أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   قصيدة جاهلية ! مليئة بالحكمة السياسية (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=46627)

ابن حوران 25-07-2005 05:48 AM

قصيدة جاهلية ! مليئة بالحكمة السياسية
 
هذه قصيدة للشاعر العربي الكبير الأفوه الأودي الجاهلي ! ... وقد اكتشف فيها سر خراب قومه
فوضع تلك القصيدة المليئة بالحكمة السياسية ...

فينا مَعاشِـرُ لـم يَبْنُـوا لقومِهـمُ ....وإنْ بَنى قومُهُمْ ما أَفْسَـدوا عـادُوا
لا يَرْشُدون ولن يَرْعَـوا لِمُرْشِدِهـم........فالغَي منهُمْ معـاً والجَهْـلُ ميعـادُ
والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلا لـهُ عَمَـدٌ..........ولا عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ..........وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا

لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُم....ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا
تُلفَى الأمورُ بأهلِ الرشْدِ ما صَلَحَت........ْفـإنْ تَوَلـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ
إذا تَولـى سَـراةُ القـومِ أَمْرَهُـمُ.....نَما على ذاك أَمْرُ القـومِ فـازْدادُوا
أمارةُ الغَي أنْ تَلقَى الجميعَ لدى ال.... إبـرامِ للأمـرِ، والأذنـابُ أكتـادُ

كيفَ الرشادُ إذا ما كنتَ فـي نَفَـر........ٍلهُمْ عنِ الرشْـدِ أَغْـلالٌ وأَقيـادُ؟
أَعطَوْا غُواتَهَـمُ جَهْـلاً مَقادَتَهُـمْ..........فكلهُـمْ فـي حبـالِ الغَـي مُنْقـادُ
حانَ الرحيلُ الى قـومٍ وإنْ بَعُـدوا..........فيهِـمْ صَـلاحٌ لِمُرْتـادٍ وإرْشـادُ
فسوفَ أجعَلُ بُعْـدَ الأرضِ دونَكُـمُ..........وإنْ دنَـتْ رَحِـمٌ منكُـمْ ومِيـلادُ
إن النجاةَ إذا مـا كنـتَ ذا بَصَـرٍ.......مِـن أجـةِ الغَـي إبعـادٌ فإبعـادُ

ابن حوران 07-09-2005 06:35 AM

و البيت لا يبتنى الا وله عمد ...... ولا عماد اذا لم ترس أوتاد

و نحن إذ نعلن إعجابنا بهذا البيت ، وتتراءى لنا أفكار ، كيف نستلهم من هذا البيت المليء بالحكمة ، حكمة نستفيد منها في أيامنا ؟ ..

لا شك أن شاعرنا بدوي الحياة ، لم يكن لينظم تلك القصيدة في دولة مترامية الأطراف ولم يكن لديه مؤسسات المجتمع المدني .. ولم يكن حتى لديه وازع ديني يحضر في أذهان المفكرين عندما يناقشوا وضعا سياسيا ما كما في أيامنا .. بل كان يتكلم عن بيت شعر كناية لسلطة العشيرة أو القبيلة ، أو الحلف العشائري في أحسن الأحوال ..

ولو أردنا إسقاط الحكمة المستنبطة من البيت على واقعنا الحالي ، لدخلنا بإشكالية عدد الأعمدة .. وهل هناك عمود أهم من الأعمدة الأخرى ؟ .. فلو طلبنا من مفكر سياسي ذو خلفية دينية كم عمود تقترح لمواضعة بيت الشعر السابق مع واقعنا ؟ لأجاب بسرعة البرق أن لا عمود سوى عمود الدين ..

ولو طرحنا السؤال على مثقف سياسي يؤمن بعصرية الحياة السياسية ، لأجاب بتردد : ليكن عدد الأعمدة أربع أو خمس أعمدة .. عمود السلطة التشريعية .. وعمود السلطة القضائية وعمود السلطة التنفيذية .. وعمود السلطة الصحافية ، ويصمت قليلا ليضيف لنضع عمودا للسلطة الدينية .. وقد قالها للمصالحة مع منتقدي مثل هذا الطرح الذي يصفه البعض بالعلمانية ..

وهنا تطرح أسئلة .. و أين دور النقابات .. و أين دور الأحزاب ؟ و أين دور الأقليات القومية أو القوميات ، و أين دور الأقاليم ؟ .. هل نعتبرها أوتاد تمسك انتصاب الأعمدة .. ليكن ذلك ..

لكن كيف البدء بإجراء أي اقتراح ؟ .. هل نفيق باكرا .. وكل منا قد استلم ورقة كتب عليها ما هو مطلوب ؟ ليبدأ بالسير في حياته وفق منهج منظم .. يعبر عن الإرادة الجماعية ؟ الجواب بالتأكيد : لا يمكن حدوث ذلك بصدفة محضة ..

لنقترح مصطلح نطلق عليه الإرادة الراهنة .. يصف حالة التغيرات السياسية ، حيث لا يعقل أن تبدأ دولة ما حياتها السياسية بعد أي تغيير منذ أن بدأت الإنسانية حياتها السياسية .. بل تصطنع وضعا يتلاءم مع قدرتها كقوة مغيرة ومسيطرة في ظرف راهن ، ومع ما وجدته من أجهزة من صنع من سبقها .. حيث تتدرج بتنقية أو تدريب تلك الأجهزة على القبول بالتغيير ..

إن الإرادة الراهنة عادة هي من يقترح عدد الأعمدة وشكلها ، وأي تلك الأعمدة هو الأهم وهو الأساس .. وعلى أمل أن يكون هذا العمود صالحا ، أو منخورا آيلا للسقوط ..

ابن حوران 07-09-2005 06:38 AM

لنفترض أن الإرادة الراهنة .. أسقطت حكما .. أو ورثت حكما .. و اقترحت أن يكون عمود البيت الوحيد هو عمود الدين .. فكيف ستقيمه ؟ وعلى أي أساس؟ و على أي مذهب و طائفة ؟ حتما سيكون مذهب الفئة أو القوة صاحبة الإرادة الراهنة ..

هنا ستستعدي أبناء الطوائف الأخرى ، أو الأديان الأخرى .. وسيقول قائل ، وليكن كم سيشكلون هؤلاء من نسبة ، انهم لا يشكلون عشرة بالمائة من المجتمع ، هل علينا أن نغضب تسعين بالمائة من أجل عشرة بالمائة ؟

ان من يتكلمون هكذا .. يتهيأ لهم أن عصرا ما في زمن ما كان الحكم فيه يمثل ال تسعين بالمائة .. انه لم يكن يمثل سوى الفئة ذات الإرادة الراهنة .. ولم تكن تلك الظاهرة بائنة فقط أيام الخلفاء الراشدين .. وان كان هناك من يعتبر أن تلك المسألة خلافية ، أي بها خلاف .. ويرد توفيق من حكموا فيها الى قربهم من عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .. فكان الرأي السائد هو رأي الصحابة الذين لا زالت نقاوة إيمانهم تطغى على كل نزعة ..

أما فيما بعد فقد كانت طبيعة الحكم هي أقرب للنظام الملكي ، الذي لم ينزل به نص قرآني ، أو حتى حديث نبوي .. وقد تم تناوله بحالة من السكوت ، عندما كان هناك توافق بين رأي الفئة الحاكمة ذات الإرادة الراهنة ، وما يصبو اليه عموم المسلمين ..أما في حالة الخلاف فقد كانت الإرادة الراهنة تستنهض إرادات راهنة أخرى تتصارع معها أو مع شخوصها .. حتى يحسم الصراع لفئة.

وما كان من معارك الجمل وصفين .. وخلاف آل البيت مع الأمويين . وما حدث من صراع بين آل عباس والأمويين . وتصفية المأمون لأخيه الأمين .. ومن قبله حرب المنصور مع عمه عيسى ابن عبد الله .. ان كل ذلك يؤكد مسألة الإرادة الراهنة .. دون الخوض بمن كان معه الحق ومن كان يفتقده .. فالأساس بالحديث هو استخلاص العبر .. لا أن نوغر صدور أبناء الأمة على ماضيهم لينقطعوا عنه .. أو في أسوأ الأحوال أن لا ينتموا اليه ..

لو انتبه العرب والمسلمين لما ورد على لسان أبي بكر الصديق ، عندما زكاه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .. فقد خطب بالمسلمين قائلا : ( بما معناه لم يحضرني حرفية النص ) .. { ان صاحبكم قد مات وانه كان معصوم بوحي ومدعوم بمليك .. أما أنا فمعربد بشياطين مثلكم .. أعينوني أعانكم الله }

وكان قد تلا { وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين }..

ان تلك الإشارة من الصديق رضوان الله عليه ، كانت دعوة واضحة للبحث عن أسلوب يضمن وحدة المسلمين و جعل الشورى منهجا قابل للتطبيق ..
ولا زال المسلمون لوقتنا الراهن لم يحسموا مسألة التوفيق بين الحفاظ على دينهم و إرضاء رب العالمين من جهة .. والنهوض بمصالح الأمة بما يحفظ لهم أسباب رزقهم وكرامتهم ..

ابن حوران 07-09-2005 06:40 AM

هل يستطيع أي حكم تجاوز الدين ؟
حتى قبل الاسلام ، لم يكن الحاكم بعيدا عن الدين .. و حتى قبل وجود الأديان السماوية المعروفة .. فعند الفراعنة كما عند سكان وادي الرافدين كان الحاكم أحيانا يمثل دور مندوب الآلهة وأحيانا ينسب لنفسه أنه ابنها أو حتى هو الآلهة .. وقد كان هذا الدور له وظيفة سياسية تساعد على فرض النظام .. وتعطي للحاكم صفة العدل وعظمة المسؤولية التي تناط به .. وتلزم الآخرين بوجوب طاعته و فداحة خطأ من يعارضه ..

وقد استمر هذا الوضع الى عهدنا الراهن .. فتجد أن الخطاب السياسي مخلوطا بالديني ليضفي عليه مسحة استثنائية .. بل أحيانا تجد مفكرين وفلاسفة وشيوخ دين ينذروا أنفسهم لربط حاكم ما بصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم .. لتكتمل مقومات كاريزمية الشخصية الحاكمة .. وتجد في أمكنة أخرى ، تيارات دينية تأخذ شكل الطريقة أو المذهب لتعطي للحكم قوة مدعومة دينيا ..

من ندرك نحن .. مدى عبثية التفكير بمعاداة الدين من قبل الحكام .. هذا اذا ما تماهوا وتزلفوا لشيوخه .. فلا يمكن لأحد أن يتصور أنه يصدر قرارا بإلغاء الحج أو الصوم .. لماذا لأن الحكم الذي نحت شرعيته من خلال قطع إقطاعيات سياسية واقتصادية لمن يعينوه في إدارة الدولة .. و نافق للشعب الذي يمتلئ فضائه الذهني بأجواء دينية تتدخل في نظام الأخلاق وتتدخل في المعاملات وتمارس العبادات بها بانتظام ، كم تشاهد مظاهر الدين واضحة في المآتم والأفراح ... فلا أظن أن حكما يمكن أن يضع نفسه وجها لوجه أمام الدين الذي يحمله العباد ويلتزمون به ..

حتى لو كان الحكم ملحدا أو على دين مضاد للشعب .. فلم تستطع ثلاثة أرباع قرن من الحكم الشيوعي أن تنسي شعب الشيشان أن يخرج منهم مجاهدون ، كما لم تستطع مدة قريبة منها أن تنسي الشعب الفلسطيني أن يظهر منه منظمات جهادية ك حماس والجهاد الاسلامي .. بل كل ما كان الحكم معاديا للدين كلما تولدت منظمات تلتزم الدين بصورة أكبر ..

ابن حوران 16-09-2005 04:46 PM

هل يتم انتاج نسخ محسنة من الإرادة الراهنة ؟



يعتبر التغيير بالحكم حدثا حادا ، يترك انطباعات و آثارا بليغة ، على مستوى نخب الفكر والسياسة . ويبقي ذاكرة أليمة على الصعيد الجماهيري . فتغيير الحكم قد يقتل أناسا كان لهم أثر على أصعدة مختلفة .. فعندما يختفوا تختفي معهم أنماطا من رجال الحكم ومن يحيطون بهم من مستفيدين ، و يختفي معهم أدباء أو وعاظ كانوا يحسبوا على العهد الفائت ..

وسيبرز أناس ، تعارضوا وتضادوا مع العهد الفائت .. ان هذا التغيير ، كان في الماضي يصل تأثيره الى قارة أخرى ، كما حدث في هجرة قسم من الأمويين الى الأندلس .. ولا يزال التغيير يحدث دويا ، ويترك آثارا بليغة في الخريطة الجغرافية والسياسية ..

لكن ، هل تعاد نسخ من الإرادة الراهنة بعد كل تغيير ؟ .. أم يجري تحسين على المولود الجديد ؟ .. كثير من المثقفين والمراقبين يعتقدون أنها نسخ متشابهة ..

الحقيقة التاريخية أثبتت أن النخب الجديدة استفادت من العبر المستخلصة من الدروس التي تمت لمن سبقها .. فعندما كان الخلاف بين أتباع الحسين بن علي من جهة والأمويين من جهة أخرى .. جاء العباسيون ليتصالحوا في البداية مع آل البيت ، ليتجنبوا خطورة الصراع .. فازدهر عصر المنصور والرشيد والمأمون الى أيام المتوكل .. لكي تعاد الكرة بفعل عوامل مختلفة ..

وفي العصر الحديث عندما تعرض القوميين لظلم الشيوعيين في عهد عبد الكريم قاسم ، وما تم تعذيبهم من نساء و رجال في الموصل بعد حركة الشواف ، جاء من قام بالتغيير في 8/2/1963 لينتقموا بالتنكيل بمن عذبوهم في العهد السابق مما عجل بسقوط الحكم العارفي .. ليأتي بعد ذلك عهد تجاوز مسألة الانتقام في البداية .. ليصل لصفحات معقدة من الصراعات الجانبية مع آخرين جدد ..

في مصر .. رغم الالتفاف الذي حصل عربيا حول فكرة التغيير التي حصلت في عام 1952 .. فان نرى في الوقت الحاضر من يسلط الأضواء على جوانب كانت غير مرئية في وقتها .. فتم نبشها و بثها على القنوات الفضائية ، لأغراض آخرها هو طرح الحقيقة ! .. إنما خلاصة ما سنقوله في هذا الشأن أن الحاضنة التي تحمل قوى الإرادة الراهنة المقبلة في أي بقعة من بقاع الوطن العربي تراقب بعين فاحصة .. مستفيدة من الثورة التقنية في الحصول على المعلومات .. وإنها بالتأكيد ستتجاوز أو تجتهد بتجاوز الأخطاء التي تجعلها في مواجهة قوى أخرى لها وجهات نظر تختلف عنها ..

ابن حوران 16-09-2005 04:48 PM

بين التعصب الديني والتعصب العشائري والتعصب الحزبي :



لم ينصف أي مخلوق الناس ، رغم حث رب العالمين على ذلك ، فقصة نبي الله ابراهيم عليه السلام .. مع الشيخ الطاعن بالسن ، الذي صادفه وهو يهم بتناول طعاما كان يحتفظ به بصرة .. فطلب الشيخ منه أن يتناول بعض الطعام حيث أنه لم يذقه منذ ثلاثة أيام وهو يسير على قدميه .. فوافق نبي الله ابراهيم عليه السلام بمشاركة الشيخ ، طالبا منه أن يسمي باسم الله .. فرفض الشيخ ذلك مستنكرا ذلك الطلب .. فزجره نبي الله ومنعه من الأكل .. فانصرف الشيخ مخذولا .. فنزل الوحي مبلغا عتاب الله لنبيه .. قائلا : لقد صبرت أنا عليه أكثر من ثمانين عاما .. ألم تستطع أنت أن تصبر عليه دقائق ؟ .. فركض نبي الله وراء الشيخ معتذرا منه .. فسأله الشيخ عن سبب الاعتذار ، فبلغه ، فما كان من الشيخ الا ان قال آمنت برب ابراهيم وسمى باسم الله و أكل ..

أما نحن فان كنا علماء دين أو علماء فكر أو شيوخ عشائر ، فلا نكف عن الغمز بجانب من ليس معنا ! حتى وان كان يمشي على الطريق الذي نمشي عليه .. فكثير من التيارات السياسية التي تعتمد المنهج الديني في أداءها .. لا تكتفي بالمساس بأصحاب الفكر من التيارات التي لا تعتمد الدين كأساس لطريقها السياسي ، بل تتعداه الى تيارات تتشابه معها باعتماد الدين كمنهج .. فمن خلال الاطلاع على تجارب خمسة أحزاب أو جماعات اسلامية .. يظهر للعيان ان كل من تلك الأحزاب له ملاحظات تصل لحد العداء مع الأربعة الأخرى ..

ومن بين تلك الأحزاب ، حزب ينادي بعودة الخلافة منذ أكثر من نصف قرن ، يتسم أعضاءه بالثقافة العالية والقدرة على المحاججة .. ومن يستقرئ تاريخ هذا الحزب ، لن يجد أنه قدم شهيدا واحدا طيلة حياته .. رغم سعة سوح الجهاد في بلاد المسلمين ..
ان تلك الأحزاب التي تتمسح بالحرص على تطبيق الدين .. قد أضافت جوا الى حركات التحرر .. من المناكفة السجالية مما عطل ويعطل من تقدم الحركة الجماهيرية التي تنشد التغيير .. فقد أضيف لتراث الأحزاب والحركات السياسية فلم يعد أحد يتميز عن الأخر في الطعن بجهد الآخرين ..

ان من يتأمل تلك الظاهرة ، لا يكاد يميز بينها وبين الخلافات القبلية التي كانت سائدة قبل الاسلام ! وما زالت في كثير من بقاع الوطن العربي الكبير .. وصدق الله العظيم اذ قال : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين } الحجرات آية 17 ..َ

ابن حوران 16-09-2005 04:50 PM

عندما تتسع جهة الهدف تتباطأ الخطى :



في أرياف بعض البلاد العربية ، تقوم النسوة بصناعة أطباق من قش القمح ، من خلال حبكه مع بعض باستخدام ألوان زاهية ، وعندما يكتمل الطبق الدائري ، تظهر لوحة جميلة كانت تعلق لتزيين جدران الغرف ، أو تستعمل كأحد الأواني المنزلية .. لم تكن المرأة التي تقوم بتلك المهمة على دراية كبيرة بالتقنيات الحديثة أو نظرياتها ..

كل ما هناك أن تضع في مخيلتها شكل الرسمة بعد نهايتها ، ثم تقوم بصبغ القش ، وتحضيره ، ومن ثم تقوم بعمل عقدة متينة متقنة ، يتوقف على متانتها مستقبل عملها .. كان يطلق على تلك العقدة اسم ( بدوة ) أي منها سنبدأ ..

ان أي مشروع سياسي ، أو اقتصادي ، أو قصصي الخ ، يحتاج لقدر من الخيال ويحتاج الى ( بدوة ) متينة .. لن يكون الخيال الذي يفقد متانة البدوة ، محكوم عليه بالنجاح .. فتحديد جهة سفرك أو زيارتك ، يحتم عليك تحضير لتلك الزيارة ، فان كانت زيارتك لمريض ، تستوجب أخذ نسخة من القرآن الكريم أو باقة زهور لتلك الزيارة .. وهي تختلف عندما تذهب لمنطقة صخرية لاقتلاع بعض الأحجار .. فستصحب معك عدة من نخل وفأس .. لا باقة زهور ..

ان من سيقوم باعلان خطاب سياسي ، ووسيلة التغيير فيه من الناس ، المسلمين الذين يعدون أكثر من مليار مسلم ، عليه أن يتدرب أن يكون مقبولا في أوساط أسرته ومن ثم حيه ومن ثم قريته أو مدينته ومن ثم قطره وهكذا ..
فلا يعقل أن تقوم مجموعة ما ، مغمورة وتعتقد أنها مشهورة .. بدعوة في السودان مثلا .. وتنهال عليها الوفود من السنغال وسوريا و إندونيسيا ..لتكون أتباعا مطيعة ومنفذة لما تطلب تلك الجماعة .. فكل قطر به من الجماعات المشابهة ما يكفيه ..

من هنا نقول ، اننا عندما ندعو للتحرك داخل الوسط القومي ، لم نسفه الدعوة للدعوة الاسلامية ، كما اننا لم نستسهل الدعوة القومية نفسها ، لكننا نذكر بأهمية التدرج بتعريف الأشخاص والمجموعات والتدرب على الحياة العامة ..و اننا لم نذكر ذلك ، الا لكون تلك المسألة أسهل للرسم ( كلوحة الطبق في المثال السابق )

ولنفرض جدلا أننا حققنا وحدة إسلامية ، قوامها سكان الكرة الأرضية ال 6 مليار نسمة .. الا نحتاج أسس تعتمد المنطقة واللغة و الجغرافيا لتسهيل إدارة تلك الدولة العملاقة .. ولنا بالتاريخ أمثال كثيرة .. فعندما أوكل الخليفة العباسي ولاية أفريقيا ( تونس الآن ) ل ابراهيم ابن الأغلب .. اقتطع تلك الولاية وحصرها بالوراثة لأبناء ابراهيم الأغلب الذي امتد حكمهم 99 سنة .. كما ان إنشاء الدولة الصفارية واليعفرية كان إجراء ، ابتدعته الإرادة الراهنة ( الحكم ) في وقتها ..

