الليل و المصباح 2
وفى لحظة من اللحظات أنقطع هذا الصمت بجملة واحدة لم أسمع بعدها شيئا ولم أفعل شيئا حتى الصباح ...صدرت الجملة عن أمنا فوقعت فى قلبي موقع الصاعقة ، ولاقتها أختى بوجوم غريب ، فرفعت عينيها الى السماء ثم مضت فى صمتها وحزنها واعراضها ... قالت أمنا بصوت حزين بعيد محطم ، اذا كان الغد ،فسنرحل عن هذه المدينة ((المشئومة )) لم يستطع بعدها احدا منا ان يقول ولا أن يظهر شيئا الا الطاعة والاذعان . سبحت أنا فى الخيال وذلك الكوكب الضاوئ...وتذكرت ما ألم بها من البؤس طول حياتها مع ذلك الزوج الماجن ، و ما حرق فؤادها من الغيرة ، وما آذى نفسها وقلبها من الذل والخوف واليأس .وذلك الخطب الذى ألم بها فهدها هدًَا حينما جاء نبأ صرع زوجها ، وبأنه صرع فيما لا يشرف به صريع ، وتلك الالام التى لا حد لها والتى غمرتها كما يغمر الماء الغريق حين أنكرتها الأسرة كلها وحين أخرجتها من القرية ونفتها مع فلذتي كبدها من الارض. لم أستطيع أن أنكر ولا أن أجادل ،ولم أزد عن اظهار الطاعة شيئا .ويعلم الله كيف مرت تلك الليلة النكراء فى نفسي . قضيتها ساهراً حائراً ثائراً لا أطمئن الى شيء حتى اذا مضى من الليل جله نهضت أمَنا فأمرت أن نستعد للرحيل ، فقلت الا نستأذن من سادتنا بهذا الرحيل !؟ فردت أمى فى صوت هادئ حزين ؟ إن كان يؤذيك فراقهم فأقم أنت ، فسنرحل نحـن. وماهى الا ساعات حتى كنا قد تجاوزنا المدينة وانتقلنا من قرية الى قرية نحو الجنوب الشرقى... حتى اذا بلغ منا الاعياء مبلغه ، فكنا نستريح وننتظر الفجر . وينير لى ضوئك أيها الكوكب الغريب وأنا سابح فى حلم أرى صورا قريبة مألوفة . تمثل لى أهل البيت التى كنت أخدمه . وسيدة البيت وهى تأمر وتنهى ، تصعد وتنزل وتقوم بتدبير شئون بيتها . وتمثل لى تلك الصورة رئيس مركز الشرطة وهو يقبل عند الظهر فيضطرب لمقدمه البيت كله ،ثم يعود الهدوء الذى يوشك أن يكون سكونا ، ويتفرغ أهل البيت كلهم لهذا الرجل الصخرة ، ويقومون بخدمته كأنهم لم يخلقوا الاّ له.... وتمثل تلك الصور أمورا أخرى كثيرة مما كنت أراه فى ذلك العهد القريب السعيد ....لكن ضوئك أيها الكوكب يبهرنى فيخرجنى من تلك الاحلام الحلوة الى يقظة مؤلمة لا أكاد أشعر بها حتى أحس خشونة الفراش وعدم الراحة عليه ...وأين يقع هذا الوطأ اليابس من ذلك الفراش الوثير الهزاز. الموطأ الذى كان موضوع لى فى تلك الغرفة الجميلة المترفة من سراي رئيس مركز الشرطــــــة. لم أكد أشعر بخشونة المرقد هذا حتى ذكرت أننا عند مضيفنا شيخ أحدى القرى ... فى مكان لايسترنا فيه سقف ، تكاد ظلمة الليل ان تغمرنا فيه لولا شعاع رقيق كان يترقرق من ضوء القمر وقد تقدم به الشهر. وتذكرت كيف وصلنا الى هذه القرية منهوكين أخر النهار ... نجلس بين الحين والحين الاخر الى ظل شجرة زيتون ... لا نكاد نحادث بعضنا بشيء .... حتى اذا طال الصمت ... قالت أمنا تأمرنا بالرحيل وبأن لا نستطيع أن نقضى الليل فى هذا الشجر، وعلينا أن نجد من يؤوينا أو يضيفنا فى هذه القرية التى لا نعرف من أهلها احدا ..... ولايعرفنا من أهلها احدا الا الشيخ ...