أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   ليس الغـــــريب ,,, (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=46084)

الوردة الندية 26-06-2005 11:53 PM

ليس الغـــــريب ,,,
 
<******>drawGradient()




لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ = إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَــــــفَنِ
إِنَّ الغَـــريِبَ لَهُ حَــقٌّ لِغُرْبَتــــِهِ = على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ
لاتنْهَرَنَّ غريبــاً حـال غُربَتِــــهِ = الدَّهْرُ يَنْـهَرهُ في الـــذُّلِّ والمِـــحَنِ
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَنـي = وَقُوَّتي ضَــعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـــي
وَلي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها = الله يَعْلَمُهــا في السِّــــرِ والعَـــلَنِ
مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني = وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِـــي
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَـــدَمٍ = ولا بُكــــــاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـــــَزَنِ
أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً = عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَــبَتْ = يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُها = وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَــــزَنِ
دعْ عَنْكَ عنيَ يا مَنْ كان يعدِلُني = لو كُنْتَ تعَْــلم ما بي كُنْتَ تعذرني
دعني أسِّحُ دُمُوعًا لا انْقِطَاعَ لها = فهل عَسَى عَبْـــرة مِنها تُخَلِّـصني
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحــَاً = عَلى الـــفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُنـــــي
وقَدْ تَجَمَّع حَوْلِي مَنْ يَنُوحُ وَمَنْ = وَيَبْكِي عَلَيَّ وَيَلْــعَانِي وَ يِنْدِبُنِي
وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَـيْ يُعالِجَنـي = وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُنــي
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها = مِن كُـــلِّ عِرْقٍ بِلا رِفـقٍ ولا هَوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها = وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَنــي
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا = بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَـفَنِ
وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ = نَحْوَ المُـــغَسِّلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنــي
وَقــالَ يـا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً = حُـــراً أَرِيبــاً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِنِ
فَجــاءَني رَجُلٌ مِنْـــــهُمْ فَجَرَّدَني = مِنَ الثِّيــابِ وَأَعْرَانــــي وأَفْرَدَني
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاً = وَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني = غُسْـــلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالـكَفَنِ
وَأَلْبَسُوني ثِيابـاً لا كِمامَ لهـــــا = وَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَوا أَسَفاً = عَلــى رَحِيــــلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّــــغُنـي
وَحَمَّلوني علــى الأْكتـافِ أَربَـعَةٌ = مِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُنــي
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا = خَلْفَ الإِمـَامِ فَصَلَّــــى ثـمّ وَدَّعَني
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكــوعَ لهــــا = ولا سُجــــودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُنــي
وَأَنْزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍ = وَقَدَّمُوا واحِداً مِنــهـم يُلَـــحِّدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني = وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني
فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالـــــعَزمِ مُشْتَـمِلاً = وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفـارَقَني
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا = حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا = أَبٌ شَفــــيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُنـــــي
فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفـــــاً = عَلى الفِــراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُنــــي
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ = مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لـــــهم = قَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَنـي
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهـِمُ = مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُــنِي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَلـي = فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالــذَّنْبِ مُرْتَهــــــَنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا = وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلي = وَحَكَّمَـــتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَــــنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْــــداً لِيَخْدُمَهــا = وَصَارَ مَـالي لهم حــــِلاً بِلا ثَــمَنِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيـــــا وَزِينَتُهــــا = وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها = هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَــفَنِ
خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها = لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَــــــدَنِ
يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَـــمَراً = يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي = فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُنــــــي
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً = عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنــــا = مَا وَصَّـا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ
والحمدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْـــــبِحِنَا = بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ
<******>doPoem(0)
<******>drawGradient()


<******>drawGradient()

العنود النبطيه 27-06-2005 01:29 AM

Re: ليس الغـــــريب ,,,
 
إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ورد المستقبل
<******>drawGradient()


غاليتي ورود المستقبل

سلمتي على هذه القصيدة الرائعة

بها كل المواعظ والعبر

وبها لمن يخاف الله تذكرة

وبها للسائرين بعيدا عن الطريق ترهيب وتذكير

أدعو الله لك ولي ولاخواننا جميعا بحسن الختام

sweety 27-06-2005 05:24 PM

شكرا لكِ اختي ورد المستقبل بالفعل القصيدة جميلة و لكن أريد سؤالك عن مصدرها لأني أريد تحميلها بصوت الشيخ مشاري بن راشد العفاسي على جهازي

