أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة الإسلامية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=8)
-   -   السيرة الزكية لخير البرية (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=46944)

maher 08-08-2005 05:06 AM

السيرة الزكية لخير البرية
 
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين ، والصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله و صحبه الطيبين المطهرين صلاة قائمة إلى يوم الدين
أبدأ أيها الأحبة سرد سيرة حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم كما أوردها ابن هشام

maher 08-08-2005 05:08 AM

ذكر سرد النسب الزكي
 
بسم الله


من محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلام قال أبو محمد عبد الملك بن هشام ( النحوي ) : هذا كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، واسم عبد المطلب : شيبة بن هاشم واسم هاشم عمرو بن عبد مناف واسم عبد مناف المغيرة بن قصي ، ( واسم قصي : زيد ) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسم مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن ( أد ويقال ) : أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس النبي فيما يزعمون والله أعلم وكان أول بني آدم أعطى النبوة وخط بالقلم - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم .
قال أبو محمد عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلام وما فيه من حديث إدريس وغيره .
قال ابن هشام : وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي ، عن شيبان بن زهير بن شقيق بن ثور عن قتادة بن دعامة ، أنه قال
إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - بن تارح و هو آزر بن ناحور بن أسرغ بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : وأنا إن شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم ، ومن ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولده وأولادهم لأصلابهم الأول فالأول من إسماعيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يعرض من حديثهم وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل على هذه الجهة للاختصار إلى حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الاختصار وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها ، وأشياء بعضها ، يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته ومستقص إن شاء الله تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به .
قال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام اثني عشر رجلا : نابتا ، وكان أكبرهم وقيذر ، وأذبل ومبشا ، ومسمعا ، وماشي ، ودما ، وأذر ، وطيما ، ويطور و نبش و قيذما . وأمهم ( رعلة ) بنت مضاض بن عمرو الجرهمي - قال ابن هشام : ويقال مضاض . وجرهم بن قحطان ، وقحطان أبو اليمن كلها ، وإليه يجتمع نسبها - ابن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح .
قال ابن إسحاق : جرهم بن يقطن بن عيبر بن شالخ . و ( يقطن هو ) قحطان بن عيبر بن شالخ .
قال ابن إسحاق : وكان عمر إسماعيل - فيما يذكرون مئة سنة وثلاثين سنة ثم مات رحمة الله وبركاته عليه ودفن في الحجر مع أمه هاجر ، رحمهم الله تعالى
قال ابن هشام : تقول العرب : هاجر وآجر فيبدلون الألف من الهاء كما قالوا : هراق الماء وأراق الماء وغيره . وهاجر من أهل مصر .
[ وصاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل مصر وسبب ذلك ]
قال ابن هشام : حدثنا عبد الله بن وهب عن عبد الله بن لهيعة ، عن عمر مولى غفرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله الله في أهل الذمة ، أهل المدرة السوداء السحم الجعاد فإن لهم نسبا وصهرا
قال عمر مولى غفرة : نسبهم أن أم إسماعيل النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم . وصهرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تسرر فيهم .
قال ابن لهيعة أم إسماعيل هاجر ، من أم العرب ، قرية كانت أمام الفرما من مصر . وأم إبراهيم مارية سرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أهداها له المقوقس من حفن من كورة أنصنا .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ثم السلمي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما فقلت لمحمد بن مسلم الزهري : ما الرحم التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم ؟ فقال كانت هاجر أم إسماعيل منهم .

maher 08-08-2005 05:09 AM

[ أصل العرب ]
قال ابن هشام : فالعرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان . وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد إسماعيل ويقول إسماعيل أبو العرب كلها .
قال ابن إسحاق : عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح عرب كلهم . فولد نابت بن إسماعيل : يشجب بن نابت فولد يشجب يعرب بن يشجب فولد يعرب تيرح بن يعرب فولد تيرح : ناحور بن تيرح ، فولد ناحور مقوم بن ناحور ، فولد مقوم أدد بن مقوم فولد أدد عدنان بن أدد .

قال ابن هشام : ويقال عدنان بن أد .
[ أولاد عدنان ]
قال ابن إسحاق : فمن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فولد عدنان رجلين معد بن عدنان ، وعك بن عدنان .
[ موطن عك ]
قال ابن هشام : فصارت عك في دار اليمن ، وذلك أن عكا تزوج في الأشعريين فأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والأشعريون بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ويقال أشعر نبت بن أدد ويقال أشعر ابن مالك . ومالك مذحج بن أدد بن زيد بن هميسع . ويقال أشعر ابن سبأ بن يشجب .
وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر وأبو عبيدة لعباس بن مرداس أحد بني سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، يفخر بعك
وعك بن عدنان الذين تلقبوا ؟ بغسان حتى طردوا كل مطرد
وهذا البيت في قصيدة له . وغسان : ماء بسد مارب باليمن ، كان شربا لولد مازن بن الأسد بن الغوث فسموا به ويقال غسان : ماء بالمشلل قريب من الجحفة ، والذين شربوا منه فسموا به قبائل من ولد مازن بن الأسد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . قال حسان بن ثابت الأنصاري - والأنصار بنو الأوس والخزرج ، ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث :
إما سألت فإنا معشر نجب الأسد نسبتنا والماء غسان
وهذا البيت في أبيات له . فقالت اليمن : وبعض عك وهم الذين بخراسان منهم عك بن عدنان بن عبد الله بن الأسد بن الغوث ؟ ويقال عدثان بن عبد الله بن الأسد بن الغوث .

[ أولاد معد ]
قال ابن إسحاق : فولد معد بن عدنان أربعة نفر نزار بن معد وقضاعة بن معد ، وكان قضاعة بكر معد الذي به يكنى فيما يزعمون وقنص بن معد وإياد بن معد . فأما قضاعة فتيامنت إلى حمير بن سبأ - وكان اسم سبأ عبد شمس ، وإنما سمي سبأ ، لأنه أول من سبى في العرب - ابن يشجب بن يعرب بن قحطان .

قضاعة قال ابن هشام : فقالت اليمن وقضاعة : قضاعة بن مالك بن حمير . وقال عمرو بن مرة الجهني ، وجهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة :
نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر قضاعة بن مالك بن حمير
النسب المعروف غير المنكر في الحجر المنقوش تحت المنبر

[ قنص بن معد ونسب النعمان بن المنذر ]
قال ابن إسحاق : وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم - فيما يزعم نساب معد - وكان منهم النعمان بن المنذر ملك الحيرة . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري : أن النعمان بن المنذر كان من ولد قنص بن معد . قال ابن هشام : ويقال قنص .
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن شيخ من الأنصار من بني زريق أنه حدثه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أتي بسيف النعمان بن المنذر ، دعا جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي - وكان جبير من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة وكان يقول إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان أبو بكر الصديق أنسب العرب - فسلحه إياه ثم قال ممن كان يا جبير النعمان بن المنذر ؟ فقال كان من أشلاء قنص بن معد .
قال ابن إسحاق : فأما سائر العرب فيزعمون أنه كان رجلا من لخم من ولد ربيعة بن نصر ، فالله أعلم أي ذلك كان .

[ نسب لخم بن عدي ]
قال ابن هشام : لخم : ابن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال لخم : ابن عدي بن عمرو بن سبأ ، ويقال : ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر ، وكان تخلف باليمن بعد خروج عمرو بن عامر من اليمن .
أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن
وقصة سد مأرب
وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن - فيما حدثني أبو زيد الأنصاري - أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب ، الذي كان يحبس عليهم الماء - فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك فاعتزم على النقلة من اليمن ، فكاد قومه فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو : لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي ، وعرض أمواله . فقال أشراف من أشراف اليمن : اغتنموا غضبة عمرو ، فاشتروا منه أمواله .
وانتقل في ولده وولد ولده . وقالت الأزد : لا نتخلف عن عمرو بن عامر ، فباعوا أموالهم وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان فحاربتهم عك ، فكانت حربهم سجالا . ففي ذلك قال عباس بن مرداس البيت الذي كتبنا .
ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ، ونزلت الأوس والخزرج يثرب ، ونزلت خزاعة مرا ، ونزلت أزد السراة ، ونزلت أزد عمان عمان .
ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه ففيه أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم .
والعرم : السد ، واحدته عرمة فيما حدثني أبو عبيدة . قال الأعشى : أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد .
قال ابن هشام : ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة واسم الأعشى ، ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
وفي ذاك للمؤتسي أسوة ومارب عفى عليها العرم
رخام بنته لهم حمير إذا جاء مواره لم يرم
فأروى الزروع وأعنابها على سعة ماؤهم إذ قسم
فصاروا أيادى ما يقدرو ن منه على شرب طفل فطم
وهذه الأبيات في قصيدة له .
وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي - واسم ثقيف قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان : من سبأ الحاضرين مارب إذ يبنون من دون سيله العرما وهذا البيت في قصيدة له .
وتروى للنابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وهو حديث طويل منعني من استقصائه ما ذكرت من الاختصار .

maher 08-08-2005 05:10 AM

[ أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شق وسطيح الكاهنين معه ]
[ رؤيا ربيعة بن نصر ]
قال ابن إسحاق : وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة فرأى رؤيا هالته وفظع بها فلم يدع كاهنا ، ولا ساحرا ، ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم إني قد رأيت رؤيا هالتني ، وفظعت بها ، فأخبروني بها وبتأويلها ، قالوا له اقصصها علينا نخبرك بتأويلها ، قال إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها ، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها .
فقال له رجل منهم فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما ، فهما يخبرانه بما سأل عنه .

[ نسب سطيح وشق ]
واسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان . وشق : ابن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن أنمار بن نزار ، وأنمار أبو بجيلة وخثعم .
[ نسب بجيلة ]
قال ابن هشام : وقالت اليمن وبجيلة : ( بنو ) أنمار : بن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ : ويقال إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث . ودار بجيلة وخثعم يمانية

[ ربيعة بن نصر وسطيح ]
قال ابن إسحاق : فبعث إليهما ، فقدم عليه سطيح قبل شق فقال له إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها ، فأخبرني بها ، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها . قال أفعل رأيت حممه خرجت من ظلمه ، فوقعت بأرض تهمه ، فأكلت منها كل ذات جمجمه فقال له الملك ما أخطأت منها شيئا يا سطيح فما عندك في تأويلها ؟ فقال أحلف بما بين الحرتين من حنش لتهبطن أرضكم الحبش فلتملكن ما بين أبين إلى جرش ، فقال له الملك وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى ، هو كائن ؟ أفي زماني هذا ، أم بعده ؟ قال لا ، بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع ؟ قال لا ، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين قال ومن يلي من ذلك من قتلهم وإخراجهم ؟ قال يليه إرم ( بن ) ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع ؟ قال لا ، بل ينقطع قال ومن يقطعه ؟ قال نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي ؟ قال رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر ؟ قال وهل للدهر من آخر ؟ قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون قال أحق ما تخبرني ؟ قال نعم والشفق والغسق والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق .

[ ربيعة بن نصر وشق ]
ثم قدم عليه شق ، فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان فقال نعم رأيت حممه خرجت من ظلمه ، فوقعت بين روضة وأكمه فأكلت منها كل ذات نسمه .
قال فلما قال له ذلك وعرف أنهما قد اتفقا وأن قولهما واحد إلا أن سطيحا قال " وقعت بأرض تهمه فأكلت منها كل ذات جمجمه " وقال شق : " وقعت بين روضة وأكمه فأكلت منها كل ذات نسمه " . فقال له الملك ما أخطأت يا شق منها شيئا ، فما عندك في تأويلها ؟ قال أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران .
فقال له الملك وأبيك يا شق ، إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن ؟ أفي زماني ، أم بعده ؟ قال لا ، بل بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن ويذيقهم أشد الهوان قال ومن هذا العظيم الشان ؟ قال غلام ليس بدني ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن ( فلا يترك أحدا منهم باليمن ) ، قال أفيدوم سلطانه أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل قال وما يوم الفصل ؟ قال يوم تجزى فيه الولاة ويدعى فيه من السماء بدعوات يسمع منها الأحياء والأموات ويجمع فيه بين الناس للميقات يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات قال أحق ما تقول ؟ قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض . قال ابن هشام : أمض يعني شكا ، هذا بلغة حمير ، وقال أبو عمرو : أمض أي باطل .

[ هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق ]
فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا . فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ ، فأسكنهم الحيرة .
[ نسب النعمان بن المنذر ]
فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النعمان بن المنذر ، فهو في نسب اليمن وعلمهم النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر ، ذلك الملك . قال ابن هشام : النعمان بن المنذر بن المنذر فيما أخبرني خلف الأحمر .

استيلاء أبي كرب تبان أسعد على ملك اليمن وغزوه إلى يثرب
قال ابن إسحاق : فلما هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن تبان أسعد أبي كرب - وتبان أسعد هو تبع الآخر - ابن كلي كرب بن زيد وزيد هو تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الريش - قال ابن هشام : ويقال الرائش - قال ابن إسحاق : ابن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج والعرنجج : حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان . قال ابن هشام : يشجب ابن يعرب بن قحطان .

[ شيء من سيرة تبان ]
قال ابن إسحاق : وتبان أسعد أبو كرب الذي قدم المدينة وساق الحبرين من يهود ( المدينة ) إلى اليمن ، وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر .
قال ابن هشام : وهو الذي يقال له
ليت حظي من أبي كرب أن يسد خيره خبله
[ غضب تبان على أهل المدينة ، وسبب ذلك ]
قال ابن إسحاق : وكان قد جعل طريقه - حين أقبل من المشرق - على المدينة ، وكان قد مر بها في بدأته فلم يهج أهلها ، وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة . فقدمها وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها ، وقطع نخلها ؟ فجمع له هذا الحي من الأنصار ورئيسهم عمرو بن طلة أخو بني النجار ، ثم أحد بني عمرو بن مبذول واسم مبذول عامر بن مالك بن النجار ، واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر .

[ نسب عمرو بن طلة ]
قال ابن هشام : عمرو بن طلة : عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن مالك بن النجار ، وطلة أمه وهي بنت عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج .

maher 08-08-2005 05:10 AM

[ سبب قتال تبان لأهل المدينة ]
قال ابن إسحاق : وقد كان رجل من بني عدي بن النجار يقال له أحمر . عدا على رجل من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده في عذق له يجده فضربه بمنجله فقتله وقال إنما التمر لمن أبره . فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا . فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك منهم ويقول والله إن قومنا لكرام .

[ انصراف تبان عن إهلاك المدينة وشعر خالد في ذلك ]
فبينا تبع على ذلك من قتالهم إذ جاءه حبران من أحبار اليهود من بني قريظة - وقريظة والنضير والنجام وعمرو ، وهو هدل بنو الخزرج بن الصريح بن التوءمان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النجام بن تنحوم بن عازر بن عزرى بن هارون بن عمران بن يصهر بن قاهث ابن لاوى بن يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليهم - عالمان راسخان في العلم حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها . فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما : ولم ذلك ؟ فقالا : هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره فتناهى عن ذلك . ورأى أن لهما علما ، وأعجبه ما سمع منهما ، فانصرف عن المدينة - واتبعهما على دينهما . فقال خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو ( ابن عبد ) بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار يفخر بعمرو بن طلة
أصحا أم قد نهى ذكره أم قضى من لذة وطره
أم تذكرت الشباب وما ذكرك الشباب أو عصره
إنها حرب رباعية مثلها أتى الفتى عبره
فاسألا عمران أو أسدا إذ أتت عدوا مع الزهره
فيلق فيها أبو كرب سبغ أبدانها ذفره
ثم قالوا : من نؤم بها أبني عوف أم النجره
بل بني النجار إن لنا فيهم قتلى وإن تره
فتلقتهم مسايفة مدها كالغبية النثره
فيهم عمرو بن طلة ملى الإله قومه عمره
سيد سامي الملوك ومن رام عمرا لا يكن قدره
وهذا الحي من الأنصار يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحي من يهود الذين كانوا بين أظهرهم وإنما أراد هلاكهم فمنعوهم منه حتى انصرف عنهم ولذلك قال في شعره
حنقا على سبطين حلا يثربا أولى لهم بعقاب يوم مفسد
قال ابن هشام : الشعر الذي في هذا البيت مصنوع فذلك الذي منعنا من إثباته .

