![]() |
حسن اختيار الشيخ للكتب : والشيخ- حفظه الله وأطال في عمره على طاعته- حريص كل الحرص في قضية الاختيار للكتب وإيداعها في مكتبته العامرة- عمرها الله بالعلم والإيمان- فلا يقتني من الكتب كل ما هب ودب ، بل يحرص هو وأمينها الفاضل على اختيار النافع المفيد ، وللشيخ- رعاه الله- عناية خاصة ، بالكتب السلفية وآثار المتقدمين التي تعنى بالعقيدة الصحيحة السلفية ، والأحاديث النبوية ، والآثار السلفية التي تعتبر بحق وصدق من نفائس الكتب ، وهذا الاختيار والانتقاء شامل لجميع أنواع الفنون العلمية ، فما كان نافعا مفيدا ، فستجده في مكتبة الشيخ رعاه الله- في أحد رفوفها بل إن سماحته- رعاه الله- إذا ذكر له اسم كتاب من كتب المتقدمين وعهده به مخطوطا ، فيقال له إنه قد طبع الآن ، فيأمر أمين المكتبة بتزويد المكتبة الخاصة به نسخة ، ومكتبة الرياض السعودية نسخة مماثلة ، وهذا دليل على حبه للخير ونفعه للأمة . وهذه المكتبة الممتلئة بأنواع الكتب لم يكن هم الشيخ - رعاه الله- من وراء جمعها سبيل المباهاة والفخر والتكبر والرياء والسمعة ، كما هو حال الكثير من طلبة العلم اليوم - وللأسف - بل كان جمعه لها لرغبة أكيدة ، ومحبة شديدة ، وغاية نبيلة ، وهي الوقوف على مصادر العلم الثرة ، ومراجع الفقه المختلفة ، وإرواء ظمأه منها حتى ينفع نفسه أولا ، وينتفع الناس بعلمه ثانيا . - زاد الله سماحته عزا وتوفيقا ، وأدام عليه لباس الصحة والعافية- آمين . .. يتبع .. |
الفصل الثامن حياته العملية أ :- سماحة الشيخ عبد العزيز في الدلم معلما وقاضيا عندما كلف سماحة الشيخ عبد العزيز بولاية القضاء في الخرج وافق على ذلك مكرها إذا لم يكن سماحته راغبا في القضاء ولا محبا له ولكن إلزاما من شيخه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- رحمه الله- وولي الأمر الملك عبد العزيز- رحمه الله- فقدم إلى الدلم قاعدة الخرج آنذاك ، واستقبله أهل الدلم استقبالا يليق به وبمكانته العلمية ، فما أن نزل من السيارة التي تقله حتى صعد المسجد الجامع الكبير فصلى فيه ركعتين اقتداء بالسنة ، ثم استراح قليلا لدى أمير الدلم آنذاك ناصر بن سليمان الحقباني- رحمه الله- فالتف حوله الأهالي فألقى عليهم موعظة بليغة فكان مما قاله بتأثر عميق بأنه غير راغب في القضاء ولكنه ألزم بذلك فلا بد من طاعة ولي الأمر- وأقسم بالله العظيم ثلاثة أيمان تأكيدا لذلك . فما أن بدأ العمل حتى فتح الله على يديه الخير الكثير وسار بالناس في القضاء بالعدل والرأفة ، واستمر على ذلك أربع عشرة سنة ونيفا قضاها سماحته في قضاء الخرج كان خلالها كشأنه في كل مكان ذهب إليه مصدر خير وإصلاح لكل ما حوله ومن حوله ، وقد ساعده على ذلك - كما وصف هو بنفسه طيب قلوب الناس وتقديرهم لأهل الفضل وميلهم الفطري إلى العدل " . ولأن قضاء الخرج يتركز في بلدة الدلم قاعدة الخرج فقد استقر سماحته في الدلم وسكن في بيت القاضي الذي أوقفه الإمام عبد الله بن فيصل بن تركي- رحمهم الله- على من كان قاضيا في الدلم . ويذكر الأستاذ الشاعر عبد العزيز الرويس تبعة بلدان الخرج للقضاء الشرعي في الدلم بعد تعداد مآثر مسقط رأسه بلدة اليمامة بالخرج حيث يشير إلى ذلك بقوله : فلا زميقة تنسى أو يطيب لنا *** عيش بلا دلم تحظى بإكباري سكانها أنتموا للعين مقلتها *** وهم صحابي في حلي وترحالي كان بن باز بها قاض ونتبعه *** كفالتي صاغهـا للعم في الجاري وخطها راشد فيما فرأت له *** من الوصايا ومن أحباس أبراري وكان يجلس في مجلس القضاء للفصل بين الناس من الضحى حتى صلاة الظهر وربما جلس أحيانا للقضاء بعد صلاة العصر . وقد رتب الشيخ دخول الرجال في مجلس القضاء حسب وصولهم إلى المجلس ، وأمر بأن لا يدخل عليه أحد حتى يأذن بالدخول وساعده في ذلك رجال الإمارة آنذاك في تنظيم الدخول . وقد أدخل السجلات في عمله بعد أن رتب مجلس القضاء منذ ولي القضاء في الخرج حيث يسجل له كاتبه في السجلات القضايا ووثائق الأوقاف وغيرها ثم يعطي صاحب القضية وثيقة بذلك إذا دعت الحاجة إليه وهذا قبل تأسيس المحكمة الشرعية في الدلم بصورتها الرسمية في عام 1368 هـ . .. يتبع .. |
ومن سجية سماحته حسن الخلق وانبساط الوجه لكلا الخصمين على السوية فيسوي بينهما في مجلس القضاء ولا يقدم أحدهما على الآخر ، وكان يتثبت من صدق الدعاوي والبينات وغيرها ، وقد اتصف ببديهة سريعة ونباهة عالية وصدق مع الله وإخلاص له وتجرد عن حظوظ النفس مما أورث . قناعة الناس بأحكامه ورضاهم بها حتى إنه في بعض الأحيان بعد الحكم بين الخصمين مباشرة يذهب الخصمان وينفذان ما حكم به لأحدهما على الآخر طواعية دون إكراه . وفي أغلب الأحيان يعرض الصلح على المتخاصمين . وقد اشتهر الشيخ بالعدل بين المتخاصمين إلى جانب حلمه الذي سنذكر طرفا منه في فصل لاحق . والمواقف التي حصلت معه ، وهو مع ذلك غيور على محارم الله أن تنتهك شديد الغضب لله محافظا على حدوده فكان له من الهيبة ما يمنع البعض من التحايل بالباطل يقول الشاعر راشد بن شعيل . وهو ممن عاصر الشيخ : مهابته تقمع خبيث الطبوعي راعي التتن في ديرته ما يبونه وممن عمل لديه كاتبا إلى جانب طلبه العلم عنده - معالي الشيخ راشد بن صالح بن خنين المستشار بالديوان الملكي حاليا وعضو هيئة كبار العلماء- ومعالي الشيخ عبد الله المسعري رئيس ديوان المظالم سابقا والشيخ صالح بن حسين العلي- رحمه الله- والشيخ عبد اللطيف بن شديد - رحمه الله- والشيخ صالح بن عبد العزيز بن هليل . ولقد كان سماحته يقوم بأعمال أخرى إلى جانب عمله في القضاء وهي مرتبطة عادة بالقاضي وهي : - 1- خطابة الجمعة في الجامع الكبير في الدلم وإمامته . 2- العناية بالمساجد وأئمتها والأوقاف . 3- الاهتمام بالحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 4- قسمة التركات وتنفيذ الوصايا والولاية على القصر . 5- حفظ الأموال الضالة كالحيوانات . 6- الإفتاء الشرعي في البلد والمملكة عموما . 7- عقود الأنكحة . .. يتبع .. |
الشيخ عبد العزيز والتعليم لقد كان مجيء سماحة الشيخ عبد العزيز إلى الدلم قاضيا للخرج نعمة كبيرة أحدث مع وصوله عقلة كبيرة في جميع النواحي وبالأخص الناحية التعليمية ، إذ وجد قلوبا محبة للخير والعلم والتعليم والصبر على ذلك ، فعقد حلقات التدريس في الجامع الكبير في الدلم والقرى المحيطة به ، ثم ما لبثت وفود الطلاب تتقاطر على الدلم من أنحاء المملكة التي عمرت بالأمن بعد توحيدها علي يد الملك عبد العزيز - رحمه الله- ولم تقتصر تلك الحلقات على الجامع بل كان هناك حلقة في بيته لبعض الطلاب الملازمين له فكان غالب يومه في غير أوقات القضاء في الدرس والتعليم والتربية . وما فتئ يعلو شأنه وينتشر صيته في أرجاء العالم الإسلامي كعلم من أعلام الشريعة البارزين حتى توافد عليه بعض الطلاب للدراسة عليه من الأقطار المجاورة ( من اليمن وفلسطين والعراق وغيرها ) فازداد عدد الطلاب فلم يعد يجد الكثير منهم مأوى يسكن فيه ، عندئذ طلب سماحته من الملك عبد العزيز- رحمه الله- التكرم بالأمر ببناء سكن يأوي إليه الطلبة ، فلبى الملك عبد العزيز- رحمه الله- طلبه ببناء حجرات قرب الجامع الكبر بمنافعها لتكون سكنا للطلاب وسمي بالرباط ، ولعدم كفاية تلك الحجرات فيما بعد استأجر لبعضهم بيوتا يسكنون فيها . وأصبح من المألوف أن يجد الرجل في ذلك الوقت طلابا من أنحاء المملكة وإلى الجانب طلابا من ( فلسطين والعراق واليمن ، بل أن بعض هؤلاء الذين وفدوا على المملكة طلاب لهم المقام في الدلم وتزوجوا منها وأصبح لهم ذرية ) . وللشيخ عبد العزيز عناية خاصة بطلابه فإلى جانب تأمين السكن لهم سعى لدى المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم الملك عبد العزيز- رحمه الله- في إيجاد مكافآت شهرية لبعض الطلاب المجدين والمغتربين تشجيعا لهم على مواصلة الدراسة وطلب العلم ومساعدة لهم على تكاليف الحياة ، فكانت المكافآت ترسل للشيخ في الدلم ويقوم نيابة عنه تلميذه الشيخ راشد بن صالح بن خنين بتوزيعها شهريا على الطلاب ، لأن الشيخ راشد كان إلى جانب طلبه للعلم عند الشيخ عبد العزيز يعمل كاتبا في مجلس القضاء عنده ، ويقوم الشيخ كذلك بتوزيع عباءات لبعض الطلاب المتميزين لتشجيعهم على زيادة طلب العلم . وقد قسم الشيخ أوقاته بين القضاء والتدريس وعقد له حلقتين في المسجد الجامع الكبير في الدلم إحداهما بعد صلاة الفجر في التوحيد والفقه والحديث والنحو والتفسير . وكان يعطي الطلاب ما يناسبهم فصغار الطلبة والمبتدئين من قصار المتون . وكبار الطلبة يعطي لهم من المتون الطوال حتى الضحى حيث يذهب لمنزله للجلوس للقضاء . والثانية بعد صلاة المغرب في الفرائض وقد اهتم الشيخ بهذا العلم اهتماما بالغا حيث يناقش الطلبة فيما درسوه ليتأكد من فهمهم للمادة العلمية . وبعد أذان العشاء يبدأ درسا آخر في تفسير ابن كثير حيث يقرأ أحد تلامذته وهو عبد الرحمن بن عبد العزيز بن جلال على الشيخ في تفسير ابن كثير مدة من الزمن حي يذكر ذلك ابن جلال بقوله : " لقد أكرمني الشيخ عبد العزيز حفظه الله بتخصيص هذا الوقت لي للقراءة عليه في تفسير ابن كثير قبل صلاة العشاء ، وقد لاحظت من خلال قراءتي عليه شدة تأثره وكثرة بكائه وربما زاد تأثره بما سمع فيمتد الدرس ويطول الوقت دون أن يشعر حتى ينتبه فينهيه فتقام صلاة العشاء " . وهناك حلقتان كانتا بعد صلاة الظهر وبعد صلاة العصر وقد أوقفهما الشيخ بعد مدة لما ازدحم برنامجه بالأعمال وضاق وقته عن الجلوس لهذين الدرسين . وكان حريصا على ما يلقيه من الدروس فلا يلقي درسه ولا يسمعه من الطالب حتى يراجع عليه شروحه وحواشيه وما قاله العلماء عليه وذلك في الليلة السابقة للدرس ولذلك إذا وفد إليه أحد وانشغل عن المراجعة لم يجلس للطلبة ، لذا أقبل عليه الطلاب واستفادوا من علمه لما اشتهر به من سعة العلم وحسن الإفادة وكريم الخلق ونطف العشرة . ومن الطريف أن بعض الطلاب كان حريصا على حضور درس الشيخ بعد صلاة الفجر فكثيرا ما ينطلق بعضهم من قبل أذان الفجر مشيا على أقدامهم من أماكن بعيدة في أطراف الدلم حتى يصلوا لجامع الدلم لصلاة الفجر ومن ثم حضور الدرس . ولم يكتف- حفظه الله- بالدروس التي يلقيها في الجامع الكبير أو في بيته بل كان حريصا على نشر العلم بطرق كثيرة وخاصة بعد انتشار المدارس النظامية الحكومية ، فطلب من ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبد العزيز ( الملك سعود فيما بعد ) - رحمه الله- حيث كان مشرفا على التعليم خلال مقابلته له في مكة في موسم الحج لعام 1367 هـ افتتاح مدرسة ابتدائية في الدلم فصدر الأمر لمدير المعارف آنذاك الشيخ محمد بن مانع- رحمه الله- بافتتاح مدرسة ابتدائية في الدلم ، فتم افتتاحها في عام 1368 هـ وسميت المدرسة السعودية الابتدائية ( ابن عباس حاليا ) . وقد أوكل الإشراف عليها لسماحته يرشح لها المدير والمدرسين الأكفاء ، وأخذ الشيخ يحض الناس ويشجعهم على إلحاق أبنائهم في تلك المدرسة حرصا منه على تعليم الناس الخير وانتشار العلم ومحو الأمية والجهل . ولحرصه على المدرسة كان يفقد أحوالها ويسأل عن أوضاعها ويشجع القائمين عليها ويحثهم على بذل المزيد من العطاء . ويحرص دائما- حفظه الله- على تجديد الجو العلمي لطلابه باهتمامه بالتربية الجسدية ، لذا فعندما دعاه مدير ومدرسو المدرسة السعودية ( ابن عباس حاليا ) وهم بعض طلابه في الحلقات في الجامع للخروج معهم في رحلة إلى البر في إحدى الرياض المزدهرة طلب منهم البقاء في البر إلى الغد على حسابه ثم دعا وجهاء البلد والمسئولين فيه فخرجوا واندمجوا مع بعض في رياضات متعددة إلى جانب الدروس العلمية التي يلقيها الشيخ عليهم . وكان يجلس لعموم الناس في الدلم بعد صلاة الجمعة في منزله ويستقبل الجميع ثم يتم قراءة بعض الآيات ويقوم الشيخ بتفسيرها والتعليق عليها لأن غالبية من حضر قد جاء للاستفادة من الشيخ أو السلام عليه ، جاءوا من أطراف الدلم من المزارع لكون غالبيتهم يعملون في الزراعة . .. يتبع .. |