خاصة وأنه يجب أن يكون بيته مفتوحا لكل طارق بليل أونهار ...ومضينا متباطئين حتى وصلنا الى دار الشيخ وهناك رأينا جماعة من الناس قد جلسوا أمام الدار وتوسطهم رجل من لا تكاد العين تقع عليه حتى تثق به ....و لما بلغنا المجلس وألحظتنا الأبصار حتى تقدمت أمنا الى الشيخ الوقور وقالت فى صوت هادىء... غرباء وقد طرقنا القرية في هذه الساعة ..... فآونا ياسيدي حتى يسفر الصباح ....قال الرجل ...على الرحب والسعه ...وأمر غلاما ليأخذنا الى دار الضيافة. و ما هى الا ساعات حتى اتصلنا بمن فى الدار من ضيوف وخدم ،مختلطين ببعضهم بعضا ،فكأنهم جميعا أصحاب البيت ، وأمسينا وكأننا منهم .... كان العشاء غليظا ، والسمر المضطرب المختلط ثم التفرق الى المضاجع ...منا من اثر الهواء الطلق فأتخذ مضجعه فى فناء البيت أو سطحها ، ومنا من أشفق من ذلك فأوى الى تلك الغرف و الحجرات الصغيرة الرطبة ... وقد رغبت شقيقتى زينة فى السطح وشاركتها أنا في هذه الرغبة ومضينا ننتظر النوم ...وأنا أحدث نفسي بأن هذه الخلوة الى شقيقتي قد تكشف لى من بعض ما يخفى على من أمور .. لم أكد أجلس اليها أحاول وصل الحديث بيننا حتى لقيتني بإعراض مثلوج مثل الذى لقيتني به من قبل ثم أشاحت بوجهها ومضت فى صمتها وأقمت أنا الى جانبها حائر ذاهل لاأدرى ما أقــــول... أستلقيت مرسلا نفسي فى الفضاء العريض لالتمس لها مايلهيها عن هذه الهموم الغامضة المستغلقة التي لم أكن أعرف منها الا ثقلها . ولم تكد نفسي تمضي فى ظلمة الليل حتى أدركها موج من هذا النوم القليل فسبحت فيه ولبثت كذلك حتى اخرجها نور ذلك الكوكب العزيز.. ذكرت هذا حين أستيقطت ومرت بي خواطره مسرعة فى حين كنت _أحاول أن أتبين أين أنا وكيف أنتهيت الى حيث أنا وفى حين كنت أفتح عينى وأديرهما من حولي كأنما أريد أن أستكمل شخصى حين أتبين حقيقة المكان الذى أنا فيه .. ثم أستكمل شعورى وأجد نفسى كما كنت قبل أن يغمرنى النوم وأحس كأن شخصا قائما غير بعيد منى فأنتبه فأذا هى أختى جامدة لا تكاد تأتى حركة ولا تحس شيئا وكأنها لا تفكر فى شىء .. وأنت أيها الكوكب الجميل تلقى فى هذا الليل العريض المظلم نورك البعيد المشع فيصل الى نفسي فيجيبها ويوقظ فيها الذكرى ويبعث فيها الامل والنشاط وأختى ماثلة ذاهلة كأن نورك لا يبلغها ولا ينتهى لعينيها . ومع ذلك فما عهدتها عمياء و لا عهدتها تحس الحزن او تجيد الاكتئاب ،أنما أعرفها فرحة مرحة تحب الضحك ولا تحتاج الى ان تدفع اليه وانما تحتاج الى ان تدفع عنه . أين هي ؟ مابالها جامدة هامدة لا ترى و لا تحس !؟ لعلها قد ارسلت نفسها كما ارسلت نفسي تسبح في هذا الليل العريض فأيقنتها فى المسعى وتركتها جسما ماثلا بلا روح. نهضت من مكانى فى هدوء وسعيت اليها حتى اذا بلغتها مسست كتفها مسا رقيقا فاذا رعشة عنيفة تجرى مسرعة فى جسمها كأنها رعشة كهربائية ، واذا هى تجفل خائفة ثم تأمن وتسكن حين تسمع صوتى وانا اقول لها : لاتراعي فانا اخوك محمد ما وقوفك ... و ما قوفك فى هذه الساعة من الليل على هذا النحو من ذهاب النفس وكأنك التمثال ؟ ماذا تنتظرين من هذا الليل ... والسماء ؟ فردت وهى تهوى الى الارض كأنها البناء المتهدم ، وصوتها يمزق قلبى كلما ذكرته لا أنتظر شيئا ... لا أنتظر شيئا وأنهمرت دموعها وهي ترتعش ، فيهتز جسمها هزا وينهمر دمعها انهمارا ثم يحتبس صوتها وتضطرب اضطرابا عنيفا وترسل أنفاسا متقطعة ، فأجثوا إلى جانبها وأضمها الي أقبلها بين عينيها وأحاول ان أرد اليها الهدوء والأمن وسكون النفس ما وسعني ذلك حتى اذا مضى وقت غير طويل سكن جسمها بعد اضطراب وانطلقت انفاسها بعد احتباس أوت الى ذراعى كأنها الطفل يستسلم الى أم رؤوم ، فاطمأن رأسها الى كتفى وبقيت كذلك لحظة لن أنس عذوبتها و لا أرى الا أنها أحست بهذه العذوبة .. رجع لها رشدها وثبتت اليها نفسها ، ولبثت على هذه الحال من السكينة والرشد وقتا غير قصير كأنما أعجبها المكان ومكانها منى ، وكأنما وجدت شيئا طالما كانت تتوق اليه فلا تجده ثم تحركت شفتيها وقالت بصوت خافت بعيد : لقد كنت أحس ان اكون بهذا المكان من أمي لا منك أنت أيها الشقيق الصغير ... وتقطع حديثها صورة أمى التى ظهرت علينا فى هذا الليل العريض وهى تقول موجهة كلامها لي فى لهجة الامر والنهى والصرامة ..محمد... أتركها إنك لم تخلق لتدليل أختك وتمنحها مثل هذا العطف.. كل شيء هادئ ، مطمئن من حولنا .حتى أنفاس أختى التى كانت ثائرة منذ لحظات ..فقد أطمأنت وسكنت ، و إنتهت الى حال تشبه النوم ..وأنى لآخد نفسي بالهدوء مكرها اياها على الاطمئنان ، ملزم جسمى السكون فى هذا الوضع الذى هو عليه ،ليبقى ذلك الرأس البائس المحزون مستريحا الى هذه الكتف الصغيرة الحنون..وترفع أختى رأسها و تستوى فى جلستها وتطوق بيديها عنقى ثم تضمني اليها وتقبلني...ثم تقول ..اياك ..اياك أن تفعل ....اياك أن تفعل أو تخدع كما خدعت او تدفعني الى مثل مادفعت اليه.... أنك أن تفعل سترى نفسك فى مثل ما ترانى فيه الان من الجزع والهلع واليأس ،حتى من رحمة الله ومن القنوط حتى من روح الله الذى لا يقنط منه الا الكافرون. قلت : وماذا فعلت أذن ؟؟......و ما هذا الشر الذى دُفعت اليه ؟ و ما هذا اليأس الذى تغرقين فيه ؟ و ما هذا الغم والهم الثقيلين الذين صُبا علينا صباّ ولم نكن ننتظرهما و لا نتوقع لهما مقــــدما؟ قالت وهي تقبلنى : لست أدرى أ أحدثك بذلك أم أكتمك أيّاه ؟ إنى لأعتدى على سنك ان تحدثت اليك واني لأعرضك لمثل ما أنا فيه من الغم والهم واليأس أن كتمتك الحديث.. قلت أن صمتك لن يغنى الان شيئا فقد عرفت أن هما ثقيلا ألم بنا وأن حزنا شديدا يمزق قلبك وقلب أمّنا ، وأن يأسا مهلكا قد استأثر بنفسك استئثارا و ما أنا بمقلع عن السؤال والبحث والتفكير حتى أعلم علم هذا كله . وانى لأحمق إن قبلت أن أنزع من ذلك العيش الناعم السعيد الذى كنت أستمتع به دون أن أعلم لما أنُزعُ منه نزعا ،فحدثينى اختاه حديثك فمن يدرى لعل فيه عظة لى وعزاء لك.. فى الصباح لم أجد أمى ولا أختى ... بحثت فى كل مكان قريب فلم أجد أحداً ... و ما كان علي الا العودة الى بيت رئيس الشرطة ... وقد كان ذلك علي يسيرا . أما أمى وأختى فلم أجد لهما طريقا .... ولم ألتق بهما حتى هذه اللحظة ....