أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة الإسلامية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=8)
-   -   السيرة الزكية لخير البرية (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=46944)

maher 11-11-2005 07:20 AM

تشاور قريش في الرجوع عن القتال
 
[تشاور قريش في الرجوع عن القتال ]
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار ، قالوا : لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا : احزروا لنا أصحاب محمد ، قال فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاث مئة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد ؟ قال فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا ، فرجع إليهم فقال ما وجدت شيئا ، ولكني قد رأيت يا معشر قريش ، البلايا تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك ؟ فروا رأيكم . فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة ، فقال يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها ، والمطاع فيها ، هل لك إلى أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر ؟ قال وما ذاك يا حكيم ؟ قال ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي ، قال قد فعلت أنت علي بذلك إنما هو حليفي ، فعلي عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية .
[نسب الحنظلية ]
قال ابن هشام : والحنظلية أم أبي جهل وهي أسماء بنت مخربة أحد بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم - فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره يعني أبا جهل بن هشام . ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبا ، فقال يا معشر قريش ، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا ، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب ، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون .
قال حكيم فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها ، فهو يهنئها . - ( قال ابن هشام ) : يهيئها - فقلت له يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا ، للذي قال فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكنه قد رأى أن محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه . ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي ، فقال هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك ، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك .
فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ واعمراه ، واعمراه ، فحميت الحرب وحقب الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة .
فلما بلغ عتبة قول أبي جهل انتفخ والله سحره قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو ؟ .
قال ابن هشام : السحر الرئة وما حولها مما يعلق بالحلقوم من فوق السرة . وما كان تحت السرة فهو القصب ومنه قوله رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار قال ابن هشام : حدثني بذلك أبو عبيدة .
ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له .
[مقتل الأسود المخزومي ]
قال ابن إسحاق : وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي ، وكان رجلا شرسا سيئ الخلق فقال أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب ، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد ( زعم ) - أن يبر يمينه وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض .
[دعاء عتبة إلى المبارزة ]
قال ثم خرج بعد عتبة بن ربيعة ، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما عفراء - ورجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحة ، فقالوا : من أنتم ؟ فقالوا : رهط من الأنصار ، قالوا : ما لنا بكم من حاجة . ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث ، وقم يا حمزة وقم يا علي ، فلما قاموا ودنوا منهم قالوا : من أنتم ؟ قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي : علي ، قالوا : نعم أكفاء كرام . فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة ( بن ) ربيعة ، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة ، وبارز علي الوليد بن عتبة . فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عتبة بن ربيعة قال للفتية ممن الأنصار ، حين انتسبوا : أكفاء كرام إنما نريد قومنا .
[التقاء الفريقين ]
قال ابن إسحاق : ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر الصديق .
فكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان . قال ابن إسحاق : كما حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين .
[ابن غزية وضرب الرسول له في بطنه بالقدح ]
قال ابن إسحاق : وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ، وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار - قال ابن هشام : يقال سواد مثقلة وسواد في الأنصار غير هذا ، مخفف - وهو مستنتل من الصف - قال ابن هشام : ويقال مستنصل من الصف - فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل قال فأقدني . فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد قال فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال يا رسول الله حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله له
قال ابن إسحاق : ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر الصديق ، ليس معه فيه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد وأبو بكر يقول يا نبي الله بعض مناشدتك ربك ، فإن الله منجز لك ما وعدك . وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله . هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع
[مقتل مهجع وابن سراقة ]
قال ابن إسحاق : وقد رمي مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل من المسلمين ثم رمي حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل .

maher 11-11-2005 07:21 AM

[تحريض المسلمين على القتال ]
قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة . فقال عمير بن الحمام ، أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عوف بن الحارث ، وهو ابن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده ؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا . فنزع درعا كانت عليه فقذفها ، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل .
[رمي الرسول للمشركين بالحصباء ]
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل قريشا بها ، ثم قال شاهت الوجوه ، ثم نفحهم بها ، وأمر أصحابه فقال شدوا ، فكانت الهزيمة فقتل الله تعالى من قتل من صناديد قريش ، وأسر من أسر من أشرافهم . فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشح السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها ( الله ) بأهل الشرك . فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلي من استبقاء الرجال
[ نهي النبي أصحابه عن قتل ناس من المشركين ]
قال ابن إسحاق : وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد ، عن بعض أهله عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث ابن أسد فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها .
قال فقال أبو حذيفة أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوتنا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف - قال ابن هشام : ويقال لألجمنه ( السيف ) - قال فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص - قال عمر والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف ؟ فقال عمر يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق . فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا ، إلا أن تكفرها عني الشهادة . فقتل يوم اليمامة شهيدا .
قال ابن إسحاق : وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب . فلقيه المجذر بن ذياد البلوي ، حليف الأنصار ، ثم من بني سالم بن عوف فقال المجذر لأبي البختري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك - ومع أبي البختري زميل له قد خرج معه من مكة ، وهو جنادة بن مليحة بنت زهير بن الحارث بن أسد ، وجنادة رجل من بني ليث . واسم أبي البختري العاص - قال وزميلي ؟ فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ، ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك ، فقال لا والله إذن لأموتن أنا وهو جميعا ، لا تتحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة . فقال أبو البختري حين نازله المجذر وأبى إلا القتال يرتجز
لن يسلم ابن حرة زميله حتى يموت أو يرى سبيله
فاقتتلا ، فقتله المجذر بن ذياد . وقال المجذر بن ذياد في قتله أبا البختري
إما جهلت أو نسيت نسبي فأثبت النسبة أني من بلي
الطاعنين برماح اليزني والضاربين الكبش حتى ينحني
بشر بيتم من أبوه البختري أو بشرن بمثلها مني بني
أنا الذي يقال أصلي من بلي أطعن بالصعدة حتى تنثني
وأعبط القرن بعضب مشرفي أرزم للموت كإرزام المري
فلا ترى مجذرا يفري فري
قال ابن هشام : " المري " عن غير ابن إسحاق . والمري : الناقة التي يستنزل لبنها على عسر .
قال ابن إسحاق : ثم إن المجذر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به ( فأبى ) إلا أن يقاتلني ، فقاتلته فقتلته .
قال ابن هشام : أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد .
[ مقتل أمية بن خلف ]
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه قال ابن إسحاق : وحدثنيه أيضا عبد الله بن أبي بكر وغيرهما ، عن عبد الرحمن بن عوف قال كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة وكان اسمي عبد عمرو ، فتسميت ، حين أسلمت عبد الرحمن ونحن بمكة فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول يا عبد عمرو ، أرغبت عن اسم سماكه أبواك ؟ فأقول نعم فيقول فإني لا أعرف الرحمن فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف قال فكان إذا دعاني : يا عبد عمرو ، لم أجبه . قال فقلت له يا أبا علي اجعل ما شئت ، قال فأنت عبد الإله قال فقلت : نعم قال فكنت إذا مررت به قال يا عبد الإله فأجيبه فأتحدث معه . حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي بن أمية آخذ بيده ومعي أدراع قد استلبتها ، فأنا أحملها . فلما رآني قال لي : يا عبد عمرو ، فلم أجبه فقال يا عبد الإله ؟ فقلت : نعم قال هل لك في فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ؟ قال قلت : نعم ها الله ذا . قال فطرحت الأدراع من يدي ، وأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول ما رأيت كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ؟ ( قال ) : ثم خرجت أمشي بهما
قال ابن هشام : يريد باللبن أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عبد الرحمن بن عوف ، قال قال لي أمية بن خلف ، وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما : يا عبد الإله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره ؟ قال قلت : ذاك حمزة بن عبد المطلب ، قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال عبد الرحمن فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معى - وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ترك الإسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت ، فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد . قال فلما رآه قال رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا . قال قلت : أي بلال أبأسيري قال لا نجوت إن نجا .
قال قلت : أتسمع يا ابن السوداء قال لا نجوت إن نجا . قال ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا . قال فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه . قال فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط . قال فقلت : انج بنفسك ، ولا نجاء بك فوالله ما أغني عنك شيئا . قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما . قال فكان عبد الرحمن يقول يرحم الله بلالا ، ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري
[شهود الملائكة وقعة بدر ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال حدثني رجل من بني غفار ، قال أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب . قال فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة ، وكان شهد بدرا ، قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه ولا أتمارى .
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن رجال من بني مازن بن النجار عن أبي داود المازني وكان شهد بدرا ، قال إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن مقسم ، مولى عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن عباس ، قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها على ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن علي بن أبي طالب قال العمائم تيجان العرب ، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون .

maher 11-11-2005 07:22 AM

[ عود إلى مقتل أبي جهل]
قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى . وكان أول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وعبد الله بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قالا : قال معاذ ابن عمرو بن الجموح ، أخو بني سلمة سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة - قال ابن هشام : الحرجة الشجر الملتف .
وفي الحديث عن عمر بن الخطاب : أنه سأل أعرابيا عن الحرجة فقال هي شجرة من الأشجار لا يوصل إليها - وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص إليه . قال فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها
قال وضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي ، وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها .
قال ابن إسحاق : ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمان عثمان . ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق . وقاتل معوذ حتى قتل .
فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى ، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - انظروا ، إن خفي عليكم في القتلى ، إلى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت يوما أنا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في إحداهما جحشا لم يزل أثره به . قال عبد الله بن مسعود : فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه - قال وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني ولكزني ، ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال وبماذا أخزاني ، أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال قلت : لله ولرسوله .
قال ابن هشام : ضبث قبض عليه ولزمه . قال ضابئ بن الحارث البرجمي
فأصبحت مما كان بيني وبينكم من الود مثل الضابث الماء باليد
قال ابن هشام : ويقال أعار على رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال ابن إسحاق : وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول قال لي : لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم قال ثم احترزت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آلله الذي لا إله غيره - قال وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال قلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله .
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي : أن عمر ابن الخطاب قال لسعيد بن العاص ومر به إني أراك كأن في نفسك شيئا ، أراك تظن أني قتلت أباك ، إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة ، فأما أبوك فإني مررت ( به ) وهو يبحث بحث الثور بروقه فحدت عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله .
[ قصة سيف عكاشة ]
قال ابن إسحاق : وقاتل عكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي ، حليف بني عبد شمس بن عبد مناف يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب فقال قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى : العون . ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده قتله طليحة بن خويلد الأسدي ،
وعكاشة بن محصن الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة سبعون ألفا من أمتي على صورة القمر ليلة البدر قال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال إنك منهم أو اللهم اجعله منهم فقام رجل من الأنصار . فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا عن أهله منا خير فارس في العرب ، قالوا : ومن هو يا رسول الله ؟ قال عكاشة بن محصن فقال ضرار بن الأزور الأسدي : ذاك رجل منا يا رسول الله قال ليس منكم ولكنه منا للحلف .
[حديث بين أبي بكر وابنه عبد الرحمن يوم بدر ]
قال ابن هشام : ونادى أبو بكر الصديق ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين فقال أين مالي يا خبيث ؟ فقال عبد الرحمن
لم يبق غير شكة ويعبوب وصارم يقتل ضلال الشيب
فيما ذكر لي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي .
[ طرح المشركين في القليب ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة ، قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب ، طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف ، فإنه انتفخ في درعه فملأها ، فذهبوا ليحركوه فتزايل لحمه فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة . فلما ألقاهم في القليب ، وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل القليب ، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا .
قالت فقال له أصحابه يا رسول الله أتكلم قوما موتى ؟ فقال لهم لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا .
قالت عائشة : والناس يقولون لقد سمعوا ما قلت لهم وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علموا
قال ابن إسحاق : وحدثني حميد الطويل . عن أنس بن مالك ، قال سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل وهو يقول يا أهل القليب ، يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ، ويا أمية بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام ، فعدد من كان منهم في القليب : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ؟ فقال المسلمون يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا ؟ قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم هذه المقالة يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس ثم قال هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ للمقالة التي قال .
ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب ، أخذ عتبة بن ربيعة ، فسحب إلى القليب ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير لونه فقال يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء ؟ أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقال لا ، والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه ولكنني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا ، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا
[ ذكر الفتية الذين نزل فيهم إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ]
وكان الفتية الذين قتلوا ببدر فنزل فيهم من القرآن ، فيما ذكر لنا : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا فتية مسلمين من بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الحارث بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب ابن أسد .
ومن بني مخزوم أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .
ومن بني جمح علي بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح
ومن بني سهم العاص بن منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد ابن سهم . وذلك أنهم كانوا أسلموا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعا .
[ ذكر الفيء ببدر والأسارى ]
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه هو لنا ، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه والله لولا نحن ما أصبتموه لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو : والله ما أنتم بأحق به منا ، والله لقد رأينا أن نقتل العدو إذ منحنا الله تعالى أكتافه ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان ابن موسى ، عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي - واسمه صدي بن عجلان فيما قال ابن هشام - قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسوله فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء يقول على السواء .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال حدثني بعض بني ساعدة عن أبي أسيد الساعدي مالك بن ربيعة ، قال أصبت سيف بني عائذ المخزوميين الذي يسمى المرزبان يوم بدر فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يردوا ما في أيديهم من النفل أقبلت حتى ألقيته في النفل . قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئا سئله فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه .
[ بعث ابن رواحة وزيد بشيرين ]
قال ابن إسحاق : ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله ابن رواحة بشيرا إلى أهل العالية ، بما فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة .
قال أسامة بن زيد فأتانا الخبر - حين سوينا التراب على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان - أن زيد بن حارثة ( قد ) قدم . قال فجئته وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام وزمعة بن الأسود ، وأبو البختري العاص بن هشام وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج . قال قلت : يا أبت أحق هذا ؟ قال نعم والله يا بني .

maher 11-11-2005 07:23 AM

[ قفول رسول الله من بدر ]
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة ، ومعه الأسارى من المشركين وفيهم عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث واحتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه النفل الذي أصيب من المشركين وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار فقال راجز من المسلمين - قال ابن هشام : يقال : إنه عدي بن أبي الزغباء :
أقم لها صدورها يا بسبس ليس بذي الطلح لها معرس
ولا بصحراء غمير محبس
إن مطايا القوم لا تخيس
فحملها على الطريق أكيس قد نصر الله وفر الأخنس
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية - يقال له سير - إلى سرحة به .
فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة - كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، ويزيد بن رومان - : ما الذي تهنئوننا به ؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقلة فنحرناها ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أي ابن أخي ، أولئك الملأ .
قال ابن هشام : الملأ الأشراف والرؤساء .
[ مقتل النضر وعقبة ]
قال ابن إسحاق : حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي طالب ، كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة .
قال ابن إسحاق : ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط .
قال ابن هشام : عرق الظبية عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : والذي أسر عقبة عبد الله بن سلمة أحد بني العجلان .
قال ابن إسحاق : فقال عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فمن للصبية يا محمد ؟ قال النار . فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري ، أخو بني عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر .
قال ابن هشام : ويقال قتله علي بن أبي طالب فيما ذكر لي ابن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم .
قال ابن إسحاق : ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند ، مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا .
قال ابن هشام : الحميت الزق ، وكان قد تخلف عن بدر ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو أبو هند امرئ من الأنصار فأنكحوه وأنكحوا إليه ففعلوا .
قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم .
قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أسعد بن زرارة قال قدم بالأسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء ، في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء ، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب .
قال تقول سودة والله إني لعندهم إذ أتينا ، فقيل هؤلاء الأسارى ، قد أتي بهم . قالت فرجعت إلى بيتي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل قالت فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت : أي أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراما ، فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت يا سودة أعلى الله ورسوله تحرضين ؟ قالت قلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت
قال ابن إسحاق : وحدثني نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه وقال استوصوا بالأسارى خيرا
قال وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم ، أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى . قال فقال أبو عزيز مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني ، فقال شد يديك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك ، قال وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها . قال فأستحيي فأردها على أحدهم فيردها علي ما يمسها .
[ بلوغ مصاب قريش إلى مكة ]
قال ابن هشام : وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر وهو الذي أسره ما قال قال له أبو عزيز يا أخي ، هذه وصاتك بي ، فقال له مصعب إنه أخي دونك . فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي ، فقيل لها : أربعة آلاف درهم فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها .
قال ابن إسحاق : وكان أول من قدم مكة ( بمصاب ) قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي ، فقالوا : ما وراءك ؟ قال قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام فلما جعل يعدد أشراف قريش ، قال صفوان بن أمية ، وهو قاعد في الحجر : والله إن يعقل هذا فاسألوه عني ; فقالوا : ( و ) ما فعل صفوان بن أمية ؟ قال ها هو ذاك جالسا في الحجر ، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا
قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، قال قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكذلك كانوا صنعوا ، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا ، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش ، كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا . قال وكنت رجلا ضعيفا ، وكنت أعمل الأقداح . أنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحي ، وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري ، فبينما هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب - قال ابن هشام : واسم أبي سفيان المغيرة - قد قدم قال فقال أبو لهب هلم إلي فعندك لعمري الخبر ، قال فجلس ( إليه ) والناس قيام عليه فقال يا ابن أخي ، أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقودوننا كيف شاءوا ، ويأسروننا كيف شاءوا ، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا ، على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما تليق شيئا ، ولا يقوم لها شيء . قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت تلك والله الملائكة قال فرفع أبو لهب يده فضرب بها وجهي ضربة شديدة . قال وشاورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا ، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فعلت في رأسه شجة منكرة وقالت استضعفته أن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا ، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته
[ نواح قريش على قتلاهم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال ناحت قريش على قتلاهم ، ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء قال وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده زمعة بن الأسود ، وعقيل بن الأسود والحارث بن زمعة وكان يحب أن يبكي على بنيه فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له وقد ذهب بصره انظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة فإن جوفي قد احترق . قال فلما رجع إليه الغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته . قال فذاك حين يقول الأسود
أتبكي أن يضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكي إن بكيت على عقيل وبكي حارثا أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمي جميعا وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ولولا يوم بدر لم يسودوا
قال ابن هشام : هذا إقواء وهي مشهورة من أشعارهم وهي عندنا إكفاء .
وقد أسقطنا من رواية ابن إسحاق ما هو أشهر من هذا .
قال ابن إسحاق : وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال وكأنكم له قد جاءكم في طلب فداء أبيه فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسرائكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه قال المطلب بن أبي وداعة - وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عني - : صدقتم لا تعجلوا ، وانسل من الليل فقدم المدينة ، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم فانطلق به .
[ أمر سهيل بن عمرو وفداؤه ]
( قال ) : ثم بعثت قريش في فداء الأسارى ، فقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو ، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم ، أخو بني سالم بن عوف فقال
أسرت سهيلا فلا أبتغي أسيرا به من جميع الأمم
وخندف تعلم أن الفتى فتاها سهيل إذا يظلم
ضربت بذي الشفر حتى انثنى وأكرهت نفسي على ذي العلم
وكان سهيل رجلا أعلم من شفته السفلى .
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لمالك بن الدخشم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بني عامر بن لؤي : أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو ، ويدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا
قال ابن إسحاق : وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا الحديث إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه
قال ابن هشام : وسأذكر حديث ذلك المقام في موضعه إن شاء الله تعالى .
قال ابن إسحاق : فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضاهم قالوا : هات الذي لنا ، قال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه . فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرزا مكانه عندهم فقال مكرز
فديت بأذواد ثمان سبا فتى ____ ينال الصميم غرمها لا المواليا
رهنت يدي والمال أيسر من يدي ____ علي ولكني خشيت المخازيا
وقلت سهيل خيرنا فاذهبوا به _____ لأبنائنا حتى ندير الأمانيا
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا لمكرز .