الوردة الندية 28-06-2005 12:58 AM

Re: Re: ليس الغـــــريب ,,,
 


<******>drawGradient()

:)

الوردة الندية 28-06-2005 01:12 AM


<******>drawGradient()

موقع الشيخ مشاري بن راشد العفاسي (انشودة ليس الغريب)

<******>drawGradient()

:)

muslima04 28-06-2005 10:09 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

غاليتي الحبيبة ورد..ما أروعك..جزاك الله عنا خيرا غاليتي..فعلا ما أعظم هذه القصيدة..فيها من المواعظ الشيء الكثير..كنت قد وضعت انشودتها كتوقيع لي سابقا..فهي حقا تؤثر في النفس كثيرا..لكن ليس بصوت نفس الشيخ..

فبارك الله فيك أختي..:) :heartpump

المتيم المجهول 28-06-2005 12:41 PM

بارك الله فيكم أختي ،،

والقصيدة من أروع ما يكون ،،

رضي الله عن سيدنا علي بن الحسين :) ،،

نور الحياة 28-06-2005 12:50 PM

(ليس الغريب )
فعلا هي من القصائد الرائعة التي ترغب النفس دائما في قرائتها أو سماعها بين الفينة و الأخرى لما تحويه بين طياتها من العِبَرِ و العِضات
والتذكير بمصير كل إنسان على هذه البسيطة، فكلنا إلى زوال ولن يبقى إلا وجه الله ذي الجلال و الإكرام، لعلنا بذلك نعتبر ونتعض بحال من سبقونا ....

نسأل الله حسن الخاتمة للجميع ،،،
وأن يثبتنا جميعا على الحق في الدنيا ويوم الحساب،،
و أن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل..


أخيتي الغالية : ورد المستقبل
بارك الله فيكِ على هذا النقل الطيب
وجزاك خير الجزاء


:)

الوردة الندية 28-06-2005 08:06 PM

<******>drawGradient()
:)

الوردة الندية 28-06-2005 08:24 PM

<******>drawGradient()

الوردة الندية 28-06-2005 09:42 PM

<******>drawGradient()
:)

يتيم الشعر 29-08-2005 05:37 AM

تعرفون أيها الإخوة والأخوات ما هو المعجب في قصيدة بديعة مثل هذه ، إن المعجب فيها هو أن صاحبها لم يكن شاعراً !!
لم يعرف عنه قول الشعر لكنه نطق بدرة يتيمة مثل هذه القصيدة

فماذا لو أنه أمتعنا بالمزيد أما ترونه كان قادراً على ذلك ، ولكن شغلته أمور عظيمة غفل أو قصَّر عنها أمثالي فأسأل الله العفو والعافية

muslima04 14-09-2005 01:52 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

أخي الفاضل يتيم الشعر..كنت قد قرات سابقا ردك الأخير..واليوم تصفحت كتاب البداية والنهاية لإبن كثير رحمه الله وقرات عن سيدنا علي بن الحسين (زين العابدين) رضي الله عنه..ووجدت له مواعظ في غاية الروعة وبعض من ابيات الشعر..فتذكرت هذا الموضوع وكلامك..فاحببت ان أقدمها لك إن شاء الله اخي كهدية لك ولأخواتي وإخواني..ولأتحف بها هذا الموضوع لأختي الحبيبة الغائبة ورد..حفظها الله وجزاها عنا كل خير برحمته..

******************

وقد روينا عن علي بن الحسين أنه كان إذا مرت به الجنازة يقول هذين البيتين:

نراع إذا الجنائز قابلتنا * ونلهو حين تمضي ذاهبات
كروعة ثلة لمغار سبع * فلما غاب عادت راتعات

وروى الحافظ ابن عساكر، من طريق محمد بن عبد الله المقري: حدثني سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: سمعت علي بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه ويناجي ربه:

يا نفس حتام إلى الدنيا سكونك، وإلى عمارتها ركونك، ما اعتبرت بمن مضى من أسلافك، ومن وارته الأرض من ألَّافك؟ ومن فجعت به من إخوانك، ونقل إلى الثرى من أقرانك؟ فهم في بطون الأرض بعد ظهورها، محاسنهم فيها بوال دواثر.

خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم * وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمهم تحت التراب الحفائر

كم خرمت أيدي المنون من قرون بعد قرون، وكم غيرت الأرض ببلائها، وغيبت في ترابها، ممن عاشرت من صنوف وشيعتهم إلى الأمارس، ثم رجعت عنهم إلى عمل أهل الإفلاس:

وأنت على الدنيا مكب منافس * لخطابها فيها حريص مكاثر
على خطر تمشي وتصبح لاهياً * أتدري بماذا لو عقلت تخاطر
وإن امرءاً يسعى لدنياه دائباً * ويذهل عن أخراه لاشك خاسر

فحتام على الدنيا إقبالك؟ وبشهواتك اشتغالك؟ وقد وخطك القتير، وأتاك النذير، وأنت عما يراد بك ساه وبلذة يومك وغدك لاه، وقد رأيت انقلاب أهل الشهوات، وعاينت ما حل بهم من المصيبات:

وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى * عن اللهو واللذات للمرء زاجر
أبعد اقتراب الأربعين تربص * وشيب قذال منذر للكابر
كأنك معنى بما هو ضائر * لنفسك عمداً وعن الرشد حائر

انظر إلى الأمم الماضية والملوك الفانية، كيف اختطفتهم عقبان الأيام، ووافاهم الحمام، فانمحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم، وأضحوا رمماً في التراب، إلى يوم الحشر والمآب:

أمسحوا رميماً في التراب وعطلت * مجالسهم منهم وأخلى مقاصر
وحلوا بدار لا تزاور بينهم * وأنىَّ لسكان القبور التزاور
فما أن ترى إلا قبوراً قد ثووا بها * مسطحة تسفى عليها الأعاصر

كم من ذي منعة وسلطان وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى فيها القصور والدساكر، وجمع فيها الأموال والذخائر، وملح السراري والحرائر.

فما صرفت كف المنية إذ أتت * مبادرة تهوي إليه الذخائر
ولا دفعت عنه الحصون التي بنى * وحف بها أنهاره والدساكر
ولا قارعت عنه المنية حيلة * ولا طمعت في الذب عنه العساكر

أتاه من الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الله الملك الجبار، المتكبر العزيز القهار، قاصم الجبارين، ومبيد المتكبرين، الذي ذل لعزه كل سلطان.
وأباد بقوته كل ديان.

مليك عزيز لا يرد قضاؤه * حكيم عليم نافذ الأمر قاهر
عنى كل عز لعزة وجهه * فكم من عزيز للمهيمن صاغر
لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت * لعزة ذي العرش الملوك الجبابر

فالبدار البدار والحذار الحذار من الدنيا ومكايدها، وما نصبت لك من مصايدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها، وأبرزت لك من شهواتها، وأخفت عنك من قواتلها وهلكاتها:

وفي دون ما عاينت من فجعاتها * إلى دفعها داع وبالزهد آمر
فجد ولا تغفل وكن متيقظاً * فعما قليل يترك الدار عامر
فشمر ولا تفتر فعمرك زائل * وأنت إلى دار الإقامة صائر
ولا تطلب الدنيا فإن نعيمها * وإن نلت منها غبهُ لك ضائر

فهل يحرص عليها لبيب، أو يسر بها أريب؟ وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها، أم كيف تنام عينا من يخشى البيات، وتسكن نفس من توقع في جميع أموره الممات:

ألا لا ولكنا نغرُّ نفوسنا * وتشغلنا اللذات عمَّا نحاذر
وكيف يلذ العيش من هو موقفٌ * بموقف عدل يوم تبلى السرائر
كأنا نرى أن لا نشور وأننا * سدىً مالنا بعد الممات مصادر
وما عسى أن ينال صاحب الدنيا من لذتها ويتمتع به من بهجتها، مع صنوف عجائبها وقوارع فجائعها، وكثرة عذابه في مصابها وفي طلبها، وما يكابد من أسقامها وأوصابها وآلامها.

أما قد نرى في كل يوم وليلة * يروح علينا صرفها ويباكر
تعاورنا آفاتها وهمومها * وكم قد ترى يبقى لها المتعاوِرُ
فلا هو مغبوط بدنياه آمن * ولا هو عن تَطلابها النفس قاصر

كم قد غرت الدنيا من مخلد إليها، وصرعت من مكب عليها، فلم تنعشه من عثرته، ولم تنقذه من صرعته، ولم تشفه من ألمه، ولم تبره من سقمه، ولم تخلصه من وصمه.