2- أبرز أعمال الشيخ وإسهاماته العامة إن لسماحة الشيخ عبد العزيز همة عالية في فعل الخير ونفسا طموحة للمعروف والإصلاح والسعي في شؤون الناس العامة وقضاء حوائجهم ومصالحهم منذ أن ولي القضاء في الخرج ، لذا فلم يكن عمله في القضاء مقصورا على مهمة المحكمة ، فقد كان يراسل المسئولين في الدولة وعلى رأسهم الملك عبد العزيز- رحمه الله- في كل ما من شأنه إصلاح المنطقة فكانوا عند حسن ظنه لما أحسوا من نصحه وإخلاصه . وسنذكر طرفا من الإصلاحات التي قام بها وإسهاماته العامة مع الناس ، ومن ذلك أنه لما رأى أن بيت القاضي في الدلم قد خرب وتهدم أكثره لتقادم العهد به طلب من الملك عبد العزيز- رحمه الله- التكرم بالأمر بتعميره فوافق على ذلك وعمد الوزير عبد الله بن سليمان- رحمه الله- بما يلزم بتعميره حسب توجيه سماحته فاشترى دارا مجاورة وضمه إلى بيت القاضي لتوسعته ونظمه من جديد فأمر ببناء مجلس القضاء وجعل فيه " حبسا " للجلوس وجعل مكانا لانتظار الرجال ، وآخر لانتظار النساء وبه نافذة صغيرة يستمع من خلالها إلى شكوى المرأة صاحبة الدعوى ، وبجوار مجلس القضاء جعل غرفة صغيرة لا تتجاوز أبعادها 2*3 م للكاتب وسجل أوراق القضاء وجلب له مكتبا صغيرا وكرسيا . وبهذه الغرفة نافذة صغيرة تطل على مكان جلوس الشيخ فيملي من خلالها على الكاتب ما يريد كتابته ، وعمر بقية البيت لسكناه فأمر ببقاء مكتبة للكتب وغرفة أخرى للجلوس . وقد اهتم سماحته بالمساجد اهتماما كبيرا وأولاها جل عنايته ، فبعد مضي عام على قدومه قاضيا- أي في عام 1358 هـ قام بتجديد بناء الجامع الكبير في الدلم وذلك لقدم بنائه وعدم دخول الشمس فيه لإضاءته ، فهو مظلم من الداخل لأن سقفه محمول على " سناطي " من الطين في وسطه . فأمر بهدمه وبنائه من جديد بتعاون من الأهالي ، فهذا يحضر عاملا من عماله وآخر كذلك وثالث يحضر خشبا للسقف وآخر يحضر جريدا . فأتم بناء الجامع بهذا التعاون وجعل فيه أعمدة من الحجر دائرية فأصبح الجامع يدخله نور الشمس واتسعت مساحته ، وترك في وسطه سرحة . وفي نهاية الجامع من الشرق جعل فيه خلوة يصلي فيها وقت الشتاء . وهكذا نرى الجهد الذي بذله- حفظه الله- في تجديد هذا الجامع بتكاليف مالية قليلة وذلك بتعاون الجميع لثقتهم ومحبتهم للشيخ ولفعل الخير والمساهمة فيه ، ولقد ألحق بالجامع غرفا للطلاب المغتربين لطلب العلم للسكن فيها . وفي العام التالي قام كذلك بتجديد بناء جامع المحمدي شمال الدلم ثم جدد بناء جامع العذار ثم جامع زميقة ، ثم أخذ في بناء المساجد في نواحي وهجر الدلم الواحد تلو الآخر وجعل له وكيلا للقيام بهذه المهمة والإشراف على البناء والصرف عليه بعد المشاورة في ذلك وهو العم عبد الله بن رشيد البراك- رحمه الله- . .. يتبع .. |
ولما للحسبة من أهمية فقد أولاها الشيخ عنايته لأن رجال الحسبة آنذاك يتبعون القاضي ، فكان له الإشراف المباشر مع أعضاء الحسبة على كثير من القضايا ، فكثيرا ما يجتمع مع رئيس وأعضاء الحسبة فيناصحهم ويحثهم على بذل المزيد من الجهد ويختار لها الرجال من طلابه ممن عرف عنه الرغبة للعمل احتسابا وقد قام رجال الحسبة بعملهم على وجه حسن فانتشر المعروف وخفيت مظاهر المنكر . وفي بعض الأحيان يقوم بزيارة للمسئولين في البلد ووجهائه لتحقيق بعض المصالح النافعة للبلد . وعندما بدأ اهتمام الملك عبد العزيز- رحمه الله- بعيون السيح واستغلالها في الزراعة قرابة عام 1361 هـ أخذ الشيخ يقوم بزيارات متكررة للعمال هناك مصطحبا معه جملة من طلبته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتعاهدهم بالنصيحة والموعظة ويجيب على استفساراتهم . ولعامة الناس اهتمام من لدنه- حفظه الله- فكان يخرج أحيانا للسوق العام في اجتماع الناس يومي الإثنين والخميس للبيع والشراء فيقوم خطيبا في وسط السوق مقالا للرجال وقريبا من النساء اللاتي كن يبعن في السوق فيعظ الجميع ويذكرهم وينصحهم ثم يجيب على أسئلة المستفتين . ولسماحته إسهامات كبيرة مع الناس في أمورهم العامة فعندما داهمت السيول الدلم وكادت أن تدخلها في سنة 1360 هـ المسماة سنة جبار ، خرج الشيخ بنفسه وأخذ يشجع الأهالي على القيام بوضع السدود الترابية حول النازل حتى لا يدخلها السيل ، وقد أخرج معه من بيته قلال التمر وأدوات القهوة عند المواقع التي يعمل بها الناس حتى يأكل ويشرب من يعمل في إقامة السدود بدون انقطاع ولما رأى بعض الناس أن السيل قد دخل البيوت شكوا للشيخ ذلك ، فقال اعدلوه ( أي افتحوا له طريقا ) على الآبار التي بداخل البلد فذهب ما في تلك البيوت من السيل في الآبار . وفي بادرة منه- حفظه الله- لجمع كلمة الأهالي وعدم اختلافهم عندما توفي أمير الدلم آنذاك ناصر بن سليمان الحقباني- رحمه الله- عام 1367 هـ قام الشيخ باستدعاء الأهالي لاختيار أمير لهم حسب المتبع آنذاك- فاجتمع الناس وامتلأ المجلس ( في قصر الإمارة ) والمداخل والشارع فأمر بأن يبقى من كل عائلة واحدا والبقية يذهبون لمزارعهم وأعمالهم ، وبعد مناقشات ومداولات بين المجتمعين اتفق رأيهم على اختيار عبد العزيز بن حسن بن سيف- رحمه الله- أميرا لهم وقدموا بذلك خطابا مكتوبا للشيخ فكتب عليه تأييدا ثم أرسل الخطاب إلى الملك عبد العزيز- رحمه الله- فأقره ووافق على الاختيار وتم تعيينه أميرا للدلم . ومن إسهاماته عندما هاجمت أسراب الدبا وهو صغار الجراد المزارع في الدلم خرج الشيخ معهم إلى " العذار " جنوب الدلم لقتله بالجريد وذلك لشد أزرهم وتشجيعهم لحماية المزارع من الجراد وذلك في عام 1364 هـ المسمى سنة الدبا . وكان بحكم عمله قاضيا حريصا على الأوقاف وتوثيقها ولو كانت ممن هبله فيأمر كاتبه بنسخ حروفها ونقلها في سجل القضاء حفظا لها وكذلك استغلال ريعها في الطرق التي أوصى بها أصحابها . ولقد كان للطرق العامة اهتمام من لدنه فقد أمر بتوسعة بعض الطرق ومنها الطريق الواصل بين الدلم والمحمدي ، والطريق المتجه من الدلم غربا إلى وادي تركي ويسمى طريق الشبيلي حيث نزع ملكية بعض الأملاك وتبرع بعض المزارعين بجزء من مزرعته للطريق . .. يتبع .. |
ب :- عمله في التدريس في المعهد العلمي وكلية الشريعة بعد حياة زاخرة بالعلم والقضاء في الدلم ، تولى الشيخ - حفظه الله- التدريس في المعهد العلمي بالرياض عام 1371 هـ ، بأمر من سماحة المفتي العام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- رحمه الله- ثم بعد ذلك في كلية الشريعة ، وتخرج على يديه أفواج من أهل العلم والفضل ، وكان يدرس العقيدة والحديث والفقه ، بل حتى النحو قبل أن يأتي الشيخ عبد اللطيف بن سرحان- رحمه الله- وتدريسه يمتاز بوضوح الكلام وقلته ، والقدرة الهائلة على إيصال المعلومة إلى أذهان الطلاب بأبسط الطرق وأسهلها ، وكان طلابه معجبون بسلامة منهجه ودقة استحضاره وقوة ذاكرته وقدرته على الجمع بين الآراء المختلفة ، والأحاديث المتعارضة ؛ وتوصيلها بعبارة سهلة واضحة في جملها وكلماتها . وكان الشيخ- رعاه الله- جادا في تدريسه وأدائه ، مخلصا في عمله وما يقوم به من أعباء ومسئوليات ويرى أن التدريس أمانة عظيمة ، ومسئولية جسيمة ، لابد من القيام بها ، وهو أمر إن أحسن من يقوم به ، فإنه سيكون له أكبر الأثر وأعظم النفع بين البلاد والعباد . وكان في تدريسه لا يفرق بين الطلاب بل كلهم سواسية لديه ، وإن كان للمجتهد مزية وتقدم على غيره فإنما هو لجده واجتهاده وإن رأى من أحد طلابه خطأ أو عيبا ينبهه إلى ذلك برفق وتؤدة وحسن خلق وصدق في النصح والتوجيه والإرشاد . وله قدرة هائلة في الاستنباط من النصوص ، وتوضيح المسائل العلمية ، وتوجيه الطلاب إلى مسلك تعظيم الدليل من الكتاب والسنة ، وترك أقوال الرجال المخالفة للكتاب والسنة ، مع معرفة فضلهم واحترامهم وتقديرهم ومكانتهم في الأمة ، ويردد في ذلك قولة الإمام مالك المشهورة : " كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذه الحجرة- يعني النبي صلى الله عليه وسلم " . ويمتاز سماحته بقوة الحجة ، ونصاعة البيان ، رأى ذلك طلابه جليا في مناقشاتهم العلمية من أثناء تدريسه لهم ، فلربما جاء بعض الطلاب بأقوال لبعض العلماء فيرد سماحته عليها ردا علميا قائما على الأدلة وأقوال العلماء المعتبرين . وكان- وما زال- آية في الفرائض وعلومها ، فقد أتقن مسائلها ، وعرف غوامضها ، وألف فيها مؤلفه المعروف " الفوائد الجلية في المباحث الفرضية " فاستفاد منه طلابه أشد الاستفادة . وكان في تدريسه- حفظه الله- مثلا لرحابة الصدر ، وإبانة المسائل ، وتربية الطلاب على طريقة الترجيح ، ولا سيما أن مواطن الدرس في كل من الحديث والفقه متفقه ، فمثلا يدرس باب الزكاة في الفقه ، وباب الزكاة في الحديث ، فإذا كانت حصة الفقه ، قرر المسألة على مذهب الحنابلة بدليلها عندهم وإذا كان درس الحديث قرر المسألة على ما تنص عليه الأحاديث ، فإن كان المذهب- الحنبلي- وافقه كان تأييدا له وإذا خالفه أشار إلى وجه الترجيح ودعا إلى الأخذ بما يسانده الدليل ، بدون تعصب لمذهب معين ، ومما يحفظ لفضيلته - رعاه الله- عدم التثاقل من السؤال وتوجيه الطالب إلى ما أراده ، وربما توقف عن الإجابة وطلب الإمهال ، إذا كانت المسألة تحتاج إلى نظر وتأمل ، بأن كانت من مواضع الخلاف مثلا ، أو كان بعيد العهد بها ، أو لم يترجح له فيها شيئا . فاستمر على ذلك المنوال معلما ومربيا فاضلا ، وأستاذا حنونا واسع الصدر ، كبير العلم ، عظيم الحلم حتى صدر أمر المفتي العام للملكة الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله- في عام 1380 هـ بانتقاله إلى المدينة النبوية نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية . .. يتبع .. |
جـ :- عمله في الجامعة الإسلامية نائبا ورئيسا عين سماحة الشيخ- حفظه الله- في عام 1381 هـ نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية إلى عام 1390 هـ ، ثم بعد ذلك تولى رئاستها من عام 1390 هـ بعد وفاة رئيسها سماحة المفتي الإمام الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله- إلى عام 1395 هـ . ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى جهوده البارزة في الجامعة الإسلامية : إن الجامعة الإسلامية روضة غناء ، وحديقة رواء ، ذات بهجة تسر الناظرين ، وتقنع الطالبين وتشبع الآكلين ، وهي رسالة عالمية ، وحصن من حصون العلم والمعرفة ، وكهف من كهوف الدين المنيعة ، قيض الله لها علماء أجلاء ، وفقهاء فضلاء ، فنشروا فيها العلم النافع والعمل الصالح معطاءة الخير ، في جميع جوانبها وأمورها ، وكان لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله- أكبر الأثر في مسيرتها الخالدة ، فها هي ثمارها غضة طرية في كل مكان من أصقاع المعمورة فهي رسالة الإسلام وخريجوها أبناء الإسلام ، بها أستعاد الإسلام قوته ، وبها استعاد مهبط الوحي المدينة النبوية مركزها المشع على العالم الإسلامي وقد أحسن المجذوب حينما قال في وصف الجامعة الإسلامية ورسالتها ، وذلك أمام الملك فيصل بن عبد العزيز- رحمه الله- عام 1384 هـ إبان زيارته للجامعة الإسلامية آنذاك : هذي الحديقة من أغراس بيتكم وقد أنى ينعها واخلولق الثمر ردت إلى طيبة قيادتها فكل صقع به من نفحها أثر فأنظر إلى اسم الدنيا بساحتها في وحدة لم يشب إيلافها كدر جاءت طلاب الهدى من كل ناحية ظمأى إلى النور تحدوها المنى الكبر فيومها دأب في الدرس متصل ومعظم الليل في تحقيقه سهر لا ترتضي الرأي إلا أن تؤيده طريقة المصطفى والآي والسور جيل الهداة الذي تهفو لمطلعه سوح الكفاح ويرنو نحوه القدر ومما لا خلاف فيه ، ولا شك ولا ريب يمازجه أن للشيخ ابن باز- رعاه الله- أثره العميق في كل تقدم أحرزته الجامعة تحت إشرافه نائبا لرئيسها ، ثم رئيسا مستقلا لها بعد وفاة رئيسها الأول الشيخ محمد بن إبراهيم- رحمه الله 1- كان سماحته- حفظه الله- يتفقد الفصول بين الحين والآخر ، فيستمع إلى دروس المشايخ ويلقي توجيهاته الحكيمة هنا وهناك ، وقد يلحظ في دروس بعضهم ما لا يأتلف مع أفكاره الوثيقة فيعقب على ما سمع بما يؤدي الغرض في منتهى الكياسة والتقدير . 2- ويتردد على قاعات المدرسين فيسألهم عن صحتهم وراحتهم ، ويحاورهم في . شئون التعليم ، ويشجعهم على المزيد من الجهد في خدمة الطلبة ابتغاء ما عند الله . 