maher 11-11-2005 07:24 AM

[ أسر عمرو بن أبي سفيان وإطلاقه ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال كان عمرو بن أبي سفيان بن حرب ، وكان لبنت عقبة بن أبي معيط - قال ابن هشام : أم عمرو بن أبي سفيان بنت أبي عمرو ، وأخت أبي معيط بن أبي عمرو - أسيرا في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسرى بدر .
قال ابن هشام : أسره علي بن أبي طالب
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال فقيل لأبي سفيان افد عمرا ابنك ; قال أيجمع علي دمي ومالي قتلوا حنظلة وأفدي عمرا دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم . قال فبينما هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال ، أخو بني عمرو بن عوف ثم أحد بني معاوية معتمرا ومعه مرية له وكان شيخا مسلما ، في غنم له بالنقيع فخرج من هناك معتمرا ، ولا يخشى الذي صنع به لم يظن أنه يحبس بمكة إنما جاء معتمرا . وقد كان عهد قريشا لا يعرضون لأحد جاء حاجا ، أو معتمرا إلا بخير فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة فحبسه بابنه عمرو ، ثم قال أبو سفيان
أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا
فإن بني عمرو لئام أذلة لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا
فأجابه حسان بن ثابت فقال
لو كان سعد يوم مكة مطلقا لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا
بعضب حسام أو بصفراء نبعة تحن إذا ما أنبضت تحفز النبلا
ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا به صاحبهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد .
[ أسر أبي العاص بن الربيع ]
قال ابن إسحاق : وقد كان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب .
قال ابن هشام : أسره خراش بن الصمة ، أحد بني حرام .
[ سبب زواج أبي العاص من زينب ]
قال ابن إسحاق : وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا ، وأمانة وتجارة وكان لهالة بنت خويلد وكانت خديجة خالته . فسألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها ، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي فزوجه وكانت تعده بمنزلة ولدها . فلما أكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت به خديجة وبناته فصدقته وشهدن أن ما جاء به الحق ، ودن بدينه وثبت أبو العاص على شركه .
[ سعي قريش في تطليق بنات الرسول من أزواجهن ]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج عتبة بن أبي لهب رقية أو أم كلثوم . فلما بادى قريشا بأمر الله تعالى وبالعداوة قالوا : إنكم قد قرغتم محمدا من همه فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن . فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت قال لا والله إني لا أفارق صاحبتي ، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في صهره خيرا ، فيما بلغني . ثم مشوا إلى عتبة بن أبي لهب ، فقالوا له طلق بنت محمد ونحن ننكحك أي امرأة من قريش شئت ، فقال إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص ، أو بنت سعيد بن العاص فارقتها . فزوجوه بنت سعيد بن العاص وفارقها ، ولم يكن دخل بها ، فأخرجها الله من يده كرامة لها ، وهوانا له وخلف عليها عثمان بن عفان بعده .
[ أبو العاص عند الرسول وبعث زينب في فدائه ]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوبا على أمره وكان الإسلام قد فرق بين زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرق بينهما ، فأقامت معه على إسلامها وهو على شركه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صارت قريش إلى بدر صار فيهم أبو العاص بن الربيع فأصيب في الأسارى يوم بدر فكان بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد عن عائشة قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها ، قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها ، وتردوا عليها مالها ، فافعلوا فقالوا : نعم يا رسول الله . فأطلقوه وردوا عليها الذي لها .
خروج زينب إلى المدينة
( قال ) : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أو وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أن يخلي سبيل زينب إليه أو كان فيما شرط عليه في إطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم ما هو إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخلي سبيله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار مكانه فقال كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها . فخرجا مكانهما ، وذلك بعد بدر بشهر أو شيعه فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها ، فخرجت تجهز .
[ هند تحاول تعرف أمر زينب ]
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال حدثت عن زينب أنها قالت بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي لقيتني هند بنت عتبة ، فقالت يا بنت محمد ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟ قالت فقلت : ما أردت ذلك فقالت أي ابنة عمي ، لا تفعلي ، إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك ، أو بمال تتبلغين به إلى أبيك ، فإن عندي حاجتك ، فلا تضطني مني ، فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال . قالت والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل قالت ولكني خفتها ، فأنكرت أن أكون أريد ذلك وتجهزت .
[ ما أصاب زينب من قريش عند خروجها ومشورة أبي سفيان ]
فلما فرغت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهازها قدم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيرا ، فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها ، وهي في هودج لها . وتحدث بذلك رجال من قريش ، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى ، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، والفهري ، فروعها هبار بالرمح وهي في هودجها ، وكانت المرأة حاملا - فيما يزعمون - فلما ريعت طرحت ذا بطنها ، وبرك حموها كنانة ونثر كنانته ثم قال والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما ، فتكركر الناس عنه .
وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك ، فكف فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال إنك لم تصب خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا ، وما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية على رءوس الناس من بين أظهرنا ، أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا التي كانت وأن ذلك منا ضعف ووهن ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة وما لنا في ذلك من ثورة ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها ، فسلها سرا ، وألحقها بأبيها ; قال ففعل . فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ الرسول يحل دم هبار ]
قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي إسحاق الدوسي عن أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها ، فقال لنا : إن ظفرتم بهبار بن الأسود أو الرجل ( الآخر ) الذي سبق معه إلى زينب - قال ابن هشام : وقد سمى ابن إسحاق الرجل في حديثه ( وقال هو نافع بن عبد قيس ) - فحرقوهما بالنار . قال فلما كان الغد بعث إلينا ، فقال إني كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموهما ، ثم رأيت أنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا الله فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما .
إسلام أبي العاص بن الربيع
قال ابن إسحاق : وأقام أبو العاص بمكة ، وأقامت زينب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، حين فرق بينهما الإسلام حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام ، وكان رجلا مأمونا ، بمال له وأموال لرجال من قريش ، أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا ، لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا ، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها ، فأجارته وجاء في طلب ماله فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح - كما حدثني يزيد بن رومان فكبر وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع .
قال فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال أيها الناس هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم قال أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم إنه يجير على المسلمين أدناهم . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته فقال أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك ، فإنك لا تحلين له .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص فقال لهم إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به فقالوا : يا رسول الله بل نرده عليه فردوه عليه حتى إن الرجل ليأتي بالدلو ويأتي الرجل بالشنة وبالإداوة حتى إن أحدهم ليأتي بالشظاظ حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا
ثم احتمل إلى مكة ، فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ومن كان أبضع معه ثم قال يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا : لا . فجزاك الله خيرا ، فقد وجدناك وفيا كريما قال فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت . ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئا ( بعد ست سنين ) .

maher 11-11-2005 07:26 AM

مثل من أمانة أبي العاص
 
[ مثل من أمانة أبي العاص ]
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة أن أبا العاص بن الربيع لما قدم من الشام ومعه أموال المشركين قيل له هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال ، فإنها أموال المشركين ؟ فقال أبو العاص بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي
قال ابن هشام : وحدثني عبد الوارث بن سعيد التنوري ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر الشعبي ، بنحو من حديث أبي عبيدة عن أبي العاص .
إسلام عمير بن وهب
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر .
قال ابن هشام : أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، قال فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان والله إن في العيش بعدهم خير قال له عمير صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي ، لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم قال فاغتنمها صفوان وقال علي دينك ، أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا ، لا يسعني شيء ويعجز عنهم فقال له عمير فاكتم شأني وشأنك ، قال أفعل .
قال ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة ، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف ، فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر وهو الذي حرش بيننا ، وحزرنا للقوم يوم بدر . ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال فأدخله علي قال فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها ، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير ، فدنا ثم قال انعموا صباحا ، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة فقال أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد قال فما جاء بك يا عمير ؟ قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه قال فما بال السيف في عنقك ؟ قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا ؟ قال اصدقني ، ما الذي جئت له ؟ قال ما جئت إلا لذلك ، قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر ، فذكرتما أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا ، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك ، على أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك قال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم في دينه . وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره ففعلوا .
ثم قال يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل وأنا أحب أن تأذن لي ، فأقدم مكة ، فأدعوهم إلى الله تعالى ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم ؟ قال فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة . وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب ، يقول أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا ، ولا ينفعه بنفع أبدا .
قال ابن إسحاق : فلما قدم عمير مكة ، أقام بها يدعو إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديدا ، فأسلم على يديه ناس كثير .
قال ابن إسحاق : وعمير بن وهب ، أو الحارث بن هشام ، قد ذكر لي أحدهما ، الذي رأى إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر فقال أين أي سراقة ؟ ومثل عدو الله فذهب فأنزل الله تعالى فيه . وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فذكر استدراج إبليس إياهم وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم .
يقول الله تعالى : فلما تراءت الفئتان ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيد الله بهم رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون وصدق عدو الله رأى ما لم يروا ، وقال إني أخاف الله والله شديد العقاب فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم .
نزول سورة الأنفال
قال ابن إسحاق : فلما انقضى أمر بدر أنزل الله عز وجل فيه من القرآن الأنفال بأسرها ، فكان مما نزل منها في اختلافهم في النفل حين اختلفوا فيه يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
فكان عبادة بن الصامت - فيما بلغني - إذا سئل عن الأنفال قال فينا معشر أهل بدر نزلت حين اختلفنا في النفل يوم بدر فانتزعه الله من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقنا ، فرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بيننا عن بواء - يقول على السواء - وكان في ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين .
[ ما نزل في خروج القوم مع الرسول لملاقاة قريش ]
ثم ذكر القوم ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرف القوم أن قريشا قد ساروا إليهم وإنما خرجوا يريدون العير طمعا في الغنيمة فقال كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون أي كراهية للقاء القوم وإنكارا لمسير قريش ، حين ذكروا لهم
وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم أي الغنيمة دون الحرب ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين أي بالوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر
إذ تستغيثون ربكم أي لدعائهم حين نظروا إلى كثرة عدوهم وقلة عددهم فاستجاب لكم بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين إذ يغشيكم النعاس أمنة منه أي أنزلت عليكم الأمنة حين نمتم لا تخافون وينزل عليكم من السماء ماء للمطر الذي أصابهم تلك الليلة فحبس المشركين أن يسبقوا إلى الماء وخلى سبيل المسلمين إليه ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام أي ليذهب عنكم شك الشيطان لتخويفه إياهم عدوهم واستجلاد الأرض لهم حتى انتهوا إلى منزلهم الذي سبقوا إليه عدوهم .
[ ما نزل في تبشير المسلمين بالمساعدة والنصر وتحريضهم ]
ثم قال تعالى : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا أي آزروا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ثم قال يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير أي تحريضا لهم على عدوهم لئلا ينكلوا عنهم إذا لقوهم وقد وعدهم الله فيهم ما وعدهم .
[ ما نزل في رمي الرسول للمشركين بالحصباء ]
ثم قال تعالى في رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالحصباء من يده حين رماهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أي لم يكن ذلك برميتك ، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك ، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم الله وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوهم وقلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته .
[ ما نزل في الاستفتاح ]
ثم قال إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح أي لقول أبي جهل : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة . والاستفتاح الإنصاف في الدعاء . يقول الله جل ثناؤه وإن تنتهوا أي لقريش فهو خير لكم وإن تعودوا نعد أي بمثل الوقعة التي أصبناكم بها يوم بدر ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين أي أن عددكم وكثرتكم في أنفسكم لن تغني عنكم شيئا ، وإني مع المؤمنين أنصرهم على من خالفهم .
[ ما نزل في حض المسلمين على طاعة الرسول ]
ثم قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون أي لا تخالفوا أمره وأنتم تسمعون لقوله وتزعمون أنكم منه ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون أي كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة ويسرون له المعصية إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون أي المنافقون الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم بكم عن الخير صم عن الحق لا يعقلون لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتباعة ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم أي لأنفذ لهم قولهم الذي قالوا بألسنتهم ولكن القلوب خالفت ذلك منهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ما وفوا لكم بشيء مما خرجوا عليه .
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم أي للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون
أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم ثم تخالفوه في السر إلى غيره فإن ذلك هلاك لأماناتكم وخيانة لأنفسكم .
يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم أي فصلا بين الحق والباطل ليظهر الله به حقكم ويطفئ به باطل من خالفكم .
[ ما نزل في ذكر نعمة الله على الرسول ]
ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعمته عليه حين مكر به القوم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم .
[ ما نزل في غرة قريش واستفتاحهم ]
ثم ذكر غرة قريش واستفتاحهم على أنفسهم إذ قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أي ما جاء به محمد فأمطر علينا حجارة من السماء كما أمطرتها على قوم لوط أو ائتنا بعذاب أليم أي بعض ما عذبت به الأمم قبلنا ، وكانوا يقولون إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره ولم يعذب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها .
وذلك من قولهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم حين نعى سوء أعمالهم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون أي لقولهم إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا ، ثم قال وما لهم ألا يعذبهم الله وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون كما يقولون وهم يصدون عن المسجد الحرام أي من آمن بالله وعبده أي أنت ومن اتبعك ، وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون الذين يحرمون حرمته ويقيمون الصلاة عنده أي أنت ومن آمن بك ولكن أكثرهم لا يعلمون
وما كان صلاتهم عند البيت التي يزعمون أنه يدفع بها عنهم إلا مكاء وتصدية

