها . قال يقول خدشتني يا عمارة قال أبعدك الله يا منافق فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن هشام : اللدم الضرب ببطن الكف . قال تميم بن أبي بن مقبل وللفؤاد وجيب تحت أبهره لدم الوليد وراء الغيب بالحجر قال ابن هشام : الغيب ما انخفض من الأرض . والأبهر عرق القلب . قال ابن إسحاق : وقام أبو محمد رجل من بني النجار كان بدريا ، وأبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل ، وكان قيس غلاما شابا ، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد . وقام رجل من بلخدرة بن الخزرج ، رهط أبي سعيد الخدري يقال له عبد الله بن الحارث ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو ، وكان ذا جمة فأخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا ، على ما مر به من الأرض حتى أخرجه من المسجد . قال يقول المنافق لقد أغلظت يا ابن الحارث فقال له إنك أهل لذلك أي عدو الله لما أنزل الله فيك ، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنك نجس . وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوي بن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا ، وأفف منه وقال غلب عليك الشيطان وأمره . فهؤلاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم . [ دعوى اليهود قلة العذاب في الآخرة ورد الله عليهم ] قال ابن إسحاق : وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، واليهود تقول إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب . فأنزل الله في ذلك من قولهم وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به يحيط كفره بما له عند الله من حسنة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون أي خلد أبدا . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا ، لا انقطاع له . قال ابن إسحاق : ثم قال ( الله عز وجل ) يؤنبهم وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل أي ميثاقكم لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون أي تركتم ذلك كله ليس بالتنقص . وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم [ سؤال اليهود الرسول وإجابته لهم عليه الصلاة والسلام ] قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن ( عبد ) الرحمن بن أبي حسين المكي ، عن شهر بن حوشب الأشعري أن نفرا من أحبار يهود جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن أربع نسألك عنهن فإن فعلت ذلك اتبعناك وصدقناك ، وآمنا بك . قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقنني ، قالوا : نعم قال فاسألوا عما بدا لكم قالوا : فأخبرنا كيف يشبه الولد أمه وإنما النطفة من الرجل ؟ قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه ؟ قالوا : اللهم نعم قالوا : فأخبرنا كيف نومك ؟ فقال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أن نوم الذي تزعمون أني لست به تنام عينه وقلبه يقظان ؟ فقالوا : اللهم نعم قال فكذلك نومي ، تنام عيني وقلبي يقظان ، قالوا : فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها ، وأنه اشتكى شكوى ، فعافاه الله منها ، فحرم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه شكرا لله فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها ؟ قالوا : اللهم نعم قالوا : فأخبرنا عن الروح ؟ قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمونه جبريل وهو الذي يأتيني ؟ قالوا : اللهم نعم ولكنه يا محمد لنا عدو ، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وبسفك الدماء ولولا ذلك لاتبعناك ، قال فأنزل الله عز وجل فيهم قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين إلى قوله تعالى : أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان أي السحر وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر . |
[ إنكار اليهود نبوة داود - عليه السلام - ورد الله عليهم ]
قال ابن إسحاق : وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين قال بعض أحبارهم ألا تعجبون من محمد ، يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا ، والله ما كان إلا ساحرا . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا أي باتباعهم السحر وعملهم به . وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما كان على الظهر فإن ذلك كان يقرب للقربان فتأكله النار [ كتابه صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر ] قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يهود خيبر ، فيما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحب موسى وأخيه والمصدق لما جاء به موسى : ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة ، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما وإني أنشدكم بالله ، وأنشدكم بما أنزل عليكم وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى ، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله إلا أخبرتموني : هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد ؟ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم . قد تبين الرشد من الغي - فأدعوكم إلى الله وإلى نبيه . [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : شطؤه فراخه وواحدته شطأة . تقول العرب : قد أشطأ الزرع إذا أخرج فراخه . وآزره عاونه فصار الذي قبله مثل الأمهات . قال امرؤ القيس بن حجر الكندي : بمحنية قد آزر الضال نبتها مجر جيوش غانمين وخيب وهذا البيت في قصيدة له . وقال حميد بن مالك الأرقط أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة زرعا وقضبا مؤزر النبات وهذا البيت في أرجوزة له وسوقه ( غير مهموز ) : جمع ساق لساق الشجرة . [ ما نزل في أبي ياسر وأخيه ] قال ابن إسحاق : وكان ممن نزل فيه القرآن بخاصة من الأحبار وكفار يهود الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل - فيما ذكر لي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله بن رئاب - أن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلو فاتحة البقرة الم ذلك الكتاب لا ريب فيه فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من يهود فقال تعلموا والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه الم ذلك الكتاب فقالوا : أنت سمعته ؟ فقال نعم فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له يا محمد ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل إليك : الم ذلك الكتاب ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بلى ، قالوا : أجاءك بها جبريل من عند الله ؟ فقال نعم قالوا : لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أكل أمته غيرك . فقال حيي بن أخطب ، وأقبل على من معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين إنما مدة ملكه وأكل أمته إحدى وسبعون سنة ؟ ثم أقبل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد هل مع هذا غيره ؟ قال نعم قال ماذا ؟ قال المص . قال هذه والله أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وستون ومئة سنة هل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال نعم الر . قال هذه والله أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مئتان فهذه إحدى وثلاثون ومئتان هل مع هذا غيره يا محمد ؟ قال نعم المر . قال هذه والله أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مئتان فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة ثم قال لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ؟ ثم قاموا عنه فقال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون وإحدى وستون ومئة وإحدى وثلاثون ومئتان وإحدى وسبعون ومئتان فذلك سبع مئة وأربع وثلاثون سنة فقالوا : لقد تشابه علينا أمره . فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات قال ابن إسحاق : وقد سمعت من لا أتهم من أهل العلم يذكر أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في أهل نجران ، حين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه عن عيسى ابن مريم - عليه السلام - . قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، أنه قد سمع أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في نفر من يهود ولم يفسر ذلك لي . فالله أعلم أي ذلك كان . [ كفر اليهود به صلى الله عليه وسلم بعد استفتاحهم به وما نزل في ذلك ] قال ابن إسحاق : وكان فيما بلغني عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل . وبشر بن البراء بن معرور ، أخو بني سلمة يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال سلام بن مشكم ، أحد بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم فأنزل الله في ذلك من قولهم ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين [ ما نزل في نكران مالك بن الصيف العهد إليهم بالنبي ] قال ابن إسحاق : وقال مالك بن الصيف ، حين بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه والله ما عهد إلينا في محمد عهد ، وما أخذ له علينا من ميثاق . فأنزل الله فيه أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون [ ما نزل في قول أبي صلوبا ما جئتنا بشيء نعرفه ] وقال أبو صلوبا الفطيوني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية فنتبعك لها . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون [ ما نزل في قول ابن حريملة ووهب ] وقال رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل [ ما نزل في صد حيي وأخيه الناس عن الإسلام ] قال ابن إسحاق : وكان حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب ، من أشد يهود للعرب حسدا ، إذ خصهم الله تعالى برسوله - صلى الله عليه وسلم - وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا . فأنزل الله تعالى فيهما : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير [ تنازع اليهود والنصارى عند الرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : ولما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به أي يكفر اليهود بعيسى ، وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى - عليه السلام - بالتصديق بعيسى - عليه السلام - وفي الإنجيل ما جاء به عيسى - عليه السلام - من تصديق موسى - عليه السلام - وما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يد صاحبه . |
[ ما نزل في طلب ابن حريملة أن يكلمه الله ]