3- ويدعو المدرسين في مطلع كل عام دارسي لاجتماع عام يضم أساتذة المعاهد مرة ، وأساتذة الكليات الأخرى ، فيتداول معهم أمور الجامعة ، وضرورة الانتفاع من الخبرات الماضية ، مؤكدا على وجوب الاهتمام بأصول العقيدة ، التي يعتبرها الشيخ- رعاه الله- منطلق العمل لتكوين شخصية الطالب ، ثم العناية بلغة القرآن التي عليها يتوقف نجاحه في الفهم عن الله ورسوله . . . وبخاصة في هذه الجامعة التي معظم طلابها من غير العرب ، فلا سبيل لتثبيت العربية في ألسنتهم وأقلامهم إلا عن طريق القدوة والمحاكاة فعلى المدرس إذن أن يتجنب كل لغة ملحونة ، وأن يلتزم الفصحى وحدها في كل حوار مع الطلاب . وهكذا الشأن في نهاية العام الدراسي ، إذ يعقد مع المدرسين اجتماعا عاما آخر ، فيتدارس وإياهم شئون المقررات وملاحظاتهم عليها ، ورأيهم في مسيرة الدروس ، وفي سلوك الطلاب ، وما قد جمعوه من الانطباعات أثناء العام ، ويحثهم على الكتابة عن كل ما يرونه مفيدا للجامعة ، ليعرض على مجلس الجامعة لدراستها والانتفاع بكل صالح منها . 4- وفي دار الحديث التابعة للجامعة- ومن ثم في الجامعة- تلقى المحاضرات الأسبوعية من قبل الأساتذة في مختلف الموضوعات على مدار العام الدراسي إلا فترة المذاكرة للاختبارات والامتحانات ويشرف الشيخ- حفظه الله- بنفسه على محاضرات الموسم هذه ، لا يكاد يعيب عن إحداها إلا تحت ضغط الضرورة ، ولا تعدم المحاضرة تعقيبا منه يوضح غامضها ، ويوسع بعض جوانبها على قدر ما يرى لها من الأهمية . فإذا كانت المحاضرة له اختار لها الموضوع الذي يمس القلوب والعقول ، حتى إذا جاء موعد الأسئلة حول بعض النقاط ، أفاض على مستمعيه بما يكفي ويشفي ؛ وكثيرا ما ينتهز السامعون هذه الفرصة ، فيوردون على الشيخ- حفظه الله- ألوان الاستيضاحات التي تحمل صفة الاستفادات ، فتأتي أجوبته عليها جامعة مانعة ، لا تلبث أن تتردد على الأفواه . وقد كتب عنه أحد الأساتذة في مقدمة محاضرة ألقاها الشيخ عبد العزيز عن سيرة المجدد المصلح الإسلامي الشيخ محمد بن بن عبد الوهاب - رحمه الله- : " وفي العقائد كان - الشيخ بن باز- مثال الاعتدال لا هو من أولئك المتطرفين الذين يطلقون عبارات الشرك على كل صغيرة كبيرة ، ولا هو من المتساهلين الذين يغضون النظر عن صغار الأمور ، بل إنه لينبه على الصغيرة والكبيرة ، ويضع كل شيء في موضعه ، يجعل الشرك شركا والبدعة بدعة " . .. يتبع .. |
5 - وفي العالم الإسلامي : ولا يقف نشاط الشيخ- حفظه الله- العلمي والعملي عند حدود الجامعة وحدها ، على الرغم من عظم أعبائها ، بل إن- نشاطه هذا ليمتد إلى الأقاصي البعيدة من وطن الإسلام ومهاجر المسلمين فهناك المدرسون الذين ينتدبهم باسم الجامعة للتدريس في أكثر من مؤسسة علمية ، أو مدرسة وجامعة أثرية ، وبخاصة في الهند وإفريقية وباكستان . وهناك المتفوقون من متخرجي الجامعة الذين يقدمهم الشيخ إلى مجلس الدعوة الإسلامية . بالرياض من أجل انتدابهم لخدمة الدعوة في بلادهم وغير بلادهم ، وقد تجاوز عددهم . حتى اليوم المئة ، وهم يعملون ليل ونهار في تعليم المسلمين دينهم الحق ، وصراطهم المستقيم ، وتحصينهم من التيارات الهدامة ، والمناهج البدعية - أعلى الله لهم منارا وأخمد لأعدائهم نارا- . ولقد بذل الشيخ- سدد الله أمره- قصارى جهده لإمداد المسلمين بالكتب النافعة التي هم بحاجة إليها ، في نطاق التدريس أو المطالعة ، واستجابت المؤسسة الحكومية لاقتراحاته ، فوضعت لتوزيع . الكتب نظاما شاملا يتيح لكل منها أن تسهم . في هذا المضمار بالقسط المناسب ، وفي الجامعة الإسلامية دار لتوزيع الكتب يتلقى الكتب والمطبوعات الإسلامية من مختلف الدوائر المعنية بالدعوة في المملكة ليقوم بتوزيعه على الجهات المحتاجة في مختلف أنحاء العالم ، ويعرف اليوم باسم / مركز شئون الدعوة . وهكذا أصبحت الجامعة الإسلامية بفضل الله وحده ، ثم بجهود هذا العالم الداعية الصالح ، مركز إشعاع ومنبع نور ، ومصدر علم وهدى ، لا على نطاق المدينة النبوية وحدها ، بل على مستوى العالم الإسلامي كله . يضاف إلى ذلك عمله الجاد في مد نشاطات الجامعة ، فهو لا يرضي الوقوف بها عند حد مهما يبلغ من الجلال ، بل يريد لها تحركا متصلا في طريق النمو . 6- أقسام وكليات : لقد بدأت الجامعة عام 1381 هـ ذات مرحلتين ، ففي جانب معهد للدارسة الإعدادية والثانوية ؛ وفي الجانب الآخر كلية الشريعة وعلومها ، وهي الآن- ولله الحمد والمنة- تضم مع المعهدين شعبة خاصة لتعليم العربية لغير العرب ، وإلى جانب كلية الشريعة أربع وهي : كلية أصول الدين والدعوة . والثانية : كلية القرآن الكريم وهي الوحيدة من نوعها في العالم كله ، وقد استقبل افتتاحها بموجة من الاستبشار في أنحاء العالم الإسلامي ، وتلقت الجامعة فيها تهاني أكابر علماء الإسلام والثالثة : كلية الحديث الشريف وعلومه والرابعة : كلية اللغة العربية وآدابها . مع أقسام عدة للدراسات العليا- الماجستير والدكتوراه . وهذه الجهود كلها بإشراف من ساحته- حفظه الله- وإن كان بعض المنشآت قد تم بعد انتقال الشيخ إلى عمله الجديد في الرياض ، إلا أن التخطيط له سبق انتقاله ، وكان له الأثر البعيد في التوجيه إليه ، ذلك أنه يرى للجامعة رسالة علمية عالمية تستدعي تجهيزها بكل الإمكانات التي تساعدها على أدائها . وقد أعانه الله على هذه الخطة الرشيدة ، والطريقة الحكيمة ، بإدارة من خيار الرجال ، وأفاضل المستشارين تشاركه النظرة الثاقبة إلى رسالة الجامعة ودورها البناء في إرساء تعاليم الإسلام وقيمه وأهدافه وحظي- ولله الحمد والمنة- بتقدير المسئولين وما ذاك إلا لإخلاصه وفضله ، يدفعهم للاستجابة إلى كل ما يطلب من الاعتمادات المالية لتحقيق هذا الطموح . 7- مشهد لا ينسى : نختم هذه الجهود العلمية الرائعة في الجامعة بمشهد معبر محزن لا ينسى ، إنه مشهد وداع الشيخ- رعاه الله- للجامعة الإسلامية ، ويعبر عن ذلك الشيخ محمد المجذوب بقوله : " كان انتقال الشيخ- رعاه الله- إلى منصبه الجديد في الرياض مفاجأة لكل من في الجامعة مدرسين وطلابا وموظفين ، لا يشبهها إلا فقدان أسرة راعيها الحليم الرحيم الكريم . وذات يوم عاد إلى المدينة النبوية ، التي أحبها من شغاف قلبه ، عاد إلى الجامعة الإسلامية التي خالطت لحمه ودمه ، عاد إليها في زيارة عابرة ، فكانت فرصة مرموقة للاجتماع على وداعه . وفي مسجد الجامعة احتشد هؤلاء ليعبروا عن تقديرهم . للرجل الذي خالط حبه دماءهم ، فكانت هناك كلمات أملاها الإخلاص دون إعداد ، حتى جاء دور الشيخ للتعقيب عليها ، فإذا هو يتعثر في التعبير ، إذ غلبه التأثر فلم يتمالك أن يبكي . لقد كانت تلك الدموع الحارة أبلغ خطاب سمعته للشيخ ، بل وأشد خطبه المبينة تحريكا لمشاعر سامعيه ، حتى غمر التفاعل كل من في المسجد ، فهم بين باك في صمت ومعول في نشيج . . وما أحسب ثمة بيانا أدل على مدى الترابط الروحي بين الشيخ وهذا الجمع في مثل ذلك الموقف . ووجدت في نفسي دافعا لا يدفع إلى الكلام في أعقاب هذا المشهد المثير فكان مما جرى به لساني هذان البيتان : بكينا وفاء لامرئ قل أن يرى *** له في الدعاة العاملين نظير فخلوا ملامي إن ألح بي البكا *** فإن فراق الصالحين عسير وحقا لقد كان فراق الشيخ ابن باز للجامعة الإسلامية عسيرا ، لأنه فرق بينها وبين الرجل الذي باشر غرسها من أول أيامها ، ثم مضى يسبقها ذوب قلبه ، ويبذل لها من الجهد ما لا يضاهيه إلا سهر الأم على طفلها الحبيب . فجزاه الله عن الجامعة وأهلها ، وعن الإسلام الذي وهب نفسه كلها لها ، خير ما يجزي الدعاة العاملون المصلحون " . .. يتبع .. |
د :- رئيسا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ثم مفتيا عاما للملكة العربية السعودية ، ورئيسا لهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء . في عام هـ 1395 هـ صدر الأمر الملكي الكريم بتعيين سماحته في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برتبة وزير ، ثم في . عام 1413 هـ صدر الأمر الملكي الكريم بتعيينه في منصب مفتي عام المملكة السعودية بالإضافة إلى رئاسة هيئة كبار العلماء ، ورئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء . وإلي جانب هذه الأعمال الكبيرة التي تنوء بحملها أصحاب القدرات الهائلة ، فللشيخ- رعاه الله- أعمال خيرية في الهيئات الرسمية فلعل من أبرزها : 1- رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء . 2- رئاسة وعضوية المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي . 3- رئاسة المجمع الإسلامي بمكة المكرمة التابع للرابطة أيضا . 4- عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة . 5- عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية . 6- عضوية المجلس الاستشاري للندوة العالمية للشباب الإسلامي . 7- عضوية الصندوق الدائم للتنمية الشبابية . هذه بعض أعماله الرسمية ، في الهيئات الخيرية .. يتبع .. |
أما أعماله الخيرية التطوعية فهي على النحو التالي : هـ :- أعماله الدعوية والخيرية 1- جهوده في الدعوة : للشيخ- رحمه الله - عدة نشاطات خيرية تصب في قالب الدعوة إلى الله والاهتمام بأمور المسلمين نذكر بعضا مها على سبيل المثال لا الحصر : ا- دعمه للمؤسسات والمراكز الإسلامية المنتشرة في كافة أنحاء العالم الإسلامي ، والتي تقوم بأمور التعليم والدعوة إلى الله ورعاية شئون المسلمين ، وبخاصة الأقليات المستضعفة . . 2- دعمه الملموس للجهاد الإسلامي ودعوته للمسلمين القادرين على مساعدتهم ، وخاصة في أفغانستان . والبوسنة والهرسك والشيشان وكشمير وإريتريا والصومال وبورما ، وغير ذلك من الدول الإسلامية ، وأخيرا الآن كوسوفا . 3- اهتمامه البالغ بقضايا التوحيد وصفاء العقيدة ، وما التبس على المسلمين من أمور دينهم ، ويدرك تلك الأمور من حضر دروسه ، أو استمع إلى محاضراته وأحاديثه أو أطلع على مؤلفاته . 4- يولى سماحته حفظ وتعليم القرآن الكريم اهتماما خاصا ، ويحث إخوانه وتلاميذه وأعضاء الجمعيات الخيرية لمضاعفة الجهد في هذا الصدد . 5- اهتمامه بالدعاة ومساعدتهم وكفالتهم ، ويبلغ عدد الدعاة في العالم الإسلامي الذين يكلفهم الشيخ رعاه الله- أكثر من ألفي داعية ، وقد وضع لهم بندا خاصا بهم من بنود الرواتب ، وها هم الآن- في جميع أنحاء المعمورة يسيرون على العقيدة الصافية والهدي النبوي الكريم ، ناشرين للتوحيد ، محاربين للشرك ، متأسين بسماحة الشيخ- رعاه الله- في الرفق واللين في الدعوة إلى الله ؛ فأثمرت دعوتهم ، وأتت أكلها ، وأصبحت دعوة مقبولة- ولله الحمد- . 6- دعم هيئات الأمر بالمعروف والنهي من المنكر ، وتشجيعها وتشجيع أعضائها ، وحرصه على استمرار هذه الهيئات ، والالتقاء بأعضائها وتوجيههم التوجيه الأبوي السليم المبني على الرفق والحلم والعلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومراعاة المصالح والمفاسد ، وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مما أثمر عن ذلك هيئات قائمة على العلم من الكتاب والسنة ، رفع الله لها منارا ، وأخمد لأعدائها نارا . ومن خلال هذا الاستعراض الموجز لإسهامات الشيخ - حفظه الله- واهتماماته الدعوية لخدمة الإسلام والمسلمين نجد أن حياته العملية ، زخرت بالعديد من العطاءات والإضافات ، التي تحسب له على كافة الأصعدة والمستويات ، في مجال الدين والعقيدة والدعوة والجهاد ودعم الأقليات ، وتشجيع الشباب المسلم على مواجهة حركات التغريب والتصدي لكافة التحديات ، التي يمكن أن تتمخض عنها الأيام ، ومن المعروف أن جهود سماحته قد تجاوزت حدود وطنه الصغير ، لتصل إلى أقطار العالم الإسلامي ، وإلى ديار الإسلام والمسلمين كافة ، في جميع ربوع العالم الأمر الذي يدل دلالة عميقة المغزى على إدراك سماحته- رعاه الله- وحرصه الشديد على ترسيخ مفهوم الأخوة الإسلامية الواسعة النطاق كما يجسد شعوره الشخصي لأنه مسئول عن السعي في أمر أي مسلم وتبني قضيته والعمل على حل مشكلته ما وجد . إلى ذلك سبيلا . .. يتبع .. |
