أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   دواوين الشعر (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=33)
-   -   في مدح الحبيب المصطفى صلــــــى الله عليـه وســلم (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=61042)

السيد عبد الرازق 07-12-2006 03:45 PM

دفاعاً عن مقدساتنا الحجازية
نقد الوهابية وفتنة التكفير

بقلم / على أبو الخير*
ظلت الأمة الإسلامية قروناً طوالاً يمزقها الاستبداد السياسى ، ويفرقها التفرق المذهبى ، ومع ذلك ظلت الأمة تتفق على ما اعتبره المسلمون من البديهيات أو على الأقل لم يختلفوا فيه مثل تقديسهم قبر رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم والاحتفال بالمولد النبوى الشريف وزيارة مراقد الأئمة من أهل البيت والأولياء الصالحين للدعاء لهم ، والدعاء إلى الله بجوار تلك المراقد، لم يجد المسلمون أى غضاضة فى ذلك على اختلاف مذاهبهم ، وعلى مدى انتشار بلدانهم ، فقد روى أن الإمام الشافعى كان يتبرك بماء غسل فيه قميص أحمد بن حنبل الذى عذب فيه ، كذلك ملايين المسلمين الذين ما انفكوا يزورون كربلاء بجوار الحسين سيد الشهداء، ومثلهم يزورون مرقد السيدة زينب بنت الامام على بالقاهرة ، ومسجد الرأس الشريف بالقاهرة أيضاً .

ظل المسلون يتعاهدون على زيارة الأماكن المقدسة التى خطا فيها رسول الله (ص) بقدميه الشريفتين ، وتمسح المسلمون بمنبر رسول الله الذى كان يجلس عليه ، كما كانوا يذهبون الى غار حراء حيث كان الرسول (ص) يتعبد فيه قبل البعثة النبوية .

لم تكن فتنة تكفير المسلمين غير معروفة ولا يتداولها أحد من العلماء ضد عالم آخر أو ضد عامة المسلمين لا بسبب زيارة القبور أو طلب الشفاعة من النبى (ص) أو بسبب تبرك المسلمين بالآثار التى تركها الرسول والصحابة وأهل البيت .

كما لم تكن فتنة تكفير المسلمين بسبب المخالفة فى الرأى وتفسير القرآن الكريم معلومة ، فأثناء احتدام فتنة خلق القرآن فى العصر العباسى ، نال أحمد بن حنبل من العذاب الكثير أثناء خلافة المأمون والمعتصم والواثق ، ولكنه أبداً لم يكفرهم ولم يكفر عالم المعتزلة الذى ألب الخلفاء عليه ، لم يكفر أحداً من المسلمين الذين قالوا بخلق القرآن .

كما كان الإمام مالك بن أنس إمام أهل المدينة لا يركب دابة بجوار مسجد الرسول (ص) أدباً منه مع النبى ، وعندما زار هارون الرشيد المدينة المنورة واقترب من القبر الشريف سأل الامام مالكاً : هل أدعو الله ووجهى إلى القبر أم أتوجه إلى القلب ؟ فقال له مالك : ولماذا تصرف وجهك عنه وهو إمامك حياً وميتاً .

وأخرج البخارى فى صحيحه عن عثمان بن عبد الله بن موهوب قال : أرسلنى أهلى إلى أم سليم بقدح من ماء فجاءت بحلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله (ص) فكان إذا أصاب الانسان عين أو أى شىء بعث إليها بإناء فخضخضت له فشرب به .

وروى الشيخان والنسائى أن رسول الله (ص) رأى أم سليم تجمع عرقه فى آنية معها ، وكان نائماً فاستيقظ وقال : (ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت : هذا عرقك نجعله فى طيبنا وهو أطيب الطيب ، وفى رواية أنها قالت : يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا ، فقال لها مقراً ومشجعاً ومادحاً : أصبت) ، والسيدة أم سليم محرم له صلى الله عليه وسلم لأنها خالة أبيه فهى من بنى النجار .

كما أدرك المسلمون قيمة الآثار النبوية الشريفة ، فقد أدركوا قيمة قميص يوسف عليه السلام عندما وضع على وجه يعقوب فأبصر بعد العمى ، وكان هذا القميص من آثار إبراهيم عليه السلام .

ظل هذا الأمر ديدن المسلمين حتى ظهرت فتنة التكفير وهى التى قادها لأول مرة تقى الدين أحمد بن تيمية فهو أول من أفتى بحرمة زيارة قبر النبى (ص) ، وقال فى كتابه التوسل والوسيلة / إن من يقصد زيارة قبر النبى لا زيارة المسجد كان مشركاً أو عاصياً ويجب عليه التوبة ، فأفتى بمنع زيارة القبر الشريف منعاً باتاً جعله يستحل مقاتله زائريه ، وقال كذلك إن التوسل بالأنبياء والأولياء إشراك بالله لأنه لا يفترق عن اتخاذ الأصنام أولياء من دون الله ولا عن عبادتهم من دون الله ، ثم أول الآيات القرآنية الكريمة التى نزلت فى المشركين وجعلها تتناول المسلمين .

المهم أن ابن تيمية حوكم على فتاواه ، وكان من جملة ما قيل عنه إنه أساء الأدب فى حق النبى الكريم ، وقالوا إن قداسة المسجد النبوى راجعة أصلاً فى أنه دفن فيه الجسد الشريف ، وانتهت دعوة ابن تيمية بوفاته ، وعادت الأمة إلى ما اعتقدت بصحته عامة وعلماء يرون التبرك بسيرته وبآثاره وبقبره من ضمن آيات الورع وكمال الإيمان .

عودة الدعوة :

ظهر محمد بن عبد الوهاب بمنطقة نجد بالجزيرة العربية وعقد حلفاً مع ابن سعود الكبير عام 1744هـ لنشر دعوة التوحيد كما قال بها ابن تيمية ، ألف محمد بن عبد الوهاب كتاب "التوحيد الذى هو حق الله على العبيد" وهو كتيب صغير الحجم ولكن أعاد وأصل فكرة تكفير الغير ممن لا يدين بدعوته .

وقال فى رسالته : إن الشرك قد شاع فى هذا الزمان وذاع ، والأمر قد آل إلى ما وعد الله إذ قال : " وما يؤمن أكثرهم إلا وهم مشركون " سورة يوسف / 106 وقال إن عامة مؤمنى هذا الزمان مشركون ، فواحد يعبد النبى ومتبعيه حيث يعتقدهم شفعاءه وأولياءه ، وهذا أقبح أنواع الشرك ، وهو كان كفر مشركى قريش .. وكل ذلك من الأوثان من نبى كان أو ولى أو من اللات والعزى أو من المسيح أو العزيز ، فإن الصنم فى الشرع هو المصوّر والوثن غير المصوّر ، فنحن نشاهد أقسام الشرك – كما قال ابن عبد الوهاب – كلها فى الناس ، ونرى الناس رجعوا إلى دين آبائهم .

وبناء على فتاواه اعتقد أنه ومريديه هم وحدهم الفرقة الناجية من النار ، وباقى المسلمين مشركون ، وكان يقول إنى أجدد للناس دينهم لأنه من تحت السبع الطباق مشرك على الاطلاق، ومن قتل مشركاً كان له الجنة .

والمشرك فى نظره كل من يتوسل بالنبى وبغيره من الأنبياء والأولياء ، وحرم زيارة قبر النبى (ص) ومنع الناس منها عندما تمكن من المدينة المنورة ، حتى أنه لما خرج ناس من جهة الإحساء وزاروا قبر الرسول (ص) وبلغه خبرهم ومروا فى رجوعهم عليه أمر بحلق لحاهم ثم أركبهم مقلوبين من الدرعية إلى الإحساء .

وتمسك ابن عبد الوهاب وأتباعه فى تكفير المسلمين بالآيات التى نزلت فى المشركين فحملوها على الموحدين المسلمين وقالوا ان من استغاث بالنبى أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة أو توسل به ، فإنه يكون مثل المشركين يباح دمه وماله كالمشركين .

لقد انبرى للرد على محمد بن عبد الوهاب فى أول ظهور دعوته والده وشقيقه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب وحاولا منعه واقناعه فلم ينته ، وألف أخوه المذكور كتاب (الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية) .

لكن دعوة ابن عبد الوهاب الأولى صادفت نجاحاً بسيوف ابن سعود الكبير ، وقاموا بتطبيق أفكارهم عن الشرك على جموع المسلمين ، واعتبر كل المسلمين كفاراً فقتلوا الآلاف منهم فى الطائف والمدينة المنورة ، ووصلت جيوشهم الى كربلاء فهدموا قبة ضريح سيد الشهداء وقتلوا من كان موجوداً بمشهده .

على ان الدعوة والدولة سقطتا عندما حاربهما إبراهيم بن محمد على بأمر من الخليفة العثمانى، وبعد السقوط تم تجديد ما هدمه ابن سعود والوهابيون ، واستمرت الحالة على ما هى عليه حتى تم تأسيس الدولة الثالثة فى عهد الملك عبد العزيز آل سعود ، فقاموا بتكفير كل المسلمين داخل الجزيرة وخارجها لسبب واحد أنهم يزورون القبر الشريف ويتبركون به ويدعون الله بجواره .

صادفت الدولة السعودية نجاحاً هائلاً بفضل النفط وزيادة أسعاره فقامت بنشر الفكر الوهابى بالأموال النفطية ، ومنذ السبعينيات من القرن العشرين وحتى العام 2001 قدر المصروف على نشر الفكر الوهابى بحوالى خمسة وسبعين ملياراً من الدولارات أنفقت على تأسيس جماعات أنصار السنة فى البلاد الإسلامية ، واستغلت فقر الدول الإسلامية خاصة مصر التى ضاعت ثرواتها بسبب الحروب المتوالية ضد الدولة الصهيونية ، فقامت بالمساعدة القليلة فى المجهود الحربى ، ولكن المساعدات الطائلة كانت لنشر الفكر التكفيرى ودعمه بملايين الأموال التى يأخذها من ينشر هذا الفكر .

كما استغلت العاملين المسلمين العاملين بالمملكة للعودة بهذه الأفكار التكفيرية ونشرها فى بلدانهم ، ومن هنا ذاعت فكرة تكفير المسلمين على اطلاقهم طالما أنهم لا يطبقون ما جاء فى كتاب " التوحيد " بحجة أنهم كفار لأنهم يزورون مراقد الأنبياء والأولياء أو يتوسلون بهم . وفى هذا البحث سنناقش أفكار ابن عبد الوهاب والتى هى تكرار لفتاوى ابن تيمية والتى بسببها يعيش المسلمون محنة التكفير التى تتردد أصداؤها فى جنبات العالم أجمع حيث استحلوا مقدسات المسلمين جميعاً ، وقاموا بتفجير قبة مسجد سامراء بحجة أن تحتها مدفوناً للإمامين على الهادى والحسن العسكرى ، وهم الذين يقومون بقتل المسلمين الشيعة فى العراق ، ويفجرون مساجد السنة لأنهم مشركون فى نظرهم ، وأن قتل هؤلاء يقربهم إلى الله .

السيد عبد الرازق 07-12-2006 03:48 PM

لذلك لابد من مناقشة هذا الفكر وأسانيده لإظهار الحق ، علماً بأن هذا البحث متمم للأبحاث التى قدمت تحت عنوان حماية المقدسات .

الأجوبة المكية فى الرد على الرسالة النجدية :

هذا عنوان رسالة أملاها علماء مكة المكرمة المعاصرون لابن عبد الوهاب ، وقد أقرهم على ردودهم جميع علماء وقضاة ومفتىّ سائر البلاد الإسلامية الذين كانوا حاضرين بمكة المكرمة للحج ، بل وأجمعوا على وجوب قتالهم وجهادهم ، وجاء فى هذه الرسالة : أما بعد .. فقد وردت الصحيفة الردِّية – أعنى الرسالة الوهابية النجدية – ضحوة الجمعة سابع شهر محرم المكرم وذلك بحرم الله المحترم وبيت الله المكرم وجند الشيطان " نجد " إليها قاصدة على نيات خبيثة وعزائم فاسدة والأخبار موحشة غير راشدة .

وما فعلوا بالطائف من القتل والنهب والسبى وهدم مسجد عبد الله بن عباس رضى الله عنه ينذر بإساءة أدبهم فى البلد الأمين .

فاجتمع علماء مكة المعظمة - زادها الله شرفاً - بعد صلاة الجمعة عند باب الكعبة وأكبوا على مطالعة الرسالة النجدية ليحققوا ما فيها من الغى والضلال ، وأمرنى المدبر ، وأنا أحمد بن يونس الباعلوى بكتابة ما قالوا رحمهم الله ..

وباقى الرسالة هى ردود العلماء على رسالة ابن عبد الوهاب التى عرفت فيما بعد باسم كتاب التوحيد .

مع العلم أن جلة علماء الأمة منذ عصر ابن عبد الوهاب وحتى الآن ناقشوا الفكر الوهابى وردوا عليه واعتبروه رسالة تفرق الأمة وتنشر الفتنة ولا تتورع عن القتل وسفك دماء المخالفين ، ومن هذه الكتب : " النقول الشرعية فى الرد على الوهابية للشيخ مصطفى بن أحمد الشطى ، وتطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد للشيخ محمد بخيت مفتى الديار المصرية سابقاً ، وشواهد الحق فى الاستعانة بسيد الخلق للشيخ يوسف النبهانى ، وغيرهم كثير مثل الشيخ عبد الحليم محمود ومحمد زكى إبراهيم وعز الدين ماضى أبو العزائم ومحمد متولى الشعراواى . واتفقت كل هذه الكتب فى الرد على الفكر التكفيرى وإبراز عيوبه وبعده عن تعاليم الإسلام .

مناقشة الفكر التكفيرى

خلاصة ما ورد به العلماء الأجلاء على الفكر التكفيرى وتعليقنا عليه فيما يلى :

1 – مشروعية زيارة القبر الشريف للبعيد والقريب : علم أن ابن تيمية سبق ابن عبد الوهاب فى تحريم زيارة قبر النبى الشريف ، ومنعوا قصر الصلاة فى السفر إليها على اعتبار أنه فى معصية وأنهم حكموا بكفر من يتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من أهل بيته أو الأولياء ، واستباحوا دم فاعله وماله وعرضه .

ومناقشة هذا الأمر تثبت فساد ما ذهب إليه التكفيريون ، فمن الأحاديث الشريفة الصحيحة فى الحث على زيارته والسفر إليه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من زار قبرى وجبت له شفاعتى " رواه الدارقطنى والبيهقى ، وقال (ص) : " من جاءنى زائراً لا يعمله حاجة إلا زيارتى كان حقاً علىّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة " رواه الطبرانى فى معجمه الكبير والدارقطنى فى أماليه وغيرهما .

وقال القاضى عياض فى كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " : وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها وذكر عدة أحاديث منها قوله (ص) : " من زارنى فى المدينة محتسباً كان فى جوارى وكنت له شفيعاً يوم القيامة " . كما قال القاضى عياض : قال اسحق بن إبراهيم الفقيه : ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة المنورة والقصد إلى الصلاة فى مسجد رسول الله (ص) والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره ومجلسه وملامس يديه ومواطىء قدميه والعمود الذى كان يستند إليه وينزل جبريل بالوحى فيه عليه ، وبمن عمره وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين والاعتبار بذلك كله وعن يزيد بن أبى سعيد المهدى قال : قدمت على عمر بن عبد العزيز ، فلما ودعته قال : لى إليك حاجة ، إذا أتيت المدينة سترى قبر النبى (ص) فأقرئه منى السلام ، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يبعث الرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليقرىء النبى (ص) السلام ، يقول له : سلم لى على رسول الله (ص) ثم يرجع .

وقال فى شرحه : ان الزائر المسلم على النبى (ص) يحصل له فضيلة رد النبى عليه ، وهى رتبة شريفة ومنقبة عظيمة ينبغى التعرض لها والحرص عليها لينال بركة سلامه ، وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب إذا قدم من سفر أتى قبر النبى (ص) فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أيا بكر ، السلام عليك يا أبتاه .

أما حجة التكفيريين بالحديث المشهور " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام، ومسجدى هذا ، والمسجد الأقصى " .

هذا الحديث عن شد الرحال هو من أشد ما قام به التكفيريون ضد كل زائر لأى مسجد غيرهم، فضلاً عن زيارة قبور الأولياء .

ومناقشة متن هذا الحديث تثبت أن هناك بعض الشك فى صحته ، وأنه موضوع على رسول الله (ص) لأن هناك مسجداً رابعاً ذكر فى القرآن الكريم وهو مسجد قباء ، والذى نزل فيه " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يطهروا " ، وروى عن النبى (ص) أنه قال : ثواب الصلاة فى قباء يعادل عمرة تامة " ، ولا يمكن ذلك إلا بشد الرحال الى قباء ، يفعل هذا حجاج بيت الله الحرام والذين يزورون المدينة المنورة فيذهبون إلى مسجد قباء ومسجد القبلتين ومسجد الغمامة وغيرها من المساجد .

إن حديث شد الرحال أقيمت عليه الدولة السعودية ، وبنى عليه الفكر التكفيرى بصفة عامة .

أما مس قبر النبى (ص) فقد قال ابن تيمية وابن عبد الوهاب إن الأئمة اتفقوا على عدم جواز تقبيل حجرة نبينا (ص) أو التمسح بها ، بل اتفاقهم على أن ذلك منهى عنه ، ويقول ابن تيمية فى الفتاوى : وكذلك حجرة نبينا (ص) وحجرة الخليل وغيرهما من المدافن التى فيها نبى أو رجل صالح لا يستحب تقبيلها أو التمسح بها باتفاق الأئمة بل منهى عن ذلك ، ولم يقل من هم هؤلاء العلماء الذين اتفقوا على منع التقبيل أو التمسح ، ولكن هذا الاتفاق المزعوم يتهاوى عندما تقرأ ما يخالفه .

فالإمام أحمد بن حنبل والحاكم والطبرانى والسيوطى ردوا : ورد عن الصحابى الجليل أبى أيوب الأنصارى ، حيث أقبل مروان بن الحكم يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجه على القبر- ولم يعرف أنه أبو أيوب – فقال : أتدرى ما تصنع ؟ فقال : نعم ، جئت رسول الله (ص) ولم آت الحجر .. ثم قال (غامزاً مروان والأمويين) سمعت رسول الله (ص) يقول (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن أبكوا عليه إذا وليه غير أهله) كما ورد عن مؤذن الرسول (ص) بلال بن رباح انه مرغ وجهه على القبر الشريف ، أورده ابن عساكر فى تاريخ دمشق والشوكانى فى نيل الأوطار .

- ادعى ابن تيمية وابن عبد الوهاب اتفاق أئمة المسلمين على أن الظن بأن الدعاء عند قبر النبى (ص) مستجاب أو أنه أفضل من الدعاء فى المساجد والبيوت من المنكرات المبتدعة وهى محرمة .

ويقول ابن تيمية : واتفق الأئمة على أنه يسلم عليه عند زيارته وعلى صاحبيه .. ومع هذا لم يقل أحد منهم أن الدعاء مستجاب عند قبره ، ولا أنه يستحب أن يتحرى الدعاء متوجهاً إلى قبره ، بل نصوا على نقيض ذلك ، واتفقوا كلهم على أنه لا يدعو مستقبل القبر ، بل نص أئمة السلف على أنه لا يوقف عنده للدعاء مطلقاً .

ودوماً ما يكرر ابن تيمية كلمة واتفق الأئمة ، ولا يذكر من هؤلاء الأئمة الذين اتفقوا ، لكن المؤكد أن سلف الأئمة كانوا يذهبون للقبر الشريف ، ويدعون الله بجواره ، فقد ورد عن السيدة عائشة فى عام القحط حين جعلوا كوة فى سقف الحجرة إلى السماء للاستغاثة به (ص).. رواه الدارمى ، وقد ذكره ابن تيمية نفسه وضعفه لأنه لا يؤيد فكره .