اننا نخشى أن نستفز أخوة لنا في الطرح داخل منتدى ، قد يكون من يقرأ هذا الموضوع عشرة او عشرون شخصا .. فكيف نضمن أن يتفق مليار على فكرة؟

ابن حوران 23-09-2005 03:57 AM

ما رأيكم لو نبحث موضوع الصلح ؟


قد يتساءل قارئ مشبع بالأحكام المسبقة التي لا يتزحزح عنها قيد أنملة ، نتصالح مع من ؟ فان كان من أعنيه قوميا سيستحضر ما قدر ان يستحضره ضد من أن يعتقد أنهم أعداءه و أعداء أمته و أعداء تقدمها ، سواء كان من يطلب مصالحته ليبراليا أو ماركسيا أو إسلاميا . وكذلك ممكن أن يعترض أي مثقف من أي طيف من الأطياف التي اعترض عليها القومي ، على كل الأطياف ..

حسنا لنقترح هدنة ، ممكن من خلالها أن نكتشف أن نقاط التقاء كل تلك الأطياف أكثر من نقاط اختلافها .. فلا أظن أن هناك طيف يدعو الى تفشي البطالة وبيع الوطن ، و إشاعة الرشوة والفساد .. ولا أظن أن هناك طيف من كل الأطياف يدعو لمنع الصلاة أو الحج أو الزكاة .. ولن يستطيع للأسباب التي ذكرناها .. و لا أظن أن هناك طيف يدعو لاحتكار السلطة بعدما اطلع على أسرار تخلف الأمة ..

و أظن أن الأخطار الطبيعية كالزلازل و البراكين والعواصف توحد الوحوش وطرائدها باتخاذ الحيطة والحذر .. ألم يتعظ العرب من هذا المثل .. أو ألم ينتبهوا كيف توحدت أطياف الهند و جنوب إفريقيا .. في التخلص من أخطارها الخارجية و أخذت تصعد شيئا فشيئا بتطوير تجربتها ، حتى تعايشت أعراق وديانات أكثر مما لدينا عشرات بل مئات المرات ؟

كل ما هو مطلوب من أي طيف ، أن يتنازل ويستمع لغيره .. ويناقشه بهدوء ، ويتغاضى مرحليا في بحث نقاط الاختلاف ، ويركز على نقاط اللقاء .. فان الطريق طويل .. وان رفقة الدرب والطريق تجعل الناس لطفاء فيما بينهم وتنصهر آلامهم و أحلامهم ببعض .. حتى لا يعودوا يفكروا إطلاقا بمعاداة بعضهم البعض .. وعندها سيقترحون عدد الأعمدة التي ترفع بيتهم ويقترحون معها الأوتاد ...

ابن حوران 23-09-2005 04:05 AM

عتاب بسيط يتبعه ود عميق واستعداد للعمل :


ها قد جلس الفرقاء ، وبدءوا جلستهم بعتاب بسيط ، يلوم أحدهم الآخر على تصريح له في مكان ما أو في صحيفة ما ، ويؤكد الآخر أنه لا بد من الالتزام بالثوابت ، فلا يمكن أن يكون كذا وكذا ، ويهز الآخرون رؤوسهم متساهلين ، لأنهم أدركوا أنه لا مناص من جلوسهم وعرض ما لديهم أمام بعضهم البعض ، فالتلكؤ في عدم حسم خلافات الأطياف لن يكون في خدمة أحد سوى أعداء الأمة

و يبدي كل طرف بتكريم غيره في أن يقوده ، دون التمسك بأي معارضة سابقة لتلك الأطياف التي تتفق على محور ثابت واحد وهو درء أخطار أعداء الأمة عنها ، ومن ثم سيناقشون أثناء مسيرتهم في درء العدوان عن الأمة كيفية تأسيس صيغ الحكم المستقبلي بما يراعي وجهات نظر الجميع وفق ثوابت يتم الاتفاق عليها .

وبعد أن فرغوا من تقديم طيف عليهم في مسؤولية القيادة .. تفاجئوا بمجموعة من العوائق التي لم تكن تبرز في المراحل السابقة مثل :
1ـ من أين نبدأ ، هل نبدأ من قطر عربي معين ، أم ندعو لمؤتمر يضم مندوبين عن الأقطار العربية .. أم أننا نبدأ إسلاميا ، وندعو ممثلين عن كل الأقطار الاسلامية ، أو حتى لو لم تكن أقطارهم أو دولهم إسلامية !

2ـ ما هو اسلوب التغيير الذي نعتمده ، هل هو اسلوب المعارضة أو المقاومة المسلحة ، أو النضال البرلماني .. واستخدام كل وسائل النضال المدني من التوعية الى العصيان المدني .؟

3ـ ماذا سيتم تسمية هذه المجموعة ، حركة ، حزب ، جبهة ، مؤتمر ؟

4 ـ أين سيكون مقر الانطلاقة الأولى ، في قطر ما ؟ في دولة عربية ، أم اسلامية ، أم في المهجر ؟

5 ـ هل تبدأ الدعوة سرية .. أم تظهر للعلن ؟

6 ـ كيف ستكون ردة الفعل الحكومية العربية والاسلامية والعالمية وما هي الاحتياطات لضمان ديمومة هذا التحرك ؟

ابن حوران 23-09-2005 04:06 AM

تعليق يحتاج الوقوف قليلا :


اطلع أحد أصدقائي على ما أكتب في هذا المجال .. ووصل الى ما وصلت اليه في موضوع المصالحة . فما كان منه الا ان ابتسم وتطلع نحوي ، ولم يقل شيئا ، لكن استنتجت من ابتسامته الماكرة أنه قد اتهمني بأني في طريقي لأصبح طوباويا ( حالما) .. فبادلته الابتسامة .. متسائلا عن عدم تأييده لما قرأ ..

لقد دخل في موضوع ، لم أكن قد وضعته بالحسبان ، و أنا أحاول أن أنتهج أسلوبا مبسطا ، لطرح مادة للتفكير أمام القراء .. لقد فاجأني بعامل ، نحس به دون أن نراه واضحا ، بل نرى آثاره ماثلة عند قطاعات واسعة من أبناء الأمة .

استهل حديثه بإضافة عامل من عوامل الوحدة العربية .. وأنهاه بلكن .. لقد قال هل تعلم أنني أؤمن بأن الصحراء هي أحد عوامل الوحدة العربية ، أو على الأقل أحد عوامل القومية العربية .. لم ينتظر مني تساؤلا .. بل أضاف : لا تكاد مدينة عربية أن تبعد عن الصحراء أكثر من مائة كيلومتر .. وهذا مما جعل أثر الصحراء ماثلا على كل أبناء الأمة .. وعليه فإن مشروع المصالحة ، سيكون صعبا ان لم أجزم بأنه مستحيل ..

فيضيف ، ان الثنائيات المتضادة ، تؤثر تأثيرا هائلا على رؤى العرب ، فأثر قلة الماء جعل الصراع عليه شبه أزلي .. فقد كانت معظم صراعات العرب و هجراتهم قبل الاسلام نابع من الماء كمصدر للحياة ومصدر للصراع عند العرب .
فالعطش الشديد أوجد للماء طعم مختلف عما هو عليه عند أبناء الراين والدانوب ، فالتوجس من مشاركة الآخرين في ماء قليل ، جعلت العرب يهاجرون مسافات طويلة ، ولكن مع ذلك كانت الصحراء تمثل لهم مرجعا ووحيا لا يبتعدون عنه ، كما هي المركبة الفضائية تعتبر مرجعا لرواد الفضاء بابتعادهم عن الأرض .

لقد نفذ صبري .. فقلت له .. وما علاقة ما تقول بما أقترح في موضوع المصالحة ؟
عاد وابتسم ، و أخذ نفسا عميقا ثم قال : ان العلاقة وطيدة وواضحة .. شخصيتنا العربية مجبولة على الثنائية .. لقد أثر بها الاسلام لقرن أو اثنين أو ثلاثة في تهذيبها .. ثم عادت تلك الثنائية ، وما زالت ماثلة حتى اليوم ..

لن يقبل أحدنا بالآخر .. بل ينبذه ويتضاد معه .. فمن ليس معنا هو ضدنا .. لم يكتشف تلك المقولة بوش .. بل أجدادنا الذين خسروا خراسان و الأندلس وغيرها من البقاع ولا يزالوا يخسرون ..بفعل اختراعهم ثنائيات ( عدنان ـ قحطان ) .. واليوم أحفادهم يتفننون باختراع تلك الثنائيات ..

انظر : وطني عميل .. مسلم ملحد .. تقدمي رجعي .. يساري يميني .. متنور جاهل .. يصفن متأسيا .. ثم يسأل : هل تعتقد أن بلدا تنتج بمائة مليار دولار ، من النفط سيكون حاكمها عميلا ؟ ولمن ؟ .. هل تعتقد أن أحد يصلي ويصوم ويخرج زكاته ويحج البيت وطبعا هو يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله .. ان هذا الشخص اذا حاول ترشيد أو التفكير بالدور العملي للدين : تقوم عليه قيامة بعض المدعين بالحرص على الأمة بأنه خارج الملة وعلماني ، وملحد وكأنهم وكلاء الله في الأرض .. ان تلك الثنائيات يا عزيزي تحتاج مزيدا من الوقت والتمهيد لها حتى يستطيع هؤلاء أن يبدءوا حوارا مع بعض ..

ابن حوران 23-09-2005 04:07 AM

الشعارات التي رفعت خلال القرن الماضي :

بعد أن ظهرت شعارات مثل المستبد العادل لمحمد عبده ، و شعار لا يصلح أمر هذه الأمة الا كما صلح أمر أولها لجمال الدين الإفغاني ، وشعار لا يصلح أمر هذه الأمة الا بما صلح أمر أعداءها ل بطرس البستاني وسلامة موسى .. تطورت شعارات الأمة السياسية دون أن يدرك واضعوها أنها كانت تشكل عوائق إضافية أمام ركض الأمة نحو مصيرها ..

فمنهم من استعار شعارات لم تستولد في بيئتنا ( يا عمال العالم اتحدوا) ومنهم من وضع شعارات وحدة وحرية واشتراكية ، ثم أتبعها بمعاداة الصهيونية و الإمبريالية والرجعية .. ومنهم من وضع شعار ( الإسلام هو الحل ) ..

كان من أهم دراسة الشعارات التي أفرزت في العالم .. تلك النصيحة التي تقول أنه ( لا ترفع شعارا أكبر من إمكانياتك ) .. فانك إن فعلت ذلك .. فانك ستستعدي من هم أقوى منك ، فيعيقون نموك .. كمن تنذره أمه للأخذ بثأر أبيه تشرح عن نواياه وهو لم يبدأ السير فسيكون عرضة لقتل أعداءه له قبل تمكنه منهم ..

لن نناقش لا أصحاب الشعارات الإسلامية ولا الشيوعية ولا الليبرالية .. فان نصيبهم من الحكم لا يكاد يذكر أمام تجربة القوميين .. لذا سنناقش شعاراتهم لا من باب التشفي ولا من باب التمهيد لغيرهم ، بل من باب التحذير من الوقوع بأخطائهم .. فحتى الأخطاء تصبح إرثا للشعوب ، وعلى الشعوب تحمل وزرها حتى لو كانت تقف ضدها .. فلم يشفع للروس أن قيصرهم الأحمق قد باع الاسكا بأربعة ملايين دولار للأمريكان !!

كانت شعارات القوميين ذات طبيعة وجدانية ، تعتمد ملئ الصدور بالكبرياء القومية ، دون أدنى درجة من درجات التحضير والتهيئة السياسية ، فقد كانوا سببا في تهريب أموال الأمة للخارج ، لعدم إحساس البرجوازيين الوطنيين بأمان تجاه تلك الفئة التي كانت تلتهم الحكم من قطر عربي الى آخر .. فقد جاء وقت في أواسط الستينات أن كان 80% من الشعب العربي تحت حكومات من هذا النوع ( حكومات الشعارات القومية ) (مصر العراق الجزائر اليمن سوريا السودان ) ..

ولو تمعنت بسير تلك الحكومات لاكتشفت أنها أكثر الحكومات بالانكفاء القطري وأكثرها بملاحقة خصومها وإلغاء الآخر .. ما الفائدة اذن من إدعائهم القومية ؟
كما أن وصف شرائح عريضة من القوى الأرستقراطية العربية ، قد تنبهت لخطورة المد القومي ، فبادرت للإحتماء بالأجنبي وربطت مصيرها به ..

لقد حدث أن نبه الشيوعي الضرير ( باكونين ) ، أن نبه ( لينين ) لعدم استعداء البرجوازية الوطنية ، و نصحه بعمل مقتربات معها من أجل الإستفادة من امكانياتها المالية والتقنية .. وكانت النتيجة أن أمر لينين بإعدام رفيقه باكونين من أجل هذره المنحرف .. ولو تم بعثهما الآن لطأطأ لينين رأسه معتذرا لرفيقه باكونين ، وقال له انك على حق !

ونحن اليوم عندما نرى ان أكثر من 2.3 تريليون من الدولارات تودع في البنوك الأجنبية .. و أن فوائد القروض هناك تصل في بعض الأحيان لنسبة قريبة من الصفر ، في حين تصل في بلادنا الى 17% .. معتمدين على خجل المقترض و خوفه من الفضيحة الدينية و الاقتصادية .. حتى بات أكثر من تلثي العرب قريبين من خط الفقر .. وانه في اعتقادي أن وراء ذلك ، هي الزمر الضعيفة التي حكمت مدعية القومية ، قد أساءت للقومية و أبناءها من خلال شعارات وضعها أناس يفتقرون لخيال اقتصادي و سياسي يؤهلهم الى أن يمضوا الى نهاية المشوار ..
_________________

ابن حوران 23-09-2005 07:43 PM

أزمة قيادات وليس أزمة شعوب أو أفكار :



لا كلام يعلو على كلام الله .. ولا سنة تصل الى مرتبة سنة رسول الله .. وأي فكر يوضع سواء كان المطلوب من وراءه النصح أو الترشيد لخطى نحو هدف .. فان ذلك الفكر لا يعدو كونه كلاما مقروءا أو مسموعا ، لا قيمة له ان لم يتحول لإجراء ..

يستطيع كل أبناء الأمة معرفة الحق من الباطل ، بقدر ما أشبعت أجوائهم وفضاءهم الذهني بالقول و إعادة القول و شرح القول و تأويل القول .. وان كانت تخونهم القدرة على التعبير ، فليس يعني أنهم جهلة .. فالتعبير والكتابة والكلام هي ملكات تنمو من كثرة تدريبها وتمرينها ..

لكن ليس كل من يتكلم مؤهل لجذب الناس حوله ، وعليه أن لا يتوقع أن يقدموه عليهم ليصبح قائدا لهم ..فالقيادات لها شروطها ، ولها مناهج تكوينها ، وليس رغبة فقط من الشخص في عينة من الوقت لكي يصبح قائدا ، فإنه سيتحول الى قائد بمجرد أنه أراد ذلك ..

ان القيادة تعني فيما تعنيه ، صواب رأي القائد فيمن يقود .. وفي الحديث ( ان كنتم ثلاثة فأمروا واحدا عليكم ) .. ان من يقود اثنين ، عليه معرفة مواطن القوة والضعف لديهم .. و يكلفهم بواجبات يكون هو على رأسها ، ويكون متأكدا من أنهما سيقدران عليها .. وان لا ينتقل من مهمة الى أخرى الا بعد حشد ما يلزم من مستلزمات للمضي بها قدما .. والحشد هنا يشمل التوعية و تهيئة الوازع للتحرك ، ثم التدرب على أسوأ ما سيلاقي القائد و مجموعته من مصاعب ..

واذا أراد أن يصبح قائدا على مجموعة أكبر ، فعلى أفراد مجموعته الأولى التبشير بإمكانيات قائدهم و قدراته ، ليكسبوا اليه أنصارا ، يكونون قادة فرعيين في المستقبل ..

فمن يريد أن يطرح نفسه لقيادة مدينة ، أو محافظة ، أو قطر أو أمة ، عليه أن يكون قد بدأ في قيادة الأثنين ثم تدرب على أسرة الصف المدرسي ، ثم اتحاد الطلبة والنقابة والنادي والبلدية وغيرها ، بما يجعل الناس يتذكرون تاريخه ، ويقيمونه من خلال حسن أداءه و سلوكه في تلك الدرجات الدنيا ، لكي يقبلوا به كقائد متقدم !
ان تمثل السلوك بالمبادئ ، وتشرب الذي يطمح أن يصبح قائدا بها .. فلا يعقل أن تدعو للوحدة العربية والاسلامية ، وجيرانك يشكون منك ، وانت تثير الفتن العشائرية والطائفية .. وانت تتخاصم و أخوانك على تركة !

ولا يعقل أن تنادي بالحرية .. وانت لا تحسن الاستماع لمن تحاور ! ولا يعقل أن تنادي بالاشتراكية أو المساواة بالرزق ، و أنت تنسب بحث أحد العاملين معك لإسمك ، و تغض النظر عن المرتشين .. أو تبارك لمرتشي في منصب حكومي أو تتوسط لديه ... ان الناس تراقب .. وقبلهم يراقبك الله ..

ابن حوران 23-09-2005 07:45 PM

ليس هناك مشكلة في تقديم من يريد على الآخرين :



اذا توفرت النوايا بالتحرك نحو تغيير حال الأمة فلا أظن أن العاقلين سيجدون مشكلة ما في تقديم أي كان عليهم ليقودهم لعبور جسر التغيير .. هذا اذا تساوت فيما بين حلفاء التغيير الرغبة على التغيير ، وقبول من يشاركهم في تلك العملية ، أما فيما لو كانت الرغبة بالتفرد بالتغيير للإستحواذ على السلطة ، بعد نيلها ، فليبشر من أراد التفرد بتكرار أزمات الأمة الى مالا نهاية ..

و قد أكون متفائلا ، فيما لو قلت أن معظم الأطياف الحالمة بالتغيير قد دربت أنفسها على التعاون مع آخرين ، حتى لو كان التطابق بين تلك الأطياف غير كامل .. وان كان الأمر كذلك .. فان مسألة تقديم أي طيف لقيادة الآخرين لن تكون أكثر من مشكلة فنية بحتة وذلك للأسباب التالية :
1 ـ ان حسم شكل التغيير والإتفاق عليه ، بات يشكل تراثا نضاليا مشتركا لكل الأطياف حيث معرفة الواقع الراهن تحتم التسليم بما يلي :
أ ـ ان الحكومات العربية الراهنة ، هي غير تلك الحكومات التي كانت في أواسط القرن الماضي ، الذي كانت تتم فيه الانقلابات العسكرية بجهد تكتيكي متواضع ، لا يتطلب سوى مجموعة من الضباط الشجعان .. وكتابة بيان رقم 1

ب ـ لقد احترفت الحكومات العربية ، أساليب التعامل مع الانقلابات العسكرية ، حتى أصبح من غير الممكن نجاحه دون تخطيط خارجي .. وذلك كون تلك الحكومات أو معظمها هي نتاج لتلك الانقلابات ..

ج ـ لقد تكونت حول الحكومات العربية ، هالات من المستفيدين منها سياسيا واقتصاديا ، بالاضافة لطبقات الموظفين الهائلة التي لا تود المغامرة بوضعها الحرج أصلا للتزاحم على غنائم غير واضح أنها سهلة المنال ..

د ـ لقد كانت معظم مكونات الشعب في أواسط القرن الماضي ، بعيدة عن الدولة حيث الطبيعة الاقتصادية الخاصة لمعاش المواطنين هي السائدة .. فكان هذا العزل للشعب ، أحد العوامل التي تساعد في انفراد المتصارعين على السلطة ، الذي كان ينتج عنه انقلابا ما ..

هـ ـ لقد تكونت لدى الحكومات العربية سجلات متواصلة قد يصل عمرها في بعض الدول الى حوالي تسعون عاما .. في حين الذاكرة لدى المعارضة ، والتي ممكن أن توظف في دحر من في الحكم ، لا تتعدى سنوات قليلة بفعل تبديل المواقف السياسية الدائم لدى قياداتها التنفيذية ..

2 ـ من هنا فإن التقدم نحو التغيير ، لا بد من أن يكون سلميا ، شعبيا يوظف طاقات المجتمع المدني كاملة المتمثلة ب :
أ ـ النشاط الانتخابي على صعد البرلمان والنقابات و الأندية و الجمعيات والبلديات و غيرها من الروابط و المنظمات التي تعني بتمثيل شريحة من الرأي العام ..

ب ـ التنسيق في المواقف الإعلامية و الأدبية و المسرحية .. لتبسيط خطاب التغيير ليصل الى كل المواطنين ، من أجل استثمار مواقفهم في الضخ داخل الفضاء الذهني الذي يسود المجتمع الكلياني ، حتى يضغط باتجاه المجتمع السياسي ( الدولة ) ، لتبدأ التعامل مع ظروف التغيير بجدية ..

3 ـ توقف الأطياف السياسية ( المحسوبة على المعارضة) من دفع خلافاتها فيما بينها الى السطح .. و توظيف نشاطها للحوار فيما بينها من أجل صياغة برنامج سياسي ، بسيط اللغة ، واضح المعالم ، يوزع الأدوار بين قوى الشعب ، ويؤشر على الثوابت التي لا يفترض تخطيها من قبل كل طيف ..