2- قضاء الحوائج والشفاعات : ويعتبر هذا الأمر من أبرز أعمال الشيخ- حفظه الله- المبرورة ، ومساعيه المشكورة ، وخاصة أن الفرد المسلم في هذا العصر بحاجة إلى التعاون والتآلف ، فكان الشيخ- حفظه الله- وما زال متعاونا مع إخوانه المسلمين من المحتاجين بقضاء حوائجهم ، وبذل جاهه لهم ، والشفاعة الحسنة لهم منطلقا من مثل قوله تعالى : مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وقوله صلى الله عليه وسلم : اشفعوا تؤجروا ومن مثل هذه المنطلقات السامية ، والأهداف النبيلة ، والأخلاق الجميلة ، أدرك سماحته- رعاه الله- حرص الإسلام ، وترغيبه في قضاء حوائج الناس وبذل المعروف لهم ، فسارع في ذلك أشد المسارعة ، وأخذ على عاتق نفسه أن يكتب للمحسنين من ولاة الأمور وغيرهم ممن له في الخير يد سابقة ، وكف بالخير ندية ، عن أحوال إخوانهم المعسورين ، مذكرا لهم بقوله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وقول الرسول : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب الآخرة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة رواه البخاري ومسلم وفي لفظ آخر عند مسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وغيرها من النصوص الشرعية التي تحث على هذا الخلق الجميل ، والسلوك النبيل ، منبها لهم على عظم الأجر والثواب ، من لدن الله العلي الوهاب . وسماحته- حفظه الله- تجسد فيه هذا الخلق الجميل ، والسلوك النبيل ، فتراه يفرح أشد الفرح شكرا لله ، وإعظاما له ، على أنه قام بقضاء حوائج الناس ، وإقالة عثراتهم ، وتفريج كرباتهم ويرى أن ذلك من أقل الواجب بل سمعته يقول : ليس البخيل بخيل المال ، بل البخيل بخيل الجاه ولكل شيء زكاة ، وزكاة الجاه الشفاعة للمعسرين والمحتاجين . وتجد سماحته- حفظه الله- رضي النفس كريما متواضعا منبسطا للناس ، وهذا الأمر الذي حدا به إلي كل خير في الأعمال والأقوال والعقد والسبيل . وبالجملة : فإن الشيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله- فرد زمانه ، ووحيد عصره وأوانه وهو إمام في كل شيء من أموره الخيرة ، وأفعاله الحسنة ، قدوة يقتدي بها في مجالاته النافعة وأسوة يتأسى بها في مواقفه المشرقة- ختم الله له بالخير والصالح من العمل- . .. يتبع .. |
3- المساهمة في بناء المساجد : وللشيخ- حفظه الله- مساهمة كبيرة في بناء المساجد وتشييدها وإعمارها ، وذلك يتمثل في كتابه للمحسنين ، والإشارة عليهم ببناء المساجد في الأماكن المحتاجة من القرى والهجر البعيدة ، وكم من قرية نائية بعيدة كل البعد ، تجد فيها مسجدا قائما معمورا على أحسن طراز ، وأتم شكل ، وأفضل بنيان ، فإن سألت عن بنائه ومن قام بذلك تجد الإجابة التي . تنشرح لها الصدور المؤمنة ، وتطمئن لها القلوب المخلصة ، وهي أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله- قد توسط لنا في بناء هذا المسجد من طريق أحد فاعلي الخير من المحسنين ، وتجدهم بعد ذلك يرفعون أكف الضراعة إلى المولى القدير ، بأن يبقي سماحته ، ويطيل في عمره ، ويجعله ذخرا للإسلام والمسلمين . وليس هذا الأمر- أعني به بناء المساجد محصورا على هذه البلاد المباركة فحسب ، بل في كل بقعة من بقاع الدنيا ، تجد أن للشيخ- حفظه الله- معلما بارزا ، وأثرا واضحا ، في بناء بيوت الله وإقامتها وإعمارها ، إنها والله أعمال جليلة ، وآثار خالدة ، ستبقى واضحة المعالم ، بينة الدلائل ، وهذه هي . رسالة العالم المسلم الخائف على إخوانه ، المشفق عليهم ، الرؤوف بهم ، الحريص على نفعهم ، إيصال الخير لهم ، في أي مكان كانوا ، تحت كل سماء وفوق كل أرض . إن أعمال سماحته ومشاريعه الخيرية ، يعجز القلم عن أن يعبر عنها التعبير الشافي الكافي لكن هذه إشارات صغيرة ، ومنارات يسيرة ، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وسماحته منطلق عن مثل قوله تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : من بنى لله بيتا بنى الله له بيتا في الجنة متفق عليه . فلا تستغرب- أخي القارئ الكريم- من هذه الأعمال الخيرية ، والجهود الإحسانية لسماحته فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، إنها منة ونعمة من أكبر المنن والنعم علي أمة الإسلام وخاصة في عصرنا- أن قيض الله لنا هذا الإمام الفذ الجهبذ الذي له كبير الأثر في جميع بلاد الإسلام ، وتلك نعمة ومنة تستحق منا الشكر للمولى عز وجل . .. يتبع .. |
4- ما الهم الذي حمله الشيخ- رحمه الله- : عرفت هذه الأعمال الكبيرة الجليلة ، التي يقوم بها سماحته- رحمه الله- فهل أدركت وعرفت الهم الذي حمله الشيخ- رحمه الله- إنه هم دين الله سبحانه وتعالى ونصرته ، فهذا الهم هو الذي لازم الشيخ سواء كان في مقر عمله ، أو منزله ، أو في سيارته ، جالسا كان أو قائما ، فلا زال هم الدين وإعلاء كلمة الله في أنحاء المعمورة شرقا وغربا ، شمالا هجيري الشيخ وديدنه ، لهذا كان لسماحته ثمان وخمسون سنة لم يأخذ إجازة ولو كان يوما واحدا ، فأي هم حمله هذا الإمام الجهبذ لا شك بل ولا ريب أنه هم الإسلام والمسلمين ، وهو مع ذلك لا ينام في يومه إلا قرابة 4-5 ساعات فقط وأما الباقي من . هذه الساعات فهي في ذكر وعبادة ونشر علم وإفتاء وقضاء حوائج المسلمين بل يقول سماحته- رحمه الله- وردد ذلك أكثر من مرة : أنا مستحق للتقاعد منذ عشرين سنة - بكامل الراتب- ولكن ما بقيت في هذه الأعمال إلا لخدمة المسلمين ونصرة الدين . فلتكن همومنا وهممنا مثل هذا الهم ، وتلك الهمة ، والله المعين . .. يتبع .. |
5- حقائق عن الشيخ رحمه الله- في مجال العمل والعبادة : الحقيقة الأولى : يقول أحد كتاب الشيخ- رحمه الله- ذهبت مع سماحته إلى مكة وجلست أقرأ عليه المعاملات إلى حدود الساعة الحادية عشر ليلا ، وإذا بالشيخ رعاه الله- يقول : يبدو أننا تعبنا فلنأخذ راحتنا- وحقيقة الأمر أن الشيخ - رفع الله قدره- لم يتعب ولكن تأدبا مع الكاتب الذي معه- فقال الكاتب : نعم يا شيخ لقد تعبنا ، يقول الكاتب : فنمت بعدما صليت ما كتب الله لي ، واستيقظت قبل الفجر وإذا بالشيخ يصلي . الحقيقة الثانية : يقول أحد الذين رافقوا سماحته من الطائف إلى- الرياض برا؟ ولما صرنا في منتصف الليل بعد الساعة الثانية ليلا تقريبا ، قال الشيخ لمرافقيه : يبدو أننا تعبنا قفوا لننام في الطريق ، فتوقفنا ، فما لامست أقدامنا الأرض إلا وأخذنا النوم ، والجيد منا من صلى ركعة أو ثلاث قيل أن ينام ؛ فشرع الشيخ في الصلاة ، فاستيقظ من كانوا معه قبل الفجر فإذا بالشيخ يصلي . الحقيقة الثالثة : وهذه الحقيقة يرويها أحد موظفي دار الإفتاء من عدة سنوات ، يقول : جاءت رسالة من الفلبين لسماحة الشيخ - رحمه الله- فإذا بامرأة لقول : إن زوجي مسلم أخذوه النصارى وألقوه في بئر ، وأصبحت أرملة ، وأطفالي يتامى ، وليس لي أحد بعد الله جل وعلا ، فقلت : لمن اكتب له في هذه الأرض لكي يساعدني بعد الله !!! قالوا لا يوجد إلا الشيخ / عبد العزيز بن باز فآمل أن تساعدني . فكتب الشيخ- رحمه الله- للجهات المسئولة في الإدارة مساعدتها وجاءت الإجابة أنه لا يوجد بند لمساعدة امرأة وضع زوجها في بئر ، فالبنود المالية محددة ، فقال الشيخ لكاتبه اكتب إلى أمين الصندوق : مع التحية اخصم من راتبي عشرة آلاف ريال وأرسله إلى هذه المرأة . الحقيقة الرابعة : يذكر أحد الذين يعملون في الجامعة أنه ذهب في دورة إلى إحدى الدول في وسط أفريقيا فيقول : أننا وجدنا عجوزا ، فقالت : من أين أنعم؟ فقلنا لها عبر المترجم ، من السعودية ، فقالت : بلغوا سلامي للشيخ ابن باز . هذه حقائق واقعة صادقة ، بالحق ناطقة ، وبضياء البرهان والدليل ناصعة ، الله أكبر إنه والله حب الخير ، وهم الإسلام والمسلمين ، ووضع القبول لهذا الإمام- رحمه الله- في الأرض امرأة في أدغال . أفريقيا تعرف الشيخ ، وأخرى في مجاهل آسيا في الفلبين تستنجد بالشيخ وتطلب منه المعونة بعد لله عز وجل ، هذا كله لأن سماحته- حفظه الله- يحمل هم الإسلام بل هم كل مسلم . ومسلمة ، وهذه الحقائق تبين مدى اهتمام المسلمين وعلمائهم بنصرة الدين والتآزر عليه ، والتعاون فيه على البر والتقوى . .. يتبع .. |
6- عمل اليوم والليلة : هذا عرض موجز يسير لأعباء الشيخ ، وأعماله اليومية التي تقوم بها؛ وهذا واقعه الذي لا يوشك أن يتغير سواء في الرياض أو مكة أو الطائف : يبدأ يوم الشيخ- حفظه الله- في الغالب قيل الفجر ، حيث يستيقظ في الثلث الأخير من الليل ، ويصلي ما كتب الله له ، وبعد صلاة الفجر يحرص- حفظه الله- على قراءة أوراده حتى أنه لا يكاد يجيب أحدا حتى يقرأها ثم يبدأ الدرس ، حيث يقرأ عليه الأخوان من طلاب العلم وتلاميذه عدة كتب متنوعة ، وهو يشرح ويفصل ويستدرك ويعقب ويقيد ، لا يضجر من طول الدرس ، ولا يمل من كثرة الأسئلة ، هذا دأبه وشأنه حتى قبيل الساعة السابعة صباحا ، هذا إذ كان من أيام الدروس ، أما إذا كان في المسكن ، جلس للنظر في الاستفتاءات الواردة إلى مكتب البيت من مختلف الأرجاء والأقطار ، والمعاملات المحالة إلى مكتب البيت من قبل سماحته ، ثم ينظر في طلبات المستشفعين وأصحاب الحاجات ، فيوردها جميعا مواردها اللازمة ، وعلى هذا الأمر والنسق حتى يحين موعد دوامه الرسمي قرابة الساعة التاسعة صباحا فإذا ما وافى مقر الرئاسة ومكتبه وجد المراجعين يمثلون الأمكنة المعدة لهم بانتظاره ، فيحييهم ويستقبلهم ويصافحهم ويعانقهم ، ثم يأخذ مجلسه وهو صدر المكتب . الذي هو عبارة عن كراسي متعددة لا توجد طاولة بينها كغيره من المكاتب الأخرى لعدم حاجته لها ، حيث تعرض عليه المعاملات قراءة ليوجه مستشاره أو كاتبه بكتابة الشرح المناسب والرد على المعاملة فورا . وخلال عرض المعاملات يستقبل سماحته الاتصالات الهاتفية التي غالبا ما تأتي من سائل يسأل عن فتوى أو قضية معينة تهم السائل ، ويرد على المتصلين بهدوء العلماء ويحرص على إقناع السائل قبل إنهاء المكالمة ، وما بين لحظة وأخرى نجد الناس يدخلون على سماحته طالبين أن يشهروا إسلامهم على يديه وتعليمهم أحكام الشريعة ومحاسن الدين الإسلامي ، وقد تكون هناك اجتماعات اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، فيحرص سماحته على رئاستها وحضورها ، فإن كانت صباحا ، استقبل المراجعين ظهرا ، إن كانت ظهرا استقبل المراجعين صباحا ، وهكذا يستمر المشهد حتى حلول موعد أذان الظهر حيث يذهب سماحته للصلاة في المسجد القريب من المكتب ، وربما عقب بعد الصلاة بكلمة وعظية جامعة تأسر كلماتها القلوب المؤمنة ، وتحس بين حروفها صدق النصح ، وأغلب تلك الكلمات ، تدور حول تفسير الآيات من القرآن وتدبرها وتأملها ، ويختم تلك الكلمات بأدعية جامعة مانعة في صلاح الإسلام ونصرته ، وصلاح البلاد والعبادة ثم يعود بعد ذلك إلى المكتب حيث يخصص ما بقي من الوقت حتى نهاية الدوام للمعاملات الرسمية ، والنظر في فتاوى الطلاق ، وطلب الشفاعة منه من المعوزين المحتاجين ، واستقبال الوفود من الدول الإسلامية ، والأقليات المسلمة ، ورؤساء الجماعات الإسلامية ، حتى قرابة الثانية والربع ظهرا ، حيث يحرص سماحته أن يدعوا الضيوف من الحاضرين لتناول الغداء معه في منزله العامر وبعد الطعام يجلس برهة قصيرة في مجلسه ، فيدعوا . بالقهوة فالشاي ، والطيب ، ويتحدث إلى جلسائه وضيوفه حديثا فيما يخص مصالحهم ، حتى يوافي موعد الآذان- أذان صلاة العصر- فيأخذ سبيله إلى المسجد القريب من منزله ، فيصلي فيه صلاة العصر ، ثم يقرأ عليه شيئا يسيرا من الأحاديث إما من كتاب التوحيد ، أو من كتاب رياض الصالحين ، فيعلق تعليقات علمية يسيرة على ما قرئ عليه مستنبطا الفوائد المهمة ، والقواعد الجامعة ، ثم يذهب إلى بيته لأخذ قسط من الراحة حتى حلول صلاة المغرب ، فإن كان ثمة درس له أو محاضرة بكر في الحضور إلى المسجد وحرص على أن يكون قريبا من محبيه وطلابه ، أما إن . لم يكن له درس أو غيره من الارتباطات فإنه يتوجه إلى مجلسه العام لعامة الناس وخاصتهم ، المقبلين للسلام عليه ، أو استفتائه في أمور الدين والدنيا؛ ويستضيفهم الشيخ فيسألون عن أحواله ، ويسألهم عن أحوالهم ، في جو مليء بالود والوفاء والتناصح والتشاور ، ويستمر هذا المجلس حتى يحين موعد صلاة العشاء ، حيث يتأهب سماحته والحضور للخروج من المجلس ذاهبين للمسجد . وفي المسجد خلال الفترة التي بين الآذان والإقامة يقرأ عليه إمام المسجد كتاب بلوغ المرام فيشرحه الشيخ شرحا علميا دقيقا ، ثم بعد ذلك يرجع إلى المنزل للنظر في بعض المعاملات الخاصة بالمساجد ، ولقاء بعض المهتمين بالدعوة وشئونها وشجونها ، ثم يتناول مع ضيوفه طعام العشاء ثم يخلد إلى مكتبته العامرة للقراءة في بعض الكتب ، أو النظر في بعض الأمور فلا يزال بين قراءة وإملاء وحديث نافع حتى وقت متأخر- فجزاه الله أحسن الجزاء- . هذه صورة مقاربة ليوم الشيخ وعمله في اليوم والليلة ، وإنك- أخي القارئ- لربما يثيرك العجب والاستغراب إزاء هذه الوقائع والأعباء الجسمية ، التي تكاد لا تصدق أنها تصدر من سماحته ولكنها مع ذلك حقيقة واقعة ، وأمر لا شك فيه ولا امتراء ، ومن جرب الشيخ وعرفه عن قرب وكثب لربما رأى أكثر من ذلك ، فلا يهولنك الأمر ، فإنه فضل من بيده الفضل ، وهو ذو الفضل العظيم . .. يتبع .. |