وقال العلامة الشيخ محمد بخيت فى كتابه (تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد) ما ملخصه : ذكر الإمام الغزالى أن المقصود من زيارة الأنبياء والأولياء والأئمة الاستمداد من سؤال المغفرة وقضاء الحوائج من أرواحهم .

كما دللوا على أن الحى يستفيد من الميت من التقاء النبى (ص) مع موسى عليه السلام فى رحلة المعراج ، التقيا فى عالم البرزخ وقال موسى للنبى : ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف (أى فى الصلاة عندما فرضت أولاً خمسين صلاة فى اليوم) .

كذلك روى البيهقى عن أنس (رض) أن أعرابياً جاء النبى (ص) يستسقى به وأنشد أبياتاً فى آخرها :

وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الخلق إلا إلى الرسل

ولم ينكر عليه النبى (ص) هذا البيت .

2 – نجاة الأمة من الشرك :

يعتقد التكفيريون بصفة عامة أن أمة الإسلام جميعها وقعت فى الشرك ، وقال ابن عبد الوهاب فى رسالته : فنحن نشاهد أقسام الشرك كلها فى الناس ونرى الناس رجعوا الى دين آبائهم كما أخبر النبى فى صحيح مسلم ، وقال : قال الله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً " سورة النساء / 116 .

والشرك الأكبر هو الإشراك فيما خصصه الله تعالى لنفسه وهو كثير ، نذكر شيئاً منه ليقاس عليه غيره ، والشرك أربعة أقسام هى : الإشراك فى العلم ، والإشراك فى التصرف ، والإشراك فى العادة ، والإشراك فى العبادة أى تعظيم غير الله كتعظيمه سبحانه وتعالى .

ومناقشة هذا يثبت تهافته بسهولة ، لأن ما قاله هو تشريع جديد مخالف لما جاء من النبى (ص) وفهمه الصحابة والتابعون ، فقد صرموا جميعاً بأن الشرك هو إثبات الشريك فى الألوهية ، انما بمعنى وجوب العبادة كالمجوس ، أو بمعنى استحقاق العبادة كعبدة الأصنام .

فمدار الشرك وركنه هو اعتقاد تعدد الآلهة كما أن التوحيد اعتقاد وحدة الإله ، قال الله تعالى:" وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون " سورة التوبة/31 ، ولما نزلت " وإلهكم إله واحد " سورة الكهف / 110 قال مشركو مكة لما سمعوها : " كيف يسع الناس إله واحد وإن محمداً ليقول إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين " . لايوجد مسلم فى الأرض يعتقد أن الأنبياء والصالحين مشتركون فى الله سبحانه فى الألوهية، ولا يعتقد مسلم فى عبادة غير الله سبحانه وتعالى .

والأمة نجت من الشرك عموماً ، ومسألة تكفير المسلم لأنه يزور مراقد الأولياء أو اتهامه بالشرك نوع من أنواع عماية الوعى وغفله القلب .

السيد عبد الرازق 07-12-2006 03:53 PM

ولا يؤثر فى توحيد المسلم زيارته لقبر النبى أو مدحه بعد الآذان ، وليس فى التوسل برسول الله حياً وميتاً أدنى غضاضة أو توهم شرك أو إبهام نقص فى حقه تعالى ، فإن المتوسل بهم معتقد وقائل : إنه لا فاعل ولا خالق إلا الله تعالى ، وانما التوسل بالولى والنبى سبب من الأسباب العادية التى يخلق الله الشىء عندها أو بها .

ان فتنة التكفير على أساس تشريك المخالف فى الرأى نبتت وذاعت مع دعوة ابن تيمية ثم ابن عبد الوهاب ، وهى تخالف ما اعتقدت الأمة بصوابه ، فقد قال ابن كثير (رغم أنه من تلامذة ابن تيمية) : ان مكة أفضل من المدينة إلا موضع القبر الشريف ، وليس ذلك إلا لوجود جثمان النبى (ص) فيها .

وخلاصة القول إن أمة محمد (ص) نجت من الشرك الايمانى باعتقادها أن الله ليس كمثله شىء ..

3 – اختصاص رسول الله (ص) بما لا يحصى من العلوم الغيبية :

من القضايا التى أثارها الفكر التكفيرى ما قاله ابن عبد الوهاب : " وما يتفوه به عقلاء مشركى زماننا (يقصد المسلمين واتهمهم بالشرك والكفر) بأن المراد هو نفى العلم والدراية التفصيلية المستقلة ، ولا ندعيه ولا تنفى العلم بإعلام الله الذى ندعيه أو أنه كان فى أول الأمر ثم ألقى الله عليه علم الأولين والآخرين وجعله مطلعاً على ما يكون إلى قيام القيامة وأمثال تلك الهفوات فهو ابتداع فى الدين " .

وقد رد علماء مكة المعاصرين لابن عبد الوهاب بقولهم : التسليم الحق عبر عنه بهفوة عقلاء مشركى زمانه ، ويسمى ما صح عن رسول الله (ص) هفوة وابتداعاً فى الدين .

لقد جاء فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم (كما أخبر ابن أخطب وابن حذيفة) أخبر بما هو كائن إلى يوم القيامة .

وفى الشفا " وبحسب عقله كانت معارفه (ص) ما علمه الله وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان ومن عجائب قدرته وعظيم ملكوته ، قال الله تعالى (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) سورة النساء / 113 " .

وفى القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على علمه (ص) مآله ومآل أصحابه وأهل بيته وعامة أمته جزما لا يحومه شبهة بإعلام الله تعالى ووعده الصادق غير المكذوب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة / 143 ، وقال (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) النساء / 41 .

ان قضية اختصاص النبى (ص) بعلوم الأولين والآخرين من القضايا التى اعتقد المسلمون بصحتها والآية القرآنية تقول (ما فرطنا فى الكتاب من شىء) ، وهذا معناه كل العلوم .

وحتى لو لم يختص النبى الأعظم بهذه العلوم ، فليس من شأن جماعات التكفير تكفير من يقول بهذه الخصوصية ، لأن ذلك مناطه القلب والإيمان ، ولا يحب تكفير الغير بسبب قولها، مع التأكيد على أن التشهير بمن قال بها من القضايا الحديثة التى لم تثر من قبل على نطاق العامة ، وظلت حبيسة الكتب ، ولكن التكفيريين أذاعوها وأحدثوا البلبلة من حولها معتقدين أنهم يصححون توحيد الأمة ، فهل من تصحيح التوحيد نفى إحاطة النبى بالعلم الذى أعطاه الله إياه .

4 – حقيقة شفاعة رسول الله (ص) لأمته :

قال ابن عبد الوهاب فى رسالته : وقد نص الله على هذا بقوله (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون) سورة النحل / 73 ، وقال الله تعالى : (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك شيئاً ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) يونس / 106 ، وقال : (قل إنى لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ، قل إنى لن يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) الجن / 21-22 ، انظروا انه أمر الله تعالى محمداً بإظهار عدم ملكه لأمته ضراً ولا رشداً ، ثم قال : فمن قال يا محمد ، فقد خالف الله ورسوله وكفر فإنه جعل أنه يملك له ضراً ورشداً .

كما قال ابن عبد الوهاب : قال الله تعالى (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير ، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) سبأ / 22-23 ، بهذه الآية قد قطع الله عروق الشرك بشعبها.

فإن من تُسأل عنده الحاجات وينادى فى الشدائد إما أن يكون مالكاً ، وإما أن يكون شريكاً، وإما أن يكون ظهيراً ومعاوناً ، وإما أن يكون شفيعاً عنده ، وكلّ منها منفى .

فتم إلزام الله على المشركين الذين يسألون المخلوقين وينادونهم مع زعم أنهم أدون من الله أما السابقون فاللات والعزى والسواع ، وأما اللاحقون فمحمد وعلى وعبد القادر ، والكل سواء فإن الله تعالى لا يقبل الحذر فى الشرك ولو كان مع نبى .

ومن غاية ضلالة المشركة اللاحقين اعتزازهم بالشفاعة وكان هذا مرض المشركين السابقين كما قال تعالى (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس / 18 ، ولا يفقهون أن الله شنع عليهم بهذا الاعتقاد وصيرة شركاً وكفراً . أ.هـ كلام ابن عبد الوهاب .

لقد قرن ابن عبد الوهاب بين اللات ومحمد .. هكذا ، فأساء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لقد أنكر شفاعة محمد (ص) ونسى أو تناسى إلا لمن أذن له فى آية سورة سبأ عند ذكره اختصاص الشفاعة لله ، والإذن من الله لا يكون إلا للمقربين منه خصوصاً سيد الخلق محمد (ص) ، والآية الآخرى تقول صراحة (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) النساء / 64 ، كذلك الآية الكريمة تقول (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) الرعد / 23 ، أى صلح دخول الجنة.

والحقيقة أن قضية الشفاعة لم تكن من القضايا التى تثير خلافاً عاماً من حولها ، لقد أحب المسلمون النبى ورجوا أن يشفع لهم عند الله تعالى .

ولكن فكر التكفير صاغ القضية فى قالب تكفيرى يعتقد بشرك من يقول بها ، وصوتهم العالى وهياجهم المستمر جعلهم يخوفون الناس خاصة أنهم اعتنقوا فكر الخوارج القدامى الذى كفر كل من عاداهم ، وقتلوا أمير المؤمنين على بن أبى طالب بذريعة أنه لا يحكم بما أنزل الله.

5 – حرمة دم الإنسان فى القرآن الكريم والسيرة النبوية :

يقول الله فى كتابه الكريم " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ، تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ، كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم فتبينوا ان الله كان بما تعملون خبيراً " النساء / 94 .

الآية الكريمة لا تعطى لأحد من الناس نزع صفة الإسلام عن المخالف فى الرأى طالما أنه ينطق بالشهادة ، ومن الطبيعى أنها لا تجعل لأحد من البشر التفتيش فى الصدور والتنقيب عن خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، فهذا أمر اختص الله به نفسه .

وجاء فى صحيح البخارى هذا الحديث : عن أبى سعيد الخدرى قال : بعث على ابن أبى طالب (رضى) إلى رسول الله (ص) من اليمن بذهبيه فى أديم مقروظ فقسمها بين أربعة نفر، بين عينية بن حصن وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء ، قال فبلغ ذلك النبى (ص) فقال : ألا تأمنونى وأنا أمين من فى السماء يأتينى الخبر من السماء صباحاً ومساء ، قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار ، فقال يا رسول الله : اتق الله ، قال : ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقى الله ، قال : ثم ولى الرجل ، قال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ، قال : لا لعله أن يكون يصلى ، فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس فى قلبه ، قال رسول الله (ص) : إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) .

هذا رسول الله لم يعنف ولم يلم من خاطبه بلهجة قاسية ، ولم يهدر دمه ، ولم يقل له قولاً عنيفاً ، وقال لعله يصلى ، وأنه لم يؤمر بأن ينقب عن قلوب الناس ، هذا فضلاً عن تكفير الناس وإخراجهم من المـلة كلها بكلمة ومن ثم استباحة دمائهم دون محاكمة ودون اعلان ودون استتابة.

ولكن الدعوة التكفيرية انطلقت دون الاعتماد على القرآن الكريم أو السنة النبوية أو السيرة الشريفة ، فأخذوا من القرآن ما جاء بحق المشركين والكافرين وطبقوه على المسلمين ، فقالوا ان دعاء الأموات وخاصة الأولياء والأنبياء والصالحين شرك مخرج من الملة ، وأنهم كفرة يجب قتالهم وسبى ذراريهم ونسائهم وبناء على هذه الآراء التكفيرية قاموا بقتل المسلمين فى الطائف ومكة المكرمة ، والمدينة المنورة وفى عسير والاحساء وكل منطقة تقع تحت سيطرتهم ، مما كتبناه فى بحث عن أسلمة الحجاز بين التأويل والتنزيل الدينى .

فرق دعاة التكفير بين المسلمين وجعلوهم شيعا بعد أن انتشر الفكر وأباح دم المسلم ، وكذلك غير المسلم فرغم أن القرآن الكريم (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) ، الأمر إذن واضح أن الإنسان فى القرآن الكريم له حرمة مهما كان دينه وعقيدته ، بل إن القرآن الكريم اعتبر الكفر ديناً ، فخاطب الكافرين " لكم دينكم ولى دين " ، ولم يحدث أن مارس النبى (ص) القتل العقائدى تحت أى مسمى ، ولم يشن أى حرب هجومية فكل غزواته وسراياه التى بعثها كانت لصد الهجوم ، أو لمنع اعتداء ، ليس ذلك فقط كان يطلق الأسرى بعد أن يحسن إليهم .

أما دعاة التكفير فانطلقوا يشيعون الخراب الفكرى لذاكرة الأمة وقالوا بحرب المسالمين من المسلمين بحجة كفرهم ، وقتل غير المسلمين المسالمين بحجة أنهم كفرة أيضاً ، وورث شباب الجماعات الإسلامية هذه المفاهيم وقاموا بحرب الجميع مواطنين من مسلمين ومسيحيين ، وقاموا باستعداء الغير على الإسلام عموماً ، ثم شنوا الرعب فى الديار الإسلامية ومنها الدار التى نشأ فيها فكر التكفير بنفس الحجة التى قامت عليها الدولة السعودية ، ذلك أن الفكرة دائماً ما تثمر كالشجرة تنبت من نفس ثمارها ، وشجرة التكفير لا تنبت إلا التكفير والتكفيريين .

وهذا هو السبب فى تسلط حكام السعودية وفقهائها فى الإشراف على الحجاز بحجة منع الشرك، وكأن المسلمين طوال تاريخهم كفرة مشركون ، فهدموا الأضرحة والمقامات والبيوت التى عاش فيها النبى والصحابة وأهل البيت جميعاً ، ووأدوا كل فكر يخالف فكرهم رغم أن هذا الفكر بعيد كل البعد عن المنهج الإسلامى الصحيح كما رأينا فى الصفحات السابقة .

فكر التكفير وأهل البيت :

كان من الضرورى إلقاء الضوء على نظرة أهل التكفير لأهل بيت النبى (ص) ، لأن هذا مما اختلفوا فيه عن كل المسلمين الذين رأوا أن حب أهل البيت فرض عليهم وقال الإمام الشافعى رضى الله عنه شعراً :


السيد عبد الرازق 07-12-2006 03:53 PM

ولا يؤثر فى توحيد المسلم زيارته لقبر النبى أو مدحه بعد الآذان ، وليس فى التوسل برسول الله حياً وميتاً أدنى غضاضة أو توهم شرك أو إبهام نقص فى حقه تعالى ، فإن المتوسل بهم معتقد وقائل : إنه لا فاعل ولا خالق إلا الله تعالى ، وانما التوسل بالولى والنبى سبب من الأسباب العادية التى يخلق الله الشىء عندها أو بها .

ان فتنة التكفير على أساس تشريك المخالف فى الرأى نبتت وذاعت مع دعوة ابن تيمية ثم ابن عبد الوهاب ، وهى تخالف ما اعتقدت الأمة بصوابه ، فقد قال ابن كثير (رغم أنه من تلامذة ابن تيمية) : ان مكة أفضل من المدينة إلا موضع القبر الشريف ، وليس ذلك إلا لوجود جثمان النبى (ص) فيها .

وخلاصة القول إن أمة محمد (ص) نجت من الشرك الايمانى باعتقادها أن الله ليس كمثله شىء ..

3 – اختصاص رسول الله (ص) بما لا يحصى من العلوم الغيبية :

من القضايا التى أثارها الفكر التكفيرى ما قاله ابن عبد الوهاب : " وما يتفوه به عقلاء مشركى زماننا (يقصد المسلمين واتهمهم بالشرك والكفر) بأن المراد هو نفى العلم والدراية التفصيلية المستقلة ، ولا ندعيه ولا تنفى العلم بإعلام الله الذى ندعيه أو أنه كان فى أول الأمر ثم ألقى الله عليه علم الأولين والآخرين وجعله مطلعاً على ما يكون إلى قيام القيامة وأمثال تلك الهفوات فهو ابتداع فى الدين " .

وقد رد علماء مكة المعاصرين لابن عبد الوهاب بقولهم : التسليم الحق عبر عنه بهفوة عقلاء مشركى زمانه ، ويسمى ما صح عن رسول الله (ص) هفوة وابتداعاً فى الدين .

لقد جاء فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم (كما أخبر ابن أخطب وابن حذيفة) أخبر بما هو كائن إلى يوم القيامة .

وفى الشفا " وبحسب عقله كانت معارفه (ص) ما علمه الله وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان ومن عجائب قدرته وعظيم ملكوته ، قال الله تعالى (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) سورة النساء / 113 " .

وفى القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على علمه (ص) مآله ومآل أصحابه وأهل بيته وعامة أمته جزما لا يحومه شبهة بإعلام الله تعالى ووعده الصادق غير المكذوب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة / 143 ، وقال (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) النساء / 41 .

ان قضية اختصاص النبى (ص) بعلوم الأولين والآخرين من القضايا التى اعتقد المسلمون بصحتها والآية القرآنية تقول (ما فرطنا فى الكتاب من شىء) ، وهذا معناه كل العلوم .

وحتى لو لم يختص النبى الأعظم بهذه العلوم ، فليس من شأن جماعات التكفير تكفير من يقول بهذه الخصوصية ، لأن ذلك مناطه القلب والإيمان ، ولا يحب تكفير الغير بسبب قولها، مع التأكيد على أن التشهير بمن قال بها من القضايا الحديثة التى لم تثر من قبل على نطاق العامة ، وظلت حبيسة الكتب ، ولكن التكفيريين أذاعوها وأحدثوا البلبلة من حولها معتقدين أنهم يصححون توحيد الأمة ، فهل من تصحيح التوحيد نفى إحاطة النبى بالعلم الذى أعطاه الله إياه .

4 – حقيقة شفاعة رسول الله (ص) لأمته :

قال ابن عبد الوهاب فى رسالته : وقد نص الله على هذا بقوله (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون) سورة النحل / 73 ، وقال الله تعالى : (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك شيئاً ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) يونس / 106 ، وقال : (قل إنى لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ، قل إنى لن يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) الجن / 21-22 ، انظروا انه أمر الله تعالى محمداً بإظهار عدم ملكه لأمته ضراً ولا رشداً ، ثم قال : فمن قال يا محمد ، فقد خالف الله ورسوله وكفر فإنه جعل أنه يملك له ضراً ورشداً .

كما قال ابن عبد الوهاب : قال الله تعالى (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير ، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) سبأ / 22-23 ، بهذه الآية قد قطع الله عروق الشرك بشعبها.

فإن من تُسأل عنده الحاجات وينادى فى الشدائد إما أن يكون مالكاً ، وإما أن يكون شريكاً، وإما أن يكون ظهيراً ومعاوناً ، وإما أن يكون شفيعاً عنده ، وكلّ منها منفى .

فتم إلزام الله على المشركين الذين يسألون المخلوقين وينادونهم مع زعم أنهم أدون من الله أما السابقون فاللات والعزى والسواع ، وأما اللاحقون فمحمد وعلى وعبد القادر ، والكل سواء فإن الله تعالى لا يقبل الحذر فى الشرك ولو كان مع نبى .

ومن غاية ضلالة المشركة اللاحقين اعتزازهم بالشفاعة وكان هذا مرض المشركين السابقين كما قال تعالى (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس / 18 ، ولا يفقهون أن الله شنع عليهم بهذا الاعتقاد وصيرة شركاً وكفراً . أ.هـ كلام ابن عبد الوهاب .

لقد قرن ابن عبد الوهاب بين اللات ومحمد .. هكذا ، فأساء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لقد أنكر شفاعة محمد (ص) ونسى أو تناسى إلا لمن أذن له فى آية سورة سبأ عند ذكره اختصاص الشفاعة لله ، والإذن من الله لا يكون إلا للمقربين منه خصوصاً سيد الخلق محمد (ص) ، والآية الآخرى تقول صراحة (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) النساء / 64 ، كذلك الآية الكريمة تقول (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) الرعد / 23 ، أى صلح دخول الجنة.