[ اعتناق تبان اليهودية ، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك ]
قال ابن إسحاق : وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها ، فتوجه إلى مكة ، وهي طريقه إلى اليمن ، حتى إذا كان بين عسفان ، وأمج ، أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ، فقالوا له أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك ، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة " قال بلى ، قالوا : بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده
وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده . فلما أجمع لما قالوا أرسل إلى الحبرين فسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك ، ما نعلم بيتا لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن وليهلكن من معك جميعا - قال فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت عليه قالا : تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتذل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك " قال أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم . وإنه لكما أخبرناك ولكن أهله
حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يهرقون عنده وهم نجس أهل شرك - أو كما قالا له - فعرف نصحهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هذيل ، فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة . فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام - فيما يذكرون - ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل وأرى في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل فكان تبع - فيما يزعمون أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره وألا يقربوه دما ولا ميتة ولا مئلاة وهي المحايض وجعل له بابا ومفتاحا وقالت سبيعة بنت الأحب بن زبينة بن جذيمة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر ابن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وكانت عند عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة ، لابن لها منه يقال له خالد تعظم عليه حرمة مكة ، وتنهاه عن البغي فيها ، وتذكر تبعا وتذلله لها ، وما صنع بها :
أبني لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبير
واحفظ محارمها بن ي ولا يغرنك الغرور
أبني من يظلم بمكة يلق أطراف الشرور
أبني يضرب وجهه ويلح بخديه السعير
أبني قد جربتها فوجدت ظالمها يبور
الله أمنها وما بنيت بعرصتها قصور
والله أمن طيرها والعصم تأمن في ثبير
ولقد غزاها تبع فكسا بنيتها الحبير
وأذل ربي ملكه فيها فأوفى بالنذور
يمشي إليها حافيا بفنائها ألفا بعير
ويظل يطعم أهلها لحم المهارى والجزور
يسقيهم العسل المصفى والرحيض من الشعير
والفيل أهلك جيشه يرمون فيها بالصخور
والملك في أقصى البلا د وفي الأعاجم الخزير
فاسمع إذا حدثت وافهم كيف عاقبة الأمور
قال ابن هشام . يوقف على قوافيها لا تعرب .

[ دعوة تبان قومه إلى اليهودية‏، وتحكيمهم النار بينهم وبينه ]
ثم خرج منها متوجها إلى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى إذا دخل اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى يحاكموه إلى النار التي كانت باليمن .
قال ابن إسحاق : حدثني أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث
أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا : لا تدخلها علينا ، وقد فارقت ديننا ، فدعاهم إلى دينه وقال إنه خير من دينكم فقالوا : فحاكمنا إلى النار قال نعم
قال وكانت باليمن - فيما يزعم أهل اليمن - نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضر المظلوم
فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها ، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها ، فذمرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر لها ، فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرهما ، فأصفقت عند ذلك حمير على دينه فمن هنالك وعن ذلك كان أصل اليهودية باليمن .
قال ابن إسحاق : وقد حدثني محدث أن الحبرين ومن خرج من حمير ، إنما اتبعوا النار ليردوها ، وقالوا : من ردها فهو أولى بالحق فدنا منها رجال من حمير بأوثانهم ليردوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة وتنكص عنهما ، حتى رداها إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما ، والله أعلم أي ذلك كان

maher 08-08-2005 05:12 AM

[ رئام وما صار إليه ]
قال ابن إسحاق : وكان رئام بيتا لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون ( منه ) إذ كانوا على شركهم ؟ فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يفتنهم بذلك فخل بيننا وبينه قال فشأنكما به فاستخرجا منه - فيما يزعم أهل اليمن - كلبا أسود فذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم - كما ذكر لي - بها آثار الدماء التي كانت تهراق عليه .
ملك ابنه حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه له
( سبب قتله )
فلما ملك ابنه حسان بن تبان أسعد أبي كرب سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم ، حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق - قال ابن هشام : بالبحرين فيما ذكر لي بعض أهل العلم - كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهلهم فكلموا أخا له يقال له عمرو ، وكان معه في جيشه فقالوا له اقتل أخاك حسان ونملكك علينا ، وترجع بنا إلى بلادنا ، فأجابهم . فاجتمعت على ذلك إلا ذا رعين الحميري فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه فقال ذو رعين
ألا من يشتري سهرا بنوم سعيد من يبيت قرير عين
فأما حمير غدرت وخانت فمعذرة الإله لذي رعين
ثم كتبهما في رقعة وختم عليها ، ثم أتى بها عمرا فقال له ضع لي هذا الكتاب عندك ، ففعل تم قتل عمرو أخاه حسان ورجع بمن معه إلى اليمن ; فقال رجل من حمير :
لاه عينا الذي رأى مثل حسا ن قتيلا في سالف الأحقاب
قتلته مقاول خشية الحبس غداة قالوا : لباب لباب
ميتكم خيرنا وحيكم رب علينا وكلكم أربابي
قال ابن إسحاق : وقوله لباب لباب لا بأس لا بأس بلغة حمير قال ابن هشام : ويروى : لباب لباب .

[ ندم عمرو وهلاكه ]
قال ابن إسحاق : فلما نزل عمرو بن تبان اليمن منع منه النوم وسلط عليه السهر فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحزاة من الكهان والعرافين عما به فقال له قائل منهم إنه والله ما قتل رجل قط أخاه أو ذا رحمه بغيا على مثل ما قتلت أخاك عليه إلا ذهب نومه وسلط عليه السهر فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن ، حتى خلص إلى ذي رعين فقال له ذو رعين إن لي عندك براءة فقال وما هي ؟ قال الكتاب الذي دفعت إليك : فأخرجه فإذا فيه البيتان فتركه ورأى أنه قد نصحه .
وهلك عمرو ، فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا

وثوب لخينعة ذي شناتر على ملك اليمن
[ توليه الملك وشيء من سيرته ثم قتله ]
فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة يقال له لخنيعة ينوف . ذو شناتر ، فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم فقال قائل من حمير للخنيعة :
حمير للخنيعة :
تقتل أبناها وتنفي سراتها وتبني بأيديها لها الذل حمير
تدمر دنياها بطيش حلومها وما ضيعت من دينها فهو أكثر
كذاك القرون هل ذاك بظلمها وإسرافها تأتي الشرور فتخسر
وكان لخنيعة امرئ فاسقا يعمل عمل قوم لوط ، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك . لئلا يملك بعد ذلك ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده قد أخذ مسواكا فجعله في فيه أي ليعلمهم أنه قد فرغ منه . حتى بعث إلى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي حسان وكان صبيا صغيرا حين قتل حسان ثم شب غلاما جميلا وسيما ، ذا هيئة وعقل فلما أتاه رسوله عرف ما يريد منه فأخذ سكينا حديدا لطيفا ، فخبأه بين قدمه ونعله ثم أتاه فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله ثم حز رأسه فوضعه في الكوة التي كان يشرف منها ، ووضع مسواكه في فيه ثم خرج على الناس فقالوا له ذا نواس أرطب أم يباس فقال سل نخماس استرطبان ذو نواس . استرطبان لاباس - قال ابن هشام : هذا كلام حمير . ونخماس : الرأس - فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع فخرجوا في إثر ذي نواس حتى أدركوه فقالوا : ما ينبغي أن يملكنا غيرك : إذ أرحتنا من هذا الخبيث .
ملك ذي نواس
فملكوه واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن ، فكان آخر ملوك حمير ، وهو صاحب الأخدود ، وتسمى يوسف فأقام في ملكه زمانا .

[ النصرانية بنجران ]
وبنجران بقايا من أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإنجيل ، أهل فضل واستقامة من أهل دينهم لهم رأس يقال له عبد الله بن الثامر ، وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران ، وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها ، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين يقال له فيميون - وقع بين أظهرهم فحملهم عليه فدانوا به .

ابتداء وقوع النصرانية بنجران
[ فيميون وصالح ونشر النصرانية بنجران ]
قال ابن إسحاق : حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم يقال له فيميون ، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا ، مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بين القرى ، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها ، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا ، وخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي .
قال وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا ، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله فكان يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون : حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع وقد اتبعه صالح وفيميون لا يدري فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه لا يحب أن يعلم بمكانه .
وقام فيميون يصلي ، فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة - فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخافها عليه فعيل عوله فصرخ يا فيميون ، التنين قد أقبل نحوك ، فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها ، وأمسى فانصرف .
وعرف أنه قد عرف وعرف صالح أنه قد رأى مكانه فقال ( له يا ) فيميون ، تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك وقد أردت صحبتك ، والكينونة معك حيث كنت ، فقال ما شئت أمري كما ترى ، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم ؟ فلزمه صالح .
وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفي وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير فسأل عن شأن فيميون فقيل له إنه لا يأتي أحدا دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر .
فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا ، تم جاءه فقال له يا فيميون ، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا ، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه فأشارطك عليه . فانطلق معه حتى دخل حجرته ثم قال له ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ؟ قال كذا وكذا ، ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ثم قال له يا فيميون ، عبد من عباد الله أصابه ما ترى ، فادع الله له .
فدعا له فيميون ، فقام الصبي ليس به بأس . وعرف فيميون أنه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة . فناداه منها رجل فقال يا فيميون ; قال نعم قال ما زلت أنظرك وأقول متى هو جاء حتى سمعت صوتك ، فعرفت أنك هو لا تبرح حتى تقوم علي فإني ميت الآن قال فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب . فعدوا عليهما .
فاختطفتهما سيارة من بعض العرب ، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران وأهل نجران يومئذ على دين العرب ، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما . فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر .
فكان فيميون إذا قام من الليل يتهجد في بيت له - أسكنه إياه سيده - يصلي ، استسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون : إنما أنتم في باطل إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها ، وهو الله وحده لا شريك له . قال فقال له سيده فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك ، وتركنا ما نحن عليه .
قال فقام فيميون ، فتطهر وصلى ركعتين ثم دعا الله عليها ، فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها ، فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب قال ابن إسحاق : فهذا حديث وهب بن منبه عن أهل نجران .

maher 08-08-2005 05:12 AM

أمر عبد الله بن الثامر وقصة أصحاب الأخدود
[ فيميون وابن الثامر واسم الله الأعظم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي ، وحدثني أيضا بعض أهل نجران عن أهلها :
أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان وكان في قرية من قراها قريبا من نجران - ونجران : القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد - ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها فيميون - ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به وهب بن منبه ، قالوا : رجل نزلها - ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث إليه الثامر ابنه عبد الله بن الثامر ، مع غلمان أهل نجران فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى منه من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه . ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم .
وكان يعلمه فكتمه إياه . وقال ( له ) : يا ابن أخي ، إنك لن تحمله أخشى عليك ضعفك عنه . والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه . وتخوف ضعفه فيه عمد إلى أقداح فجمعها . ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح ولكل اسم قدح حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا .
حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه . فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئا فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره بأنه قد علم الاسم الذي كتمه ؟ فقال وما هو ؟ قال هو كذا وكذا ؟ وكيف علمته ؟ فأخبره بما صنع قال أي ابن أخي ، قد أصبته فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل .

[ ابن الثامر ودعوته إلى النصرانية بنجران ]
فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال ( له ) يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟ فيقول نعم فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى . حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران ، فدعاه فقال ( له ) : أفسدت علي أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين آبائي ، لأمثلن بك ، قال لا تقدر على ذلك .
قال فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس . فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر : إنك والله لن تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني . قال فوحد الله تعالى ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ، ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله ثم هلك الملك مكانه ؟ واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر ، وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحكمه ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران ، والله أعلم بذلك .
قال ابن إسحاق : فهذا حديث محمد بن كعب القرظي ، وبعض أهل نجران عن عبد الله بن الثامر ، والله أعلم أي ذلك كان .

[ ذو نواس ‏وخد الأخدود ]
فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل فخد لهم الأخدود فحرق من حرق بالنار وقتل بالسيف ومثل به حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا ، ففي ذي نواس وجنده تلك أنزل الله تعالى على رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد
( الأخدود لغة )
قال ابن هشام : الأخدود الحفر المستطيل في الأرض كالخندق والجدول ونحوه وجمعه أخاديد . قال ذو الرمة واسمه غيلان بن عقبة أحد بني عدي بن عبد مناف بن أد بن طانجة بن إلياس بن مضر :
من العراقية اللاتي يحيل لها بين الفلاة وبين النخل أخدود
يعني جدولا . وهذا البيت في قصيدة له . قال ويقال لأثر السيف والسكين في الجلد وأثر السوط ونحوه أخدود وجمعه أخاديد .

[ مقتل ابن الثامر ]
قال ابن إسحاق : ويقال كان فيمن قتل ذو نواس عبد الله بن الثامر ، رأسهم وإمامهم .
[ ما يروى عن ابن الثامر في قبره ]
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعدا ، واضعا يده على ضربة في رأسه ممسكا بيده عليها فإذا أخرت يده عنها تنبعث دما ، وإذا أرسلت يده ردها عليها ، فأمسكت دمها ، وفي يده خاتم مكتوب فيه " ربي الله " فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبر بأمره فكتب إليهم عمر رضي الله عنه أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه ففعلوا

أمر دوس ذي ثعلبان ، وابتداء ملك الحبشة وذكر أرياط المستولي على اليمن
[ فرار دوس واستنصاره بقيصر ]
قال ابن إسحاق : وأفلت منهم رجل من سبأ ، يقال له دوس ذو ثعلبان ، على فرس له فسلك الرمل فأعجزهم فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر ملك الروم ، فاستنصره على ذي نواس وجنوده وأخبره بما بلغ منهم فقال له . بعدت بلادك منا ، ولكني سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين وهو أقرب إلى بلادك ، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره .

[ انتصار أرياط وهزيمة ذي نواس وموته ]
فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر ، فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة ، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط ، ومعه في جنده أبرهة الأشرم ، فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ، ومعه دوس ذو ثعلبان ، وسار إليه ذو نواس في حمير ، ومن أطاعه من قبائل اليمن ، فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه . فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به إلى غمره فأدخله فيه وكان آخر العهد به . ودخل أرياط اليمن ، فملكها

[ نسب زبيد ]
قال ابن هشام : زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، ويقال زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ويقال زبيد بن صعب . ومراد يحابر بن مذحج .
[ سبب قول عمرو بن معدي كرب هذا الشعر ]
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان وهو بأرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء فعرض الخيل فمر به فرس عمرو بن معدي كرب ، فقال له سلمان فرسك هذا مقرف فغضب عمرو ، وقال هجين عرف هجينا مثله فوثب إليه قيس فتوعده فقال عمرو هذه الأبيات .

[ صدق كهانة سطيح وشق ]
قال ابن هشام : فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله " ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش " . والذي عنى شق الكاهن بقوله " لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران " .

maher 08-08-2005 05:13 AM

[غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن وقتل أرياط ]
[ ما كان بين أرياط وأبرهة ]
قال ابن إسحاق : فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي - ( وكان في جنده ) حتى تفرقت الحبشة عليهما فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما إلى الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط : إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا فابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده . فأرسل إليه أرياط : أنصفت فخرج إليه أبرهة وكان رجلا قصيرا ( لحيما حادرا ) وكان ذا دين في النصرانية " وخرج إليه أرياط ، وكان رجلا جميلا عظيما طويلا ، وفي يده حربة له . وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة يمنع ظهره . فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه أنفه وعينه وشفته فبذلك سمي أبرهة الأشرم وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله . وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وودى أبرهة أرياط .

[ غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه ]
فلما بلغ ذلك النجاشي غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميري فقتله بغير أمري . تم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته . فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن . ثم بعث به إلى النجاشي ، ثم كتب إليه
أيها الملك إنما كان أرياط عبدك ، وأنا عبدك ، فاختلفنا في أمرك ، وكل طاعته لك ، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ، ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه في .
فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري . فأقام أبرهة باليمن .

أمر الفيل وقصة النسأة
[ بناء القليس ]
ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء ، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب ، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من النسأة . أحد بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس من مضر .
[ معنى النسأة ]
والنسأة : الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله
[ المواطأة لغة ]
قال ابن هشام : ليواطئوا : ليوافقوا ; والمواطأة الموافقة تقول العرب : واطأتك على هذا الأمر أي وافقتك عليه . والإيطاء في الشعر الموافقة وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد وجنس واحد نحو قول العجاج - واسم العجاج عبد الله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم بن مر بن أد بن طانجة بن إلياس بن مضر بن نزار .
في أثعبان المنجنون المرسل
ثم قال
مد الخليج في الخليج المرسل
وهذان البيتان في أرجوزة له .

[ تاريخ النسء عند العرب ]
قال ابن إسحاق : وكان أول من نسأ الشهور على العرب فأحلت منها ما أحل وحرمت منها ما حرم القلمس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة . ثم قام بعده على ذلك ابنه ( عباد ) بن حذيفة ثم قام بعد عباد قلع بن عباد ثم قام بعد قلع أمية بن قلع ثم قام بعد أمية عوف بن أمية ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف وكان آخرهم وعليه قام الإسلام . وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فحرم الأشهر الحرم الأربعة رجبا ، وذا القعدة وذا الحجة والمحرم . فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفر فحرموه ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم . فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين الصفر الأول ونسأت الآخر للعام المقبل فقال في ذلك عمير بن قيس " جذل الطعان " أحد بني فراس بن غنم ( بن ثعلبة ) بن مالك بن كنانة ، يفخر بالنسأة على العرب
لقد علمت معد أن قومي كرام الناس أن لهم كراما
فأي الناس فاتونا بوتر وأي الناس لم نعلك لجاما
ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما
؟ قال ابن هشام : أول الأشهر الحرم المحرم .

‏ [ إحداث الكناني في القليس ، وحملة أبرهة على الكعبة ]
قال ابن إسحاق : فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق : ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر بذلك أبرهة فقال من صنع هذا ؟ فقيل له صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك : " أصرف إليها حج العرب " غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل . فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ثم سار وخرج معه بالفيل وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام

[ هزيمة ذي نفر أمام أبرهة ]
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر ، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام وما يريد من هدمه وإخرابه فأجابه إلى ذلك من أجابه ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ، فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق وكان أبرهة رجلا حليما .