7- محطات يومية : هذه حياة سماحته اليومية عرضناها من واقع يوم في حياته ، ولعلنا نلخص للقارئ الكريم أهم النقاط التي وردت إجمالا في هذا السياق وهي على النحو التالي : 1- يحرص سماحته على صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع التزاما بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم . 2- حلقات دروس الفجر في الرياض تعقد بعد صلاة . فجر أيام الأحد الاثنين والأربعاء والخميس أما في الطائف فهي بعد فجر يومي الاثنين والخميس . 3- يحرص على دعوة ضيوفه وزواره لتناول طعام الغداء معه مهما كان عددهم . 4- المعاملات الرسمية وغير الرسمية تعرض على سماحته طيلة اليوم من الصباح وحتى المساء ، حتى أن بعض مستشاريه يستغلون الوقت الذي تقطعه السيارة المقلة لهم لعرض المعاملات عليه . 5- فترة الصباح من كل يوم عدا يومي- الأحد والثلاثاء- فهما لاجتماعات اللجنة الدائمة للإفتاء- يستقبل ضيوفه ومراجعيه . 6- سماحته يتلقى يوميا تقريرا إخباريا من وكالة الأنباء السعودية- واس- يحوي على أهم الأحداث العالمية إجمالا وتفصيلا يقرأه عليه مستشاره الدكتور \ محمد بن سعد الشويعر . 7- اعتاد سماحته قيام الليل إحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم . هـ يستقبل سماحته الضيوف القادمين من أماكن بعيدة في منزله طيلة إقامتهم في المدينة التي يتواجد فيها . 9- معدل من يشهرون إسلامهم على يديه لا يقل عن خمسة أشخاص يوميا . 10- في بيت سماحته مكتبته عامرة تحوي عدة آلاف من أمهات الكتب النادرة . 11- هناك مشروع لجمع فتاوى وردود سماحته على استفسارات المسلمين وإصدارها في مجلدات تتكون من أكثر من عشرين مجلدا صدر منها حتى الآن اثنا عشر جزءا ، يقوم بجمعها والإشراف على طبعها الدكتور الفاضل \ محمد بن سعد الشويعر . 12- لا يخلو يوم الأربعاء والخميس من وليمة يدعى إليها مع بعض العلماء ويتخللها بعض الكلمات الوعظية ويجيب على أسئلة الحضور . 13- بعد صلاة الجمعة يجتمع عنده طلابه للأسئلة والاستفسارات ويقم لهم وليمة غداء في منزله العامر .. يتبع .. |
الفصل التاسع المنهج العلمي والعملي أ :- عقيدته معنى العقيدة لغة واصطلاحا : مأخوذة من مادة " عقد " يقال في لغة العرب : عقد الحيل إذا شده ، وعقد البيع إذا أمضاه ووثقه ، وعقد العهد واليمين إذا أكدهما ووثقهما ، وتعقيد الإيمان إنما يكون بقصد القلم وعزمه ، والعقود أوثق العهود ومن قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ والعقيدة عند علماء الإسلام يراد به الحكم الجازم الذي يعقد الإنسان قلبه عليه بغير تردد أو شك ، والعقيدة في الإسلام تقابل الشريعة ، إذ الإسلام عقيدة وشريعة ، والعقيدة ليست أمورا عملية بل أمور علمية يجب على الإنسان المسلم أن يعتقدها في قلبه ، لأن الله تعالى أخبره بها ، بطريق كتابه ، أو بطريق وحيه إلى رسوله . وأصول العقائد التي أمرنا الله باعتقادها هي التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل بقوله : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره " البخاري ومسلم " . وإن مما لا شك فيه بل ولا أدنى ريب أن الشيخ- رعاه الله- إمام أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك ، والبعد عن أهل البدع والتحريف ، وهو معتمد في عقيدته الصافية على كتاب الله ، والسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الحق ويجهر به ولا يخشى في الله لومة لائم ، وأن الاعتقاد الذي عليه هو اعتقاد السلف الصالح- رحمهم الله- فهو يعتقد أن الله إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وأنه لا يستحق شيئا من أنواع العبادة غيره ، وأن من صرف شيئا من أنواع العبادة لغيره فهو مشرك كافر ، وأنه سبحانه موصوف وسمى بجميع ما وصف به نفسه وسماه به ، وما وصفه وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى ، ويعتقد أن الله سبحانه وتعالى . مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، وأنه متكلم بكلام قديم النوع حادث الآحاد ، كما نقل عن السلف . وأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، ويرى كفر من قال بخلق القرآن كفرا مخرجا من الملة ، وأنه سبحانه وتعالى يحب ويرضى ، ويكره ويغضب ، ويحي ويميت ، ويسخط ويفرح ، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولا يليق به سبحانه ، وأنه سبحانه يراه المؤمنون يوم القيامة بأبصارهم ، كما صحت بذلك الأحاديث ، وفي الجملة : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ويعتقد أن محمدا عبده ورسوله إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ويعتقد أن الملائكة وكتب الله حق ، والنبيون حق والبعث بعد الموت حق ، والجنة حق والنار حق ، ويؤمن أن الميزان حق ، وأن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم حق ، ويؤمن بالقدر خيره وشره ، ويعتقد أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين حق لكن بعد إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له ، ويعتقد أن أحسن الكلام كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . وقد بين- حفظه الله- عقيدته السلفية النقية في كثير من كتبه ومؤلفاته ، ولعلي الآن أنقل ما أملاه على أحد السائلين عن عقيدته ، لكي تكون واضحة جلية بينة . حيث جاء ذلك في كتابه الفذ النافع " مجموع فتاوى ومقالات متنوعة " ( 8 / 43 ) تحت عنوان " العقيدة التي أدين الله بها " حيث جاء هناك ما نصه : سماحة مفتي عام المملكة . الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ما هي عقيدتكم التي تدينون الله بها في أسماء الله وصفاته ، وبخاصة في إثبات العلو لربنا تبارك وتعالى- باختصار- بارك الله فيكم وفي علمكم . وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته : عقيدتي التي أدين الله بها وأسأله سبحانه وتعالى أن يتوفاني عليها هي : الإيمان بأنه سبحانه هو الإله المستحق للعبادة ، وإنه سبحانه فوق العرش قد استوى عليه استواء يليق بجلالته وعظمته بلا كيف ، وأنه سبحانه يوصف بالعلو فوق جميع الخلق كما قال سبحانه : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وقال عز وجل : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الآية وقال عز وجل في آخر آية الكرسي : وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وقال عز وجل : فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ وقال سبحانه : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ والآيات في هذا المعنى كثيرة . وأؤمن بأنه سبحانه له الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، كما قال عز وجل : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا والواجب على جميع المسلمين هو الإيمان بأسمائه وصفاته الواردة في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة وإثباتها له سبحانه وتعالى على الوجه اللائق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، كما قال سبحانه : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وقال عز وجل : فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وقال سبحانه : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وهي توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها لله إلا بنص من القرآن أو من السنة الصحيحة؟ لأنه سبحانه أعلم بنفسه وأعلم بما يليق به ، ورسوله صلى الله عليه وسلم هو أعلم به ، هو المبلغ ولا ينطق عن الهوى ، كما قال الله سبحانه : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى وأؤمن بأن القرآن كلامه عز وجل وليس بمخلوق ، وهذا قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، وأؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والحساب والجزاء ، وغير ذلك مما كان وما سيكون مما دل عليه القرآن الكريم ، أو جاءت به السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والله المسئول أن يثبتنا وإياكم على دينه ، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا ، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يجمع كلمتهم على الحق ، وأن يوفق ولاة أمرهم ، ويصلح قادتهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يتبع .. |
ب :- إمامته في السنة وحمايته لها وحثه على التمسك بها إن السنة هي المصدر الثاني للشريعة الإسلامية ، بل هي قطب رحاها ، ومصدر شعاعها ، وشمس الحقيقة ، ومنبع الهداية ، وهي السراج المنير الوهاج ، في ظلمات ليل داج ، ولها مكانة عظيمة في قلوب المؤمنين ومنزلة كبيرة في صدور المتبعين ، للهدي النبوي ، والمنهج السلفي ، والسنة كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، والاعتصام بها نجاة ، والتنكب عنها ضلالة وخسارة . السنة لغة : هي الطريقة؛ حسنة كانت أو سيئة ، ومنه قوله : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بهذه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء واصطلاحا : ما أثر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة سواء كان قبل البعثة أو بعدها . ولا يشك أحد من أهل البصيرة والفهم المستنير أن لعلماء السلف- رحمهم الله- عناية بالسنة ونصرة لها ، وتقديم لأقوالها النيرة على آرائهم القاصرة ، وقد أخذوا في ذلك أشد الإيذاء ، لكنهم صبروا وصابروا ، ودعوا إلي نصرة السنة بالقلم واللسان ، والسيف والسنان ، نذروا أنفسهم لنصرتها دعوة وجهادا ، وقاوموا أعدائها جماعات وفرادى ، ولم يخشوا في الله لومة لائم ، ولا صولة صائل ، ولا غضب سلطان ، متبع للبدع وأهلها ، فقهروا البدع المضلة ، واجتثوا شجرتها بمعاول السنة ، ولم يبالوا بعداوة من عادى ، وردوا على المبتدعة الضالين ، فبهتوهم بالأدلة القاطعة ، والبراهين الناصعة ، والحجج الدامغة ، وصنفوا في ذلك المصنفات المشهورة مثل السنة الإمام أحمد- رحمه الله- والسنة لابن أبي عاصم ، والسنة لحرب الكرماني ، والشريعة للآجري ، وأصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي ، والتوحيد لابن منده ، وخلق أفعال العباد للبخاري والرد على الجهمية والرد على المريسي لعثمان بن سعيد الدارمي وغير ذلك من الكتب النافعة التي ألفها علماء السلف- رحمهم الله جميعا- وعلى هذا المنوال سار الخلف الصالح إلى أن وصلت النوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وتلاميذه أمثال ابن القيم والمزي والذهبي وابن كثير وابن عبد الهادي وغيرهم من أنصار السنة وحماتها ، ثم صار الأمر في ظهور عقبه " اضمحلال إلى أن ظهرت دعوة الإمام المجدد المصلح / محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- فنصر السنة وأهلها وعمل على إحيائها وإبانتها ، فوفقه الله إلى ذلك ، وعاضده بإمام مجاهد تقي ألا وهو الإمام محمد بن سعود - رحمه الله- فرفعت أعلام السنة ، بعد أن طمست ؛ وأحيت السنة بعد أن شارفت على الممات ، وسار أحقاد الإمامين - رحمهما الله- على هذا المنوال ناصرين للسنة ، ناشرين . لها في أقطار المعمورة ، حتى شملت جزيرة العرب ووصلت إلى الهند والسند ، وبلاد أفريقيا ، بل وأمريكا وأوربا ، وقد قيض الله لها- أي السنة- علماء مخلصين في هذا الزمان المتلاطم أمواجه بالفتن ، المزكى أوراه بالمحن ، فحفظ الله عز وجل بعلمهم دينه على العباد ، وأخرجهم . . بهم وبعلمهم من ظلمات الزيغ والضلالة ، إلى نور الهدى والرشاد ، أمما من الخلق لا يحصون ، وفئاما من الناس لا يعدون ، وإن من هؤلاء العلماء بل مقدمهم وإمامهم سماحة الإمام الشيخ / عبد العزيز- رفع الله قدره- فهو أحد علمائنا الناصحين ، والدعاة الصادقين المخلصين ، الذين يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، كيف لا وهو المحب للسنة وأهلها ، العاض عليها بنواجذه ، الحامل للوائها ، المدافع عنها والمنافح من أجلها ، الناشر لعلومها ، المحيي لما اندرس من معالمها ، وذلك بالعلم والعمل والتعليم والتهذيب والتفقه فيها ، فلا غرو ولا عجب إذا وصف بأنه إمام أهل السنة ، وذلك لشدة تمسكه بها والذب عنها والاعتصام بها- بعد كتاب الله- ولعل أوضح برهان ، وأجلى دليل ، ما كتبه سماحته- رعاه الله- من مؤلفات ورسائل قيمة عن السنة مثل وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة ، ووجوب العمل بالسنة وكفر من أنكرها ، ومثل السنة ومكانتها في التشريع ، بل كلماته ومحاضراته ودروسه وخطبة ، كلها تدور على الالتزام بالسنة والحرص عليها ، وتقديمها على أقوال الرجال وآرائهم ، وحتى يكون هذا الكلام مبنيا على الدليل والبرهان ، أورد لك هذه الرسالة من مؤلفات سماحته - حفظه الله- وهي بعنوان " السنة ومكانتها في الإسلام وفي أصول التشريع " لكي يكون ما ذكرته عنه أدعى للقبول ، وأقوى في الحجة ، وأوضح للمحجة . .. يتبع .. |