والحقيقة أن قضية الشفاعة لم تكن من القضايا التى تثير خلافاً عاماً من حولها ، لقد أحب المسلمون النبى ورجوا أن يشفع لهم عند الله تعالى .

ولكن فكر التكفير صاغ القضية فى قالب تكفيرى يعتقد بشرك من يقول بها ، وصوتهم العالى وهياجهم المستمر جعلهم يخوفون الناس خاصة أنهم اعتنقوا فكر الخوارج القدامى الذى كفر كل من عاداهم ، وقتلوا أمير المؤمنين على بن أبى طالب بذريعة أنه لا يحكم بما أنزل الله.

5 – حرمة دم الإنسان فى القرآن الكريم والسيرة النبوية :

يقول الله فى كتابه الكريم " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ، تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ، كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم فتبينوا ان الله كان بما تعملون خبيراً " النساء / 94 .

الآية الكريمة لا تعطى لأحد من الناس نزع صفة الإسلام عن المخالف فى الرأى طالما أنه ينطق بالشهادة ، ومن الطبيعى أنها لا تجعل لأحد من البشر التفتيش فى الصدور والتنقيب عن خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، فهذا أمر اختص الله به نفسه .

وجاء فى صحيح البخارى هذا الحديث : عن أبى سعيد الخدرى قال : بعث على ابن أبى طالب (رضى) إلى رسول الله (ص) من اليمن بذهبيه فى أديم مقروظ فقسمها بين أربعة نفر، بين عينية بن حصن وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء ، قال فبلغ ذلك النبى (ص) فقال : ألا تأمنونى وأنا أمين من فى السماء يأتينى الخبر من السماء صباحاً ومساء ، قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار ، فقال يا رسول الله : اتق الله ، قال : ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقى الله ، قال : ثم ولى الرجل ، قال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ، قال : لا لعله أن يكون يصلى ، فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس فى قلبه ، قال رسول الله (ص) : إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) .

هذا رسول الله لم يعنف ولم يلم من خاطبه بلهجة قاسية ، ولم يهدر دمه ، ولم يقل له قولاً عنيفاً ، وقال لعله يصلى ، وأنه لم يؤمر بأن ينقب عن قلوب الناس ، هذا فضلاً عن تكفير الناس وإخراجهم من المـلة كلها بكلمة ومن ثم استباحة دمائهم دون محاكمة ودون اعلان ودون استتابة.

ولكن الدعوة التكفيرية انطلقت دون الاعتماد على القرآن الكريم أو السنة النبوية أو السيرة الشريفة ، فأخذوا من القرآن ما جاء بحق المشركين والكافرين وطبقوه على المسلمين ، فقالوا ان دعاء الأموات وخاصة الأولياء والأنبياء والصالحين شرك مخرج من الملة ، وأنهم كفرة يجب قتالهم وسبى ذراريهم ونسائهم وبناء على هذه الآراء التكفيرية قاموا بقتل المسلمين فى الطائف ومكة المكرمة ، والمدينة المنورة وفى عسير والاحساء وكل منطقة تقع تحت سيطرتهم ، مما كتبناه فى بحث عن أسلمة الحجاز بين التأويل والتنزيل الدينى .

فرق دعاة التكفير بين المسلمين وجعلوهم شيعا بعد أن انتشر الفكر وأباح دم المسلم ، وكذلك غير المسلم فرغم أن القرآن الكريم (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) ، الأمر إذن واضح أن الإنسان فى القرآن الكريم له حرمة مهما كان دينه وعقيدته ، بل إن القرآن الكريم اعتبر الكفر ديناً ، فخاطب الكافرين " لكم دينكم ولى دين " ، ولم يحدث أن مارس النبى (ص) القتل العقائدى تحت أى مسمى ، ولم يشن أى حرب هجومية فكل غزواته وسراياه التى بعثها كانت لصد الهجوم ، أو لمنع اعتداء ، ليس ذلك فقط كان يطلق الأسرى بعد أن يحسن إليهم .

أما دعاة التكفير فانطلقوا يشيعون الخراب الفكرى لذاكرة الأمة وقالوا بحرب المسالمين من المسلمين بحجة كفرهم ، وقتل غير المسلمين المسالمين بحجة أنهم كفرة أيضاً ، وورث شباب الجماعات الإسلامية هذه المفاهيم وقاموا بحرب الجميع مواطنين من مسلمين ومسيحيين ، وقاموا باستعداء الغير على الإسلام عموماً ، ثم شنوا الرعب فى الديار الإسلامية ومنها الدار التى نشأ فيها فكر التكفير بنفس الحجة التى قامت عليها الدولة السعودية ، ذلك أن الفكرة دائماً ما تثمر كالشجرة تنبت من نفس ثمارها ، وشجرة التكفير لا تنبت إلا التكفير والتكفيريين .

وهذا هو السبب فى تسلط حكام السعودية وفقهائها فى الإشراف على الحجاز بحجة منع الشرك، وكأن المسلمين طوال تاريخهم كفرة مشركون ، فهدموا الأضرحة والمقامات والبيوت التى عاش فيها النبى والصحابة وأهل البيت جميعاً ، ووأدوا كل فكر يخالف فكرهم رغم أن هذا الفكر بعيد كل البعد عن المنهج الإسلامى الصحيح كما رأينا فى الصفحات السابقة .

فكر التكفير وأهل البيت :

كان من الضرورى إلقاء الضوء على نظرة أهل التكفير لأهل بيت النبى (ص) ، لأن هذا مما اختلفوا فيه عن كل المسلمين الذين رأوا أن حب أهل البيت فرض عليهم وقال الإمام الشافعى رضى الله عنه شعراً :


السيد عبد الرازق 07-12-2006 03:57 PM

يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله فى القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنكمو من لم يصل عليكم لا صلاة له

أما بداية فكر التكفير فقد جاء على لسان ابن تيمية الذى قال إن أهل البيت ناس من الناس، بشر من المسلمين لا يفترقون عن الناس بأى فارق سوى التقوى والعمل الصالح ، أما قرابتهم من رسول الله (ص) فلا فائدة منها ولا تقدير لها ، فقد قال النبى (ص) لفاطمة (لا أغنى عنك من الله شيئاً) .

ولذلك يقول أبو هاشم الشريف فى كتابه (ابن تيمية .. ذلك الوهم الكبير) رداً على ذلك : وهذا أمر طبيعى وتسلسل منطقى من ابن تيمية ، فقد رأى ان رسول الله (ص) قيمته فيما أوصى إليه ، أما ذاته فلا تفيد شيئاً خصوصاً بعد انتقاله الى الرفيق الأعلى ، ووصل الأمر بابن تيمية أن قال إن هناك قوادح كثيرة فى السيدة فاطمة ويمكن أن يكون لها بعض الذبوب ، وقال : ان حزن فاطمة على النبى (ص) بعد وفاته نقص فى إيمانها ، وأن هذا الحزن لا فائدة فيه، وأنها حين حلفت ألا تكلم أبا بكر حتى تلقى أباها وتشتكى إليه : يرى ابن تيمية ان هذا أمر لا يليق بعقيدتها ، فإن الشكوى لا تجوز إلا لله ، فإذا ثبت عنها ذلك ، فهذا نقص فى عقيدتها ، كما يرى أن الأحاديث التى جاءت فى مدح الزهراء كذب كلها خصوصاً حديث (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) لأن هذا يضاد العقيدة .

كما ادعى ابن تيمية أن الصحابة كانوا لا يحبون الإمام على بن أبى طالب ، ويرد الأحاديث التى تمدحه أو يضعفها ، كما ضعف أحاديث شهيرة متواترة قيلت فى فضائل "على" مثل (من كنت مولاه فعلى مولاه .. اللهم وال من والاه) وقال عنه : فهذا ليس من شىء من أمهات الكتب إلا فى الترمذى ، وليس فيه (اللهم وال من والاه) ولا ريب أنه كذب لأنها تخالف أصلاً من أصول الإسلام .

وقال أيضاً : ان هذا اللفظ (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله) كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث .

كما يرى ابن تيمية عدم وجوب الصلاة على النبى (ص) فى الصلاة لا هو ولا آله وشدد وكرر وصمم على كفر أبوى النبى (ص) وأنهما فى النار وأيضاً على شرك وكفر أبى طالب عم النبى (ص) رغم حب النبى إياه .

ووصل به الأمر ان قال عن سيد الشهداء الحسين بأنه قتل بشرع جده لأنه خرج على إمام (يقصد يزيد) وأنه كان يجب أن يبايع يزيد .

وخاض ابن تيمية فى كل أهل بيت النبى ، واعتبر بعضهم ناقص الإيمان والبعض خارجاً عن شرعية الحكم .

اتخذ التكفيريون أقوال ابن تيمية منهاجاً لحياتهم وفكرهم ولم يعتبروا أن لهم أفضلية بقرابتهم لرسول الله (ص) ، هذا فى الوقت الذى يقدسون ويكرمون فيه أبناء الشيخ ابن عبد الوهاب، وخطيب مسجد نمرة يوم عرفة غالباً يكون من نسل آل شيخ إكراماً للشيخ ، أما أمراء البيت السعودى فحدث ولا حرج لهم كرامة السمو الملكى طالما أنهم من نسل سعود ، ومازال هذا الإكرام مستمراً ، يأخذون من المال ويصرفونه ولا يخاطبهم الناس بأسمائهم مجردة، ولكن لابد من ذكر صاحب السمو أو صاحب السمو الملكى .

هذا فى الوقت الذى يسيئون فيه لقرابة النبى الذين لم يأخذوا مالاً ولم يعتدوا على حقوق أحد من البشر .

وإذا كانوا سكتوا عما شجر بين صحابة النبى ، فلماذا لم يسكتوا عن أبوى النبى وعمه ، بل صمموا على كفرهم لا لشىء الا لكونهم آباء رسول الله (ص) أما أبناؤه فقد اتهمهم ابن تيمية فى شجاعتهم وعقيدتهم ، وقال إن أولياء النبى أعظم درجة من آله .

النبوة فى الفكر التكفيرى
==============================
التصور التكفيرى للنبى (ص) هو مجرد دور ينتهى أو انتهى برحيله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مجرد مؤدى رسالة ، ولما مات انتهى دوره ، ورفضوا القول عن النبى بسيدنا رسول الله فى الصلاة ، وقالوا بأن من يقول فى الصلاة أو فى الآذان " اللهم صل على سيدنا محمد " فهو مبتدع فى الدين ، عاصٍ فى كلامه ويجب ان يتوب رغم الله سبحانه وتعالى ولم يخاطب النبى أبداً فى قرآنه إلا بيا أيها النبى ، أو يا أيها الرسول ، وقال سبحانه " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه " ، وقال أيضاً " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً " وأقسم الله بحياة رسول الله فقال : " لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون " ، وقال أيضاً : "الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين " .

ورغم كل هذا التقدير الالهى للرسول الأعظم ، يرى التكفيريون ضرورة سحب هذا التقدير، بل قالوا بعصيان من يعظم رسول الله كما عظمه الله جل وعلا ، وجعلوا هذا من ضرورات التوحيد والإيمان ، وحاربوا من يقول بهذا التعظيم ، وقد رفض علماء الأمة وعامتها هذه الأقوال واعتبروا من يقول بها سىء الأدب مع مقام النبوة وأخلاق الرسالة .

ووصل الأمر بابن تيمية ان قال : إن الشيطان يأتى أحدهم فيقول : أنا رسول الله ، أو يخاطبه عند القبر كما وقع كثير ، ومنهم من يخيل إليه أن الحجرة قد انشقت وخرج منها النبى وعانقه ، ومنها من يخيل إليه أنه رفع صوته بالسلام ، وقد يرى القبر وخرج منه صورة إنسان فيظن أن الميت نفسه خرج من قبره ، أو أن روحه تجسدت وخرجت من القبر ، وانما ذلك جنى تصور فى صورته ليضل ذلك الرائى .

يقول ان الشيطان قد يتجسد فى صورة النبى (ص) رغم أن الحديث الصحيح يقول : من رآنى فى المنام فقد رآنى حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بى " ، ولكن ابن تيمية يضعف الحديث كعادته طالما أنه لا يتفق مع فكره .

إن قدرة الشيطان على التجسد فى صورة النبى تعتبر مدخلاً فى الحط من مقام النبوة ، وهى الفكرة التى أمسكها أعداء الإسلام وقالوا إن من الممكن أن يكون الشيطان تجسد فى صورة النبى أثناء حياته ، وهى الفريات التى أقام عليها سلمان رشدى آياته الشيطانية .

إن آراء ابن تيمية ومدرسة ابن عبد الوهاب نهيىء الفرصة لأعداء الإسلام ليضخموها ويهجموا بها على رسول الله (ص) وينالوا من الإسلام وأهله .

الفكر التكفيرى والألوهية :

يقول ابن عبد الوهاب : فاعلم ان الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان كما فى قوله (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس) ، وكما يقال رب العالمين وإله المرسلين ، وعند الأفراد يجتمعان كما فى قول القائل مثاله الفقير والمسكين نوعان فى قوله تعالى (انما الصدقات للفقراء والمساكين) ونوع واحد فى قوله (افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) إذا ثبت فقول الملكين للرجل فى القبر : من ربك ؟ معناه من إلهك لأن الربوبية التى أقر بها المشركون ما يمتحن أحد بها ، وكذلك قوله (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) ، وقوله (قل أغير الله أبغى رباً) ، وقوله (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) فالربوبية فى هذا هى الألوهية ليست قسيمة لها كما تكون قسيمة لها عند الاقتران فينبغى التفطن لهذه المسألة ، والمشركون الذين قاتلهم رسول الله (ص) قد أقروا بتوحيد الربوبية ، وإنما قاتلهم رسول الله (ص) عند توحيد الألوهية ، ولم يدخل الرجل فى الإسلام بتوحيد الربوبية الا اذا انضم إليه توحيد الألوهية ان هؤلاء (الذين أقروا بالربوبية دون الألوهية) ما عرفوا التوحيد وانهم منكرون دين الإسلام .. أ.هـ .

والقارىء لهذا الكلام يجد مغالطات ، منها أن الرسول قاتل المشركين عند توحيد الألوهية ، فالنبى لم يقاتل الا من قاتله ، ولم يقم بأى حرب عدوانية ، وكل ما كان يطلبه من المشركين هو تركه لتبليغ الرسالة ، هذا من ناحية ، من ناحية أخرى فإن القول بأن الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان ليس له محل من الإعراب ، فالمسلمون عموماً يعتقدون ويؤمنون أن الله سبحانه وتعالى هو رب الناس ، وأن الإله والرب بمعنى واحد فى خلاصة التوحيد .

المأساة جاءت فى قول ابن عبد الوهاب أنه يجب أن (يقاتل الناس على توحيد الألوهية رغم أنهم يقرون بتوحيد الربوبية تماماً كما فعل رسول الله (ص) عندما قاتل الناس على توحيد الألوهية رغم أن كفار قريش كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية) .

هذه الانقسامات والأفكار جلبت التكفير للبشر حيث أن التوحيد لديهم صنف الناس : منهم المؤمنون بالربوبية فقط وهم مثل كفار قريش ، وصنف المؤمنين بالربوبية والألوهية ، وهم المؤمنون حقاً .


السيد عبد الرازق 07-12-2006 04:00 PM

ولكنه يعود فيقاتل الصنف الثانى إذا عظموا رسول الله أو زاروا قبره أو مدحوه شعراً ، كما قالوا عن الإمام البوصيرى مادح الرسول الكريم فى قصيدة البردة .

على العموم الانقسامات العقائدية تبدأ دائماً حول التصور لأنه الله سبحانه وهو الحقيقة المطلقة غير قابل للتعدد والانشطار فى حين يتباين البشر بسبب تعددية الرؤى للحقيقة الإلهية أى تعدد التصورات البشرية القاصرة لحقيقة واحدة مطلقة .

ولذلك يقول الامام على فى نهج البلاغة (الحمد لله الذى انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته وردعت عظمته العقول ، فلم تجد مساغاً الى بلوغ غاية ملكوته ، هو الله الحق المبين ، أحق وأبين مما ترى العيون ، لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبها ، ولم تقع عليه الاوهام بتقدير فيكون ممثلاً ، خلق الخلق على غير تمثيل ولا مشورة مشير ولا معونة معين ، فتم خلقه بأمره ، وأذعن لطاعته ، فأجاب ولم يدافع ، وانقاد ولم ينازع " .

وهذا الذى قاله الامام على هو عين التوحيد الرسالى الذى نزل به الوحى الإلهى على الرسول الأعظم .

ان التفرقة بين الربوبية والألوهية لا تعدو ان تكون مجرد مبرر لتوزيع الاتهامات بالكفر ممن لا يملك ضد من لا يستحق من المسلمين الأبرياء . هذا هو فكر التكفير عن الألوهية والنبوة والرسالة وغيرها .

وبناء على هذا الفكر قال الشيخ ابن عبد الوهاب ليصل إلى تكفير كل البشر وأنهم وحدهم الفرقة الناجية : (وقولكم أننا نكفر المسلمين كيف تفعلون كذا كيف تفعلون كذا ، فإنا لم نكفر المسلمين بل ما كفرنا الا المشركين – يقصد المسلمين الذين لا يقولون قولهم – وكذلك أيضاً من أعظم الناس ضلالاً متصوفة فى معكال (بلد بالجزيرة) وغيره مثل ولد موسى بن جوعان وسلامة بن مانع وغيرهما يتبعون مذهب ابن عربى وابن الفارض ، وقد ذكر أهل العلم أن ابن عربى من أئمة أهل مذاهب الاتحادية وهم أغلظ كفراً من اليهود والنصارى ، فكل من لم يدخل فى دين محمد (ص) ويتبرأ من دين الاتحادية فهو كافر برىء من الإسلام ، ولا تصح الصلاة خلفه ، ولا تقبل شهادته ، وصاحب الاقناع قد ذكر أن من شك فى كفر هؤلاء السادة والمشائخ فهو كافر) .

أى أن التكفير يشمل الجميع ، وتلك هى المحنة التى تعيشها الأمة منذ انتشار الفكر التكفيرى بالدعم المالى .




خاتمة البحث :

قبل ختم البحث لابد هنا من إيراد ما أقره علماء مكة وسائر البلاد الإسلامية وقضاتها ومفتوها الذى عنون باسم (الأجوبة المكية فى الرد على الرسالة النجدية) وهى التى ذكرناها فى أول مقالنا ، وهم الذين عاصروا قتل أهل الطائف على يد الوهابيين قبل اقتحامهم مكة المكرمة .

قالوا : " تم النظر فى الباب الأول وحان العصر ، وقامت الصلاة فقاموا والنقش لأحمد الباعلوى (هو أحمد بن يونس الباعلوى كاتب الرسالة إملاء من علماء مكة) واللفظ أكثر للشيخ عمر عبد الرسول وعقيل بن يحيى العلوى والبعض للشيخ عبد الملك وحسين المغربى (من علماء مكة) ، ولما فرغوا من الصلاة رجعوا فى النظر إلى الباب الثانى فإذا طائفة من مظلومى الطائف دخلوا المسجد الحرام ، وانتشر ما جرى عليهم من أيدى الوهابيين واشتهر أنهم لاحقون من أهل الحرم وعامدون لقتلهم فاضطرب الناس كأنها قامت الساعة .

فاجتمع العلماء حول المنبر وصعد الخطيب أبو حامد وقرأ عليهم الصحيفة النجدية وما نقشت من ألفاظ العلماء فى ردها وقال : أيها العلماء والقضاة والمفتون سمعتم مقالهم وعلمتم عقائدهم فما تقولون ؟

فاجتمع كافة العلماء والقضاة والمفتون على المذاهب الأربعة من أهل مكة المشرقة وسائر بلاد الإسلام الذين جاءوا للحج وكانوا جالسين ومنتظرين لدخول البيت عاشر المحرم وحكموا بكفرهم وبأنه يجب على أمير مكة الخروج إليهم من الحرم ، ويجب على المسلمين معاونته ومشاركته ، فمن تخلف بلا عذر يكون آثماً ، ومن قاتلهم يصير مجاهداً ، ومن قتل من أيديهم يكون شهيداً .