[ ما وقع بين نفيل وأبرهة ]
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم : شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيرا فأتي به فلما هم بقتله قال له نفيل أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم : شهران وناهس بالسمع والطاعة فخلى سبيله .

[ ابن معتب وأبرهة ]
وخرج به معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن مرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف .

[ نسب ثقيف وشعر ابن أبي الصلت في ذلك ]
واسم ثقيف : قسي بن النبيت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمى بن إياد ( بن نزار ) بن معد بن عدنان . قال أمية بن أبي الصلت الثقفي :
قومي إياد لو أنهم أمم قومي إياد لو أنهم أمم أو لو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم ساحة العراق إذا ساروا جميعا والقط والقلم
وقال أمية بن أبي الصلت أيضا :
فإما تسألي عني لبينى وعن نسبي أخبرك اليقينا
فإنا للنبيت أبي قسي لمنصور بن يقدم الأقدمينا
قال ابن هشام : ثقيف قسى بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية .

[ استسلام أهل الطائف لأبرهة ]
قال ابن إسحاق : فقالوا له أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف . وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللاتي - إنما تريد البيت الذي بمكة . ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم . ( اللاتي ) : واللاتي : بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة .
قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري
وفرت ثقيف إلى لاتها بمنقلب الخائب الخاسر
وهذا البيت في أبيات له .

[ معونة أبي رغال لأبرهة وموته وقبره ]
قال ابن إسحاق : فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ; فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس .

maher 08-08-2005 05:15 AM

[ الأسود واعتداؤه على مكة ]
فلما نزل أبرهة المغمس . بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال ( أهل ) تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مئتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمت قريش وكنانة وهذيل . ومن كان بذلك الحرم ( من سائر الناس ) بقتاله . ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك .

[ حناطة وعبد المطلب ]
وبعث أبرهة - حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ثم قل ( له ) : إن الملك يقول لك : إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به . فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هاشم ( بن عبد مناف بن قصي ) فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه . وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه فقال ( له ) حناطة : فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك .
[ ذو نفر وأنيس وتوسطهما لعبد المطلب لدى أبرهة ]
فانطلق معه عبد المطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه فقال له يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك . ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك فقال حسبي فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له إن عبد المطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل والوحوش في رءوس الجبال وقد أصاب له الملك مئتي بعير فاستأذن له عليه . وانفعه عنده بما استطعت ; فقال أفعل .
فكلم أنيس أبرهة فقال له أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته ( وأحسن إليه ) قال فأذن له أبرهة .

[ عبد المطلب وحناطة وخويلد بين يدي أبرهة ]
قال وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ثم قال لترجمانه قل له حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان فقال حاجتي أن يرد علي الملك مئتي بعير أصابها لي ، فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت أهدمه لا تكلمني فيه قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع مني ، قال أنت وذاك .
وكان فيما يزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة ، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد بني بكر وخويلد بن واثلة الهذلي ، وهو يومئذ سيد هذيل ; فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم . والله أعلم أكان ذلك أم لا . فرد أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب له .

[ عبد المطلب في الكعبة يستنصر بالله على رد أبرهة ]
فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب تخوفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :
لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
( زاد الواقدي )
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
قال ابن هشام : هذا ما صح له منها .

( شعر لعكرمة في الدعاء على الأسود بن مقصود )
قال ابن إسحاق : وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي .
لا هم أخز الأسود بن مقصود الآخذ الهجمة فيها التقليد
بين حراء وثبير فالبيد يحبسها وهي أولات التطريد
فضمها إلى طماطم سود أخفره يا رب وأنت محمود
قال ابن هشام : هذا ما صح له منها ، والطماطم الأعلاج قال ابن إسحاق ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة ، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها .

[ دخول أبرهة مكة وما وقع له ولفيله وشعر نفيل في ذلك ]
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبى جيشه وكان اسم الفيل محمودا وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب ( الخثعمي ) حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه . فقال ابرك محمود أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه
فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى ، فضربوا ( في ) رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا إلا هلك وليس كلهم أصابت .
وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب قال ابن هشام : قوله " ليس الغالب " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال نفيل أيضا :
ألا حييت عنا يا ردينا نعمناكم مع الإصباح عينا
( أتانا قابس منكم عشاء فلم يقدر لقابسكم لدينا )
ردينة لو رأيت - ولا تريه لدى جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا
وكل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم تسقط ( أنامله ) أنملة أنملة كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون .
قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام وأنه أول ما رئي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام .

maher 08-08-2005 05:15 AM

[ ما ذكر في القرآن عن قصة الفيل وشرح ابن هشام لمفرداته ]
قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال الله تبارك وتعالى : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول
وقال لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه .
قال ابن هشام : الأبابيل الجماعات ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه . وأما السجيل فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب قال رؤبة بن العجاج :
ومسهم ما مس أصحاب الفيل ترميهم حجارة من سجيل
ولعبت طير بهم أبابيل
وهذه الأبيات في أرجوزة له . ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج الحجر ، والجل الطين . يعني : الحجارة من هذين الجنسين الحجر والطين . والعصف ورق الزرع الذي لم يقصب وواحدته عصفة . قال وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له العصافة والعصيفة . وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم :
تسقى مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتى الماء مطموم
وهذا البيت في قصيدة له . وقال الراجز
فصيروا مثل كعصف مأكول
قال ابن هشام : ولهذا البيت تفسير في النحو . وإيلاف قريش : إيلافهم الخروج إلى الشام في تجارتهم وكانت لهم خرجتان خرجة في الشتاء وخرجة في الصيف .
أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد وأنشدني لذي الرمة من المؤلفات الرمل
أدماء حرة شعاع الض حى في لونها يتوضح
وهذا البيت في قصيدة له . وقال مطرود بن كعب الخزاعي :
المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف
وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .
والإيلاف أيضا : أن يكون للإنسان ألف من الإبل أو البقر أو الغنم أو غير ذلك .
يقال آلف فلان إيلافا . قال الكميت بن زيد أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
بعام يقول له المؤلفون هذا المعيم لنا المرجل
وهذا البيت في قصيدة له .
والإيلاف أيضا : أن يصير القوم ألفا ، يقال آلف القوم إيلافا قال الكميت بن زيد
وآل مزيقياء غداة لاقوا بني سعد بن ضبة مؤلفينا
وهذا البيت في قصيدة له .
والإيلاف أيضا : أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه ويلزمه يقال آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضا : أن تصير ما دون الألف ألفا ، يقال آلفته إيلافا .

[ ما أصاب قائد الفيل وسائسه ]
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس

[ ما قيل في صفة الفيل من الشعر ]
[ إعظام العرب قريشا بعد حادثة الفيل ]
قال ابن إسحاق : فلما رد الله الحبشة عن مكة ، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة أعظمت العرب قريشا ، وقالوا : هم أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم مئونة عدوهم . فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما رد عن قريش من كيدهم .

[ ملك يكسوم ثم مسروق على اليمن ]
قال ابن إسحاق : فلما هلك أبرهة ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى ، فلما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة .

خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن
فلما طال البلاء على أهل اليمن ، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبي مرة حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكا إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث إليهم من شاء من الروم ، فيكون له ملك اليمن فلم يشكه ( ولم يجد عنده شيئا مما يريد ) .

[ توسط النعمان لابن ذي يزن لدى كسرى ]
فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر ، وهو عامل كسرى على الحيرة ، وما يليها من أرض العراق ، فشكا إليه أمر الحبشة فقال له النعمان إن لي على كسرى وفادة في كل عام فأقم حتى يكون ذلك . ففعل ثم خرج معه فأدخله على كسرى .
وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه وكان تاجه مثل القنقل العظيم - فيما يزعمون - يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك .
وكانت عنقه لا تحمل تاجه إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ثم يدخل رأسه في تاجه فإذا استوى في مجلسه كشفت عنه الثياب فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك .

ابن ذي يزن بين يدي كسرى ، ومعاونة كسرى له
قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه فقال الملك إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ثم يطأطئ رأسه ؟ فقيل ذلك لسيف فقال إنما فعلت هذا لهمي ; لأنه يضيق عنه كل شيء .
قال ابن إسحاق : ثم قال له أيها الملك غلبتنا على بلادنا الأغربة ، فقال له كسرى : أي الأغربة : الحبشة أم السند فقال بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك ، قال بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة . فلما قبض ذلك منه سيف خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس فبلغ ذلك الملك فقال إن لهذا لشأنا ، ثم بعث إليه فقال عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس فقال وما أصنع بهذا ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة يرغبه فيها .
فجمع كسرى مرازبته فقال لهم ماذا ترون في أمر هذا الرجل وما جاء له ؟ فقال قائل أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنك بعثتهم معه فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم وإن ظفروا كان ملكا ازددته . فبعث معه كسرى من كان في سجونه وكانوا ثمان مئة رجل .

maher 08-08-2005 05:16 AM

[ وهرز وسيف بن ذي يزن وانتصارهما على مسروق وما قيل في ذلك من الشعر ]
واستعمل عليهم رجلا يقال له وهرز ، وكان ذا سن فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا فخرجوا في ثمان سفائن فغرقت سفينتان ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن . فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه وقال له رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا .
قال له وهرز : أنصفت وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده . فأرسل إليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز : أروني ملكهم فقالوا له أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء ؟ قال نعم قالوا : ذاك ملكهم فقال اتركوه . فوقفوا طويلا ، ثم قال علام هو ؟ قالوا : قد تحول على الفرس ، قال اتركوه . فوقفوا طويلا ؟ ثم قال علام هو ؟ قالوا : قد تحول على البغلة . قال وهرز : بنت الحمار ذل وذل ملكه إني سأرميه فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم . فإني قد أخطأت الرجل وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم .
ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها ، وأمر بحاجبيه فعصبا له ثم رماه فصك الياقوتة التي بين عينيه فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه ونكس عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس ، وانهزموا ، فقتلوا وهربوا في كل وجه وأقبل وهرز ليدخل صنعاء ، حتى إذا أتى بابها ، قال لا تدخل رايتي منكسة أبدا ، اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رايته . فقال سيف بن ذي يزن الحميري :
يظن الناس بالملكين أنهما قد التأما
ومن يسمع بلأمهما فإن الخطب قد فقما
قتلنا القيل مسروقا وروينا الكثيب دما
وإن القيل قيل الناس وهرز مقسم قسما
يذوق مشعشعا حتى يفيء السبي والنعما
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات له . وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له .
قال ابن إسحاق : وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي قال ابن هشام : وتروى لأمية بن أبي الصلت :
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ريم في البحر للأعداء أحوالا
يمم قيصر لما حان رحلته فلم يجد عنده بعض الذي سالا
ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة من السنين يهين النفس والمالا
حتى أتى ببني الأحرار يحملهم إنك عمري لقد أسرعت قلقالا
لله درهم من عصبة خرجوا ما إن رأى لهم في الناس أمثالا
بيضا مراربة غلبا أساورة أسدا تربب في الغيضات أشبالا
يرمون عن شدف كأنها غبط بزمخر يعجل المرمي إعجالا
أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد أضحى شريدهم في الأرض فلالا
فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا في رأس غمدان دارا منك محلالا
واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم وأسبل اليوم في برديك إسبالا
تلك المكارم لاقعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
قال ابن هشام : هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها ، إلا آخرها بيتا قوله
تلك المكارم لاقعبان من لبن
فإنه للنابغة الجعدي . واسمه ( حبان بن ) عبد الله بن قيس ، أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال عدي بن زيد الحيري ، وكان أحد بني تميم . قال ابن هشام : ثم أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ، ويقال عدي من العباد من أهل الحيرة :
ما بعد صنعاء كان يعمرها ولاة ملك جزل مواهبها
رفعها من بنى لدى قزع المزن وتندى مسكا محاربها
محفوفة بالجبال دون عرى الكائد ما ترتقى غواربها
يأنس فيها صوت النهام إذا جاوبها بالعشي قاصبها
ساقت إليها الأسباب جند بني الأحرار فرسانها مواكبها
وفوزت بالبغال توسق بالحتف وتسعى بها توالبها
حتى رآها الأقوال من طرف المنقل مخضرة كتائبها
يوم ينادون آل بربر واليكسوم لا يفلحن هاربها
وكان يوم باقي الحديث وزالت إمة ثابت مراتبها
وبدل الفيج بالزرافة والأيام جون جم عجائبها
بعد بني تبع نخاورة قد اطمأنت بها مرازبها
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . وأنشدني أبو زيد ( الأنصاري ) ورواه لي عن المفضل الضبي قوله
يوم ينادون آل بربر واليكسوم
. . . . إلخ

ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن
[ ملك الحبشة في اليمن وملوكهم ]
قال ابن إسحاق : فأقام وهرز والفرس باليمن ، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس الأبناء الذين باليمن اليوم .
وكان ملك الحبشة باليمن ، فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة ، اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة أرياط ، ثم أبرهة ، ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروق بن أبرهة .

[ ملوك الفرس على اليمن ]
قال ابن هشام : ثم مات وهرز ، فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن ، ثم مات التينجان فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن ، ثم عزله وأمر باذان فلم يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا ( النبي ) صلى الله عليه وسلم .

[ كسرى وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ]
فبلغني عن الزهري أنه قال كتب كسرى إلى باذان : أنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة ، يزعم أنه نبي ، فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه .
فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر وقال إن كان نبيا فسيكون ما قال . فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : قتل على يدي ابنه شيرويه ، وقال خالد بن حق الشيباني :
وكسرى إذ تقسمه بنوه بأسياف كما اقتسم اللحام
تمخضت المنون له بيوم أنى ولكل حاملة تمام

maher 08-08-2005 05:20 AM

[ إسلام باذان ]
قال الزهري : فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت الرسل من الفرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من نحن يا رسول الله ؟ قال أنتم منا وإلينا أهل البيت .

[ سلمان منا ]
قال ابن هشام : فبلغني عن الزهري أنه قال فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت

[ بعثة النبي ونبوءة سطيح وشق ]
قال ابن هشام : فهو الذي عنى سطيح بقوله " نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي " . والذي عنى شق بقوله " بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل " .

[ الحجر الذي وجد باليمن ]
قال ابن إسحاق : وكان في حجر باليمن - فيما يزعمون كتاب - بالزبور كتب في الزمان الأول " لمن ملك ذمار ؟ لحمير الأخيار لمن ملك ذمار ؟ للحبشة الأشرار لمن ملك ذمار ؟ لفارس الأحرار لمن ملك ذمار ؟ لقريش التجار " . وذمار : اليمن أو صنعاء .
قال ابن هشام : ذمار : بالفتح فيما أخبرني يونس

قصة ملك الحضر
[ نسب النعمان وشيء عن الحضر ، وشعر عدي فيه ]
قال ابن هشام : وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن جناد ، أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب أنه يقال إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر
والحضر : حصن عظيم كالمدينة ، كان على شاطئ الفرات ، وهو الذي ذكر عدي بن زيد في قوله
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فبان الملك عنه فبابه مهجور
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . والذي ذكره أبو دواد الإيادي في قوله
وأرى الموت قد تدلى من الحضر على رب أهله الساطرون
وهذا البيت في قصيدة له . ويقال إنها لخلف الأحمر ويقال لحماد الراوية .

[ دخول سابور الحضر ، وزواجه بنت ساطرون وما وقع بينهما ]
وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر ، فحصره سنتين فأشرفت بنت ساطرون يوما ، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلا ، فدست إليه أتتزوجني إن فتحت لك باب الحضر ؟ فقال نعم فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران . فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ، ففتح الباب فدخل سابور فقتل ساطرون ، واستباح الحضر وخربه وسار بها معه فتزوجها .
فبينا هي نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تتململ لا تنام فدعا لها بشمع ففتش فراشها ، فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور أهذا الذي أسهرك ؟ قالت نعم قال فما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر قال أفكان جزاء أبيك ما صنعت به ؟ أنت إلي بذلك أسرع ثم أمر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض الفرس حتى قتلها . ففيه يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة :
ألم تر للحضر إذ أهله بنعمى وهل خالد من نعم
أقام به شاهبور الجنود حولين تضرب فيه القدم
فلما دعا ربه دعوة أناب إليه فلم ينتقم
وهذه الأبيات في قصيدة له .

ذكر ولد نزار بن معد
[ أولاده في رأي ابن إسحاق وابن هشام ]
قال ابن إسحاق : فولد نزار بن معد ثلاثة نفر مضر بن نزار وربيعة بن نزار وأنمار بن نزار .
قال ابن هشام وإياد بن نزار .
قال الحارس بن دوس الإيادي ، ويروى لأبي دواد الإيادي و اسمه جارية بن الحجاج
وفتو حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد
وهذا البيت في أبيات له .
فأم مضر وإياد سودة بنت عك بن عدنان وأم ربيعة و أنمار شفيقة بنت عك بن عدنان ، ويقال جمعة بنت عك بن عدنان .