السنة ومكانتها في الإسلام وفي أصول التشريع الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، أما بعد : فهذا بحث مهم يتعلق بالسنة وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام يجب الأخذ بها والاعتماد عليها إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول : من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام ، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله عز وجل ، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة ، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة ، من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط فقد ضل ضلالا بعيدا ، وكفر كفرا أكبر ، وارتد عن الإسلام بهذا المقال ، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله ، وأنكر ما أمر الله به ورسوله ، وجحد أصلا عظيما فرض الله الرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به ، وأنكر إجماع أهل العلم عليه ، وكذب به ، وجحده ، وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع عليها ثلاثة : الأصل الأول : كتاب الله . والأصل الثاني : سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام . والأصل الثالث : إجماع أهل العلم . وتنازع أهل العلم في أصول فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله وقال سبحانه أيضا في سورة آل عمران : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ وقال سبحانه في سورة النساء : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله أمرا مستقلا وكرر الفعل في ذلك : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ثم قال : وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولم يكرر الفعل لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله وإنما تجب في المعروف حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله ومما لا يخالف أمر الله ورسوله ، ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله فقال : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ولم يقل إلى أولي الأمر منكم بل قال : فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فدل ذلك على أن الرد في مسائل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله ، قال العلماء معنى إلى الله : الرد إلى كتاب الله ، ومعنى والرسول الرد إلى الرسول في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام . فعلم بذلك أن سنته مستقلة وأنها أصل متبع ، وقال جل وعلا : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وقال سبحانه : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وقبلها قوله جل وعلا . فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام لأن السياق فيه عليه الصلاة والسلام فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام- دون غيرهم ، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين ، ثم قال بعدها : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ يعني قل يا محمد : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام فدل ذلك على وجوب طاعته ، واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة- عليه الصلاة والسلام ، وقال عز وجل في آيات أخرى : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وقال جل وعلا أيضا في هذه السورة سورة النور : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فأفرد طاعته وحدها بقوله : وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال في آخر السورة سورة النور : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فذكر جل وعلا أن المخالف لأمر النبي على خطر عظيم من أن تصيبه فتنة بالزيغ والشرك والضلال أو عذاب أليم ، نعوذ بالله من ذلك ، وقال عز وجل في سورة الحشر : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ فهذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام ، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله ، ومن قال إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر ، فإن القرآن أمر باتباع الرسول ، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله ولم يؤمن بكتاب الله ، ولم ينفذ كتاب الله ، إذ كتاب الله أمر بطاعة الرسول وأمر باتباعه ، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعا للقرآن بدون اتباع السنة ، ولا يكون متبعا للسنة بدون اتباع القرآن فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر ، ومما جاء في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني وفي صحيح البخاري رحمة الله عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله ، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة والعياذ بالله ، وفي المسند وأبي داود وصحيح الحاكم بإسناد جيد عن المقداد بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألا وإنني أوتيت الكتاب ومثله معه والكتاب هو القرآن ، ومثله معه يعني ؛ السنة وهي الوحي الثاني : ألا يؤشك رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينهم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال حللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه وفي لفظ : يوشك رجل شبعان على أريكته يحدث بالأمر من أمري مما أمرت به ونهيت عنه يقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه اتبعناه ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة الرسول عليه الصلاة . والسلام ، وأن تعرف قدرها ، وأن تأخذ بها ، وتسعر عليها ، فهي الشارحة والمفسرة لكتاب الله عز وجل ، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله ، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله ، والمخصصة لما قد يعم من كتاب الله ، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك ؛ لأن الله يقول جل وعلا : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فهو المبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام ، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم ، هذا من أبطل الباطل فعلم ذلك أنه المبين لما قاله الله ، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله ، وقال في آية أخرى في سورة النحل : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لهم الذي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى ، فهو سبحانه وتعالى بين أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم ، وأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه ، فدل ذلك على أن سنته لازمة الاتباع ، وواجبة الاتباع . وليس هذا خاصا بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم . بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة فإن الشريعة شريعة لأهل زمانه ولمن يأتي بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة؟ فهو رسول الله إلى الناس عامة ، قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فهو رسول الله إلى جميع العالم الجن والإنس ، العرب والعجم ، الأغنياء والفقراء ، الحكام والمحكومين ، الرجال والنساء إلى يوم القيامة ، ليس بعده نبي ولا رسول بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام . .. يتبع .. |
فوجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة لكتاب الله ، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله ، وسنته أيضا جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله ، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل لم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى ، من ذلك : تفصيل الصلوات وعدد الركعات ، وتفصيل أحكام الزكاة ، وتفصيل أحكام الرضاع ، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع وجاءت السنة ببقية المحرمات بالرضاع ، فقال صلى الله عليه وسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وجاءت السنة . بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة ، في الجنايات والديات ، والنفقات ، وأحكام الزكوات ، وأحكام الصوم والحج إلى غير ذلك . ولما قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين رضي الله عنهما : " دعنا من الحديث وحدثنا عن كتاب الله " غضب عمران رضي الله عنه وأرضاه ، واشتد إنكاره عليه وقال : " لولا السنة كيف نعرف أن الظهر أربع والعصر أربع ، والعشاء أربع ، والمغرب ثلاث ثم إلى آخره . فالسنة . بينت لنا تفاصيل الصلاة ، وتفاصيل الأحكام ، ولم يزل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون بهـا ، ولما ارتد من العرب من ارتد وقام الصديق رضي الله عنه وأرضاه ودعا إلى جهادهم توقف عمر في ذلك ، وقال : كيف نقاتلهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها قال الصديق رضي الله عنه : ( أليست الزكاة من حقها- من حق لا إله إلا الله- والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها ) قال عمر رضي الله عنه : ( فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر لقتالهم فعرفت أنه الحق ) ثم وافق المسلمون ، ووافق الصحابة واجتمع رأيهم على قتال المرتدين فقاتلوهم بأمر الله ورسوله . ولما جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن إرثها ، قال : ما أعلم لك شيئا في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سوف أسأل . الناس ، يعني عما جاء في السنة ، فسأل الناس فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسدس ، فقضى لها بالسدس رضي الله عنه وأرضاه وهكذا عمر رضي الله عنه لما أشكل عليه حكم إملاص المرأة : وهو خروج الجنين ميتا بالجناية على أمه ما حكمه؟ توقف حتى سأل الناس ، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة بأن النبي قضى فيه بغرة عبد أو أمة ، فقضى بذلك . ولما أشكل على عثمان حكم المعتد من الوفاة ، هل تكون . في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟ فشهدت عنده فريعة بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت زوجها ، فقضى بذلك عثمان رضي الله عنه وأرضاه ، ولما سمع علي رضي الله عنه عثمان في بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج أحرم علي رضي عنه بالحج والعمرة جميعا وقال : لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس ، ولما سمع ابن عباس بعض الناس ينكر عليه الفتوى بالمتعة ويحتح عليه بقول أبي بكر وعمر أنهما يريان إفراد الحج قال : ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله ، وتقولو قال أبو بكر وعمر ) ولما ذكر لأحمد رحمه الله جماعة يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان الثوري ويسألونه عما لديه وعما يقول ، تعجب ! وقال : ( عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته- يعني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - يذهبون إلى رأي سفيان والله سبحانه وتعالى يقول : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . ولما ذكر عند أيوب السختياني رحمه الله رجل يدعو إلى القرآن ويثبط عن السنة قال : ( دعوه فإنه ضال ) والمقصود أن السلف الصالح قد عرفوا هذا الأمر ، ونبغت عندهم نوابغ . بسبب الخوارج في هذا الباب ، فاشتد نكيرهم عليهم ، وضللوهم ، وحذروا منهم ، مع أنه إنكار ليس مثل الإنكار الموجود الأخير ، لأنه إنكار له شبهات بالنسبة إلى الخوارج وما اعتقدوه في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بعضهم دون بعض ، أما هؤلاء المتأخرون فجاءوا بداهية كبرى ومنكر عظيم وبلاء كبير ، ومصيبة عظمى حيث قالوا : إن السنة برمتها لا يحتج بها بالكلية لا من هنا ولا من هنا ، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها ، وساروا على هذا النهح الوخيم وأعلنه كثيرا العقيد القذافي الرئيس الليبي المعروف فضل وأضل ، وهكذا جماعة في مصر ، وغير مصر قالوا هذه المقالة فضلوا وأضلوا وسموا أنفسهم بالقرآنيين ، وقد كذبوا وجهلوا ما قام به علماء السنة لأنهم لو عملوا بالقرآن لعظموا السنة وأخذوا بها ، ولكنهم جهلوا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فضلوا وأضلوا . .. يتبع .. |