maher 11-11-2005 07:28 AM

[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : المكاء الصفير . والتصدية التصفيق . قال عنترة بن عمرو ( ابن شداد ) العبسي
ولرب قرن قد تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الأعلم
يعني : صوت خروج الدم من الطعنة كأنه الصفير . وهذا البيت في قصيدة له . وقال الطرماح بن حكيم الطائي :
لها كلما ريعت صداة وركدة بمصدان أعلى ابني شمام البوائن
وهذا البيت في قصيدة له . يعني الأروية يقول إذا فزعت قرعت بيدها الصفاة ثم ركدت تسمع صدى قرعها بيدها الصفاة مثل التصفيق . والمصدان الحرز . وابنا شمام جبلان . قال ابن إسحاق : وذلك ما لا يرضي الله عز وجل ولا يحبه ولا ما افترض عليهم ولا ما أمرهم به فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون أي لما أوقع بهم يوم بدر من القتل .
[المدة بين يا أيها المزمل وبدر ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد عن عائشة قالت ما كان بين نزول يا أيها المزمل وقول الله تعالى فيها : وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما إلا يسير حتى أصاب الله قريشا بالوقعة يوم بدر .
[ ما نزل فيمن عاونوا أبا سفيان ]
قال ابن إسحاق : ثم قال الله عز وجل إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة فسألوهم أن يقووهم بها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا .
ثم قال قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا لحربك فقد مضت سنة الأولين أي من قتل منهم يوم بدر .
[ الأمر بقتال الكفار ]
ثم قال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله أي حتى لا يفتن مؤمن عن دينه ويكون التوحيد لله خالصا ليس له فيه شريك ويخلع ما دونه من الأنداد فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم فاعلموا أن الله مولاكم الذي أعزكم ونصركم عليهم يوم بدر في كثرة عددهم وقلة عددكم نعم المولى ونعم النصير
[ ما نزل في تقسيم الفيء ]
ثم أعلمهم مقاسم الفيء وحكمه فيه حين أحله لهم فقال واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير
أي يوم فرقت فيه بين الحق والباطل بقدرتي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم إذ أنتم بالعدوة الدنيا من الوادي وهم بالعدوة القصوى من الوادي إلى مكة والركب أسفل منكم أي عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعاد منكم ولا منهم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد أي ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي ليقضي ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الكفر وأهله عن غير بلاء منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ثم قال ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك .
[ ما نزل في لطف الله بالرسول ]
ثم ذكر لطفه به وكيده له ثم قال إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور فكان ما أراك من ذلك نعمة من نعمه عليهم شجعهم بها على عدوهم وكف بها عنهم ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم .
قال ابن هشام : تخوف مبدلة من كلمة ذكرها ابن إسحاق ولم أذكرها وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته .
[ ما نزل في وعظ المسلمين وتعليمهم خطط الحرب ]
ثم وعظهم وفهمهم وأعلمهم الذي ينبغي لهم أن يسيروا به في حربهم فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة تقاتلونهم في سبيل الله عز وجل فاثبتوا واذكروا الله كثيرا الذي له بذلتم أنفسكم والوفاء له بما أعطيتموه من بيعتكم لعلكم تفلحون .
وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا أي لا تختلفوا فيتفرق أمركم وتذهب ريحكم أي وتذهب حدتكم واصبروا إن الله مع الصابرين أي إني معكم إذا فعلتم ذلك ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس أي لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا : لا نرجع حتى نأتي بدرا فننحر بها الجزر وتسقى بها الخمر وتعزف علينا فيها القيان وتسمع العرب : أي لا يكون أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم وموازرة نبيكم لا تعملوا إلا لذلك ولا تطلبوا غيره .
ثم قال تعالى : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
قال ابن هشام : وقد مضى تفسير هذه الآية .
قال ابن إسحاق : ثم ذكر الله تعالى أهل الكفر وما يلقون عند موتهم ووصفهم بصفتهم وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عنهم حتى انتهى إلى أن قال فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون أي فنكل بهم من ورائهم لعلهم يعقلون وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم إلى قوله تعالى : وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون أي لا يضيع لكم عند الله أجره في الآخرة وعاجل خلفه في الدنيا ثم قال تعالى : وإن جنحوا للسلم فاجنح لها أي إن دعوك إلى السلم على الإسلام فصالحهم عليه وتوكل على الله إن الله كافيك إنه هو السميع العليم
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو من وراء ذلك . هو الذي أيدك بنصره بعد الضعف وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم على الهدى الذي بعثك الله به إليهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم بدينه الذي جمعهم عليه إنه عزيز حكيم
ثم قال تعالى : يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون أي لا يقاتلون على نية ولا حق ولا معرفة بخير ولا شر .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس قال لما نزلت هذ الآية اشتد على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين ومئة ألفا ، فخفف الله عنهم فنسختها الآية الأخرى ، فقال الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين قال فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم
[ ما نزل في الأسارى والمغانم ]
قال ابن إسحاق : ثم عاتبه الله تعالى في الأسارى ، وأخذ المغانم ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنما ، من عدو له .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد أبو جعفر بن علي بن الحسين ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأعطيت جوامع الكلم وأحلت لي المغانم ولم تحلل لنبي كان قبلي ، وأعطيت الشفاعة خمس لم يؤتهن نبي قبلي
قال ابن إسحاق : فقال ما كان لنبي أي قبلك أن يكون له أسرى من عدوه حتى يثخن في الأرض أي يثخن عدوه حتى ينفيه من الأرض تريدون عرض الدنيا أي المتاع الفداء بأخذ الرجال والله يريد الآخرة أي قتلهم لظهور الدين الذي يريد إظهاره والذي تدرك به الآخرة لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم أي من الأسارى والمغانم عذاب عظيم أي لولا أنه سبق مني أني لا أعذب إلا بعد النهي ولم يك نهاهم لعذبتكم فيما صنعتم ثم أحلها له ولهم رحمة منه وعائدة من الرحمن الرحيم فقال فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم
ثم قال يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم

maher 11-11-2005 07:29 AM

[ ما نزل في التواصل بين المسلمين ]
وحض المسلمين على التواصل وجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض ثم قال إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أي إلا يوال المؤمن المؤمن من دون الكافر وإن كان ذا رحم به تكن فتنة في الأرض أي شبهة في الحق والباطل وظهور الفساد في الأرض بتولي المؤمن الكافر دون المؤمن .
ثم رد المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار دونهم إلى الأرحام التي بينهم فقال والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله أي بالميراث إن الله بكل شيء عليم .
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه قال وأجري يا رسول الله ؟ قال وأجرك وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وسالم مولى أبي حذيفة .
قال ابن هشام : واسم أبي حذيفة مهشم .
[ عدد البدريين جميعا ]
قال ابن إسحاق : فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والأنصار من شهدها منهم ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلاثة مئة رجل وأربعة عشر رجلا ، من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ، ومن الأوس واحد وستون رجلا ، ومن الخزرج مئة وسبعون رجلا .
[ تاريخ الفراغ من بدر ]
قال ابن إسحاق : وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب شهر رمضان أو في شوال .
غزوة بني سليم بالكدر
قال ابن إسحاق : فلما قدم ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لم يقم بها إلا سبع ليال ( حتى ) غزا بنفسه يريد بني سليم .
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : فبلغ ماء من مياههم يقال له الكدر ، فأقام عليه ثلاث ليال
ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، فأقام بها بقية شوال وذا القعدة وأفدى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش .
غزوة السويق
[ عدوان أبي سفيان وخروج الرسول في أثره ]
قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة وولى تلك الحجة المشركون من تلك السنة فكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، ويزيد بن رومان ، ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان من أعلم الأنصار ، حين رجع إلى مكة ، ورجع فل قريش من بدر ، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم فخرج في مئتي راكب من قريش ، ليبر يمينه فسلك النجدية ، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له ثيب ، من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب ، فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له بابه وخافه فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم ، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش إلى المدينة ، فأتوا ناحية منها ، يقال لها : العريض ، فحرقوا في أصوار من نخل بها ، ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما ، فقتلوهما ، ثم انصرفوا راجعين ونذر بهم الناس . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر وهو أبو لبابة فيما قال ابن هشام ، حتى بلغ قرقرة الكدر ، ثم انصرف راجعا ، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه وقد رأوا أزوادا من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أتطمع لنا أن تكون غزوة ؟ قال نعم .
غزوة ذي أمر
فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق ، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها ، ثم غزا نجدا ، يريد غطفان ، وهي غزوة ذي أمر واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام .
قال ابن إسحاق : فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا . فلبث بها شهر ربيع الأول كله أو إلا قليلا منه .
غزوة الفرع من بحران
ثم غزا ( رسول الله ) صلى الله عليه وسلم يريد قريشا ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام .
قال ابن إسحاق : حتى بلغ بحران ، معدنا بالحجاز من ناحية الفرع ، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا .
أمر بني قينقاع
[ نصيحة الرسول لهم وردهم عليه ]
( قال ) : وقد كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بني قينقاع ، وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق ( بني ) قينقاع ثم قال يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم قالوا : يا محمد إنك ترى أنا قومك لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس
[ ما نزل فيهم ]
قال ابن إسحاق : فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة عن ابن عباس ، قال ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
[ كانوا أول من نقض العهد ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد .
[ سبب الحرب بينهم وبين المسلمين ]
قال ابن هشام : وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة ، عن أبي عون قال كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها ، فباعته بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها ، فضحكوا بها ، فصاحت . فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا ، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود ، فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع .
[ ما كان من ابن أبي مع الرسول ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، قال فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه فقام إليه عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم فقال يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج ، قال فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أحسن في موالي قال فأعرض عنه . فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : وكان يقال لها : ذات الفضول .
قال ابن إسحاق : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني ، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ، ثم قال ويحك أرسلني ، قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مئة حاسر وثلاث مئة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة إني والله امرؤ أخشى الدوائر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك .
[ مدة حصارهم ]
قال ابن هشام : واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في محاصرته إياهم بشير بن عبد المنذر وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليل

maher 11-11-2005 07:31 AM

[ تبرؤ ابن الصامت من حلفهم وما نزل فيه وفي ابن أبي ]
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم قال ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي ، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم وقال يا رسول الله أتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم .
قال ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت هذه القصة من المائدة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض أي لعبد الله بن أبي وقوله إني أخشى الدوائر يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ثم القصة إلى قوله تعالى : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا ، وتبرئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون
سرية زيد بن حارثة إلى القردة
[ إصابة زيد للعير وإفلات الرجال ]
قال ابن إسحاق : وسرية زيد بن حارثة التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، حين أصاب عير قريش ، وفيها أبو سفيان بن حرب على القردة ، ماء من مياه نجد . وكان من حديثها : أن قريشا خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون إلى الشأم حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق ، فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب ومعه فضة كثيرة وهي عظم تجارتهم واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل ، يقال له فرات بن حيان يدلهم في ذلك على الطريق .
قال ابن هشام : فرات بن حيان ، من بني عجل حليف لبني سهم .
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها ، وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ مقتل كعب بن الأشرف ]
[استنكاره خبر رسولي الرسول بقتل ناس من المشركين ]
قال ابن إسحاق : وكان من حديث كعب بن الأشرف : أنه لما أصيب أصحاب بدر ، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ، وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه وقتل من قتل من المشركين .
كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وصالح بن أبي أمامة بن سهل كل قد حدثني بعض حديثه قالوا : قال كعب بن الأشرف وكان رجلا من طيئ ثم أحد بني نبهان وكانت أمه من بني النضير حين بلغه الخبر : أحق هذا ؟ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان - يعني زيدا وعبد الله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها .
[ تشبيب كعب بنساء المسلمين والحيلة في قتله ]
ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة من لي بابن الأشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال فافعل إن قدرت على ذلك . فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له لم تركت الطعام والشراب ؟ فقال يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا ؟ فقال إنما عليك الجهد فقال يا رسول الله إنه لا بد لنا من أن نقول قال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك
فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة ، وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل ، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش ، أحد بني عبد الأشهل والحارث بن أوس بن معاذ أحد بني عبد الأشهل وأبو عبس بن جبر أحد بني حارثة ; ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة أبا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدوا شعرا ، وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك ، فاكتم عني ; قال أفعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا به العرب ، ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا .
فقال كعب أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول فقال له سلكان إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ، ونحسن في ذلك فقال أترهنونني أبناءكم ؟ قال لقد أردت أن تفضحنا إن معي أصحابا لي على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها ; قال إن في الحلقة لوفاء قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : ويقال أترهنونني نساءكم ؟ قال كيف نرهنك نساءنا ، وأنت أشب أهل يثرب وأعطوهم قال أترهنونني أبناءكم ؟
قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ، ثم وجههم فقال انطلقوا على اسم الله ; اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها ، وقالت إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة قال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني ; فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر قال يقول لها كعب لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب . فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قال هل لك يا ابن الأشرف أن تتماشى إلى شعب العجوز ، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ؟ قال إن شئتم . فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط ، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها ، فأخذ بفود رأسه ثم قال اضربوا عدو الله فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا .
قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي ، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا ، فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار قال فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله أصابه بعض أسيافنا . قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض ، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ، ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا . قال فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي ، فسلمنا عليه فخرج إلينا . فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل على جرح صاحبنا ، فرجع ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه .
أمر محيصة وحويصة
[ لوم حويصة لأخيه محيصة لقتله يهوديا ثم إسلامه ]
قال ابن إسحاق : وقال رسول الله من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود - قال ابن هشام : ( محيصة ) . ويقال محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس - على ابن سنينة -
قال ابن هشام : ويقال سبينة - رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول أي عدو الله أقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله . قال محيصة فقلت : والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك ; قال فوالله إن كان لأول إسلام حويصة قال آولله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني ؟ قال نعم والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها قال والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة . قال ابن إسحاق : حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة عن ابنه محيصة عن أبيها محيصة .
[ شعر محيصة في لوم أخيه له ]
فقال محيصة في ذلك
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله لطبقت ذفراه بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله متى ما أصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعا وأن لنا ما بين بصرى ومأرب
[رواية أخرى في إسلام حويصة ]
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو المدني قال لما ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة أخذ منهم نحوا من أربع مئة رجل من اليهود ، وكانوا حلفاء الأوس على الخزرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تضرب أعناقهم فجعلت الخزرج تضرب أعناقهم ويسرهم ذلك فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخزرج ووجوههم مستبشرة ونظر إلى الأوس فلم ير ذلك فيهم فظن أن ذلك للحلف الذي بين الأوس وبين بني قريظة ولم يكن بقي من بني قريظة إلا اثنا عشر رجلا ، فدفعهم إلى الأوس ، فدفع إلى كل رجلين من الأوس رجلا من بني قريظة وقال ليضرب فلان وليذفف فلان فكان ممن دفع إليهم كعب بن يهوذا ، وكان عظيما في بني قريظة فدفعه إلى محيصة بن مسعود ، وإلى أبي بردة بن نيار - وأبو بردة الذي رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يذبح جذعا من المعز في الأضحى - وقال ليضربه محيصة وليذفف عليه أبو بردة فضربه محيصة ضربة لم تقطع وذفف أبو بردة فأجهز عليه . فقال حويصة ، وكان كافرا ، لأخيه محيصة أقتلت كعب ابن يهوذا ؟ قال نعم فقال حويصة : أما والله لرب شحم قد نبت في بطنك من ماله إنك للئيم يا محيصة فقال له محيصة لقد أمرني بقتله من لو أمرني يقتلك لقتلتك ; فعجب من قوله ثم ذهب عنه متعجبا .
فذكروا أنه جعل يتيقظ من الليل فيعجب من قول أخيه محيصة . حتى أصبح وهو يقول والله إن هذا لدين . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فقال محيصة في ذلك أبياتا قد كتبناها

maher 11-11-2005 07:36 AM

[ المدة بين قدوم الرسول نجران وغزوة أحد ]
قال ابن إسحاق : وكانت إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه من نجران ، جمادى الآخرة ورجبا وشعبان وشهر رمضان وغزته قريش غزوة أحد في شوال سنة ثلاث .
غزوة أحد
وكان من حديث أحد ، كما حدثني محمد بن مسلم الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد ، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا ، أو من قاله منهم .
[ التحريض على غزو الرسول ]
لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ، ورجع فلهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش ، ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا : يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم ، وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا ، ففعلوا .
[ ما نزل في ذلك من القرآن ]
قال ابن إسحاق : ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله تعالى : إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون - عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون
[ اجتماع قريش للحرب ]
فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان ابن حرب وأصحاب العير بأحابيشها ، ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة . وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان فقيرا ذا عيال وحاجة وكان في الأسارى فقال إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك وسلم فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له صفوان بن أمية : يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر ، فأعنا بلسانك ، فاخرج معنا ; فقال إن محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه قال ( بلى ) فأعنا بنفسك ، فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك ، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي ، يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر . فخرج أبو عزة في تهامة ، ويدعو بني كنانة ويقول .
إيها بني عبد مناة الرزام أنتم حماة وأبوكم حام
لا تعدوني نصركم بعد العام لا تسلموني لا يحل إسلام
وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة ، يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
يا مال مال الحسب المقدم أنشد ذا القربى وذا التذمم
من كان ذا رحم ومن لم يرحم الحلف وسط البلد المحرم
عند حطيم الكعبة المعظم
ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشي ، يقذف بحربة له قذف الحبشة ، قلما يخطئ بها ، فقال له اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي ، فأنت عتيق .
[ خروج قريش معهم نساؤهم ]
( قال ) فخرجت قريش بحدها وجدها وحديدها وأحابيشها ، ومن تابعها من بني كنانة ، وأهل تهامة ، وخرجوا معهم بالظعن ؟ التماس الحفيظة وألا يفروا . فخرج أبو سفيان بن حرب ، وهو قائد الناس بهند بنة عتبة وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة ، وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية وهي أم عبد الله بن صفوان بن أمية .
قال ابن هشام : ويقال رقية . قال ابن إسحاق : وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج وهي أم عبد الله بن عمرو ، وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية وهي أم بني طلحة مسافع والجلاس وكلاب قتلوا يومئذ ( هم ) وأبوهم وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزيز بن عمير وهي أم مصعب بن عمير ، وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة . وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها ، قالت ويها أبا دسمة اشف واستشف وكان وحشي يكنى بأبي دسمة فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي ، مقابل المدينة .
[ رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
( قال ) فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين إني قد رأيت والله خيرا ، رأيت بقرا ، ورأيت في ذباب سيفي ثلما ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت بقرا لي تذبح ؟ قال فأما البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم الذي رأيت في ذباب سيفي ، فهو رجل من أهل بيتي يقتل
[ مشاورة الرسول القوم في الخروج أو البقاء ]
قال ابن إسحاق : فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك وألا يخرج إليهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيره ممن كان فاته بدر يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا ؟ فقال عبد الله بن أبي ابن سلول يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا ، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا . فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته فلبس لأمته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة . وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو ، أحد بني النجار فصلى عليه رسول صلى الله عليه وسلم ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك . فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله استكرهناك ولم يكن ذلك لنا ، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه . قال ابن هشام : واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس .
[ انخذال المنافقين ]
قال ابن إسحاق : حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد ، انخزل عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال . قال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه .
قال ابن هشام : وذكر غير زياد عن محمد بن إسحاق عن الزهري : أن الأنصار يوم أحد ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود ؟ فقال لا حاجة لنا فيهم
[ حادثة تفاءل بها الرسول ]
قال زياد حدثني محمد بن إسحاق قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة ، فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله .
قال ابن هشام : ويقال كلاب سيف .
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحب الفأل ولا يعتاف لصاحب السيف شم سيفك ، فإني أرى السيوف ستسل اليوم .
[ ما كان من مربع حين سلك المسلمون حائطه ]
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه من رجل يخرج بنا على القوم من كثب أي من قرب من طريق لا يمر بنا عليهم ؟ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة ، وبين أموالهم حتى سلك في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب ويقول إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي .
وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك . فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر وقد بدر إليه سعد بن زيد ، أخو بني عبد الأشهل ، قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فضربه بالقوس في رأسه فشجه .