فانعقد الاجتماع بلا خلاف على كلمة واحدة ، وكتبت الفتوى وختمت بخواتيمهم كلهم ، فصلوا المغرب وذهبوا بعد الصلاة إلى الشريف أمير مكة المعظمة .

واتفق كل من بمكة على قتالهم واتباع أمير مكة فى الجهاد عليهم والخروج بكرةً من حد الحرم إلى جهتهم واشتغل كل من فى استعداده " ، انتهى ما كتبه علماء مكة المعاصرين لابن عبد الوهاب .

ولكن ما حدث هو أن حروب الوهابيين لم تنقطع وعاثوا فساداً فى البلاد التى فتحوها ، قتلوا الرجال وسبوا النساء دون رادع من عروبة أو دين أو خلق ، وكلها بسبب فتاوى التكفير . وعندما استتب الأمر لآل سعود بفتاوى آل شيخ التكفيرية ، وظهر النفط الكثير لديهم قاموا بالانفاق على الحرمين الشريفين لكى يعطوا مصداقية لما يقولون ، وامتد أثرهم إلى الأجيال اللاحقة الذين لم يروا الأماكن المقدسة قبل أن يغير معالمها الوهابيون ، فلم يروا غضاضة من القول إن السعوديين يمثلون الإسلام طالما أنهم يوسعون الحرم أو يشقون الطرق ، أو يصرفون على مساجد أنصار السنة فى الديار الإسلامية .

يقول أبو هاشم الشريف : إن الأمة الإسلامية التى تنتسب إلى أهل السنة الآن مفرقة مشتتة، لا تدخل مسجداً أو حياً أو نجعاً إلا وتجد الخلاف فى مسائل الدين أصلاً من أصوله ، وكأن الأصل عند أهل السنة هو الاختلاف ، والاستثناء هو الاتفاق .

والسبب فى ذلك التنازع هو انتشار فكر مدرسة ابن عبد الوهاب (فكر التكفير) التى استمدت أفكارها وأصول مبادئها من فكر ابن تيمية فمثلاً : كان أهل مصر ينتهجون المذهب الشافعى فقهاً وعبادة وأسلوباً وهو منهج صحيح لا غبار عليه .

فجاء تلاميذ مدرسة التكفير :

ان وجدوا مسجداً يقنت فيه فى صلاة الصبح أحدثوا الفرقة والتنازع وإن وجدوا جماعة يجهرون بالبسملة فى الفاتحة فى الصلاة أحدثوا الفرقة والتنازع .

وإن وجدوا أهل قرية يقرأون القرآن لأمواتهم نفروهم وأحدثوا الفرقة والنزاع . وإن رأوا مجموعة من المسلمين تنتسب إلى شيخ صوفى كفروهم وأخرجوهم من الملة . وإن رأوا أناساً يتبركون برسول الله (ص) أو بآل بيته اتهموهم بالشرك الأكبر المخرج من الملة . أ.هـ .

ولكن الإشكالية الكبرى هو اقتناعهم بأن يجب قتل المسلمين المخالفين لهم فى الفكر .. وتعيش الأمة مأزقاً خطيراً بسبب الهجوم التكفيرى من جهة ، والهجوم الاستعمارى الاستكبارى من جهة أخرى .

عود على بدء

ان الخروج من هذه الأزمة الرهيبة يتطلب إعادة الأمة إلى نفس الموضع الذى كانت عليه قبل الظهور التكفيرى .

والبداية هى سحب الشرعية الدينية التى يقومون عليها ويقيمون عليها دعوتهم ألا وهو سحب الإشراف التكفيرى عن الحجاز المقدس ، وهذا سيجعلهم بالتأكيد يفقدون الكثير من مصداقيتهم.

ولكن ذلك سيعيد الإسلام صفاته الأولى قبل انتشار الفكر التكفيرى .

من هنا تأتى دعوتنا لأسلمة الحجاز ومنها تنطلق الدعوة لإحياء العقل وهى دعوة تستحق الكتابة والتضحية .





--------------------------------------------------------------------------------

* باحث مصرى متخصص فى شئون الحجاز يعمل بمركز يافا للدراسات والأبحاث - القاهرة


سـيف 07-12-2006 04:23 PM


إعلم أخي المسلم بأن الديانة الصوفية هي الأخت الشقيقة للديانة الرافضية، فكلاهما يقوم على عقائد وثنية شركية تتخذ من الإسلام ومن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته ستارا لها.

وليس أدل على وثنية الديانة الصوفية وكفر معتنقيها من أن أتباعها يحاربون عقيدة التوحيد ويطعنون بدعاتها ويشككون بدعوتهم.

فالصوفي هو الذي ابتلاه الله بسبب كفره وجعله الأخ الشقيق الحبيب للمشرك الرافضي عدو صحابة رسول الله.

فالحمد لله أولا وآخرا على نعمة التوحيد.






محمد العاني 09-12-2006 12:47 AM

الأخ صاحب الموضوع السيد عبد الرزاق..
لقد خرجت عن صلب الموضوع ألا و هو القصيدة. و إن اردت مناقشة المذهب الوهابي فلك أن تفعل ذلك بكل حرية في الخيمة الإسلامية لا في خيمة الثقافة و الأدب. و بناءاً على ذلك و على قذفك لعلماء المسلمين فيما اوردت فسوف أقوم بإغلاق الموضوع لمدة ثلاثة أيامٍ و بعدها سأقوم بحذفه.
و لك أن تورد القصيدة مرةً أخرى في موضوعٍ آخر على أن لا يخرج الموضوع عن مناقشة القصيدةِ بيتاً بيتاً بأسلوبٍ إسلامي متحضّر.


أخوك
محمد العاني

الطاوس 17-12-2006 02:05 PM

يارجل أتق الله في مانسبته زورآ وبهتانآ إلى أبي حنيفة رحمه الله فهو إمام من أئمة التوحيد والهدى ..أتق الله يارجل فقد أشركت نبي صلى الله عليه وسلم مع الله عزوجل ..أتق الله يارجل هذا ليس هذا حب في نبي الله هذا شرك يبرئ منه من كان يؤمن بلاإله إلا الله ... أتق الله وأعلم أن العبد مايتكلم من كلمة مايتبين مافيها يهوي بها في النار أبعد مابين المشرق والمغرب ..

أحمد ياسين 17-12-2006 02:11 PM

لقد قرات قولا للشيخ الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه سر تاخر العرب والمسلمين
ان هناك من الجهلة ((السلفية))من يكفره
اي ابو حنيفة
وها انذا اتلمس نفس الكلام بطريقة اخرى لكنه يحمل بين ثناياه
نفس المعاني حتى وان تخفت
مات ابو حنيفة النعمان
رضي الله عنه وارضاه
واتعب من بعده
جزاك الله خيرا اخي عبد الرزاق
ورزقك من الطيبات
ورزقك التقى ورضاء الوالدين.

محمد العاني 18-12-2006 01:18 AM

الأخ الطاوس..
مرّةً أخرى عدت إلى اسلوب التهجّم و التهم غير المسندةِ إلى دليل. فبدل أن تتهم عضواً بالتزوير أتمنى أن نتحرى الحقيقة بأسلوبٍ علمي بعيد عن العصبية لنتوصل إلى الحقيقة.
و أتمنى قبل أن تبدأ بقذف الشتائم أن تأتي بالدليل على أن هذه القصيدة ليست لأبي حنيفة النُعمان رحمة الله عليه. و عندما تقرأ كلامي تلاحظ أني استطعت أن أوصل فكرتي إليك دون أن أتهمك بأي نوعٍ من التُهم.
و لصاحب الموضوع الأخ السيد عبد الرزاق أن يأتي بما يملك من الأدلة أن هذه القصيدة للإمام أبي حنيفة النُعمان.
لا جُرم في أن يُخطأ المرء أخي الطاوس، بل الجرم أن أرمي التُهم على الناس دون أدلّة.

chebbi 18-12-2006 02:00 AM

جزاكم الله خيرا

صلاح الدين القاسمي 18-12-2006 05:16 AM

و الله لا أزيد على كلمة أخي الحبيب أحمد ياسين .
 
بسم الله الرحمن الرحيم ،
الحمد لله رب العالمين ،
و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و حبيب رب العالمين سيدنا و مولانا و شفيعنا و قرة أعيننا محمد و على آله وصحبه الطيبين الطاهرين و أزواجه أمهات المؤمنين و صحبه مصابيح الهدى المهديين و من تبعهم باحسان من الصديقين و الأولياء و العلماء العاملين إلى يوم الدين .

***-***

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة أحمد ياسين
لقد قرات قولا للشيخ الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه سر تاخر العرب والمسلمين



ان هناك من الجهلة ((السلفية))من يكفره
اي ابو حنيفة
وها انذا اتلمس نفس الكلام بطريقة اخرى لكنه يحمل بين ثناياه
نفس المعاني حتى وان تخفت
مات ابو حنيفة النعمان
رضي الله عنه وارضاه
واتعب من بعده
جزاك الله خيرا اخي عبد الرزاق
ورزقك من الطيبات


ورزقك التقى ورضاء الوالدين.



:New11:

السيد عبد الرازق 19-12-2006 11:51 AM




الإمام أبو حنيفة النعمان .. الإمام الأعظم










الإمام أبو حنيفة النعمان .. الإمام الأعظم

------------------------------------------------------

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواتى فى الله سأحاول أنا اعرض عليكم تاريخ حياة بعض كبار شيوخ وأئمة الأسلام العظماء

الإمام أبو حنيفة النعمان .. الإمام الأعظم

ولد أبو حنيفة النعمان بالكوفة سنة 80هـ من أسرة فارسية، وسمي النعمان تيمنا بأحد ملوك الفرس...

من أجل ذلك كبر على المتعصبين العرب أن يبرز فيهم فقيه غير عربي الأصل.. حاول بعض محبيه أن يفتعل له نسبا عربيا.. ولكنه كان لا يحفل بهذا كله فقد كان يعرف أن الإسلام قد سوى بين الجميع، وأن الرسول (صلى الله عليه) احتضن سلمان الفارسي وبلالا الحبشي، وكانا من خيرة الصحابة حتى لقد كان الرسول يقول «سلمان منا أهل البيت» وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن بلال: «سيدنا بلال».



ولقد شهد أبو حنيفة في طفولته فظائع الحجاج والي العراق وبطشه بكل من يعارض الأمويين حتى الفقهاء الأجلاء، فدخل في نفسه منذ صباه عزوف عن الأمويين واستنكار لاستبدادهم، ورفض للطغيان.. ثم إنه ورث عن أبيه وأمه حبا لآل البيت فما كان في ذلك العصر رجال ينبذون التفرقة بين المسلمين العرب وغير العرب إلا آل البيت.



وقد تمكن حب آل البيت من قلبه عندما تعرف على أئمتهم وتلقى عنهم، وعندما عاين أشكال الاضطهاد التي يكابدونها في كل نهار وليل!... حتى لقد شاهد الإمام الصادق واقفا يستمع إليه وهو يفتي في المدينة فوقف قائلا: «يا ابن رسول الله، لا يراني الله جالسا وأنت واقف».



وكان أبوه تاجرا كبيرا فعمل معه وهو صبي، وأخذ يختلف الى السوق ويحاور التجار الكبار ليتعلم أصول التجارة وأسرارها، حتى لفت نظر أحد الفقهاء فنصحه أن يختلف الى العلماء فقال أبو حنيفة: «إني قليل الاختلاف إليهم» فقال له الفقيه الكبير: «عليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء فإني أرى فيك يقظة وفطنة».

ومنذ ذلك اليوم وهب الفتى نفسه للعلم، واتصل بالعلماء ولم تنقطع تلك الصلة حتى آخر يوم في حياته.. ولكم عانى وعانى منه الآخرون في هذا الميدان الجديد الذي استنفر كل مواهبه وذكائه وبراعته!!





وانطلق الفتى الأسمر الطويل النحيل بحلة فاخرة، يسبقه عطره، ويدفعه الظمأ الى المعرفة، يرتاد حلقات العلماء في مسجد الكوفة.. وكان بعضها يتدارس أصول العقائد (علم الكلام)، وبعضها للأحاديث النبوية; وبعضها للفقه وأكثرها للقرآن الكريم.



ثم مضى ينشد العلم في حلقات البصرة.

وبهرته حلقة علماء الكلام، لما كان يثور فيها من جدل مستعر يرضي فتونه.

ولزم أهل الكلام زمنا ثم عدل عنهم الى الحلقات الأخرى.. فقد اكتشف عندما نضج أن السلف كانوا أعلم بأصول العقائد ولم يجادلوا فيها، فلا خير في هذا الجدل. ومن الخير أن يهتم بالتفقه في القرآن الكريم والحديث.

وانتهت به رحلاته بين البصرة والكوفة الى العودة الى موطنه بالكوفة، وإلى الاستقرار في حلقات الفقه، لمواجهة الأقضية الحديثة التي استحدثت في عصره، ولدراسة طرائق استنباط الأحكام.



وكان أبوه قد مات، وترك له بالكوفة متجرا كبيرا للحرير يدر عليه ربحا ضخما، فرأى أبو حنيفة أن يشرك معه تاجرا آخر، ليكون لديه من الوقت ما يكفي لطلب العلم وللتفقه في الدين ولإعمال الفكر في استنباط الأحكام...

ودرس على عدة شيوخ في مسجد الكوفة ثم استقر عند شيخ واحد فلزمه.. حتى إذا ما ألم بالشيخ ما جعله يغيب عن الكوفة، نصب أبا حنيفة شيخا على الحلقة حتى يعود.. وكانت نفس أبي حنيفة تنازعه أن يستقل هو بحلقة، ولكنه عندما جلس مكان أستاذه سئل في مسائل لم تعرض له من قبل، فأجاب عليها وكانت ستين مسألة.

وعندما عاد شيخه عرض عليه الإجابات، فوافقه على أربعين، وخالفه في عشرين.. فأقسم أبو حنيفة ألا يفارق شيخه حتى يموت.



ومات الشيخ وأبو حنيفة في الأربعين، فأصبح أبو حنيفة شيخا للحلقة، وكان دارس علماء آخرين في رحلات الى البصرة وإلى مكة والمدينة خلال الحج والزيارة،. وأفاد من علمهم، وبادلهم الرأي، ونشأت بينه وبين بعضهم مودات، كما انفجرت خصومات.



ووزع وقته بين التجارة والعلم.. وأفادته التجارة في الفقه، ووضع أصول التعامل التجاري على أساس وطيد من الدين..

كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو مثله الأعلى في التجارة: حسن التعامل، والتقوى، والربح المعقول الذي يدفع شبهة الربا..

جاءته امرأة تبيع له ثوبا من الحرير وطلبت ثمنا له مائة.. وعندما فحص الثوب قال لها «هو خير من ذلك». فزادت مائة.. ثم زادت حتى طلبت أربعمائة، فقال لها: «هو خير من ذلك». فقالت: أتهزأ بي؟، فقال لها: «هاتي رجلا يقومه» فجاءت برجل فقومه بخمسمائة..

وأرادت امرأة أخرى أن تشتري منه ثوبا فقال: «خذيه بأربعة دراهم» فقالت له: «لا تسخر مني وأنا عجوز» فقال لها: «إني اشتريت ثوبين فبعته أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، فبقي هذا الثوب على أربعة دراهم».

وذهب الى حلقة العلم يوما، وترك شريكه في المتجر، وأعلمه أن ثوبا معينا من الحرير به عيب خفي، وأن عليه أن يوضح العيب لمن يشتريه.



أما الشريك فباع الثوب دون أن يوضح العيب!..

وظل ابو حنيفة يبحث عن المشتري ليدله على العيب، ويرد إليه بعض الثمن، ولكنه لم يجده، فتصدق بثمن الثوب كله، وانفصل عن شريكه..

بهذا الحرج كان يتعامل في تجارته مع الناس، وفي فهمه للنصوص، وفي استنباطه للقواعد والأحكام..

وعلى الرغم من أنه كان يكسب أرباحا طائلة، فقد كان لا يكنز المال.. فهو ينفق أمواله على الفقراء من أصدقائه وتلاميذه.



يحتفظ بما يكفيه لنفقة عام ويوزع الباقي على الفقراء والمعسرين.. فإذا عرف أن أحدا في ضيق، أسرع إليه، وألقى إليه بصرة على بابه، ونبهه الى أنه وضع على بابه شيئا، ويسرع قبل أن يفتح صاحب الحاجة الصرة..

وكان على ورعه وتقواه واسع الأفق مع المخطئين.. كان له جار يسكر في الليل ويرفع عقيرته بالغناء:






السيد عبد الرازق 19-12-2006 11:54 AM

أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر



وكان صوت الجار يفسد الليل على أبي حنيفة.. حتى إذا كانت ليلة سكت فيها صوت الجار السكير، فلما أصبح الصباح سأله عنه فعلم أنه في السجن متهما بالسكر. وركب أبو حنيفة الى الوالي فأطلق سراح السكير.

وعندما عادا معا سأله أبو حنيفة «يا فتى هل أضعناك؟» فقال له «بل حفظتني رعاك الله».

وما زال به أبو حنيفة حتى أقلع عن الخمر. وأصبح من رواد حلقات العلم ثم تفقه وصار من فقهاء الكوفة.





وكان أبو حنيفة يدعو أصحابه الى الاهتمام بمظهرهم.. وكان إذا أقام للصلاة لبس أفخر ثيابه وتعطر، لأنه سيقف بين يدي الله.

ورأى مرة أحد جلسائه في ثياب رثة، فدس في يده ألف درهم وهمس: أصلح بها حالك. فقال الرجل: لست أحتاج إليها وأنا موسر وإنما هو الزهد في الدنيا. فقال أبو حنيفة: أما بلغك الحديث: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده؟

وكان شديد التواضع، كثير الصمت، يقتصد في الكلام، ولا يقول إلا إذا سئل، وإذا اغلظ إليه أحد أثناء الجدال صبر عليه. وإذا دخلت إليه امرأة تستفتيه قام من الحلقة وأسدل دونها سترا، ليحفظها من عيون الرجال، وأجابها عما تسأل.. نبع هذا التقدير الكبير للمرأة من حبه العميق لأمه، وحرصه الدائب على أن يرضيها، ثم من فهمه الواعي للإسلام، واتباعه اليقظ للسنة، واجتهاداته الذكية.. وقد قاده اجتهاده الى الإفتاء بأن الإسلام يبيح للمرأة حق تولي كل الوظائف العامة بلا استثناء.. حتى القضاء!

ولقد كان في حرصه على إرضاء أمه. يحملها على دابة، ويسير بها الأميال، لتصلي خلف أحد الفقهاء يرى هو نفسه أن أبا حنيفة أفضل منه، لأن الأم كانت تعتقد بفضل ذلك الفقيه!

وكانت الأم لا ترضى بفتوى ابنها أحيانا، فتأمره أن يحملها الى أحد الوعاظ، فيقودها اليه عن طيب خاطر.. ولقد قال لها الواعظ يوما:. «كيف أفتيك ومعك فقيه الكوفة؟»



ومع ذلك فقد ظل أبو حنيفة حريصة على إرضائها، لا يرد لها طلبا، حتى إذا عذب في سبيل رأيه، طلبت منه أمه أن يتفرغ للتجارة وينصرف عن الفقه وقالت له: «ما خير علم يصيبك بهذا الضياع؟». فقال لها: «إنهم يريدونني على الدنيا وأنا أريد الآخرة وإنني أختار عذابهم على عذاب الله».



ولكم تحمل أبو حنيفة من عذاب!!!

كان مخالفوه في الرأي يغرون به السفهاء والمتعصبين والمتهوسين ويدفعونهم الى اتهامه بالكفر، الى التهجم عليه، فيقابلهم بالابتسام.