وقد احتاط أهل السنة كثيرا للسنة حيث تلقوها أولا عن الصحابة حفظا ودرسوها ، وحفظوها حفظا كاملا ، وحفظا دقيقا حرفيا ، ونقلوها إلى من بعدهم ، ثم ألف العلماء على رأس القرن الأول وفي أثناء القرن الثاني ثم كثر ذلك فى القرن الثالث ، ألفوا الكتب ، وجمعوا فيها الأحاديث حرصا على بقائها وحفظها وصيانتها فانتقلت من الصدور إلى الكتب المحفوظة المتداولة المتناقلة التي لا ريب فيها ولا شك ، ثم نقبوا عن الرجال ، وعرفوا ثقاتهم من كذابهم وضعفائهم ، ومن هو سيء الحفظ منهم حتى حرروا ذلك أتم تحرير ، وبينوا من يصلح للرواية ، ومن لا يصلح للرواية ، ومن يحتج به ومن لا يحتج به ، وأوضحوا ما وقع من بعض الناس من أوهام وأغلاط : وسجلوها عليهم ، وعرفوا الكذابين والوضاعين ، وألفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم ، فأيد الله بهم السنة ، وأقام بهم الحجة ، وقطع بهم المعذره ، وزال تلبيس الملبسين ، وانكشف ضلال الضالين ، فبقيت السنة بحمد الله جلية واضحة لا شبهة فيها ، ولا غبار عليها ، وكان الأئمة يعظمون ذلك كثيرا ، وإذا رأوا من أحد أي تساهل بالسنة أو إعراض أنكروا عليه ، حدث ذات يوم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض أبنائه : والله لنمنعهن- عن اجتهاد منه- ومقصوده أنهن تغيرن ، وأنهن قد يتساهلن في الخروج ، وليس قصده إنكار السنة ، فأقبل عليه عبد الله وسبه سبا سيئا وقال : أقول : قال رسول الله وتقول : والله لنمنعهن . ورأى عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه بعض أقاربه يخذف ، فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال إنه لا يصيد صيدا ولا ينكا عدوا ثم رآه في وقت آخر يخذف ، فقال : أقول إن الرسول نهى عن هذا ثم تخذف ، لا كلمتك أبدا . فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعظمون هذا الأمر جدا ويحذرون الناس من التساهل بالسنة أو الإعراض عنها أو الإنكار لها برأي من الآراء أو اجتهاد من الاجتهادات ، وقال أبو حنيفة في هذا المعنى رضي الله عنه ورحمه : ( إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس وإذا جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فعلى العين والرأس ) . . إلى آخر كلامه . وقال مالك رحمه الله : ( ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ) يعني النبي عليه الصلاة والسلام . وقال أيضا : ( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ، وهو اتباع الكتاب والسنة ) وقال الشافعي رحمه الله : ( إذا رويت عن الرسول حديثا صحيحا ثم رأيتموني خالفته فاعلموا أن عقلي قد ذهب ) وفي لفظ آخر ، قال : ( إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولي يخالفه فاضربوا بقولي الحائط ) وقال أحمد رحمه الله : ( لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي وخذوا من حيث أخذنا ) وسبق قوله رحمه الله : ( عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله سبحانه وتعالى يقول : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فالأمر في هذا واضح ، وكلام أهل العلم في هذا جلي ومتداول عند أهل العلم ، وقد تكلم المتأخرون في هذا المقام كلاما كثيرا كأبي العباس ابن تيمية وابن القيم وابن كثير غيرهم وأوضحوا أن من أنكر السنة فقد زاغ عن سواء السبيل ، وأن من عظم آراء الرجال وآثرها على السنة فقد ضل وأخطأ ، وأن الواجب عرض آراء الرجال مهما عظموا على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام فما شهدا له أو أحدهما بالقبول قبل ، وما لا فإنه يرد على قائله ، ومن أخر من كتب في هذا الحافظ السيوطي رحمه الله حيث كتب رسالة سماها : ( مفتاح الجنة في الاحتفاء بالسنة ) وذكر في أولها أن من أنكر السنة وزعم أنه لا يحتج بها فقد كفر إجماعا ، ونقل كثيرا من كلام السلف في ذلك . فهذه منزلة السنة من الإسلام ، وهذه مكانتها من الشريعة وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام ، وأنها حجة مستقلة قائمة بنفسها ، يجب الأخذ بها والرجوع إليها ، وأنه متى صح السند إلى رسول الله وجب الأخذ به مطلقا ، ولا يشترط في ذلك أن يكون متواترا ، أو مشهورا ، أو مستفيضا أو بعدد كذا من الطرق ، بل يجب أن يؤخذ بالسنة ولو كانت من طريق واحدة ، متى استقام الإسناد وجب الأخذ بالحديث مطلقا بسند واحد أو بسندين او بثلاثة ، أو بأكثر سواء سمي خبر متواترا أو خبر أحاد ، لا فرق في ذلك ، كلها حجة ، يجب الأخذ بها ، مع اختلاف ما تقتضيه من العلم الضروري أو العلم النظري ، أو الظني إذا استقام الإسناد . وسلم من العلة فالعمل بها واجب ، والأخذ بها متعين ، متى صح الإسناد وسلم من العلة عند أهل العلم بهذا الشأن ، أما كونه متواترا ، أو كونه مشهورا ، أو مستفيضا أو آحادا غير مستفيض ولا مشهور ، أو غريبا ، أو غير ذلك ، فهذه أشياء اصطلح عليها أهل الحديث في علم الحديث وبينوها في أصول الفقه أيضا ، وأحكامها عندهم معلومة والعلم بها يختلف بحسب اختلاف الناس ، فإنه قد يكون هذا الحديث متواترا عند زيد وعمرو وليس متواترا عند خالد وبكر ، لما بينهما من الفرق في العلم ، واتساع المعرفة فقد يروي زيد حديثا من عشرة طرق أو من ثمانية ، أو من سبعة ، أو من سته أو خمسة ويقطع هو أنه بهذا متواتر لما اتصف به رواته من العدالة والحفظ والإتقان والجلالة ، وقد يروي الآخر حديثا من عشرين سندا ، ولا يحصل له ما حصل لذلك من العلم اليقيني القطعي بأنه عن الرسول أو بأنه متواتر . فهذه أمور تختلف بحسب ما يحصل للناس من العلم بأحوال الرواة وعدالتهم ومنزلتهم في الإسلام ، وصدقهم ، وحفظهم ، وغير ذلك . هذا شيء يتفاوت فيه الرجال حسب ما أعطاهم الله- من العلم بأحوال رواة الحديث ، وصفاتهم ، وطرق الحديث إلى غير ذلك ، لكن أهل العلم أجمعوا على أنه متى صح السند وسلم من العلة وجب الأخذ به ، وبينوا أن الإسناد الصحيح هو ما ينقله العدل الضابط عن مثلة ، عن مثله ، عن مثله إلى الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي من دون شذوذ ولا علة ، فمتى جاء الحديث بهذا المعنى متصلا لا شذوذ فيه ولا علة وجب الأخذ به والاحتجاج به على المسائل التي يتنازع فيها الناس سواء حكمنا عليه بأنه غريب أو عزيز أو مشهور أو متواتر ، أو غير ذلك إذ الاعتبار باستقامة السند وصلاحه وسلامته من الشذوذ والعله سواء تعددت أسانيده أم لم تتعدد . هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه ، والاستقامة على ما يرضيه ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه جل وعلا جواد كريم والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. يتبع .. |
الثالث : ويرى سماحته أن الصبر على جور الأئمة وظلمهم أصل من الأصول المهمة التي جاءت بها الشريعة ويرى أن ضياع هذا الأصل هو سبب الفتن والمحن ويستند إلى مثل هذا التقرير لقوله صلى الله عليه وسلم : من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية أخرجه البخاري ( 6645 ) ومسلم ( 1849 ) . الرابع : ومن منهج سماحته في التعامل مع الولاة أنه يرى نصحهم سرا فيما صدر منهم من منكرات ، والأخذ بأيديهم إلى الحق وتبصيرهم ، به ، مع التحذير العام للمنكر دون تخصيص أو تشهير بالأسماء لأن في ذلك تأليب للعامة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبذله علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه أخرجه أحمد ( 3 / 43 ) والحاكم في مستدركه ( 3 / 290 ) وهو صحيح بطرقه . بل إن سماحته بين أن النصح علنا ليس من منهج السلف ، وما أروع تلك الكلمات وأحسنها وذلك بقوله : " ليس من منهح السلف التشهير بعيوب الولاة ، وذكر ذلك على المنابر ، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ، ويقضي إلي الخوض الذي يضر ولا ينفع ، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين والكتابة إليه ، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير ، وإنكار المن يكون دون ذكر من فعله ، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلانا يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم " . الخامس : ويرى سماحته الدعاء لولاة الأمر بالتوفيق والتسديد ، بل ويكثر من ذلك في كلماته ومحاصراته ودروسه وهو مستند إلى ما ورد عن الإمامين الجليلين الفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل- رحمهما الله- حينما قالا : " لو كانت لي دعوة مجابة لصرفتها للسلطان " وقوله صلى الله عليه وسلم : خيار أئمتكم الذين تصلون لهم ويصلون عليكم هذه أهم الأمور المتعلقة بمنهج سماحته- رعاه الله - في التعامل مع ولاة الأمور ، وله رسالة مناسبة في هذا الأمر ، رأيت من تمام الفائدة وضعها في هذا المكان لينتفع بها الأحبة من القراء الكرام . .. يتبع .. |
نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن اتبع هداه ، أما بعد : فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيت تقديمها لإخواني المسلمين للاستفادة منها ، وأسأل الله أن ينفع بها عباده ، وأن يتقبل منا جهدنا ، وأن يضاعف لنا الأجر وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح أحوال المسلمين ، وأن يولي عليهم خيارهم ، وأن يصلح قادتهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . س 1 : سماحة الشيخ : هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد ، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة ، فما رأي سماحتكم ؟ ج 1 : بسم الله الرحمن الرحيم : الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فقد قال الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر ، وهم : الأمراء والعلماء ، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة ، وهي فريضة في المعروف . والنصوص من السنة تبين المعنى ، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد : طاعتهم في المعروف ، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي ، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية ، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة ولقوله صلى الله عليه وسلم : من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية وقال صلى الله عليه وسلم : على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة وسأله الصحابة رضي الله عنهم- لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون- قالوا : فما تأمرنا؟ قال : أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وقال : إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولا الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما ، يختل به الأمن ، وتضيع الحقوق ، ولا يتيسر ردع الظالم ، ولا نصر المظلوم ، وتختل السبل ولا تأمن ، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير ، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان ، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة ، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا ، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج ، رعاية للمصالح العامة . والقاعدة الشرعية المجمع عليها : ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ) أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين ، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها ، وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين ، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس ، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير ، واختلال الأمن ، وظلم الناس ، واغتيال من لا . يستحق الاغتيال . . . إلي غير هذا من الفساد العظيم ، فهذا لا يجوز ، بل يجب الصبر ، والسمع والطاعة في المعروف ، ومناصحة ولاة الأمور ، والدعوة لهم بالخير ، والاجتهاد في تحفيف الشر وتقليله وتكثير الخير . هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك ؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة ، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير ، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر . نسأل الله للجميع التوفيق والهداية . .. يتبع .. |