maher 11-11-2005 07:38 AM

[ نزول الرسول بالشعب وتعبيته للقتال ]
قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب وتعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبع مئة رجل وأمر على الرماة عبد الله بن جبير ، أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض والرماة خمسون رجلا ، فقال انضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، أخي بني عبد الدار .
[ من أجازهم الرسول وهم في الخامسة عشرة ]
قال ابن هشام : وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج ، أخا بني حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة وكان قد ردهما ، فقيل له يا رسول الله إن رافعا رام ، فأجازه فلما أجاز رافعا ، قيل له يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا ، فأجازه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت ، أحد بني مالك بن النجار والبراء بن عازب ، أحد بني حارثة ، وعمرو بن حزم ، أحد بني مالك بن النجار وأسيد بن ظهير ، أحد بني حارثة ثم أجازهم يوم الخندق ، وهم أبناء خمس عشرة سنة .
قال ابن إسحاق : وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل ومعهم مئتا فرس قد جنبوها ، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل .
[ أمر أبي دجانة ]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة ، أخو بني ساعدة فقال وما حقه يا رسول الله ؟ قال أن تضرب به العدو حتى ينحني قال أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء ، فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه وجعل يتبختر بين الصفين .
قال ابن إسحاق : فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن .
[ أمر أبي عامر الفاسق ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه خمسون غلاما من الأوس ، وبعض الناس كان يقول كانوا خمسة عشر رجلا ، وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة ، فنادى : يا معشر الأوس ، أنا أبو عامر قالوا : فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق - وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق - فلما سمع ردهم عليه قال لقد أصاب قومي بعدي شر ، ثم قاتلهم قتالا شديدا ، ثم راضخهم بالحجارة .
[ أسلوب أبي سفيان في تحريض قريش ]
قال ابن إسحاق : وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم بذلك على القتال يا بني عبد الدار إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا ، فإما أن تكفونا لواءنا ، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا : نحن نسلم إليك لواءنا ، ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع وذلك أراد أبو سفيان .
[ تمام قصة أبي دجانة ]
قال ابن إسحاق : فاقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس .
قال ابن هشام : حدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام قال وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة وقلت : أنا ابن صفية عمته ، ومن قريش ، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله فأعطاه إياه وتركني ، والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء ، فعصب بها رأسه فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت ، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها فخرج وهو يقول
أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول
قال ابن هشام : ويروى في الكبول .
قال ابن إسحاق : فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله . وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه . فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا ، فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ، ثم عدل السيف عنها . قال الزبير فقلت الله ورسوله أعلم .
قال ابن إسحاق : وقال أبو دجانة سماك بن خرشة : رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا ، فصمدت له فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة .
[ مقتل حمزة ]
وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني وكان يكنى بأبي نيار فقال له حمزة هلم إلي يا ابن مقطعة البظور - وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي .
( قال ابن هشام : شريق بن الأخنس بن شريق ) . وكانت ختانة بمكة - فلما التقيا ضربه حمزة فقتله .
قال وحشي ، غلام جبير بن مطعم : والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق به شيئا ، مثل الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى ، فقال له حمزة هلم إلي يا ابن مقطعة البظور فضربه ضربة فكأن ما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي ، فغلب فوقع وأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ، ثم تنحيت إلى العسكر ولم تكن لي بشيء حاجة غيره
[ وحشي يحدث الضمري وابن الخيار عن قتله حمزة ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار ، أخو بني نوفل بن عبد مناف في زمان معاوية بن أبي سفيان ، فأدربنا مع الناس فلما قفلنا مررنا بحمص - وكان وحشي ، مولى جبير بن مطعم ، قد سكنها ، وأقام بها - فلما قدمناها ، قال لي عبيد الله بن عدي هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله ؟ قال قلت له إن شئت . فخرجنا نسأل عنه بحمص فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلبت عليه الخمر فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا ، وتجدا عنده بعض ما تريدان وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه وإن تجداه وبه بعض ما يكون به فانصرفا عنه ودعاه قال فخرجنا نمشي حتى جئناه فإذا هو بفناء داره على طنفسة له فإذا شيخ كبير مثل البغاث .
- قال ابن هشام : البغاث ضرب من الطير إلى السواد - فإذا هو صاح لا بأس به . قال فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال ابن لعدي بن الخيار أنت ؟ قال نعم قال أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى ، فإني ناولتكها وهي على بعيرها ، فأخذتك بعرضيك ، فلمعت لي قدماك حين رفعتك إليها ، فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما . قال فجلسنا إليه فقلنا له جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة كيف قتلته ؟ فقال أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك كنت غلاما لجبير بن مطعم وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد ، قال لي جبير إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق قال فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة ، قلما أخطئ بها شيئا ; فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ، ما يقوم له شيء فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى ، فلما رآه حمزة قال له هلم إلي يا ابن مقطعة البظور . قال فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه . قال وهززت حربتي ، حتى إذا رضيت منها ، دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوي ، فغلب وتركته وإياها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة وإنما قتلته لأعتق . فلما قدمت مكة أعتقت ، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف ، فمكثت بها ، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا تعيت علي المذاهب فقلت : ألحق بالشأم أو اليمن ، أو ببعض البلاد فوالله إني لفي ذلك من همي ، إذ قال لي رجل ويحك إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه وتشهد شهادته .
[ وحشي بين يدي الرسول يسلم ]
فلما قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أتشهد بشهادة الحق فلما رآني قال أوحشي ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة قال فحدثته كما حدثتكما ، فلما فرغت من حديثي قال ويحك غيب عني وجهك ، فلا أرينك . قال فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني ، حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلم

maher 11-11-2005 07:42 AM

[ قتل وحشي لمسيلمة ]
فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف وما أعرفه فتهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى ، كلانا يريده فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف فربك أعلم أينا قتله فإن كنت قتلته ، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان قد شهد اليمامة ، قال سمعت يومئذ صارخا يقول : قتله العبد الأسود .
[ خلع وحشي من الديوان ]
قال ابن هشام : فبلغني أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان فكان عمر بن الخطاب يقول قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدع قاتل حمزة
[ مقتل مصعب بن عمير ]
قال ابن إسحاق : وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدا . فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ، وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين .
قال ابن هشام : وحدثني مسلمة بن علقمة المازني ، قال لما اشتد القتال يوم أحد ، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار ، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أن قدم الراية فتقدم علي ، فقال أنا أبو الفصم ويقال أبو القصم فيما قال ابن هشام - فناداه أبو سعد بن أبي طلحة ، وهو صاحب لواء المشركين أن هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة ؟ قال نعم . فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين فضربه علي فصرعه ثم انصرف عنه ولم يجهز عليه فقال له أصحابه أفلا أجهزت عليه ؟ فقال إنه استقبلني بعورته ، فعطفتني عنه الرحم وعرفت أن الله عز وجل قد قتله . ويقال إن أبا سعد بن أبي طلحة خرج بين الصفين فنادى : [ أنا قاصم ] من يبارز برازا ، فلم يخرج إليه أحد . فقال يا أصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم في الجنة وأن قتلانا في النار كذبتم واللاتي لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم فخرج إليه علي بن أبي طالب ، فاختلفا ضربتين فضربه علي فقتله .
قال ابن إسحاق : قتل أبا سعد بن أبي طلحة سعد بن أبي وقاص .
[ شأن عاصم بن ثابت ]
وقاتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، فقتل مسافع بن طلحة وأخاه الجلاس بن طلحة ، كلاهما يشعره سهما ، فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها فتقول يا بني من أصابك ؟ فيقول سمعت رجلا حين رماني وهو يقول خذها وأنا ابن أبي الأقلح . فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وكان عاصم قد عاهد الله أن لا يمس مشركا أبدا ، ولا يمسه مشرك . وقال عثمان بن أبي طلحة يومئذ وهو يحمل لواء المشركين
إن على أهل اللواء حقا أن يخضبوا الصعدة أو تندقا
فقتله حمزة بن عبد المطلب .
[ حنظلة غسيل الملائكة ]
والتقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود ، وهو ابن شعوب قد علا أبا سفيان . فضربه شداد فقتله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة . فسألوا أهله ما شأنه ؟ فسئلت صاحبته عنه . فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة .
- قال ابن هشام : ويقال الهائعة . وجاء في الحديث خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها قال الطرماح بن حكيم الطائي ، والطرماح الطويل من الرجال - :
أنا ابن حماة المجد من آل مالك إذا جعلت خور الرجال تهيع
( والهيعة الصيحة التي فيها الفزع )
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة
[ حديث الزبير عن سبب الهزيمة ]
قال ابن إسحاق : ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة لا شك فيها .
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير أنه قال والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل فأتينا من خلفنا ، وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل ; فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم
قال ابن هشام : الصارخ أزب العقبة ، يعني الشيطان .
[ شجاعة صؤاب وشعر حسان في ذلك ]
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية ، فرفعته لقريش فلاثوا به . وكان اللواء مع صؤاب غلام لبني أبي طلحة حبشي وكان آخر من أخذه منهم فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول اللهم هل أعزرت - يقول أعذرت - فقال حسان بن ثابت في ذلك
فخرتم باللواء وشر فخر لواء حين رد إلى صؤاب
جعلتم فخركم فيه بعبد وألأم من يطا عفر التراب
ظننتم والسفيه له ظنون وما إن ذاك من أمر الصواب
بأن جلادنا يوم التقينا بمكة بيعكم حمر العياب
أقر العين أن عصبت يداه وما إن تعصبان على خضاب
قال ابن هشام : آخرها بيتا يروى لأبي خراش الهذلي وأنشدنيه له خلف الأحمر
أقر العين أن عصبت يداها وما إن تعصبان على خضاب
في أبيات له يعني امرأته في غير حديث أحد . وتروى الأبيات أيضا لمعقل بن خويلد الهذلي .
[ ما لقيه الرسول يوم أحد ]
قال ابن إسحاق : وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو ، وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص .
قال ابن إسحاق : فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك ، قال كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وشج في وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله عز وجل في ذلك ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .
قال ابن هشام : وذكر ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى ، وجرح شفته السفلى ، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر وجنته ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ، ومص مالك بن سنان ، أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس دمي دمه لم تصبه النار .
قال ابن هشام : وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله
وذكر يعني عبد العزيز الدراوردي ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عيسى بن طلحة ، عن عائشة عن أبي بكر الصديق أن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيته ثم نزع الأخرى ، فسقطت ثنيته الأخرى ، فكان ساقط الثنيتين .
[ ابن السكن وبلاؤه يوم أحد ]
قال ابن إسحاق : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم من رجل يشري لنا نفسه ؟ كما حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن محمود بن عمرو ، قال فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار - وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن - فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثم رجلا ، يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال رسول الله أدنوه مني ، فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم

maher 11-11-2005 07:45 AM

[ حديث أم سعد عن نصيبها في الجهاد يوم أحد ]
قال ابن هشام : وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد . فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري : أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول دخلت على أم عمارة فقلت لها : يا خالة أخبريني خبرك ; فقالت خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين . فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي . قالت فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور ، فقلت : من أصابك بهذا ؟ قالت ابن قمئة أقمأه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا ، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير ، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان
[ أبو دجانة وابن أبي وقاص يدفعان عن الرسول ]
قال ابن إسحاق : وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل . ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله . قال سعد فلقد رأيته يناولني النبل وهو يقول ارم فداك أبي وأمي ، حتى إنه ليناولني السهم ما له نصل فيقول ارم به
[ بلاء قتادة وحديث عينه ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها ، فأخذها قتادة بن النعمان ، فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان ، حتى وقعت على وجنته .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما .
[ شأن أنس بن النضر ]
قال ابن إسحاق : وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال انتهى أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك ، إلى عمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فماذا تصنعون بالحياة بعده ؟ ( قوموا ) فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمي أنس بن مالك .
قال ابن إسحاق : فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك ، قال لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة فما عرفه إلا أخته عرفته ببناته .
[ ما أصاب ابن عوف من الجراحات ]
قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم . أن عبد الرحمن بن عوف أصيب فوه يومئذ فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر أصابه بعضها في رجله فعرج .
[ أول من عرف الرسول بعد الهزيمة ]
قال ابن إسحاق : وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر لي ابن شهاب الزهري كعب بن مالك ، قال عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنصت .
قال ابن إسحاق : فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب ، معه أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، رضوان الله عليهم والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين .
[ مقتل أبي بن خلف ]
قال ) : فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول أي محمد لا نجوت إن نجوت فقال القوم يا رسول الله أيعطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله دعوه فلما دنا ، تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة يقول بعض القوم فيما ذكر لي : فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها - قال ابن هشام : الشعراء ذباب له لدغ - ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا .
قال ابن هشام : تدأدأ يقول تقلب عن فرسه فجعل يتدحرج .
قال ابن إسحاق : وكان أبي بن خلف ، كما حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول يا محمد إن عندي العوذ فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك إن شاء الله . فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال قتلني والله محمد قالوا له ذهب والله فؤادك والله إن بك من بأس قال إنه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك ، فوالله لو بصق علي لقتلني . فمات عدو الله سرف وهم قافلون به إلى مكة .
[ انتهاء الرسول إلى الشعب ]
( قال ) : فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب ، حتى ملأ درقته ماء من المهراس ، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا ، فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه
[ حرص ابن أبي وقاص على قتل عتبة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني صالح بن كيسان عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول والله ما حرصت على قتل رجل قط كحرصي على قتل عتبة بن أبي وقاص ، وإن كان ما علمت لسيئ الخلق مبغضا في قومه ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله .
[ صعود قريش الجبل وقتال عمر لهم ]
قال ابن إسحاق : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعب معه أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية من قريش الجبل .
قال ابن هشام : كان على تلك الخيل خالد بن الوليد .
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل
[ ضعف الرسول عن النهوض ومعاونة طلحة له ]
قال ابن إسحاق : ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها ، وقد كان بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض صلى الله عليه وسلم لم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله ، فنهض به حتى استوى عليها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع
قال ابن هشام : وبلغني عن عكرمة عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب .
[ صلاة الرسول قاعدا ]
قال ابن هشام : وذكر عمر مولى غفرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي أصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا
[ مقتل اليمان وابن وقش ]
قال ابن إسحاق : وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم إلى المنقى ، دون الأعوص .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، رفع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان ، وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران ما أبا لك ، ما تنتظر ؟ فوالله لا بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار إنما نحن هامة اليوم أو غد ، أفلا نأخذ أسيافنا ، ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأخذا أسيافهما ثم خرجا ، حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما ، فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة أبي ; فقالوا : والله إن عرفناه وصدقوا قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا
[ مقتل حاطب ومقالة أبيه ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن رجلا منهم كان يدعى حاطب بن أمية بن رافع وكان له ابن يقال له يزيد بن حاطب أصابته جراحة يوم أحد ، فأتي به إلى دار قومه وهو بالموت فاجتمع إليه أهل الدار فجعل المسلمون يقولون له من الرجال والنساء أبشر يا ابن حاطب بالجنة قال وكان حاطب شيخا قد عسا في الجاهلية فنجم يومئذ نفاقه فقال بأي شيء تبشرونه ؟ بجنة من حرمل غررتم والله هذا الغلام من نفسه .
[ مقتل قزمان منافقا كما حدث الرسول بذلك ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، قال كان فينا رجل أتى لا يدرى ممن هو يقال له قزمان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له إنه لمن أهل النار ، قال فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا ، فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر ، قال فجعل رجال من المسلمين يقولون له والله لقد أبليت اليوم يا قزمان ، فأبشر قال بماذا أبشر ؟ فوالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي ، ولولا ذلك ما قاتلت . قال فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه

maher 11-11-2005 07:47 AM

قتل مخيريق
قال ابن إسحاق : وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق ، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون قال لما كان يوم أحد ، قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق ، قالوا : إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم .
فأخذ سيفه وعدته وقال إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - مخيريق خير يهود
[ أمر الحارث بن سويد ]
قال ابن إسحاق : وكان الحارث بن سويد بن صامت منافقا ، فخرج يوم أحد مع المسلمين فلما التقى الناس عدا على المجذر بن ذياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة ، فقتلهما ، ثم لحق بمكة بقريش وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه الجلاس بن سويد يطلب التوبة ليرجع إلى قومه . فأنزل الله تعالى فيه فيما بلغني ، عن ابن عباس : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين إلى آخر القصة .
[ تحقيق ابن هشام فيمن قتل المجذر ]
قال ابن هشام : حدثني من أثق به من أهل العلم أن الحارث بن سويد قتل المجذر بن ذياد ولم يقتل قيس بن زيد والدليل على ذلك أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد ; وإنما قتل المجذر لأن المجذر بن ذياد كان قتل أباه سويدا في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من هذا الكتاب . فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه إذ خرج الحارث بن سويد من بعض حوائط المدينة ، وعليه ثوبان مضرجان فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ، فضرب عنقه ويقال بعض الأنصار .
قال ابن إسحاق : قتل سويد بن الصامت معاذ بن عفراء غيلة في غير حرب رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث
[ أمر أصيرم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة قال كان يقول حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط ، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو ؟ فيقول أصيرم ، بني عبد الأشهل ، عمرو بن ثابت بن وقش
قال الحصين فقلت لمحمود بن أسد : كيف كان شأن الأصيرم ؟ قال كان يأبى الإسلام على قومه . فلما كان يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد بدا له في الإسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة . قال فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا : والله إن هذا للأصيرم ما جاء به ؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاء به فقالوا : ما جاء بك يا عمرو ؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام ؟ قال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي ، فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ، ثم لم يلبث أن مات في أيديهم . فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمن أهل الجنة
[ مقتل عمرو بن الجموح ]
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن أشياخ من بني سلمة أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له إن الله عز وجل قد عذرك ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه . فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك ، وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد
[ تحريض عمر لحسان على هجو هند بنت عتبة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني صالح بن كيسان أنه حدث أن عمر بن الخطاب قال لحسان بن ثابت يا ابن الفريعة - قال ابن هشام : الفريعة بنت خالد بن خنيس ويقال : خنيس ابن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - لو سمعت ما تقول هند ، ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا ، وتذكر ما صنعت بحمزة ؟ قال له حسان والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على رأس فارع - يعني أطمه - فقلت : والله إن هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب ، وكأنها إنما تهوي إلى حمزة ولا أدري ، لكن أسمعني بعض قولها أكفكموها ، قال فأنشده عمر بن الخطاب بعض ما قالت فقال حسان بن ثابت :
أشرت لكاع وكان عادتها لؤما إذا أشرت مع الكفر
قال ابن هشام : وهذا البيت في أبيات له تركناها ، وأبياتا أيضا له على الدال . وأبياتا أخر على الذال لأنه أقذع فيها .
[ استنكار الحليس على أبي سفيان تمثيله بحمزة ]
قال ابن إسحاق : وقد كان الحليس بن زبان أخو بنو الحارث بن عبد مناة ، وهو يومئذ سيد الأبيش ، قد مر بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح ويقول ذق عقق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما ؟ فقال ويحك اكتمها عني ، فإنها كانت زلة .
[ شماتة أبي سفيان بالمسلمين بعد أحد وحديثه مع عمر ]
ثم إن أبا سفيان بن حرب حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته فقال أنعمت فعال وإن الحرب سجال يوم بيوم أعل هبل أي أظهر دينك ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عمر فأجبه ، فقل الله أعلى وأجل ، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له أبو سفيان هلم إلي يا عمر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ائته فانظر ما شأنه ; فجاءه فقال له أبو سفيان أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا ؟ قال عمر اللهم لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن قال أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر لقول ابن قمئة لهم إني قد قتلت محمدا .
قال ابن هشام : واسم ابن قمئة عبد الله .
[ توعد أبي سفيان المسلمين ]
قال ابن إسحاق : ثم نادى أبو سفيان : إنه قد كان في قتلاكم مثل والله ما رضيت ، وما سخطت ، وما نهيت وما أمرت . ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى : إن موعدكم بدر للعام القابل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينكم موعد
[ خروج علي في آثار المشركين ]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، فقال اخرج في آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم قال علي : فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة .
[ أمر القتلى بأحد ]
وفرغ الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخو بني النجار من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق . قال فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف قال ثم لم أبرح حتى مات قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره .
قال ابن هشام : وحدثني أبو بكر الزبيري أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق ، وبنت لسعد بن الربيع جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها ، فقال له الرجل من هذه ؟ قال هذه بنت رجل خير مني ، سعد بن الربيع ، كان من النقباء يوم العقبة ، وشهد بدرا ، واستشهد يوم أحد
[ حزن الرسول على حمزة وتوعده المشركين بالمثلة ]
قال ابن إسحاق : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني ، يلتمس حمزة بن عبد المطلب ، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه . فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى : لولا أن تحزن صفية ، ويكون سنة من بعدي لتركته ، حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم . فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا : والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب .
قال ابن هشام : ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا ثم قال جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب ، أسد الله وأسد رسوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد ، إخوة من الرضاعة أرضعتهم مولاة لأبي لهب .
[ ما نزل في النهي عن المثلة ]
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي ، وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس : أن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة
قال ابن إسحاق : وحدثني حميد الطويل عن الحسن عن سمرة بن جندب ، قال ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة
[ صلاة الرسول على حمزة والقتلى ]
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن مقسم ، مولى عبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس ، قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة
[ صفية وحزنها على حمزة ]
قال ابن إسحاق : وقد أقبلت فيما بلغني ، صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه وكان أخاها لأبيها وأمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام : القها فأرجعها ، لا ترى ما بأخيها ; فقال لها : يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي ، قالت ولم ؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله . فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال خل سبيلها ، فأتته فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن

maher 11-11-2005 07:48 AM

[ دفن الشهداء ]
قال ابن إسحاق : وكان قد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة ، فدفنوهم بها ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال ادفنوهم حيث صرعوا .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري ، حليف بني زهرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على القتلى يوم أحد ، قال أنا شهيد على هؤلاء ، إنه ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون دم والريح ريح مسك انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه في القبر - وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر الواحد
قال وحدثني عمي موسى بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة وجرحه يدمى ، اللون لون دم والريح ريح مسك
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن أشياخ من بني سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى : انظروا إلى عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام فإنهما كانا متصافيين في الدنيا ، فاجعلوهما في قبر واحد
[ حزن حمنة على حمزة ]
قال ابن إسحاق : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة ، فلقيته حمنة بنت جحش ، كما ذكر لي ، فلما لقيت الناس نعي إليها أخوها عبد الله بن جحش ، فاسترجعت واستغفرت له ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير ، فصاحت وولولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن زوج المرأة منها لبمكان لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها ، وصياحها على زوجها .
[ بكاء نساء الأنصار على حمزة ]
قال ابن إسحاق : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ، ثم قال لكن حمزة لا بواكي له فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : حدثني حكيم بن حكيم عن عباد بن حنيف عن بعض رجال بني عبد الأشهل قال لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه فقال ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسكن
قال ابن هشام : ونهي يومئذ عن النوح . قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بكاءهن قال رحم الله الأنصار فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمة مروهن فلينصرفن
[ شأن المرأة الدينارية ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد عن سعد بن أبي وقاص ، قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فلما نعوا لها ، قالت فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه ؟ قال فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل
[ غسل السيوف ]
قال ابن إسحاق : فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال اغسلي عن هذا دمه يا بنية فوالله لقد صدقني اليوم وناولها علي بن أبي طالب سيفه فقال وهذا أيضا ، فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة
قال ابن هشام : وكان يقال لسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار .
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن ابن أبي نجيح قال نادى مناد يوم أحد :
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا
قال ابن إسحاق : وكان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوال .
[ خروج الرسول في أثر العدو ليرهبه ]
قال فلما كان الغد ( من ) يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو فأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس . فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ، فقال يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ، فتخلف على أخواتك ، فتخلفت عليهن . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه
وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم .
[ مثل من استماتة المسلمين في نصرة الرسول ]
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل ، كان شهد أحدا مع رسول الله قال شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي ، فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي أو قال لي : أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله ما لنا من دابة نركبها ، وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحا ، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون
[ شأن معبد الخزاعي ]
قال وقد مر به كما حدثني عبد الله بن أبي بكر ، معبد بن أبي معبد الخزاعي ، وكانت خزاعة ، مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ، ومعبد يومئذ مشرك فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك ، ولوددنا أن الله عافاك فيهم ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا : أصبنا حد أصحابه وأشرافهم وقادتهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم . فلما رأى أبو سفيان معبدا ، قال ما وراءك يا معبد ؟ قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقا ، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا ، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط ; قال ويحك ما تقول ؟ قال والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك قال والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا من شعر قال وما قلت ؟ قال قلت :
كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسد كرام لا تنابلة عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت : ويل ابن حرب من لقائكم إذا تغطمطت البطحاء بالجيل

إني نذير لأهل البسل ضاحية لكل ذي إربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخش تنابلة وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه .
[ رسالة أبي سفيان إلى الرسول على لسان ركب ]
ومر به ركب من عبد القيس ، فقال أين تريدون ؟ قالوا : نريد المدينة ؟ قال ولم ؟ قالوا : نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها ؟ قالوا نعم ؟ قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال حسبنا الله ونعم الوكيل .
[ كف صفوان لأبي سفيان عن معاودة الكرة ]
قال ابن هشام : حدثنا أبو عبيدة أن أبا سفيان بن حرب لما انصرف يوم أحد ، أراد الرجوع إلى المدينة ، ليستأصل بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم صفوان بن أمية بن خلف : لا تفعلوا ، فإن القوم قد حربوا ، وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان فارجعوا ، فرجعوا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد حين بلغه أنهم هموا بالرجعة والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب
[ مقتل أبي عزة ومعاوية بن المغيرة ]
قال أبو عبيدة وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهة ذلك قبل رجوعه إلى المدينة ، معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، وهو جد عبد الملك بن مروان ، أبو أمه عائشة بنت معاوية وأبا عزة الجمحي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره ببدر ثم من عليه فقال يا رسول الله أقلني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول : خدعت محمدا مرتين اضرب عنقه يا زبير . فضرب عنقه
قال ابن هشام : وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه .
[ مقتل معاوية بن المغيرة ]
قال ابن هشام : ويقال إن زيد بن حارثة وعمار بن ياسر قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الأسد ، كان لجأ إلى عثمان بن عفان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعثهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا ، فوجداه فقتلاه

maher 11-11-2005 07:50 AM

[ شأن عبد الله بن أبي بعد ذلك ]
قال ابن إسحاق : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان عبد الله بن أبي ابن سلول ، كما حدثني ابن شهاب الزهري ، له مقام يقومه كل جمعة لا ينكر شرفا له في نفسه وفي قومه وكان فيهم شريفا ، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع ورجع بالناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا : اجلس أي عدو الله لست لذلك بأهل ، وقد صنعت ما صنعت فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول والله لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره . فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال ما لك ؟ ويلك قال قمت أشدد أمره فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني ، لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره . قال ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما أبتغي أن يستغفر لي
[ كان يوم أحد يوم محنة ]
قال ابن إسحاق : كان يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحن به المنافقين ممن كان يظهر الإيمان بلسانه وهو مستخف بالكفر في قلبه ويوما أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته .
ذكر ما أنزل الله في أحد من القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام . قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال فكان مما أنزل الله تبارك وتعالى في يوم أحد من القرآن ستون آية من آل عمران ، فيها صفة ما كان في يومهم ذلك ومعاتبة من عاتب منهم يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم قال ابن هشام : تبوئ المؤمنين تتخذ لهم مقاعد ومنازل .
إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا أن تتخاذلا ، والطائفتان بنو سلمة بن جشم بن الخزرج ، وبنو حارثة بن النبيت من الأوس ، وهما الجناحان يقول الله تعالى : والله وليهما أي المدافع عنهما ما همتا به من فشلهما ، وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما غير شك في دينهما ، فتولى دفع ذلك عنهما برحمته وعائدته حتى سلمتا من وهونهما وضعفهما ، ولحقتا بنبيهما صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : حدثني رجل من الأسد من أهل العلم قال قالت الطائفتان ما نحب أنا لم نهم بما هممنا به ، لتولى الله إيانا في ذلك
قال ابن إسحاق : يقول الله تعالى : وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي من كان به ضعف من المؤمنين فليتوكل علي وليستعن بي ، أعنه على أمره وأدافع عنه حتى أبلغ به وأدفع عنه وأقويه على نيته .
ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون أي فاتقوني ، فإنه شكر نعمتي . ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أقل عددا وأضعف قوة إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين أي إن تصبروا لعدوي ، وتطيعوا أمري ، ويأتوكم من وجههم هذا ، أمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين .
قال ابن هشام : مسومين معلمين . بلغنا عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه قال أعلموا على أذناب خيلهم ونواصيها بصوف أبيض فأما ابن إسحاق فقال كانت سيماهم يوم بدر عمائم بيضا . وقد ذكرت ذلك في حديث بدر . والسيما : العلامة . وفي كتاب الله عز وجل سيماهم في وجوههم من أثر السجود : أي علامتهم . و حجارة من سجيل منضود مسومة يقول : معلمة . بلغنا عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه قال عليها علامة أنها ليست من حجارة الدنيا ، وأنها من حجارة العذاب . قال رؤبة بن العجاج :
فالآن تبلى بي الجياد السهم ولا تجاريني إذا ما سوموا
وشخصت أبصارهم وأجذموا
أجذموا " بالذال المعجمة " : أي أسرعوا ، وأجدموا " بالدال المهملة " : أقطعوا ) . وهذه الأبيات في أرجوزة له . والمسومة ( أيضا ) : المرعية . وفي كتاب الله تعالى : والخيل المسومة و شجر فيه تسيمون تقول العرب : سوم خيله وإبله وأسامها : إذا رعاها . قال الكميت بن زيد
راعيا كان مسجحا ففقدناه وفقد المسيم هلك السوام
قال ابن هشام : مسجحا : سلس السياسة محسن ( إلى الغنم ) . وهذا البيت في قصيدة له . وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم أي ما سميت لكم من سميت من جنود ملائكتي إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به لما أعرف من ضعفكم وما النصر إلا من عندي ، لسلطاني وقدرتي ، وذلك أن العز والحكم إلي لا إلى أحد من خلقي . ثم قال ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين أي ليقطع طرفا من المشركين بقتل ينتقم به منهم أو يردهم خائبين أي ويرجع من بقي منهم فلا خائبين لم ينالوا شيئا مما كانوا يأملون .
[ النهي عن الربا ]
ثم قال يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ; أي لا تأكلوا في الإسلام إذ هداكم الله به ما كنتم تأكلون إذ أنتم على غيره مما لا يحل لكم في دينكم واتقوا الله لعلكم تفلحون أي فأطيعوا الله لعلكم تنجون مما حذركم الله من عذابه تدركون ما رغبكم الله فيه من ثوابه واتقوا النار التي أعدت للكافرين أي التي جعلت دارا لمن كفر بي .
[ الحض على الطاعة ]
ثم قال وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون معاتبة للذين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بما أمرهم به في ذلك اليوم وفي غيره . ثم قال وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين أي دارا لمن أطاعني وأطاع رسولي . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين أي وذلك هو الإحسان وأنا أحب من عمل به والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أي إن أتوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بمعصية ذكروا نهي الله عنها ، وما حرم عليهم فاستغفروه لها ، وعرفوا أنه لا يغفر الذنوب إلا هو . ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون : أي لم يقيموا على معصيتي كفعل من أشرك بي فيما غلوا به في كفرهم وهم يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين أي ثواب المطيعين .
ثم استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم والبلاء الذي أصابهم والتمحيص لما كان فيهم واتخاذه الشهداء منهم فقال تعزية لهم وتعريفا لهم فيما صنعوا ، وفيما هو صانع بهم قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين أي قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي : عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ، فرأوا مثلات قد مضت مني فيهم ولمن هو على مثل ما هم عليه من ذلك مني ، فإني أمليت لهم أي لئلا يظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي ، للدولة التي أدلتهم بها عليكم ليبتليكم بذلك ليعلمكم ما عندكم .
ثم قال تعالى : هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين أي هذا تفسير للناس إن قبلوا الهدى وهدى وموعظة أي نور وأدب " للمتقين " أي لمن أطاعني وعرف أمري . ولا تهنوا ولا تحزنوا أي لا تضعفوا ولا تبتئسوا على ما أصابكم وأنتم الأعلون أي لكم تكون العاقبة والظهور إن كنتم مؤمنين أي إن كنتم صدقتم نبيي بما جاءكم به عني . إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله أي جراح مثلها ، وتلك الأيام نداولها بين الناس أي نصرفها بين الناس للبلاء والتمحيص وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين أي ليميز بين المؤمنين والمنافقين وليكرم من أكرم من أهل الإيمان بالشهادة والله لا يحب الظالمين أي المنافقين الذين يظهرون بألسنتهم الطاعة وقلوبهم مصرة على المعصية وليمحص الله الذين آمنوا أي يختبر الذين آمنوا حتى يخلصهم بالبلاء الذي نزل بهم وكيف صبرهم ويقينهم ويمحق الكافرين أي يبطل من المنافقين قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم حتى يظهر منهم كفرهم الذي يستترون به .