4 ـ ان صناعة تلك الكراديس وفرق العمل الوطنية .. كفيلة من نقل حركة قوى التغيير من حالة الشرذمة الى حالة التيار المؤثر .. والذي لا يستطيع وزير داخلية أو رئيس دولة من تجاهله ..

ابن حوران 23-09-2005 07:46 PM

مزايا للسلطات تتفوق بها على المعارضة



كما تبين فان الحكومات العربية ، وان كانت لا تتمتع بوصف محدد .. ولكنها جاءت نتيجة مسارات متشابهة .. طلبة درسوا في الخارج ، أتقنوا لغة الأجنبي وتعاونوا معه في عهد الاستعمار بوظائف أوكلت لهم ، أو بمواقع عسكرية احتلوها في عينة من الوقت .. إضافة الى كونهم أبناء عائلات لها مكانتها الاجتماعية ، التي من خلالها استطاعت ان ترسل أبناءها للخارج ..

خرج الاستعمار ، بمعاهدة ، برضا ، حلت محله تلك النخب ، والتي لم يكن عداءها تجاهه سافرا جدا . كانت تلك النخب أقوى من الشعب للأسباب التالية :

1 ـ تفوق بالمعلومات على مستوى السياسة الدولية ، في حين تفتقر القوى المعارضة الى تلك المعلومات .. و تتسلح بخطاب لإثارة الهمم الطيبة ، ليس الا .
2 ـ تماسك بين النخب الحاكمة منذ يومها الأول ، لتجانس نوعيتها ، وتقاسم الأدوار فيما بينهم عن رضا . بالمقابل ، فان تراص صفوف الشعب حول خطاب معارض لما كان ولا يزال سائدا .. لا يعدو كونه ضجيجا غير فاعل .. وفي أحسن الأحوال ، يصبح حجم قوة المعارضة كحجم عشيرة قوية .. وهي مع ذلك لن تغير نظاما سياسيا ..

3 ـ استحواذ النخب الحاكمة على وسائل الاتصال بالجمهور .. كالإذاعة والتلفاز .. والصحف الموالية للنظام .. و خطباء المساجد و من يطبقوا مناهج التربية والتعليم الخ .. في حين تغلق السبل أمام القوى المعارضة للوصول الى الجمهور .. وتسن القوانين لحماية السلطات وتتذرع بسنها لحماية الأمن الوطني!
4ـ اقتناص أفراد و أحيانا رموزا هامة من بين صفوف المعارضة ، في حين لا تستطيع المعارضة كسب أحد من صفوف السلطة الا فيما ندر ..

5 ـ توظيف إمكانيات الدولة للحفاظ على السلطة .. وتسيير الانتخابات وفق ما تؤول اليه النتائج لصالح السلطات نفسها .. اذ تفتح أمام المرشحين لتمشية طلباتهم في خدمة مصالح الناخبين .. وتغلق أمام المعارضين .. مما يجعل الناخبين يدلون بأصواتهم لشرعنة الأنظمة نفسها ..
في حين معظم من يتحلون بخلق عظيم و ينحازون طبيعيا للشعب ، هم من فقراء الشعب و بؤساءه .. مما يجعلهم عاجزين ضمن المفاهيم الحديثة للانتخابات .. فيفشلون وتذهب فرصهم في التقرب من صنع القرار !

6 ـ ان حالة المواطنين الذين مر عليهم قرنا من الزمان تقلب فيه أشكال من الحكومات التي وان اختلفت أسماء أصحابها ، الا أن وصفا واحدا يجمعهم وهو أنهم كلهم ( زمر فاسدة و غير مؤهلة ) ..
ان تلك الحالة جعلت من الادعاء بأن الجماهير تصطف خلف المعارضة مقولة كاذبة .. كما ان إدعاء السلطات بأن أغلبية الشعب معها هي مقولة كاذبة أيضا.

ابن حوران 23-09-2005 07:48 PM

رأس الحكم و الهالة المحيطة به .. من يحرس من ؟



لقد تكلمنا عن القوى المسئولة عن تغيير أي نظام حكم ، واقترحنا لها ، مصطلح تسمية و هو ( الإرادة الراهنة ) .. وهي التي تفوض شخصا ما بأن يمارس بعض صلاحيتها و يتكلم باسمها ، وهو فيما بعد يصبح رأس الحكم ..

ان رأس الحكم ، عادة ما يكون أكثر شخص مؤهل في وقت التغيير لتسلم مقاليد الحكم ، و ان كانت الإرادة الراهنة تخطئ في تسمية هذا الرأس ، فانها بالتأكيد ستقع في مأزق قد يكلفها رأس الحكم ، ورؤوسا أخرى معه أقل أهمية منه .. وهذا كان واضحا منذ أيام الحكم الأموي .. وحتى اليوم ..

لكن كيف يختار رأس الحكم أعوانه من الصف الأول و كيف يتعامل معهم ؟ . لا شك أن أحد الخصائص التي جعلت رأس الحكم يحظى بموقعه الجديد ، هو درايته بمراكز القوى الفاعلة في الدولة التي سيرأسها .. سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو دينية .. أو عشائرية واجتماعية ، أو سياسية .. فالأشخاص الذين سيكونون حوله منذ اللحظة الأولى ، كانوا على علم بساعة الصفر من قوى الإرادة الراهنة .. أو أن يكون هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم القوى الراهنة .

سيكون على هؤلاء الأشخاص ، مسئولية اختيار من يليهم من صفوف حماية النظام ، ورأسه .. و من هنا تبنى التشكيلات الأولى منذ اللحظة الأولى للتغيير .. و لكن يبقى رأس الحكم ، في وضع غير مطمئن في البداية .. فيسعى الى توطيد قبضته على مقاليد الحكم ، و إثبات قدرته كرأس قوي للحكم ..

ان صياغة العقود بين الشركاء في الحكم الجديد هي أشبه بصيغة تعاقد مهربي المخدرات .. لن يستطيعوا الاحتكام الى القضاء عندما يختلفوا ، لأن عملهم كله خارج القضاء و القانون .. فان أكل أحدهم جزءا من حق الآخر ، على الآخر أن يصمت أو يقتله !

لذا فان الأثمان عادة ما تقبض أولا بأول بين الشركاء في الحكم .. وهي تتمثل بتعيينات رفيعة لكل من الشركاء ليزيد من عزوته و أنصاره ، لضمان ديمومته في هذا النعيم الجديد .. وهؤلاء يرتبون مسألة اقتسام القطاع الاقتصادي فيما بينهم وبشرف ! .. وهذا الشرف كالذي يلتزم به من يسطو على كنز ، يقتسمه مع شركاءه بشرف !

لكن ، هل يستطيع رأس الحكم أن يستأثر بكل مقاليد الحكم ؟ . الجواب بالتأكيد لا .. ليس لشيء ، فان وضع رأس الحكم كمن يحمل في الصندوق الخلفي لسيارته حملا ثقيلا .. يتمنى أن يجلس الى جانبه في المقعد الأمامي أحد الركاب ليسليه في مسيره ، و يحفظ توازن السيارة !

لكن ، لماذا هذا الولاء الشديد ممن يحيطون برأس الحكم ؟ هل هو خوف منه؟ أم ماذا ؟ .. ان الخوف ليس آت من رأس الحكم كشخص ، بل آت من كون رأس الحكم هو من يمثل الارادة الراهنة التي تمنح لمن يسمح لنفسه بالتفكير بتغيير هذا الواقع الراهن !

إضافة ، الى ان من هم في موقع الهالة لرأس الحكم قد عرفوا وزنهم ، و تفحصوا حدود إمكانياتهم .. و عرفوا أن مصلحتهم تأتي من حماية رأس الحكم الذي يمثل الإرادة الراهنة .. و رأس الحكم من مصلحته أن يحمي تلك الهالة التي حوله التي تجعل بينه وبين الجماهير المحكومة مسافة إضافية تبعد الاحتكاك بهم بصورة مباشرة !!

ابن حوران 23-09-2005 07:49 PM

هل يمكن للحكومات العربية أن تتصالح مع شعوبها ؟؟



يكثر الحديث هذه الأيام عن الإصلاح للنظم العربية .. وفضل أمريكا بذلك ! ويصفن الرجل العاقل و المرأة العاقلة طبعا .. ليتأمل ما يجري . ويقطب حاجبيه ويبتسم .. هل أن كل هذا الحراك يدل على إصلاح أو رغبة بالإصلاح ؟ .. وهل فعلا أن أمريكا تود الإصلاح في المنطقة ؟ أو هل هي صالحة أصلا حتى تتمنى لغيرها الإصلاح ؟

لقد وصلنا في المقالات السابقة ، الى أن السلطات العربية ذات الرأس القوي والهالة المستفيدة من الرأس ، هي أشبه بشركات تستثمر شعوبها و أوطانها .. وان كانت كذلك ، فهي شركات على درجة من الثراء .. وان كانت كذلك ، فإنها لا ترغب بإدخال شركاء جدد لها ليقتسموا معها هذا النعيم ..

وهي كما ننظر لها بأنها شركات مؤلفة من شركاء أثرياء .. فانهم ينظرون لمجموعات المعارضة ، وحتى الشعب .. بأنها شركات مفلسة رصيد كل منها صفر .. وان جمعت صفر مع صفر أو مليار صفر مع مثله .. فالنتيجة تكون صفر .. هكذا هو منطق السلطات ( الشركات ) العربية ..

وان كانت تلك الحكومات أبنية متصدعة .. فهل الإصلاح يفيدها ؟ هل ينفع معها تغيير الدهان والأبواب .. أم لا بد من ردمها وتسويتها بالأرض ، ومن ثم إقامة أبنية بطرز حديثة ومواد أكثر ملائمة ؟

أم هي رجل تكالبت عليه الأمراض ، في القلب والدماغ و الأطراف .. والكلى ويشك بوجود السرطان .. وان كل المحاولات الجارية .. ما هي الا إطالة كاذبة لعمر هذا الرجل الآيل للسقوط ..

تبين أن هذا الرجل أكل لحم أبناءه ، فأصيب بالنقرس ، وما عادت ركبه ، تستطيع حمله .. فهل القتل الرحيم هو الحل .. أم الإبقاء على المراهنات في أن يعود هذا الجسم للوقوف كرجل عفي واردة ؟

لقد فهمت أمريكا الفاسدة .. المصير الذي سيؤول اليه مصير هذا الرجل المريض ، فحاولت أن تملي عليه كتابة وصية لأحباءها من أبناءه ..ليرثوا ما كان لديه .. وما كان لديه لم يكن بعيدا عن متناول يد أمريكا .. وان كانت تمن على الكثير أنها تعطي .. لقد كانت تعطي كسرة خبز لتأخذ المحصول كله !

اذن فالرغبة غير موجودة عند هذه الحكومات ( الرجل المريض) في إصلاحات حقيقية .. وان كانت تبث رسائل مفادها أنها والإصلاح على موعد . وعلى الجميع الانتباه فأنصاف أو أرباع الحلول ، ما هي الا الصيغ الجديدة لكتابة وصية الرجل المريض .. كما كتب مسودة نصها محامي نصاب !!

ابن حوران 23-09-2005 07:50 PM

هل لنا من استنتاج في هذه المرحلة ? :



بعد أن قدمنا مقتربات مبسطة ، ساعدت ـ على ما أظن ـ في تكوين أرضية صالحة ، لبناء تصور مستقبلي لما نطمح به .. وقبل أن نحاول اقتراح لشكل التحرك المستقبلي .. فاننا سندرج ما يمكن أن يكون استنتاجا متفق عليه :

1 ـ ان القوى المعارضة العربية هي قوى ذات نشاط طبيعته البارزة لغوية فقط، وان تلك اللغة المطروحة في الخطابات السياسية العربية المعارضة لها آثار أبسط ما يقال عنها أنها فاشلة و فشلها يتمثل بما يلي :
أ ـ اعتماد اسلوب التهويش و ( فهرسة ) أخطاء الآخرين .. دون تحديد من هم الآخرين .. فاختلال التوازن بين الذاتي و الموضوعي لتلك القوى جعلها ذات مسحة حزينة .. ودائرة تأثيرها محدودة جدا ..

ب ـ اعتماد اسلوب إثارة الهمم الطيبة ، بذكر مناقب التمسك بالدين أو القومية ، دون الالتفات الى الذهاب بعيدا نحو التدرب على طرح برامج عمل تشد الجماهير لتلتف حول تلك القوى و تجعلها مؤثرة فعلا ..

ج ـ خلق حالة معرفة محترفة للأنظمة الحاكمة ، بكيفية التعامل مع القوى المعارضة ، مما بعد المسافات بين تلك الأنظمة و المعارضة لصالح الأنظمة .

2 ـ ان السلوك التمثيلي ( المنفعي ) .. يكون واضحا عند الاصطفاف مع الانظمة ، أكثر منه وضوحا عند الاصطفاف مع المعارضة .
بعبارة أخرى ان الأنتليجسيا ( مجموعة المثقفين و أصحاب المعارف و التقنيين الحديثين ) .. ترى ان المراهنة على المعارضة هي مراهنة خاسرة !!

3 ـ ان تكرار كلام المعارضة ، ونمطه ، وحتى مفرداته .. حرمها من إبراز رموز نضالية ، تساعد في استقطاب الجماهير من حولها ..

4 ـ ان طول مدد بقاء السلطات العربية في الحكم ، جعل من حجم ملفات المعارضة الكثيرة لها خير سند في إبقاء حجمها بتناقص مستمر ..

5 ـ لقد دخل اليأس لنفوس الكثير من كوادر المعارضة .. بحيث أن حالة توهج خطابهم خفتت و تسلل الكثير منهم الى جانب السلطة .. بل و تراجع الخطاب ذا الطابع الثوري ، ليصبح ذا لون تصالحي باهت ..

6 ـ ان المعارضة العربية ، ان لم تنقلب على ذاتها ، معيدة النظر في شكل خطابها السياسي ، وتنمية الإحتراف السياسي لدى كوادرها ، و معرفة أساليب المناورة في الكر و الفر .. فإن أفضل خدمة تقدمها للأمة هو الإنسحاب من حياة الأمة السياسية بشكل نهائي .. تاركة المجال لأجيال تتلمس طريقها ، دون حتى الاستعانة بهذا التراث البائس المليء بالأخطاء ..

ابن حوران 23-09-2005 07:51 PM

كيفية إنقلاب المعارضة على ذاتها ؟؟


كما هو معروف ، المعارضة في أي بقعة بالعالم ليست ذات لون و شكل ودوافع متساوية .. فالسلطة التي يعارضها المعارضون ، كالذي يغرق بديونه من قبل دائنين ، ديونهم ترتبت بشكل يختلف عند كل دائن عن الآخر .. فمن الدائنين من هو مبلغه عالي ، ولا يحبذ أن يكسب دائن غيره قضيته قبله ، حتى لن يتبقى له ما يستوفيه ..

ومن الدائنين من تعرض الى محق في تجارته ، فمطالبته ستكون ، خليط من حب الإنتقام مع إقرار القانون والعدالة .. وان كانت الأخيرة تأخذ منحى ثانويا جدا ..

ويلجأ الدائنون في أغلب الأحيان الى تغليف مطالبتهم ، بغلاف أخلاقي و ديني ، فيسوقوا دوافع حملتهم بالمطالبة واحدة بعد واحدة ، ليملئوا الفضاء الذهني ، بشعور بعدالة قضيتهم .. وهم نادرا ما يصغون للضجيج الصادر من طرف دائن آخر . وإن حدث وان لمح أحد بمطالب جهة دائنة أمام دائن آخر ، فانه سيبادر الى تسفيه حدة مطالب غيره . وهذا بالنتيجة سيصب في مصلحة المدين ، لأنه ضمن تشتيت المطالبات ، لكسب مزيد من الوقت ، تنمو من خلال هذا الوقت إطالة عمره فالتا من العدالة !

في الأساس ، عندما يحس مجموع الدائنين في عدالة قضاياهم ، فإنهم سيبادرون بتشكيل ( مجلس الدائنين) .. الذي يقيم تركة الجهة المدينة ، وكيفية إقتسام تلك التركة .. والتصرف بها ..

هذا حال المعارضة العربية .. شخوص مدعية بتمثيل الجماهير ، بتمثيل الدين ، بتمثيل الأوطان .. ودون تفويض من أحد .. فترد المحاكم دعواهم ، لعدم التخصص ، أو لغياب التوكيل الرسمي من صاحب القضية .. أو لغياب الأدلة ..

فحتى تكون هناك دعوى قابلة للكسب ، لا بد من صياغة لائحة الادعاء ، وتحضير التوكيلات اللازمة .. و تجهيز الشهود .. و حشد كل ما يلزم من مال وفقهاء بالقانون ، وتوحيد الدائنين ضمن ممثلية واضحة ، عندها سيكون لتلك المعارضة شأن ..

ابن حوران 23-09-2005 07:54 PM

الانتخابات شكل من أشكال التذاوت لدى الناخب بالأول ..



انتخب لغويا .. اختار .. انتقى .. فاضل بين أفراد مجموعة و انتخب منهم الأفضل .. المنتخب الوطني لكرة القدم .. صفوة لاعبي الوطن ، بعد استعراض الأفضل من كل لاعبي الوطن .. ويتم الاختيار تحت أعين متمرسين و محترفين .. وهذا مهم جدا .. اذ لا يمكن أن يقوم باختيار أفضل لؤلؤة من لم يرى لؤلؤا بحياته !!

تظهر بين فترة و أخرى مسألة الانتخابات ، وكأنها الحل السحري لكل مشاكل الأمة ..والانتخابات ، فكرتها واحدة سواء كانت لانتخاب جمعية لنبش القبور أو انتخاب رئيس جمهورية . وفي النهاية من يحصل على أصوات أكثر ، سيكون هو المنتقى أو المنتخب أو المختار أو الشيخ ..

تماما كما هي مسألة اعتماد المجموع الدراسي في دخول الجامعات .. فقد يكون أحد الطلاب قد تم تسخير مجموعة من المعلمين القادرين لتعليمه في البيت او في مدرسة خصوصية جدا .. فعندما نفاضل بينه وبين طالب ، يعيش في بيت به غرفة واحدة ، وقد تجد به معاقا ، أو قد تجد أن هذا الطالب هو المكلف بالصرف على أهل هذا البيت .. وعندما نتخيل كيف سيقوم هذا الطالب بالاستعداد للإمتحان ، ندرك أن المفاضلة بينه وبين الطالب المنعم هي مفاضلة غير واقعية ولا تجوز ..

لقد تم حل عدم التوازن بالظروف ، بالمصارعة و الملاكمة ، فتجد وزن الريشة ووزن الذبابة حتى تصل الى وزن الديناصور .. أما في الانتخابات ، والقبول في الجامعات فلم تزل المشكلة قائمة ..

لقد أدرك الفقير والمعدم ، في كل أصقاع الأرض ، أن ليس له فرصة في الصعود الى مصاف علية القوم بواسطة الانتخابات ، حتى لو حفظ كل كتب الدنيا وكان وسيما ورشيقا وعيناه تلمعان ببريق الشخصية المطلوبة .. كل هذا لن يشفع له حتى لو ترشح لادارة جمعية نبش القبور والتي لن يجد من ينافسه بها ، فبمجرد نجاحه بالتزكية ستلغى تلك الجمعية ، التي لم تؤسس أصلا ..

فاذا كانت البروليتاريا هي التي تفرخ عمال العالم الذين فشلوا في تحقيق أسطورة ديكتاتوريتهم المفقودة .. فان ( العربتاريا) التي تزود المرشحين بالأصوات .. اكتشفت ان ليس لها أمل في السلطة الا بمواسم الانتخابات .. فتلقى من كان يترقق في كلامه للمسؤولين أن لديه كومة من اللحم يريد أن يعيشهم ، تصبح تلك الكومة من اللحم أصواتا لها قيمتها في موسم الانتخابات .. فأحيانا يقدم على الآخرين لتلك الميزة ، و أحيانا يقبض على الصوت ثمنا يتناسب مع سخونة المعركة الانتخابية .. و أحيانا يحرم بقسوة كل المرشحين من هذا الصوت .. وهذه أبسط حقوقه !

وسنتحدث في المرة القادمة عن أصول لعبة الصوت وفنونها ..

ابن حوران 23-09-2005 07:56 PM

تكنيك لعبة الصوت في الانتخابات :



يجلس شخص مع نفسه ، فتتراءى له صور مجد يحبكها في خياله ، من خلال دخوله دائرة الأضواء العامة .. فتراوده نفسه أن يخوض معركة الانتخابات .. فيختار أشخاصا يضمن موافقتهم سلفا على المضي بتحقيق حلمه .. ويتجنب من يعتقد أنهم سينصحوه بعدم خوض مثل تلك التجربة ، وسيتركهم للأخير .

ان كان ابن حزب أو ابن مال أو ابن عشيرة أو ابن بلد .. أي ينطلق من تلك الأرضيات كقاعدة له ، فانه سيرافق المريدين له بالتحرك وفق المنطلقات التالية:

المعركة الانتخابية :صدق من أسماها بالمعركة الانتخابية ، ففيها من مقومات المعركة ما يجعلها تستحق مثل هذا الاسم ..