ولقد ظل أحد هؤلاء السفهاء يشتمه، فلم يتوقف الإمام ليرد عليه، وعندما فرغ من درسه وقام، ظل السفيه يطارده بالسباب، والإمام لا يلتفت إليه، حتى إذا بلغ داره توقف عند باب الدار قائلا للسفيه: «هذه داري فأتم كلامك حتى لا يبقى عندك شيء أو يفوتك سباب فأنا أريد أن أدخل داري»...!





كان خصوم أبي حنيفة صنفين: بعض الفقهاء ممن وجدوا انصراف الناس عن حلقاتهم الى حلقة أبي حنيفة، وحكام ذلك الزمان.



أما أعداء أبي حنيفة من الفقهاء فقد كان على رأسهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة.



كان أعداؤه فقهاء للدولة في العصر الأموي، حتى إذا جاء العصر العباسي تحولوا الى الحكام الجدد، واحتالوا عليهم بالنفاق حتى أصبحوا هم أهل الشورى، يزينون للحكام الجدد كل ما زينوه للحكام السابقين من طغيان عدوان وبغي واستغلال وبطش بالمعارضين.. واصطنعوا من الآراء الفقهية، وقبلوا من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة ما يسند الطبقة الحاكمة والمستغلين، وما يصرف الناس عنهم عن أمور الدنيا، وعن سياسة حياتهم، لينقطع الناس الى التقشف، ويتركوا مستغليهم يستبدون ويعمهون!



وكان أبو حنيفة يحتفظ باستقلاله أمام الحكام فيحترمه الحكام... وهو يلبس أغلى الفراء في الشتاء، ويتحلى طوال العام بثياب فاخرة، ويتعطر، ويتنعم بالطيبات من الرزق، وبزينة الحياة التي أحلها الله لعباده...

وكان يقاوم كما قاوم أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق من قبل بدعة تزيين التقشف والانصراف عن هموم الحياة، وترك الأمر كله لطبقة بعينها تملك وتستغل وتحكم وتستبد!

على أن ميل أبي حنيفة الى الأئمة من آل البيت أوغر عليه صدور الأمويين والعباسيين على السواء.



ففي العصر الأموي قالوا «أن تكون كافرا أو مشركا خير من أن تكون علويا»..

وفي العصر العباسي توالت المحن على العلويين، وأبو حنيفة يفتي بأن العلويين أصحاب حق..

على أنه مال إلى العباسيين أول الامر، وتوسم فيهم الخير، ولكنه إذ وجد الفقهاء الذين نافقوا الأمويين وزينوا لهم العدوان، هم الذين يشيرون على الخلفاء العباسيين، أصابته خيبة الأمل فيهم.. ثم إن العباسيين بطشوا بأبناء عمومتهم العلويين، فساء رأي أبي حنيفة في العباسيين.



وأبو حنيفة على الرغم من سماحته لا يسكت عن خطأ الفقهاء من الذين جعلوا كل همهم نفاق الحكام وإرضاءهم.. كان بعضهم يفتي في المسجد الى جوار حلقة أبي حنيفة، فإذا أخطأ انبرى له أبو حنيفة يكشف ذلك الخطأ، ويعلن الصواب على الناس.



وكاتن ينتقد أخطاء ابن أبي ليلى نقدا أوغر عليه صدر الرجل.. حتى نقد حكما فاحش الخطأ فانفجر غضب ابن ابي ليلى.. «وذلك أن أمرأة مجنونة قالت لرجل: «يا ابن الزانيين» فأقام عليها ابن أبي ليلى الحد في المسجد، وجلدها قائمة، وأقام عليها حدين حدا لقذف الأب وحدا لقذف الأم.



وبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: «أخطأ ابن أبي ليلى في عدة مواضع: أقام الحد في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد. وضربها قائمة والنساء يضربن قعودا. ولضرب لأبيه حدا ولأمه حدا ولو أن رجلا قذف جامعة ما كان عليه غير واحد، فلا يجمع بين حدين. والمجنونة ليس عليها حد. وحد لأبويه وهما غائبان ولم يحضرا فيدعيا».

وذهب ابن أبي ليلى الى الخليفة يشكو أبا حنيفة، واتهمه بأنه لا يفتأ يهينه، ويظهره للناس بمظهر الجاهل، وفي ذلك إهانة للخليفة نفسه لأن ابن أبى ليلى إنما ينوب عن الخليفة في القضاء ويحكم بين الناس..!

وأصدر الخليفة أمرا بمنع أبي حنيفة من التعليق على أحكام القضاة، وبمنعه من الفتوى.. حتى إذا احتاج الخليفة الى رأي في أمر معقد لا يطمئن فيه الى فتاوى الفقهاء من متملقيه، أرسل يستفتي أبا حنيفة، فامتنع عن الفتوى إلا أن يأذن الخليفة له في أن يفتي للناس جميعا. فأذن له.



وعاد يفتي، وعاد ينتقد الأحكام!.

وأراد الخليفة المنصور أن يكتب عقدا محكما فلم يسعفه الفقهاء الذين يصانعونه، فلجأ الى أبي حنيفة فأملى العقد من فوره فأزرى الفقهاء من بطانة الخليفة بما صنعه حسدا من عند أنفسهم. ولكن الخليفة زجرهم، وصرح بأن أبا حنيفة هو أفقه الجميع، وإن كان ليكره مواقفه وآراءه.



وعندما وقع خلاف بين الخليفة المنصور وزوجته لأنه أراد أن يتزوج عليها، أراد أن يحتكما الى فقيه، فرفضت الزوجة الاحتكام الى قاضي القضاة ابن أبي ليلى أو الى تابعه شبرمة أو إلى أحد الفقهاء من بطانة المنصور!

وطلبت أبا حنيفة.




فامتنع القائد عن تنفيذ أمر المنصور، وسلم نفسه الى العقاب وهو القوعندما حضر أبو حنيفة أبدى الخليفة رأيه أن من حقه الزواج لأن الله أحل للمسلم، الزواج بأربع، والتمتع بمن يشاء من الإماء مما ملكت يمينه.



فرد أبو حنيفة: «إنما أحل الله هذا لأهل العدل. فقمن لم يعدل فواحدة. قال الله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة). فينبغي أن نتأدب بأدب الله ونتعظ بمواعظه».

وضاق الخليفة بفتواه. ولكنه أخذ بها.



وخرج أبو حنيفة الى داره. فأرسلت له زوجة الخليفة خادما ومعه مال كثير وأحمال من الثياب الفاخرة النادرة، وجارية حسناء، وحمار مصري فاره هدايا لأبي حنيفة.



فقال أبو حنيفة للخادم: «اقرئها سلامي. وقل لها إني ناضلت عن ديني وقمت بذلك المقام لوجه اله. لم أرد بذلك تقربا الى أحد ولا التمست به دنيا. ورد الجارية الحسناء والثياب والمال والحمار المصري جميعا.

كان أبو حنيفة لا يقف عند النصوص، وإنما يبحث في دلالاتها، ويحاول أن يواجه بالأحكام ما يقع من أحداث، وما يتوقع حدوثه من الأقضية والحالات.



الواقع والمتوقع هما ما كان يعني باستنباط الأحكام لمواجهتهما إن لم يجد نصا في الكتاب أو السنة أو الإجماع.

وكان يناظر الفقهاء ببديهة حاضرة يقلب الرأي على وجوهه، ويفترض، ويستقرئ ويستنبط، ويحسن الخلوص الى الغاية والخلاص من المأزق، ويلزم المناظر الحجة.

وهو مع ذلك يقول: «ربما كان ما قلته خطأ كله، لا الصواب كله».



ولقد اقتحم عليه الحلقة في يوم عدد من الخوارج على رأسهم قائدهم وفقيههم، وكان الخوارج يقتلون مخالفيهم. وكانوا يقتلون من أقر عليا بن أبي طالب على التحكيم. وخيره شيخ الخوارج بين التوبة أو القتل، فسأله أبو حنيفة أن يناظره، فرضي، فقال له: فإن اختلفنا؟ قال الخارجي: نحكم بيننا رجلا.. فضحك أبو حنيفة قائلا: أنت بهذا تجيز التحكيم.

فانصرف عنه الخوارج وتركوه سالما.






السيد عبد الرازق 19-12-2006 11:57 AM

وكم من مرة خرج من المأزق بسرعة بديهته وسعة حيلته وقوة حجته..!

ولكنه لم يستطع أن يفلت من مصائد أعدائه من المرتزقة في بلاط الأمراء...

كانت صلابته، واحترام الحكام له، وإيثارهم إياه على الفقهاء المرتزقة من بطانتهم، تثير هؤلاء الفقهاء وتحرك حسدهم.. فأوغروا صدور الحكام حتى أوقعوا به. وحاولوا أن يقتنصوه بفضائله.

إنه لشجاع في الحق.. وإذن فلينصبوا له شركا من جسارته وتقواه..!

إن مواقفه في تأييد آل البيت لتؤجج غضب الحكام عليه.



ثم كانت آراؤه تزيد سخطهم عليه اشتعالا: فقد نادى بالرأي إن لم يكن هناك نص في الكتاب أو السنة، واتجه استنباط الأحكام إلى إلحاق الامور غير المنصوص على أحكامها بما نص على حكمه في حدود ما يحقق مصلحة الأمة ويتسق مع عرف البلد وعاداته، إن لم تخالف هذه العادات والأعراف روح الشريعة أو نصوصها.

أما عن مواقفه في تأييد آل البيت فقد أعلن أن العلويين أولى بالحكم من العباسيين، وجاهر بالانحياز الى العلويين. ولم يكتم هذا الميل قط، وظل يذيعه بلا تهيب.!

على أن الموقف ليس جديدا عليه. فقد أيد ثورة الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين أيام الحكم الأموي. وسمى خروج زيد جهادا في سبيل الله، وشبه بيوم بدر وحاول أن يخرج مع الإمام زيد،ولكن كانت لديه ودائع للناس أراد أن يسلمها لابن أبي ليلى فرفض. ولم يجد أبو حنيفة إلا ماله يجاهد به فأرسل إلى الإمام زيد مالا كثيرا يمير به جيشه ويقويه.



وحين ولي العباسيون أيدهم أول الأمر ولكنهم بطشوا بمعارضيهم، وصادروا حرية الرأي، ونكلوا بالعلويين، ونكلوا عن العدل الذي بايعهم عليه، فأعلن عدم رضاه عنهم في حلقات الدروس..

وكان المنصور قد جمع رؤوس العلويين وسجنهم. وصادر أموالهم وأراضيهم، ثار العلويون بقيادة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبد الله، فبعث المنصور جيشا ضخما ليحصد العلويين.

أعلن أبو حنيفة تأييده للثورة، وبكى مصائر العلويين بعد أن نجح المنصور في إخماد الثورة والقضاء على قائديها وفتك بأهل المدينة المنورة الذين أيدوا الثورة..

وكان عبد الله بن الحسين شيخ أبي حنيفة والد محمد النفس الزكية وإبراهيم في سجن المنصور يعذب حتى الموت.



وحين مات أعلن أبو حنيفة في حلقته أن واحدا من أفضل أهل الزمان قد استشهد في سجنه. وبكاه وأبكى عليه.

وأما آراؤه التي أشعلت سخط الحاكم وحاشيته عليه فهي تلك التي استنبطها بالقياس حتى لقد اتهمه بعض الفقهاء من خصومه بأنه يفضل القياس على الحديث.



وما كان هذا صحيحا فقد رأى أبو حنيفة ظاهرة خطيرة، فأراد أن ينجو بدينه منها، وينجي معه الناس: ذلك أنه خلال الصراعين السياسي والاجتماعي، انتشر وضع الحديث خدمة لهذا الجانب أو ذاك، وتأييدا لهذه المصلحة أو تلك، فوقف أبو حنيفة من الحديث موقف أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق.. وتحرى الرواة وصدقهم، وتحرى معاني الأحاديث، ورفض منها ما يشك في صدق رواتها وتقواهم، أو ما يخالف نصا قرآنيا، أو سنة مشهورة، أ» مقصدا واضحا من مقاصد الشريعة. وقد فحص الأحاديث الموجودة في عصره وكانت عشرات الآلاف فلم يصح في نظره منها إلا نحو سبعة عشر.



وذهب إلى أن القياس الصحيح يحقق مقاصد الشارع، ويجعل الأحكام أصوب وهو خير من الاعتماد على أحاديث غير صحيحة.. وللقياس ضوابط هي تحقيق المصلحة وهذا هو هدف الشريعة.

لقد كان تحرج أبي حنيفة وذمته وتقواه هي العوامل التي دفعته الى الحذر في قبول الأحاديث إذا شك في صحتها على أي نحو، وكان عليه إذن أن يجد طريقا آخر لاستنباط الأحكام الجديدة قياسا على أحكام ثابتة في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو أقوال الصحابة السابقين من أهل الفتيا كعمر ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود.. وكان عبد الله ابن مسعود يفضل أن يفتي باجتهاده بدلا من أن يسند الى الرسول (صلى الله عليه وسلم) حديثا لا يرى عين اليقين أنه حديث صحيح.



وقد جد في عصر أبي حنيفة كثير من الحوادث والأقضية والأحوال، بعد اتساع الدولة وتشابك الأمور، وظهور ألوان كثيرة خصبة من النشاط التجاري والاجتماعي، وواجه الإمام هذا كله بالاجتهاد لاستنباط الأحكام التي تضبط العلاقات.



وما كان يبتدع في قياسه كما رماه خصومه، وما كان يهدر السنة كما حاول ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة أن يصوراه كيدا له، بل كان منهجه هو قياس «المسألة على أخرى ليردها الى أصل من أصول الكتاب والسنة واتفاق الأئمة.. فيجتهد». وقد لخص هو منهجه في استنباط الأحكام في وصية لأحد تلاميذه ممن تولوا القضاء.. قال: «إذا أشكل عليك شيء فارحل إلى الكتاب والسنة والإجماع، فإن وجدت ذلك ظاهرا فاعمل به، وإن لم تجده ظاهرا فرده الى النظائر واستشهد عليه بالأصول، ثم اعمل بما كان الى الأصول أقرب بها أشبه».





وقاده هذا الإجتهاد إلى عديد من الآراء الحرة: الدعوة الى المساواة بين الرجل والمرأة، في عصر بدأت المرأة فيه تتحول الى حريم للمتاع!

فأفتى بأن للبالغة أن تزوج نفسها.. وهي حرة في اختيار زوجها.



كما أفتى بعدم جواز الحجر على أحد، لأن في الحجر إهدار للآدمية وسحقا للإرادة..

وأفتى بعدم جواز الحجر على أموال المدين، حتى لو استغرقت الديون كل ثروته. لأن في هذا مصادرة لحريته..

وفي كل أمر من أمور الحياة تتعرض فيه حرية الإنسان لأي قيد، أفتى الإمام أبو حنيفة باحترام الحرية وكفالتها، لأن في ضياع حرية الإنسان أذى لا يعدله أذى..

لقد أفتى بكل ما ييسر الدين والحياة على الإنسان فذهب الى أن الشك لا يلغي اليقين، وضرب لذلك مثلا بأن من توضأ ثم شك في أن حدثا نقض وضوءه، ظل على وضوئه، فشكه لا يضيع يقينه.

وأفتى بأنه لا يحق لأحد أن يمنع المالك من التصرف في ملكه.



ولا يحق لأحد أن يحكم على مسلم بالكفر ما ظل على إيمانه بالله ورسوله حتى لو ارتكب المعاصي. ومن كفر مسلما فهو آثم.



وأفتى بأن قراءة الإمام في الصلاة تغني عن قراءة المصلين خلفه، فتصح صلاتهم دون قراءتهم إكتفاء بقراءة الإمام وحده.

ولقد أثار هذا الرأي بعض الناس، فذهبوا الى الإمام ليحاوروه في رأيه فقال لهم «لا يمكنني مناظرة الجميع فولوا أعلمكم» فاختاروا واحدا منهم ليتكلم عنهم. وسألهم أبو حنيفة إن كانوا يوافقون على أنه إذ قد ناظر من اختاروه ليكون قد ناظرهم جميعا، فوافقوا، فقال لهم أبو حنيفة: «وهكذا نحن اخترنا الإمام فقراءته قراءتنا وهو يناب وعنا» فانصرفوا مقتنعين.



ودعا الى ضرورة العفو عن المخطئ إن لم تثبت عليه أدلة الإدانة ثوبتا قطعيا لا يشوبه الشك أو الظن، أعتمادا على أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر بدرء الحدود قدر المستطاع.. فالحدود تدرأ بالشبهات «فإن كان للمذنب مخرج أخلى سبيله. وأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة».

وهو يطالب الناس بأن يسألوا في العلم بلا حرج، على أن يحسنوا السؤال. وكان يقول: «حسن السؤال نصف العلم»



وهو في اجتهاده يعرف مكانته، إن كان واثقا بنفسه، معتزا بكبريائه العلمي على الرغم من تواضعه الشديد.

ولقد سئل: «إذا قلت قولا وظهر خبر لرسول الله يخالف قولك؟ قال: إترك قولي بخبر رسول الله، وكل ما صح عن رسول الله فهو على العين والرأس. فقال السائل: فإذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟. قال: أترك قولي بقول الصحابي. فقال السائل: فإذا كان قول التابعي يخالف قولك؟. قال أبو حنيفة: إذا كان التابعي رجلا فأنا رجل».



ويروى عنه أنه ذهب الى المدينة المنورة فجادل الإمام مالك بن أنس يوما في أمور اختلفا عليها وحضر المناظرة الإمام الليث بن سعد إمام مصر وهو الإمام الذي عاش في عصر الإمام جعفر الصادق وأبي حنيفة والإمام مالك وقال عنه أحد الفقهاء المتأخرين إنه حقا أفقه الناس ولكن المصريين أضاعوه فلم يحفظوا فقهه; واستمرت المناظرة طويلا حتى عرق الإمام مالك. وعندما خرج أبو حنيفة قال مالك لصديقه الليث: إنه لفقيه يا مصري!




السيد عبد الرازق 19-12-2006 12:07 PM


قام فقه الإمام أبي حنيفة على احترام حرية الإرادة، ذلك أن أفدح ضرر يصيب الإنسان هو تقييد حريته أو مصادرتها.. وكل أحكامه وآرائه قائمة على أن هذه الحرية يجب صيانتها شرعا، وأن سوء استخدام الحرية أخف ضررا من تقييدها!.



فإساءة الفتاة البالغة في اختيار زوجها أخف ضررا من قهرها على زواج بمن لا تريده. وسوء استخدام السفيه لماله، يمكن علاجه بإبطال التصرفات الضارة به، أما الحجر على حريته فهو إهدار لإنسانيته، وهو ضرر لا يصلحه شيء!! وعلى أية حال فأذى الحجر أخطر من أذى ضياع المال ـ فالحجر إيذاء للنفس، وإهدار للإرادة، واعتداء على إنسانية الإنسان!!

وأبو حنيفة لايجيز الوقف إلا للمساجد لأن الوقف أو الحبس يقيد حرية المالك في التصرف.. بل إن الإمام إمعانا منه في الدفاع عن الحية لا يجيز للقاضي أن يقيد حرية المالك، حتى إذا أساء التصرف على نحو يهدد الغير.. وهو يطالب بأن يترك هذا كله للشعور بالتعاون الإجتماعي الذي يجب أن يسود أفراد الأمة.. فيحترم كل منهم حرية الآخرين، ويمارس حريته بما لا يمس مصالح الغير أ» حريته هذا أمر يجب أن يترك للناس فيما بينهم ولا سبيل للحاكم أو القضاء الى التدخل لتقييد حرية المرء في التصرف مهما يكن من شيء!

ولقد جاءه رجل يشكو جاره لأنه حفر بئرا بجوار جداره مما يؤثر في بيت الشاكي، فطلب أبو حنيفة من الشاكي أن يحدث جاره ليردم البئر، ويحفر في مكان آخر، فقال الرجل: «حدثته فامتنع ظالما». فقال أبو حنيفة: «فاحفر في دارك بالوعة في مقابل بئره». وفعل الرجل، فاندفع ماء البئر الى البالوعة، فاضطر الجار أن يردم البئر، ويحفرها في مكان بعيد عن جدار الشاكي.