maher 06-12-2005 02:48 AM

دعوة الجنة للمجاهدين
 
ثم قال تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين أي حسبتم أن تدخلوا الجنة فتصيبوا من ثوابي الكرامة ولم أختبركم بالشدة وأبتليكم بالمكاره حتى أعلم صدق ذلك منكم بالإيمان بي ، والصبر على ما أصابكم في ولقد كنتم تمنون الشهادة على الذي أنتم عليه من الحق قبل أن تلقوا عدوكم يعني الذين استنهضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خروجه بهم إلى عدوهم لما فاتهم من حضور اليوم الذي كان قبله ببدر ورغبة في الشهادة التي فاتتهم بها ، فقال ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه يقول فقد رأيتموه وأنتم تنظرون أي الموت بالسيوف في أيدي الرجال قد خلي بينكم وبينهم وأنتم تنظرون إليهم ثم صدهم عنكم .
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين أي لقول الناس قتل محمد صلى الله عليه وسلم وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم أفإن مات أو قتل رجعتم عن دينكم كفارا كما كنتم وتركتم جهاد عدوكم وكتاب الله . وما خلف نبيه صلى الله عليه وسلم من دينه معكم وعندكم وقد بين لكم فيما جاءكم به عني أنه ميت ومفارقكم ومن ينقلب على عقبيه أي يرجع عن دينه فلن يضر الله شيئا أي ليس ينقص ذلك عز الله تعالى ولا ملكه ولا سلطانه ولا قدرته وسيجزي الله الشاكرين أي من أطاعه وعمل بأمره .
[ ذكره أن الموت بإذن الله ]
ثم قال وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا أي أن لمحمد صلى الله عليه وسلم أجلا هو بالغه فإذا أذن الله عز وجل في ذلك كان . ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين أي من كان منكم يريد الدنيا ، ليست له رغبة في الآخرة نؤته منها ما قسم له من رزق ولا يعدوه فيها ، وليس له في الآخرة من حظ ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ما وعد به مع ما يجزى عليه من رزقه في دنياه وذلك جزاء الشاكرين أي المتقين .
[ ذكر شجاعة المجاهدين من قبل مع الأنبياء ]
ثم قال وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين أي وكأين من نبي أصابه القتل ومعه ربيون كثير أي جماعة فما وهنوا لفقد نبيهم وما ضعفوا عن عدوهم وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله تعالى وعن دينهم وذلك الصبر والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : واحد الربيين ربي ; وقولهم الرباب ، لولد عبد مناة بن أد بن طانجة بن إلياس ولضبة لأنهم تجمعوا وتحالفوا ، من هذا ، يريدون الجماعات . وواحدة الرباب : ربة ( وربابة ) وهي جماعات قداح أو عصي ونحوها ، فشبهوها بها . قال أبو ذؤيب الهذلي :
وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيص على القداح ويصدع
وهذا البيت في أبيات له . وقال أمية بن أبي الصلت :
حول شياطينهم أبابيل ربيون شدوا سنورا مدسورا
وهذا البيت في قصيدة له
قال ابن هشام : والربابة ( أيضا ) : الخرقة التي تلف فيها القداح . قال ابن هشام : والسنور : الدروع . والدسر هي المسامير التي في الحلق يقول الله عز وجل وحملناه على ذات ألواح ودسر قال الشاعر وهو أبو الأخزر الحماني ، من تميم
دسرا بأطراف القنا المقوم
قال ابن إسحاق : أي فقولوا مثل ما قالوا ، واعلموا أنما ذلك بذنوب منكم واستغفروه كما استغفروه وامضوا على دينكم كما مضوا على دينهم ولا ترتدوا على أعقابكم راجعين واسألوه كما سألوه أن يثبت أقدامكم واستنصروه كما استنصروه على القوم الكافرين فكل هذا من قولهم قد كان وقد قتل نبيهم فلم يفعلوا كما فعلتم فآتاهم الله ثواب الدنيا بالظهور على عدوهم وحسن ثواب الآخرة وما وعد الله فيها ، والله يحب المحسنين
[ تحذيره إياهم من إطاعة الكفار ]
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين أي عن عدوكم فتذهب دنياكم وآخرتكم بل الله مولاكم وهو خير الناصرين فإن كان ما تقولون بألسنتكم صدقا في قلوبكم فاعتصموا به ولا تستنصروا بغيره ولا ترجعوا على أعقابكم مرتدين عن دينه .
سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب أي الذي به كنت أنصركم عليهم بما أشركوا بي ما لم أجعل لهم من حجة أي فلا تظنوا أن لهم عاقبة نصر ولا ظهور عليكم ما اعتصمتم بي ، واتبعتم أمري ، للمصيبة التي أصابتكم منهم بذنوب قدمتموها لأنفسكم خالفتم بها أمري للمعصية وعصيتم بها النبي صلى الله عليه وسلم .
ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين أي وقد وفيت لكم بما وعدتكم من النصر على عدوكم إذ تحسونهم بالسيوف أي القتل بإذني وتسليطي أيديكم عليهم وكفى أيديهم عنكم .
قال ابن هشام : الحس : الاستئصال يقال حسست الشيء أي استأصلته بالسيف وغيره . قال جرير
تحسهم السيوف كما تسامى حريق النار في الأجم الحصيد
وهذا البيت في قصيدة له . وقال رؤبة بن العجاج
إذا شكونا سنة حسوسا تأكل بعد الأخضر اليبيسا
وهذان البيتان في أرجوزة له .
قال ابن إسحاق : حتى إذا فشلتم أي تخاذلتم وتنازعتم في الأمر أي اختلفتم في أمري ، أي تركتم أمر نبيكم وما عهد إليكم يعني الرماة وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون أي الفتح لا شك فيه وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم منكم من يريد الدنيا أي الذين أرادوا النهب في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة ومنكم من يريد الآخرة أي الذين جاهدوا في الله ولم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا ، رغبة فيها ، رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة أي الذين جاهدوا في الدين ولم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا ، ليختبركم وذلك ببعض ذنوبكم ولقد عفا الله عن عظيم ذلك أن لا يهلككم بما أتيتم من معصية نبيكم ولكني عدت بفضلي عليكم وكذلك من الله على المؤمنين أن عاقب ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدبا وموعظة فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم بما أصابوا من معصيته رحمة لهم وعائدة عليهم لما فيهم من الإيمان .
[ تأنيبه إياهم لفرارهم عن نبيهم ]
ثم أنبهم بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وهم يدعون لا يعطفون عليه لدعائه إياهم فقال إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم أي كربا بعد كرب بقتل من قتل من إخوانكم وعلو عدوكم عليكم وبما وقع في أنفسكم من قول من قال قتل نبيكم فكان ذلك مما تتابع عليكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من ظهوركم على عدوكم بعد أن رأيتموه بأعينكم ولا ما أصابكم من قتل إخوانكم حتى فرجت ذلك الكرب عنكم والله خبير بما تعملون . وكان الذي فرج الله به عنهم ما كانوا فيه من الكرب والغم الذي أصابهم أن الله عز وجل رد عنهم كذبة الشيطان بقتل نبيهم صلى الله عليه وسلم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا بين أظهرهم هان عليهم ما فاتهم من القوم بعد الظهور عليهم والمصيبة التي أصابتهم في إخوانهم حين صرف الله القتل عن نبيهم صلى الله عليه وسلم .
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور فأنزل الله النعاس أمنة منه على أهل اليقين به فهم نيام لا يخافون وأهل النفاق قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية تخوف القتل وذلك أنهم لا يرجون عاقبة فذكر الله عز وجل تلاومهم وحسرتهم على ما أصابهم .
ثم قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لو كنتم في بيوتكم لم تحضروا هذا الموطن الذي أظهر الله فيه منكم ما أظهر من سرائركم " لبرز " لأخرج الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم إلى موطن غيره يصرعون فيه حتى يبتلى به ما في صدورهم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور أي لا يخفى عليه ما في صدورهم مما استخفوا به منكم .

maher 06-12-2005 02:51 AM

[ تحذيرهم أن يكونوا ممن يخشون الموت في الله ]
ثم قال يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير أي لا تكونوا كالمنافقين الذين ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا : لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم لقلة اليقين بربهم والله يحيي ويميت أي يعجل ما يشاء ويؤخر ما يشاء من ذلك من آجالهم بقدرته .
قال تعالى : ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون أي إن الموت لكائن لا بد منه فموت في سبيل الله أو قتل خير لو علموا وأيقنوا مما يجمعون من الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد تخوف الموت والقتل لما جمعوا من زهرة الدنيا زهادة في الآخرة ولئن متم أو قتلتم أي ذلك كان لإلى الله تحشرون أي أن إلى الله المرجع فلا تغرنكم الدنيا ، ولا تغتروا بها ، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه من ثوابه آثر عندكم منها .
[ ذكره رحمة الرسول عليهم ]
ثم قال تبارك وتعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك أي لتركوك فاعف عنهم أي فتجاوز عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين فذكر لنبيه صلى الله عليه وسلم لينه لهم وصبره عليهم لضعفهم وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه عليهم في كل ما خالفوا عنه مما افترض عليهم من طاعة نبيهم صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تبارك وتعالى : فاعف عنهم أي تجاوز عنهم واستغفر لهم ذنوبهم من قارف من أهل الإيمان منهم وشاورهم في الأمر أي لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت غنيا عنهم تألفا لهم بذلك على دينهم فإذا عزمت أي على أمر جاءك مني وأمر من دينك في جهاد عدوك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك فامض على ما أمرت به على خلاف من خالفك ، وموافقة من وافقك ، وتوكل على الله ، أي ارض به من العباد إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده أي لئلا تترك أمري للناس وارفض أمر الناس إلى أمري ، وعلى الله لا على الناس فليتوكل المؤمنون
[ ما نزل في الغلول ]
ثم قال وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون أي ما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس ولا رغبة ومن يفعل ذلك يأت يوم القيامة به ثم يجزى بكسبه غير مظلوم ولا معتدى عليه أفمن اتبع رضوان الله على ما أحب الناس أو سخطوا كمن باء بسخط من الله لرضا الناس أو لسخطهم .
يقول أفمن كان على طاعتي ، فثوابه الجنة ورضوان من الله كمن باء بسخط من الله واستوجب سخطه فكان مأواه جهنم وبئس المصير أسواء المثلان فاعرفوا . هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون لكل درجات مما عملوا في الجنة والنار أي إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته .
[ فضل الله على الناس ببعث الرسل ]
ثم قال لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين أي لقد من الله عليكم يا أهل الإيمان إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته فيما أحدثتم وفيما عملتم فيعلمكم الخير والشر لتعرفوا الخير فتعملوا به والشر فتتقوه ويخبركم برضاه عنكم إذا أطعتموه فتستكثروا من طاعته وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته لتتخلصوا بذلك من نقمته وتدركوا بذلك ثوابه من جنته وإن كنتم من قبل لفي ضلال مبين أي لفي عمياء من الجاهلية أي لا تعرفون حسنة و لا تستغفرون من سيئة صم عن الخير بكم عن الحق عمي عن الهدى .
[ ذكره المصيبة التي أصابتهم ]
ثم ذكر المصيبة التي أصابتهم فقال أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير أي إن تك قد أصابتكم مصيبة في إخوانكم بذنوبكم فقد أصبتم مثليها قبل من عدوكم في اليوم الذي كان قبله ببدر قتلا وأسرا ونسيتم معصيتكم وخلافكم عما أمركم به نبيكم صلى الله عليه وسلم أنتم أحللتم ذلك بأنفسكم إن الله على كل شيء قدير أي إن الله على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير
وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين أي ما أصابكم حين التقيتم أنتم وعدوكم فبإذني ، كان ذلك حين فعلتم ما فعلتم بعد أن جاءكم نصري ، وصدقتكم وعدي ، ليميز بين المؤمنين والمنافقين وليعلم الذين نافقوا منكم أي ليظهر ما فيهم . وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا يعني عبد الله بن أبي وأصحابه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى عدوه من المشركين بأحد وقولهم لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم ولدفعنا عنكم ولكنا لا نظن أنه يكون قتال . فأظهر منهم ما كانوا يخفون في أنفسهم .
يقول الله عز وجل هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم أي يظهرون لك الإيمان وليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون أي ما يخفون الذين قالوا لإخوانهم الذين أصيبوا معكم من عشائرهم وقومهم لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين أي أنه لا بد من الموت فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا ، وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله حرصا على البقاء في الدنيا ، وفرارا من الموت .
[ الترغيب في الجهاد ]
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم يرغب المؤمنين في الجهاد ويهون عليهم القتل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون أي لا تظنن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا : أي قد أحييتهم فهم عندي يرزقون في روح الجنة وفضلها ، مسرورين بما آتاهم الله من فضله على جهادهم عنه .
ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أي ويسرون بلحوق من لحقهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم قد أذهب الله عنهم الخوف والحزن . يقول الله تعالى : يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين لما عاينوا من وفاء الموعود وعظيم الثواب .
[ مصير قتلى أحد ]
قال ابن إسحاق : وحدثني إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا ، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى : فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الآيات ولا تحسبن
قال ابن إسحاق : وحدثني الحارث بن الفضيل عن محمود بن لبيد الأنصاري عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء على بارق نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن هؤلاء الآيات ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فقال أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا : إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فيطلع الله عز وجل عليهم اطلاعة فيقول يا عبادي ، ما تشتهون فأزيدكم ؟ قال فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، الجنة نأكل منها حيث شئنا قال ثم يطلع الله عليهم اطلاعة فيقول يا عبادي ، ما تشتهون فأزيدكم ؟ فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، الجنة نأكل منها حيث شئنا قال ثم يطلع عليهم اطلاعة فيقول يا عبادي ، ما تشتهون فأزيدكم ؟ فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، الجنة نأكل منها حيث شئنا . إلا أنا نحب أن ترد أرواحنا في أجسادنا ، ثم نرد إلى الدنيا ، فنقاتل فيك ، حتى نقتل مرة أخرى
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أبشرك يا جابر ؟ قال قلت : بلى يا نبي الله قال إن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله عز وجل ثم قال له ما تحب يا عبد الله بن عمرو أن أفعل بك ؟ قال أي رب أحب أن تردني إلى الدنيا فأقاتل فيك ، فأقتل مرة أخرى
قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن عبيد ، عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما من مؤمن يفارق الدنيا يحب أن يرجع إليها ساعة من نهار وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد فإنه يحب أن يرد إلى الدنيا ، فيقاتل في سبيل الله فيقتل مرة أخرى

maher 06-12-2005 02:54 AM

[ ذكر من خرجوا مع الرسول إلى حمراء الأسد ]
قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أي الجراح وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم أحد إلى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل والناس الذين قالوا لهم ما قالوا ، النفر من عبد القيس ، الذين قال لهم أبو سفيان ما قال ؟
قالوا إن أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم . يقول الله عز وجل
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم لما صرف الله عنهم من لقاء عدوهم إنما ذلكم الشيطان أي لأولئك الرهط وما ألقى الشيطان على أفواههم يخوف أولياءه أي يرهبكم بأوليائه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر أي المنافقون إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب أي المنافقين وما كان الله ليطلعكم على الغيب أي فيما يريد أن يبتليكم به لتحذروا ما يدخل عليكم فيه ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء أي يعلمه ذلك فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا أي ترجعوا وتتوبوا فلكم أجر عظيم .
ذكر يوم الرجيع
في سنة ثلاث
[ طلبت عضل والقارة نفرا من المسلمين ليعلموهم فأوفد الرسول ستة ]
قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة .
[ نسب عضل والقارة ]
قال ابن هشام : عضل والقارة ، من الهون بن خزيمة بن مدركة .
قال ابن هشام : ويقال الهون ، بضم الهاء قال ابن إسحاق : فقالوا : يا رسول الله إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، حليف حمزة بن عبد المطلب ; وخالد بن البكير الليثي ، حليف بني عدي بن كعب ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، أخو بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ; وخبيب بن عدي ، أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف ، وزيد بن الدثنة بن معاوية أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ; وعبد الله بن طارق حليف بني ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس .
[ غدر عضل والقارة بالنفر الستة ]
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، فخرج مع القوم .
حتى إذا كانوا على الرجيع ، ماء لهذيل بناحية الحجاز ، على صدور الهدأة غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا ، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم .
[ مقتل مرثد وابن البكير وعاصم ]
فأما مرثد بن أبي مرثد ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت فقالوا : والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا
[ حديث حماية الدبر لعاصم ]
فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد : لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فمنعته الدبر فلما حالت بينه وبينهم [ الدبر ] قالوا : دعوه يمسي فتذهب عنه فنأخذه . فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما ، فذهب به
وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا ، تنجسا ; فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته يحفظ الله العبد المؤمن ، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته
[ مقتل ابن طارق وبيع خبيب وابن الدثنة ]
وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي ، وعبد الله بن طارق ، فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا إلى مكة ، ليبيعوهم بها ، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره رحمه الله بالظهران ، وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة .
قال ابن هشام فباعوها من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة
قال ابن إسحاق فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي ، حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه لقتله بأبيه .
قال ابن هشام الحارث بن عامر خال أبي إهاب وأبو إهاب أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ويقال أحد بني عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم من بني تميم .
[ مقتل ابن الدثنة ومثل من وفائه للرسول ]
قال ابن إسحاق : وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف ، وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم ، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه . واجتمع رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ قال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي . قال يقول أبو سفيان ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ; ثم قتله نسطاس يرحمه الله
[ مقتل خبيب وحديث دعوته ]
وأما خبيب بن عدي ، فحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، أنه حدث عن ماوية مولاة حجير بن أبي إهاب ، وكانت قد أسلمت قالت كان خبيب عندي ، حبس في بيتي ، فلقد اطلعت عليه يوما ، وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي نجيح جميعا أنها قالت قال لي حين حضره القتل ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل قالت فأعطيت غلاما من الحي الموسى ، فقلت : ادخل بها على هذا الرجل البيت قالت فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه فقلت : ماذا صنعت أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام فيكون رجلا برجل فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال لعمرك ، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ثم خلى سبيله .
قال ابن هشام : ويقال إن الغلام ابنها .
قال ابن إسحاق : قال عاصم ثم خرجوا بخبيب حتى إذا جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه قال لهم إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ; قالوا : دونك فاركع . فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة قال فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين . قال ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا ; ثم قال اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا . ثم قتلوه رحمه الله
فكان معاوية بن أبي سفيان يقول حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه .
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد عن عقبة بن الحارث قال سمعته يقول ما أنا والله قتلت خبيبا ; لأني كنت أصغر من ذلك ولكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي ، ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا ، قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري القوم فذكر ذلك لعمر بن الخطاب وقيل إن الرجل مصاب فسأله عمر في قدمة قدمها عليه فقال يا سعيد ما هذا الذي يصيبك ؟ فقال والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل وسمعت دعوته فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي فزادته عند عمر خيرا .
قال ابن هشام : أقام خبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم ، ثم قتلوه .