الآخر في المعركة ..

يتحاشى كل من ينزل للإنتخابات بأن يظهر أطماعه الشخصية ، بل انه يختار آخر لخوض المعركة ضده ، وينسج القصص اللازمة لإحداث حالة التوتر لدى من يود أن يتبعوه في تلك المعركة .. فان كان ينطلق من عشيرة فانه سيذكر سوء حظ عشيرته باللحاق بمصاف العشائر التي صار منها رئيس وزراء أو وزير أو نائب أو محافظ .. انه يذكر ذلك لأبناء عشيرته ليضمن التفافهم حوله من أجل أن يفاوض بإسمهم عندما يكون للناخب الحق بأكثر من صوت ..

وان كان ابن مال أو ابن حزب أو ابن منطقة ، فانه يركز على مثالب غيره و وجوب الالتفاف حوله من أجل قهر غيره من المرشحين .. ويفرح كثير من المرشحين عندما يتعرفوا على أسماء غيرهم .. فتكون حججهم في تكوين حالة التوتر هي التركيز على الآخر ، لكي يوغر صدور الناخبين ضده .. ونادرا ما يلتف الناخب العربي حول برنامج المرشح أو كفاءته ..

التعبئة العامة :

كما في المعركة ، مجرد ما تعلن نوايا خوض المعركة ( بإحداث التوتر ) فان الخطوة المقبلة ستكون التعبئة العامة ..وهنا يتسابق المرشحون الى الوصول الى مفاتيح تجمعات الأصوات .. من خلال الزيارة لوجهاء العشيرة أو وجهاء المهنة أو وجهاء المنطقة .. و مخاطبة ما لم يتمكن الالتقاء بهم ، بواسطة وسائل الاعلام والمبشرين من المتطوعين او المأجورين لهذا الغرض !

الإشاعات :

تلجأ جهات متعددة الى الإشاعة لإبعاد الناخبين عن التصويت لشخص ما ، وغالبا ما تلجأ دوائر الدولة العربية لمثل تلك الاشاعات ، لتبعد من تراهم مشاكسين وغير مضمونين اذا ما أصبحوا أعضاء بالبرلمان ، حيث يخلقوا بعض المتاعب أثناء منح الثقة للحكومة أو التصويت على تشريع ما .. فتبث الدولة عناصرها بين جمهرة الناخبين ، ليخلقوا اشاعات تقلل من التفاف الناخبين حول هذا الصنف من المرشحين ..

فان كان بوسط ديني ، ذكرت عن ذلك المرشح الأكاذيب التي تتهمه بتعاطي الكحول ، أو القمار ، أو علاقات غير شريفة مع دوائر أجنبية ، أو حتى الدولة نفسها ، اذا كان المرشح يعتمد خطاب سمته العامة هي التحدي للدولة ..

كما أن المرشحين الآخرين يبتكروا مثل تلك الاشاعات لإضعاف خصومهم ، ويبقوا يكرروا إشاعة أن فلان انسحب ، وقبض من فلان مبالغ لقاء انسحابه ، وذلك لكي يقتلوا همم المريدين لهذا المرشح أو ذاك .

وسنتناول في الحديث المقبل شكل خطاب المرشحين وسلوكه أثناء حملة الانتخابات ..

ابن حوران 23-09-2005 07:57 PM


طبيعة سلوك المرشح و خطابه .. وردود فعل الناخبين تجاهه :


ما أن تبدأ المعركة الانتخابية ، حتى نرى مجموعة من المريدين للمرشح ، يلازمونه ليلا نهارا ، و يبتسمون له و يطمئنوه أنه ناجح بإذن الله ، ويقوموا بالنصح له ، ولا شرط أن يكون الناصح متمرسا في مسألة الانتخابات .. ولكنه طالما أنه يلقى من يستمع له ، فلماذا لا يقدم مثل هذا النصح !!

و أحيانا يفاجأ المرشح بوجود أشخاصا يلازمونه حركته كمريدين ، ولم يكن قد وضع بحسبانه أثناء التفكير بترشيح نفسه ، أن يكونوا حوله .. وعموما فان أصناف المريدين الأوائل يندرج تحت :

1 ـ أشخاص يكونون مفتونين بالمرشحين منذ أمد .. وقد عرفت قاضي تمييز ناجح جدا ، يتلذذ في تمثيل دور التابع الحقير ، لعقيد متقاعد ، لا يفقه شيئا .. ولا يستطيع تركيب جملتين على بعض ، في حين ان التابع أو المريد يتفوق عليه في كل شيء!!

2 ـ أشخاص يستعملوا المرشحين كسواتر ( استحكامات) يهاجمون غيرهم للنيل منهم من خلال هؤلاء المرشحين ..فتكون متعته هائلة اذا رسب من يكره ، حتى لو رسب المرشح الذي يقف معه ، والذي من خلال رسوبه رسب خصمه الأصلي .. وتزداد متعته فيما لو نجح المرشح الذي يقف معه .

3 ـ أشخاص ، يعتقدون أن فرص النجاح لمن يقفوا معهم ، عالية ، فيحجزون مقاعدهم للتقرب من هؤلاء المرشحين سلفا ..

4 ـ أشخاص مغمورين ، لا يسمع بهم أحد .. فيجدوا في أيام الانتخابات فرصا للتعريف بأنفسهم من خلال التواجد بين الجموع ..

5 ـ أشخاص يستهويهم الموائد و ما يقدم من خدمات ، مأكل أو مشرب ، في مناسبات الانتخابات ..

6 ـ أشخاص ، يبحثون عن مكاسب في مواسم الانتخابات ، كتوظيف أبناءهم من خلال نفوذ المرشحين .. أو طمعا بكفالة بنكية .. أو أن يقبضوا سلفا ثمن وقوفهم بجانب المرشح ..

أما عن موقف الجمهور الذين يتعرضوا لاقتحام مواقعهم ( دواوين ، أندية ، قاعات ، بيوت ، نقابات الخ ) .. ويستمعون لخطاب مقيت باهت ، كله عموميات ووعود كاذبة ، لا تستطيع الدولة نفسها تحقيقها .. فكيف بهؤلاء المرشحين ( مشاريع رجال مهمين ) ؟

1 ـ معظم ردود فعل ممثلي الجماهير ، هي ابتسامة ماكرة و طمأنة غير حقيقية للوقوف الى جانب الزائر من المرشحين ..

2 ـ أحيانا يقوم المضيف بإكرام الزائرين من المرشحين و حواشيهم .. لكي يوهموهم أكثر بأنهم واقفون معهم .. فيقدموا الحلويات و الشراب .. ويعرضوا عمل وجبات .. ويعملوا مع كل المرشحين نفس الشيء ..

3 ـ قد يمعن ممثلو الجماهير ، بزيارة مقرات الحملة الانتخابية لمرشح ، وتقديم بعض الأشخاص كمتطوعين في الحملة الانتخابية .. ويقوموا بنفس العمل مع أكثر من مرشح ..

4 ـ أحيانا يقوم ممثلو الكتل الناخبة ( الجمهور ) بإفشاء بعض الأسرار عن مرشحين آخرين ، لمرشح ، من أجل الزيادة في ايهامهم بالوقوف معهم .. ويعملوا نفس الشيء مع باقي المرشحين ..

5 ـ اذا ظهرت النتائج فتجد هؤلاء الممثلين أول من يهنيء بالنجاح .. ولا ينسى من الذهاب الى الآخرين ممن أخفقوا ليواسيهم !!

ان سلوك الناخبين هذا يبين لنا ، كيفية ان النفاق أصبح أحد الوسائل التي يتماشى معها كثير من الناس .. وفي نفس الوقت فان المرشحين .. بعد كل جولة .. يتصرفون و كأن النجاح بات مضمون !!

هذه الانتخابات في البلاد العربية .. ولا أظن أن حالها أفضل كثيرا في البلاد المتقدمة .. ولكن انبهار الكثير بما يحدث بالغرب ، يجعله ينظر لها بشكل وردي زاهي .. ولكنه لا يختلف كثيرا عما يجري في بلادنا ..

ابن حوران 26-09-2005 06:03 PM

عدة أشكال لتداول السلطة والنتائج متقاربة :



امتلأت المجلات و الصحف و الكتب حديثا عن الديمقراطية وتداول السلطة والحكم بشكل عادل .. وكلما ازدادت معرفتنا بما كان يحدث في السابق في هذا المجال ، منذ عهد الفراعنة والسومريين ومرورا بكل عصور الامبراطوريات الكبرى أو الحكومات او الدول الكبرى في العالم ، ومنها وطننا العربي وعالمنا الاسلامي ، فاننا لن نجد فروقا هائلة بين كل الطرق في تداول السلطة ..

فأهم انجازات العالم الحضارية ، جاءت من خلال حكم الرجال الأشداء ، وتشبع أجواء دولهم بما يؤمنون .. حتى لو كانوا حكاما فرديين ، أو أباطرة أو منتخبين بطرق التداول الحديثة ( الديمقراطية ) .. فلم يكن عهد حمورابي ، أو عهود الفراعنة ، أو عهد قياصرة روما أو عهد عبد الملك بن مروان أو عهد الرشيد أو المنصور أو المأمون أو عبد الرحمن الناصر في الأندلس ، أو عهد يوسف بن تاشفين أو عهد ستالين .. وغيرهم من الرجال الأشداء .. عهود تم تداول السلطة بها بالطرق الديمقراطية ..

فمن أهل العدل و الشورى في تداول السلطة كما يراها بعض علماء التاريخ الاسلامي ، أو انتخابات أعضاء المؤتمر العام للحزب الواحد أو الحزب القائد ، أو من خلال نفوذ أصحاب رأس المال في الدول الغربية من يتحكم بسير الانتخابات لتكون في صالح أشخاص دون غيرهم .. فكلها طرق لا يمكن سلخها عن فكرة ( قوة الإرادة الراهنة ) .. فالجهة التي تملكها ، هي الجهة التي ستحكم البلاد ..

فتعريف أهل العدل ، سيكون مثارا للخلاف ، اذ من سيختار هؤلاء ؟ ومن قال أنهم أكثر من غيرهم أهلية في القدرة على التكلم باسم المسلمين .. وما دور الطوائف أو أبناء الديانات الأخرى .. كلها نقاط خلاف ، لا أظن أنها من السهولة بمكان بحيث يتم تجاوزها ، أو حتى البدء في الخطوة الأولى لها بيسر ..

أما الانتخابات لقيادات الأحزاب ، التي تزعم أنها أدرى بمصلحة الشعب من الشعب نفسه ، فانها تكون محكومة من أقصى الغرب الليبرالي الى أقصى الشرق الشيوعي ( الصين ) ومرورا بالأحزاب التي ينشئها الحاكم و يعطيها لقب الوطني أو الدستوري أو أي اسم يدل على أحقيتها بالتفكير بالنيابة عن الشعب . ان تلك الانتخابات من أمريكا حتى الصين ما هي الا خطوة إضافية لشرعنة قوة الإرادة الراهنة ، التي تختلف بنظرياتها وفقا لخطابها المعلن ، ووفقا لأيديولوجيتها التي تفلسف بها حكمها ..

أما تلك الدول التي لا بها لا حزب حاكم ، ولا بها انتخابات ، فانها دول حزينة نسيت خطوة مهمة لشرعنة نظامها بإقامة انتخابات ، يسهل تسييرها بحنكة متوسطة نحو الإتجاه الذي يريده صاحب قوة الإرادة الراهنة ..

سيقول قائل ، وما هو الذي يجري في دول الغرب ؟ أو اليابان أو الهند ؟ .. سأقول انها أشبه بلعبة ( الطرة والنقش ) بين صنفين ليبراليين يتزعما قوة الارادة الراهنة التي استسلم لها كل الناخبين بأنهم لا يستطيعون الخروج من تلك الحلقة المفرغة .. فالتناوب بين الديمقراطيين والجمهوريين في أمريكا ، والعمل والليكود بالكيان الصهيوني ، والعمال والمحافظين في بريطانيا، والاشتراكيين والجمهوريين الديغوليين في فرنسا .. وابحث في كل تجربة ، ستجد السياسة قريبة من بعض .. و أحزاب الفقراء الخائبين ، تحظى بمقاعد برلمانية سخيفة التأثير .. أو لا تذكر أسماؤها الا في وقت التعادل بين القوتين أو ( الوجهين للقوة الواحدة ) ..

تبقى حظوظ المواطن ، عندما يحتاج الحاكم في الأصناف الثلاثة الى العدل ، ليوظفه كأحد الوسائل لشد الناس من حوله ، ليس الا .. وان لم يكن بحاجة لشد الناس فانه لا عدل يذكر ..

ابن حوران 30-09-2005 12:50 PM

آن الأوان أن تراجع القوى السياسية مواقفها :


تذهب يوم الجمعة الى المسجد لأداء صلاة الجمعة ، وتسمع بين فينة و أخرى طلب خطيب الجمعة من المصلين أن يفسحوا المجال لبعضهم لأن المسجد لم يعد يتسع للمصلين .. وكم مسجد يكون في المدينة ؟ قد يكون هناك مئات المساجد وكم مسجد في بلاد العرب و كم مسجد في بلاد المسلمين ؟ وكلها ستجدها مزدحمة ..

ولو سمحت قوانين الحج أن يحج أكثر من مليوني مسلم كل عام لوصل العدد الى خمسة ملايين بأقل تقدير .. ولو ضربنا خمسة في ستين متوسط أعمار المسلمين لوصل العدد الى 300 مليون مسلم يؤدي فريضة الحج ..

هل كل هؤلاء يقومون بشعائرهم ، رياء و نفاق ؟ .. لا أظن والله أنهم كلهم كذلك ، بل أغلبيتهم تقوم بها امتثالا لله و تطبيقا لشرائع الدين ..

هل كل العرب من هؤلاء يخافون حكامهم لدرجة الجبن و الفزع ؟ .. لا أظن ذلك أيضا ..فمن بين هؤلاء من يسجن ومن بين هؤلاء من يتم استجوابه في أكثر من مناسبة ، ومن بين هؤلاء من يتمنى أن يستشهد في سبيل الله ، ومن بين هؤلاء من يستشهد فعلا في سبيل الله ..

لماذا اذن هم لا يتحركون ؟ .. واذا تحركوا ماذا يفعلون .. ووراء من هم سيسيرون ؟ فالفوارق بينهم ليست عظيمة لا من حيث التزامهم بدينهم ولا من حيث تمنيهم لوحدة العرب و للوحدة المسلمين .. ولا من حيث قدرتهم على تمييز الحق من الباطل .. فكم من هؤلاء يرمي لقمته ويتوقف عن الطعام عندما يسمع خبرا ينبئه عن ضيم حل في فلسطين أو العراق .. وكم من هؤلاء يسأل ليطمئن عن أخبار المقاومة هنا وهناك ؟ .. انهم كثر

ان من يضخم دور الابتعاد عن الدين والعهر الذي يراه في الفضائيات ، ويحاول أن يعممه على كل المسلمين .. هو بكل تأكيد مخطئ .. وان من يرصده من الناس هؤلاء ، لا تساوي نسبته الا نسبة المتبجحين و المتكلمين باسم الدين ويرمون الشعوب بأسوأ الأوصاف ..

ان هؤلاء الناس لم يعد يشدهم أي خطاب تم استهلاكه ، فلا تنقصهم الموعظة للعودة الى دينهم ، ولا تنقصهم المشاعر القومية ولا الوطنية .. فهم ينتظرون بل و يراهنون على ظهور فرسان يترجموا تلك المواعظ الى أفعال و يلحقونها بانتباه الى ما يهم الشعب من تأمين لقمته و عمله و علمه و يضمن علاجه وسكنه ، و قبل كل شيء يضمن كرامته بين الأمم ويعيد للأمة العربية والاسلامية مكانتها الريادية ..

ان عينهم على ما يحدث بالعراق ، من تسطير لكتابة سفر جديد ، من تاريخ الأمة الجديدة ، وعين على فلسطين ، راجين من رب العباد أن يحمي من يرابط في تلك البؤرتين من مجاهدين شرفاء .. ليبنى فوق جهادهما و معه ، و بعد تحقيق نتائجه القريبة بعون الله ، بناء أمة مزدهرة ..

ابن حوران 03-10-2005 12:29 PM

هشاشة النحن الواحدة تستوجب تجزئتها من أجل إعادة تركيبها :



عندما نشأت الحركات الحضارية أو الفكرية العملاقة في التاريخ ، نسبت كل الانجازات العظيمة لها ، وما كتب حولها أصبح تراثا يضاف لتراث الأمة التي تنتسب اليها المجموعة الأولى صانعة خط البداية لانطلاق تلك الحضارة ..

و عندما بعدت المسافات الزمانية أو المكانية عن المجموعة المبادرة في صنع الحضارة ، أصبح الانتماء لتلك المجموعة ومبادئها ، أشبه ما يكون بالنمط الأسطوري .. حيث يمارس دون فهم كبير لكيفية النشوء و البدء في تلك الانطلاقة العملاقة الأولى ..

و يكثر المنتسبون لتلك الحضارة أو اسمها ، و يسود على السطح قيادات تدعي الانتساب ، و تعتقد في نفس الوقت أنها تسير على نهج السلف المؤسس لتلك الحضارة .. فينبري لها مجموعات مختلفة ، ترى في نفسها أنها أكثر تطابقا مع النموذج الأول للمؤسسين الأوائل .. فتظهر انشقاقات أشبه بظاهرة التطريد بخلية النحل ، عندما تضعف الملكة فيها .. حيث يرى كل طرف منشق أنه هو صاحب الرؤية الصحيحة المطابقة لرؤية السلف ..

انها ظاهرة تحدث ميكانيكيا في الصبات الكونكريتية ، اذ كلما اتسعت مساحة السطح المصبوب ، كلما تشققت أجزاءه .. فيلجأ المهندسون لصناعة الفواصل بين الصبة آخذين بعين الاعتبار ظاهرة التمدد و التقلص ..

اتسعت الرقعة التي ساد عليها المسلمون .. ظهرت الطوائف و الإمارات و الدول و تصدعت الدولة .. اتسعت الحركة الشيوعية في العالم ، ظهرت الاجتهادات وظهرت الخلافات فحدث التصدع ومن ثم الاقتراب من التلاشي .. ظهرت حركة المقاومة الفلسطينية ، فاتسعت فأصبحت بعينة من الوقت 72 فصيل كل واحد له رؤاه .. تقترب وتتضاد مع غيره في كثير من النقاط .

أبناء القومية العربية ، النحن الأساسية عندهم ( نحن العرب) ولكن يشاغلها مجموعة من النحنوات ، تدفع أصحابها في أغلب الأحيان لنسيان النحن الأساسية .. ما تفسير ذلك ؟

ان أقوى المجموعات الاصطناعية الفاعلة هي ( الفريق) فهي أقوى من الطائفة والرهط والفوج والعشيرة والقوم والشعب وحتى الأمة .. والمجموعات تلك هي مجموعات طبيعية ، و أكثر عددا من الفريق . لكن الفريق أكثر انضباطا وأكثر تعاونا و أكثر قدرة على فهم دور كل عضو في هذا الفريق لواجبه ..

ففريق كرة القدم يهيج الجمهور الذي يشجعه ويلعب بعواطفه ، وكلا المجموعتين اصطناعيتين .. والجمهور أكبر من الفريق .. كذلك يحدث في كل مجالات الاختراع و الاستكشاف وغيرها .. فالناس تتفاعل أكثر مع أشخاص تراهم و تعمل معهم ، و لا تتفاعل مع أشخاص توفوا منذ زمن أو لم يتم رؤيتهم أو تتعذر رؤيتهم .. و إعطاء الفرق حرية الحركة كمجموعات عمل ، ينتج ابداعا يجلب المجد السريع لأعضاء الفريق و يرفد المجموعة المؤسسة للحضارة أو الحالة الحضارية بأمجاد لا تنضب تنسب لها ..

اذن لماذا لا نستبق الأمور ، حتى لا تتشقق أجسام كياناتنا القائمة لتصبح أجزاء لا نتحكم بها ، ونصنع أجزاء ترتبط ببعض كارتباط صبة الكونكريت ، بين فرق لها أدوارها و مهامها و ساحات عملها .. ليست منفصلة عن الجسم الكبير بل تشكل فيه كما تشكل الوحدات المتناغمة في السجادة .. ليس قيمة للوحدة الواحدة دون اعتبار السجادة كلها ..

كيف سيحدث ذلك ؟ هل نمسك شريطا كرارا و نقسم الوطن مربعات و نبدأ بزركشته حتى يصبح سجادة جميلة ؟ .. حتما لا ، بل يحدث باستنهاض أوعية المجتمع المدني من نقابات و أندية و بلديات وإعطاءها كل عوامل الابداع .. و ربط تلك الممثليات بجسم أكبر يمثل تلك الأنشطة ، ويرفد الدولة بالنسغ الصاعد حنى تستطيع رفده بالنسغ النازل ..

ابن حوران 04-10-2005 07:35 PM

في بلادنا العربية السياسة تشبه السياسة لكنها ليست هي :


العقود أي عقود تتم بين أطراف تتساوى في أوضاعها لحد ما ، و لن يكون عقدا حقيقيا بين طرفين أحدهم قوي جدا ، و الآخر ضعيف جدا . فالدائن الذي يرهن ممتلكات المدين ، اذا أراد أن يعمل معه تسوية ما فان تلك التسوية ستكون بصالح الدائن بالتأكيد .. اتفاقيات أوسلو خير دليل على ذلك ، وما تلاها نتيجة حتمية للقبول بمبدئها ..