منذ ذلك اليوم.. فيا أيها الليل ..يالك من ليل طويل مظلم عريض تضطرب فيه هذه الاضواء الضئيلة البعيدة التى تفنى ، ويبسط عليه هذا السكون المخيف ظلالا لا حّد لها ،ثم يندفع فيه من حين الى حين ضوئك أيها الكوكب العزيز وهو يخترق السحب المتناثرة فى الفضاء الشاسع كأنه سهم مضىء ينطلق فى بحر من الظلمات .... وكأنني بقول الشاعر: ـ أهرمتنى ياليل فى شرخ الصبا كم فيك ساعات تشيبُ وتَهرم لا أنت تقصر لي و لا أنا مقصرُُ أتعبتني وتعبت هل من يحكــم لله موقفنا وقد ناجيتنـــي بعظيم ما يخفى الفؤادُ ويكتـــم |
شكرا أخي الفاضل عبد الحميد المبروك
تحياتي وتقديري مررت علي الليل والمصباح . الخط الأكبر ولو قليلا يريح العين وياحبذا لو كان اللون أزرق . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
أخي الفاضل / السيد عبد الرزاق جزاك الله خيرا على مرورك ومشاركتك في هذا الموضوع وأتمنى أن أجد قلمك الذهبي يلمع هنا دائما وأبدا ..:) تحياتي :) |
قصة السؤال الصعب جاء شيخ كبير إلى مجلس الإمام الشافعى، فسأله: ما الدليل والبرهان في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله. فقال الشيخ: وماذا- أيضا-؟ قال: سنة رسول الله. قال الشيخ: وماذا- أيضا-؟ قال: اتفاق الأمة. قال الشيخ: من أين قلت اتفاق الأمة؟ فسكت الشافعي فقال له الشيخ: سأمهلك ثلاثة أيام. فذهب الإمام الشافعى إلى بيته، وظل يقرأ ويبحث في الأمر. وبعد ثلاثة أيام جاء الشيخ إلى مجلس الشافعي، فسلم وجلس. فقال له الشافعي: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى هداني الله إلى قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء فمن خالف ما اتفق عليه علماء المسلمين من غير دليل صحيح أدخله الله النار، وساءت مصيرا. فقال الشيخ: صدقت تحياتي :) |
الجرة المشقوقة
كان لحامل ماء في بلاد الهند جرتان كبيرتان معلقتان على طََرفي عصا يحملها على رقبته ، وكانت إحدى الجرتين مشققة بينما الأخرى سليمة تعطي نصيبها من الماء كاملا بعد نهاية مشوار طويل من النبع إلى البيت ، أما الجرة المشققة دائما ما تصل في نصف عبوتها إستمر هذا الحال يومياًًً لمدة عامين وكانت الجرة السليمة فخورة بإنجازاتها التي صُنعت من أجلها وقد كانت الجرة المشققة خَجِلة من عِلتها وتعيسة لأنها تؤدي فقط نصف ما يجب أن تؤديه من مهمة وبعد مرورعامين من إحساسها بالفشل الذريع خاطبت حامل الماء عند النبع قائلة " أنا خجلة من نفسي وأود الإعتذار منك إذ أني كنت أعطي نصف حمولتي بسبب الشق الموجود في جنبي والذي يسبب تسرب الماء طيلة الطريق إلى منزلك ونتيجة للعيوب الموجودة فيّ تقوم بكل العمل ولا تحصل على حجم جهدك كاملا " شعر حامل الماء بالأسى حيال الجرة المشقوقة وقال في غمرة شفقته عليها " عندما نعود إلى منزل السيد أرجو أن تلاحظي تلك الأزهار الجميلة على طول الممر " وعند صعودهما الجبل لاحظت الجرة المشقوقة بالفعل أن الشمس تأتي من خلال تلك الأزهار البرية على جانب الممر ، وقد أثلج ذلك صدرها بعض الشيئ ولكنها شعرت بالأسى عند نهاية الطريق حيث أنها سربت نصف حمولتها واعتذرت مرة أخرى إلى حامل الماء عن إخفاقها والذي قال بدوره " هل لاحظت وجود الأزهار فقط في جانبك من الممر وليس في جانب الجرة الأخرى ؟ ذلك لأني كنت أعرف دائما عن صدعك وقد زرعت بذور الأزهار في جهتك من الممر وعند رجوعي يوميا من النبع كُنتِ تعملين على سقيها ولمدة عامين كنت أقطف هذه الأزهار الجميلة لتزيين المائدة ، ولو لم تَكوني كما كُنتِ لما كان هنالك جمال يُزيِّن هذا المنزل " الدرس الأخلاقي هنا : أنه لكل منا عيوبه الفريدة وجميعنا جرار مشققة ( تشبية ) ، ولكن هذه الشقوق والعيوب في كل واحد فينا هي التي تجعل حياتنا مشوِّقة ومكافئة ، لذا وجب عليك أن تقبل كل شخص على ما هو عليه وانظر إلى الجانب الطيِّب فيه حيث هنالك الكثير من الطِّيب فيهم وفيك وقد بورك في الأشخاص الذين يتحَلوْن بالمرونة في التعامل لأنهم لا يضطرون لتغيير مواقفهم. تذكر أن تقدر مختلف الناس في حياتك ، أو كما أحب أن أعتقد أنــه لو لم تكن هنالك جرار مشققة في حياتنا لكانت الحياة مملة وأقل تشويقا |
توبة عاص
قال الراوي : لقد تغير صاحبي.. نعم تغير.. ضحكاته الوقورة تصافح أذنيك كنسمات الفجر الندية وكانت من قبل ضحكات ماجنة مستهترة تصك الآذان وتؤذي المشاعر.. نظراته الخجولة تنم عن طهر وصفاء وكانت من قبل جريئة وقحة.. كلماته تخرج من فمه بحساب وكانت من قبل يبعثرها هنا وهناك.. تصيب هذا وتجرح ذاك.. لا يعبأ بذلك ولا يهتم.. وجهه هاديء القسمات تزينه لحية وقورة وتحيط به هالة من نور وكانت ملامحه من قبل تعبر عن الانطلاق وعدم المبالاة.. نظرت إليه وأطلت النظر ففهم ما يدور بخلدي فقال : لعلك تريد أن تسألني : ماذا غيرك؟ قلت : نعم هو ذلك.. فصورتك التي أذكرها منذ لقيتك آخر مرة من سنوات ، تختلف عن صورتك الآن .. فتنهد قائلا : سبحان مغير الأحوال.. قلت : لابد أن وراء ذلك قصة؟ قال : نعم.. قصة كلما تذكرتها ازددت إيمانا بالله القادر علي كل شيء قصة تفوق الخيال.. ولكنها وقعت لي فغيرت مجري حياتي.. وسأقصها عليك.. ثم التفت قائلا : كنت في سيارتي متجها إلي القاهرة.. وعند أحد الجسور الموصلة إلي احدي القرى فوجئت ببقرة تجري ويجري وراءها صبي صغير.. وارتبكت.. فاختلت عجلة القيادة في يدي ولم أشعر إلا وأنا في أعماق الماء(ماء ترعة الإبراهيمية) ورفعت رأسي الي أعلي علي أجد متنفسا.. ولكن الماء كان يغمر السيارة جميعها.. مددت يدي لأفتح الباب فلم ينفتح.. هنا تأكدت أني هالك لا محالة. وفي لحظات – لعلها ثوان – مرت أمام ذهني صور سريعة متلاحقة ، هي صور حياتي الحافلة بكل أنواع العبث والمجون.. وتمثل لي الماضي شبحا مخيفا وأحاطت بي الظلمات كثيفة.. وأحسست بأني أهوي إلي أغوار سحيقة مظلمة فانتابني فزع شديد فصرخت في صوت مكتوم.. يارب.. ودرت حول نفسي مادا ذراعي أطلب النجاة لا من الموت الذي أصبح محققا.. بل من خطاياي التي حاصرتني وضيقت علي الخناق. أحسست بقلبي يخفق بشدة فانتفضت.. وبدأت أزيح من حولي تلك الأشباح المخيفة وأستغفر ربي قبل أن ألقاه وأحسست كأن ما حولي يضغط علي كأنما استحالت المياه