[ أولاد أنمار ]
قال ابن إسحاق : فأنمار أبو خثعم وبجيلة . قال جرير بن عبد الله البجلي وكان سيد بجيلة ، وهو الذي يقول له القائل
لولا جرير هلكت بجيله نعم الفتى وبئست القبيله
وهو ينافر الفرافصة الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي ( بن عقال بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ) :
يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع
وقال
ابني نزار انصرا أخاكما إن أبي وجدته أباكما
لن يغلب اليوم أخ والاكما
وقد تيامنت فلحقت باليمن . قال ابن هشام : قالت اليمن : وبجيلة : أنمار بن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ; ويقال إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث . ودار بجيلة وخثعم : يمانية .

[ أولاد مضر ]
قال ابن إسحاق : فولد مضر بن نزار رجلين إلياس بن مضر ، وعيلان بن مضر . قال ابن هشام : وأمهما جرهمية .
[ أولاد إلياس ]
قال ابن إسحاق : فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة بن إلياس وطابخة بن إلياس وقمعة بن إلياس وأمهم خندف ، امرأة من اليمن .

[ شيء عن خندف وأولادها ]
قال ابن هشام : خندف بنت عمران بن الحاف بن قضاعة .
قال ابن إسحاق : وكان اسم مدركة عامرا ، واسم طابخة عمرا ; وزعموا أنهما كانا في إبل لهما يرعيانها ، فاقتنصا صيدا فقعدا عليه يطبخانه وعدت عادية على إبلهما ، فقال عامر لعمرو : أتدرك الإبل أم تطبخ هذا الصيد ؟ فقال عمرو : بل أطبخ فلحق عامر بالإبل فجاء بها ، فلما راحا على أبيهما حدثاه بشأنهما ، فقال لعامر أنت مدركة وقال لعمرو : وأنت طابخة ( وخرجت أمهم لما بلغها الخبر وهي مسرعة فقال لها : تخندفين فسميت خندف ) .
وأما قمعة فيزعم نساب مضر : أن خزاعة من ولد عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس .

قصة عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار فسألته عمن بيني وبينه من الناس فقال هلكوا
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة - قال ابن هشام : واسم أبي هريرة عبد الله بن عامر ، ويقال اسمه عبد الرحمن بن صخر - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه فقال أكثم عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله ؟ قال لا ، إنك مؤمن وهو كافر إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي

[ جلب الأصنام من الشام إلى مكة ]
قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء ، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق . ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فتمطرنا ، و نستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم أفلا تعطونني منها صنما ، فأسير به إلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة ، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .

[ أول عبادة الحجارة كانت في بني إسماعيل ]
قال ابن إسحاق : ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها ، من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه . فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا : " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك " . فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده . يقول الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي .

[ الأصنام عند قوم نوح ]
وقد كانت لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها ، قص الله تبارك وتعالى خبرها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا

maher 08-08-2005 05:21 AM

[ القبائل وأصنامها ، وشيء عنها ]
فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، اتخذوا سواعا ، فكان لهم برهاط .
وكلب بن وبرة من قضاعة ، اتخذوا ودا بدومة الجندل .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك الأنصاري :
وننسى اللات والعزى وودا ونسلبها القلائد والشنوفا
قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله .

[إساف ونائلة وحديث عائشة عنهما ]
قال ابن إسحاق : ، اتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو إساف بن بغي ونائلة بنت ديك - فوقع إساف على نائلة في الكعبة ، فمسخهما الله حجرين .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت
سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم ، أحدثا في الكعبة ، فمسخهما الله تعالى حجرين والله أعلم . قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل
قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .

[ ما كان يفعله العرب مع الأصنام ]
قال ابن إسحاق : واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره وإذا قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف به كطوافها بها ، وتنحر عندها . وهى تعرف فضل الكعبة عليها ، لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده .

أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي
قال ابن إسحاق : فأما البحيرة فهي بنت السائبة والسائبة الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ، ثم خلي سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها ، فهي البحيرة بنت السائبة . والوصيلة الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة . قالوا : قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم .
قال ابن هشام : ويروي : فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم . قال ابن إسحاق : والحامي : الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره فلم يركب ولم يجز وبره وخلي في إبله يضرب فيها ، لا ينتفع منه بغير ذلك .
قال ابن هشام : وهذا ( كله ) عند العرب على غير هذا إلا الحامي ، فإنه عندهم على ما قال ابن إسحاق .
فالبحيرة عندهم الناقة تشق أذنها فلا يركب ظهرها ، ولا يجز وبرها ، ولا يشرب لبنها إلا ضيف . أو يتصدق به وتهمل لآلهتهم .
والسائبة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برئ من مرضه أو إن أصاب أمرا يطلبه . فإذا كان أساب ناقة من إبله أو جملا لبعض آلهتهم فسابت فرعت لا ينتفع بها . والوصيلة التي تلد أمها اثنين في كل بطن فيجعل صاحبها لآلهته الإناث ( منها ) ولنفسه الذكور منها ، فتلدها أمها ومعها ذكر في بطن فيقولون وصلت أخاها . فيسيب أخوها معها فلا ينتفع به .
قال ابن هشام : حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره روى بعض ما لم يرو بعض .

قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تبارك وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون وأنزل الله تعالى : وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم . وأنزل عليه قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون وأنزل عليه من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين
[أمر عوف بن لؤي ونقلته ]
[ سبب انتمائه إلى بني ذبيان ]
قال ابن إسحاق : وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش ، حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبطئ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان - ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان .
وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان - فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه . فشاع نسبه في بني ذبيان . وثعلبة - فيما يزعمون - الذي يقول لعوف حين أبطئ به فتركه قومه
احبس علي ابن لؤي جملك تركك القوم ولا منزل لك
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين . أن عمر بن الخطاب قال لو كنت مدعيا حيا من العرب ، أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف ، إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني عوف بن لؤي .

[ أولاد هاشم وأمهاتهم ]
قال ابن هشام : فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة عبد المطلب بن هاشم ، وأسد بن هاشم وأبا صيفي بن هاشم ونضلة بن هاشم ، والشفاء وخالدة وضعيفة ورقية وحية . فأم عبد المطلب ورقية سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد ( بن حرام ) بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار . واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر . وأمها : عميرة بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار . وأم عميرة سلمى بنت عبد الأشهل النجارية .
وأم أسد : قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعي . وأم أبي صيفي وحية هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة وأم خالدة وضعيفة واقدة بنت أبي عدي المازنية .

maher 08-08-2005 05:22 AM

أولاد عبد المطلب بن هاشم
قال ابن هشام : فولد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة العباس وحمزة وعبد الله وأبا طالب - واسمه عبد مناف - والزبير والحارث وحجلا ، والمقوم وضرارا ، وأبا لهب - واسمه عبد العزى - وصفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، و برة . فأم العباس وضرار : نكيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضحيان - بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار .
ويقال أفصى ابن دعمي بن جديلة . وأم حمزة والمقوم وحجل وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره وسعة ماله وصفية هالة بنت وهيب بن عبد مناة بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
وأم عبد الله وأبي طالب والزبير وجميع النساء غير صفية فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأمها : صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأم صخرة تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأم الحارث بن عبد المطلب : سمراء بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة . وأم أبي لهب لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي .

[ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاته ]
قال ابن هشام : فولد عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى آله . وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأمها : برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأم برة أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأم أم حبيب برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
قال ابن هشام : فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبا ، وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم .

إشارة إلى ذكر احتفار زمزم
قال محمد بن إسحاق المطلبي : بينما عبد المطلب بن هاشم نائم في الحجر ، إذ أتي فأمر بحفر زمزم ، وهي دفن بين صنمي قريش : إساف ونائلة . عند منحر قريش .
وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة ، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، التي سقاه الله حين ظمئ وهو صغير فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت إلى الصفا تدعو الله وتستغيثه لإسماعيل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك . وبعث الله تعالى جبريل عليه السلام ، فهمز له بعقبه في الأرض فظهر الماء وسمعت أمه أصوات السباع فخافتها عليه فجاءت تشتد نحوه فوجدته يفحص بيده عن الماء من تحت خده ويشرب فجعلته حسيا .

أمر جرهم ودفن زمزم
قال ابن هشام : وكان من حديث جرهم ، ودفنها زمزم ، وخروجها من مكة ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبد المطلب زمزم ، ما حدثنا به زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم ولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي .

[ جرهم وقطوراء وما كان بينهما ]
قال ابن هشام : ويقال مضاض بن عمرو الجرهمي . قال ابن إسحاق : وبنو إسماعيل وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم . وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة ، وهما ابنا عم .
وكانا ظعنا من اليمن ، فأقبلا سيارة وعلى جرهم مضاض بن عمرو ، وعلى قطوراء السميدع رجل منهم . وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم . فلما نزلا مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر فأعجبهما فنزلا به .
فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز .
ونزل السميدع بقطوراء . أسفل مكة بأجياد فما حاز . فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها ، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ، وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه . ثم إن جرهم وقطوراء ، بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها ، ومع مضاض يومئذ بنو إسماعيل وبنو نابت : وإليه ولاية البيت دون السميدع . فسار بعضهم إلى بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب يقعقع بذلك معه فيقال ما سمي قعيقعان بقعيقعان إلا لذلك .
وخرج السميدع من أجياد ومعه الخيل والرجال فيقال : ما سمي أجياد أجيادا إلا لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه . فالتقوا بفاضح ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل السميدع وفضحت قطوراء . فيقال ما سمي فاضح فاضحا إلا لذلك . ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ : شعبا بأعلى مكة ، واصطلحوا به وأسلموا الأمر إلى مضاض . فلما جمع إليه أمر مكة فصار ملكها له نحر للناس فأطعمهم فاطبخ الناس وأكلوا ، فيقال ما سميت المطابخ المطابخ إلا لذلك . وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ لما كان تبع نحر بها وأطعم وكانت منزله . فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون .
[ أولاد إسماعيل وجرهم بمكة ]
ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم ، ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال . فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم .
استيلاء قوم كنانة وخزاعة على البيت ونفي جرهم
[ بغي جرهم بمكة وطرد بني بكر لهم ]
‏ ثم إن جرهما بغوا بمكة واستحلوا خلالا من الحرمة فظلموا من دخلها من غير أهلها ، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ، فرق أمرهم . فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة . فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا ، فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة . وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته فكانت تسمى الناسة ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك مكانه فيقال إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبك أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا .
[ استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت ]
قال ابن إسحاق : ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بني بكر بن عبد مناة ، وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني ، وقريش إذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي . قال ابن هشام : يقال حبشية بن سلول . تزوج قصي بن كلاب حبى بنت حليل

maher 08-08-2005 05:23 AM

[ تولي قصي أمر البيت ونصرة رزاح له ]
فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبني بكر ، وأن قريشا قرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده . فكلم رجالا من قريش ، وبني كنانة ، ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة ، فأجابوه . وكان ربيعة بن حرام من عذرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعد هلك كلاب فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل وزهرة يومئذ رجل وقصي فطيم فاحتملها إلى بلاده فحملت قصيا معها ، وأقام زهرة فولدت لربيعة رزاحا . فلما بلغ قصي وصار رجلا أتى مكة ، فأقام بها ، فلما أجابه قومه إلى ما دعاهم إليه كتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة ، يدعوه إلى نصرته والقيام معه . فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته حن بن ربيعة ، ومحمود بن ربيعة ، وجلهمة بن ربيعة ، وهم لغير فاطمة فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب ، وهم مجمعون لنصرة قصي .
وخزاعة تزعم أن حليل بن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر . وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها ، وبأمر مكة من خزاعة ، فعند ذلك طلب قصي ما طلب . ولم نسمع ذلك من غيرهم فالله أعلم أي ذلك كان .
ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج
وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده وكان يقال له و لولده صوفة . وإنما ولي ذلك الغوث بن مر ، لأن أمه كانت امرأة من جرهم ، وكانت لا تلد فنذرت لله إن هي ولدت رجلا أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها ، ويقوم عليها . فولدت الغوث ، فكان يقوم على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جرهم ، فولي الإجازة بالناس من عرفة ، لمكانه الذي كان به من الكعبة ، وولده من بعده حتى انقرضوا . فقال مر بن أد لوفاء نذر أمه
إني جعلت رب من بييه ربيطة بمكة العليه
فباركن لي بها أليه واجعله لي من صالح البريه
وكان الغوث بن مر - فيما زعموا - إذا دفع بالناس قال
لاهم إني تابع تباعه إن كان إثم فعلى قضاعه

[ صوفة ورمي الجمار ]
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه . قال كانت صوفة تدفع بالناس من عرفة ، وتجيز بهم إذا نفروا من منى ، فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ورجل من صوفة يرمي للناس لا يرمون حتى يرمي . فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه فيقولون له قم فارم حتى نرمي معك ; فيقول لا والله حتى تميل الشمس . فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة ويستعجلونه بذلك ويقولون له ويلك قم فارم فيأبى عليهم . حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ورمى الناس معه .
[ تولي بني سعد أمر البيت بعد صوفة ]
قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمي الجمار وأرادوا النفر من منى ، أخذت صوفة بجانبي العقبة ، فحبسوا الناس وقالوا : أجيزى صوفة فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ، فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فكانوا كذلك حتى انقرضوا ، فورثهم ذلك من بعدهم بالقعدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجنة .
أمر عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان
قال ابن إسحاق : وقوله " حكم يقضي " ، يعني عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان العدواني . وكانت العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه . فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه في رجل خنثى ، له ما للرجل وله ما للمرأة فقالوا : أتجعله رجلا أو امرأة ؟ ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه . فقال حتى أنظر في أمركم فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب فاستأخروا عنه . فبات ليلته ساهرا ، يقلب أمره وينظر في شأنه لا يتوجه له منه وجه . وكانت له جارية يقال لها سخيلة ترعى عليه غنمه وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول
صبحت والله يا سخيل وإذا أراحت عليه قال مسيت والله يا سخيل وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض . فلما رأت سهره وقلة قراره على فراشه قالت ما لك لا أبا لك ما عراك في ليلتك هذه ؟ قال ويلك دعيني ، أمر ليس من شأنك ، ثم عادت له بمثل قولها . فقال في نفسه عسى أن تأتي مما أنا فيه بفرج فقال ويحك اختصم إلي في ميراث خنثى ، أأجعله رجلا أو امرأة ؟ فوالله ما أدري ما أصنع وما يتوجه لي فيه وجه . قال فقالت سبحان الله لا أبا لك أتبع القضاء المبال أقعده فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهي امرأة . قال مسي سخيل بعدها أو صبحي ، فرجتها والله . ثم خرج على الناس حين أصبح فقضى بالذي أشارت عليه به .

غلب قصي بن كلاب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له
[ هزيمة صوفة ]
قال ابن إسحاق : فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل وقد عرفت ذلك لها العرب ، وهو دين في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم فأتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة ، فقال لنحن أولى بهذا منكم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ، ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم من ذلك .
[ محاربة قصي لخزاعة وبني بكر وتحكيم يعمر بن عوف ]
وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي ، وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة . فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم وثبت معه أخوه رزاح بن ربيعة بمن معه من قومه من قضاعة .
وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا ، فاقتتلوا قتالا شديدا بالأبطح حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ، ثم إنهم تداعوا إلى الصلح وإلى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب ، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة ، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش ، وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداة وأن يخلى بين قصي وبين الكعبة ومكة .
[ سبب تسمية يعمر بالشداخ ]
فسمي يعمر بن عوف يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها . قال ابن هشام : ويقال : الشداخ .

[ قصي أميرا على مكة وسبب تسميته مجمعا ]
قال ابن إسحاق : فولي قصي البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة ، وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه .
إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه وذلك أنه كان يراه دينا في نفسه لا ينبغي تغييره . فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه حتى جاء الإسلام فهدم الله به ذلك كله .
فكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه فكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة ، واللواء فحاز شرف مكة كله .
وقطع مكة رباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ، ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع شجر الحرم في منازلهم فقطعها قصي بيده وأعوانه فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها ، وتيمنت بأمره فما تنكح امرأة ولا يتزوج رجل من قريش ، وما يتشاورون في أمر نزل بهم ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إلا في داره يعقده لهم بعض ولده وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع من قريش إلا في داره يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ثم ينطلق بها إلى أهلها .
فكان أمره في قومه من قريش في حياته ومن بعد موته كالدين المتبع لا يعمل بغيره . واتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت قريش تقضي أمورها .
قال ابن هشام : وقال الشاعر
قصي لعمري كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الملك بن راشد عن أبيه قال سمعت السائب بن خباب صاحب المقصورة يحدث أنه سمع رجلا يحدث عمر بن الخطاب ، وهو خليفة حديث قصي بن كلاب ، وما جمع من أمر قومه وإخراجه خزاعة وبني بكر من مكة ، وولايته البيت وأمر مكة ، فلم يرد ذلك عليه ولم ينكره .