نحن لدينا آلاف الملاحظات على النظام الرأسمالي العالمي ، وتلك الملاحظات نستنبطها كمراقبين من جراء أثرها علينا كأمة . لكن الأطراف المتعاقدة هناك متقاربة بقوتها ، فتتناوب على تداول السلطة ، على ضوء ما تكسب من أصوات في لعبة ( الانتخابات ) .. لذا فان العقد فيما بين تلك الأطراف و ضعت نصوصه وتم التصويت عليها لتكون أساسا للاحتكام عند الخلاف . وهذا آت من ثنائية وجه القوة الراهنة ( التي لنا عليها الملاحظات السلبية ) .

لكن تطورت عندهم أسس القوانين التي يحتكموا لها بفعل ، قوة المراقب الذي تنحى وقتيا عن الحكم ، وأصبح معارضا لمن في الحكم ، فيقوم باقتناص أخطاءه وإخبار جمهور الناخبين بها ، لزعزعة بقاء من الحكم لمدة أطول .. فيضطر من في الحكم أن يتنافس بجدلية نافعة لتلك المجتمعات ، مع المعارض و يقدم لهم ما هو أفضل ..

لديهم ملوك ولديهم رؤساء جمهوريات ، لكن هؤلاء لهم دور لا يعدو كونه أكثر من رمز ، أو صمام أمان يوحي باستمرارية النظام و يمارس بعض الأدوار الكرنفالية ، و كلما كانت تلك الصورة أكثر وضوحا ، كلما كانت التجربة البرلمانية أكثر نزاهة ، لحرص الطرفين الأقوياء على مراقبتها ، لحساسية النتائج ، فتصبح النزاهة ذات وظيفة و ضرورة أكثر من أن تكون هدفا و سمة أخلاقية للنظم البرلمانية ، التي لا مكان فيها أصلا للضعفاء ..

أما في بلادنا العربية ، تجد أن الملك ، يحمل لقب و اسم ملك ، لكن له كل شيء فهو من يضع قوانين الانتخابات ( في حالة الدول التي بها انتخابات) .. وهو الذي يختار الوزراء ، وهو الذي يحل البرلمان أو يبقيه ، وهو الذي يرسم السياسة الخارجية ، ولم يحدث في تلك الدول ان تم تصويت داخل مجلس الوزراء .. فكلهم من لون واحد ، و اختيارهم يتم ضمن دوائر المخابرات والديوان الملكي ..

في النظم الجمهورية ، رئيس الجمهورية يقوم بنفس أدوار الملك السابقة ، ولكنه يحبذ اسم رئيس جمهورية عن ملك ، لا أدري لماذا ؟ ولكنها قد تتعلق بماض أيديولوجي ، أو تتعلق بصيغ الخطاب ذي الطابع ( الإسزاري) الذي يضفي على نفسه اللون الوطني ، في حين هو غارق لأذنيه بخطط لإرضاء السيد الإمبريالي ..

هناك برلمانات عربية ، هي تحمل اسم برلمان ، لكنها ( تحويلة إضافية) للتعبير عن صوت النظام الملكي في الممالك ، و الجمهوري ( في الجمهوريات ) و تبقى تعبر عن ذاتها الجماعية بروح ذاتية أفرادها كمجموع يسترضي بقاء قبول النظام لها لتسيير مصالحها الذاتية والفئوية ، ويبقي احتمالية بقاءها في البرلمان مدة إضافية .. وهي بذلك لن تختلف كثيرا عن لعبة الصوت في الدول الإمبريالية ، والتي يمنح الرضا فيها القوى المهيمنة رأسماليا و تتوزع في خندقين ، وليس خندق واحد ..

من هنا نقول أن وجود آخر قوي ، تفتح له قنوات النشاط داخل بلادنا يؤمن سير الحياة السياسية بشكل سريع . و على أصحاب القوة الراهنة الذين بيدهم الحكم أو يطمحوا لاستلام الحكم أن يعتنوا بالآخر ( المعارض) كاعتنائهم بذاتهم الجماعية لتأمين ما يلي :

1 ـ تنمية قدرات أفرادهم من خلال استفزازها لعمل ما يتم انتقاده جماهيريا من خلال رصد عناصر المعارضة لبؤر الفساد ، وممارستها النقد للدولة ..

2 ـ منع تسلل المتطفلين على الخط السياسي ، واستغلاله أسوأ استغلال ، و تجيير مساوئ هذا الاستغلال لطهرية الخط السياسي الحاكم ، الذي سيجد نفسه مضطرا للدفاع عن تلك العناصر الانتهازية المتسللة للحكم ، في غياب معارضة نشطة ، تمارس النشاط بروح وطنية عالية ترفد بها خط الدولة الوطني .

3 ـ تفويت الفرصة على المعارضة الخائبة ، من خلال دفعها لقول ما عندها وجعل الجمهور يقرر كم هي خائبة . و عدم ترك المجال لها لتبرر خروجها من البلاد و تمثيل دور الشهيد ، مما يجعلها تشوش على الوطن بصورة أكبر خطرا.

4 ـ تضييق الخناق على حلقات الفساد ، من خلال جعل الوطن ساحة مفتوحة لكل الشرفاء ، يسهمون في مراقبة كل مفسد .. وهذا يسهل ، دفع أطهر و أنقى العناصر الوطنية للتمكن من احتلال أعلى مناصب الدولة عن جدارة .

5 ـ تعزيز فكرة التحصن الجماهيري لدى الحكم ، بدلا من جعله أسير لفكرة التوازنات و المصالح الدولية الكثيرة والمتربصة بكل بلادنا ..

6 ـ تفويت التدخلات الخارجية ، من خلال ترسيخ مفاهيم تناقل السلطة بين أبناء الشعب بطريقة لا يمكن التكلم حولها ..

ان تلك الأمور السابقة ، لا يمكن التدرج بها و تحقيقها ما لم يتم التحرر الوطني بشكل كامل .. ولكن لا يمكن إغفالها و تجاهلها الى أبعد الحدود .. بل ممكن أن يتم التحدث بها مع فصائل وطنية ، حتى أثناء التحرر أو ترسيخ التحرر ، فهي أدوات فعالة في تحقيق التحرر الوطني ، وترسيخه ، و المضي قدما في تحقيق الدولة القوية التي لا تهاب أي خطر ..

ابن حوران 07-10-2005 06:23 PM

الاستثناء داء يحطم كل قاعدة :



تحث كل نصوص السماء على العدل ، ويقول تعالى (يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون ) المائدة 8

كما أن نصوص كل الخطابات السياسية في الأرض ، يؤسس منذ بداية انطلاق الخطاب السياسي للحركة السياسية على فكرة العدل .. و ما أن يتم تسلم الحكم من قبل تلك الفئة ، الا وتظهر استثناءات هنا وهناك مما يلفت انتباه الجمهور وتظهر بؤر للتشويش على الحركة السياسية فتعيق من تقدمها ، وتفتح عليها جبهات لم تكن بالحسبان ..

لكن كيف تظهر الاستثناءات بمسار الحركة السياسية ، على افتراض نظافة ونزاهة الحركة محتكمين لأيديولوجيتها و منطلقاتها النظرية :

1 ـ بالرغم من نقاء الفكرة الوطنية و طهريتها ، فان أفراد الحركة السياسية الذين امتلكوا زمام تفوق ( الإرادة الراهنة ) صاحبة التغيير في الوضع السياسي ، قد ينقصهم الكثير من فنون الإحتراف السياسي الذي هو شرط أساسي من شروط ديمومة قوة الفئة السياسية صاحبة ( الإرادة الراهنة ) ، فستواجه فرسان التغيير من تلك الأنواع من المظاهر :
أ ـ ضعف في القدرة على تصنيف القادمين الجدد الذين أضيفوا الى نواة التغيير الأولى .. فيكون ذلك بؤرة جديدة لاحتمال ظهور المتاعب .
ب ـ تعدد العروض السياسية الدولية ، و صعوبة التعامل معها بكفاءة .. فتظهر أشكال من الاستعجال في اتخاذ القرارات ، و أحيانا أخرى إبطاء غير مرغوب فيه ..
ج ـ تنوع الواجبات الداخلية لإدارة الدولة ، والتي لم تكن الفئة السياسية قد تمرنت عليها بشكل كاف أثناء دعوتها الأولى . مما يضطرها للتعامل مع كوادر قديمة ، أو أن تعين كوادر غير قادرة على ضبط الأمور الا بالاستعانة بالكوادر القديمة ..

د ـ تنشط أجهزة نقل المعلومات حول أطقم الإدارة المنتشرة في عرض البلاد ، الى أعلى هيئة ، فتتخذ على ضوء تلك المعلومات إجراءات قد لا تكون منصفة . وتكون المعلومات المنقولة مخلوطة في رغبات إقصاء لمن كتبت بحقهم التقارير من أجل التفرد بمواقع من قبل ناقلي تلك المعلومات من الجيل الذي أضيف للنواة الأولى في التغيير ..

2 ـ لازدحام المهام و عدم كفاية وقدرة الكوادر في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية ، مع احتمال تسلل قوى معادية بنسيج هؤلاء الكوادر ، واحتراف القوى المتسللة للتماهي مع هالات قوة ( الإرادة الراهنة ) فان مظاهر ستبرز على هامش هذه الوضعية منها :

أ ـ إحالة الكثير من القضايا من مستوى الى المستوى الأعلى حتى يحس المستوى الأعلى بثقل تلك القضايا ، فإما أن يستعجل باتخاذ قرارات إزاءها .. أو يمنح المستويات الأدنى صلاحيات لاتخاذ قرارات تخفف العبء عنه .

ب ـ بالحالتين ، ستظهر مجموعات من الشخوص ، في كل قطاع من قطاعات الادارة و السياسة والاقتصاد .. تكون أشبه بالإقطاعيات منها بدولة المؤسسات والقانون ..

3 ـ لتسهيل حركة سير الأمور و ضبطها ، يتخذ أعلى مستوى ، قرارات أو تعليمات أو قوانين ، ليسير على هديها كل الكوادر في كل المستويات ..

4 ـ لتصلب و ضع الشخوص وازدياد أهميتهم شيئا فشيئا ، فان أجهزة القضاء ومعظم العاملين ، سينظرون الى هؤلاء الشخوص على أنهم خارج نطاق تلك التعليمات و القرارات و القوانين ..

5 ـ تتهافت المستويات الدنيا من كوادر الدولة الى الارتباط بالشخوص أصحاب الحظوة تلك .. عسى ان تتشفع لهم عند أعلى مستوى فيما لو تعرضت الى إشكال يمس عدم انضباطهم بالتعليمات و القرارات و القوانين ..

6 ـ عندما تزداد إيقاعات مشاكل الدولة الأمنية و السياسية .. لن توضع المشاكل الناجمة عن عدم ضبط أداء المستويات الوسطى و إقطاعياتها ، على سلم أولويات أعلى مستويات الحكم .. فتستشري ظواهر فساد ، ما كانت ستظهر لولا السيرورة التي جاءت بها تلك المستويات ..

7 ـ تجير كل مفاسد تلك المستويات أو الإقطاعيات ، على رأس الحكم ، ويصبح يفكر بإصلاح ما هو فاسد .. فتكون القسوة ، في كثير من المرات هي الحل .

8 ـ يهرب الملاحقون من الفاسدين ممن انتبه اليهم رأس الحكم ، ويصبحوا رصيدا إضافيا لمشاكل الدولة ..

ان كل هذا لم يكن ليحدث ، لو لم تستثنى شخصيات من العدالة .. والعدالة هنا لم يكن لتوجد ما لم يوجد الفهم الكامل لعلاقات الانتاج في المجتمع ، وصلة تلك البؤر الاقتصادية و الاجتماعية مع بعضها و مع الدولة نفسها ..

ان هذه الصيغة من دورة استلام الحكم وفقدانه ، مرت بها معظم أو كل الدول العربية ، لأن الخطاب السياسي الذي كان قوامه وجدانيا ، انشائيا ، لا يعدو كونه خطابا لإثارة الهمم الطيبة ، لكنه لم يرتق الى الفهم السياسي ، لأن المعارضة أصلا لم تكن تقسم الأدوار فيما بينها لمراقبة الدولة التي تنشد تغيير النظام السياسي فيها ..

فلو طلب من المعلم المعارض في الفصيل السياسي الذي ينشد تغيير الحكم ، بمراقبة ما يجري في وزارة التربية ، وطلب من الطبيب الذي ينتسب الى الفئة السياسية التي تنشد التغيير أن يراقب وزارة الصحة .. وهكذا .. فان الفئة السياسية تصبح قادرة على تشكيل حكومة ظل ، قبل استلامها الحكم ، ولتمكنت أيضا من صياغة خطابها السياسي بما يناغي آلام و آمال الجماهير .. وعندها سيزداد الالتفاف الجماهيري حولها ، و لأصبحت أقدر في التغيير الشامل ، والحفاظ على ما بعد التغيير ..

لكن دأبت معظم الحركات السياسية العربية ، على توزيع المهام بين كوادرها النشطة ، تضع المعلم مسؤولا عن الأطباء ، والطبيب عن العمال .. ويقتصر نشاطها الجماهيري على مظاهرة اذا ضربت بيروت أو بغداد أو الخرطوم .. فيكون نشاطها باستمرار ، كردة فعل باهتة ، لا يصنع فعلا .. ومن هنا عزفت الجماهير العربية عن الالتفاف حول تلك الفئات التي لم يعد منها الا أسماء !!

ابن حوران 10-10-2005 04:51 PM

ملامح العشائرية لا زالت ترفرف في سماءنا :


1


كان العرب قبل الاسلام يعتمدون نظام العشيرة لأغراض متعددة ، فكان شيخ العشيرة يقوم بأدوار متعددة ، فهو مسؤول الأمن وهو مسؤول الاقتصاد وهو مسؤول القضاء ، وهو مسؤول الثقافة وهو مسؤول التخطيط .. وبقدر ما كانت تلك الأدوار تتم على أحسن صورة ، بقدر ما كان الاسم يتغير ، فيرتقي أحيانا الى زعيم و أحيانا الى أمير وأحيانا الى سلطان وملك ..

كانت المسألة الأمنية باستمرار تأخذ مكانة متقدمة في تفكير الزعيم القبلي ، وهي بالتأكيد ترتبط باقتصاد القبيلة ، الذي يرتبط بالحياة الرعوية ، فاعتداءات المعتدين كانت لطرد أفراد قبيلة من مرعى خصب ، أو إبعادهم عن مصدر ماء وأحيانا يسلبون مواشي القبيلة التي تتعرض للغزو ..

كان شح الماء هو السر وراء تنقل العرب حتى وصلوا الى نهر السنغال في غرب أفريقيا .. وكان شح الماء وراء تشرذم القبائل .. فلا توجد في جزيرة العرب مصادر مياه تتجمع عليها حواضر ذات سكان كثر ، بل كان ذلك في بعض مناطق بلاد الشام ، والعراق .. ولما كانت الهجرات بسبب الماء ، فلم يتجمع المهاجرون بشكل موجات تنفي ما قبلها ، بل تتعايش معها على حذر ..

من هنا فان القبائل التي كانت تستطيع الدفاع عن نفسها دون مساعدة غيرها من القبائل كانت ثلاثة : عبس و ذبيان و ضمرة .. وكان يطلق على القبيلة التي تستطيع تأمين أربعمائة مقاتل للدفاع عن نفسها ، اسم (جمرة) .. ولم يذكر عند عرب الحجاز سوى الثلاث جمرات السابقة ..

وعندما كان يحدث أن تتعرض منطقة لغزو قبائل ، في سنين القحط ، فان أحلافا تتأسس من عدة قبائل ، وتتخذ لنفسها (طوطما ) من قماش أو خشب ، يكون هو ( صايتها ) فطوطم الثور ، تكون القبائل المتحالفة تحته ، تسمى بني ثور ، وطوطم الأسد بني أسد و الثعلب ، و اسماء الطواطم دائما تأخذ أسماء حيوانات ..
2

في العصر الحديث حلت الدولة محل العشيرة و شيخها ، فهي التي تؤمن الحماية وهي التي تستورد وتنتج مؤن المواطنين ، وهي التي تعطيهم المعلومات من خلال مناهج تربية وتعليم مركزية ، وهي التي تعين القضاة ليفصلوا بين الناس عندما يختصمون ..

لكن تظهر ملامح العشائرية في كثير من النواحي :
1 ـ استخدام النسيج العشائري ، للتفضيل الانتخابي ، وهما أمران لا يستقيمان. فالتفاضل في مرحلة الترشيح سيكون متأثرا بقرب المرشح أو بعده عن من سيقرر من سيكون المرشح ، وفي الاقتراع سيكون أبناء العشائر في كثير من البلاد العربية ، متأثرين ومحكومين بعلاقة القربى بين الناخب والمرشح .

2 ـ التستر على هفوات أبناء الأقارب ..داخل أجهزة حكومات كثير من البلدان العربية ..

3 ـ ترقية أبناء قبيلة دون غيرهم ، لضمان كسب ولاء تلك القبيلة .. وهناك بعض الدول العربية من تفصل وزارات و دوائر على ضوء أبناء العشائر .. فترى مثلا يقال أننا لم نأخذ الاعتبار في تشكيل الوزارة العشيرة الفلانية ، فليعطوا وزارة الزراعة ، ولم نرضي العشيرة الفلانية ، فلنعطيهم الملحق التجاري في الدانمارك و محافظ كذا ..
باختصار توضع الدائرة المناسبة للعشيرة المناسبة ، وليس ينتدب للوزارة أو الدائرة الفلانية من يحل مشاكلها من رجال !!

4 ـ يتستر رجال الفكر والسياسة على اعتمادهم المستتر على قبائلهم وعشائرهم ، ففي حين يكون حديثهم للصحف والإعلام و في المجالس ينادي بحياة راقية متقدمة تسودها قيم الدين والعدل والخلق .. يكونون مدركين تماما أن الالتصاق بالقبيلة أو العشيرة هو السند الأكثر ثباتا ..

وبالرغم أن بعض الدول العربية ، قد تدربت على تغيير هذه الرؤية من سلوكها كمصر مثلا ، وهذا ما يفسر اصرار الثعالبي في كتاباته على استخدام تعبير مصر و الأمة العربية ، مصر والبلاد العربية .. فقد يكون محمد علي باشا ومن قبله المماليك لفترات طويلة لم يعتمدوا أساس العشيرة للولاء للدولة ، مما نقل المصريين نحو التمدن بالحياة السياسية قبل غيرهم من أخوتهم العرب .

لقد كان لقصر فترات الحكم الحديثة نوعا في معظم البلدان العربية ، هو ما جعل حكام البلاد العربية يلجئون للتمركز في قلب الحماية العشائرية و اللعب على مناغاتها . وان كان هناك مبرر لذلك ممكن أن يعطى لهؤلاء الحكام ، فهو مبرر الهواجس الأمنية لدى الفئات الحاكمة في البلاد العربية ، والتي تتوجس خيفة من كل من حولها ، فتضطر الى الانكفاء وراء معادلات عشائرية لضمان أمن الحكم .. ويترك أهم المراكز الأمنية و أكثرها حساسية ، ليتولاه أكثر الناس قربا و ثقة من رأس الحكم ..

ان ضمان الأمن البديل عن ذلك الأسلوب الذي لا يخلو من إثارة الضغائن والحسد و تنمية روح التآمر والانقضاض على الحكم اذا ما واتت الفرص لذلك . ان الأسلوب الأمثل هو ترسيخ وسائل تناقل السلطة بطرق أكثر وضوحا وعدلا ، ولما كانت الظروف الداخلية والخارجية ، لا تسمح بنمو الأجواء التي يتم فيها ترسيخ تلك الوسائل ، فستبقى العشائرية ترفرف في سماء أمتنا وتبقى المخاطر والمثالب تأتي كنتائج طبيعية لها ..

ابن حوران 14-10-2005 06:32 PM

أي شكل للحكم ممكن أن يعبر بالعرب الى واقع أفضل ؟


( 1 )



العربي بحكم تاريخه القديم و لغته و بيئته ذات الطابع الصحراوي ، الباعثة للتأمل و الفقيرة ، له ضمير متوجس يخشى المشاركة في الاقتصاد والسياسة ، ويكره الانضباط و يتوق للحرية ، فهو ميال لترك المكان الذي يتوجس منه ما يبعث على قلقه ويحد من حريته ..

ولم تكن ممالك العرب القديمة الا أشكالا أميبية تتغير بالمساحة والشكل والتكوين السكاني ، من ممالك جنوب الجزيرة العربية ، حتى ممالك بادية الشام ، وان كانت إنجازات حضارات مصر والعراق القديمتين قد غطت على تلك الخصلة وجعلتهما كاستثناء ، فان من يغوص بالتاريخ أكثر فانه سيجد ما نرمي اليه من عدم ثبات الشكل العام في حدود الدولة .