وهكذا مضى أبو حنيفة يوضح للناس ما في تعاليم الإسلام من احترام للحرية والإرادة، معتمدا على الكتاب، والسنة الصحيحة، والرأي الذي يستنبطه بالقياس، مراعيا تحقيق المصلحة، أو الأعراف التي لا تتعارض مع قواعد الإسلام ومبادئه.



وقد أغنت آراؤه في الفقه وجدان الناس وأيقظت ضمائرهم، وحركتهم للدفاع عن حرياتهم في التصرفات، متمسكين في ممارستهم للحرية بمبادئ الدين وأصوله..

وكانت هذه الآراء كلها تناقض روح العصر الذي عاش فيه وهو عصر يقوم نظام الحكم فيه على تكفير الخصوم، وإهدار دمائهم، وتقييد الحريات، وإطلاق يد الحاكم، وتمكين ذوي السطوة من الضعفاء.

من أجل ذلك اتهمه خصومه من الفقهاء أصحاب المناصب بالخروج عن الإسلام..!

ثم إنه أفتى بتحريم الخروج لقتال المسلمين والفتك بهم.



وبهذا صرف بعض قواعد الجيش في عصره عن حرب العلويين وخصوم الحكام ومعارضي آرائهم.!

ومن ذلك أن الحسن بن قحطبة أحد قواعد المنصور دخل على أبي حنيفة يسأله: «أيتوب علي الله؟». وكان الحسن هذا قد قاد جيوشا للمنصور فقتل العلويين وخصوم العباسيين فقال له أبو حنيفة: «إذا علم الله تعالى أنك نادم على ما فعلت، فلو خيرت بين قتل مسلم وقتل نفسك لاخترت ذلك على قتله، وتجعل مع الله عهدا على ألا تعود لقتل المسلمين، فإن وفيت فهي توبتك»، فقال القائد: «إني فعلت ذلك وعاهدت الله على ألا أعود الى قتل مسلم». ثم ثار العلويون فأمر المنصور القائد أن يفتك بهم، فجاء القائد إلى أبي حنيفة يسأله الرأي فقال له أبو حنيفة: فقد جاء أوان توبتك. إن وفيت بما عاهدت فأنت تائب وإلا أخذت بالأول والآخر».



فامتنع القائد عن تنفيذ أمر المنصور، وسلم نفسه الى العقاب وهو القتل، إذ دخل على المنصور فقال أنه لن يقتل المسلمين بعد! فغضب الخليفة عليه وأمر بقتله، حتى استشفع له أخوه قائلا «إننا لننكر عقله منذ سنة، وأنه قد جن».

وسأله الخليفة عمن يخالط القائد المتمرد، فقيل إنه يتردد على أبي حنيفة!

وأسرها الخليفة لأبي حنيفة.



على أن خصوم أبي حنيفة انتهزوا الفرصة فأوغروا صدر الخليفة وأوحوا إليه أن يقضي على أبي حنيفة واتهموه بإثارة الفتنة، وتثبيط قواد الجيش، وتأليب العامة على ولي الأمر، وتكوين حلقة من الفقهاء كلهم يدعو الى الثورة على الخليفة.



وكان من هؤلاء الخصوم فقيه أفتى للناس بأن تلاميذ أبي حنيفة خارجون على ولي الأمر ومرتدون عن الإسلام فأن يقال إن بالحي خمارا خير من أن يقال إن فيه أحدا من أصحاب أبي حنيفة..

وكان منهم فقيه آخر عرف وه في الحج أن أحد أصحاب أبي حنيفة سيصلي بالناس فلم يستطع كظم غيظه وصاح: «الآن يطيب لي الموت»..!





ورفض أبو حنيفة أن يقبل المناصب.. عرض عليه الأمويون منصب القاضي، فرفضه فسجنوه وعذبوه في السجن.. وظلوا يضربونه كل يوم بالسياط حتى ورم رأسه.. ومع ذلك فلم يقبل المنصب.. لأنه كان يرى أن تحمل المسؤولية في عهد يعتبر هو حاكميه ظالمين مغتصبين، إنما هو مشاركة في الظلم وإقرار للإغتصاب..

وفي السجن تذكر أمه الحزينة فبكى.. وسأله جاره في السجن عما يبكيه وهو الفقيه الجليل الصلب، فقال من خلال دموعه: «والله ما أوجعتني السياط. بل تذكرت أمي فآلمتني دموعها».

وساءت صحته في السجن. وبدأت الثورة تتجمع ضد الخليفة الأموي احتجاجا على ما يحدث لأبي حنيفة فأطلق سراحه.



ولم يعد له مقام في الكوفة التي شهدت عذابه.. فترك مسقط رأسه، ومرح شبابه، بكل ما فيها من ذكريات عزيزة وآمال عذبة، وأقام بالحجاز حتى سقطت الدولة الأموية، فعاد الى موطنه!

ولكن العباسيين لم يتركوه.. فمنذ شعر بخيبة الأمل فيهم لبغيهم واضطهادهم للعلويين، واصطناعهم المرتزقة من الفقهاء، بدأ يجهر برأيه في استبدادهم وطغيانهم.

ورفض كل هداياهم، كما رفض هدايا الأمويين من قبل.

وعرضوا عليه منصب قاضي القضاة فأبى.. وتمسك بالتفرغ للعلم.

قالوا له أنه قد حصل من العلم ما يجعله في غنى عنه فرد: «من ظن أنه يستغني عن العلم فليبك على نفسه».

بعد أن فرغ المنصور من بناء بغداد، وأقام فيها معتزا بها، حرص على أن يجعل أكبر فقهاء العراق قاضي القضاة فيها. وكان أبو حنيفة قد أصبح أكبر الفقهاء بالعراق حتى سماه أتباعه ومريدوه: الإمام الأعظم. ولكن الإمام صمم على الرفض.



كان يعرف ما ينتظره.. فابن أبي ليلى لا يكف عن الكيد له، وهو لا يغفر لأبي حنيفة ما يوجهه من نقد لاذع لأحكامه.



وقد ضم ابن أبي ليلى إليه حاجب الخليفة ووزيره الأول، وكان أبو حنيفة قد أحرجه وكشف أكاذيبه أمام الخليفة في محاورة حاول فيها الوزير الأول أن يوقع بالإمام ففضحه الإمام وأفسد حيلته.

وقد أفتى أبو حنيفة بأن الوزير لا تصح شهادته لأنه يقول للخليفة أنا عبدك «فإن صدق فهو عبد ولا شهادة له. وإن كذب فلا شهادة لكاذب»!!

وقد أخذ أحد تلاميذ أبي حنيفة بهذا النظر فيما بعد حين ولي القضاء فرد شهادة الوزير الأول لخليفة آخر، لأنه قبل الأرض بين يدي الخليفة قائلا له: أنا عبدك!





إتسعت الفتوحات حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية، وحتى ارتفعت الراية الإسلامية فوق شرق أوربا وجنوبها والأندلس، وكل بلاد العالم التي عرفها إنسان ذلك العصر..

وعلى الرغم من ازدهار الحضارة، فقد شغل رجال الحاشية بالكيد لابي حنيفة يظاهرهم بعض الفقهاء أصحاب المناصب وأهل الحظوة عند الخليفة.



وأخذ الوزير الأول يكيد عند الخليفة لأبي حنيفة. وانتهز فرصة خروج أهل الموصل على الخليفة، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم إن هم خرجوا على الخليفة أن تباح دماؤهم وأموالهم. وأرسل الخليفة الى ابن شبرمة وابن أبي ليلى ليسألهما رأي الدين في أهل الموصل، وكان قد أعد جيشا للفتك بهم. واقترح الوزير الأول على الوزير أن يدعو أبا حنيفة وكان يعرف أن تقواه وشجاعته وكل فضائله ستقوده الى مخالفة رأي الخليفة. وحضر الفقهاء الثلاثة فسألهم عن حكم الشرع في أهل الموصل. وسكت أبو حنيفة وأفتى الآخران بأن أهل الموصل يستحقون الفتك بهم!...

.

السيد عبد الرازق 19-12-2006 12:09 PM

وأفتى أبو حنيفة بأن الخليفة لا يحق له الفتك بأهل الموصل، لأنهم بإباحتهم أرواحهم وأموالهم إنما أباحوا ما لا يملكون.



وسأل: «لو أن امرأة أباحت نفسها بغير عقد زواج أتحل لمن وهبته نفسها؟ فقال له الخليفة «لا».

فطلب الإمام أبو حنيفة منه أن يكف عن أهل الموصل فدمهم حرام عليه، وأن يوجه الجيش الى حماية الثغور، أو إلى فتح جديد لنشر الإسلام، بدلا من أن يضرب به المسلمين.

وضاق به الخليفة وأمره أن ينصرف.. ومن حول الخليفة أعداء الإمام يستفزونه للبطش به وفي مقدمتهم ابن أبي ليلى قاضي القضاة وتابعه شبرمة.



ومضى أبو حنيفة إلى داره وهو يقول لصحبه: «إن ابن أبي ليلى ليستحل مني ما لا استحله من حيوان!».

وفي الحق أن ابن أبي ليلى وشبرمة والعصبة المعادية لأبي حنيفة في قصر الخليفة زينت للخليفة أن يقهر أبا حنيفة على قبول ما يعرضه عليه من مناصب، فإذا أبى فقد امتنع عن أداء واجب شرعي فحق عليه العقاب، ووجب أن يشهر به في الأمة، لأنه يتخلى عن خدمتها.!

واقترحوا على الخليفة أن يبدأ فيمتحن ولاءه، فيرسل إليه هدية.

وكانوا يعرفون سلفا أن الإمام أبا حنيفة لن يقبل الهدية..!

وأرسل له الخليفة مالا كثيرا وجارية.. فرد الهدية شاكرا.

ثم أرسل الخليفة إليه يلح عليه في ولاية القضاء أو في أن يكون مفتيا للدولة يرجع إليه القضاة فيمن يصعب عليهم القضاء فيه..بما أنه يكثر من لوم القضاة على أحكامهم، ويكشف للعامة جهل شيخهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة!



ورفض أبو حنيفة.. فاستدعاه الخليفة يسأله عن سبب رفضه فقال له: «والله ما أنا بمأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب؟ ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو الحكم لك لاخترت أن أغرق. ثم إن تلك حاشية يحتاجون الى من يكرمهم لك، فلا أصلح لذلك.»

وكانت الحاشية كلها تحيط بالخليفة، وعلى رأسها وزيره الأول والفقيهان ابن أبي ليلى وشبرمة، فأبدوا التذمر وبان عليهم استنكار ما يقوله الإمام أبو حنيفة، فقال الخليفة محنقا: «كذبت».

فقال أبو حنيفة في هدوء: قد حكمت على نفسك.. كيف يحل لك أن تولي قاضيا على أمانتك وهو كاذب؟!

وبعد قليل سأله الخليفة عن سبب رفض هداياه.. فقال له أبو حنيفة أنها من بيت مال المسلمين ولا حق في بيت المال إلا للمقاتلين أو الفقراء أو العاملين في الدولة بأجر وهو ليس واحدا من هؤلاء!

فأمر الخليفة بحبسه. وبضربه بالسياط حتى يقبل منصب قاضي قضاة بغداد.

وهاهو شيخ في السبعين أثقلته المعارك والدسائس والهموم، ومكابدة الفقه والعلم والتحرج.. هاهو ذا يضرب، ويظل يضرب بالسياط في قبو سجن مظلم، ورسل الخليفة يعرضون عليه هدايا الخليفة، ومنصب القضاء والإفتاء.. وهو يرفض.. فيعاد الى السجن ليعذب من جديد.. ويكررون العرض، وهو يكرر الرفض داعيا الله «اللهم أبعد عني شرهم بقدرتك».



وظل في سجنه يعرضون عليه الجاه والمنصب والمال فيأبى.. ويعذب من جديد!

وتدهورت صحته، وأشرف على الهلاك.

وخشي معذبوه أن يخرج فيروي للناس ما قاسى في السجن، فيثور الناس!.

وقرروا أن يتخلصوا منه فدسوا له السم،

وأخرجوه وهو يعاني سكرات الموت، وما عاد يستطيع أن يروي لأحد شيئا بعد!!

وحين شعر بأنها النهاية أوصى بأن يدفن في أرض طيبة لم يغتصبها الخليفة أو أحد رجاله. وهكذا مات فارس الرأي الذي عرف في السنوات الأخيرة من حياته باسم الإمام الأعظم.

وشيعه خمسون ألفا من أهل العراق واضطر الخليفة أن يصلي على الإمام الذي استقر الى الأبد في ركن هادئ من الدنيا لم يشبه غضب، والخليفة يهمهم: «من يعذرني من أبي حنيفة حيا وميتا؟».

وهكذا مضى بطل الفكر الشجاع شهيدا لحرية الرأي في محنة من العذاب لم يعرفها أحد من الفقهاء من بعده حتى كانت محنة الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة.. في عصر زري كذلك العصر.. عصر تحكمه الدسائس والسموم وسياط الجلادين، على الرغم من روعة الفتحات العسكرية، وانتصارات العقل الإنساني، ويبطش فيه المزيفون برهان الحرية وفرسان الفكر..

وتظل المنارات الشامخة فيه مضيئة على الرغم من كل شيء، تقدم للإنسانية جيلا بعد جيل عطاء خالدا من شعاع المعرفة، والقوة، وجسارة الكلمة الصادقة الأبية الفاضلة..!



المصدر: عبد الرحمن الشرقاوي ـ أئمة الفقه التسعة ـ العصر الحديث للنشر والتوزيع 1985




قالوا عنه
يقول عنه الشافعي: "الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة"،
وقال عنه النضر بن شميل: كان الناس نيامًا في الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة.
وقيل: لو وزن علم الإمام أبو حنيفة بعلم أهل زمانه؛ لرجح علمه عليهم.
وقال عنه ابن المبارك: ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة.
وقال عنه يزيد بن هارون: ما رأيت أحدًا أحلم من أبي حنيفة

السيد عبد الرازق 19-12-2006 12:18 PM











قصيدة نبوية ألقيت في المدينة المنورة

----------------------------------------------------

قصيدة نبوية ألقاها فضيلة الشيخ حسن ملطانى أحد علماء مصر الكنانة بالمدينة المنورة وهى لوالد شيخه العلامة عبد السلام بن احمد بن احمد بن إسماعيل الحلواني رحمه الله 0
انشاك نورا ساطعا قبل الـــورى فردا لفرد والبرية في العـــدم
ثم استمد جميــــــع مخلوقاته من نورك السامي فيا عظم الكرم
فالأصل انت أبو الوجود ومنك فاض الجود في الدنيا وفى الأخرى وعم
والخلق فرع أنت اصـــل وجوده والفرع مرجعه إلى الأصل الأشم
فلذا إليك الخلق تفزع كلهــــم في هذه الدنيا وفى اليوم الأهـم
وإذا رجوك غدا تــــقول انا لها واليوم قمت بأمرهم حتى استتم
تلك المعارف والعوارف فيـــهمو من بحر منتك العميمــــة
وإذا دهتهم كربة فرجتـــــها حتى سوى العقلاء في ذاك انتظم
لاذت بطلعتك الكريمة ظبيــــة فعصمتها من كل سوء قد ألـم
وكان ذاك المسك منها لم يطـــب ألا لعرف منك فاح له فشــم
وشكا البعير المستجير مــن الأذى فأجرته حتى أفاق من الألـــم
والضب يوم إساره وافى فافــصح بالشهادة بالرسالة فاغتنــــم
والجزع حن وخار إذ فارقتــــه فجبرته وخواره عندي نغـــم
فالمرء إن لم تعره لك هـــــزة كالجزع فهو مضلل أعمى أصـم
بالله صل حبل الرجاء تعطــــفا انا ضيف جودك يا أمام أولى الكرم
جد للضعيف بمبتغاة فانـــــه ما للضعيف سوى رحابك ملتـزم
جدلي فان خزائن الرحمــــن في يدك اليمين وأنت اكرم من قسـم
وبوجهك الميمون يسعد مــن رأى انواره ممن بملتك اعتصــــم
ارنيه فهو سعادتي ومجادتــــى أبدا ولو نوما وعيني لا تنـــم
يا رحمة الله الآمان فكن لنــــا سورا على الأيمان يا أفق الهمـم


عراقي أصيل 22-12-2006 03:02 AM

بسم الله الرحمن الرحيم الصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين محمد واهل بيته الطيبن الطاهرين
اما بعد
شكرآ جزيلآ لك يا سيد عبد الرزاق على هذه المعلومات القيمه جدآ وجازاك الله خير جزاء
وانا بدوري ادعوا كل شخص ان يستمع لمحاضرة المرحوم الشيخ احمد الوائلي بخصوص الامام ابو حنيفة النعمان ليعرف من وماذا فعل وكم تحمل من اذآ الامام ابو حنيفه من اجل الاسلام ونصرة النبي محمد واهل بيته الاطهار

السيد عبد الرازق 22-01-2007 06:06 PM

شكرا أخي عراقي أصيل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وياليتك تورد هذه المحاضرة
رضي الله تعالي عن جميع أئمتنا الأفاضل
تقبل تحياتي وتقديري
دمت بود

alimetlak 29-01-2007 11:24 PM

في مدح الحبيب المصطفى صلــــــى الله عليـه وســلم
 
بسم الله الرحمن الرحيم



في مدح الحبيب المصطفى
صلــــــى الله عليـه وســلم


هيهــات أن يصل المديــح علاكـــا - - - قمرُ السـماء وشمسها نعلاكـــا

فجعلتَ من زُهر النجوم حوا ســدا - - - إنْ لم تمـسّ أديـمَهـا قدماكـــــا

هيهـات أن يصـل المديـــح لمـن إذا --- نبستْ بنـور ِ حـروفه شـفتاكـــا

عبِقـــت بـأطيــب نفـحـة تتـذاكــــى --- وسرى بهـاءُ الصبح في مرآكـا

يــا من له خُـلـِقَ الوجـــود بأســره --- أيحيـط هذا الشعر في معناكــــا ؟

يــا معجزاً كلَّ العقــول بوصـفكــم --- مَن رام يظهرُ حـُسْـنكم أخفاكـــا

أتظـللُ النــورَ المبيــن غمامـــة ٌ ؟! --- لم تحتملْ شمس السماء ضياكـا (1)

سبحــان مـن أثـنى عليك بوحـــيـه --- سبحــان مـن بمحمــدٍ سمّاكــــا

سبحــان مـن أهـداك فينا رحمــــة ً --- وهـدايــة ً للــعالميــن حباكــــا

تبكــي عيــون العــاشقين لذكـــره --- فإذا دمـوعـك أبطأتْ فتباكــــى

يــا جـاعلا ً كل الدعــاء صــلاتـــه --- كف ّالهمــــوم الله قــد كافاكــــا

مضنى الفـؤاد عجبتُ من شكواكـا --- ومحمـــدٌ طـِبُّ القلــوب دواكـــا

يــا أعظمَ الرُسُـلِ الكـرام مكانــــة ً -- خـُتِمـوا بـأعلاهم يــدا بهـداكــــا

أسـرى الإله بشمـس مكــة شـافيـا ً --- أقصــى يحنّ ويـحتفي بلقاكـــــا

فـأضاء بالنــور المبـيــن نـواحـيـا ً --- ظلـّت دهـوراً تشتهي مسراكــا

يــا سيدَ الرسـل الكـرام و تاجـَــهم --- وامامَـهم لم يقتـدوا بســـواكــــا

وَعَـرَجـْتَ للخضــراء في ملكوتــه --- جبـريـــــل يلهـج شــاديا بثنـاكـــا

ذا أولُ ألتكريـــم فــي معراجــــــهِ --- جُعـِلَ ألبراقُ مطيــة ً ووِراكــــا (2)

ينبــي السمــاءَ قـدومَ أطيـبِ زائــرٍ --- فرحُ الملائـك من عبير شذاكــا

يــا سدرةً في المنتهى لم يـُرْتضــى --- إلا لأحمــد أن يسيــر هناكـــــا

فسألـتَ ربّ الــعـرش تخفيفـا ً لنــا --- خمسون صارت خمسة ً بدعاكا

سبحانـــك الـلهم أرحــــــمَ راحــــم ٍ --- أبقيـتَ أجــرَ صلاتنـا أولاكــــا (3)

يــا مفـزعاً للخـلق يــــوم حســابهـم --- لا يـــرتجـــون مشــفَّعـاً إلاّكــــا

فسجــــدتَ لله العظيــــــم مسبحـــــا ً --- ولـواءُ حَمْــدِ الله فـي يـُمـْنـاكــــا

فســألتــــَه ثـُلـُثـَــاً وهمّـــُك آخــــــرٌ --- دخلوا الجنان وقد أجيب رجاكـا (4)

ولســـوف يـعطيك الإلـــه رضـــاكا --- وعـــد الضحــى بكتابه أوفاكــا

ما زلــت تمســحُ دمـــعَ كـلِّ مــعذبٍ --- بيـد الشفاعـة عنـد مـن جلاّكــا

صلــــــــى عليـك الله يـا علـم الهدى --- مـا دام فينـا مولعٌ بهــواكـــــــــا

صلـــــــى عليـك الله يـا خير الورى --- مـا حـنَّ مشتــاقٌ إلى رؤيـاكــا

لا أســأل الرحمـــنَ ألا شــربـــــــة ً --- تسقينِها يــوم اللقـــاء يــداكـــــا

برّأت شيطانَ القريــض قريحتـــــي --- فبمدح طـــــــه يستحيل مـلاكـا (5)

مـا جــاز شعـرٌ يـــا حبيبُ مـداكــــا --- وَلـَوَ أنّ حـرفه عانـق الافلاكــا

لـو أستطــيعُ جعــلتُ شعري كلـَّــــه --- وَلِهاً بحبــك مُرتقـىً لسماكـــــا

عـُذري بأنـك يـا محمــــــــدُ شـــاهقٌ --- تعيا القـوافي في سفوح ذراكــا

عذري بــأنـك يــا مشفّــَع كـامــــــلٌ --- هيهات أن يصل المديح علاكــا



بقلمي.........alimetlak علي محمد السليّم

27 حزيران 2004

.................................................. .............................................