إلي جدران من الحديد فقلت إنها النهاية لا محالة.. فنطقت بالشهادتين وبدأت أستعد للموت.. وحركت يدي فإذا بها تنفذ في فراغ.. فراغ يمتد إلي خارج السيارة.. وفي الحال تذكرت أن زجاج السيارة الأمامي مكسور.. شاء الله أن ينكسر في حادث منذ أيام ثلاثة.. وقفزت دون تفكير ودفعت بنفسي من خلال هذا الفراغ.. فإذا الأضواء تغمرني وإذا بي خارج السيارة.. ونظرت فإذا جمع من الناس يقفون علي الشاطيء كانوا يتصايحون بأصوات لم أتبينها.. ولما رأوني خارج السيارة نزل اثنان منهم وصعدا بي إلي الشاطيء. وقفت علي الشاطيء ذاهلا عما حولي غير مصدق أني نجوت من الموت وأني الآن بين الأحياء.. كنت أنظر إلي السيارة وهي غارقة في الماء فأتخيل حياتي الماضية سجينة هذه السيارة الغارقة.. أتخيلها تختنق وتموت.. وقد ماتت فعلا.. وهي الآن راقدة في نعشها أمامي لقد تخلصت منها وخرجت.. خرجت مولودا جديدا لا يمت إلي الماضي بسبب من الأسباب.. وأحسست برغبة شديدة في الجري بعيدا عن هذا المكان الذي دفنت فيه ماضي الدنس ومضيت.. مضيت إلي البيت إنسانا آخر غير الذي خرج قبل ساعات. دخلت البيت وكان أول ما وقع عليه بصري صور معلقة علي الحائط لبعض الممثلات والراقصات وصور لنساء عاريات.. واندفعت الي الصور أمزقها.. ثم ارتميت علي سريري أبكي ولأول مرة أحس بالندم علي ما فرطت في جنب الله.. فأخذت الدموع تنساب في غزارة من عيني.. وأخذ جسمي يهتز.. وفيما أنا كذلك إذ بصوت المؤذن يجلجل في الفضاء وكأنني أسمعه لأول مرة... فانتفضت واقفا وتوضأت.. وفي المسجد وبعد أن أديت الصلاة أعلنت توبتي ودعوت الله أن يغفر لي ومنذ ذلك الحين وأنا كما تري.. قلت : هنيئا لك يا أخي وحمدا لله علي سلامتك لقد أراد الله بك خيرا والله يتولاك ويرعاك ويثبت علي الحق خطاك. أخذ من :" العائدون إلي الله " ل:"محمد بن عبد العزيز المسند |
الى روحي والدي رحمه الله من كنت أباهيا أبي، لأدرك نعمة الولد و لأحس بدفء الأبوة بل لتمنى أن يكون الوالد و الولد. يا حسرتاه على نفسي ما كنت أظنك مفارقي فالحزن كسرني و علمنى ما كنت أجهله، و أنت كنت عزتي و كنت السند و لكنها مشيئة الله و له الحمد الواحد الصمد. كنت نعم الأب يا أبي و لا زلت و ستبقى كدلك حتى الأبد حبك يحفر في أعماقي وطنا و تنمو الرغبة لاحتضانك و تطفو بل كل يوم آلاف المرات فيا تتجدد لي الصبر يا إلهي فامنحني إياه فما لي سواك أدعوه رحمة ب أبي فأنت المعين و أنت العمد. و الله سأحفظ عهدك يا أبي فبالأمس كنت نعم الأب و أنا اليوم لك نعم الولد. فيا حسرتاه على نفسي ما كنت أظنك مفارقي و إنما لي أم وحيدة مثلي بعدك سنكون لك الصالح الذي لا يقطعه أمد. منقولة |
رحم الله الوالد نعم الأب هو
وهو في ذمة الله ورحمته وماعلينا له إلا الدعاء له ولجميع موتي المسلمين الذين شهدوا لله بالوحدانية ولسيدنا رسوله بالرسالة وماتوا علي ذلك . الله اغفر لهم وارحمهم . تحياتي نجمة الأطلسي علي هذا البوح الفياض تقبلي مروري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
|
|
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.