ولما جاء الاسلام أوجد وازعا دينيا قويا لربط محور النظرة العام لإدارة المجتمع بالالتزام بشرع الله .. ولكن بقي ذلك الوازع يواجه ذبذبات تبتعد بعض الشيء عن المحور الجديد ، ليطفو مكانها عنعنة عشائرية هنا وهناك ، أو عرقية .. وكانت تخفت عندما يعلو صوت المعتدين .. حتى آلت الأوضاع لما وصلت اليه في نهاية حكم المتوكل ..

أما في العصر الحديث ، فقد أضيف لحالة التموج في معرفة فقه السلطة وطرائق إدارتها ، عوامل جديدة ، وهذه العوامل تتمثل بما يلي :

1 ـ ظهور النفط في المنطقة .. وما تبعه من تركيز عالمي استراتيجي على تلك المنطقة مما جعل القائمين على تثبيت أركان الحكم أو حتى إنشاؤه لا يستطيعون إسقاط هذا العامل من حساباتهم ..

2 ـ تشكلت الدول القومية في أوروبا ، على هامش استقلالها من الإمبراطورية العثمانية كما في حالة هنغاريا و بلغاريا و غيرها من الدول التي كانت تحت الحكم العثماني ، أو بعد نضال وحدوي كما حدث في ألمانيا وفرنسا .. حيث امتزج الفكر القومي مع الفكر الذي يتعلق بعلاقات الانتاج ، على هامش الثورة الصناعية ..

في حين خرج الشعب العربي من احتلال عثماني ، وان كان الكثير من النخب الفكرية في مطلع القرن العشرين ، يترحمون على أيامه . خرج العرب منهكين من الضعف والجهل والفقر .. فقد كانوا على جفاء مع خبرات الحكم منذ ما يقرب من ألف عام .. ليجدوا أنفسهم في أحضان استعمار جديد قوي ، ثبت في وطنهم التجزئة ، كما ثبت نخب ترتبط به ثقافيا ومصلحيا ، لا زالت مصانعها تنتج نتاج يعلن الولاء لتلك الدول لحد الآن .

3 ـ كان على النخب المتطلعة للخلاص أن تواجه كل تلك العوامل مجتمعة وفي آن واحد وبإمكانيات غير كافية لإنجاز انتصارات حاسمة . والمهام التي كان على تلك القوى أخذها بعين الاعتبار هي :
أ ـ تعبئة جماهيرية عامة ، لرفع مستوى الاستعداد لدى الشعب العربي لمواجهة كل الأعداء .. وبنفس الوقت يكونوا حالة من الجهوزية لاستلام الحكم . وقد كان يعيق تلك القوى في مطلبها هذا ، انتباه الأجنبي لهذا الحراك الذي لم يكتمل لحد الآن .. وتقوم الدول ( المستقلة اسما) بتنفيذ رؤى الأجنبي

ب ـ التطلع الى عقد تحالفات مع قوى عالمية ، للمساعدة في إنجاز مهام التغيير المحلي ، لكن مع إبقاء جوانب ناقصة في صيغ التحالف مما أو جد حالة من بقاء اليد العليا لتلك القوى الأجنبية مستمرة ، وبنفس الوقت يفتح لها ثغرات في جبهات التغيير القادمة ، يمكنها من مسك خيوط اللعبة السياسية بعد التغيير أو جزءا منها على الأقل للتكيف مستقبلا مع أي تطورات قد لا تكون من صالح تلك القوى الغربية ..

4 ـ عدم حسم النظم المعرفية التي تؤسس لفقه الدولة ما بعد التحرر ، ففي حين تتبنى بعض القوى شعارات قومية ، تفتح معها حالات استعداء أيديولوجية مع تيارات دينية و تيارات إثنية قومية ، وتيارات ليبرالية قطرية ، وتيارات ذات منشأ ماركسي .. أو اختيار أي من النظم المعرفية التي تخدم مصلحة فقه من الأنواع الأخرى .. مما يبقي الجدل أزليا في تفريخ خلافات على هامش النظم المعرفية تلك ..

5 ـ لغياب الاحتراف السياسي المعد مسبقا في إدارة الدولة .. تبقى الشعارات التي طرحت في الخطاب السياسي ، مجرد شعارات ، لا ترتقي لأي برنامج إجرائي .. وقد رأينا في أواسط الستينات ، حكومات عربية في ست دول ، تشابهت الطروحات القومية فيها ( الجزائر ، مصر ، العراق ، سوريا ، السودان ، اليمن ) .. وهي دول تشكل 80% من مجموع سكان الوطن العربي ..

وبالرغم من مناداتها بالقومية كأرضية فقهية للتشريع الإداري لدولها ، فانها لم تستطع الارتقاء بالحالة الوحدوية قيد أنملة ، ولم تستطع تطوير الاتفاقات الاقتصادية التي كانت تتم على هامش نشاط جامعة الدول .. كالسوق العربية المشتركة ، و اتفاقات المشاريع الاقتصادية التي كتب عنها ملايين الصفحات .

لا بل تراجعت تلك الدول الى الانكفاء القطري ، و أخذت تتلاسن فيما بينها ، فقد كانت معظم الخلافات العربية تتم بين تلك الدول ، لا بين غيرها من الدول التي لم تنادي بالقومية أو تنشد الوحدة بخطابها السياسي ..

لم تستطع تلك الدول استغلال حالة تضميد جراح الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية ، وبقيت في حالة شد فيما بينها بالإضافة الى الانتباه الى داخلها للوقوف من جديد . فلو انتبهت تلك الدول العربية التي كانت تنادي بالقومية لطورت حالتها التضامنية التعاونية التي تهيئ للنهوض بالتوجه نحو الوحدة . هذا بالاضافة لحالة التوازن الدولية التي كان يعبر عنها من خلال الحرب الباردة.

لذا فان حركة التغيير التي يحتاجها الوطن العربي اليوم ، سيكون أمامها مهاما إضافية ، فهي بالاضافة لما ذكرنا أولا ، سيكون عليها وضع كل التغيرات العالمية بالحسبان . وهذا يتطلب إعادة صياغة الخطاب السياسي بما يبقي على طابعه الوجداني القديم ، مع إضافة فنون التحول التنظيمي والسياسي المرافق له، كما سيحتاج الى كوادر تستطيع فهم تلك الصياغات الجديدة ، ونقلها للجماهير من أجل تعبئتها و رصفها رصفا يتلاءم مع حجم تلك التغيرات ..

ابن حوران 17-10-2005 07:27 PM

( 2)

هل يستطيع العربي أن يتكيف مع تلك التغيرات العالمية ؟




اذا قلنا أن العربي لم يفطر على الانضباط .. فان تلك السمة لم تعد ملصقة به الى ما لا نهاية مع شخصيته العربية .. وان كانت صفة عدم الانضباط تعود له فانها ستعود اذا تهيأت لها ظروف مناسبة ..

لكن نرى أن ابن الريف أو البادية ، الذي ينتقل الى المدينة ، فان كان لا يلتزم في مكانه الأصلي بالاصطفاف بطابور ليأخذ حاجته أو يسير بمعاملته ، لأنه يعتقد أنه من وجهاء تلك المنطقة أو من أبناءها الذين يجب أن يكون له حظوة معينة في التمييز عن غيره ! . فانه بالمدينة سرعان ما يلتزم بما يسري على غيره .. واذا خرج الى خارج وطنه ، فانه سرعان ما يقوم بما يقوم به أهل البلاد التي انتقل اليها ..

يبقى هنا على قيادات قوى التغيير أن تنظر الى المواطن الذي ، تكتب خطابها من أجله ـ أو هكذا تدعي ـ ، نظرة كشريك وإن كان في موقع أدنى من حيث الدور الذي يقوم به .. ولا تستصغر من شأن أي مجموعة أو شأن أي مواطن حتى ..

ففي البناء العام ، يكون أي إغفال لأي جزء من أجزاء البناء ، سواء كان تحت الأرض ، في مراحل التأسيس ، أو في مرحلة الصبغ و الدهان ، يجب أن يكون من مواصفات جيدة و يرتبط بما حوله بمواد أو عوامل ربط تتفق مع خواصه ..

فان كانت الجماهير بمثابة قاعدة لبناء الدولة ، يجب أن تكون واقفة على أرض ثابتة ، ومسلحة تسليحا جيدا و آخذة حاجتها من الإسمنت و تروى بعد كل إضافة فوقها ليضمن عدم تشققها .. وكما يحسب المهندس موضوع الأثقال و قطر كل عمود عندما يتطلع لبناء من عدة طبقات .. فعلى السياسيين أن يحسبوا قدرة تحمل جماهيرهم للأهداف التي وضعوها بخططهم .

وكما أن تداخل أطراف قضبان الحديد مهم جدا في ربط كل وحدة بالبناء ، فان ربط رأس الحكم و الحلقات الأدنى منه و الأدنى منها ، يجب أن يكون محكما ومنسجما مع طبيعة كل مادة ..

فان كان في حصى القاعدة بعض التراب الذي أدخل من باب الغش للتوفير ، والربح فان هذا التراب سيكون عامل تشقق للقاعدة التي تحمل البناء .. وان كانت بعض بلاطات الأرضية مغشوشة فان الماء سيخترق الأرضية و يتصدع البناء .. وهذا ينسحب على أعمدة البناء و تنفيذ السقوف ، و من بعده تأتي المستلزمات الأخرى كإسالة المياه و الإضاءة و الدهان و قبل كل ذلك طراز البناء و شكله و إضافات الجماليات عليه ..

ونحن إذ ننشد الأصالة ، فلن نستورد شعبا أو طرازا لهذا الشعب ، بل إن المهندس المقتصد هو من يوظف المواد الخام المتوفرة حوله ، توظيفا يتلاءم مع خصائصها .. لا أن يضعها بأوامر لا تتناسب مع إمكانياتها ، فرجل الدين له دوره و الطيار له دوره و المعلم له دوره .. وان أهملنا أي شريحة ، فان دورها يصبح كالأنقاض ( الردم) .. سيشوه البناء .. و لن يكون يوما أي مواطن بلا دور ، فمن يترك مواطنيه بلا دور ، عليه أن يكف عن دور المهندس السياسي في المجتمع ، رحمة بالمجتمع ..

ابن حوران 18-10-2005 08:11 PM

هل العربي يتحين الفرص للانقضاض على دولته ؟



الدولة في ذهن العربي تمثل طرفا آخرا في الغالب ، و نادرا ما تكون ما تمثل الإرادة الكلية للشعب .. وهذا يرجع لمفهوم الدولة عندنا كعرب ، والذي يكون باستمرار مشوبا بضبابية و عدم وضوح و اهتزاز في أكثر من منحى أو معنى :

لغويا : الدولة لفظ آت من الجذر(دال) ، وتداول ، ودواليك ، و (تلك الأيام نداولها بين الناس ) وكلها دلائل تفهم من يستمع لها بعدم الثبات ، بعكس تلك التي في ألفاظ غير عربية فمثلا تعني كلمة STATE المأخوذة من STATUS تعني الجبل ، أو الصخرة الصلبة ..

جغرافيا : ليس هناك ذاكرة ثابتة عند العرب ، ولا اتفاق على حدود الدولة القوية التي ينشدونها ، ففي حين نعتبر امرؤ القيس و النابغة الذبياني و جميل صدقي الزهاوي ، و أحمد شوقي وأبو القاسم الشابي ، وسليمان العيسى ، أبطال مسرحية من فصل واحد ومكان واحد ، هو مكان التراث و الحضارة الموحدة للأمة ..

نجد هناك مساحات لاعتبار الكويت و قطر والأردن ، كل منها أمة ، فيسمى مجلس النواب و الأعيان عندهم ب ( مجلس الأمة ) .. أي أمة ؟ هل هي الأمة التي تتطابق مع الأمة التي في الذاكرة الحضارية و التراثية ، أم الأمة التي تتقاطع معها ، وتعتبر من يطالب بمجد الأمة التراثية و الحضارية ، ارهابيا و متدخلا في شؤون الأمة ( القزمة ) في الواقع السياسي الراهن ؟

كما سنجد أناسا لا يرغبون في استخدام مصطلح الأمة العربية ، بل يتوقون لمصطلح الأمة الاسلامية ، بما فيه من تعقيدات كثيرة ..

اجتماعيا : يكاد كل أبناء الوطن العربي ، يتفقون على مسألة واحدة ، وهي بالطبع تصب باتجاه عدم الارتياح الذي يكنه المواطنون للدولة .. وهي اقترانها بأسماء أسر .. فالفراعنة و الكنعانيون و السومريون .. والأمويون و العباسيون وحتى تصل الى السعوديين وغيرهم ..

فيقف المواطن حائرا ، يبحث عن علاقته و مصلحته القوية في الدفاع عن تلك الأسر ، وغالبا لم ولن يجدها .. فاذا لم تحكم الدولة ( الأسرة) قبضتها على جموع المواطنين ، فانهم بمجرد أن يكون هناك فرصة للإنقضاض على الدولة ونهبها ، فانهم لا يتوانون ..

ان تفسير التهرب من الضرائب ، والبحث المستمر عن الواسطة التي تعفي أحد المواطنين من واجباته نحو الدولة ، كالإعفاء من الجمرك أو قبول أحد الطلبة ذوي المعدلات المتدنية في الجامعة بدلا من طالب متفوق ، أو أكثر أحقية ضمن لوائح القبول الموضوعة ، و غيره من مئات بل آلاف الأمثلة ، كلها تصب في مسألة أن الدولة ليس لها وظيفة تاريخية أو حتى ضرورة تاريخية واضحة المعالم ، ليس لدى المواطنين فحسب ، بل حتى لدى القائمين عليها ..

لقد لفت انتباهي في أحد الأقطار العربية ، حيث توضع على الطرق رادارات لمحاسبة من يتجاوز السرعة ، حيث تقف (دورية شرطة ) وتخالفه .. ففي الغالب يقوم المواطنون بتحذير بعضهم البعض بواسطة الأضوية العالية ، فالقادم من جهة الدورية يحذر من يقابله من السواق لكي يخفف السرعة ، حتى لا يقع في المخالفة .. وهذا ربما يكون طبيعيا ، لتحالف أبناء البلد ـ دون أن يعرفوا بعض أثناء التحذير ـ ضد الدولة ..

لكن الذي أثار استغرابي ، أن من كان يحذر المركبة التي كنت فيها ، هو ضابط شرطة لم يزل في ملابسه الرسمية ، ولكن دوامه قد انتهى ..

ان هذه الأجواء المفعمة بكره فكرة الدولة ، تجعل المواطن في القرن الحادي والعشرين ، هو نفسه المواطن في القرن الثالث الميلادي ، فعندما أيقن الأعراب الذين كانوا مع ( زنوبيا ) ملكة (تدمر) أنها فشلت في حصارها لروما ، وأنها لا بد من أن تخسر الحرب .. قاموا بسرقة الجيش الذي كانوا فيه ينضوون ..

ابن حوران 20-10-2005 02:38 PM

العربي بين مفهومي النخوة و تلقي الأوامر ..




اذا صاحت امرأة بالحي مستصرخة من فيه من حيف حل بها أو اقترب أن يحل ، فان من في الحي ممن سمعها سيهرعون لنجدتها دون أي منظم لهم . فالعرض و الأرض مقترنات ببعضهما عند العربي ، ويرتبطان بمسئوليته تجاههما . في حين يهرب من خدمة العلم أو التجنيد الإجباري الكثير ، لا لأنه جبان ، بل لأن ذلك يقترن بأوامر .. وهنا يبرز الواجب بدل المسئولية !

عندما يكون لدى أحدنا ولد في مقتبل العمر ، و نود تكليفه بمهمة بسيطة كأن يشتري بعض الخضار للبيت من أجل عمل طعام للأسرة .. فان كان هذا الولد سيلقى عليه مجموعة من التعليمات ، كوجوب أن يلبس في رجليه و ينتبه من السيارات في الشارع ، وأن يبلغ تحيات الوالد لبائع الخضار ، ويعد النقود التي يعطيها للبائع وينتقي الخضار الجيدة الخ من قائمة طويلة من التعليمات ، فان ذلك يوحي باحتمالين إما تدني مستوى الوالد العقلي أو تدني مستوى الولد .. فيكفي أن يعطي الوالد بالحالات الطبيعية لولده إشارة بالطلب لإحضار بعض الخضار !

ان تعدد القوانين و تعدد الجهات المصدرة للقوانين والتعليمات ، في الدولة وتداخل عدة قوانين في قضية واحدة .. فترى مثلا قانون نقابة المهندسين يسمح بمسألة ما ، في حين لا تسمح بها قوانين البلديات . ان تلك الحالة تجعل المواطن أمام خيارات عدة ، بين البحث عمن يرشده لفهم قانون ما ، أو البحث عمن يرشده على التحايل على قانون ما .

يكون أحدنا ابن أسرة كبيرة أو عشيرة كبيرة أو ابن قطر كبير أو ابن أمة كبيرة .. وعندما يقع في محنة ما يحس أن كبر الهالات التي كانت حوله أو ينتمي لها لم تسعفه كثيرا .. لا بل سيجد نفسه وحيدا في كثير من الأحيان .. ان وجوده وحيدا ، يحتاج الى وقفة ..

فلا يعقل أن تجتمع عشيرة بكل رجالها في لحظة معينة لتنصر أحد أفرادها في شجار لم تأخذ العشيرة علم بأسبابه و توقيتاته .. كما أن هذا الشجار قد يكون المخطئ به هو ابن العشيرة ، فتخبو دوافع الوقوف الى جانبه .. وان حدث ووقفت العشيرة بجانب ابنها مرة ، فلن تقف معه على الدوام ، هذا بحالات عدم إخبار العشيرة باحتمالات حدوث مثل ذلك الشجار ..

أو قد يتعرض تاجر لإفلاس ، ولن يجد من يقف الى جانبه لكي يعيد وقوفه من جديد على قدميه لاستعادة عافيته التجارية ..

كنا نحس بألم شديد عندما ينتصر الكيان الصهيوني بغربته و أعداد أفراده الضئيلين في منطقتنا العربية ، ونحن أصحاب الأرض و التراث و الحضارات وقبل كل شيء أصحاب الحق ..ونتساءل بحسرة شديدة لماذا حدث و يحدث ذلك ونحن الأكثر ..

ان أي فئة قليلة منظمة ومؤمنة بسيرورتها نحو أهدافها ، ستتغلب على الفئة الأكبر غير المنظمة ، وغير المدربة على الإيمان بقضاياها ، وهذه مسلمة لا تحتاج الى حديث كثير ..فخمسة أشخاص ينوون الشر لقرية مكونة من ألف نسمة ، سيحققون هدفهم ، طالما أنهم هم في حالة توثب و تنظيم والقرية عبارة عن شخص غير مبال وغير مستعد مضروب بألف !

هذا في حالة الشرور .. أما في حالة الخير و الحق فان الخمسة يستطيعون التغلب على آلاف مؤلفة .. اذا استطاعوا ان يسوقوا خططهم و برامجهم لجموع المواطنين الغافلة ، فانهم بكل تأكيد سيكسبون و سيحققون انتصارات هامة قصرت المدة أم طالت و لا أظنها ستطول ..

فالرهان على المقاومة العراقية البطلة ينبع من هذا الأساس في الفهم .. وان شئنا التأسيس لحالة عربية أوسع ، فالطرق مفتوحة على سعتها .. لا نحتاج الا قليلا من خفض الجناح و الصبر في نقل وعي من يعي لمن لا يعي ، مع الاهتمام بإبراز رغبتنا بالحاجة لمن نخاطب لا أن نسفه دوره الساكن ، متخذين من سكونه الآني صفة دائمة ملتصقة به و بمن حوله ..

علينا التذكر أن في كل شيء حولنا أو في إمكاننا الوصول اليه فائدة ما ، فكما قد نجد ببقايا بيدر القمح الذي نأكله ، تبن لحيواناتنا ووقودا لأفراننا ، لا نستصغر من رأي في صالح قضايانا يأتي من معارض في دول أعداءنا .. فهذا سيفتح ثغرات بجبهة أعداءنا .. وهذه ليست استلهاما لأساليب أعداءنا في حربهم علينا فحسب ، بل هي سنة الصراع على مر التاريخ ..

لكن قبل أن نقوم بالتفكير باستغلال جهود من هم معنا من شعوب أعداءنا ، علينا أن نتدرب لنمتن علاقاتنا بمن هم من جنسنا و ديننا و أمتنا و أقطارنا .. وعندما ننجز رص جبهتنا الداخلية ، لا نعود في حاجة لمزيد من التعليمات لتلمس طريقنا .. فنحن أبناء أمة نجيبة تكره الإطالة في التعليمات و تكره الضيم وتحب النخوة وتهب من أجل رفعة شأن الأمة ودينها ..

ابن حوران 21-10-2005 06:36 PM

ان من يرث شيئا مأمونا يحبذ أن لا يكون له شريك فيه ؟



من يولد في بيت فقير ، ويموت والده ، عليه أن يشق طريق حياته بجد ومواظبة و كدح ، وقد يفلح و قد لا يفلح .. لكن من يولد في بيت غني موسر ، فانه يبقى طيلة حياته يحلم بحيازة ما سيترك أبوه ، فان توفت والدته بحياة أبيه فانه سيكون من كبار المعارضين لزواج أبيه ، لما قد يخلق له هذا الزواج من شركاء في التركة لم يحسب حسابهم أثناء أحلامه ..