1. اي ان الغمامة ظللت الشمس من نوره الوضاء لأن الشمس لم تحتمل قوة ضيائه (المعروف في السيرة العطرة لنبينا عليه الصلاة والسلام ان الغمامة ظللته في رحلته الى الشام قبل النبوة مع عمه ابي طالب)
2. و ِراكا= ما يوضع تحت الورك على ظهر الدابة من متاع

3. اولاكا= اولئك الخمسين صلاة

4. فسألته ثلثا= سألته أن يكون ثلث اهل الجنةمن امة محمد صلى الله عليه وسلم وهمك ثلث آخر وأكثر .وهمك ان يكون ثلثا أهل الجنة من أمة الأسلام .

5. أي أنه لا مجال ولا مكان لشيطان الشعر (كما جرت العادة) في شعر يمدح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ,فالشيطان بريء من قريحتي الشعرية وقريحتي بريئة منه ايضاً ولهذا فهو يتحول الى ملاك عند مدح الرسول

محمد العاني 30-01-2007 02:31 AM

أهلاً و سهلاً بك أخي الكريم في ربوع الخيام..

alimetlak 30-01-2007 05:36 AM

أهلاً و سهلاً بك أخي الكريم أشكرك, والشاعر لا يتقاعد وإن لم يكتب حرفا واحدا فالشعر والشعور في قلبه حيين .

السيد عبد الرازق 30-01-2007 03:05 PM

[ في مدح الحبيب المصطفى
صلــــــى الله عليـه وســلم


هيهــات أن يصل المديــح علاكـــا - - - قمرُ السـماء وشمسها نعلاكـــا

فجعلتَ من زُهر النجوم حوا ســدا - - - إنْ لم تمـسّ أديـمَهـا قدماكـــــا

هيهـات أن يصـل المديـــح لمـن إذا --- نبستْ بنـور ِ حـروفه شـفتاكـــا

عبِقـــت بـأطيــب نفـحـة تتـذاكــــى --- وسرى بهـاءُ الصبح في مرآكـا

يــا من له خُـلـِقَ الوجـــود بأســره --- أيحيـط هذا الشعر في معناكــــا ؟

يــا معجزاً كلَّ العقــول بوصـفكــم --- مَن رام يظهرُ حـُسْـنكم أخفاكـــا

أتظـللُ النــورَ المبيــن غمامـــة ٌ ؟! --- لم تحتملْ شمس السماء ضياكـا (1)

سبحــان مـن أثـنى عليك بوحـــيـه --- سبحــان مـن بمحمــدٍ سمّاكــــا

سبحــان مـن أهـداك فينا رحمــــة ً --- وهـدايــة ً للــعالميــن حباكــــا

تبكــي عيــون العــاشقين لذكـــره --- فإذا دمـوعـك أبطأتْ فتباكــــى

يــا جـاعلا ً كل الدعــاء صــلاتـــه --- كف ّالهمــــوم الله قــد كافاكــــا

مضنى الفـؤاد عجبتُ من شكواكـا --- ومحمـــدٌ طـِبُّ القلــوب دواكـــا

يــا أعظمَ الرُسُـلِ الكـرام مكانــــة ً -- خـُتِمـوا بـأعلاهم يــدا بهـداكــــا

أسـرى الإله بشمـس مكــة شـافيـا ً --- أقصــى يحنّ ويـحتفي بلقاكـــــا

فـأضاء بالنــور المبـيــن نـواحـيـا ً --- ظلـّت دهـوراً تشتهي مسراكــا

يــا سيدَ الرسـل الكـرام و تاجـَــهم --- وامامَـهم لم يقتـدوا بســـواكــــا

وَعَـرَجـْتَ للخضــراء في ملكوتــه --- جبـريـــــل يلهـج شــاديا بثنـاكـــا

ذا أولُ ألتكريـــم فــي معراجــــــهِ --- جُعـِلَ ألبراقُ مطيــة ً ووِراكــــا (2)

ينبــي السمــاءَ قـدومَ أطيـبِ زائــرٍ --- فرحُ الملائـك من عبير شذاكــا

يــا سدرةً في المنتهى لم يـُرْتضــى --- إلا لأحمــد أن يسيــر هناكـــــا

فسألـتَ ربّ الــعـرش تخفيفـا ً لنــا --- خمسون صارت خمسة ً بدعاكا

سبحانـــك الـلهم أرحــــــمَ راحــــم ٍ --- أبقيـتَ أجــرَ صلاتنـا أولاكــــا (3)

يــا مفـزعاً للخـلق يــــوم حســابهـم --- لا يـــرتجـــون مشــفَّعـاً إلاّكــــا

فسجــــدتَ لله العظيــــــم مسبحـــــا ً --- ولـواءُ حَمْــدِ الله فـي يـُمـْنـاكــــا

فســألتــــَه ثـُلـُثـَــاً وهمّـــُك آخــــــرٌ --- دخلوا الجنان وقد أجيب رجاكـا (4)

ولســـوف يـعطيك الإلـــه رضـــاكا --- وعـــد الضحــى بكتابه أوفاكــا

ما زلــت تمســحُ دمـــعَ كـلِّ مــعذبٍ --- بيـد الشفاعـة عنـد مـن جلاّكــا

صلــــــــى عليـك الله يـا علـم الهدى --- مـا دام فينـا مولعٌ بهــواكـــــــــا

صلـــــــى عليـك الله يـا خير الورى --- مـا حـنَّ مشتــاقٌ إلى رؤيـاكــا

لا أســأل الرحمـــنَ ألا شــربـــــــة ً --- تسقينِها يــوم اللقـــاء يــداكـــــا

برّأت شيطانَ القريــض قريحتـــــي --- فبمدح طـــــــه يستحيل مـلاكـا (5)

مـا جــاز شعـرٌ يـــا حبيبُ مـداكــــا --- وَلـَوَ أنّ حـرفه عانـق الافلاكــا

لـو أستطــيعُ جعــلتُ شعري كلـَّــــه --- وَلِهاً بحبــك مُرتقـىً لسماكـــــا

عـُذري بأنـك يـا محمــــــــدُ شـــاهقٌ --- تعيا القـوافي في سفوح ذراكــا

عذري بــأنـك يــا مشفّــَع كـامــــــلٌ --- هيهات أن يصل المديح علاكــا



بقلمي.........alimetlak علي محمد السليّم

27 حزيران 2004
================================
مرحبا بك أخي علي
نورت المنتدي
مررت للقراءة والإطلاع تقبل مروري
ولكم خالص التحية والتقدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/ ]

الحقيقة. 30-01-2007 03:19 PM

صلى الله على نبينا محمد

إقتباس:

يــا من له خُـلـِقَ الوجـــود بأســره --- أيحيـط هذا الشعر في معناكــــا ؟
الخلق خلق للعبادة وتوحيد الله تعالى ومن الخطأ الشائع أن الخلق خلق لأجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى :" وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون "

محمد العاني 31-01-2007 01:55 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة الحقيقة.
صلى الله على نبينا محمد


الخلق خلق للعبادة وتوحيد الله تعالى ومن الخطأ الشائع أن الخلق خلق لأجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى :" وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون "


أؤيد كلامك أخي الكريم..

و يا حبذا لو تفضل الأخ علي بجعل هذا البيت:


و عليك قد صلّى الوجود بأسرهِ - - - أيحيط هذا الشعرُ في معناكا ؟؟

و عُذراً على التطفل أخي علي..

قرعوط المدهري 02-02-2007 02:12 PM

السيد عبدالرزاق،،، حفظه الله ورعاه
أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى واحداً من جهابذة العلماء وإمام عصره وشيخ الإسلام في زمانه ولا يحتاج إلى تعريف،،، فهو أحد الأئمة الأربعة الذي يرجع لهم كافة أهل السنة والجماعة في الفقه والعقيدة وغيرها من الفروع، ولكن على العموم جزيت خيراً على كل ما سقته من ترجمته العطرة جعلها الله في ميزان أعمالك،، ولكن أنا في الحقيقة وبما أمتلكه من معلومات متواضعة ولما أعرفه من العقيدة الصافية النقية لشيخنا أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وأرضاه،، وبعد أن قرأت بعض البيوت التي سطرتها في هذه القصيدة، فأنا لا أظن على الإطلاق بل أجزم بأن إماماً كبيراً يقولها أو تخرج من عالمٍ جليلٍ مثله – حاشاه رحمه الله من أن تنسب إليه - وذلك لما تحمله هذه البيوت –ناهيك عن قصتها- في ثناياها من شركٍ جلي وغلوٍ واضح لا يختلف كثيراً عما يقوله الشيعة في أئمتهم الإثنى عشر!!!! ولنقف أمام بعض هذه الأبيات لتعرف ما قصدته سيدي الفاضل بهذا الغلو:

- وبك الخليل دعا فعادت نــارهُ*** برداً وقد خمـــدت بنور سناكا
- ودعـــاك أيوب لضـــرٍ مسـه*** فأزيل عنه الضـــر حين دعاكا
- فعساك تشفع فيه عند حســابه*** فلقــــد غــدا متمســـكاً بعـراكا
- فلأنت أكــرم شافــعٍ و مشفع*** ومن التجى بحماك نال رضاكا

لذا أعذر مروري وأقبل نقدي البسيط ومشاركتي الأبسط، راجياً بأن لا يهاجمني الأخ محمد العاني كما هاجم الأخ طاووس والذي لم يتهم أحداً بشيء ولم يقل إلا كلماتٍ محددة وصادقة ووجهة نظر تنم عن صفاء عقيدة ولا نزكي على الله أحد.

الأخ أحمد ياسين،،، لا أستطيع إلا أن أقر بجمال ما تكتبه من مواضيع،، ولربما يكون أسمك الذي تحمله سبباً مباشراً لي لكي أقدر ما تكتبه،، فهو على إسم مجاهدنا الكبير الشهيد الشيخ أحمد بن ياسين رحمة الله عليه، جمعنا الله وإياه في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصديقين،،، ولكن ما قرأته لما ذكرته من كلمات الشيخ الغزالي غفر الله له عندما قال ((ان هناك من الجهلة ((السلفية)) من يكفره – أي أبي حنيفة)) بصراحة هذا الكلام أقل ما يوصف به بأنه يفتقر إلى أبسط درجات الصحة والدقة وبعيد كل البعد عن المنطق والعقل من شيخ المدرسة العقلية والذي سبق له أن أنكر الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بإستخدامه للفلترة العقلية!!! بل إسمح لي بأن أقولها صراحةً بأن هذا الكلام أقرب ما يكون إلى الكذب سواءً نقلته من الغزالي أو غيره من العلماء،، فمن ذا الذي يجرأ من جهلة السلفية –على حد تعبير الغزالي- على تكفير إمام السلف آنذاك،،، أبو حنيفة النعمان!!!
أخي الكريم،،، فلنتقي الله بما ننقله من بعض الكتب وأعلم بأن حقوقنا لن ترجع إلا إذا عدنا إلى ما كان عليه رسولنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين وإليهم تنسب السلفية لا لسواهم.

محمد العاني 03-02-2007 02:04 AM

إقتباس:

لذا أعذر مروري وأقبل نقدي البسيط ومشاركتي الأبسط، راجياً بأن لا يهاجمني الأخ محمد العاني كما هاجم الأخ طاووس والذي لم يتهم أحداً بشيء ولم يقل إلا كلماتٍ محددة وصادقة ووجهة نظر تنم عن صفاء عقيدة ولا نزكي على الله أحد.
سامحك الله و بارك لك أخي الكريم.
أنا لم أُهاجم الأخ الطاووس، إنما أملي أن نتحرى الحقيقة لا أن نتهم بعضنا بالشرك. و كلامي هذا لا يعني موافقتي أن القصيدة لأبي حنيفة النعمان رحمة الله عليه و لا يعني موافقتي على صحة محتوى القصيدة. فالقصيدة كما هو واضحٌ أخي الفاضل تحتوي على ما لا يجوز من المغالاة. و الأخ الطاووس لم يصرف وقتاً في تبيان ذلك بل صرف الوقت ليتهم ناقل القصيدة بالكذب و نقل الشرك.
و لستُ أنا من يتجرّأ على أبي حنيفة النعمان إمام التوحيد و قد كنت أقرأ له الفاتحة عند قبره و أصلي في مسجده في بغداد.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الحقيقة. 06-02-2007 02:18 PM

بارك الله فيك ..أيها المشرف الفاضل ..
إقتباس:

و يا حبذا لو تفضل الأخ علي بجعل هذا البيت:



و عليك قد صلّى الوجود بأسرهِ - - - أيحيط هذا الشعرُ في معناكا ؟؟

ماشاء الله بحق أنت شاعر ...حفظك الله ورعاك ..

قرعوط المدهري 08-02-2007 02:08 PM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل محمد العاني حفظه الله ورعاه
نحن جميعنا متفقين أنا وأنت على وجود هذه المغالاة التي نربأ بشيخنا أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى بأن يقع بها وهذا ما حاول أن يبينه الأخ طاوس بارك الله فيه لا أكثر ولا أقل
على العموم سيدي الكريم لك مني أجمل تحية وأجل تقدير

alimetlak 13-02-2007 11:45 PM

اشكرك أخي الحقيقة على كلماتك الرائعة

hassan20395 07-05-2007 11:39 PM

رائع وجميل هذا الشعر .موسيقاه وقوافيه ومعانيه بدون تكلف الى الأمام ودمت لنا .

alimetlak 08-05-2007 11:51 PM

( بشرى النبوة )1-2 ...عبد الله البردوني شاعر اليمن الكبير
 
عبد الله البردوني شاعر اليمن الكبير

....................بشرى النبوءة (الجزء الأول 1-2)

بـشـرى مــن الـغيب ألـقت فـي فـم الـغار
وحـيـا وأفـضـت إلــى الـدنـيا بـأسـرار

بـشـرى الـنـبوة طـافـت كـالـشذا سـحـرا
وأعـلـنـت فـــي الـربـا مـيـلاد أنــوار


وشــقـت الـصـمـت والأنــسـام تـحـملها
تــحـت الـسـكـينة مـــن دار إلـــى دار

وهــدهـدت مــكـة الـوسـنـى أنـامـلـها
وهــــزت الـفـجـر إيــذانـا بـإسـفـار

فـاقـبل الـفـجر مــن خـلـف الـتلال وفـي
عـيـنـيـه أســـرار عــشـاق وســمـار

كــأن فـيـض الـنـدى فــي كــل رابـية
مــوج وفــي كــل سـفـح جــدول جـار

تـدافـع الـفـجر فــي الـدنـيا يــزف إلـى
تـاريـخـهـا فــجـر أجــيـال وأدهـــار
**
واسـتـقـبل الـفـتـح طـفـلا فــي تـبـسمه
آيـــات بــشـرى وإيــمـاءات إنـــذار

وشــب طـفـل الـهـدى الـمـنشود مـتـزرا
بــالـحـق مـتـشـحا بـالـنـور والــنـار

فــي كـفـه شـعـلة تـهـدي وفــي فـمـه
بـشـرى وفــي عـيـنيه إصــرار أقــدار

وفـــي مـلامـحـه و عــد وفــي دمــه
بــطـولـة تــتـحـدى كــــل جــبـار

وفـــاض بـالـنور فـاغـتم الـطـغاة بــه
والـلـص يـخـشى سـطوع الـكوكب الـساري

والـوعـي كـالـنور يـخـزى الـظالمين كـما
يـخـزي لـصـوص الـدجـى إشـراق أقـمار

نــادى الـرسـول نــداء الـحـق فـاحتشدت
كـتـائـب الــجـود تـنـضي كــل بـتـار

كــأنـهـا خــلـفـه نــــار مـجـنـحة
تــجـري وقــدامـه أفـــواج إعــصـار

فــضـج بـالـحق والـدنـيا بـمـا رحـبـت
تــهــوي عـلـيـه بــأشـداق وأظــفـار

وســــار والـــدرب أحــقـاد مـسـلـخة
كــأن فــي كــل شـبـر ضـيغما ضـاري

وهـــب فــي دربــه الـمـرسوم مـنـدفعا
كـالـدهـر يــقـذف أخــطـارا بـأخـظار

*****
فـأدبـر الـظـلم يـلـقى هــا هـنـا أجــلا
وهـــا هــنـا يـتـلـقى كـــف حـفـار

والـظـلم مـهـما احـتـمت بـالبطش عـصبته
فـلـن تـطـق وقـفـة فــي وجــه تـيـار

رأى الـيـتـيـم أبـــو الأيــتـام غـايـتـه
قــصـوى فـشـق إلـيـها كــل مـضـمار

وامــتـدت الـمـلة الـسـمحا يــرف عـلـى
جـبـيـنـها تــــاج إعــظـام وإكــبـار
****
مـضـى إلــى الـفـتح لا بـغـيا ولا طـمـعا
لـــكــن حــنـانـا وتـطـهـيـرا لأوزار

فــأنـزل الـجـور قـبـرا وابـتـنى زمـنـا
عـــدلا تــدبـره أفــكـار أحــرار
*****
يــا قـاتـل الـظـلم صـالـت هـاهنا وهـنا
فـظـايـع أيـــن مـنـها زنــدك الــواري