قال ابن إسحاق : وقال رافع بن حريملة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون [ ما نزل في سؤال ابن صوريا للنبي عليه الصلاة والسلام بأن يتهود ] وقال عبد الله بن صوريا الأعور الفطيوني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تهتد وقالت النصارى مثل ذلك . فأنزل الله تعالى في ذلك من قول عبد الله بن صوريا وما قالت النصارى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ثم القصة إلى قول الله تعالى : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون [ مقالة اليهود عند صرف القبلة إلى الكعبة ] قال ابن إسحاق : ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة ، وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفاعة بن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي رافع ، والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فقالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ، وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه . فأنزل الله تعالى فيهم سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه أي ابتلاء واختبارا وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله أي من الفتن أي الذين ثبت الله وما كان الله ليضيع إيمانكم أي إيمانكم بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم واتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة وطاعتكم نبيكم فيها : أي ليعطينكم أجرهما جميعا إن الله بالناس لرءوف رحيم ثم قال تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : شطره نحوه وقصده . قال عمرو بن أحمر الباهلي - وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان - يصف ناقة له تعدو بنا شطر جمع وهي عاقدة قد كارب العقد من إيفادها الحقبا وهذا البيت في قصيدة له . وقال قيس بن خويلد الهذلي يصف ناقته إن النعوس بها داء مخامرها فشطرها نظر العينين محسور وهذا البيت في أبيات له قال ابن هشام : والنعوس ناقته وكان بها داء فنظر إليها نظر حسير من قوله وهو حسير وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين قال ابن إسحاق : إلى قوله تعالى : الحق من ربك فلا تكونن من الممترين [ كتمانهم ما في التوراة من الحق ] وسأل معاذ بن جبل ، أخو بني سلمة وسعد بن معاذ ، أخو بني عبد الأشهل وخارجة بن زيد أخو بلحارث بن الخزرج ، نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم عنه . فأنزل الله تعالى فيهم إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ، ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم وخيرا منا . فأنزل الله - عز وجل - في ذلك من قولهما : وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ولما أصاب الله - عز وجل - قريشا يوم بدر جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود في سوق بني قينقاع ، حين قدم المدينة ، فقال يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشا فقالوا له يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش ، كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار قال ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو ، والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد ؟ قال على ملة إبراهيم ودينه قالا : فإن إبراهيم كان يهوديا ، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فهلم إلى التوراة ، فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه . فأنزل الله تعالى فيهما : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون [ اختلاف اليهود والنصارى في إبراهيم - عليه السلام - ] وقال أحبار يهود ونصارى نجران ، حين اجتمعوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنازعوا ، فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى من أهل نجران : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا . فأنزل الله - عز وجل - فيهم يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [ ما نزل فيما هم به بعضهم من الإيمان غدوة والكفر عشية ] وقال عبد الله بن صيف ، وعدي بن زيد ، والحارث بن عوف ، بعضهم لبعض تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع ويرجعون عن دينه . فأنزل الله تعالى فيهم يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم [ ما نزل في قول أبي رافع والنجراني " أتريد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى " ] وقال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من يهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ وقال رجل من أهل نجران نصراني ، يقال له الربيس ( ويروى : الريس والرئيس ) : أوذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ؟ أو كما قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره فما بذلك بعثني الله ولا أمرني ; أو كما قال . مريم ؟ وقال رجل من أهل نجران نصراني ، يقال له الربيس ( ويروى : الريس والرئيس ) : أوذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ؟ أو كما قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره فما بذلك بعثني الله ولا أمرني أو كما قال . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون إلى قوله تعالى : بعد إذ أنتم مسلمون قال ابن هشام : الربانيون العلماء الفقهاء السادة واحدهم رباني . قال الشاعر لو كنت مرتهنا في القوس أفتنني منها الكلام ورباني أحبار |
[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : القوس صومعة الراهب . وأفتنني ، لغة تميم . وفتنني ، لغة قيس . قال جرير لا وصل إذ صرمت هند ولو وقفت لاستنزلتني وذا المسحين في القوس أي صومعة الراهب . والرباني : مشتق من الرب وهو السيد . وفي كتاب الله فيسقي ربه خمرا ، أي سيده . قال ابن إسحاق : ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون [ ما نزل في أخذ الميثاق عليهم ] قال ابن إسحاق : ثم ذكر ما أخذ الله عليهم وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه إذ هو جاءهم وإقرارهم فقال وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين إلى آخر القصة . قال ابن إسحاق : ومر شاس بن قيس ، وكان شيخا قد عسا ، عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج . في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية . فقال قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار . فأمر فتى شابا من يهود كان معهم فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار . [ شيء عن يوم بعاث ] وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج ، وكان على الأوس يومئذ حضير بن سماك الأشهلي ، أبو أسيد بن حضير ; وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي ، فقتلا جميعا . قال ابن هشام : قال أبو قيس بن الأسلت على أن قد فجعت بذي حفاظ فعاودني له حزن رصين فإما تقتلوه فإن عمرا أعض برأسه عضب سنين وهذان البيتان في قصيدة له . وحديث يوم بعاث أطول مما ذكرت وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع . [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : سنين مسنون من سنه إذا شحذه . قال ابن إسحاق : ففعل . فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس ، وجبار بن صخر ، أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم رددناها الآن جذعة فغضب الفريقان جميعا ، وقالوا : قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة - والظاهرة الحرة - السلاح السلاح . فخرجوا إليها . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بين قلوبكم فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس . فأنزل الله تعالى في شأس بن قيس وما صنع قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون وأنزل الله في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون إلى قوله تعالى : وأولئك لهم عذاب عظيم [ ما نزل في قولهم " ما آمن إلا شرارنا " ] قال ابن إسحاق : ولما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية . وأسد بن عبيد . ومن أسلم من يهود معهم . فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام . ورسخوا فيه قالت أحبار يهود أهل الكفر منهم ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : آناء الليل ساعات الليل وواحدها : إني . قال المتنخل الهذلي ، واسمه مالك بن عويمر يرثي أثيلة ابنه حلو ومر كعطف القدح شيمته في كل إني قضاه الليل ينتعل وهذا البيت في قصيدة له . وقال لبيد بن ربيعة ، يصف حمار وحش يطرب آناء النهار كأنه غوي سقاه في التجار نديم وهذا البيت في قصيدة له ويقال إنى ( مقصور ) ، فيما أخبرني يونس . يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين [ ما نزل في نهي المسلمين عن مباطنة اليهود ] قال ابن إسحاق : وكان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود ، لما كان بينهم من الجوار والحلف فأنزل الله تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله أي تؤمنون بكتابكم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم كنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إلى آخر القصة . [ ما كان بين أبي بكر وفنحاص ] ودخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود فوجد منهم ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر من أحبارهم يقال له أشيع فقال أبو بكر لفنحاص ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا لرسول الله قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل ، فقال فنحاص لأبي بكر والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا ، كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا . قال فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا ، وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك ، أي عدو الله . قال فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت ؟ فقال أبو بكر يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما ، إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال وضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص وقال ما قلت ذلك . فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ونزل في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما بلغه في ذلك من الغضب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور . ثم قال فيما قال فنحاص والأحبار معه من يهود وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم يعني فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، أن يقول الناس علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على هدى ولا حق ويحبون أن يقول الناس قد فعلوا . قال ابن إسحاق : وكان كردم بن قيس ، حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبحري بن عمرو ، وحيي بن أخطب ، ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار كانوا يخالطونهم ينتصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون لهم لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون علام يكون . فأنزل الله فيهم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله أي من التوراة ، التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله وكان الله بهم عليما قال ابن إسحاق : وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ، ثم طعن في الإسلام وعابه . فأنزل الله فيه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ( أي راعنا سمعك ) ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا . وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور ، وكعب بن أسد . فقال لهم يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا ، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق قالوا : ما نعرف ذلك يا محمد فجحدوا ما عرفوا ، وأصروا على الكفر فأنزل الله تعالى فيهم يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا . |
[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : نطمس نمسحها فنسويها ، فلا يرى فيها عين ولا أنف ولا فم ولا شيء مما يرى في الوجه وكذلك فطمسنا أعينهم . المطموس العين الذي ليس بين جفنيه شق . ويقال طمست الكتاب والأثر فلا يرى منه شيء . قال الأخطل واسمه الغوث بن هبيرة بن الصلت التغلبي ، يصف إبلا كلفها ما ذكر وتكليفناها كل طامسة الصوى شطون ترى حرباءها يتململ وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن هشام : واحدة الصوى : صوة . والصوى : الأعلام التي يستدل بها على الطرق والمياه . قال ابن هشام : يقول مسحت فاستوت بالأرض فليس فيها شيء ناتئ . [ النفر الذين حزبوا الأحزاب ] قال ابن إسحاق : وكان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وأبو عمار ووحوح بن عامر وهوذة بن قيس . فأما وحوح وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير . فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول فسلوهم دينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم فقالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه . فأنزل الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : الجبت ( عند العرب ) : ما عبد من دون الله تبارك وتعالى ، والطاغوت كل ما أضل عن الحق . وجمع الجبت جبوت وجمع الطاغوت طواغيت . قال ابن هشام : وبلغنا عن ابن أبي نجيح أنه قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان . ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا قال ابن إسحاق : إلى قوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما قال ابن إسحاق : وقال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم فقال لهم أما والله إنكم لتعلمون أني رسول من الله إليكم قالوا : ما نعلمه وما نشهد عليه فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا [ اجتماعهم على طرح الصخرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ] وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية العامريين اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري . فلما خلا بعضهم ببعض قالوا : لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن رجل يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب : أنا ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، فانصرف عنهم . فأنزل الله تعالى فيه وفيما أراد هو وقومه يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ ادعاؤهم أنهم أحباء الله ] وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو ، وشأس بن عدي ، فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد ، نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى . فأنزل الله تعالى فيهم وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير [ إنكارهم نزول كتاب بعد موسى عليه السلام ] قال ابن إسحاق : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم غير الله وعقوبته فأبوا عليه وكفروا بما جاءهم به فقال لهم معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب : يا معشر يهود اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته . فقال رافع بن حريملة ، ووهب بن يهوذا : ما قلنا لكم هذا قط ، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ثم قص عليهم خبر موسى وما لقي منهم وانتقاضهم عليه وما ردوا عليه من أمر الله حتى تاهوا في الأرض أربعين سنة عقوبة . [ رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حكم الرجم ] قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري أنه سمع رجلا من مزينة ، من أهل العلم يحدث سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة حدثهم أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت فقالوا : ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد فسلوه كيف الحكم فيهما ، وولوه الحكم عليهما ، فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية - والتجبية الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين - فاتبعوه فإنما هو ملك وصدقوه وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبي ، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه . فأتوه فقالوا : يا محمد هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت فاحكم فيهما ، فقد وليناك الحكم فيهما . فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال يا معشر يهود أخرجوا إلي علماءكم فأخرج له عبد الله بن صوريا . قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض بني قريظة أنهم قد أخرجوا إليه يومئذ مع ابن صوريا ، أبا ياسر بن أخطب ووهب بن يهوذا ، فقالوا : هؤلاء علماؤنا . فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا : هذا أعلم من بقي بالتوراة . قال ابن هشام : من قوله " وحدثني بعض بني قريظة - إلى " أعلم من بقي بالتوراة " من قول ابن إسحاق ، وما بعده من الحديث الذي قبله . فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا ، فألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة يقول له يا ابن صوريا ، أنشدك الله وأذكرك بأيامه عند بني إسرائيل هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ قال اللهم نعم أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك لنبي مرسل ولكنهم يحسدونك . قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار . ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فأنزل الله تعالى فيهم يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا ، وأمروهم بما أمروهم به من تحريف الحكم عن مواضعه . ثم قال يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه أي الرجم فاحذروا إلى آخر القصة . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن عباس ، قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما ، فرجما بباب مسجده فلما وجد اليهودي مس الحجارة قام إلى صاحبته فجنأ عليها ، يقيها مس الحجارة حتى قتلا جميعا قال وكان ذلك مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في تحقيق الزنا منهما . قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر ، قال لما حكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما ، دعاهم بالتوراة وجلس حبر منهم يتلوها ، وقد وضع يده على آية الرجم قال فضرب عبد الله بن سلام يد الحبر ثم قال هذه يا نبي الله آية الرجم يأبى أن يتلوها عليك ; فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكم يا معشر يهود ما دعاكم إلى ترك حكم الله وهو بأيديكم ؟ قال فقالوا : أما والله إنه قد كان فينا يعمل به حتى زنى رجل منا بعد إحصانه من بيوت الملوك وأهل الشرف فمنعه الملك من الرجم ثم زنى رجل بعده فأراد أن يرجمه فقالوا : لا والله حتى ترجم فلانا ، فلما قالوا له ذلك اجتمعوا فأصلحوا أمرهم على التجبية وأماتوا ذكر الرجم والعمل به . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أول من أحيا أمر الله وكتابه وعمل به ثم أمر بهما فرجما عند باب مسجده قال عبد الله بن عمر : فكنت فيمن رجمهما . قال ابن إسحاق : وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها : فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين إنما أنزلت في الدية بين بني النضير وبين بني قريظة ، وذلك أن قتلى بني النضير وكان لهم شرف يؤدون الدية كاملة وأن بني قريظة ( كانوا ) يؤدون نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية سواء . قال ابن إسحاق : فالله أعلم أي ذلك كان . |
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن أسد ، وابن صلوبا ، وعبد الله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه فإنما هو بشر فأتوه فقالوا له يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود ولم يخالفونا ، وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم . فأنزل الله فيهم وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر منهم أبو ياسر بن أخطب ، ونافع بن أبي نافع ، وعازر بن أبي عازر وخالد وزيد وإزار بن أبي إزار وأشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته وقالوا : لا نؤمن بعيسى ابن مريم ولا بمن آمن به . فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة ، وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ، ورافع بن حريملة ، فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حق ؟ قال بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها ، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من إحداثكم قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا ، فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ، ولا نتبعك . فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم النحام بن زيد ، وقردم بن كعب ، وبحري بن عمرو ، فقالوا له يا محمد أما تعلم مع الله إلها غيره ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله لا إله إلا هو بذلك بعثت ، وإلى ذلك أدعو . فأنزل الله فيهم وفي قولهم قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون . وكان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا فكان رجال من المسلمين يوادونهما . فأنزل الله تعالى فيهما : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين <569> إلى قوله وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون [ سؤالهم عن قيام الساعة ] وقال جبل بن أبي قشير ، وشمويل بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد أخبرنا ، متى تقوم الساعة إن كنت نبيا كما تقول ؟ فأنزل الله تعالى فيهما : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون . [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : أيان مرساها : متى مرساها . قال قيس بن الحدادية الخزاعي : فجئت ومخفى السر بيني وبينها لأسألها أيان من سار راجع ؟ وهذا البيت في قصيدة له . ومرساها : منتهاها ، وجمعه مراس . قال الكميت بن زيد الأسدي : والمصيبين باب ما أخطأ النا س ومرسى قواعد الإسلام وهذا البيت في قصيدة له . ومرسى السفينة حيث تنتهي . وحفي عنها ( على التقديم والتأخير ) . يقول يسألونك عنها كأنك حفي بهم فتخبرهم بما لا تخبر به غيرهم . والحفي : البر المتعهد . وفي كتاب الله إنه كان بي حفيا وجمعه أحفياء . وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة فإن تسألي عني فيا رب سائل حفي عن الأعشى به حيث أصعدا <570>وهذا البيت في قصيدة له . والحفي ( أيضا ) : المستحفي عن علم الشيء المبالغ في طلبه . قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى أبو أنس ومحمود بن دحية وشأس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا له كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون إلى آخر القصة . [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : يضاهئون أي يشاكل قولهم قول الذين كفروا ، نحو أن تحدث بحديث فيحدث آخر بمثله فهو يضاهيك . قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان ، ونعمان بن أضاء وبحري بن عمرو ، وعزير بن أبي عزير ، وسلام بن مشكم ، فقالوا : أحق يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عند الله فإنا لا نراه متسقا كما تتسق التوراة ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله . تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة ، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به فقالوا عند ذلك وهم جميع فتحاص وعبد الله بن صوريا ، وابن صلوبا ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وأشيع وكعب بن أسد ، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة : يا محمد أما يعلمك هذا إنس ولا جن ؟ قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله وإني لرسول الله تجدون ذلك مكتوبا عندكم في التوراة ، فقالوا : يا محمد فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدر منه على ما أراد فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به . فأنزل الله تعالى فيهم وفيما قالوا : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : الظهير العون . ومنه قول العرب : تظاهروا عليه أي تعاونوا عليه . قال الشاعر يا سمي النبي أصبحت للدين قواما وللإمام ظهيرا أي عونا ; وجمعه ظهراء . [ سؤالهم له صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين ] قال ابن إسحاق : وقال حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، وأبو رافع وأشيع وشمويل بن زيد ، لعبد الله بن سلام حين أسلم : ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك . ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله تعالى فيه مما كان قص على قريش ، وهم كانوا ممن أمر قريشا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث وعتبة بن أبي معيط . قال ابن إسحاق : وحدثت عن سعيد بن جبير أنه قال أتى رهط من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه . قال فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه فقال خفض عليك يا محمد وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قال فلما تلاها عليهم قالوا : فصف لنا يا محمد كيف خلقه ؟ كيف ذراعه ؟ كيف عضده ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم . فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال له مثل ما قال له أول مرة وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه . يقول الله تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون . قال ابن إسحاق : وحدثني عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوشك الناس أن يتساءلوا بينهم حتى يقول قائلهم هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل الرجل عن يساره ثلاثا ، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : الصمد الذي يصمد إليه ويفزع إليه قالت هند بنت معبد بن نضلة تبكي عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة عميها الأسديين وهما اللذان قتل النعمان بن المنذر اللخمي ، وبنى الغريين اللذين بالكوفة عليهما : ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد |
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن أسد ، وابن صلوبا ، وعبد الله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه فإنما هو بشر فأتوه فقالوا له يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود ولم يخالفونا ، وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم . فأنزل الله فيهم وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر منهم أبو ياسر بن أخطب ، ونافع بن أبي نافع ، وعازر بن أبي عازر وخالد وزيد وإزار بن أبي إزار وأشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته وقالوا : لا نؤمن بعيسى ابن مريم ولا بمن آمن به . فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة ، وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ، ورافع بن حريملة ، فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حق ؟ قال بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها ، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من إحداثكم قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا ، فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ، ولا نتبعك . فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم النحام بن زيد ، وقردم بن كعب ، وبحري بن عمرو ، فقالوا له يا محمد أما تعلم مع الله إلها غيره ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله لا إله إلا هو بذلك بعثت ، وإلى ذلك أدعو . فأنزل الله فيهم وفي قولهم قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون . وكان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا فكان رجال من المسلمين يوادونهما . فأنزل الله تعالى فيهما : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين <569> إلى قوله وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون [ سؤالهم عن قيام الساعة ] وقال جبل بن أبي قشير ، وشمويل بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد أخبرنا ، متى تقوم الساعة إن كنت نبيا كما تقول ؟ فأنزل الله تعالى فيهما : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون . [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : أيان مرساها : متى مرساها . قال قيس بن الحدادية الخزاعي : فجئت ومخفى السر بيني وبينها لأسألها أيان من سار راجع ؟ وهذا البيت في قصيدة له . ومرساها : منتهاها ، وجمعه مراس . قال الكميت بن زيد الأسدي : والمصيبين باب ما أخطأ النا س ومرسى قواعد الإسلام وهذا البيت في قصيدة له . ومرسى السفينة حيث تنتهي . وحفي عنها ( على التقديم والتأخير ) . يقول يسألونك عنها كأنك حفي بهم فتخبرهم بما لا تخبر به غيرهم . والحفي : البر المتعهد . وفي كتاب الله إنه كان بي حفيا وجمعه أحفياء . وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة فإن تسألي عني فيا رب سائل حفي عن الأعشى به حيث أصعدا <570>وهذا البيت في قصيدة له . والحفي ( أيضا ) : المستحفي عن علم الشيء المبالغ في طلبه . قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى أبو أنس ومحمود بن دحية وشأس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا له كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون إلى آخر القصة . [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : يضاهئون أي يشاكل قولهم قول الذين كفروا ، نحو أن تحدث بحديث فيحدث آخر بمثله فهو يضاهيك . قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان ، ونعمان بن أضاء وبحري بن عمرو ، وعزير بن أبي عزير ، وسلام بن مشكم ، فقالوا : أحق يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عند الله فإنا لا نراه متسقا كما تتسق التوراة ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله . تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة ، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به فقالوا عند ذلك وهم جميع فتحاص وعبد الله بن صوريا ، وابن صلوبا ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وأشيع وكعب بن أسد ، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة : يا محمد أما يعلمك هذا إنس ولا جن ؟ قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله وإني لرسول الله تجدون ذلك مكتوبا عندكم في التوراة ، فقالوا : يا محمد فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدر منه على ما أراد فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به . فأنزل الله تعالى فيهم وفيما قالوا : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : الظهير العون . ومنه قول العرب : تظاهروا عليه أي تعاونوا عليه . قال الشاعر يا سمي النبي أصبحت للدين قواما وللإمام ظهيرا أي عونا ; وجمعه ظهراء . [ سؤالهم له صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين ] قال ابن إسحاق : وقال حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، وأبو رافع وأشيع وشمويل بن زيد ، لعبد الله بن سلام حين أسلم : ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك . ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله تعالى فيه مما كان قص على قريش ، وهم كانوا ممن أمر قريشا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث وعتبة بن أبي معيط . قال ابن إسحاق : وحدثت عن سعيد بن جبير أنه قال أتى رهط من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه . قال فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه فقال خفض عليك يا محمد وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قال فلما تلاها عليهم قالوا : فصف لنا يا محمد كيف خلقه ؟ كيف ذراعه ؟ كيف عضده ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم . فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال له مثل ما قال له أول مرة وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه . يقول الله تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون . قال ابن إسحاق : وحدثني عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوشك الناس أن يتساءلوا بينهم حتى يقول قائلهم هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل الرجل عن يساره ثلاثا ، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : الصمد الذي يصمد إليه ويفزع إليه قالت هند بنت معبد بن نضلة تبكي عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة عميها الأسديين وهما اللذان قتل النعمان بن المنذر اللخمي ، وبنى الغريين اللذين بالكوفة عليهما : ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد |
[ أمر السيد والعاقب وذكر المباهلة]
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ، ستون راكبا ، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم في الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد لهم ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة ، أحد بني بكر بن وائل ، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم . [ منزلة أبي حارثة عند ملوك الروم ] وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم فكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم . [ سبب إسلام كوز بن علقمة ] فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران ، جلس أبو حارثة على بغلة له موجها ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وإلى جنبه أخ له يقال له كوز بن علقمة - قال ابن هشام : ويقال كرز - فعثرت بغلة أبي حارثة فقال كوز تعس الأبعد : يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو حارثة بل أنت تعست فقال ولم يا أخي ؟ قال والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر فقال له كوز ما يمنعك منه وأنت تعلم هذا ؟ قال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا ، وقد أبوا إلا خلافه فلو فعلت نزعوا منا كل ما ترى . فأضمر عليها منه أخوه كوز بن علقمة ، حتى أسلم بعد ذلك . فهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغني . [ رؤساء نجران وإسلام أحدهم ] قال ابن هشام : وبلغني أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتبا عندهم . فكلما مات رئيس منهم فأفضت الرياسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التي كانت قبله ولم يكسرها ، فخرج الرئيس الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمشي فعثر فقال له ابنه تعس الأبعد يريد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبوه لا تفعل فإنه نبي ، واسمه في الوضائع يعني الكتب فلما مات لم تكن لابنه همة إلا أن شد فكسر الخواتم فوجد فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فحسن إسلامه وحج وهو الذي يقول إليك تعدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها قال ابن هشام : الوضين الحزام حزام الناقة . وقال هشام بن عروة : وزاد فيه أهل العراق العراق : معترضا في بطنها جنينها فأما أبو عبيدة فأنشدناه فيه . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب . قال يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فصلوا إلى المشرق . [ أسماء الوفد ومعتقدهم ومناقشتهم الرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : فكانت تسمية الأربعة عشر الذين يئول إليهم أمرهم العاقب وهو عبد المسيح والسيد وهو الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أخو بني بكر بن وائل ، وأوس والحارث وزيد وقيس ، ويزيد ونبيه وخويلد وعمرو ، وخالد وعبد الله ويحنس في ستين راكبا . فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة ، والعاقب عبد المسيح والأيهم السيد - وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم يقولون هو الله ويقولون هو ولد الله ويقولون هو ثالث ثلاثة . وكذلك قول النصرانية . فهم يحتجون في قولهم " هو الله " بأنه كان يحيي الموتى ، ويبرئ الأسقام . ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طائرا ، وذلك كله بأمر الله تبارك وتعالى : ولنجعله آية للناس ويحتجون في قولهم " إنه ولد ( الله ) " بأنهم يقولون لم يكن له أب يعلم وقد تكلم في المهد وهذا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله . ويحتجون في قولهم " إنه ثالث ثلاثة " بقول الله فعلنا ، وأمرنا ، وخلقنا ، وقضينا . فيقولون لو كان واحدا ما قال إلا فعلت وقضيت ، وأمرت ، وخلقت ; ولكنه هو وعيسى ومريم . ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن - فلما كلمه الحبران ، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلما ; قالا : قد أسلمنا ; قال إنكما لم تسلما ( فأسلما ) ; قالا : بلى ، قد أسلمنا قبلك : قال كذبتما ، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا ، وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير قالا : فمن أبوه يا محمد ؟ فصمت عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهما . [ ما نزل من آل عمران فيهم ] فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ، فقال جل وعز الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم فافتتح السورة بتنزيه نفسه عما قالوا ، وتوحيده إياها بالخلق والأمر لا شريك له فيه ردا عليهم ما ابتدعوا من الكفر وجعلوا معه من الأنداد واحتجاجا بقولهم عليهم في صاحبهم ليعرفهم بذلك ضلالتهم فقال الم الله لا إله إلا هو ليس معه غيره شريك في أمره الحي القيوم الحي الذي لا يموت وقد مات عيسى وصلب في قولهم . والقيوم القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول وقد زال عيسى في قولهم عن مكانه الذي كان به وذهب عنه إلى غيره . نزل عليك الكتاب بالحق أي بالصدق فيما اختلفوا فيه وأنزل التوراة والإنجيل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، كما أنزل الكتب على من كان قبله وأنزل الفرقان أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره . إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ، ومعرفته بما جاء منه فيها . إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى ، إذ جعلوه إلها وربا ، وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفرا به . هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء أي قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صور غيره من ولد آدم فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل . ثم قال تعالى إنزاها لنفسه وتوحيدا لها مما جعلوا معه لا إله إلا هو العزيز الحكيم العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء الحكيم في حجته وعذره إلى عباده . هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه وأخر متشابهات لهن تصريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق . يقول عز وجل فأما الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن الهدى فيتبعون ما تشابه منه أي ما تصرف منه ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا ، لتكون لهم حجة ولهم على ما قالوا شبهة ابتغاء الفتنة أي اللبس وابتغاء تأويله ذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم خلقنا وقضينا . يقول وما يعلم تأويله أي الذي به أرادوا ما أرادوا إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فكيف يختلف وهو قول واحد من رب واحد . ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد واتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضا ، فنفذت به الحجة وظهر به العذر وزاح به الباطل ودمغ به الكفر . يقول الله تعالى في مثل هذا : وما يذكر في مثل هذا إلا أولو الألباب . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا أي لا تمل قلوبنا ، وإن ملنا بأحداثنا . وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ثم قال شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم بخلاف ما قالوا قائما بالقسط أي بالعدل ( فيما يريد ) لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام أي ما أنت عليه يا محمد التوحيد للرب والتصديق للرسل . وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم أي الذي جاءك ، أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب فإن حاجوك أي بما يأتون به من الباطل من قولهم خلقنا وفعلنا وأمرنا ، فإنما هي شبهة باطل قد عرفوا ما فيها من الحق فقل أسلمت وجهي لله أي وحده ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين الذين لا كتاب لهم أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد |
[ ما نزل من القرآن فيما أحدث اليهود والنصارى ]
ثم جمع أهل الكتابين جميعا ، وذكر ما أحدثوا وما ابتدعوا ، من اليهود والنصارى ، فقال إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس إلى قوله قل اللهم مالك الملك أي رب العباد والملك الذي لا يقضي فيهم غيره تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير أي لا إله غيرك إنك على كل شيء قدير أي لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك . تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي بتلك القدرة وترزق من تشاء بغير حساب لا يقدر على ذلك غيرك ، ولا يصنعه إلا أنت أي فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إله من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام والخلق للطير من الطين والإخبار عن الغيوب لأجعله به آية للناس وتصديقا له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه تمليك الملوك بأمر النبوة ووضعها حيث شئت ، وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي ورزق من شئت من بر أو فاجر بغير حساب فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ولم أملكه إياه أفلم تكن لهم في ذلك عبرة وبينة أن لو كان إلها كان ذلك كله إليه وهو في علمهم يهرب من الملوك وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد . [ ما نزل من القرآن في وعظ المؤمنين ] ثم وعظ المؤمنين وحذرهم ثم قال قل إن كنتم تحبون الله أي إن كان هذا من قولكم حقا ، حبا لله وتعظيما له فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم أي ما مضى من كفركم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فأنتم تعرفونه وتجدونه في كتابكم فإن تولوا ، أي على كفرهم فإن الله لا يحب الكافرين [ما نزل من القرآن في خلق عيسى ] ثم استقبل لهم أمر عيسى ( عليه السلام ) ، وكيف كان بدء ما أراد الله به فقل إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ثم ذكر أمر امرأة عمران وقولها : رب إني نذرت لك ما في بطني محررا أي نذرته فجعلته عتيقا ، تعبده لله لا ينتفع به لشيء من الدنيا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى أي ليس الذكر كالأنثى لما جعلتها محررا لك نذيرة وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم يقول الله تبارك وتعالى : فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا بعد أبيها وأمها . قال ابن هشام : كفلها : ضمها . [ خبر زكريا ومريم ] قال ابن إسحاق : فذكرها باليتم ثم قص خبرها وخبر زكريا ، وما دعا به وما أعطاه إذ وهب له يحيى . ثم ذكر مريم ، وقول الملائكة لها : يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين يقول الله عز وجل ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم أي ما كنت معهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : أقلامهم سهامهم يعني قداحهم التي استهموا بها عليها ، فخرج قدح زكريا فضمها ، فيما قال الحسن بن أبي الحسن البصري . [ كفالة جريج الراهب لمريم ] قال ابن إسحاق : كفلها هاهنا جريج الراهب رجل من بني إسرائيل نجار خرج السهم عليه بحملها ، فحملها ، وكان زكريا قد كفلها قبل ذلك فأصابت بني إسرائيل أزمة شديدة فعجز زكريا عن حملها ، فاستهموا عليها أيهم يكفلها فخرج السهم على جريج الراهب بكفولها فكفلها . وما كنت لديهم إذ يختصمون أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها . يخبره بخفي ما كتموا منه من العلم عندهم لتحقيق نبوته والحجة عليهم بما يأتيهم به مما أخفوا منه . ثم قال إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم أي هكذا كان أمره لا كما تقولون فيه وجيها في الدنيا والآخرة أي عند الله ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين يخبرهم بحالاته التي يتقلب فيها في عمره كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارا وكبارا ، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته وتعريفا للعباد بمواقع قدرته . قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ؟ قال كذلك الله يخلق ما يشاء أي يصنع ما أراد ويخلق ما يشاء من بشر أو غير بشر إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن مما يشاء وكيف شاء فيكون كما أراد . [ ما نزل من القرآن في بيان آيات عيسى عليه السلام ] <581> ثم أخبرها بما يريد به فقال ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة التي كانت فيهم من عهد موسى قبله والإنجيل كتابا آخر أحدثه الله عز وجل إليه لم يكن عندهم إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء بعده ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أي يحقق بها نبوتي ، أني رسول منه إليكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله الذي بعثني إليكم وهو ربي وربكم وأبرئ الأكمه والأبرص [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : الأكمه الذي يولد أعمى . قال رؤبة بن العجاج : هرجت فارتد ارتداد الأكمه ( وجمعه كمه ) . قال ابن هشام : هرجت : صحت بالأسد وجلبت عليه . وهذا البيت في أرجوزة له . وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم أني رسول الله من الله إليكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة أي لما سبقني عنها ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم أي أخبركم به أنه كان عليكم حراما فتركتموه ثم أحله لكم تخفيفا عنكم فتصيبون يسره وتخرجون من تباعاته وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم أي تبريا من الذين يقولون فيه واحتجاجا لربه عليهم فاعبدوه هذا صراط مستقيم أي هذا الذي قد حملتكم عليه وجئتكم <582> به . فلما أحس عيسى منهم الكفر والعدوان عليه قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله هذا قولهم الذي أصابوا به الفضل من ربهم واشهد بأنا مسلمون لا ما يقول هؤلاء الذين يحاجونك فيه ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين أي هكذا كان قولهم وإيمانهم . [ رفع عيسى عليه السلام ] ثم ذكر ( سبحانه وتعالى ) رفعه عيسى إليه حين اجتمعوا لقتله فقال ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ثم أخبرهم ورد عليهم فيما أقروا لليهود بصلبه كيف رفعه وطهره منهم فقال إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا إذ هموا منك بما هموا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم القصة حتى انتهى إلى قوله ذلك نتلوه عليك يا محمد من الآيات والذكر الحكيم القاطع الفاصل الحق الذي لا يخالطه الباطل من الخبر عن عيسى ، وعما اختلفوا فيه من أمره فلا تقبلن خبرا غيره . إن مثل عيسى عند الله فاستمع كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك أي ما جاءك من الخبر عن عيسى فلا تكن من الممترين أي قد جاءك الحق من ربك فلا تمترين فيه وإن قالوا : خلق عيسى من غير ذكر فقد خلقت آدم من تراب بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر فكان كما كان عيسى لحما ودما ، وشعرا وبشرا ، فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا . فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم أي من بعد ما قصصت عليك من خبره وكيف كان أمره فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ] قال ابن هشام : قال أبو عبيدة نبتهل ندعو باللعنة قال أعشى بني قيس بن ثعلبة لا تقعدن وقد أكلتها حطبا نعوذ من شرها يوما ونبتهل وهذا البيت في قصيدة له . يقول ندعو باللعنة . وتقول العرب : بهل الله فلانا ، أي لعنه وعليه بهلة الله . ( قال ابن هشام ) : ويقال بهلة الله أي لعنة الله ونبتهل أيضا : نجتهد في الدعاء . قال ابن إسحاق : إن هذا الذي جئت به من الخبر عن عيسى لهو القصص الحق من أمره وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون فدعاهم إلى النصف وقطع عنهم الحجة . [ إباؤهم الملاعنة] فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله عنه والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك فقالوا له يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه . فانصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا : يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم<584> ، فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا ، فإنكم عندنا رضا . [ تولية أبي عبيدة أمورهم ] قال محمد بن جعفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين . قال فكان عمر بن الخطاب يقول ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها ، فرحت إلى الظهر مهجرا ، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره فجعلت أتطاول له ليراني ، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه . قال عمر فذهب بها أبو عبيدة |
نبذ من ذكر المنافقين
نبذ من ذكر المنافقين
قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة - وسيد أهلها عبد الله بن أبي ( ابن ) سلول العوفي . ثم أحد بني الحبلى ، لا يختلف عليه في شرفه ( من قومه ) اثنان لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام غيره ومعه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس شريف مطاع أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد وهو أبو حنظلة ، الغسيل يوم أحد ، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وكان يقال له الراهب . فشقيا بشرفهما وضرهما . [ إسلام ابن أبي ] فأما عبد الله بن أبي فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك . فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا . فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن . [ إصرار ابن صيفي على كفره ] وأما أبو عامر فأبى إلا الكفر والفراق لقومه حين اجتمعوا على الإسلام فخرج منهم إلى مكة ببضعة عشر رجلا مفارقا للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني محمد بن أبي أمامة عن بعض آل حنظلة بن أبي عامر - : لا تقولوا : الراهب ولكن قولوا : الفاسق [ ما نال ابن صيفي جزاء تعريضه بالرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم وكان قد أدرك وسمع وكان راوية أن أبا عامر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ، قبل أن يخرج إلى مكة ، فقال ما هذا الدين الذي جئت به ؟ فقال جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال فأنا عليها ; فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست عليها ; قال بلى قال إنك أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها قال ما فعلت ولكني جئت بها بيضاء نقية قال الكاذب أماته الله طريدا غريبا وحيدا - يعرض برسول الله صلى الله عليه وسلم - أي أنك جئت بها كذلك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فمن كذب ففعل الله تعالى ذلك به . فكان هو ذلك عدو الله خرج إلى مكة ، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج إلى الطائف . فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام . فمات بها طريدا غريبا وحيدا . ( الاحتكام إلى قيصر في ميراثه ) وكان قد خرج معه علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وكنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي ، فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر صاحب الروم . فقال قيصر يرث أهل المدر أهل المدر ، ويرث أهل الوبر أهل الوبر فورثه كنانة بن عبد ياليل بالمدر دون علقمة . [ خروج قوم ابن أبي عليه وشعره في ذلك ] قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أسامة بن زيد بن حارثة ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة يعوده من شكو أصابه على حمار عليه إكاف فوقه قطيفة فدكية مختطمة بحبل من ليف وأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه . قال فمر بعبد الله بن أبي ، وهو ( في ) ظل مزاحم أطمه . قال ابن هشام : مزاحم اسم الأطم . قال ابن إسحاق : وحوله رجال من قومه . فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذمم من أن يجاوزه حتى ينزل فنزل فسلم ثم جلس قليلا فتلا القرآن ودعا إلى الله عز وجل وذكر بالله وحذر وبشر وأنذر قال وهو زام لا يتكلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته قال يا هذا ، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقا فاجلس في بيتك فمن جاءك له فحدثه إياه ( و ) من لم يأتك فلا تغتته به ولا تأته في مجلسه بما يكره منه . قال فقال عبد الله بن رواحة في رجال كانوا عنده من المسلمين بلى ، فاغشنا به وأتنا في مجالسنا ودورنا وبيوتنا ، فهو والله مما نحب ، ومما أكرمنا الله به وهدانا له فقال عبد الله بن أبي حين رأى من خلاف قومه ما رأى : متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل تذل ويصرعك الذين تصارع وهل ينهض البازي بغير جناحه وإن جذ يوما ريشه فهو واقع قال ابن هشام : البيت الثاني عن غير ابن إسحاق . [ غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من كلام ابن أبي ] قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أسامة قال وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على سعد بن عبادة ، وفي وجهه ما قال عدو الله ابن أبي ، فقال والله يا رسول الله إني لأرى في وجهك شيئا ، لكأنك سمعت شيئا تكرهه قال أجل ثم أخبره بما قال ابن أبي : فقال سعد يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك ، وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فوالله إنه ليرى أن قد سلبته ملكا . ذكر من اعتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة ، وعمر بن عبد الله بن عروة عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى ، فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم فصرف الله تعالى ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم . قالت فكان أبو بكر ، وعامر بن فهيرة ، وبلال ، موليا أبي بكر مع أبي بكر في بيت واحد فأصابتهم الحمى ، فدخلت عليهم أعودهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك فدنوت من أبي بكر فقلت له كيف تجدك يا أبت ؟ فقال كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله قالت فقلت : والله ما يدري أبي ما يقول . قالت ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة فقلت له كيف تجدك يا عامر ؟ فقال لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مجاهد بطوقه كالثور يحمي جلده بروقه ( بطوقه ) يريد بطاقته فيما قال ابن هشام : قالت فقلت : والله ما يدري عامر ما يقول قالت وكان بلال إذا تركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته فقال ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بفخ وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل قال ابن هشام : شامة وطفيل جبلان بمكة . [ دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بنقل وباء المدينة إلى مهيعة ] قالت عائشة رضي الله عنها : فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم فقلت : إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى . قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة ، أو أشد وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل وباءها إلى مهيعة ومهيعة ، الجحفة . [ ما جهد المسلمين من الوباء ] قال ابن إسحاق : يذكر ابن شهاب الزهري ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة ، حتى جهدوا مرضا ، وصرف الله تعالى ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم حتى كانوا ما يصلون إلا وهم قعود قال فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلون كذلك فقال لهم اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم . قال فتجشم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم التماس الفضل |
بدء قتال المشركين
[ بدء قتال المشركين ]
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيأ لحربه قام فيما أمره الله به من جهاد عدوه وقتال من أمره الله به ممن يليه من المشركين مشركي العرب ، وذلك بعد أن بعثه الله تعالى بثلاث عشرة سنة . [ تاريخ الهجرة ] بالإسناد المتقدم عن عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول وهو التاريخ ( فيما ) قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة فأقام بها بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجماديين ورجبا ، وشعبان وشهر رمضان وشوالا ، وذا القعدة وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون - والمحرم ثم خرج غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة سعد بن عبادة . غزوة ودان وهي أول غزواته عليه الصلاة والسلام قال ابن إسحاق : حتى بلغ ودان ، وهي غزوة الأبواء ، يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فوادعته فيها بنو ضمرة ، وكان الذي وادعه منهم عليهم مخشي بن عمرو الضمري ، وكان سيدهم في زمانه ذلك . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الأول . قال ابن هشام : وهي أول غزوة غزاها . سرية عبيدة بن الحارث وهي أول راية عقدها عليه الصلا ة والسلام قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد ، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة ، فلقي بها جمعا عظيما من قريش ، فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الإسلام . [ من فر من المشركين إلى المسلمين ] ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية . وفر من المشركين ( إلى ) المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة ، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف ، وكانا مسلمين ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار . وكان على القوم عكرمة بن أبي جهل . قال ابن هشام : حدثني ابن أبي عمرو بن العلاء عن أبي عمرو المدني أنه كان عليهم مكرز بن حفص بن الأخيف أحد بني معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . [ أول راية في الإسلام كانت لعبيدة ] قال ابن إسحاق : فكانت راية عبيدة بن الحارث - فيما بلغني - أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأحد من المسلمين . وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء ، قبل أن يصل إلى المدينة . [ سرية حمزة إلى سيف البحر ] وبعث في مقامه ذلك حمزة بن عبد المطلب بن هاشم ، إلى سيف البحر ، من ناحية العيص ، في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد . فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاث مئة راكب من أهل مكة . فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني . وكان موادعا للفريقين جميعا ، فانصرف بعض القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال . [ غزوة العشيرة ] ثم غزا قريشا ، فاستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد فيما قال ابن هشام . [ الطريق إلى العشيرة ] قال ابن إسحاق : فسلك على نقب بني دينار ، ثم على فيفاء الخبار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها : ذات الساق فصلى عندها . فثم مسجده صلى الله عليه وسلم وصنع له عندها طعام فأكل منه وأكل الناس معه فموضع أثافي البرمة معلوم هنالك واستقي له من ماء به يقال له المشترب ، ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك الخلائق بيسار وسلك شعبة يقال لها : شعبة عبد الله ، وذلك اسمها اليوم ثم صب لليسار حتى هبط يليل ، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة ، واستقى من بئر بالضبوعة ثم سلك الفرش فرش ملل ، حتى لقي الطريق بصحيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع . فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ودعا فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ، ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا . [ تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بأبي تراب ] وفي تلك الغزوة قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما قال . قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن محمد بن خيثم أبي يزيد عن عمار بن ياسر ، قال كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها ; رأينا أناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم وفي نخل ; فقال لي علي بن أبي طالب : يا أبا اليقظان هل لك في أن تأتي هؤلاء القوم فننظر كيف يعملون ؟ قال قلت : إن شئت قال فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم . فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في صور من النخل وفي دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله . وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها ، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب ما لك يا أبا تراب ؟ لما يرى عليه من التراب ثم قال ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه - ووضع يده على قرنه - حتى يبل منها هذه . وأخذ بلحيته . قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سمى عليا أبا تراب ، أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلمها ، ولم يقل لها شيئا تكرهه إلا أنه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه . قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عليه التراب عرف أنه عاتب على فاطمة فيقول ما لك يا أبا تراب ؟ فالله أعلم أي ذلك كان . |
سرية سعد بن أبي وقاص
سرية سعد بن أبي وقاص