maher 06-12-2005 02:56 AM

[ ما نزل في سرية الرجيع من القرآن ]
قال . قال ابن إسحاق : وكان مما نزل من القرآن في تلك السرية كما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . قال قال ابن عباس : لما أصيبت السرية التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع قال رجال من المنافقين يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا ( هكذا ) ، لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله تعالى في ذلك من قول المنافقين وما أصاب أولئك النفر من الخير بالذي أصابهم فقال سبحانه ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا أي لما يظهر من الإسلام بلسانه ويشهد الله على ما في قلبه وهو مخالف لما يقول بلسانه وهو ألد الخصام أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك
( تفسير ابن هشام لبعض الغريب )
قال ابن هشام : الألد : الذي يشغب فتشتد خصومته وجمعه لد . وفي كتاب الله عز وجل وتنذر به قوما لدا وقال المهلهل بن ربيعة التغلبي ، واسمه امرؤ القيس ; ويقال عدي بن ربيعة :
إن تحت الأحجار حدا ولينا وخصيما ألد ذا معلاق
ويروى " ذا مغلاق " فيما قال ابن هشام . وهذا البيت في قصيدة له وهو الألندد .
قال الطرماح بن حكيم الطائي يصف الحرباء
يوفي على جذم الجذول كأنه خصم أبر على الخصوم ألندد
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : قال تعالى : وإذا تولى أي خرج من عندك سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد أي لا يحب عمله ولا يرضاه . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني تلك السرية .
[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : يشري نفسه يبيع نفسه وشروا : باعوا . قال يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري :
وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامه
برد غلام له باعه . وهذا البيت في قصيدة له . وشرى أيضا : اشترى . قال الشاعر
فقلت لها لا تجزعي أم مالك على ابنيك إن عبد لئيم شراهما
[ من اجتمعوا لقتل خبيب ]
قال ابن إسحاق : وكان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قتل من قريش : عكرمة بن أبي جهل ، وسعيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود والأخنس بن شريق الثقفي ، حليف بني زهرة وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، وأمية بن أبي عتبة وبنو الحضرمي .
حديث بئر معونة في صفر سنة أربع
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون والمحرم - ، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد .
( سبب إرساله )
وكان من حديثهم كما حدثني أبي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وغيره من أهل العلم قالوا : قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام وقال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد ، فدعوهم إلى أمرك ، رجوت أن يستجيبوا لك ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى عليهم أهل نجد ، قال أبو براء . أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك .
[ رجال البعث ]
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق في رجال مسمين من خيار المسلمين . فساروا حتى نزلوا ببئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم ، كلا البلدين منها قريب وهي إلى حرة بني سليم أقرب .
[ غدر عامر بهم ]
فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل ; فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا : لن نخفر أبا براء ، وقد عقد لهم عقدا وجوارا ; فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم ( من ) عصية ورعل وذكوان ، فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم يرحمهم الله إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا ، رحمه الله
[ ابن أمية والمنذر وموقفهما من القوم بعد علمهما بمقتل أصحابهما ]
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ، ورجل من الأنصار ، أحد بني عمرو بن عوف .
قال ابن هشام : هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح . قال ابن إسحاق : فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقال والله إن لهذه الطير لشأنا ، فأقبلا لينظرا ، فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة . فقال الأنصاري لعمرو بن أمية ما ترى ؟ قال أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري : لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، وما كنت لتخبرني عنه الرجال ثم قاتل القوم حتى قتل وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا ; فلما أخبرهم أنه من مضر ، أطلقه عامر بن الطفيل ، وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه .
[ قتل العامريين ]
فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة ، أقبل رجلان من بني عامر .
قال ابن هشام : ( ثم ) من بني كلاب وذكر أبو عمرو المدني أنهما من بني سليم .
قال ابن إسحاق : حتى نزلا معه في ظل هو فيه . وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا ، ممن أنتما ؟ فقالا : من بني عامر فأمهلهما ، حتى إذا ناما ، عدا عليهما فقتلهما ، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد قتلت قتيلين لأدينهما
[ حزن الرسول من عمل أبي براء ]
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبي براء ، قد كنت لهذا كارها متخوفا . فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة

maher 06-12-2005 02:58 AM

[ أمر ابن فهيرة بعد مقتله ]
قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه ؟ قالوا : هو عامر بن فهيرة
[ سبب إسلام ابن سلمى ]
قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، قال - وكان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر ثم أسلم - ( قال ) فكان يقول إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلا منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول فزت والله فقلت في نفسي : ما فاز ألست قد قتلت الرجل قال حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا : للشهادة فقلت : فاز لعمرو الله
أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع
[ خروج الرسول إلى بني النضير يستعينهم في دية قتلى بني عامر وهمهم بالغدر به ]
قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما ، كما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف . فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، رضوان الله عليهم .
[ انكشاف نيتهم للرسول واستعداده لحربهم ]
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا إلى المدينة . فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة . فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم فأخبرهم الخبر ، بما كانت اليهود أرادت من الغدر به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم .
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : ثم سار بالناس حتى نزل بهم .
قال ابن هشام : وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر
[ حصار الرسول لهم وتقطيع نخلهم ]
قال ابن إسحاق : فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها ، فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد ، وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها ؟
‏[ تحريض الرهط لهم ثم محاولتهم الصلح ]
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم ( عدو الله ) عبد الله بن أبي ابن سلول ( و ) وديعة ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير : أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل . فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به . فخرجوا إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام .
[ تقسيم الرسول أموالهم بين المهاجرين ]
وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار . إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ من أسلم من بني النضير ]
ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير ، أبو كعب بن عمرو بن جحاش ; وأبو سعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها .
[ تحريض يامين على قتل ابن جحاش ]
قال ابن إسحاق - وقد حدثني بعض آل يامين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك ، وما هم به من شأني ؟ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش ، فقتله فيما يزعمون .
[ ما نزل في بني النضير من القرآن ]
ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها ، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نقمته . وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم وما عمل به فيهم فقال تعالى : هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها . فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء وكان لهم من الله نقمة لعذبهم في الدنيا أي بالسيف ولهم في الآخرة عذاب النار مع ذلك . ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها واللينة ما خالف العجوة من النخل فبإذن الله أي فبأمر الله قطعت لم يكن فسادا ، ولكن كان نقمة من الله وليخزي الفاسقين
وما أفاء الله على رسوله منهم - قال ابن إسحاق : يعني من بني النضير - فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير أي له خاصة .
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى قال ابن إسحاق : ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب وفتح بالحرب عنوة فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه يقول هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه .
ثم قال تعالى : ألم تر إلى الذين نافقوا يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ومن كان على مثل أمرهم يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب يعني بني النضير إلى قوله كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم يعني بني قينقاع . ثم القصة . . . إلى قوله كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين
غزوة ذات الرقاع في سنة أربع
[ الأهبة لها ]
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام :
[ سبب تسميتها بذات الرقاع ]
قال ابن إسحاق :حتى نزل نخلا ، وهي غزوة ذات الرقاع .
قال ابن هشام : وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع : شجرة بذلك الموضع يقال لها : ذات الرقاع .
قال ابن إسحاق : فلقي بها جمعا عظيما من غطفان ، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، - حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ، ثم انصرف بالناس .

maher 06-12-2005 03:03 AM

[ صلاة الخوف ]
قال ابن هشام : حدثنا عبد الوارث بن سعيد التنوري - وكان يكنى : أبا عبيدة - قال حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن بن أبي الحسن عن جابر بن عبد الله في صلاة الخوف قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم وطائفة مقبلون على العدو . قال فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ثم سلم .
قال ابن هشام : وحدثنا عبد الوارث ، قال حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين فركع بنا جميعا ، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الصف الأول فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون بأنفسهم فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين
قال ابن هشام : حدثنا عبد الوارث بن سعيد التنوري ، قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال يقوم الإمام وتقوم معه طائفة ، وطائفة مما يلي عدوهم فيركع بهم الإمام ويسجد بهم ثم يتأخرون فيكونون مما يلي العدو يتقدم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ويسجد بهم ثم تصلي كل طائفة بأنفسهم ركعة فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة
[ غورث وما هم به من قتل الرسول ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن عبيد ، عن الحسن عن جابر بن عبد الله : أن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا : بلى ، وكيف تقتله ؟ قال أفتك به . قال فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال يا محمد أنظر إلى سيفك هذا ؟ قال نعم - وكان محلى بفضة فيما قال ابن هشام - قال فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله ثم قال يا محمد أما تخافني ؟ قال لا ، وما أخاف منك ؟ قال أما تخافني وفي يدي السيف ؟ قال لا ، يمنعني ( الله ) منك . ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه
قال فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان : أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش ، أخي بني النضير وما هم به فالله أعلم أي ذلك كان .
[ جابر وقصته هو وجمله مع الرسول ]
قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله ، قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل ، على جمل لي ضعيف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا جابر ؟ قال قلت : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا ، قال أنخه قال فأنخته ، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أعطني هذه العصا من يدك ، أو اقطع لي عصا من شجرة قال ففعلت . قال فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ثم قال اركب فركبت فخرج والذي بعثه بالحق يواهق ناقته مواهقة . قال وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟ قال قلت : يا رسول الله بل أهبه لك ، قال لا ، ولكن بعنيه قال قلت : فسمنيه يا رسول الله قال قد أخذته بدرهم قال قلت : لا . إذن تغبنني يا رسول الله قال فبدرهمين قال قلت : لا . قال فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية . قال فقلت : أفقد رضيت يا رسول الله ؟ قال نعم قلت : فهو لك ; قال قد أخذته . قال ثم قال يا جابر هل تزوجت بعد ؟ قال قلت : نعم يا رسول الله قال أثيبا أم بكرا ؟ قال قلت : لا ، بل ثيبا ; قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك قال قلت : يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا ، فنكحت امرأة جامعة تجمع رءوسهن وتقوم عليهن قال أصبت إن شاء الله أما إنا لو قد جئنا صرارا أمرنا بجزور فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذاك وسمعت بنا ، فنفضت نمارقها . قال قلت : والله يا رسول الله ما لنا من نمارق قال إنها ستكون فإذا أنت قدمت فاعمل عملا كيسا .
قال فلما جئنا صرارا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجزور فنحرت وأقمنا عليها ذلك اليوم فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا ، قال فحدثت المرأة الحديث وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فدونك ، فسمع وطاعة . قال فلما أصبحت أخذت برأس الجمل فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم جلست في المسجد قريبا منه قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى الجمل فقال ما هذا ؟ قالوا : يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر قال فأين جابر ؟ قال فدعيت له قال فقال يا ابن أخي خذ برأس جملك ، فهو لك ، ودعا بلالا ، فقال له اذهب بجابر فأعطه أوقية . قال فذهبت معه فأعطاني أوقية وزادني شيئا يسيرا . قال فوالله ما زال ينمى عندي ، ويرى مكانه من بيتنا ، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا يعني يوم الحرة .
[ ابن ياسر وابن بشر وقيامهما على حراسة جيش الرسول وما أصيبا به ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عمي صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل ، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا ، أتى زوجها وكان غائبا ; فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما ، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا ، فقال من رجل يكلؤنا ليلتنا ( هذه ) ؟ قال فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل آخر من الأنصار ، فقالا : نحن يا رسول الله قال فكونا بفم الشعب . قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي ، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر فيما قال ابن هشام .
قال ابن إسحاق : فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب ، قال الأنصاري للمهاجري أي الليل تحب أن أكفيكه : أوله أم آخره ؟ قال بل اكفني أوله قال فاضطجع المهاجري فنام وقام الأنصاري يصلي ; قال وأتى الرجل فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم . قال فرمى بسهم فوضعه فيه قال فنزعه ووضعه فثبت قائما ; قال ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه . قال فنزعه فوضعه وثبت قائما ; ثم عاد له بالثالث فوضعه فيه قال فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد ثم أهب صاحبه فقال اجلس فقد أثبت ، قال فوثب فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذرا به فهرب . قال ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك ؟ قال كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفدها ، فلما تابع علي الرمي ركعت فأذنتك ، وأيم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها .
غزوة بدر الآخرة
في شعبان سنة أربع
[ خروج الرسول ]
قال ابن إسحاق : ثم خرج في شعبان إلى بدر ، لميعاد أبي سفيان حتى نزله .
[ استعماله ابن أبي على المدينة ]
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الأنصاري .
[ رجوع أبي سفيان في رجاله ]
قال ابن إسحاق : فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة ، من ناحية الظهران ; وبعض الناس يقول قد بلغ عسفان ، ثم بدا له في الرجوع فقال يا معشر قريش ، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا ، فرجع الناس . فسماهم أهل مكة جيش السويق ، يقولون إنما خرجتم تشربون السويق .
[ الرسول ومخشي الضمري ]
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده فأتاه مخشي بن عمرو الضمري ، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان ، فقال يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء ؟ قال نعم يا أخا بني ضمرة ، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك ، قال لا والله يا محمد ما لنا بذلك منك من حاجة
غزوة دومة الجندل
في شهر ربيع الأول سنة خمس ( موعدها ) : قال ابن إسحاق : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأقام من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أشهرا حتى مضى ذو الحجة وولي تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل
[ استعمال ابن عرفطة على المدينة ]
قال ابن هشام : في شهر ربيع الأول واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري .
قال ابن إسحاق : ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها ، ولم يلق كيدا ، فأقام بالمدينة بقية سنته .
غزوة الخندق
في شوال سنة خمس ( تاريخها ) : حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس .
[ تحريض اليهود لقريش وما نزل فيهم ]
فحدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير بن عروة بن الزبير ، ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك ، ومحمد بن كعب القرظي ، والزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ، وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق ، وبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض قالوا : إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود ، منهم سلام بن أبي الحقيق النضري ، وحيي بن أخطب النضري ، وكنانة بن أبي الحقيق النضري ، وهوذة بن قيس الوائلي ، وأبو عمار الوائلي ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش مكة ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق ( منه ) .
فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا إلى قوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله أي النبوة فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا

maher 06-12-2005 03:07 AM

[ تحريض اليهود لغطفان ]
قال فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا لذلك واتعدوا له . ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان ، من قيس عيلان ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك فاجتمعوا معهم فيه .
[ خروج الأحزاب من المشركين ]
قال ابن إسحاق : فخرجت قريش ، وقائدها أبو سفيان بن حرب ; وخرجت غطفان ، وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، في بني فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، في بني مرة ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان ، فيمن تابعه من قومه من أشجع .
[ حفر الخندق وتخاذل المنافقين وجد المؤمنين ]
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة ، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمون فيه فدأب فيه ودأبوا .
وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعيف من العمل ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن .
وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها ، يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتسابا له .
[ ما نزل في العاملين في الخندق مؤمنين ومنافقين ]
فأنزل الله تعالى في أولئك من المؤمنين إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهمالله إن الله غفور رحيم
فنزلت هذه الآية فيمن كان من المسلمين من أهل الحسبة والرغبة في الخير والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى ، يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون بغير إذن من النبي صلى الله عليه وسلم
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : اللواذ الاستتار بالشيء عند الهرب قال حسان بن ثابت :