[ ما آثر به قصي عبد الدار ]
قال ابن إسحاق : فلما كبر قصي ورق عظمه وكان عبد الدار بكره وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب وعبد العزى وعبد . قال قصي لعبد الدار أما والله يا بني لألحقنك بالقوم وإن كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك ، ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمرا من أمورها إلا في دارك . فأعطاه داره دار الندوة ، التي لا تقضي قريش أمرا من أمورها إلا فيها ، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة .
الرفادة
وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي بن كلاب ، فيصنع به طعاما للحاج فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد . وذلك أن قصيا فرضه على قريش ، فقال لهم حين أمرهم به " يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم ، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم ففعلوا . فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه فيصنعه طعاما للناس أيام منى . فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام ثم جرى في الإسلام إلى يومك هذا . فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام . بمنى للناس حتى ينقضي الحج " .
قال ابن إسحاق : حدثني بهذا من أمر قصي بن كلاب ، وما قال لعبد الدار فيما دفع إليه مما كان بيده أبي إسحاق بن يسار ، عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال
سمعته يقول ذلك لرجل من بني عبد الدار يقال له نبيه بن وهب بن عامر بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي .
قال الحسن فجعل إليه قصي كل ما كان بيده من أمر قومه وكان قصي لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه .

maher 09-08-2005 02:36 AM

ذكر ما جرى من اختلاف قريش بعد قصي وحلف المطيبين
قال ابن إسحاق : ثم إن قصي بن كلاب هلك فأقام أمره في قومه وفي غيرهم بنوه من بعده فاختطوا مكة رباعا - بعد الذي كان قطع لقومه بها - فكانوا يقطعونها في قومهم وفي غيرهم من حلفائهم ويبيعونها ; فأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع ثم إن بني عبد مناف بن قصي عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبد الدار بن قصي مما كان قصي جعل إلى عبد الدار من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم فتفرقت عند ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنهم أحق به من بني عبد الدار لمكانهم في قومهم وكانت طائفة مع بني عبد الدار يرون أن لا ينزع منهم ما كان قصي جعل إليهم .
[ من ناصروا بني عبد الدار ومن ناصروا بني أعمامهم ]
فكان صاحب أمر بني عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف وذلك أنه كان أسن بني عبد مناف وكان صاحب أمر بني عبد الدار عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار . فكان بنو أسد بن عبد العزى بن قصي ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو تيم بن مرة بن كعب ، وبنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ، مع بني عبد مناف .
وكان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو عدي بن كعب ، مع بني عبد الدار وخرجت عامر بن لؤي ومحارب بن فهر ، فلم يكونوا مع واحد من الفريقين .
فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة .

حلف الفضول
قال ابن هشام : وأما حلف الفضول فحدثني زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال
تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، لشرفه وسنه فكان حلفهم عنده بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد بن عبد العزى . وزهرة بن كلاب ، وتيم بن مرة فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول .
[ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول ]
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت
[ نازع الحسين الوليد في حق وهدد بالدعوة إلى حلف الفضول ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه
أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان . والوليد يومئذ أمير على المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه منازعة في مال كان بينهما بذي المروة . فكان الوليد تحامل على الحسين رضي الله عنه في حقه لسلطانه فقال له الحسين أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعون بحلف الفضول . قال فقال عبد الله بن الزبير ، وهو عند الوليد حين قال الحسين رضي الله عنه ما قال وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا . قال فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري ، فقال مثل ذلك وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك . فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي الليثي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال
قدم محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف - وكان محمد بن جبير أعلم قريش - على عبد الملك بن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير واجتمع الناس على عبد الملك فلما دخل عليه قال له يا أبا سعيد ألم نكن نحن وأنتم يعني بني عبد شمس بن عبد مناف وبني نوفل بن عبد مناف في حلف الفضول ؟ قال أنت أعلم قال عبد الملك لتخبرني يا أبا سعيد بالحق من ذلك فقال لا والله لقد خرجنا نحن وأنتم منه قال صدقت . تم خبر حلف الفضول .

[ ولاية هاشم الرفادة والسقاية وما كان يصنع إذا قدم الحاج ]
قال ابن إسحاق : فولي الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلما يقيم بمكة وكان مقلا ذا ولد وكان هاشم موسرا فكان - فيما يزعمون - إذا حضر الحاج قام في قريش فقال يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله وحجاج بيته . وهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها ، فإنه والله لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه
فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم كل امرئ بقدر ما عنده فيصنع به للحجاح طعاما حتى يصدروا منها .
[ شيء من أعمال هاشم ]
وكان هاشم فيما يزعمون أول من سن الرحلتين لقريش رحلتي الشتاء والصيف وأول من أطعم الثريد بمكة وإنما كان اسمه عمرا ، فما سمي هاشما إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه . فقال شاعر من قريش أو من بعض العرب :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه قوم بمكة مسنتين عجاف
سنت إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر من أهل الحجاز : قوم بمكة مسنتين عجاف

[ولاية المطلب للرفادة والسقاية]
قال ابن إسحاق : ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا ، فولي السقاية والرفادة من بعده المطلب بن عبد مناف ، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم وكان ذا شرف في قومه وفضل وكانت قريش إنما تسميه الفيض لسماحته وفضله .

maher 09-08-2005 02:37 AM

[زواج هاشم ]
وكان هاشم بن عبد مناف قدم المدينة فتزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار وكانت قبله عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش قال ابن هشام ويقال الحريس - ابن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس . فولدت له عمرو بن أحيحة وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها ، إذا كرهت رجلا فارقته .
[ميلاد عبد المطلب وسبب تسميته كذلك ]
فولدت لهاشم عبد المطلب ، فسمته شيبة . فتركه هاشم عندها حتى كان وصيفا أو فوق ذلك ثم خرج إليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه فقالت له سلمى : لست بمرسلته معك ، فقال لها المطلب إني غير منصرف حتى أخرج به معي ، إن ابن أخي قد بلغ وهو غريب في غير قومه ونحن أهل بيت شرف في قومنا ، نلي كثيرا من أمورهم وقومه وبلده وعشيرته خير له من الإقامة في غيرهم أو كما قال . وقال شيبة لعمه المطلب - فيما يزعمون - : لست بمفارقها إلا أن تأذن لي ، فأذنت له ودفعته إليه فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره فقالت قريش : عبد المطلب ابتاعه فبها سمي شيبة عبد المطلب . فقال المطلب ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم قدمت به من المدينة .

[ولاية عبد المطلب السقاية والرفادة ]
قال ثم ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطلب فأقامها للناس وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه وأحبه قومه وعظم خطره فيهم .

ذكر حفر زمزم وما جرى من الخلف فيها
[الرؤيا التي أريها عبد المطلب في حفر زمزم ]
ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم . قال ابن إسحاق : وكان أول ما ابتدئ به عبد المطلب من حفرها ، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي : أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها ، قال
قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال احفر طيبة . قال قلت : وما طيبة ؟ قال ثم ذهب عني . فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر برة . قال وما برة ؟ قال ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر المضنونة . قال فقلت : وما المضنونة ؟ قال ثم ذهب عني . فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم . قال قلت : وما زمزم ؟ قال لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل .

[عبد المطلب وابنه الحارث وما كان بينهما وبين قريش عند حفرهما زمزم ]
قال ابن إسحاق : فلما بين له شأنها ، ودل على موضعها ، وعرف أنه صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ، ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فيها . فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها ; قال ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم فقالوا له فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ، قال فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه قالوا : كاهنة بني سعد هذيم قال نعم قال وكانت بأشراف الشام .
فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر . قال والأرض إذ ذاك مفاوز . قال فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام ، فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش ، فأبوا عليهم . وقالوا : إنا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه .
قال ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك ، فمرنا بما شئت ; قال فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلا واحدا ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا ، قالوا : نعم ما أمرت به . . فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا ، لعجز فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا ، فارتحلوا . حتى إذا فرغوا ، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها .
فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش ، فقال هلم إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا ، فجاءوا فشربوا واستقوا . ثم قالوا : قد والله قضي لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا . فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبينها .
قال ابن إسحاق : فهذا الذي بلغني من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم ، وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم :
ثم ادع بالماء الروى غير الكدر يسقي حجيج الله في كل مبر
ليس يخاف منه شيء ما عمر
فخرج عبد المطلب ، حين قيل له ذلك إلى قريش ، فقال تعلموا
أني قد أمرت أن أحفر لكم زمزم ، فقالوا : فهل بين لك أين هي ؟ قال لا ; قالوا : فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت فإن يك حقا من الله يبين لك ، وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك . فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فيه فأتي فقيل له احفر زمزم ، إنك إن حفرتها لم تندم وهي تراث من أبيك الأعظم لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام حافل لم يقسم ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثا وعقدا محكم ليست كبعض ما قد تعلم وهي بين الفرث والدم .
قال ابن هشام : هذا الكلام والكلام الذي قبله من حديث علي ( رضوان الله عليه ) في حفر زمزم من قوله " لا تنزف أبدا ولا تذم " إلى قوله " عند قرية النمل " عندنا سجع وليس شعرا .
قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين قيل له ذلك قال وأين هي ؟ قيل له . عند قرية النمل ، حيث ينقر الغراب غدا . والله أعلم أي ذلك كان . فعدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ، ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنينإساف ونائلة ، اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها . فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش حين رأوا جده فقالوا : والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما ، فقال عبد المطلب لابنه الحارث ذد عني حتى أحفر ، فوالله لأمضين لما أمرت به .
فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر ، وكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيرا ، حتى بدا له الطي ، فكبر وعرفوا أنه قد صدق . فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم فيها حين خرجت من مكة ، ووجد فيها أسيافا قلعية وأدراعا ، فقالت له قريش يا عبد المطلب ، لنا معك في هذا شرك وحق ; قال لا ، ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا : وكيف تصنع ؟ قال أجعل للكعبة قدحين ولي قدحين ولكم قدحين فمن خرج له قدحاه على شيء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شيء له ؟ قالوا : أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوا ( القداح ) صاحب القداح الذي يضرب بها عند هبل ( وهبل صنم في جوف الكعبة ، وهو أعظم أصنامهم وهو الذي يعني أبو سفيان بن حرب يوم أحد حين قال أعل هبل أي أظهر دينك ) وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل فضرب صاحب القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش .
فضرب عبد المطلب الأسياف . بابا للكعبة وضرب في الباب الغزالين من ذهب . فكان أول ذهب حليته الكعبة ، فيما يزعمون . ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحجاج .

maher 09-08-2005 02:38 AM

[ذكر بئار قبائل قريش بمكة ]
[الطوي ومن حفرها]
قال ابن هشام : وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوي ، وهي البئر التي بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف ( الثقفي ) .

[ ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده ]
قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب بن هاشم - فيما يزعمون والله أعلم - قد نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم ، لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة . فلما توافى بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك فأطاعوه وقالوا : كيف نصنع ؟ قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني . ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة ، وكان هبل على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة .
[ الضرب بالقداح عند العرب ]
وكان عند هبل قداح سبعة كل قدح منها فيه ( كتاب . قدح فيه ) ( العقل ) إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله وقدح فيه " نعم " للأمر إذا أرادوه يضرب به في القداح فإن خرج قدح " نعم " عملوا به وقدح فيه " لا " إذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح فإن خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر وقدح فيه " منكم " ; وقدح فيه " ملصق " ، وقدح فيه " من غيركم " ; وقدح فيه " المياه " إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيثما خرج عملوا به .
وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما ، أو ينكحوا منكحا ، أو يدفنوا ميتا ، أو شكلوا في نسب أحدهم ذهبوا به إلى هبل وبمئة درهم وجزور فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا : يا إلهنا ، هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا ، فأخرج الحق فيه . ثم يقولون لصاحب القداح اضرب فإن خرج عليه " منكم " كان منهم وسيطا ، وإن خرج عليه " من غيركم " كان حليفا ، وإن خرج عليه " ملصق " كان على منزلته فيهم لا نسب له ولا حلف وإن خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به " نعم " عملوا به وإن خرج " لا " ، أخروه عامه ذلك حتى يأتوه به مرة أخرى ، ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح .
[ عبد المطلب وأولاده بين يدي صاحب القداح ]
فقال عبد المطلب لصاحب القداح اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه وأخبره بنذره الذي نذر فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه وكان عبد الله بن عبد المطلب أصغر بني أبيه كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم .
[ خروج القدح على عبد الله وشروع أبيه في ذبحه ومنع قريش له ]
قال ابن إسحاق : وكان عبد الله - فيما يزعمون - أحب ولد عبد المطلب إليه فكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى . وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها ، قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله ثم ضرب صاحب القداح فخرج القدح على عبد الله فأخذه عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه فقامت إليه قريش من أنديتها ، فقالوا : ماذا تريد يا عبد المطلب ؟ قال أذبحه فقالت له قريش وبنوه والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه . لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا وقال له المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة ، وكان عبد الله ابن أخت القوم والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه . وقالت له قريش وبنوه لا تفعل وانطلق به إلى الحجاز ، فإن به عرافة لها تابع فسلها ، ثم أنت على رأس أمرك ، إن أمرتك بذبحه ذبحته و إن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج قبلته .

[ عرافة الحجاز وما أشارت به على عبد المطلب ]
فانطلقوا حتى قدموا المدينة ، فوجدوها - فيما يزعمون - بخيبر . فركبوا حتى جاءوها ، فسألوها ، وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه وما أراد به ونذره فيه فقالت لهم ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله . فرجعوا من عندها ، فلما خرجوا عنها ، قام عبد المطلب يدعو الله ثم غدوا عليها ، فقالت لهم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم ؟ قالوا : عشر من الإبل وكانت كذلك . قالت فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم .

[ نجاة عبد الله من الذبح ]
فخرجوا حتى قدموا مكة ، فلما أجمعوا على ذلك من الأمر قام عبد المطلب يدعو الله ثم قربوا عبد الله وعشرا من الإبل وعبد المطلب قائم عند هبل يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل عشرين وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثلاثين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل أربعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل خمسين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ستين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل سبعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثمانين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل تسعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل مئة وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فقالت قريش ومن حضر قد انتهى رضا ربك يا عبد المطلب فزعموا أن عبد المطلب قال لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا على عبد الله وعلى الإبل وقام عبد المطلب يدعو الله فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثانية وعبد المطلب قائم يدعو الله فضربوا ، فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثالثة وعبد المطلب قائم يدعو الله فضربوا ، فخرج القدح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع .
قال ابن هشام : ويقال إنسان ولا سبع .
قال ابن هشام : وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر .

[ ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد الله بن عبد المطلب ]
[ رفض عبد الله طلب المرأة التي عرضت نفسها عليه ]
قال ابن إسحاق : ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد عبد الله فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وهي عند الكعبة ; فقالت له حين نظرت إلى وجهه أين تذهب يا عبد الله ؟ قال مع أبي ، قالت لك مثل الإبل التي نحرت عنك ، وقع علي الآن قال أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه ولا فراقه .
[ زواج عبد الله من آمنة بنت وهب ]
فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا ، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا .

[ أمهات آمنة بنت وهب ]
وهي لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وبرة لأم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وأم حبيب لبرة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .

maher 09-08-2005 02:39 AM

[ ما جرى بين عبد الله والمرأة المتعرضة له بعد بنائه بآمنة ]
فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها ، فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس ؟ قالت له فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس ( لي ) بك اليوم حاجة . وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب أنه سيكون في هذه الأمة نبي .
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار أنه حدث أن عبد الله إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب ، وقد عمل في طين له وبه آثار من الطين فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت به من أثر الطين فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به من ذلك الطين ثم خرج عامدا إلى آمنة فمر بها ، فدعته إلى نفسها ، فأبى عليها ، وعمد إلى آمنة فدخل عليها فأصابها ، فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم . ثم مر بامرأته تلك فقال لها : هل لك ؟ قالت لا ، مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء فدعوتك فأبيت علي ودخلت على آمنة فذهبت بها .
قال ابن إسحاق : فزعموا أن امرأته تلك كانت تحدث أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس ، قالت فدعوته رجاء أن تكون تلك بي ، فأبى علي ودخل على آمنة فأصابها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط قومه نسبا ، وأعظمهم شرفا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم .

[ ذكر ما قيل لآمنة عند حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم ]
ويزعمون - فيما يتحدث الناس والله أعلم - أن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا . ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى ، من أرض الشام .
[ موت عبد الله ]
ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب ، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هلك وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به .

[ ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاعته ]
[ رأى ابن إسحاق في مولده صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل
[ رواية قيس بن مخرمة عن مولده صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة ، قال ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل فنحن لدان .

[ رواية حسان بن ثابت عن مولده صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري . قال حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت ، قال والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له ويلك ما لك ؟ قال طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به . قال محمد بن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت . ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؟ فقال ابن ستين ( سنة ) ، وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين .

[ إعلام أمه جده بولادته صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت به أن تسميه .
[ فرح جده به صلى الله عليه وسلم والتماسه له المراضع ]
فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة ; فقام يدعو الله ويشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها . والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرضعاء .
قال ابن هشام : المراضع . وفى كتاب الله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه السلام : وحرمنا عليه المراضع

[ نسب حليمة ونسب أبيها ]
قال ابن إسحاق : فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر ، يقال لها : حليمة ابنة أبي ذؤيب .
وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان
[ نسب أبيه صلى الله عليه وسلم في الرضاع ]
واسم أبيه الذي أرضعه صلى الله عليه وسلم الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن .
قال ابن هشام : ويقال : هلال بن ناصرة .
[ إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاع ]
قال ابن إسحاق : وإخوته من الرضاعة عبد الله بن الحارث ، وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء ، غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به . وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب ، عبد الله بن الحارث ، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويذكرون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذا كان عندهم .