قال ابن إسحاق : وقد كان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين ذلك من غزوة سعد بن أبي وقاص ، في ثمانية رهط من المهاجرين فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز ، ثم رجع ولم يلق كيدا . قال ابن هشام : ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة . [ غزوة سفوان وهي غزوة بدر الأولى ] قال ابن إسحاق : ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه واستعمل على المدينة زيد بن حارثة ، فيما قال ابن هشام . [ فوات كرز والرجوع من غير حرب ] قال ابن إسحاق : حتى بلغ واديا ، يقال له سفوان ، من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر ، فلم يدركه وهي غزوة بدر الأولى . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجبا وشعبان . سرية عبد الله بن جحش ونزول يسألونك عن الشهر الحرام وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد ، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحدا . [ أصحاب ابن جحش في سريته ] وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين . ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، ومن حلفائهم عبد الله بن جحش ، وهو أمير القوم وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة ، حليف لهم . ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر حليف لهم . ومن بني زهرة بن كلاب : سعد بن أبي وقاص . ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة ، حليف لهم من عنز بن وائل ، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع ، أحد بني تميم حليف لهم وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف لهم . ومن بني الحارث بن فهر : سهيل بن بيضاء . [ فض ابن جحش كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ومضيه لطيته ] فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة ، بين مكة والطائف ، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال سمعا وطاعة ثم قال لأصحابه قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة ، أرصد بها قريشا ، حتى آتيه منهم بخبر وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم . فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد . [ تخلف القوم بمعدن ] وسلك على الحجاز ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع ، يقال له بحران ، أضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما ، كانا يعتقبانه . فتخلفا عليه في طلبه . ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما ، وتجارة من تجارة قريش ، فيها عمرو بن الحضرمي . [ اسم الحضرمي ونسبه ] قال ابن هشام : واسم الحضرمي عبد الله بن عباد ، ( ويقال مالك بن عباد ) أحد الصدف ، واسم الصدف عمرو بن مالك ، أحد السكون بن أشرس بن كندة ، ويقال كندي . قال ابن إسحاق : وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان والحكم بن كيسان ، مولى هشام بن المغيرة . [ ما جرى بين الفريقين وما خلص به ابن جحش ] فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا ، وقالوا عمار لا بأس عليكم منهم . وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم ، فليمتنعن منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم . فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله ، والحكم ابن كيسان وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم . وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش : أن عبد الله قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الله تعالى الخمس من المغانم - فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير وقسم سائرها بين أصحابه . [ نكران الرسول صلى الله عليه وسلم على ابن جحش قتاله في الشهر الحرام ] قال ابن إسحاق : فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام . فوقف العير والأسيرين . وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا ، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا . وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان . [ نزول القرآن في فعل ابن جحش وإقرار الرسول له صلى الله عليه وسلم في فعله ] فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام ، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم والفتنة أكبر من القتل أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين . فلما نزل القرآن بهذا من الأمر وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم ابن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفديكموها حتى يقدم صاحبانا - يعني سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان - فإنا نخشاكم عليهما ، فإن تقتلوهما ، نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم . |
[ إسلام ابن كيسان وموت عثمان كافرا ]
[ إسلام ابن كيسان وموت عثمان كافرا ]
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا . وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا . [ طمع ابن جحش في الأجر وما نزل في ذلك ] فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا : يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم فوضعهم الله عز وجل من ذلك على أعظم الرجاء . والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير . قال ابن إسحاق : وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش : أن الله عز وجل قسم الفيء حين أحله فجعل أربعة أخماس لمن أفاءه الله وخمسا إلى الله ورسوله فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير . قال ابن هشام : وهي أول غنيمة غنمها المسلمون . وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون وعثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون . [ غزوة بدر الكبرى ] قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشأم في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام . [ ندب المسلمين للعير وحذر أبي سفيان ] قال ابن هشام : ويقال عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس ، كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ، ندب المسلمين إليهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها . فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس . حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك . فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمر أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه . فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة . [ ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب ] قال ابن إسحاق : فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ، ويزيد ابن رومان ، عن عروة بن الزبير ، قالا : وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب ، قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها . فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي ، والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني ، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك به فقال لها : وما رأيت ؟ قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها : ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها . ثم أخذ صخرة فأرسلها . فأقبلت تهوي ، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة قال العباس والله إن هذه لرؤيا ، وأنت فاكتميها ، ولا تذكريها لأحد . [ الرؤيا تذيع في قريش ] ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان له صديقا ، فذكرها له واستكتمه إياها . فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش في أنديتها . [ ما جرى بين أبي جهل والعباس بسبب الرؤيا ] قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل يا بني عبد المطلب ، متى حدثت فيكم هذه النبية ؟ قال قلت : وما ذاك ؟ قال تلك الرؤيا التي رأت عاتكة ; قال فقلت : وما رأت ؟ قال يا بني عبد المطلب ، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا ما تقول فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب . قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا . قال ثم تفرقنا . [ نساء عبد المطلب يلمن العباس للينه مع أبي جهل ] فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني ، فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غير لشيء مما سمعت ، قال قلت : قد والله فعلت ما كان مني إليه من كبير . وايم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفينكنه . [ العباس يقصد أبا جهل لينال منه فيصرفه عنه تحقق الرؤيا ] قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه . قال فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان رجلا خفيفا ، حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر . قال إذ خرج نحو باب المسجد يشتد . قال فقلت في نفسي : ما له لعنه الله أكل هذا فرق مني أن أشاتمه قال وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري ، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر . |
تجهز قريش للخروج
[ تجهز قريش للخروج ]
فتجهز الناس سراعا ، وقالوا : أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك . فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا . وأوعبت قريش ، فلم يتخلف من أشرافها أحد . إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب تخلف وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها ، فاستأجره بها على أن يجزئ عنه بعثه فخرج عنه وتخلف أبو لهب . [ عقبة يتهكم بأمية لقعوده فيخرج ] قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح : أن أمية بن خلف كان أجمع القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا ، فأتاه عقبة بن أبي معيط ، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها ، فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس . [ الحرب بين كنانة وقريش وتحاجزهم يوم بدر ] قال ابن إسحاق : ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا المسير ذكروا ما كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب فقالوا : إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا وكانت الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر - كما حدثني بعض بني عامر بن لؤي ، عن محمد بن سعيد بن المسيب - في ابن لحفص بن الأخيف أحد بني معيص بن عامر بن لؤي ، خرج يبتغي ضالة له بضجنان وهو غلام حدث في رأسه ذؤابة وعليه حلة له وكان غلاما وضيئا نظيفا ، فمر بعامر بن يزيد بن عامر بن الملوح أحد بني يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو بضجنان وهو سيد بني بكر يومئذ فرآه فأعجبه فقال من أنت يا غلام ؟ قال أنا ابن لحفص ابن الأخيف القرشي . فلما ولى الغلام قال عامر بن زيد : يا بني بكر ما لكم في قريش من دم ؟ قالوا : بلى والله إن لنا فيهم لدماء قال ما كان رجل ليقتل هذا الغلام برجله إلا كان قد استوفى دمه . قال فتبعه رجل من بني بكر فقتله بدم كان له في قريش ، فتكلمت فيه قريش ، فقال عامر بن يزيد يا معشر قريش قد كانت لنا فيكم دماء فما شئتم . إن شئتم فأدوا علينا ما لنا قبلكم ونؤدي ما لكم قبلنا ، وإن شئتم فإنما هي الدماء رجل برجل فتجافوا عما لكم قبلنا ، ونتجافى عما لنا قبلكم فهان ذلك الغلام على هذا الحي من قريش ، وقالوا : صدق رجل برجل . فلهوا عنه فلم يطلبوا به . قال فبينما أخوه مكرز بن حفص بن الأخيف يسير بمر الظهران ، إذ نظر إلى عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح على جمل له فلما رآه أقبل إليه حتى أناخ به وعامر متوشح سيفه فعلاه مكرز بسيفه حتى قتله ثم خاض بطنه بسيفه ثم أتى به مكة ، فعلقه من الليل بأستار الكعبة . فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر بن يزيد بن عامر معلقا بأستار الكعبة ، فعرفوه فقالوا : إن هذا لسيف عامر بن يزيد عدا عليه مكرز بن حفص فقتله فكان ذلك من أمرهم . فبينما هم في ذلك من حربهم حجز الإسلام بين الناس فتشاغلوا به حتى أجمعت قريش المسير إلى بدر فذكروا الذي بينهم وبين بني بكر فخافوهم . [ خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه - قال ابن هشام : خرج ( يوم الاثنين ) لثمان ليال خلون من شهر رمضان - واستعمل عمرو بن أم مكتوم - ويقال اسمه عبد الله بن أم مكتوم أخا بني عامر بن لؤي ، على الصلاة بالناس ثم رد أبا لبابة من الروحاء ، واستعمله على المدينة . [ صاحب اللواء ] قال ابن إسحاق : ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قال ابن هشام : وكان أبيض . [ رايتا الرسول صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب ، يقال لها : العقاب والأخرى مع بعض الأنصار . [ عدد إبل المسلمين ] قال ابن إسحاق : وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا ، فاعتقبوها ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا ، وكان حمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو كبشة ، وأنسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا ، وكان أبو بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا . قال ابن إسحاق : وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجار . وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ ، فيما قال ابن هشام . [ طريق المسلمين إلى بدر ] قال ابن إسحاق : فسلك طريقه من المدينة إلى مكة ، على نقب المدينة ، ثم على العقيق ، ثم على ذي الحليفة ثم على أولات الجيش . قال ابن هشام : ذات الجيش . [ الرجل الذي اعترض الرسول وجواب سلمة له ] قال ابن إسحاق : ثم مر على تربان ، ثم على ملل ، ثم غميس الحمام من مريين ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم على السيالة ، ثم على فج الروحاء ، ثم على شنوكة ، وهي الطريق المعتدلة حتى إذا كان بعرق الظبية - قال ابن هشام : الظبية : عن غير ابن إسحاق - لقوا رجلا من الأعراب ، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا ; فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوفيكم رسول الله ؟ قالوا : نعم فسلم عليه ثم قال إن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه . قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي فأنا أخبرك عن ذلك . نزوت عليها ، ففي بطنها منك سخلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه أفحشت على الرجل ثم أعرض عن سلمة . [ بقية الطريق إلى بدر ] ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم سجسج ، وهي بئر الروحاء ، ثم ارتحل منها ، حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا ، فسلك في ناحية منها ، حتى جزع واديا ، يقال له رحقان ، بين النازية وبين مضيق الصفراء ، ( ثم على المضيق ) ، ثم انصب منه حتى إذا كان قريبا من الصفراء ، بعث بسبس بن الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وغيره . ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدمها . فلما استقبل الصفراء ، وهي قرية بين جبلين سأل عن جبليهما ما اسماهما ؟ فقالوا : يقال لأحدهما ، هذا مسلح ، وللآخر هذا مخرئ ، وسأل عن أهلهما ، فقيل بنو النار وبنو حراق ، بطنان من بني غفار فكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرور بينهما ، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما . فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران ، فجزع فيه ثم نزل . [ أبو بكر وعمر والمقداد وكلماتهم في الجهاد ] وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق ، فقال وأحسن . ثم قام عمر بن الخطاب ، فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا ههنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له به . [ استيثاق الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الأنصار ] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا ، فإذا وصلت إلينا ، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم . فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء . لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله . فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك . ثم قال سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم |
الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتعرفان أخبار قريش
[ الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتعرفان أخبار قريش ]
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران ، فسلك على ثنايا . يقال لها الأصافر ، ثم انحط منها إلى بلد يقال له الدبة وترك الحنان بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه قال ابن هشام : الرجل هو أبو بكر الصديق . قال ابن إسحاق كما حدثني محمد بن يحيى بن حبان : حتى وقف على شيخ من العرب ، فسأله عن قريش ، وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك قال أذاك بذاك ؟ قال نعم قال الشيخ فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان صدق الذي أخبرني ، فهم اليوم بمكان كذا وكذا ، للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش . فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ ما من ماء أمن ماء العراق ؟ قال ابن هشام : يقال ذلك الشيخ سفيان الضمري . [ ظفر المسلمين برجلين من قريش يقفانهم على أخبارهم ] قال ابن إسحاق : ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه - كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير - فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم ، غلام بني الحجاج وعريض أبو يسار ، غلام بني العاص بن سعيد فأتوا بهما فسألوهما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، فقالا : نحن سقاة قريش ، بعثونا نسقيهم من الماء . فكره القوم خبرهما ، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما . فلما أذلقوهما قالا : نحن لأبي سفيان فتركوهما . وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا ، والله إنهما لقريش أخبراني عن قريش ؟ قالا : هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب العقنقل - فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم ؟ قالا : كثير قال ما عدتهم ؟ قالا : لا ندري ; قال كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوما تسعا ، ويوما عشرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسع مئة والألف . ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ، ونوفل بن خويلد ، والحارث بن عامر بن نوفل ، وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود ، وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو ، وعمرو بن عبد ود . فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها . [ بسبس وعدي يتجسسان الأخبار ] قال ابن إسحاق : وكان بسبس بن عمرو ، وعدي بن أبي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا ، فأناخا إلى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه ومجدي بن عمرو الجهني على الماء . فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما يتلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها : إنما تأتي العير غدا أو بعد غد ، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك . قال مجدي : صدقت ثم خلص بينهما . وسمع ذلك عدي وبسبس فجلسا على بعيريهما ، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا . [ حذر أبي سفيان وهربه بالعير ] وأقبل أبو سفيان بن حرب حتى تقدم العير حذرا ، حتى ورد الماء فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحدا ، فقال ما رأيت أحدا أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا . فأتى أبو سفيان مناخهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففته فإذا فيه النوى ; فقال هذه والله علائف يثرب . فرجع إلى أصحابه سريعا ، فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها ، وترك بدرا بيسار وانطلق حتى أسرع . [ رؤيا جهيم بن الصلت في مصارع قريش ] ( قال ) : وأقبلت قريش ، فلما نزلوا الجحفة ، رأى جهيم بن الصلت ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا ، فقال إني رأيت فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان . إذ نظرت إلى رجل قد أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف ، وفلان وفلان فعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ، ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه . قال فبلغت أبا جهل فقال وهذا أيضا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا . قال ابن إسحاق : ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش : إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا ، فقال أبو جهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا - وكان بدر موسما من مواسم العرب ، يجتمع لهم به سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثا ، فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها ، فامضوا . [ رجوع الأخنس ببني زهرة ] وقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، وكان حليفا لبني زهرة وهم بالجحفة يا بني زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا لي جبنها وارجعوا ، فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة لا ما يقول هذا ، يعني أبا جهل . فرجعوا ، فلم يشهدها زهري واحد أطاعوه وكان فيهم مطاعا . ولم يكن بقي من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس إلا بني عدي بن كعب ، لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق ، فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد ، ومشى القوم . وكان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة فقالوا : والله لقد عرفنا يا بني هاشم وإن خرجتم معنا ، أن هواكم لمع محمد . فرجع طالب إلى مكة مع من رجع . وقال طالب ابن أبي طالب لا هم إما يغزون طالب في عصبة محالف محارب في مقنب من هذه المقانب فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب قال ابن هشام : قوله " فليكن المسلوب " ، وقوله " وليكن المغلوب " عن غير واحد من الرواة للشعر . [نزول قريش بالعدوة والمسلمين ببدر ] قال ابن إسحاق : ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي ، خلف العقنقل وبطن الوادي ، وهو يليل ، بين بدر وبين العقنقل ، الكثيب الذي خلفه قريش ، والقلب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة . وبعث الله السماء وكان الودي دهسا ، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم عن السير وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى السماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به . [مشورة الحباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال ابن إسحاق : فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا : أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي . فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية [بناء العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا ، كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى ، جلست على ركائبك ، فلحقت بمن وراءنا ، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك . فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له بخير . ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه . [ارتحال قريش ] قال ابن إسحاق : وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي - قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ، تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ( وقد ) رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر - إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا وقد كان خفاف بن أيماء بن رحضة الغفاري ، أو أبوه أيماء بن رحضة الغفاري ، بعث إلى قريش ، حين مروا به ابنا له بجزائره أهداها لهم وقال إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا . قال فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم قد قضيت الذي عليك ، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم ولئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة . [إسلام ابن حزام] فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم . فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام ، فإنه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه . فكان إذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني من يوم بدر . |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.