أرض الـجـنوب ديــاري وهــي مـهد أبـي
تــئـن مـــا بــيـن سـفـاح وسـمـسار

يــشـدهـا قــيــد ســجـان ويـنـهـشها
ســـوط ويـحـدوخـطاها صــوت خـمـار

تـعـطـي الـقـياد وزيــرا وهــو مـتـجر
بـجـوعـها فـهـو فـيـها الـبـايع الـشـاري

فـكـيـف لانــت لـجـلاد الـحـمى عــدن
وكــيـف ســاس حـمـاها غــدر فـجـار

وقـــادهــا زعـــمــاء لا يــبـررهـم
فــعــل وأقـواهـلـهم أقـــوال أبـــرار

أشــبـاه نــاس وخـيـرات الـبـلاد لـهـم
ووزنــهـم لا يــسـاوي ربـــع ديــنـار

ولا يـصـونـون عــنـد الــغـدر أنـفـسهم
فـهـل يـصـونون عـهـد الـصـحب والـجار

تـــرى شـخـوصـهم رسـمـيـة وتــرى
أطـمـاعهم فــي الـحـمى أطـمـاع تـجـار
********
أكـــاد أســخـر مـنـهم ثــم تـضـحكني
دعــواهــم أنــهـم أصــحـاب أفــكـار

يـبـنـون بـالـظـلم دورا كـــي نـمـجدهم
ومـجـدهـم رجـــس أخــشـاب وأشـجـار

لا تـخـبـر الـشـعـب عـنـهـم إن أعـيـنه
تـــرى فـظـائعهم مــن خـلـف أسـتـار

الآكــلـون جـــراح الـشـعـب تـخـبـرنا
ثــيـابـهـم أنـــهــم آلات أشـــــرار

ثـيـابـهم رشـــوة تـنـبـي مـظـاهـرها
بــأنـهـا دمــــع أكــبـاد وأبــصـار

يــشــرون بــالـذل ألـقـابـا تـسـتـرهم
لـكـنـهـم يـسـتـرون الــعـار بـالـعـار

تـحـسـهم فــي يــد الـمـستعمرين كـمـا
تــحـس مـسـبـحة فــي كــف سـحـار

****
ويــــل وويـــل لأعـــداء الــبـلادإذا
ضــج الـسـكون وهـبـت غـضـبة الـثـار

فـلـيـغنم الــجـور إقـبـال الـزمـان لــه
فــــإن إقــبـالـه إنــــذار إدبــــار

والــنــاس شـــر وأخــيـار وشــرهـم
مــنــافـق يــتــزيـا زي أخـــيــار

وأضـيـع الـنـاس شـعـب بــات يـحـرسه
لــــص تــسـتـره أثـــواب أحــبـار

فـــي ثــغـره لــغـة الـحـاني بـأمـته
وفـــي يــديـه لــهـا سـكـين جــزار

حــقـد الـشـعـوب بـراكـيـن مـسـمـمة
وقــودهــا كــــل خـــوان وغـــدار

مـــن كــل مـحـتقر لـلـشعب صـورتـه
رســـم الـخـيـانات أو تـمـثـال أقـــذار

وجــثـة شـــوش الـتـعـطير جـيـفـتها
كـأنـهـا مـيـتـة فـــي ثــوب عـطـار

بــيـن الـجـنـوب وبـيـن الـعـابثين بــه
يـــوم يــحـن إلــيـه يــوم" ذي قــار"

*****..........تابع تكملة القصيدة (الججزء الثاني 2-2 )في نفس الموقع

.............................................

صمت الكلام 09-05-2007 12:39 AM

قصيدة رائعة

اخي الفاضل

شكرآ لك عليها

السيد عبد الرازق 17-05-2007 08:14 AM

بشرى النبوة )1-2 ...عبد الله البردوني شاعر اليمن الكبير

--------------------------------------------------------------------------------

عبد الله البردوني شاعر اليمن الكبير

....................بشرى النبوءة (الجزء الأول 1-2)

بـشـرى مــن الـغيب ألـقت فـي فـم الـغار
وحـيـا وأفـضـت إلــى الـدنـيا بـأسـرار

بـشـرى الـنـبوة طـافـت كـالـشذا سـحـرا
وأعـلـنـت فـــي الـربـا مـيـلاد أنــوار


وشــقـت الـصـمـت والأنــسـام تـحـملها
تــحـت الـسـكـينة مـــن دار إلـــى دار

وهــدهـدت مــكـة الـوسـنـى أنـامـلـها
وهــــزت الـفـجـر إيــذانـا بـإسـفـار

فـاقـبل الـفـجر مــن خـلـف الـتلال وفـي
عـيـنـيـه أســـرار عــشـاق وســمـار

كــأن فـيـض الـنـدى فــي كــل رابـية
مــوج وفــي كــل سـفـح جــدول جـار

تـدافـع الـفـجر فــي الـدنـيا يــزف إلـى
تـاريـخـهـا فــجـر أجــيـال وأدهـــار
**
واسـتـقـبل الـفـتـح طـفـلا فــي تـبـسمه
آيـــات بــشـرى وإيــمـاءات إنـــذار

وشــب طـفـل الـهـدى الـمـنشود مـتـزرا
بــالـحـق مـتـشـحا بـالـنـور والــنـار

فــي كـفـه شـعـلة تـهـدي وفــي فـمـه
بـشـرى وفــي عـيـنيه إصــرار أقــدار

وفـــي مـلامـحـه و عــد وفــي دمــه
بــطـولـة تــتـحـدى كــــل جــبـار

وفـــاض بـالـنور فـاغـتم الـطـغاة بــه
والـلـص يـخـشى سـطوع الـكوكب الـساري

والـوعـي كـالـنور يـخـزى الـظالمين كـما
يـخـزي لـصـوص الـدجـى إشـراق أقـمار

نــادى الـرسـول نــداء الـحـق فـاحتشدت
كـتـائـب الــجـود تـنـضي كــل بـتـار

كــأنـهـا خــلـفـه نــــار مـجـنـحة
تــجـري وقــدامـه أفـــواج إعــصـار

فــضـج بـالـحق والـدنـيا بـمـا رحـبـت
تــهــوي عـلـيـه بــأشـداق وأظــفـار

وســــار والـــدرب أحــقـاد مـسـلـخة
كــأن فــي كــل شـبـر ضـيغما ضـاري

وهـــب فــي دربــه الـمـرسوم مـنـدفعا
كـالـدهـر يــقـذف أخــطـارا بـأخـظار

*****
فـأدبـر الـظـلم يـلـقى هــا هـنـا أجــلا
وهـــا هــنـا يـتـلـقى كـــف حـفـار

والـظـلم مـهـما احـتـمت بـالبطش عـصبته
فـلـن تـطـق وقـفـة فــي وجــه تـيـار

رأى الـيـتـيـم أبـــو الأيــتـام غـايـتـه
قــصـوى فـشـق إلـيـها كــل مـضـمار

وامــتـدت الـمـلة الـسـمحا يــرف عـلـى
جـبـيـنـها تــــاج إعــظـام وإكــبـار
****
مـضـى إلــى الـفـتح لا بـغـيا ولا طـمـعا
لـــكــن حــنـانـا وتـطـهـيـرا لأوزار

فــأنـزل الـجـور قـبـرا وابـتـنى زمـنـا
عـــدلا تــدبـره أفــكـار أحــرار
*****
يــا قـاتـل الـظـلم صـالـت هـاهنا وهـنا
فـظـايـع أيـــن مـنـها زنــدك الــواري

أرض الـجـنوب ديــاري وهــي مـهد أبـي
تــئـن مـــا بــيـن سـفـاح وسـمـسار

يــشـدهـا قــيــد ســجـان ويـنـهـشها
ســـوط ويـحـدوخـطاها صــوت خـمـار

تـعـطـي الـقـياد وزيــرا وهــو مـتـجر
بـجـوعـها فـهـو فـيـها الـبـايع الـشـاري

فـكـيـف لانــت لـجـلاد الـحـمى عــدن
وكــيـف ســاس حـمـاها غــدر فـجـار

وقـــادهــا زعـــمــاء لا يــبـررهـم
فــعــل وأقـواهـلـهم أقـــوال أبـــرار

أشــبـاه نــاس وخـيـرات الـبـلاد لـهـم
ووزنــهـم لا يــسـاوي ربـــع ديــنـار

ولا يـصـونـون عــنـد الــغـدر أنـفـسهم
فـهـل يـصـونون عـهـد الـصـحب والـجار

تـــرى شـخـوصـهم رسـمـيـة وتــرى
أطـمـاعهم فــي الـحـمى أطـمـاع تـجـار
********
أكـــاد أســخـر مـنـهم ثــم تـضـحكني
دعــواهــم أنــهـم أصــحـاب أفــكـار

يـبـنـون بـالـظـلم دورا كـــي نـمـجدهم
ومـجـدهـم رجـــس أخــشـاب وأشـجـار

لا تـخـبـر الـشـعـب عـنـهـم إن أعـيـنه
تـــرى فـظـائعهم مــن خـلـف أسـتـار

الآكــلـون جـــراح الـشـعـب تـخـبـرنا
ثــيـابـهـم أنـــهــم آلات أشـــــرار

ثـيـابـهم رشـــوة تـنـبـي مـظـاهـرها
بــأنـهـا دمــــع أكــبـاد وأبــصـار

يــشــرون بــالـذل ألـقـابـا تـسـتـرهم
لـكـنـهـم يـسـتـرون الــعـار بـالـعـار

تـحـسـهم فــي يــد الـمـستعمرين كـمـا
تــحـس مـسـبـحة فــي كــف سـحـار

****
ويــــل وويـــل لأعـــداء الــبـلادإذا
ضــج الـسـكون وهـبـت غـضـبة الـثـار

فـلـيـغنم الــجـور إقـبـال الـزمـان لــه
فــــإن إقــبـالـه إنــــذار إدبــــار

والــنــاس شـــر وأخــيـار وشــرهـم
مــنــافـق يــتــزيـا زي أخـــيــار

وأضـيـع الـنـاس شـعـب بــات يـحـرسه
لــــص تــسـتـره أثـــواب أحــبـار

فـــي ثــغـره لــغـة الـحـاني بـأمـته
وفـــي يــديـه لــهـا سـكـين جــزار

حــقـد الـشـعـوب بـراكـيـن مـسـمـمة
وقــودهــا كــــل خـــوان وغـــدار

مـــن كــل مـحـتقر لـلـشعب صـورتـه
رســـم الـخـيـانات أو تـمـثـال أقـــذار

وجــثـة شـــوش الـتـعـطير جـيـفـتها
كـأنـهـا مـيـتـة فـــي ثــوب عـطـار

بــيـن الـجـنـوب وبـيـن الـعـابثين بــه
يـــوم يــحـن إلــيـه يــوم" ذي قــار"
================================================== =====================
بشرى النبوة ..(الجزء الثاني 2-2)عبد الله البردوني

--------------------------------------------------------------------------------

بشرى النبوة ..(الجزء الثاني 2-2)عبد الله البردوني

يـاخـاتـم الـرسـل هــذا يـومـك انـبـعثت

ذكــراه كـالـفجر فــي أحـضـان أنـهـار

يــا صـاحب الـمبدأ الأعـلى ، وهـل حـملت

رســالــة الــحــق إلا روح مــخـتـار؟

أعـلـى الـمـبادئ مــا صـاغـت لـحـاملها

مــن الـهـدى والـضـحايا نـصـب تـذكـار

فـكـيـف نــذكـر أشـخـاصـا مـبـادئـهم

مـبـادئ الـذئـب فــي إقـدامـه الـضاري ؟!

يــبــدون لـلـشـعب أحـيـانـا وبـيـنـهم

والـشـعب مــا بـيـن طـبـع الـهر والـفار

مــا أغـنـيك يــا" طــه " وفــي نـغمي

دمـــع وفــي خـاطـري أحـقـاد ثــوار ؟

تـمـلـملت كـبـريـاء الــجـرح فـانـتزفت

حـقـدي عـلـى الـجور مـن أغـوار أغـواري





**********

يــا" أحـمـد الـنـور" عـقوا إن ثـأرت فـفي

صــدري جـحـيم تـشـظت بـيـن أشـعاري

" طـــه " إذا ثــار إنـشـادي فــإن أبــي

" حـسـان " أخـبـاره فــي الـشعر أخـباري

أن ابــن أنـصـارك الـغـر الألــى قـذفـوا

جــيـش الـطـغاة بـجـيش مـنـك جــرار

تـظـافرت فــي الـفـدى حـولـيك أنـفـسهم

كــأنـهـم قــــلاع خــلـف أســـوار

نـحـن الـيـمانين يــا" طــه " تـطـير بـنا

إلـــى روابـــي الــعـلا أرواح أنـصـار

إذا تــذكــرتَ " عــمــارا " وســيـرتـه

فـافـخـر بــنـا إنـنـا أحـفـاد " عـمـار"

"طــه " إلـيـك صــلاة الـشـعر تـرفـعها

روحـــي وتـعـزفـها أوتـــار قيثار

alimetlak 25-05-2007 11:24 AM

اخواني الأعزاء اعتبروا البيت مثار الجدل كالتالي:
يــا من به فرح الوجـــود بأســره --- أيحيـط هذا الشعر في معناكــــا ؟

alimetlak 14-08-2007 03:50 AM

البردة
 
استاذنا الكبير عبد الرازق:

بارك الله فيك وآجرك على هذه القصائد في مدح حبيبنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم . وليت الذي عاب عليك قصيدة البردة للبوصيري رحمه الله بقوله أنها قصيدة شركية
كان اهلا للفهم والذوق السوي السليم (انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء)
ولم يختل كالطاووس معتدا ً برأيه وهو بحق من الذين ينطبق عليهم بيت المتنبي

ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مراً به الماء الزلالا

واضيف للمساعدة في توضيح هذا الأمر ابياتا وسؤالا وجوابا لعل في ذلك خير للجميع:


ص السؤال : نشرت إحدى الصحف أبياتا لشاعرة تحت عنوان في (ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الاستغاثة بالنبي تقول فيها:
يا رسول الله أدرك عالَما يشعل الحرب ويصلى من لظاها
يا رسول الله أدرك امة في ظلام الشر قد طال سراها
يا رسول الله أدرك أمة في متاهات الأسى ضاعت رؤاها
يا رسول الله أدرك أمة في ظلام الشك قد طال سراها
عجل النصر كما عجلته يوم بدر حين ناديت الإله
فاستحال الذل نصرا رائعا إن لله جـــــنودا لا يراها

وقد أفتى أحد المشائخ أن الكاتبة قد توجهت بندائها واستغاثتها للرسول جاهلة أن النصر بيد الله لا بيد الرسول صلى الله عليه وسلم.. ورغم روعة الأبيات إلا أننا لا نملك إلا أن تفيدونا بما قاله الشيخ لهذه الشاعرة؟


نص الجواب :
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ما يتعلق بالسؤال عن هذه الأبيات فإن ورود الاستغاثة على وجه المجاز ومعنى التوسل واردٌ في السنة الكريمة فاستعمال المجاز منتشرٌ بيِّنٌ مذكورٌ في الكتاب والسنة، فقد جاء في القرآن الكريم أن آية ملك طالوت كما أخبرهم نبيهم في ذلك الزمان فيه السكينة من الله والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، ومن المعلوم أنهم يستنصرون بذلك ربَّهم سبحانه وتعالى ( وما النصر إلا من عند الله ) لا من عند بقيةٍ مما ترك آل موسى وآل هارون، لكن ذلك كان وسيلة لهم لاستنزال النصر من الله ، وفي سنن الترمذي حديث تعليمه صلى الله عليه وآله وسلم الاستغاثة به لذلك الأعمى الذي جاء فعلمه أن يقول متوسلاً ومستغيثا: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله ) ، وقد جاء في القرآن نسبة الرزق إلى الخلق فقال تبارك وتعالى ( وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) ، وقال تعالى: ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) مع أن المعلوم أن الرزاق هو الله ( قل هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ) كما أن الذي يهدي ويضل هو الله ، ثم إن الحق تعالى نسب الهداية إلى غيره فقال عبده الخليل إبراهيم ( يا أبتي إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ) وقال سبحانه وتعالى ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) وقال سيدنا الخليل إبراهيم في نسبة الإضلال إلى الأصنام مع أنه لا يضل من هداه الله ولا يُهدى من أضله الله، وقال عن الأصنام ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) وقال عن القوم الكفار الذين يُوصلون الناسَ إلى النار ( وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار ) إلى غير ذلك من الآيات الصريحات في مثل ذلك المعنى، فقد جاء في السنة مخاطبة الصحابي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:
وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فأقره المصطفى عليه الصلاة والسلام . ولقد قال الله تبارك وتعالى( ولو أنهم إذْ ظلموا أنفسهم جاءوك ) مع أن الأمر المقطوع به المستَيقن أنه لا يغفر الذنوب إلا الله ولكن قصد رسول الله صلى الله والمجيء إليه سببٌ لهذا الغفران من الله تبارك وتعالى ( ولو أنهم إذْ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) .
وقد صحح جماعة من الحفاظ حديث سيدنا بلال بن الحارث الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فناداه في قبره الشريف : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، وقد عُلم ذلك من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم من أئمة الدين نثرا ونظمًا يستعملون فيه مثل هذه المجازات التي لا تمتُّ إلى الراسخ في القلوب بصلة ضعضعة ولا زعزعة ولا شك ولا ريب ، وذاك الراسخ في القلوب عند المؤمنين هو أن الأمر أولا وآخرا وظاهرا وباطنا دنيا وآخرة بيد الله وحده ، وأنه رتب حصول الأشياء بأمره وقدرته وإرادته على أسباب ظاهرة وباطنة ، ومن أقوى الأسباب الباطنة وجاهات ذوي الكرامة لديه والمنزلة عنده ، وأعظمهم النبيون والمرسلون وأعظمهم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وفي الحديث (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا ) وقد ألَّف في هذا علماء الملة مؤلفات ، مثل ما ألف الإمام الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني عليه رحمة الله كتابه المسمى بشواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق ، كما ألف في هذه المعاني الشيخ مصطفى الحمامي المصري، أحد كبار علماء الأزهر الشريف كتابًا سماه غوث العباد ببيان الرشاد، ذكر فيه أدلة مستفيضة في هذا الموضوع.
وبذا يعلم أن التسرع في نسبة الشرك إلى مستعمِل تلك المجازات أمر تأباه قواعد الشريعة الطاهرة وحرمات المؤمنين لدى الله تبارك وتعالى ، وخطر التسرع في الحكم فيما هو دون ذلك فكيف بأعظم الأشياء خبثا وقباحة وهو الشرك بالحق تبارك وتعالى، وقد قال الحق ( وما النصر إلا من عند الله ) وخوطب الرسول في آخر عمره قبل دخوله مكة في الفتح :
فانصر رسول الله نصرا أعتَدَا * وادع عبادَ الله يأتوا مددا
في أبيات يستنصره بها أولئك الذين اعتدت عليهم قريش، فكل ذلك مما يبين لنا وجوب المسلك في أمثال هذه الأمور التي مضى عليها خيار الأمة في العصور تلو العصور، ولا يكون ضيق النظر والتشدد فيها إلا مدعاة لنسبة طوائف الأمة إلى الكفر والخروج عن الملة وذلك عين الكوارث التي تشتد على الأمة لو وجدت مجالها وسبيلها بينهم، فتورث تفريقا وتشتيتا وتباعدا واعتداءات واستعمالا لكل قواهم على بعضهم البعض دون معادي الحق ورسوله من منكري الإيمان بالله والمصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .. نسأل الله أن يبصِّر إخواننا المسلمين وأهل هذه الملة بحقائق دينهم وحسن أدبهم معه ومع عباده بمحض الفضل والمنة إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .

السيد عبد الرازق 15-08-2007 05:14 AM

جزاكم الله خيرا شاعرنا علي محمد السليم .
دمت بخير وبود .
ورزقنا الله واياكم الفهم والقرب منه جل جلاله.
تحياتي وتقديري والمودة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الرحيم محمود 22-08-2007 12:48 PM

الاخ عبد الرازق الغالي
كم كنت رائعا في شرح مقاصد الشاعرة ولعمري انك لافهم من الشيخ الذي جعل قصيدة البوصيري شركا وقصيدة المرأة كذلك ، سلمت لنا وللادب يا جم الادب ويا بحر العلم !!!


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.