ومنهم من يمضي ما تبقى من عمر أبيه ، في التآمر على نيل أكبر قدر من التركة ، كأن يأخذ وكالة ، أو يعبئ صدر والده ليحرم أخوته الآخرين من التركة في حياة أبيه ، أو أن ينال نصيبا من والده في حياته كحظوة دون أخوته ..

وقد يكون الأب مستقيما مؤمنا ، لا ينشد سوى رضا الله ، و إحلال العدل بين أبنائه و بناته .. ولكن دهاء بعض أبناءه يجعله أحيانا يبتعد عن الصواب ، فتمتلئ صدور من يغبن في حياة الأب أو بعد غيابه ..

هذه أحوال الحكم في بلادنا العربية ، فمن يحيط برأس الحكم ، يستمرئ الأبهة التي يحظى بها ، فحتى يضفي عليها صفة الديمومة ، أو يضيف على حظوته مزيدا من الامتيازات ، فعليه أن يمنع بروز مزيد من الشركاء .. حتى لو كانوا على درجة من القدرة و الإبداع مما يصب في مصلحة الوطن .. فتلوح في صفحة أفكاره ، أن رأس الحكم قد يعجب بمثل هؤلاء المبدعين ، فيقربهم منه أكثر ، وقد يكون هذا التقريب على حساب من هم قريبون في الوقت الراهن .

ان الهالة المحيطة برأس الحكم ، قادرة على معرفة ما يسره و ما يغيضه ، فيختارون فهرسا كاملا بخصال قد يبدو شيئا منها ظاهر لرأس الحكم ، كالادعاء بالمعرفة أو المعرفة نفسها ، ويضيفون عليه ما يجعل هذه المعرفة مصدرا للإزعاج و الخطر في المستقبل .. ويعمد من في الهالة المحيطة بالحكم على إعطاء رأيهم على دفعات ، يكون توقيت إبلاغ رأس الحكم بها منوطا بمعرفتهم الدقيقة بإحداث الأثر الذي ينشدون من وراءه ..

ان الهالة التي تحيط برأس الحكم ، تعرف خصائص و أطماع مكونات الهالة عنصرا عنصرا ، فتتعايش مع بعض وتوحد جهدها لخدمة أهدافها كفئة متعايشة مع بعضها و مع رأس الحكم .. لذا فان الخارجين من دائرة نعيمها أو رضاها ستتعامل مع رأس الحكم و الهالة المحيطة به ككيان واحد أو مجموعة واحدة .

و إن كانت وحدة الهالة المحيطة برأس الحكم لها ما يبررها .. فان وحدة أعداءها رغم اختلاف دوافع العداء له ما يبرره ..وان كان عدم تعرض أعداء أي حكم لبعضهم البعض ، وظهورهم (في حالة التعايش) و كأنهم جبهة أو حشد متماسك ، فان هذا الحشد سرعان ما يختلف و ينفرط عقد تعايشه الآني ، بمجرد إحساسه ببعض الأمان .. وذلك عند اقتسام الغنائم و التركة !!

ان هذا الشكل من الحكم سيجبرنا على ربط ما بدأنا به الحديث ، بتشبيه الحكم بالخيمة التي عناها الشاعر
( البيت لا يبتنى الا وعماد له ... ولا عماد ان لم ترس أوتاد )
ان ديمومة أي حكم ، وانطلاقه نحو العظمة ، يكون مرهونا بدقة ربط كل أجزاء الحكم من رأس وهالة و هالات و أقاليم و محافظات و أقضية و نواح و قصبات وقرى ، و أحياء و أسر و أفراد .. مرورا بتنظيم القطاعات الفاعلة ، دعائيا وإداريا و مهنيا و ثقافيا و فنيا ..

وهذه الوحدات المتداخلة والمتشابكة والفاعلة لا ينظم سيرها دون اصطدام أو تضاد سوى منظومة فكرية تراعي الموروث النوعي للأمة و الفهم الواعي لكيفية تفجير إبداعات المجموعات و الأفراد وفق التطور الحضاري الذي يمكن للأمة القيام به بكفاءة قياسية ..

ابن حوران 24-10-2005 05:51 PM

المصلح السياسي .. و مفهوم البطولة المنتظرة ..



عندما يسود الكبت في مجتمع ما و زمان ما ، فان مكنونات المجتمع من أحاسيس ستجد طريقها للظهور بأشكال مختلفة .. تماما كما هي الحال اذا ترك أحد أنابيب معجون الأسنان مفتوحا لمدة فان فوهة الأنبوبة ستتصلب عليها المادة ، حتى لا تعود تخرج منها بيسر .. و اذا ما تعرضت الأنبوبة لضغط عليها فان محتوياتها ستخرج من خاصرتها أو من أي مكان عدا الفتحة الأساسية ..

لن يتوقع أحد مكان خروج الاحتقانات ، ولن تنسب الأقوال و الانتقادات الى أشخاص معينين .. وستغيب ظاهرة البطل الذي له اسم محدد ، وسيظهر أبطال بشكل أشباح ترى أثرهم و لكن لن تعرف أسماؤهم .. وقد يسرق أي شخص أو أي فئة عمل الأبطال المستترين ، وينسبه لنفسه ، أو قد تنسب جهة ثالثة البطولة الى جهة أخرى ، لتوظف هذا التنسيب لأغراضها . كل هذا يحدث طالما الأبطال الحقيقيون لا يفضلون الإعلان عن أنفسهم .. لغايات يدركونها تمام الإدراك و يعلمون وقت تبيان شخوصهم ..

في القديم ، خرج بعض الرواة بالحديث بلسان الحيوانات ، لكي يعبروا عما يسود من بؤس ومن ظلم ، لا يستطيعون قوله بالقلم العريض .. فأسهمت أعمالهم في ملئ الفضاء الذهني بما يجول بخاطر البؤساء من الشعب ، فكان عمل ( كليلة و دمنة ) إعلانا مواربا لمنطوق الصامتين من الشعب ..

و اليوم الطاغوت الأكبر بظلاله العالمية الثقيلة يحاول أن يخرس أي صوت يخرج هنا وهناك ، منذ بدايته .. فمن الطبيعي أن يتحول التذمر الى تأمل و تفكير و همس و من ثم الى صراخ صامت .. يتم التعبير عنه بمقالة بحديث في زاوية ، بعمل فني ، أو بأشكال تعبيرية مختلفة ستملأ الفضاء الذهني برأي عام لا يستطيع من يكرهه أن يتتبع مصادره ..


سيكتشف القاصي و الداني أن حالة الرضا المزعومة ، لم تعد كما تعبر عنها لا الدوائر الغربية و لا الدوائر الرسمية العربية ..

ان المصلح السياسي هو كالمصلح الاجتماعي ، أو هو مصلح اجتماعي أصلا ، لن تكون مناسبة ظهوره ، مناسبة استثنائية ، أو محض صدفة ، بل تكون نتيجة انشغال المجموع العام من الناس في التفكير بمسائل مشتركة ، دون إبلاغ بعضهم البعض عن هذا الانشغال .. فتكون مناسبة ظهور المصلح السياسي (البطل في هذه الحالة) .. هي مناسبة طبيعية .. ولكنه سبق الآخرين الى خط اكتشاف الممر المؤدي للخلاص قبل غيره ..

قد يكون المصلح فردا ، وقد يكون فردا من مجموع أفراد .. خاضوا تجربة جماعية عملاقة ، لكنهم لم يستطيعوا الوصول بها الى نهايتها ، لأن الظروف الموضوعية تغلبت على قدرتهم الناشئة في عينة من الوقت . وهذا لا يعني بالضرورة التسليم بخطأ السلوك .. بقدر ما هو اعتراف بعدم إحكام فنون اللعبة بما يتلاءم مع شراسة القوى الداخلة ضمن الظرف الموضوعي ..

في حالة أن يكون الفرد أو الفئة هم من النوع الذي خاض تجربة عملاقة ، وبدا لمن يراقب أو من الضعاف الذين اشتركوا بخوض التجربة تلك ، والذين خاضوها لا لتمثل عقيدة منهجها بسلوكهم المتصاعد .. بل من خلال التصرف كمن هم سائرين ضمن ( نزعة القطيع ) .. في تلك الحالة فان التعنيد أي استخراج جيل قد عركته التجارب المريرة و بقي على إيمانه ، سيكون من ضمن المكاسب الهائلة التي قد لا يطول الاعتراف بوضعها ..

في حين يرتكس من كان يراهن على التجربة كمراقب ، أو من الضعاف ، على أن لا أمل يرتجى بعد من المضي بما تم السير به .. وسيكونون بابتعادهم أو بالافصاح عن مكنونات دواخلهم ، قد قدموا خدمة جليلة للأمة .. حيث يكون من تبقى على عهد الإيمان الأولي قد ارتقى لمصاف الأبطال ..

ابن حوران 26-10-2005 07:11 AM

أبواب أمل مشرعة .. أمام أبناء أمتنا ...


لم تكن الأمة العربية في حال وجداني ، أفضل مما هي عليه الآن .. وقد يستغرب البعض من طرح كهذا في أيام كهذه .. ووجاهة استغرابه آتية من قبح ما يرى .. لكن ان أقبح صور المرأة الجميلة ، هي في لحظات ولادتها ، حيث ينفش شعرها و يسيل ريالها و يكثر صراخها .. لكن ما تضع من مولود ينسي من يرصد تلك الأعراض قبحها ، بل يجعل هذا القبح طقسا من طقوس الولادة لا بد منه ..

ما الذي يدعونا لتلمس أبواب الأمل تلك ؟


1 ـ لقد مر على الأمة العربية أكثر من ألف عام سلبت السلطة من أبناءها ، من خلال تسامحهم في إعطاء الأولوية الدينية على الأولوية القومية ، فمارس الحكم على العرب ، عروق مختلفة ممن اعتنقوا الاسلام .. ليس من الانصاف التعامل مع كل من حكمنا منهم بنفس الطريقة .. فمنهم قادة عظام أعطوا الدين بعده العالمي من خلال فرض هيبة الحضارة الاسلامية .. ومنهم من ذاد عن الأمة أخطار المغول والصليبيين ..

لقد تكدست فرص مزاولة الحكم عند أسر غير عربية ، وحرمت منها أبناء العرب بشكل لا مثيل له .. فتولد شعور عند أبناء الأمة ، كالشعور الذي يمر به من استعان بأحد لانقاذ أرضه من العدو ، فينقذها و يستغلها أسوأ استغلال ، حارما أصحابها الأصليين من خيرها .. بل وينقل خيرها الى مكان بعيد غير الذي استخرج منه .. ويستغله في بناء حواضرها و تعليم أبناءها .. في حين يبقى ابن الأرض المستغلة ينعم بحمى المستغل (بكسر الغين) و ينعم معه بالفقر والجهل والبؤس !

ان هذا التأرجح بالشعور تجاه تلك الحكومات التي حكمت العرب و هي من أصل غير عربي .. هو من أوجد التباين في النظرة الإيبستمولوجية للمستقبل .. فمن مناد بالعودة الى الدين كمخلص الى مناد بتقليد الغرب بليبراليته و ماركسيته ، الى مناد بتجميع العنصر العربي حيث وجد في الرقعة التي ألصق عروبته باسمها ..

ان كل هذا و ما جرى عليه من تجريب ، خلال قرن من الزمان ، و بعد مطالعة نتائج كل تجربة على أي خلفية ، و الوقوف عند إخفاقات ونجاحات كل نموذج .. اكتسب العربي خبرات لا أظن أن هناك في العالم من اكتسب مثلها من خبرات .. وهذه نقطة أمل أولى ..

2 ـ بعد أن دافع المدافعون عن فضل غير العرب على العرب ، في الدفاع عن ديارهم .. وبعد أن تأمل العرب بما هم فيه ، وهل حقا أن هؤلاء لهم كل هذا الفضل علينا ، لدرجة أننا نتسامح معهم لتذويب شخصيتنا ؟
لم يأت هؤلاء على العرب طائعين يعلنون اسلامهم ، بل بعد معارك تحرير ونشر الاسلام ، ولم يألو جهدا في مقارعة الفاتحين العرب ، وعندما تم إدخالهم في الاسلام ، كان العرب عنصر نقي في جيوش الفتوحات .

3 ـ ان اسهام غير العرب في نشر الدين أو في الفتوحات ، أو في العلوم ، هو آت من تهيئة أجواء و بيئة الإبداع لهؤلاء في كل المجالات ، عسكرية أو علمية ، يعني بضاعتنا ردت إلينا ..

مع ذلك بعد كل هذا وذاك خرجت أجيال ، لا يعييها التوفيق بين كل تلك الرؤى في تلمس طريق الخلاص .. فلم تعد المغالاة بالتطرف ، سواء كان العرقي ، أو الطائفي أو غيرها ، تقرب من الخلاص ..

ابن حوران 28-10-2005 07:28 AM

لا نحب اسمكم أيها العرب !


يتطير البعض من ذكر مصطلح الوطن العربي ، أو الهوية العربية ، متذرعا بأن في تلك البقعة عروق غيركم أيها العرب .. و تنطلي تلك الاعتراضات على التسمية ، حتى على بعض المثقفين العرب ، فيقولون : فعلا نحن نستفز هؤلاء بذكر العروبة و جعلها مقترنة باسم المكان ..

ماذا نسمي بلادنا ؟ أنسميها بلاد العرب و الكرد ونسرد كل مجموعة اثنية حتى يكون الاسم واقعي ؟ وفي كل الأشياء فان الشيء الأكثر هو من يحمل الاسم ، فكيس الحنطة الذي به حبات شعير أو حتى عدس ، حتى لا يفهم بأن الشعير أرخص من الحنطة .. فانه سيبقى كيس حنطة .. ولن يذكره أحد باسم كيس الحنطة الذي به حبات شعير وعدس وزيوان و بعض الحصى و اللؤلؤ !


ثم ألا يحق للعرب أن يحملوا اسم تلك المنطقة ، فبغض النظر على أنهم الأكثرية ، لكنهم الفاتحين لها و الصابغين لها بصبغة حضارية موحدة ، من دين و أدب و أحلام و آلام ..


ألم تأخذ أمريكا ك ( قارة ) اسمها من اسم ( أمريكو فسبوشي) .. وألم تأخذ كولمبيا اسمها من ( كولومبس) .. لم نسمع أحد يحتج على تلك المسألة ..

لقد حاول البعض بقصد خبيث أن يهمش مسألة القومية ، أو حتى يلغيها ، بحجة نتانة الدعوة لها . رغم أن القومية العربية لم تكن قومية شوفينية في أي عهد ، بل كانت منفتحة على كل القوميات وتفاعلت معها آخذة من غيرها و معطية لها .. رغم كل ذلك ، فان من يحرم ذكر القومية مستندا الى الآية الكريمة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات 13


نعم ان الأكرم عند الله هو الأتقى .. وأيضا موضوع التعارف ، يبلغ درجة هامة ، في كل شيء .. فنحن عندما نقول (عرب) ليس إعلانا بالحرب على العالم ، بل لنعرف غيرنا بأننا عرب .. فلا يعقل أن يحمل كل سكان العالم نفس الاسم ، حتى لو اعتنقوا كلهم دين الاسلام .. فلا بد من التعريف بالمنطقة واللغة والتاريخ ، حتى يسهل التعامل مع تلك العينة من أبناء الأرض .


ان المقاصد الخبيثة التي يطلقها البعض عن قصد ، ويرددها بعض العرب عن حسن نية .. ترتبط مع نشاط فكري آخر ، يسفه من ماضي العرب ، وقدرتهم على الإبداع .. فعندما يتكلم عن الطب يقول الرازي و أصله من كذا وابن سينا و أصله من كذا و الفارابي و الغزالي والبخاري .. ولا يحاول ذكر عربي في أي مجال ، ليوصل لك رسالة بالتالي ، بأن أهميتك كعربي ، جاء بها رفد هؤلاء غير العرب بالإبداعات !


لقد تناسى هؤلاء بأن من فجر إبداعات غير العرب ، هم العرب بحملهم للرسالة وإداراتهم العادلة . كما أن هذه الأمة الراهنة هي وريثة حضارات وادي النيل والعراق واليمن و شواطئ المتوسط و الأطلسي .. ولا يستطيع أحد بالكرة الأرضية أن يزعم أنه وريث تلك الحضارات العملاقة غير العرب ..
ان القضية أكثر عمقا من الاعتراض على الاسم ، بالقدر الذي هو اعتراض على اللغة التي تفسر القرآن .. ويعلم أصحاب تلك الدعوات أغراضهم جيدا .. فقد حاولوا ببداية القرن العشرين استبدال الحروف العربية بلاتينية أسوة بما حصل في تركيا .. ثم تبعوها بدعوات التحدث و الكتابة باللهجة المحلية ، ولكنهم فشلوا ، وستذهب كل محاولاتهم بالفشل ، لأن الله تعالى قد طمأننا بأنه الضامن لبقاء هويتنا .. اذ قال { انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون } الحجر 9 .


و قال تعالى أيضا { وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم } البقرة 143

وحتى نكون شهداء ، يعني سيكون حضورنا مستمرا الى يوم القيامة ، لنشهد على الناس ، فلن نندثر كأمة و لن يندثر دورنا في حمل الرسالة ، وتفسير ما قد يصعب على أبناء غير العرب تفسيره من القرآن ..

ابن حوران 29-10-2005 08:30 AM

أجيال متعددة تتعايش في حالة فريدة ..


من كان يعيش في عام 1955 م ومن كان يعيش في عام 955 م ، يكونان متشابهان في كثير من المسائل .. سواء كانت في طرق كسب الرزق أو تماسك الأسرة ، أو القاعدة الخلقية المؤثرة في السلوك أو إكتناه سلوك الآخرين ..

في عام 1955م لم يكن نسبة العاملين في غير قطاع الزراعة والرعي ، أكثر من 25% من أبناء الأمة العربية .. و يتوزع هؤلاء على قطاعات التجارة والخدمة في الجيش و قطاع التربية والتعليم و بشكل أقل في الصحة و النقل وقطاعات أخرى ..

أما اليوم فإن التوزيع قد انقلب ، حيث لا يعمل في قطاع الرعي والزراعة الا حوالي الربع من سكان الوطن العربي ، في حين تضخم أعداد العاملين في القطاعات الأخرى ، كما تم استحداث قطاعات عمل كثيرة و جديدة . وهذا أدى الى تغير هائل في موضوع التعامل مع الدولة و الصورة التي يريدها المواطن من الدولة أن تكون عليها ..

كما أن التوزيع الجغرافي للسكان قد تأثر تأثرا ملحوظا ، حيث انتقل قسم كبير من سكان البوادي والريف العرب ، الى حواضر من مدن كبرى الى مدن متوسطة ، وما تبع هذا الانتقال من صهر الكثير من النظرات تجاه كثير من المسائل ، ومن بينها مسألة النظر الى موضوع الدولة ..

و للوقوف على تأثير تلك التغيرات ، سنحاول إلقاء نظرة موجزة لثلاث أجيال متعايشة الآن مع بعضها ، تختلف في نظراتها التقييمية تجاه الكثير من المسائل التي تتناول موضوع الدولة ، لكنها تسهم في ضخ آراء تتزاحم في الفضاء الذهني العربي العام ..

أولا : جيل الأجداد المتبقي على قيد الحياة :

رغم أن هذا الجيل لا يتعدى نسبة 12% من سكان الوطن العربي ، الا أنه لا يزال يحظى بتأثير هام في الحياة العامة ، من حيث :
1 ـ أن معظم من هم في سدة الحكم أو من يعطي فقها للحكومات العربية هم من أبناء هذا الجيل .. بما يحملوه من خبرات تخص الحكم والحياة معا ، تنتمي لمخزون معرفي متأثرا بالمسار التاريخي السابق ..

2 ـ ان معظم ممتلكات الأمة من أموال و جذور أموال ، لا زالت بأيدي هذا الجيل الذي يديرها أو يحب أن تدار بمعرفته المتكونة من خبرات سابقة !

3 ـ ان السلطات الاجتماعية ، غير المصنفة على أنها مرتبطة مع الحكم ، لا تزال بأيدي أبناء هذا الجيل .. فالعشائر و أشباه منظمات المجتمع المدني من أحزاب و نقابات و غرف تجارة و جمعيات خيرية و غيرها .


ولما كانت ذخائر هذا الجيل (الأجداد) ، تتضاد بدرجة أو أخرى مع الأجيال التي بعدها من أبناء و أحفاد من حيث :

1 ـ أن جيل الأجداد الذي كان معزولا ثقافيا ، ولا يتلقى ثقافته ومعرفته الا من خلال القنوات التي تسمح سلطات الأب في حينه و سلطات الدولة . مما جعل المسطرة التي يقيس عليها الأمور التي تستوجب القياس ، تتسم بنمط تراثي .

2 ـ ان شكل النشاط الذي كان سائدا في أواسط القرن الماضي كان ينقسم الى خندقين لا ثالث لهما وهما الأول : خط الوطنيين والثاني : خط الأعداء .. وقد كان الخط الأول من السعة بمكان بحيث أنه يضم في جوانبه الديني والقومي واليساري .. ضد الاستعمار ومن كان يقف الى جانبه .. مما جعل طابع النشاط المعارض ، يأخذ صيغة جبهوية أو حشدية أو حركية ..