وقريش تفر منا لواذا أن يقيموا وخف منها الحلوم
وهذا البيت في قصيدة له قد ذكرتها في أشعار يوم أحد .
ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه .
قال ابن إسحاق : من صدق أو كذب . ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم
[ ارتجاز المسلمين في حفر الخندق ]
قال ابن إسحاق : وعمل المسلمون فيه حتى أحكموه وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جعيل سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا ، فقالوا :
سماه من بعد جعيل عمرا وكان للبائس يوما ظهرا
فإذا مروا " بعمرو " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا ، وإذا مروا " بظهر " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرا .
[ ما ظهر من المعجزات ]
قال ابن إسحاق : وكان في حفر الخندق أحاديث بلغتني ، فيها من الله تعالى عبرة في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقيق نبوته عاين ذلك المسلمون .
[ معجزة الكدية ]
فكان مما بلغني أن جابر بن عبد الله كان يحدث أنه اشتدت عليهم في بعض الخندق كدية فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها : فوالذي بعثه بالحق نبيا ، لانهالت حتى عادت كالكثيب لا ترد فأسا ولا مسحاة .
[ البركة في تمر ابنة بشير ]
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن مينا أنه حدث أن ابنة لبشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت دعتني أمي عمرة بنت رواحة ، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ، ثم قالت أي بنية . اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما ، قالت فأخذتها ، فانطلقت بها ، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي ، فقال تعالي يا بنية ما هذا معك ؟ قالت فقلت : يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه قال هاتيه قالت فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما ، ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده اصرخ في أهل الخندق : أن هلم إلى الغداء .
فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب .
[ البركة في طعام جابر ]
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن مينا ، عن جابر بن عبد الله ، قال عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق ، فكانت عندي شويهة غير جد سمينة . قال فقلت : والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأمرت امرأتي ، فطحنت لنا شيئا من شعير فصنعت لنا منه خبزا ، وذبحت تلك الشاة فشويناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال فلما أمسينا وأراد رسول الله الانصراف عن الخندق - قال وكنا نعمل فيه نهارنا ، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا - قال قلت : يا رسول الله إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا ، وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير فأحب أن تنصرف معي إلى منزلي ، وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده .
قال فلما أن قلت له ذلك ؟ قال نعم ثم أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبد الله ; قال قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون قال فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل الناس معه قال فجلس وأخرجناها إليه .
قال فبرك وسمى ( الله ) ، ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس حتى صدر أهل الخندق عنها .
[ ما أرى الله رسوله من الفتح ]
قال ابن إسحاق : وحدثت عن سلمان الفارسي ، أنه قال ضربت في ناحية من الخندق ، فغلظت علي صخرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني ; فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي ، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة قال ثم ضرب به ضربة أخرى ، فلمعت تحته برقة أخرى ; قال ثم ضرب به الثالثة فلمعت تحته برقة أخرى . قال قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب ؟ قال أوقد رأيت ذلك يا سلمان ؟ قال قلت : نعم قال أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن ; وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وزمان عثمان وما بعده افتتحوا ما بدا لكم فوالذي نفسي أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك .
[ نزول قريش المدينة ]
قال ابن إسحاق : ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة ، بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد ، حتى نزلوا بذنب نقمى ، إلى جانب أحد .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع ، في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم .
[ استعمال ابن أم مكتوم على المدينة ]
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام .
[ حمل حيي كعبا على نقض عهده للرسول ]
( قال ) : وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري ، حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاقده على ذلك وعاهده فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه حيي : ويحك يا كعب افتح لي ; قال ويحك يا حيي : إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمدا ، فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ; قال ويحك افتح لي أكلمك ; قال ما أنا بفاعل قال والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك أن آكل معك منها ; فاحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة ، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد ، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه .
قال فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء .
فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا ( من الله ) وميثاقا : لئن رجعت قريش وغطفان ، ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك .
فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ تحري الرسول عن نقض كعب للعهد ]
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان ، وهو يومئذ سيد الأوس ، وسعد بن عبادة بن دليم ، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة ، أخو بني الحارث بن الخزرج ، وخوات بن جبير ، أخو بني عمرو بن عوف . فقال : انطلقوا حتى تنظروا ، أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس قال فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ( فيما ) نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد . فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه وكان رجلا فيه حدة فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة . ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم قالوا : عضل والقارة ; أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع ، خبيب وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين

maher 06-12-2005 03:08 AM

[ ما عم المسلمين من الخوف وظهور نفاق المنافقين ]
( قال ) : وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط .
[ رأي ابن هشام في نفاق معتب ]
قال ابن هشام : وأخبرني من أثق به من أهل العلم أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين واحتج بأنه كان من أهل بدر .
قال ابن إسحاق : وحتى قال أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة بن الحارث : يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو وذلك عن ملأ من رجال قومه فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا ، فإنها خارج من المدينة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم تكن بينهم حرب إلا الرميا بالنبل والحصار .
قال ابن هشام : ويقال الرميا .
[ هم الرسول بعقد الصلح بينه وبين غطفان ثم عدل ]
فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك . فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، فذكر ذلك لهما ، واستشارهما فيه فقالا له يا رسول الله أمرا نحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا ؟ قال بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ( والله ) ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا
[ عبور نفر من المشركين الخندق ]
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش ، منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس ، أخو بني عامر بن لؤي .
- قال ابن هشام : ويقال عمرو بن عبد بن أبي قيس -
قال ابن إسحاق : وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الشاعر بن مرداس أخو بني محارب بن فهر ، تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة ، فقالوا : تهيئوا يا بني كنانة للحرب فستعلمون من الفرسان اليوم . ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق ، فلما رأوه قالوا : والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها .
[ سلمان وإشارته بحفر الخندق ]
قال ابن هشام : يقال إن سلمان الفارسي أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحدثني بعض أهل العلم أن المهاجرين يوم الخندق قالوا : سلمان منا ; وقالت الأنصار : سلمان منا ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت .
[ قتل علي لعمرو بن عبد ود وشعره في ذلك ]
قال ابن إسحاق : ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق ، فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد ; فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليري مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز ؟ فبرز له علي بن أبي طالب فقال له يا عمرو ، إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه قال له أجل قال له علي : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك قال فإني أدعوك إلى النزال فقال له لم يا ابن أخي ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك ، قال له علي : لكني والله أحب أن أقتلك ; فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا ، فقتله علي رضي الله عنه . وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة .
[ شعار المسلمين يوم الخندق ]
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة حم ، لا ينصرون
[ شأن سعد بن معاذ ]
قال ابن إسحاق : وحدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري ، أخو بني حارثة : أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق ، وكان من أحرز حصون المدينة . قال وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن فقالت عائشة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد وعليه درع له مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها ، وفي يده حربته يرقد بها ويقول
لبث قليلا يشهد الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل
( قال ) فقالت له أمه الحق : أي بني ، فقد والله أخرت ; قالت عائشة فقلت لها : يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي قالت وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فرمي سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل رماه كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، حبان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي ، فلما أصابه قال خذها مني وأنا ابن العرقة ; فقال له سعد عرق الله وجهك في النار اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة
[ صفية وحسان وما ذكرته عن جبنه ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع ، حصن حسان بن ثابت ; قالت وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصبيان . قالت صفية فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة ، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت . قالت فقلت : يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله قال يغفر الله لك يا بنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا : قالت فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا ، احتجزت ثم أخذت عمودا ، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته . قالت فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال ما لي بسلبه من حاجة يا بنة عبد المطلب .
[ شأن نعيم في تخذيل المشركين عن المسلمين ]
قال ابن إسحاق : وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم عليهم وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم .
( قال ) : ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفد بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت ، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديما في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا : صدقت ، لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه فقالوا له لقد أشرت بالرأي . ثم خرج حتى أتى قريشا ، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا ، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني ; فقالوا : نفعل قال تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا ، ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم أن نعم . فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا .
ثم خرج حتى أتى غطفان ، فقال يا معشر غطفان ، إنكم أصلي وعشيرتي ، وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني ; قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا عني ; قالوا : نفعل فما أمرك ؟ ، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم .
[ دبيب الفرقة بين المشركين ]
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ، في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ، ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت وهو ( يوم ) لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا ، فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة لنا بذلك منه .
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ; فقالت بنو قريظة ، حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم . وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا ; فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم

maher 06-12-2005 03:09 AM

[ أرسل الرسول حذيفة ليتعرف ما حل بالمشركين ]
( قال ) : فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان ، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا .
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ؟ قال نعم يا ابن أخي ، قال فكيف كنتم تصنعون ؟ قال والله لقد كنا نجهد قال فقال والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا . قال فقال حذيفة يا ابن أخي ، والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة - أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة ؟ فما قام رجل من القوم ، من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد ، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني ; فقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم ، فانظر ماذا يصنعون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا . قال فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء . فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش : لينظر امرؤ من جليسه ؟ قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي ، فقلت : من أنت ؟ قال فلان بن فلان
[ مناداة أبى سفيان فيهم بالرحيل ]
ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي " أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني " ، ثم شئت ، لقتلته بسهم .
[ رجوع حذيفة إلى الرسول بتخاذل المشركين وانصرافهم ]
: قال حذيفة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مراجل .
قال ابن هشام : المراجل ضرب من وشى اليمن .
فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح علي طرف المرط ثم ركع وسجد وإني لفيه فلما سلم أخبرته الخبر ، وسمعت غطفان بما فعلت قريش ، فانشمروا راجعين إلى بلادهم .
[ انصراف الرسول عن الخندق ]
قال ابن إسحاق : ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح .
غزوة بني قريظة في سنة خمس
[ أمر الله لرسوله على لسان جبريل بحرب بني قريظة ]
فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني الزهري ، معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال أوقد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال نعم فقال جبريل فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم .
[ دعوة الرسول المسلمين للقتال ]
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا ، فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا ، فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة
[ استعمال ابن أم مكتوم على المدينة ]
واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام .
[ تقدم علي وتبليغه الرسول ما سمعه من سفهائهم ]
قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس . فسار علي بن أبي طالب ، حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال لم ؟ أظنك سمعت منهم لي أذى ؟ قال نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا . فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم . قال يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ قالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولا
[ سأل الرسول عمن مر بهم فقيل دحية فعرف أنه جبريل ]
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة ، فقال هل مر بكم أحد ؟ قالوا : يا رسول الله قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي ، على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم
ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها من ناحية أموالهم يقال لها بئر أنا .
قال ابن هشام : بئر أنى .
[ تلاحق المسلمين بالرسول ]
قال ابن إسحاق : وتلاحق به الناس فأتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة فشغلهم ما لم يكن منه بد في حربهم وأبوا أن يصلوا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تأتوا بني قريظة . فصلوا العصر بها ، بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني بهذا الحديث أبو إسحاق بن يسار ، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري .
[ حصارهم ومقالة كعب بن أسد لهم ]
( قال ) : وحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب . وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه . فلما أيقنوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد لهم يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم قالوا : وما هي ؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم .
قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم ؟
قال فإن أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها ، فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا : نفسد سبتنا علينا ، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت ، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما .
[ أبو لبابة وتوبته ]
( قال ) : ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس ، لنستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا له يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال نعم وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح .
قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا ، ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا .
[ ما نزل في خيانة أبى لبابة ]
قال ابن هشام : وأنزل الله تعالى في أبي لبابة فيما قال سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن أبي قتادة : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون
[ موقف الرسول من أبي لبابة وتوبة الله عليه ]
قال ابن إسحاق : فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبره وكان قد استبطأه قال أما إنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه .
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط أن توبة أبى لبابة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السحر وهو في بيت أم سلمة . ( فقالت أم سلمة ) : فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السحر وهو يضحك . قالت فقلت : مم تضحك يا رسول الله ؟ أضحك الله سنك ; قال تيب على أبي لبابة ، قالت قلت : أفلا أبشره يا رسول الله ؟ قال بلى ، إن شئت
قال فقامت على باب حجرتها ، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك . قالت فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه .
[ ما نزل في التوبة على أبي لبابة ]
قال ابن هشام : أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال . تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم والآية التي نزلت في توبته قول الله - عز وجل - : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم
[ إسلام نفر من بني هدل ]
قال ابن إسحاق : ثم إن ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية . وأسد بن عبيد ، وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم

maher 06-12-2005 03:10 AM

[ أمر عمرو بن سعدى ]
وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي فمر بحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال من هذا ؟ قال أنا عمرو بن سعدى - وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لا أغدر بمحمد أبدا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام ثم خلى سبيله .
فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين توجه من الأرض إلى يومه هذا ، فذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأنه فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه
وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصبحت رمته ملقاة ولا يدرى أين ذهب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه تلك المقالة والله أعلم أي ذلك كان .
[ نزول بني قريظة على حكم الرسول وتحكيم سعد ]
( قال ) فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتواثبت الأوس ، فقالوا : يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت - وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج ، فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي ابن سلول ، فوهبهم له - فلما كلمته الأوس
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فذاك إلى سعد بن معاذ
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم ، يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب
فلما حكمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما جميلا ، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يقولون يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم . فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل ، فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه . فلما انتهى سعد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم
فأما المهاجرون من قريش ، فيقولون إنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار ; وأما الأنصار ، فيقولون قد عم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقاموا إليه فقالوا : يا أبا عمرو ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد بن معاذ : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، أن الحكم فيهم لما حكمت ؟ قالوا : نعم وعلى من هاهنا ؟ في الناحية التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معرض عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالا له فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء .
[ رضاء الرسول بحكم سعد ]
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة
[ سبب نزول بني قريظة على حكم سعد في رأي ابن هشام ]
قال ابن هشام : حدثني بعض من أثق به من أهل العلم أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة : يا كتيبة الإيمان ، وتقدم هو والزبير بن العوام ، وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم فقالوا : يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ .
[ مقتل بني قريظة ]
قال ابن إسحاق : ثم استنزلوا ، فحبسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سوق المدينة ، التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه أرسالا ، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، رأس القوم وهم ست مئة أو سبع مئة والمكثر لهم يقول كانوا بين الثمان مئة والتسع مئة .
وقد قالوا لكعب بن أسد ، وهم يذهب بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسالا : يا كعب ما تراه يصنع بنا ؟ قال أفي كل موطن لا تعقلون ؟ ألا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب به منكم لا يرجع ؟ هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
[ مقتل ابن أخطب وشعر ابن جوال فيه ]
وأتي بحيي بن أخطب عدو الله وعليه حلة له فقاحية - قال ابن هشام : فقاحية ضرب من الوشى - قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة ( أنملة ) لئلا يسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل . فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه .
[ قتل من نسائهم امرأة واحدة ]
قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة . قالت والله إنها لعندي تحدت معي ، وتضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها : أين فلانة ؟ قالت أنا والله قالت قلت لها : ويلك ; ما لك ؟ قالت أقتل قلت : ولم ؟ قالت لحدث أحدثته ; قالت فانطلق بها ، فضربت عنقها ; فكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجبا منها ، طيب نفسها ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تقتل قال ابن هشام : وهي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد ، فقتلته .
[ شأن الزبير بن باطا ]
قال ابن إسحاق : وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ، أتى الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن - وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية . ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله - فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني ؟ قال وهل يجهل مثلي مثلك ; قال إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي ; قال إن الكريم يجزي الكريم .
ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه قد كانت للزبير علي منة وقد أحببت أن أجزيه بها ، فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك ; فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك ، فهو لك ، قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة ؟ قال فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله هب لي امرأته وولده قال هم لك . قال فأتاه فقال قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك ، فهم لك ; قال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك ؟ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ماله قال هو لك . فأتاه ثابت فقال قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ، فهو لك قال أي ثابت ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي كعب بن أسد ؟ قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب ؟ قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا ، وحاميتنا إذا فررنا ، عزال بن سموأل ؟ قال قتل قال فما فعل المجلسان ؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال ذهبوا قتلوا ؟ قال فأني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة . فقدمه ثابت فضرب عنقه . فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ألقى الأحبة . قال يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا . قال ابن هشام : قبلة دلو ناضح .
[ أمر عطية ورفاعة ]
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير ، عن عطية القرظي ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم وكنت غلاما ، فوجدوني لم أنبت فخلوا سبيلي .
قال ابن إسحاق : وحدثني أيوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة أخو بني عدي بن النجار أن سلمى بنت قيس ، أم المنذر أخت سليط بن أخت سليط بن قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين وبايعته بيعة النساء - سألته رفاعة بن سموأل القرظي وكان رجلا قد بلغ فلاذ بها ، وكان يعرفهم قبل ذلك فقالت يا نبي الله بأبي أنت وأمي ، هب لي رفاعة ، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل قال فوهبه لها ، فاستحيته
[ قسم فيء بني قريظة ]
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل من ليس له فرس سهم . وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا ، وكان أول فيء وقعت فيه السهمان وأخرج منها الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة في المغازي . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا .


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.