بل أوردته بعد عز ومنعة * موارد سوء مالهنَّ مصادر
فلما رأى أن لا نجاة وأنه * هو الموت لا ينجيه منه التحاذر
تندم إذ لم تغن عنه ندامة * عليه وأبكته الذنوب الكبائر

أحاطت به أحزانه وهمومه * وأبلس لما أعجزته المقادر
فليس له من كربة الموت فارج * وليس له مما يحاذر ناصر
وقد جشأت خوف المنية نفسه * ترددها منه اللها والحناجر

هنالك خف عواده، وأسلمه أهله وأولاده، وارتفعت البرية بالعويل، وقد أيسوا من العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومد عند خروج روحه رجليه، وتخلى عنه الصديق، والصاحب الشفيق.

فكم موجع يبكي عليه مفجعٌ * ومستنجد صبراً وما هو صابر
ومسترجع داع له الله مخلصاً * يعدد منه كل ما هو ذاكر
وكم شامتٍ مستبشر بوفاته * وعما قليل للذي صار صائر

فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزيته إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لإبرازه. كأنه لم يكن بينهم العزيز المفدى، ولا الحبيب المبدى.

وحل أحبَّ القوم كان بقربه * يحثُّ على تجهيزه ويبادر
وشمرَّ من قد أحضروه لغسله * ووجه لما فاض للقبر حافر
وكفن في ثوبين واجتمعت له * مشيعة إخوانه والعشائر

فلو رأيت الأصغر من أولاده، وقد غلب الحزن على فؤاده، ويخشى من الجزع عليه، وخضبت الدموع عينيه، وهو يندب أباه ويقول: يا ويلاه واحرباه:

لعاينت من قبح المنية منظراً * يهال لمرآه ويرتاع ناظر
أكابر أولاد يهيج اكتئابهم * إذا ما تناساه البنون الأصاغر
وربَّة نسوان عليه جوازع * مدامعهم فوق الخدود غوازر

ثم أخرج من سعة قصره، إلى ضيق قبره، فلما استقر في اللحد وهيئ عليه اللبن، احتوشته أعماله وأحطت به خطاياه، وضاق ذرعاً بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، وأكثروا البكاء عليه والانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه، وأيسوا من النظر إليه، وتركوه هنا بما كسب وطلب.

فولوا عليه معولين وكلهم * لمثل الذي لاقى أخوه محاذر
كشاءِ رتاع آمنين بدا لها * بمديته بادي الذراعين حاسر
فريعت ولم ترتع قليلاً وأجفلت * فلما نأى عنها الذي هو جازر

عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال الأنعام اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى، واعتبر بموضعه تحت الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.

ثوى مفرداً في لحده وتوزعت * مواريثه أولاده والأصاهر
وأحنوا على أمواله يقسمونها * فلا حامد منهم عليها وشاكر
فيا عامر الدنيا ويا ساعياً لها * ويا آمناً من أن تدور الدوائر

كيف أمنت هذه الحالة وأنت صائر إليها لا محالة؟ أم كيف ضيعت حياتك وهي مطيتك إلى مماتك؟ أم كيف تشبع من طعامك وأنت منتظر حمامك؟ أم كيف تهنأ بالشهوات، وهي مطية الآفات.

ولم تتزود للرحيل وقد دنا * وأنت على حال وشيك مسافر
فيا لهف نفسي كم أسوف توبتي * وعمري فانٍ والردى لي ناظر
وكل الذي أسلفت في الصحف مثبتٌ * يجازي عليه عادل الحكم قادر

فكم ترقع بآخرتك دنياك، وتركب غيك وهواك، أراك ضعيف اليقين، يا مؤثر الدنيا على الدين، أبهذا أمرك الرحمن؟ أم على هذا نزل القرآن؟ أما تذكر ما أمامك من شدة الحساب، وشر المآب؟ أما تذكر حال من جمع وثمر، ورفع البناء وزخرف وعمر، أما صار جمعهم بوراً، ومساكنهم قبوراً:

تخرب ما يبقى وتعمر فانياً * فلا ذاك موفور ولا ذاك عامر
وهل لك إن وافاك حتفك بغتة * ولم تكتسب خيراً لدى الله عاذر
أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي * ودينك منقوص ومالك وافر

muslima04 14-09-2005 02:06 PM

سبحان الله..

لأنني بعثت بالرد ولم يظهر الموضوع ولا شيء..لكن الحمد لله..الآن ظهر مع هذا الرد..


يتيم الشعر 16-09-2005 02:22 PM

أختي مسلمة

جزاك الله كل خير


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.