3 ـ لقد زاد حجم المسكوت عنه في صفوف قوى التحرر العربي ، وكان ذلك في سبيل الاستقلال و التحرر .. وما أن استقلت بعض الدول العربية ، حتى طفا المسكوت عنه الى السطح ، ليشكل بيئة خصبة لنمو أشكالا مختلفة من الصراعات على السلطة لا تزال تولد قلاقل من أقصى غرب الوطن العربي الى أقصى شرقه ..

4 ـ كانت نمطية الجهد الذي قامت به قوى المعارضة في كل أطيافه ، نمطية تتصف بالعموميات الوجدانية و إثارة الهمم الطيبة والتغني بأمجاد ، لم يستطيعوا رسم إحداثياتها بدقة .. ولا حتى يوظفوها توظيفا تاريخيا يصب في مصلحة الاستفادة من دروس و هفوات الماضي ..

في حين ان الجيلين الجديدين ، قد لمسا نوعا من عبثية المناداة بتلك الصيغ العمومية للخطاب السياسي في أواسط القرن الماضي .. فجامل أبناء الجيلين من في الحكم ، وكانوا أول من ينتقد الحكم في أي فرصة ، يحسون بها أنهم قد خرجوا من خطر ذلك الحكم !

ابن حوران 30-10-2005 12:07 PM

الجيل الثاني : جيل التحولات و التغييرات ..

اذا كان الجيل الأول ( الأجداد الذين لا زالوا على قيد الحياة) .. قد استقى معلوماته و تكوينه المعرفي عن طرق قراءة كتب التراث التي تم إعادة طبع الكثير منها في بداية الخمسينات ، و ما تعلمه في المدارس على أيدي معلمين وضعت مناهج التدريس بين أيديهم وفق تلك الروحية ..

واذا كان ذلك الجيل قد عاش فترات الاستقلال الشكلي الأولى لمعظم الأقطار العربية ، كما عاش مرحلة اغتصاب فلسطين و معارك تحرير الجزائر و الكثير من الأقطار العربية .. وتوج تلك الأجواء بقراءات لشعراء مثل الزهاوي و الرصافي و علي محمود طه و أحمد شوقي و أبو القاسم الشابي و سليمان العيسى .. مما جعل مزاجه مزاجا مراهنا على نصر وشيك !

فان جيل الآباء قد عاش فترة التجريب المرير العقيم ، التي ضاع بها ما تبقى من فلسطين .. و هوت الشعارات النارية التي كان يتم التعبير عنها من خلال خطابات عبد الناصر ، و الكتب القومية و الماركسية و الإسلامية .. و أعيقت مشاريع (أحلام الوحدة) .. و انكفأت الحكومات التي كان مؤسسوها ينادوا بالوحدة ، صوب التقوقع القطري .. وتم التفنن بالتضييق على الحريات العامة ، بحجج مثل الطوارئ و دقة الظرف الراهن !

في مثل تلك الأجواء المخيبة للآمال ، ما كان أمام جيل الآباء الذين تعددت مشاربهم المعرفية والثقافية بصورة تفوق مصادر آباءهم عشرات المرات من خلال القنوات التالية :

1 ـ آلاف الخريجين من جامعات أجنبية وعربية ، امتزجت معارفهم العامة مع معارفهم العلمية ( المهنية ) .. وبعد عودتهم ، أحدثوا تغييرا في المزاج العام .

2 ـ تطور القنوات الإعلامية ، سواء كانت بالإذاعة أو التلفزيون ، أو المجلات والكتب ، وارتخاء قبضة المراقبة الحكومية في البلدان العربية .. مما أسهم في تطوير تقنية التعاطي في الرأي عند الناس ..

3 ـ التسلسل الدرامي للأحداث السياسية في الوطن العربي ، وظف طاقة هؤلاء الشباب بتوجيهها نحو إبداء الرأي و تناقله بين شرائح المجتمع العربي .

4 ـ تطور الجامعات العربية ، و جعل ساحات الجامعات ميدانا رحبا ، لتجنيس (صهر) الرؤى ، وتكوين محور نظري سائد بين أبناء هذا الجيل ..

واذا عرفنا أثر النزوع للإستهلاك الذي قفز بشكل طفرات متتالية لأبناء هذا الجيل والذي اختلف اختلافا بينا عن طرق الاستهلاك المحدود لأبناء الجيل السابق . فاننا نستطيع التعرف للشكل الذي برر به أبناء هذا الجيل تحركهم من خلاله .

لقد اتسم سلوك معظم أبناء هذا الجيل في كل البلدان العربية تقريبا بالتالي :

1 ـ المراهنة على تطور سريع في حياتهم .. وعدم إظهار الرضى في الحياة .
2 ـ التزلف و التملق للقائمين على الحكم ، كل حسب تواجده ، في الدوائر أو التقرب من مديريات الناحية أو القضاء أو المحافظة .. والتباري في إثبات حسن السلوك تجاه من هم في الحكم ..

3 ـ تبرير الرشوة والفساد بحجج واهية ، تستند كلها الى ضيق الحياة المعيشية ، والنظر الى من هم أعلى منهم و كيف ينعمون بأموال البلاد !

4 ـ عدم المشاركة العلنية بالحياة العامة ، الا اذا ربط من يحكم تلك المشاركة بمفاهيم الولاء و ما يتبعه من ترقيات للأفراد ..

5 ـ العزوف عن القراءة و المطالعة ، بحجة عدم الفائدة من ذلك .. وان كل الذين يكتبون من الكذابين !

6 ـ التفكير المستمر بالهجرة .. اذا لم يتم تكوين ثروة سريعة لدى أبناء هذا الجيل ..

ان أثر هذا الجيل الذي يتصف بصفة الطارئ على الوطن ، لم ينتبه لها لا جهاز حكومي عربي ، ولا جهاز تعبوي دعائي معارض .. فكان أثر هذا الجيل الذي تعامل مع الوطن وكأنه زائر أو ضيف ، أثرا مزدوجا ، فبالإضافة أنه سلبي ومؤذي في أغلب الأحيان ، فقد خلف جيلا أكثر تطرفا بعدم المبالاة و حتى الانحراف .. الا القلة التي اهتمت أصلا بترابط الأجيال !!

ابن حوران 31-10-2005 06:32 AM

الجيل الثالث ( النشء الجديد ) :



اذا كان الجيل الثاني الذي اتسم نشاطه بعدم اليقين من أي شيء ، و أصبحت الرموز التي كانت تشكل أمثلة عليا لدى الجيل الأول ، سواء كانت مجسدة بأشخاص بعض معلمي المدارس و الجامعات وبعض الكتاب والشعراء و القاصين الجيدين .. كل تلك الشخصيات تم التشكيك في صلاحيتها أن تكون أمثلة عليا لدى الجيل الثاني ..

فان الجيل الثالث قد أضاف لهؤلاء النماذج التي كانت تحرس القيم ، وتبث بعض المحفزات لإثارة الهمم لدى المجتمع ، أضاف لهم جيل الآباء و اعتبره جيلا لا يصلح انتقاء أمثلة عليا منه . أما لماذا ؟ وما الذي حصل ؟:

1 ـ راقب النشء الجديد منظومة القيم ولاحظ بعدها عما هو سائد ، فلم تعد قاعدة أو مقولة ( أحب لأخيك ما تحبه لنفسك ) .. ولم تعد قاعدة ( حديث نبوي): (مثل المؤمنين في تحابهم كمثل الجسد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ) .. ولم تعد قاعدة ( القناعة كنز لا يفنى) .

2 ـ ان الانفصام الذي حصل بين مفردات ( منظومة القاعدة الخلقية) وبين كل ما يجري ، جعل أبناء هذا الجيل يقلصوا دوائر نشاط بحثهم عن مطابقة تلك (المثل) مع أقرب الناس اليهم ، علهم يهتدوا الى مثل أعلى يقتدون به .. فيلحظوا الأب و قد خضع للعبة التزلف والنفاق التي ذكرناها .. ولاحظوا المعلم الذي أصبح يتفنن في كسب رزقه بالاحتيال على الطرق السوية في التدريس ، وجر بعض الطلبة ليأخذوا عنده بعض الدروس الخصوصية .. فهوى أهم منبعين لاستلهام المثل الأعلى من بينهما ..

3 ـ لكثرة الخريجين وازدياد نسبة التعليم ، و عدم تميز المتعلم عن غيره ، لم تعد العملية التعليمية تشكل رديف للعملية التربوية التي تبقي حالة التطور الحضاري ، مقترنة بمفاهيم الأصالة و مفاهيم النمو المتوازن ..

4 ـ ازدادت الفوارق بين الأغنياء و الفقراء خلال العشرين سنة الماضية ، وقفزت أحلام تتدخل في شكل سلوك الأجيال .. كما ازدادت معها متوسط أعمار الزواج لدى الجنسين ، مما خلق وضعا مرتبكا لم تعهده الأمة ، على أكثر من صعيد ..

5 ـ ان الثورة الإعلامية العالمية ، وتقديم نماذج من الحياة اليومية ، ونماذج من المشاكل .. دفعت هذا الجيل الى الإحساس بانعدام الوزن ، واسوداد المستقبل أمام أبناءه .

ان كل تلك المعطيات أوجدت صفات لهذا الجيل ممكن تلخيصها بما يلي :

1 ـ عدم القراءة و المطالعة ، للإحساس بعدم نفعها .. بل و تعدت تلك الصفة الى المواظبة على الانتظام بالمدارس و المعاهد و الجامعات .. فأعطت صبغة عامة على انخفاض المستوى العلمي قياسا بمن سبق من الأجيال .

2 ـ انخراط ابناء هذا الجيل في نماذج متناقضة غير سوية ، فمن الالتزام المبالغ به بالتجمعات ذات الطابع الديني .. الى الانحراف و تعاطي كل أشكاله التي لم تكن تعرفها الأمة سابقا ..

3 ـ فقدان الإحساس بالهوية الوطنية ، وهذا يتمثل بأزياء بعض الملابس و قصات الشعر ، و ترديد بعض الأغاني و الغوص باستخدام الشبكة العنكبوتية لصرف فيض الاحتقانات المتعددة ، وبأشكال تنذر بخطورة ما !

4 ـ فقدان حالات الانضباط الاجتماعي العام .. كما رافق تلك الصفة عدم التهيب أو الخوف من شيء ، وهي صفة لم تتواجد بالجيلين السابقين بهذا الوضوح .

ويبقى بين كل تلك النماذج مساحات يعيش بها نماذج سوية ، سيكون لها شأنا وقدرة استثنائية في تصويب حال الأمة ..

ابن حوران 01-11-2005 06:05 AM

تتابع الأجيال .. البذرة أهم أم الفسيلة ؟



نعلم في مهنتنا أن تطابق مواصفات النبات الذي يتكاثر بالبذور يكون أقلا منه في النبات الذي يتكاثر بالفسيلة أو ما يطلق عليه التكاثر الخضري . فلو رميت ببذرة مشمش أو تمر أو حتى قمح في مكان ما ، وقدر لها أن تنبت ، فانها لن تشابه النبات الأصلي الذي أخذت منه .. وبالغالب تكون أسوأ من النبات الأصلي ، لذا كان آباؤنا يبحثون بجدية في حقل واسع عن سنابل يأخذون بذورها ، ويزرعونها في منأى عن الاختلاط بغيرها ، من أجل تحسين البذور لديهم .

أما الإكثار بالفسائل أو العقل أو التكاثر الخضري بشكل عام ، فيكفي أن تأخذ فسيلة أو جزءا خضريا من نبات و تعتني به ، حتى ينتج نباتا مطابقا لمواصفات أمه .

نحن أمام مهمتين : الأولى المحافظة على الخصال الجيدة للجيل السابق ، والمهمة الثانية : هي تحسين الجيل القادم بمواصفات تزيد جودة عن سابقاتها من الجيل الأول . كيف ؟

ان سباق التتابع الذي يجري على صعيد الرياضة ، حيث يركض من نقطة الانطلاق (أ ) أحد المتسابقين ليعطي رسالة ( في الرياضة عصا خفيفة) للمتسابق الذي عند النقطة ( ب) وهذا بدوره يركض ليعطيها للمتسابق الذي عند النقطة (ج) وهكذا حتى يستلمها من هو عند آخر نقطة ..

ان من يراقب تقنيات هذا السباق ، يرى أن المتسابق عند النقطة التالية (ب) مثلا ، سيركض مسافة تساوي عشر أو خمس المسافة التي ركضها من هو قبله حتى يصلا معا الى النقطة ( ب) ، فيكون عندها تسارع الذي استلم الرسالة يساوي أفضل حالاته للانطلاق ، وهكذا يفعل كل واحد عند أي نقطة .

لو أسقطنا هذا المثل على تتابع أجيال حركة النهوض العربي ، فلا بد أن يكون التفاهم بين الأجيال يتشابه مع التفاهم بين المتسابقين في المثال السابق ، فلا يعقل أن يبقى أحدنا محتفظا بكامل لياقته الفكرية مدى الحياة ، فلا بد أن يستلم راية النضال أبناء الأجيال القادمة .. وحتى يتم تسليمهم على أحسن وجه ، لا بد من التصالح و التفاهم معهم ..ليبقى التسارع في حالاته المثلى ..

اننا عندما تحدثنا عن رداءة الجيلين و ما مر بهما من ظروف جعلتهما يعطيا صفة أو صبغة سيئة تنذر برداءة ما هي عليه الأمة . لم نذكر ذلك كدعوة للتسليم باستحالة التغيير في حال الأمة . فتلك الصفات تجدها في كل أمم العالم . ولكننا أشرنا الى أن هناك مساحات ، يعيش فوقها نماذج مؤصلة ، لم تستطع أن تعبر عن الأمة بخصائصها هي ، بل استطاعت النماذج السيئة أن تعبر عن ذاتها السيئة ، مما ألصق صفات السوء بالأمة .

لكن ان نسبة 2.5% من أي مجموعة ، فئة كانت أو طائفة أو شعب أو أمة هي كافية لتحدث التحول و التحسين لواقع الأمة ..

يكفي أن يلتقي خمسة من الجادين ، لينظموا مظاهرة يخرج بها عشرات الألوف .. و هي نسبة لم أخترعها ، بل هي نسبة اتفق عليها كل علماء علم النفس السياسي .

ففي صف طلاب مكون من أربعين طالب ، يستطيع واحد أن يحل سؤالا صعبا ، ولا يستطيع واحد أن يحل سؤالا اذا استطاع أن يحله ال 39 طالب ، و يبادر واحد من الطلاب على الضحك على موقف لم يكتشفه الآخرون ، ولكنهم يضحكون عندما يبين لهم وجه الضحك بالموقف .. ويبقى طالب واحد لا يضحك اذا ضحك كل الطلاب !

من الواضح أن عملية تجميع الجادين في الأمة هي أسهل مئات المرات من تجميع غيرهم ، لأن ما يجمعهم يحمل أسباب الوجاهة ، في حين غيرهم لا يستطيع الثبات لرداءة و سفالة ما يطرح من أفكار ..

ابن حوران 03-11-2005 06:51 PM

متى يتحرك الناس للتغيير و كيف يتحركون ؟


الامتعاض ، عدم الرضى ، الرفض ، السخط ، العصيان المدني ، التمرد .. والكثير من المصطلحات التي تشير لحالات تسبق التغيير في أي بلاد . لكن ما الذي يجعل أن يكون هناك شعبا راضيا و شعبا رافضا ، و إنسانا راضيا و إنسانا رافضا ؟

قد يقدم لإنسان كسرة خبز وقليل من الماء ، ويكون شاكرا و راضيا و قانعا وحامدا .. وقد يقدم له طعام فاخر من أجود الأصناف ، ولا يبدي الرضا و لا الشكر ، بل سيفتش عن أدق التفاصيل و يجعلها مدخلا لإبداء عدم رضاه .. كالاحتجاج على كمية الملح الزائد أو الناقص ، أو درجة نضج الطعام الخ .

في حالات قبول المواطن للحكم أو عدم قبوله ، لا تخضع الأمور دائما لاحتكام المنطق والعلم ، بل تخضع لنفس المزاج الذي سقناه بمثال الطعام .. فمن المواطنين من يمدح الحكم أي حكم ، دون أن يلمس منه أي شيء إيجابي أو سلبي ، وهناك من يعلن رفضه وعدم حبه للحكم منذ اللحظة الأولى ؟

تتدرج حاجات الناس في ثلاث مراحل متتالية من حيث الأهمية ، المرحلة الأولى : هي الحاجة للمنفعة الحدية ، ففوائد السكن الحدية مثلا ، هي الوقاية من عوامل الجو والطبيعة وتأمين الستر للساكن .. فان توفرت ينتقل الإنسان لتلبية الحاجة الثانية وهي الرمزية ، كأن يلتزم بنمط البناء السائد في المنطقة من طراز عربي اسلامي ، أقواس ، مقرنصات الخ .. فاذا تحققت انتقل الى اشباع الحاجة التميزية ، كأن يختار بعض أصناف الرخام أو الحجر مع التفنن بنقشها ليتميز على غيره من السكان الذين أمنوا سكنهم أولا والتزموا بالطراز المعماري ثانيا .. فلم يبق الا أن يتنافس معهم على تخصص يميزه !!

سنجد هذا التسلسل في كل المناحي ، بالملبس والطعام ووسائط النقل .. حتى في تقبل موضوع الدولة ..

فالحاجة الاساسية للدولة ، كما يراها البعض هي تأمين القانون الذي يحمي الناس من بعضهم ويؤمن حماية البلاد من العدوان الخارجي ، ويوظف خيرات البلاد لخدمة أبناء البلاد .. وقد تكون هناك أهداف في مخيلة أي فرد تتقدم على غيرها من الأهداف الأخرى التي تكون هي لدى أفراد آخرين بالصدارة ..

لكن ما هي العوامل التي تجعل السمة العامة لدى المواطنين هي عدم الرضا ؟

1 ـ غياب العدل ، وكثرة الاستثناءات تجعل المواطنين يتبرمون من وضع الحكم .. وعندما يحكم على مواطن بحكم قاس ، ويدرك أنه لا يوجد من ينصفه لأنه وقع بشباك معقدة من الإجراءات التي تكفل عدم تغييرها صرامة الرؤى الحكومية تجاه ، مثل تلك الأصناف من الأحكام .. فإن المواطن سيشعر بقهر وإحباط هائلين ، سيشكلان في داخله ندبا يبني عليها مواقفه المستقبلية ..

2 ـ ضيق المعاش على المواطن ، يجعل مشاعره تجاه المكان الذي يعيش فيه غير ودية لأنه لم يشبع حاجاته الحدية من مأكل و مشرب ومسكن و تعليم و علاج من خلال تلك الأوضاع .. فان وده تجاه المكان و من يديره ( الحكم ) ستكون بلا شك ، مشاعر غير ودودة بأقل تعبير ..

3 ـ مشاهدة المواطن لنماذج تقل عنه كفاءة و نشاطا ، لكنها تعيش في أوضاع أكثر راحة و يمن منه .. وذلك لأنها محسوبة على جانب الولاء للنظام الحاكم ، فهذا يجعل هؤلاء الأشخاص مهاميز استفزاز مستمر لذلك المواطن ، خصوصا اذا كان على صلة مكانية أو زمانية بتلك النماذج .. كزمالة في المدرسة أو الكلية أو جار أو قريب .. وقد عرف عن ماضيه ما يؤكد عدم استحقاقه للعيش بهذا النمط المتفوق على نمط المواطن ..

4 ـ نموذج المفروزين من الحكم ، لعدم مطابقة سلوكهم مع السلوك العام للحكم.

5 ـ هناك نماذج تكون أكثر نشاطا في تحركها ، و أكثر قيمة عند القوى الخارجية التي تتربص بأي بلد سوءا .. وهي النماذج التي كان آباؤها و أجدادها متسيدون في عهود قديمة ، كعهد الإقطاع أو عهود الحكومات المرتبطة بالأجنبي بوقاحة ، فهؤلاء مهما كان شكل الحكم ، يبقى الحنين لأمجادهم السابقة هو من يحركهم ويدفعهم للمساهمة في رفض أي حكم لا يعيد لهم أمجادهم ..

6 ـ النموذج الأخير الذي ينشط و يغلب على نشاط كل النماذج السابقة .. هو نموذج الرافضين للحكم لعدم تحقيق الشخصية الوطنية للبلاد ، وعدم تحقيق إنجازات على صعد تطوير هيبة البلاد و النهوض بها اقتصاديا و علميا .. وهؤلاء في الغالب هم من السياسيين المحترفين .. الذين يستطيعون في الغالب استثمار تذمر الفئات الأخرى ..

وعلى العموم فإن كل تلك الفئات والنماذج ، غالبا ما كانت تفشل في البلدان العربية ، التي توقف فيها الأثر العسكري في تغيير الأنظمة منذ أكثر من ثلاثين عاما لأسباب ذكرناها في موضع سابق .. كما أن السلطات الحاكمة في أغلبية الأقطار العربية والتي تمكنت من معرفة وقف التغييرات التي تتم بواسطة الجيش (رغم حالة موريتانيا كاستثناء) .. فقد احترفت التعامل مع القوى المعارضة .. واستطاعت شرذمتها و تخفيف أثرها .. بالإضافة لافتقار تلك الفئات المعارضة نفسها لتحديث أساليب معارضتها المدنية ..


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.