[ حديث حليمة عما رأته من الخير بعد تسلمها له
صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحي ، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب . أو عمن حدثه عنه قال
كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها ، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر ، تلتمس الرضعاء قالت وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا . قالت فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا ، والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع . ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغديه - قال ابن هشام : ويقال يغذيه - ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . قالت فذهبت إليه فأخذته ، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره . قالت فلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما " وما كنا ننام معه قبل ذلك وقام زوجي إلى شارفنا تلك . فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا ، فبتنا بخير ليلة . قالت يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة قالت فقلت : والله إني لأرجو ذلك . قالت ثم خرجنا وركبت ( أنا ) أتاني ، وحملته عليها معي ، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي : يا ابنة أبي ذؤيب ، ويحك اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها لشأنا .
قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا ، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا . فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا . قالت فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا ، لما كنا نرى من بركته . فكلمنا أمه وقلت لها : لو تركت بني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وبأ مكة ، قالت فلم نزل بها حتى ردته معنا .

maher 09-08-2005 02:40 AM

[ حديث الملكين اللذين شقا بطنه صلى الله عليه وسلم ]
قالت فرجعنا به فوالله إنه بعد مقدمنا ( به ) بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد ، فقال لي ولأبيه ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه . قالت فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجهه . قالت فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا له ما لك يا بني قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني ، فالتمسا ( فيه ) شيئا لا أدري ما هو . قالت فرجعنا ( به ) إلى خبائنا .
[ رجوع حليمة به صلى الله عليه وسلم إلى أمه ]
قالت وقال لي أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به قالت فاحتملناه فقدمنا به على أمه ففالت ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك ؟ قالت فقلت : قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه فأديته إليك كما تحبين قالت ما هذا شأنك ، فاصدقيني خبرك . قالت فلم تدعني حتى أخبرتها . قالت أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قالت قلت نعم قالت كلا ، والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا ، أفلا أخبرك خبره قالت ( قلت ) بلى ، قالت رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ( علي ) ولا أيسر منه ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك وانطلقي راشدة .

[ تعريفه صلى الله عليه وسلم بنفسه وقد سئل عن ذلك ]
قال ابن إسحاق وحدثني ثور بن يزيد ، عن بعض أهل العلم ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له يا رسول الله أخبرنا عن نفسك ؟ قال نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى ( أخي ) عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ، واسترضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا ، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا ، ثم أخذاني فشقا بطني ، واستخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بمئة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم فقال دعه عنك ، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها
[ هو والأنبياء قبله رعوا الغنم ]
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من نبي إلا وقد رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله ؟ قال وأنا

[ اعتزازه صلى الله عليه وسلم بقرشيته واسترضاعه في بني سعد ]
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه أنا أعربكم أنا قرشي ، واسترضعت في بني سعد بن بكر .
[ افتقدته حليمة صلى الله عليه وسلم حين رجوعها به ووجده ورقة بن نوفل ]
قال ابن إسحاق : وزعم الناس فيما يتحدثون والله أعلم أن أمه السعدية لما قدمت به مكة أضلها في الناس وهي مقبلة به نحو أهله فالتمسته فلم تجده فأتت عبد المطلب ، فقالت له إني قد قدمت بمحمد هذه الليلة . فلما كنت بأعلى مكة أضلني ، فوالله ما أدري أين هو فقام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله أن يرده فيزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد ، ورجل آخر من قريش ، فأتيا به عبد المطلب ، فقالا له هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة ، فأخذه عبد المطلب ، فجعله على عنقه وهو يطوف بالكعبة يعوذه ويدعو له ثم أرسل به إلى أمه آمنة .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن مما هاج أمه السعدية على رده إلى أمه مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه أن نفرا من الحبشة نصارى ، رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه فنظروا إليه وسألوها عنه وقلبوه ثم قالوا لها : لنأخذن هذا الغلام فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا ، فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره فزعم الذي حدثني أنها لم تكد تنفلت به منهم .
[ وفاة آمنة وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بعدها ]
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه آمنة بنت وهب .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة ، كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به إلى مكة .

[ سبب خؤولة بني عدي بن النجار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن هشام : أم عبد المطلب بن هاشم : سلمى بنت عمرو النجارية . فهذه الخؤولة التي ذكرها ابن إسحاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم .

[ إكرام عبد المطلب له صلى الله عليه وسلم وهو صغير ]
قال ابن إسحاق : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم ، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ؟ قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه فيقول عبد المطلب ، إذا رأى ذلك منهم دعوا ابني ، فوالله إن له لشأنا ، ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع .
[ وفاة عبد المطلب وما رثي به من الشعر ]
: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين هلك عبد المطلب بن هاشم . وذلك بعد الفيل بثماني سنين
قال ابن إسحاق : حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس عن بعض أهله أن عبد المطلب توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن سعيد بن المسيب : أن عبد المطلب لما حضرته الوفاة وعرف أنه ميت جمع بناته وكن ست نسوة صفية ، وبرة وعاتكة ، وأم حكيم البيضاء وأميمة ، وأروى ، فقال لهن ابكين علي حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت .
قال ابن هشام : ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب كتبناه .
[ ولاية العباس على سقاية زمزم ]
قال ابن إسحاق : فلما هلك عبد المطلب بن هاشم ولي زمزم والسقاية عليها بعده العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا ، فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده . فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم له على ما مضى من ولايته فهي إلى آل العباس بولاية العباس إياها ، إلى ( هذا ) اليوم .
كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب وكان عبد المطلب - فيما يزعمون - يوصي به عمه أبا طالب وذلك لأن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم .
قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم .

maher 09-08-2005 02:46 AM

[ ولاية أبي طالب لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده فكان إليه ومعه .
[ نبوءة رجل من لهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، أن أباه حدثه أن رجلا من لهب - قال ابن هشام : ولهب من أزدشنوءة - كان عائفا ، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم . قال فأتى به أبو طالب وهو غلام مع من يأتيه فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شيء فلما فرغ قال الغلام علي به فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه فجعل يقول ويلكم ردوا علي الغلام الذي رأيت آنفا ، فوالله ليكونن له شأن . قال فانطلق أبو طالب .

[ قصة بحيرى ]
قال ابن إسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرق له ( أبو طالب ) وقال والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا ، أو كما قال . فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبهما راهب يقال له بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر .
فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام . فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم . قال ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه . فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها .
فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته ثم أرسل إليهم فقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم فما كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرى : صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم . فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة .
فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش ، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ; قالوا له يا بحيرى ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا ، فتخلف في رحالهم فقال لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم . قال فقال رجل من قريش مع القوم واللاتي والعزى ، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم . فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، فقال ( له ) : يا غلام أسألك بحق اللاتي والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( له ) : لا تسألني باللاتي والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ، فقال له بحيرى : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال له سلني عما بدا لك . فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده .
قال ابن هشام : وكان مثل أثر المحجم .
قال ابن إسحاق : فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له ما هذا الغلام منك ؟ قال ابني . قال له بحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا ; قال فإنه ابن أخي ; قال فما فعل أبوه ؟ قال مات وأمه حبلى به قال صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده .
[ رجوع أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان من زرير وصاحبيه ]
فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ; فزعموا فيما روى الناس أن زريرا وتماما ودريسا ، وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأرادوه فردهم عنه بحيرى ، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية لما يريد به من كرامته ورسالته حتى بلغ أن كان رجلا ، وأفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما ، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة .
[ حديثه صلى الله عليه وسلم عن عصمة الله له في طفولته ]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره وأمر جاهليته أنه قال لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعرى ، وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك إزارك ; قال فأخذته وشددته علي ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري علي من بين أصحابي .
حرب الفجار
قال ابن هشام : فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة فيما حدثني أبو عبيدة النحوي ، عن أبي عمرو بن العلاء هاجت حرب الفجار بين قريش ، ومن معهم من كنانة ، وبين قيس عيلان ، وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس ، أحد<> بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة : أتجيرها على كنانة ؟ قال نعم وعلى الخلق ( كله ) .
فخرج فيها عروة الرحال<> وخرج البراض يطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي ظلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام فلذلك سمي الفجار .
وقال البراض في ذلك
وداهية تهم الناس قبلي شددت لها بني بكر ضلوعي
هدمت بها بيوت بني كلاب وأرضعت الموالي بالضروع
رفعت له بذي ظلال كفي فخر يميد كالجذع الصريع
وقال لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب :
أبلغ ، إن عرضت ، بني كلاب وعامر والخطوب لها موالي
وبلغ إن عرضت ، بني نمير وأخوال القتيل بني هلال
بأن الوافد الرحال أمسى مقيما عند تيمن ذي ظلال
وهذه الأبيات في أبيات له فيما ذكر ابن هشام .

[ نشوب الحرب بين قريش وهوازن ]
قال ابن هشام : فأتى آت قريشا ، فقال إن البراض قد قتل عروة وهم في الشهر الحرام بعكاظ ، فارتحلوا وهوازن لا تشعر ( بهم ) ، ثم بلغهم الخبر فأتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم ، فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم ، فأمسكت عنهم هوازن ، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما ، والقوم متساندون على كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم .
وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أيامهم أخرجه أعمامه معهم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أنبل على أعمامي : أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها .
قال ابن إسحاق : هاجت حرب الفجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة . وإنما سمي يوم الفجار بما استحل هذان الحيان كنانة وقيس عيلان ، فيه من المحارم بينهم .
[ قواد قريش وهوازن فيها ونتيجتها ]
وكان قائد قريش وكنانة حرب ( بن ) أمية بن عبد شمس ، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة حتى إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس .
قال ابن هشام : وحديث الفجار أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه قطعه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها
[ سنه صلى الله عليه وسلم عند تزويجه من خديجة ]
قال ابن هشام : فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم عن أبي عمرو المدني .

maher 09-08-2005 02:49 AM

[ خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة خديجة وما كان من بحيرى ]
قال ابن إسحاق : وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال . تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم وكانت قريش قوما تجارا ; فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها ، من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وخرج في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام .
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال له ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم ; فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي .
[ رغبة خديجة في الزواج منه ]
ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها ، واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة . فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر ، يرى ملكين يظلانه من الشمس - وهو يسير على بعيره . فلما قدم مكة على خديجة بمالها ، باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا .
وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه . وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له - فيما يزعمون - يا ابن عم . إني قد رغبت فيك لقرابتك ، وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك ، وصدق حديثك ، ثم عرضت عليه نفسها . وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا ، وأعظمهن شرفا ، وأكثرهن مالا ; كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه .
[ نسب خديجة ]
وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وأمها : فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . وأم فاطمة هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عمرو بن منفذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . وأم هالة قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
[ زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة ]
فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب ، رحمه الله حتى دخل على خويلد بن أسد ، فخطبها إليه فتزوجها .
قال ابن هشام : وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها .
[ أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة ]
قال ابن إسحاق : فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم القاسم وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم والطاهر والطيب وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، عليهم السلام .
قال ابن هشام : أكبر بنيه القاسم ثم الطيب ثم الطاهر وأكبر بناته رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة .
قال ابن إسحاق : فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا في الجاهلية وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم
[ أم إبراهيم ]
قال ابن هشام : وأما إبراهيم فأمه مارية ( القبطية ) .
حدثنا عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة قال أم إبراهيم مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها إليه المقوقس من حفن من كورة أنصنا .
[ حديث خديجة مع ورقة وصدق نبوءة ورقة فيه صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وكانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وكان ابن عمها ، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس - ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه فقال ورقة لئن كان هذا حقا يا خديجة ، إن محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه أو كما قال .
( قال ) : فجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول حتى متى ؟ فقال ورقة في ذلك :
لججت وكنت في الذكرى لجوجا لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قس من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود فينا ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور يقيم به البرية أن تموجا
فيلقى من يحاربه خسارا ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم شهدت فكنت أولهم ولوجا ولوجا
في الذي كرهت قريش ولو عجت بمكتها عجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعا إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا
وهل أمر السفالة غير كفر بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا وأبق تكن أمور يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى من الأقدار متلفة حروجا

maher 09-08-2005 02:50 AM

حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين قريش في وضع الحجر
قال ابن إسحاق : فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها ، وذلك أن نفرا سرقوا كنزا للكعبة وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة ، وكان الذي وجد عنده الكنز دويكا مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة .
قال ابن هشام : فقطعت قريش يده . وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك . وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم ، فتحطمت فأخذوا خشبها ، فأعدوه لتسقيفها ، وكان بمكة رجل قبطي نجار فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها . وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتتشرق على جدار الكعبة ، وكانت مما يهابون وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها ، وكانوا يهابونها . فبينا هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة ، كما كانت تصنع بعث الله إليها طائرا فاختطفها ، فذهب بها ; فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا ، عندنا عامل رفيق وعندنا خشب وقد كفانا الله الحية .
[ ما حدث لأبي وهب عند بناء قريش الكعبة ]
فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها ، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم - قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم - فتناول من الكعبة حجرا ، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس .
والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .
قال ابن إسحاق : وقد حدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي : أنه رأى ابنا لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو يطوف بالبيت فسأل عنه فقيل هذا ابن لجعدة بن هبيرة فقال عبد الله بن صفوان : عند ذلك جد هذا ، يعني أبا وهب الذي أخذ حجرا من الكعبة حين أجمعت قريش لهدمها فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال عند ذلك يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لا تدخلوا فيها مهر بغي ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس .
[ قرابة أبي وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وأبو وهب خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شريفا ، وله يقول شاعر من العرب :
ولو بأبي وهب أنخت مطيتي غدت من نداه رحلها غير خائب
بأبيض من فرعي لؤي بن غالب إذا حصلت أنسابها في الذوائب
أبي لأخذ الضيم يرتاح للندى توسط جداه فروع الأطايب
عظيم رماد القدر يملا جفانه من الخبز يعلوهن مثل السبائب
[ تجزئة الكعبة بين قريش ، ونصيب كل فريق منها ]
ثم إن قريشا جزأت الكعبة ، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة ، وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم ابني عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي ، ولبني أسد بن العزى بن قصي ، ولبني عدي بن كعب بن لؤي ، وهو الحطيم .
[ الوليد بن المغيرة وهدم الكعبة وما وجدوه تحت الهدم ]
ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول ثم قام عليها ، وهو يقول اللهم لم ترع - قال ابن هشام : ويقال لم نزغ - اللهم إنا لا نريد إلا الخير . ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة وقالوا : ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله صنعنا ، فهدمنا . فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله فهدم وهدم الناس معه حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس أساس إبراهيم عليه السلام ، أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنمة آخذ بعضها بعضا .
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض من يروي الحديث أن رجلا من قريش ، ممن كان يهدمها ، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما ، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها ، فانتهوا عن ذلك الأساس .
قال ابن إسحاق : وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود فإذا هو أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها ، مبارك لأهلها في الماء واللبن .
قال ابن هشام : أخشباها : جبلاها .
قال ابن إسحاق : وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل لا يحلها أول من أهلها .
قال ابن إسحاق : وزعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجرا في الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة إن كان ما ذكر حقا ، مكتوبا فيه من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة . تعملون السيئات وتجزون الحسنات أجل كما لا يجتنى من الشوك العنب .
[ اختلاف قريش فيمن يضع الحجر ولعقة الدم ]
قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوزوا وتحالفوا ، وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت ، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم . فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا .
[ إشارة أبي أمية بتحكيم أول داخل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
فزعم بعض أهل الرواية أ ن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكان عائذ أسن قريش كلها ; قال يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا . فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا ، هذا محمد ; فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوبا ، فأتي به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا : حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه .
[ ارتفاع الكعبة وأول من كساها الديباج ]
وكانت الكعبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة ذراعا ، وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف .
حديث الحمس
[ الحمس عند قريش ]
قال ابن إسحاق : وقد كانت قريش - لا أدري أقبل الفيل أم بعده - ابتدعت رأي الحمس رأيا رأوه وأداروه فقالوا : نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقطان مكة وساكنها ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ، ولا مثل منزلتنا ، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم ، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم .
فتركوا الوقوف على عرفة ، والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها ، وأن يفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا : نحن أهل الحرم ، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس والحمس أهل الحرم ، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم إياهم يحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم .
[ ما زادته العرب في الحمس ]
قال ابن إسحاق : ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن لهم حتى قالوا : لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا الأقط ولا يسلئوا السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيتا من شعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما ، ثم رفعوا في ذلك فقالوا : لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم ، إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة ولم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل ألقاها إذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها ، ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبدا .
[ اللقى عند الحمس وشعر فيه ]
فكانت العرب تسمي تلك الثياب اللقى . فحملوا على ذلك العرب ، فدانت به . ووقفوا على عرفات ، وأفاضوا منها ، وطافوا بالبيت عراة أما الرجال فيطوفون عراة وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها كلها إلا درعا مفرجا عليها ، ثم تطوف فيه .
فقالت امرأة من العرب ، وهي كذلك تطوف بالبيت :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من الحل ألقاها ، فلم ينتفع بها هو ولا غيره . فقال قائل من العرب يذكر شيئا تركه من ثيابه فلا يقربه وهو يحبه
كفى حزنا كرى عليها كأنها لقى بين أيدي الطائفين حريم
يقول : لا تمس .