س 2 : سماحة الوالد : نعلم . أن هذا الكلام أصل من أصول أهل السنة والجماعة ، ولكن هناك- للأسف- من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكرا انهزاميا ، وفيه شيء من التخاذل ، وقد قيل هذا الكلام؛ لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير ج 2 : هذا غلط من قائله ، وقلة فهم ؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي ، وإنما تحملهم الحماسه والغيرة لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة ، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق ، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كفروا المسلمين بالمعاصي كما فعلت الخوارج ، أو خلدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة . فالخوارج كفروا بالمعاصي ، وخلدوا العصاة في النار ، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة ، وأنهم في النار مخللدون فيها . ولكن قالوا : إنهم في الدنيا بمنزلة بين المنزلتين ، وكله ضلال . والذي عليه أهل السنة- وهو الحق- أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها فإذا زنا لا يكفر ، وإذا سرق لا يكفر ، وإذ شرب الخمر لا يكفر ، ولكن يكون عاصيا ضعيف الإيمان فاسقا تقام عليه الحدود ، ولا يكفر بذلك إلا إذا استحل المعصية وقال : إنها حلال ، وما قاله الخوارج في هذا باطل ، وتكفيرهم للناس باطل ؛ ولهذا قال فيهم النبي : إنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرميه ثم لا يعودون إليه يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم ، فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة ، بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية ، فيقفوا مع النصوص كما جاءت ، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه ، بل عليهم المناصحة بالمكاتبه والمشافهة ، بالطرق الطيبة الحكيمة ، وبالجدال بالتي هي أحسن ، حتى ينجحوا ، وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير . هكذا جاءت النصوص عن رسول . الله صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل يقول : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا حدود الشرع ، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور ، بالكلام الطيب ، والحكمة ، والأسلوب الحسن ، حتى يكثر الخير ويقل الشر ، وحتى يكثر الدعاة إلى الله ، وحتى ينشطوا لي دعوتهم بالتي هي أحسن ، لا بالعنف والشدة ، ويناصحوا من ولاهم الله الأمر بشتى الطرق الطيبة السليمة ، مع الدعاء لهم بظهر الغيب : أن الله يهديهم ، ويوفقهم ، ويعينهم على الخير ، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها وعلى إقامة الحق . هكذا يدعو المؤمن الله ويضرع إليه : أن يهدي الله ولاة الأمور ، وأن يعينهم على ترك الباطل ، وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن ويذكرهم حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن ، لا بالعنف والشدة ، وبهذا يكثر الخير ، ويقل الشر ، ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه ، وتكون العاقبة حميدة للجميع . .. يتبع .. |
س 3 : لو افترضنا أن هناك خروجا شرعيا لدى جماعة من الجماعات ، هل هذا يبرر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في حكومته مثل الشرطة والأمن وغيرهم ؟ ج 3 : سبق أخبرتك : أنه لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين : أحدهما : وجود كفر بواح عندهم من الله فيه برهان . الشرط الثاني : القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شر أكبر منه ، وبدون ذلك لا يجوز . س 4 : يظن البعض من الشباب أن مجافاة الكفار- من هم مستوطنون في البلاد الإسلامية أو من الوافدين إليها- من الشرع ، ولذلك البعض يستحل قتلهم وسلبهم إذا رأوا منهم ما ينكرون؟ ج 4 : لا يجوز قتل الكافر المستوطن أو الوافد المستأمن الذي أدخلته الدولة آمنا ولا قتل العصاة ولا التعدي عليهم ، بل يحالون فيما يحدث منهم من المنكرات للحكم الشرعي ، وفيما تراه المحاكم الشرعية الكفاية . س 5 : وإذا لم توجد محاكم شرعية ؟ ج 5 : إذا لم توجد محاكم شرعية ، فالنصيحة فقط ، النصيحة لولاة الأمور ، وتوجيههم للخير ، والتعاون معهم- حتى يحكموا شرع الله ، أما أن الآمر والناهي يمد يده فيقتل أو يضرب فلا يجوز ، لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن حتى يحكموا شرع الله في عباد الله ، وإلا فواجبه النصح ، وواجبه التوجيه إلى . الخير ، وواجبه إنكار المنكر بالتي هي أحسن ، هذا هو واجبه ، قال الله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ لأن إنكاره باليد بالقتل أو الضرب يترتب عليه شر أكثر وفساد أعظم بلا شك ولا ريب لكل من سبر هذه الأمور وعرفها . .. يتبع .. |
س 6 : هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالذات التغيير باليد للجميع ، أم أنه حق مشروط لولي الأمر ومن يعينه ولي الأمر؟ ج 6 : التغيير للجميع حسب استطاعته ؛ لأن الرسول يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان لكن التغيير باليد لابد أن يكون عن قدوة لا يترتب عليه فساد أكبر وشر أكثر ، فليغير باليد في بيته : على أولاده ، وعلى زوجته ، وعلى خدمه ، وهكذا والموظف في الهيئة المختصة المعطى له صلاحيات ، يغير بيده حسب التعليمات التي لديه ، وإلا فلا يغير شيئا بيده ليس له فيه صلاحية ؛ لأنه إذا غير بيده فيما لا يدخل تحت صلاحيته يترتب عليه ما هو أكثر شرا ، ويترتب بلاء كثير وشر عظيم بينه وبين الناس ، وبينه وبين الدولة . ولكن عليه أن يغير باللسان كأن يقول : - ( اتق الله يا فلان ، هذا لا يجوز ) ، ( هذا حرام عليكم ) ، ( هذا واجب عليك ) ، يبين له بالأدلة الشرعية باللسان ، أما اليد فيكون في محل الاستطاعة ، في بيته ، أو فيمن تحت يده ، أو فيمن أذن له فيه من جهة السلطان أن يأمر بالمعروف ، كالهيئات التي يأمرها السلطان ويعطيها الصلاحيات ، يغير بقدر الصلاحيات التي أعطوها على الوجه الشرعي الذي شرعه الله لا يزيدون عليه ، وهكذا أمير البلد يغير بيده حسب التعليمات التي لديه . .. يتبع .. |
س 7 : هناك من يرى- حفظك الله- أن له الحق في الخروج على الأنظمة العامة التي يضعها ولي الأمر كالمرور والجمارك والجوازات . . إلخ ، باعتبار أنها ليست على أساس شرعي ، فما قولكم- حفظكم الله- ؟ ج 7 : هذا باطل ومنكر ، وقد تقدم : أنه لا يجوز الخروج ولا التغيير باليد ، بل يجب السمع والطاعة في هذه الأمور التي ليس فيها منكر ، بل نظمها ولي الأمر لمصالح المسلمين ، فيجب الخضوع لذلك ، والسمع والطاعة في ذلك ؛ لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين ، وأما الشيء الذي هو منكر ، كالضريبة التي يرى ولي الأمر أنها جائزة فهذه يراجع فيها ولي الأمر؛ للنصيحة والدعوة إلى الله ، وبالتوجيه إلى الخير ، لا بيده يضرب هذا أو يسفك دم هذا أو يعاقب هذا بدون حجة ولا برهان ، بل لابد أن يكون عنده سلطان من ولي الأمر يتصرف به حسب الأوامر التي لديه وإلا فحسبه النصيحة والتوجيه، إلا فيمن يده من أولاد وزوجات ونحو ذلك ممن له السلطة عليهم. س8 : هل من مقتضى البيعة - حفظك الله - الدعاء لولي الأمر ؟ ج8 : من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر ، ومن النصح : الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة ؛ لأن من أسباب صلاح الوالي ومن أسباب توفيق الله له : أن يكون له وزير صدق يعينه على الخير ، ويذكره إذا نسي ، ويعينه إذا ذكر ، هذه من أسباب توفيق الله له . فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإصلاح وإماتة الشر والقضاء عليه ، وإقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والتوجيهات السديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشر ، وكل عمل يترتب عليه شر أكثر من المصلحة لا يجوز ؛ لأن المقصود من الولايات كلها : تحقيق المصالح الشرعية ، ودرء المفاسد ، فأي عمل يعمله الإنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد إزالته وما هو منكر لا يجوز له . وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى إيضاحا كاملا في كتاب " الحسبة " فليراجع ؛ لعظم الفائدة . .. يتبع .. |
س 9 : ومن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر - حفظك الله - ؟ ج 9 : هذا من جهله ، وعدم بصيرته ، لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ، ومن أفضل الطاعات ، ومن النصيحة لله ولعباده ، والنبي لما قيل له : إن دوسا عصت وهم كفار قال : اللهم اهد دوسا وائت بهم فهداهم الله وأتوه مسلمين . فالمؤمن يدعو للناس بالخير ، والسلطان أولى من يدعى له ؛ لأن صلاحه صلاح للأمة ، فالدعاء له من أهم الدعاء ، ومن أهم النصح : أن يوفق للحق وأن يعان عليه ، وأن يصلح الله له البطانة ، وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء ، فالدعاء له بالتوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل وصلاح البطانة من أهم المهمات ، ومن أفضل القربات ، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان ، ويروى ذلك عن الفضيل بن عياض رحمه الله . س 10 : هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر ؟ وما منهح السلف في نصح الولاة ؟ ج 10 : ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة ، وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع ، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان ، والكتابة إليه ، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير . أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل : فينكر الزنا ، وينكر الخمر ، وينكر الربا من دون ذكر من فعله ، فذلك واجب ؛ لعموم الأدلة . ويكفي إنكار المعاصي والتحذير معها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه : قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه : ألا تكلم عثمان ؟ فقال : إنكم ترون أني لا أكلمه ، ألا أسمعكم ؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه . دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه ولما فتح الخوارج " الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه أنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لايزال الناس في آثاره إلي اليوم ، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية ، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك ، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني ، وذكر العيوب علنا ، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه ، وقد روى عياض بن غنم الأشعري ، أن رسول الله قال : من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلو به ، فإن قيل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه نسأل الله العافية والسلامة ولإخواننا المسلمين من كل شر ، إنه سميع مجيب . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد ، وآله وصحبه . .. يتبع .. |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.