maher 09-08-2005 02:51 AM

[ حكم الإسلام في الطواف وإبطال عادات الحمس فيه ]
فكانوا كذلك حتى بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه حين أحكم له دينه وشرع له سنن حجه ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم يعني قريشا . والناس العرب . فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها والإفاضة منها .
وأنزل الله عليه فيما كانوا حرموا على الناس من طعامهم ولبوسهم عند البيت ، حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الحل من الطعام يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون فوضع الله تعالى أمر الحمس وما كانت قريش ابتدعت منه على الناس بالإسلام حين بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، عن عمه نافع بن جبير ، عن أبيه جبير بن مطعم ، قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا من الله له صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا .
إخبار الكهان من العرب والأحبار من يهود والرهبان من النصارى
[ معرفة الكهان والأحبار والرهبان بمبعثه صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وكانت الأحبار من يهود والرهبان من النصارى ، والكهان من العرب ، قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه . أما الأحبار من يهود والرهبان من النصارى ، فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه . وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم . وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره لا تلقي العرب لذلك فيه بالا ، حتى بعثه الله تعالى ، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها .
[ قذف الجن بالشهب وآية ذلك على مبعثه صلى الله عليه وسلم ]
فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها ، فرموا بالنجوم فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين بعثه وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع فعرفوا ما عرفوا ، وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا إلى قوله وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا .
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها إنما منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة . فآمنوا وصدقوا ، ثم ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم الآية . وكان قول الجن : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا
أنه كان الرجل من العرب من قريش وغيرهم إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه قال إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه .
قال ابن هشام : الرهق الطغيان والسفه . قال رؤبة بن العجاج :
إذ تستبي الهيامة المرهقا
وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا : طلبك الشيء حتى تدنو منه فتأخذه أو لا تأخذه . قال رؤبة بن العجاج يصف حمير وحش
بصبصن واقشعررن من خوف الرهق
وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا : مصدر لقول الرجل للرجل رهقت الإثم أو العسر الذي أرهقتني رهقا شديدا ، أي حملت الإثم أو العسر الذي حملتني حملا شديدا ، وفي كتاب الله تعالى : فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا وقوله ولا ترهقني من أمري عسرا
[ فزع ثقيف من رمي الجن بالنجوم وسؤالهم عمرو بن أمية ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها ، هذا الحي من ثقيف ، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج - قال وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا - فقالوا له يا عمرو : ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال بلى ، فانظروا ، فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها ، فهو والله طي الدنيا ، وهلاك هذا الخلق الذي فيها ; وإن كانت نجوما غيرها ، وهي ثابتة على حالها ، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فما هو ؟ .
[ حديثه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في رمي الجن بالنجوم ]
قال ابن إسحاق : وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن عبد الله بن العباس ، عن نفر من الأنصار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ماذا كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به ؟ قالوا : يا نبي الله كنا نقول حين رأيناها يرمى بها : مات ملك ملك ملك ولد مولود مات مولود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك كذلك ولكن الله تبارك وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه حملة العرش فسبحوا ، فسبح من تحتهم فسبح لتسبيحهم من تحت ذلك فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيسبحوا ثم يقول بعضهم لبعض مم سبحتم فيقولون سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم فيقولون ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا ؟ فيقولون مثل ذلك حتى ينتهوا إلى حملة العرش فيقال لهم مم سبحتم ؟ فيقولون قضى الله في خلقه كذا وكذا ، للأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيتحدثوا به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم به فيخطئون ويصيبون فيتحدث به الكهان فيصيبون بعضا ويخطئون بعضا ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها ، فانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة .
قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه بمثل حديث ابن شهاب عنه .

maher 09-08-2005 02:52 AM

[ الغيطلة وما حدثت به بني سهم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم إن امرأة من بني سهم يقال لها الغيطلة كانت كاهنة في الجاهلية جاءها صاحبها ليلة من الليالي ، فانقض تحتها ، ثم قال أدر ما أدر . يوم عقر ونحر فقالت قريش حين بلغها ذلك ما يريد ؟ ثم جاءها ليلة أخرى ، فانقض تحتها ، ثم قال شعوب ما شعوب تصرع فيه كعب لجوب . فلما بلغ ذلك قريشا . قالوا : ماذا يريد إن هذا لأمر هو كائن فانظروا ما هو ؟ فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب فعرفوا أنه الذي كان جاء به إلى صاحبته .
[ نسب الغيطلة ]
قال ابن هشام : الغيطلة من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة ، إخوة مدلج بن مرة وهي أم الغياطل الذين ذكر أبو طالب في قوله :
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا بني خلف قيضا بنا والغياطل
فقيل لولدها : الغياطل ; وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص . وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .
[ حديث كاهن جنب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني علي بن نافع الجرشي أن جنبا : بطنا من اليمن ، كان لهم كاهن في الجاهلية فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر في العرب ، قالت له جنب انظر لنا في أمر هذا الرجل واجتمعوا له في أسفل جبله فنزل عليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس له فرفع رأسه إلى السماء طويلا ، ثم جعل ينزو ، ثم قال أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه وطهر قلبه وحشاه ومكثه فيكم أيها الناس قليل ثم أسند في جبله راجعا من حيث جاء .
[ ما جرى بين عمر بن الخطاب وسواد بن قارب ]
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان ، أنه حدث أن عمر بن الخطاب بينا هو جالس في الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل رجل من العرب داخلا المسجد يريد عمر بن الخطاب ، فلما نظر إليه عمر رضي الله عنه قال إن هذا الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد أو لقد كان كاهنا في الجاهلية . فسلم عليه الرجل ثم جلس فقال له عمر رضي الله عنه هل أسلمت ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين قال له فهل كنت كاهنا في الجاهلية ؟ فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما وليت فقال عمر اللهم غفرا ، قد كنا في الجاهلية على شر من هذا ، نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله برسوله وبالإسلام قال نعم والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا في الجاهلية قال فأخبرني ما جاءك به صاحبك ، قال جاءني قبل الإسلام بشهر أو شيعه فقال ألم تر إلى الجن وإبلاسها ، وإياسها من دينها ، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها .
قال ابن هشام : هذا الكلام سجع وليس بشعر . قال عبد الله بن كعب فقال عمر بن الخطاب عند ذلك يحدث الناس والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش ، قد ذبح له رجل من العرب عجلا ، فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه وذلك قبيل الإسلام بشهر أو شيعه يقول يا ذريح أمر نجيح رجل يصيح يقول : لا إله إلا الله
قال ابن هشام : ويقال رجل يصيح بلسان فصيح يقول لا إله إلا الله . وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر
عجبت للجن وإبلاسها وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
ما مؤمنو الجن كأنجاسها
قال ابن إسحاق : فهذا ما بلغنا من الكهان من العرب .
إنذار اليهود برسول الله صلى الله عليه وسلم
[ إنذار اليهود به صلى الله عليه وسلم ولما بعث كفروا به ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن رجال من قومه قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه لنا ، لما كنا نسمع من رجال يهود ( و ) كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا ، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه ( قد ) تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم . فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى ، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين
قال ابن هشام : يستفتحون يستنصرون ويستفتحون ( أيضا ) : يتحاكمون وفي كتاب الله تعالى : ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين .
[ حديث سلمة عن اليهودي الذي أنذر بالرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش ، وكان سلمة من أصحاب بدر ، قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل . قال فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل - قال سلمة وأنا يومئذ من أحدث من فيه سنا ، علي بردة لي ، مضطجع فيها بفناء أهلي - فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار . قال فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت . فقالوا له ويحك يا فلان أوترى هذا كائنا ، أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ قال نعم والذي يحلف به ولود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه بأن ينجو من تلك النار غدا . فقالوا له ويحك يا فلان فما آية ذلك ؟ قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده إلى مكة واليمن . فقالوا : ومتى تراه ؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا ، فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه .
قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا . قال فقلنا له ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال بلى ، ولكن ليس به .

[ إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال لي : هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ، نفر من بني هدل إخوة بني قريظة ، كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام .
قال قلت : لا والله قال فإن رجلا من يهود من أهل الشام ، يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبيل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا ، لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا . فيقول لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة . فنقول له كم ؟ فيقول صاعا من تمر أو مدين من شعير . قال فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي الله لنا . فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى ، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث . قال ثم حضرته الوفاة عندنا . فلما عرف أنه ميت قال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع ؟ قال قلنا : إنك أعلم قال فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعكم ذلك منه .
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة ، قال هؤلاء الفتية وكانوا شبابا أحداثا : يا بني قريظة ، والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا : ليس به قالوا : بلى والله إنه لهو بصفته فنزلوا وأسلموا ، وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم
قال ابن إسحاق : فهذا ما بلغنا عن أخبار يهود .

maher 09-08-2005 02:56 AM

حديث إسلام سلمان رضي الله عنه
 
حديث إسلام سلمان رضي الله عنه
[ كان سلمان مجوسيا ، فمر بكنيسة فتطلع إلى النصرانية ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبد الله بن عباس ، قال حدثني سلمان الفارسي ، وأنا أسمع من فيه قال كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي ، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها ، لا يتركها تخبو ساعة . قال وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما ، فقال لي : يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها فاطلعها . وأمرني فيها ببعض ما يريد ثم قال لي : ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، وشغلتني عن كل شيء من أمري .
قال فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها ; ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام . فرجعت إلى أبي ، وقد بعث في طلبي ، وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت ؟ أولم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال قلت له يا أبت مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه قال قلت له كلا والله إنه لخير من ديننا . قال فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته
[ اتفاق سلمان والنصارى على الهرب ]
قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم . قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم . قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام . فلما قدمتها ، قلت من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة
[ سلمان وأسقف النصارى السيئ ]
قال فجئته فقلت له إني قد رغبت في هذا الدين فأحببت أن أكون معك ، وأخدمك في كنيستك ، فأتعلم منك ، وأصلي معك ; قال ادخل فدخلت معه . قال وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق . قال فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها ، اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا . قال فقالوا لي : وما علمك بذلك ؟ قال قلت لهم أنا أدلكم على كنزه قالوا : فدلنا عليه قال فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا . قال فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا . قال فصلبوه ورجموه بالحجارة وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه .
[ سلمان والأسقف الصالح ]
قال يقول سلمان فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه كان أفضل منه ( و ) أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه . قال فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله . قال فأقمت معه زمانا طويلا ، ثم حضرته الوفاة فقلت له يا فلان إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه فقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به .
[ سلمان وصاحبه بالموصل ]
قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات . فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك ، وأمرني باللحوق بك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال يا بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به .
[ سلمان وصاحبه بنصيبين ]
فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين ، فأخبرته خبري ، وما أمرني به صاحبه فقال أقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه . فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك ; قال فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال يا بني والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم ، فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على أمرنا .
[ سلمان وصاحبه بعمورية ]
فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية ، فأخبرته خبري ; فقال أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل على هدى أصحابه وأمرهم . قال واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة . قال ثم نزل به أمر الله تعالى ، فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال أي بني والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه ولكنه قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام يخرج بأرض العرب ، مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .
[ سلمان ونقلته إلى وادي القرى ثم إلى المدينة
سماعه ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ثم مات وغيب ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم احملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا : نعم . فأعطيتهموها وحملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ، فباعوني من رجل يهودي عبدا ، فكنت عنده ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق في نفسي ، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة ، فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي ، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي .
[ نسب قيلة ]
قال ابن هشام : قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، أم الأوس والخزرج .
قال النعمان بن بشير الأنصاري يمدح الأوس والخزرج :
بهاليل من أولاد قيلة لم يجد عليهم خليط في مخالطة عتبا
مساميح أبطال يراحون للندى يرون عليهم فعل آبائهم نحبا
وهذان البيتان في قصيدة له قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبد الله بن عباس ، قال قال سلمان فلما سمعتها أخذتني العرواء .
فقال ابن هشام : والعرواء الرعدة من البرد والانتفاض فإن كان مع ذلك عرق فهي الرحضاء وكلاهما ممدود - حتى ظننت أني سأسقط على سيدي ، فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول ؟ ( ماذا تقول ) ؟ فغضب سيدي ، فلكمني لكمة شديدة ثم قال ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك . قال قلت : لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال .
[ سلمان بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بهديته يستوثق ]
( قال ) : وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء قد كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا ، وأمسك يده فلم يأكل . قال فقلت في نفسي : هذه واحدة . قال ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا ، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ثم جئته به فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها . قال فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه . قال فقلت في نفسي : هاتان ثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد ، قد تبع جنازة رجل من أصحابه ( و ) علي شملتان لي ، وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ; فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه أقبله وأبكي ; فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يسمع ذلك أصحابه . ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد .
[ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان بالمكاتبة ليخلص من الرق ]
قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان ; فكاتبت صاحبي على ثلاث مئة نخلة أحييها له بالفقير وأربعين أوقية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين ودية والرجل بخمس عشرة ودية والرجل بعشر يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاث مئة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فأتني أكن أنا أضعها بيدي . قال ففقرت وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها ، فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغنا . فوالذي نفس سلمان بيده . ما ماتت منها ودية واحدة . قال فأديت النخل وبقي علي المال . فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب ؟ قال فدعيت له فقال خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان " قال قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ فقال خذها فإن الله سيؤدي بها عنك . قال فأخذتها فوزنت لهم منها ، والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم منها ، وعتق سلمان . فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخندق حرا ، ثم لم يفتني معه مشهد
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب . عن رجل من عبد القيس عن سلمان : أنه قال لما قلت : وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال خذها فأوفهم منها ، فأخذتها ، فأوفيتهم منها حقهم كله أربعين أوقية .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، قال حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبد العزيز بن مروان قال حدثت عن سلمان الفارسي : أنه قال .

maher 09-08-2005 02:58 AM

[ سلمان والرجل الذي كان يخرج بين غيضتين بعمورية ]
حدثت عن سلمان الفارسي ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره خبره إن صاحب عمورية قال له ائت كذا وكذا من أرض الشام ، فإن بها رجلا بين غيضتين . يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة مستجيزا ، يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي فاسأله عن هذا الدين الذي تبتغي ، فهو يخبرك عنه . قال سلمان : فخرجت حتى أتيت حيث وصف لي ، فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هنالك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى الغيضتين إلى أخرى ، فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفي وغلبوني عليه فلم أخلص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبه . قال فتناولته : فقال من هذا ؟ والتفت إلي فقلت : يرحمك الله ، أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم . قال إنك لتسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم قد أظلك زمان نبي يبعث بهذا الدين من أهل الحرم ، فأته فهو يحملك عليه . قال ثم دخل . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان لئن كنت صدقتني يا سلمان ، لقد لقيت عيسى ابن مريم ، على نبينا وعليه السلام .
ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى
وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل
قال ابن إسحاق : واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما ، فخلص منهم أربعة نفر نجيا ، ثم قال بعضهم لبعض تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض قالوا : أجل . وهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ; وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب ، وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وزيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ; فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع يا قوم التمسوا لأنفسكم ( دينا ) ، فإنكم والله ما أنتم على شيء . فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم .
[ ما وصل إليه ورقة وابن جحش ]
فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها ، حتى علم علما من أهل الكتاب . وأما عبيد الله بن جحش ، فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هنالك نصرانيا .
[ ما كان يفعله ابن جحش بعد تنصره بمسلمي الحبشة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال كان عبيد الله بن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم هنالك من أرض الحبشة ، فيقول فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد . وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ لينظر . وقوله فقح فتح عينيه .
[ زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأة ابن جحش بعد موته ]
قال ابن إسحاق : وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيها إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فخطبها عليه النجاشي ، فزوجه إياها ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مئة دينار . فقال محمد بن علي : ما نرى عبد الملك بن مروان وقف صداق النساء على أربع مئة دينار إلا عن ذلك . وكان الذي أملكها النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص .
[ تنصر ابن الحويرث وذهابه إلى قيصر ]
قال ابن إسحاق : وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم ، فتنصر وحسنت منزلته عنده .
قال ابن هشام : ولعثمان بن الحويرث عند قيصر حديث منعني من ذكره ما ذكرت في حديث حرب الفجار .
[ زيد بن عمرو وما وصل إليه وشيء عنه ]
قال ابن إسحاق : وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهيم ; وبادى قومه بعيب ما هم عليه .
قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة ، وهو يقول يا معشر قريش ، والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على راحته .
قال ابن إسحاق : وحدثت أن ابنه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وعمر بن الخطاب ، وهو ابن عمه قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتستغفر لزيد بن عمرو ؟ قال نعم فإنه يبعث أمة وحده .
[ الخطاب ووقوفه في سبيل زيد بن نفيل وخروج زيد إلى الشام وموته ]
وكان الخطاب قد آذى زيدا ، حتى أخرجه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء مقابل مكة ، ووكل به الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفهائها ، فقال لهم لا تتركوه يدخل مكة ; فكان لا يدخلها إلا سرا منهم فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد منهم على فراقه . فقال وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما استحل من قومه
لاهم إني محرم لا حله وإن بيتي أوسط المحله
عند الصفا ليس بذي مضله
ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام ويسأل الرهبان والأحبار حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ، ثم أقبل فجال الشام كله حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم فقال إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها ، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية فالحق بها ، فإنه مبعوث الآن هذا زمانه . وقد كان شام اليهودية والنصرانية ، فلم يرض شيئا منهما ، فخرج سريعا ، حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة ، حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه .

maher 09-08-2005 02:59 AM

صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل
 
صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل
قال ابن إسحاق : وقد كان فيما بلغني عما كان وضع عيسى ابن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أثبت يحنس الحواري لهم حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى ابن مريم عليه السلام في رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال من أبغضني فقد أبغض الرب ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ، ما كانت لهم خطيئة ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ، وأيضا للرب ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجانا ، أي باطلا . فلو قد جاء المنحمنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب ( و ) روح القدس هذا الذي من عند الرب خرج فهو شهيد علي وأنتم أيضا ، لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم لكيما لا تشكوا .
والمنحمنا ( بالسريانية ) : محمد وهو بالرومية البرقليطس صلى الله عليه وآله وسلم .
مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
قال ابن إسحاق : فلما بلغ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ، وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به والتصديق له والنصر له على من خالفه وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه . يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري أي ثقل ما حملتكم من عهدي قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فأخذ الله ميثاق النبيين جميعا بالتصديق له والنصر له ممن خالفه وأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابين .
[ أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة ]
قال ابن إسحاق : فذكر الزهري عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح قالت وحبب الله تعالى إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده .
[ تسليم الحجارة والشجر عليه صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي ، وكان واعية عن أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله .
قال فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة . فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان .
[ ابتداء نزول جبريل عليه السلام ]
قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير . قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي حدثنا يا عبيد ، كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل عليه السلام ؟ قال فقال عبيد - وأنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير ومن عنده من الناس - : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا ، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية . والتحنث التبرز . قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق ليرقى في حراء ونازل
[ بحث لغوي لابن هشام في معنى التحنث ]
قال ابن هشام : تقول العرب : التحنث والتحنف يريدون الحنفية فيبدلون الفاء من الثاء كما قالوا : جدث وجدف يريدون القبر .
قال رؤبة بن العجاج :
لو كان أحجاري مع الأجداف
يريد الأجداث . وهذا البيت في أرجوزة له . وبيت أبي طالب في قصيدة له سأذكرها إن شاء الله في موضعها .
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول فم ، في موضع ثم يبدلون الفاء من الثاء .
قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن كيسان قال قال عبيد : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من المساكين فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة ، قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعث الله تعالى فيها ; وذلك الشهر ( شهر ) رمضان خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء ، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها ، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ قال قلت : ما أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال اقرأ قال قلت : ما أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني ، فقال اقرأ قال قلت : ماذا أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني ، فقال اقرأ قال فقلت : ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي ، فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم قال فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا . قال فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل قال فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل . قال فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء قال فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني

maher 09-08-2005 03:00 AM

[ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على خديجة ما كان من أمر جبريل معه ]
وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها : فقالت يا أبا القاسم أين كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ، ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة
[ خديجة بين يدي ورقة تحدثه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع فقال ورقة بن نوفل : قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت . فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله .
ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ذكر أسلم
قال ابن إسحاق : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، رضوان الله وسلامه عليه وهو يومئذ ابن عشر سنين .
[ نشأته في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك ]
وكان مما أنعم الله ( به ) على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ، ومما صنع الله له وأراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت رجلا ، فنكلهما عنه فقال العباس نعم . فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام : ويقال : عقيلا وطالبا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا ، فاتبعه علي رضي الله عنه وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه .

[ خروج علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعاب مكة يصليان ووقوف أبي طالب على أمرهما ]
قال ابن إسحاق : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب . ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا . فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا . ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال أي عم هذا دين الله ، ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم - أو كما قال صلى الله عليه وسلم - بعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب أي ابن أخي ، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت وذكروا أنه قال لعلي أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به وصليت معه لله واتبعته . فزعموا أنه قال له أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه .
إسلام زيد بن حارثة ثانيا
قال ابن إسحاق : ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول ذكر أسلم ، وصلى بعد علي بن أبي طالب .
[ نسبه وسبب تبني رسول الله صلى الله عليه وسلم له ]
قال ابن هشام : زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللاتي بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة . وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد ، وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك ; فاختارت زيدا فأخذته فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ، فاستوهبه منها ، فوهبته له فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه وذلك قبل أن يوحى إليه .
[ شعر حارثة حين فقد ابنه زيدا وقدومه على الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله رده عليه ]
وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعا شديدا ، وبكى عليه حين فقده فقال
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري وإني لسائل أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل
ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبة فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره فيا طول ما حزني عليه وما وجل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي فكل امرئ فان وإن غره الأمل
ثم قدم عليه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك ، فقال بل أقيم عندك . فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله فصدقه وأسلم ، وصلى معه فلما أنزل الله عز وجل ادعوهم لآبائهم قال أنا زيد بن حارثة .

maher 09-08-2005 03:01 AM

إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه وشأنه
قال ابن إسحاق : ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة ، واسمه عتيق واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
قال ابن هشام : واسم أبي بكر : عبد الله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه
قال ابن إسحاق : فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله .
وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا ، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها ، وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلا تاجرا ، ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه .
ذكر من أسلم من الصحابة بدعوة أبي بكر رضي الله عنه
[ إسلام عثمان والزبير وعبد الرحمن وسعد وطلحة ]
قال فأسلم بدعائه - فيما بلغني - عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وسعد بن أبي وقاص ، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن مرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغني : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه .
قال ابن هشام : قوله " بدعائه " عن غير ابن إسحاق .
قال ابن هشام : قوله عكم تلبث قال رؤبة بن العجاج :
وانصاع وثاب بها وما عكم
قال ابن إسحاق : فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاءه من الله .
[ إسلام أبي عبيدة وأبي سلمة والأرقم وأبناء مظعون وعبيدة بن الحارث وسعيد بن زيد وامرأته وأسماء وعائشة وخباب ]
ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح ، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر . وأبو سلمة واسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، والأرقم بن أبي الأرقم . واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد - وكان أسد يكنى أبا جندب - بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . وأخواه قدامة وعبد الله ابنا مظعون بن حبيب . وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ; وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أخت عمر بن الخطاب .
وأسماء بنت أبي بكر . وعائشة بنت أبي بكر ، وهي يومئذ صغيرة . وخباب بن الأرت ، حليف بني زهرة .
قال ابن هشام : خباب بن الأرت من بني تميم ويقال هو من خزاعة .
[ إسلام عمير وابن مسعود وابن القاري ]
قال ابن إسحاق : وعمير بن أبي وقاص ، أخو سعد بن أبي وقاص . وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل . ومسعود بن القاري وهو مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن محلم بن عائذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة من القارة .
[ شيء عن القارة ]
قال ابن هشام : والقارة : لقب ( لهم ) ولهم يقال
قد أنصف القارة من راماها
وكانوا قوما رماة .
[ إسلام سليط وأخيه وعياش وامرأته وخنيس ، وعامر ]
قال ابن إسحاق : وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن ( حسل بن ) عامر بن لؤي بن غالب بن فهر : ( وأخوه حاطب بن عمرو ) وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة التميمية . وخنيس بن حذافة بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .
وعامر بن ربيعة ، من عنز بن وائل ، حليف آل الخطاب بن نفيل بن عبد العزى . قال ابن هشام : عنز بن وائل أخو بكر بن وائل ، من ربيعة بن نزار .
[ إسلام ابني جحش وجعفر وامرأته وأولاد الحارث ونسائهم والسائب والمطلب وامرأته ]
قال ابن إسحاق : وعبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة . وأخوه أبو أحمد بن جحش ، حليفا بني أمية بن عبد شمس . وجعفر بن أبي طالب ; وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة ، من خثعم : وحاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ; وامرأته فاطمة بنت المجلل بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر وأخوه حطاب بن الحارث ; وامرأته فكيهة بنت يسار . ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .
والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب . والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد ( بن سعد ) بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والنحام ، واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد ، أخو بني عدي بن كعب بن لؤي .
مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وما كان منهم
[ أمر الله له صلى الله عليه وسلم بمباداة قومه ]
قال ابن إسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به . ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إليه وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين - فيما بلغني - من مبعثه ثم قال الله تعالى له فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وقال تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقل إني أنا النذير المبين
[ تفسير ابن هشام لبعض المفردات ]
قال ابن هشام : اصدع افرق بين الحق والباطل . قال أبو ذؤيب الهذلي ، واسمه خويلد بن خالد يصف أتن وحش وفحلها :
وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع
أي يفرق على القداح ويبين أنصباءها . وهذا البيت في قصيدة له . وقال رؤبة بن العجاج
أنت الحليم والأمير المنتقم تصدع بالحق وتنفي من ظلم
وهذان البيتان في أرجوزة له .

maher 09-08-2005 03:03 AM

[ خروج الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى شعاب مكة وما فعله سعد ]
قال ابن إسحاق : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ، ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه فكان أول دم أهريق في الإسلام .
[ إظهار قومه صلى الله عليه وسلم العداوة له وحدب عمه أبي طالب عليه ]
قال ابن إسحاق : فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه - فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها ; فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء .
فلما رأت قريش ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب . وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
قال ابن هشام : واسم أبي سفيان صخر .
قال ابن إسحاق : وأبو البختري واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
قال ابن هشام : أبو البختري العاص بن هاشم .
قال ابن إسحاق : والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وأبو جهل - واسمه عمرو ، وكان يكنى أبا الحكم - بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي .
والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والعاص بن وائل .
قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .
[ وفد قريش مع أبي طالب في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : أو من مشى منهم . فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ; فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه .
[ استمرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ورجوع وفد قريش إلى أبي طالب ثانية ]
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى ، فقالوا له يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له . ( ثم ) انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه .
[ طلب أبي طالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكف عن الدعوة وجوابه له ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، للذي كانوا قالوا له فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق قال فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته قال ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخي ، قال فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا .
[ مشي قريش إلى أبي طالب ثالثة بعمارة بن الوليد المخزومي ]
قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له - فيما بلغني - يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا ، الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبدا . قال فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ; فقال أبو طالب للمطعم والله ما أنصفوني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك ، أو كما قال . فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا .
[ ذكر ما فتنت به قريش المؤمنين وعذبتهم على الإيمان ]
قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم منهم بعمه أبي طالب وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه . وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون .
تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن
[ اجتماعه بنفر من قريش ليبيتوا ضد النبي صلى الله عليه وسلم واتفاق قريش أن يصفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالساحر وما أنزل الله فيهم ]
ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا سنيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا ; قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيا نقول به قال بل أنتم فقولوا أسمع قالوا : نقول كاهن قال لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا : فنقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا : فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا : فنقول ساحر قال ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة - قال ابن هشام : ويقال لغدق - وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته . فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره .
فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة وفي ذلك من قوله ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا أي خصيما .
قال ابن هشام : عنيد معاند مخالف . قال رؤبة بن العجاج :
ونحن ضرابون رأس العند
وهذا البيت في أرجوزة له . سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر
قال ابن هشام : بسر كره وجهه . قال العجاج
مضبر اللحيين بسرا منهسا
يصف كراهية وجهه . وهذا البيت في أرجوزة له ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر

maher 09-08-2005 03:04 AM

[ ما أنزل الله في النفر الذين كانوا مع المغيرة ]
قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى : في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به من الله تعالى : كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون
. قال ابن هشام : واحدة العضين عضة يقول عضوه فرقوه . قال رؤبة بن العجاج :
وليس دين الله بالمعضى
وهذا البيت في أرجوزة له .
[ دعا صلى الله عليه وسلم للناس حين أقحطوا ، فنزل المطر وود لو أن أبا طالب حي ، فرأى ذلك ]
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به قال أقحط أهل المدينة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا ذلك إليه فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى ، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالإكليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
قال أجل
قال ابن هشام : وقوله " وشبرقه " عن غير ابن إسحاق .
[ انتشار ذكر الرسول في القبائل ولا سيما في الأوس والخزرج ]
فلما انتشر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرب ، وبلغ البلدان ذكر بالمدينة ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر وقبل أن يذكر من هذا الحي من الأوس والخزرج ، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود ، وكانوا لهم حلفاء ومعهم في بلادهم . فلما وقع ذكره بالمدينة وتحدثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف . قال أبو قيس بن الأسلت . أخو بني واقف .
[ حرب داحس ]
قال ابن هشام : وأما قوله
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس
فحدثني أبو عبيدة النحوي : أن داحسا فرس كان لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ; أجراه مع فرس لحذيفة بن بدر بن عمرو بن زيد بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ، يقال لها : الغبراء . فدس حذيفة قوما وأمرهم أن يضربوا وجه داحس إن رأوه قد جاء سابقا ، فجاء داحس سابقا فضربوا وجهه وجاءت الغبراء . فلما جاء فارس داحس أخبر قيسا الخبر ، فوثب أخوه مالك بن زهير فلطم وجه الغبراء فقام حمل بن بدر فلطم مالكا .
ثم إن أبا الجنيدب العبسي لقي عوف بن حذيفة فقتله ثم لقي رجل من بني فزارة مالكا فقتله فقال حمل بن بدر أخو حذيفة بن بدر :
قتلنا بعوف مالكا وهو ثأرنا فإن تطلبوا منا سوى الحق تندموا
وهذا البيت في أبيات له . وقال الربيع بن زياد العبسي :
أفبعد مقتل مالك بن زهير ترجو النساء عواقب الأطهار
[ حرب حاطب ]
قال ابن هشام : وأما قوله " حرب حاطب " . فيعني حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، كان قتل يهوديا جارا للخزرج فخرج إليه يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج - وهو الذي يقال له ابن فسحم وفسحم أمه وهي امرأة من القين بن جسر - ليلا في نفر من بني الحارث بن الخزرج فقتلوه فوقعت الحرب بين الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا ، فكان الظفر للخزرج على الأوس ، وقتل يومئذ سويد بن صامت بن خالد بن عطية بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، قتله المجذر بن ذياد البلوي واسمه عبد الله حليف بني عوف بن الخزرج .
فلما كان يوم أحد خرج المجذر بن ذياد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه الحارث بن سويد بن صامت ، فوجد الحارث بن سويد غرة من المجذر فقتله بأبيه . وسأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله تعالى . ثم كانت بينهم حروب منعني من ذكرها واستقصاء هذا الحديث ما ذكرت في ( حديث ) حرب داحس .
ذكر ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه
[ سفهاء قريش ورميه صلى الله عليه وسلم بالسحر والجنون ]
قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه منهم فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفهاءهم فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفي به مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم واعتزال أوثانهم وفراقه إياهم على كفرهم .
[ حديث ابن العاص عن أكثر ما رأى قريشا نالته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته ؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا : فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما مر بهم غمزوه ببعض القول . قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ثم مضى ، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح . قال فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول انصرف يا أبا القاسم فوالله ما كنت جهولا . قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه . فبينما هم في ذلك طلع ( عليهم ) رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون أنت الذي تقول كذا وكذا ، لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا الذي أقول ذلك . قال فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه . قال فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه وهو يبكي ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا نالوا منه قط .
[ بعض ما نال أبا بكر في سبيل الرسول ]
قال ابن إسحاق ، وحدثني بعض آل أم كلثوم بنت أبي بكر ، أنها قالت ( لقد ) رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جبذوه بلحيته وكان رجلا كثير الشعر .
[ أشد ما أوذي به الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش أنه خرج يوما فلم يلقه أحد من الناس إلا كذبه وآذاه لا حر ولا عبد فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فتدثر من شدة ما أصابه فأنزل الله تعالى عليه يا أيها المدثر قم فأنذر

maher 09-08-2005 03:06 AM

إسلام حمزة رحمه الله
 
إسلام حمزة رحمه الله
[ أذاة أبي جهل للرسول صلى الله عليه وسلم ووقوف حمزة على ذلك ]
قال ابن إسحاق : حدثني رجل من أسلم ، كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا ، فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة لعبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة ، فجلس معهم .
فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم وكان أعز فتى في قريش ، وأشد شكيمة . فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم .
[ إيقاع حمزة بأبي جهل وإسلامه ]
فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته فخرج يسعى ولم يقف على أحد ، معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ثم قال أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فرد ذلك علي إن استطعت . فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا ، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله . فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه .
قول عتبة بن ربيعة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ما دار بين عتبة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال حدثت أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيدا ، قال يوما وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون فقالوا : بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها . قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد أسمع قال يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ; وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له .
حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال نعم قال فاسمع مني ; قال أفعل فقال بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه . فلما سمعها منه عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك
[ ما أشار به عتبة على أصحابه ]
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم .

maher 09-08-2005 03:21 AM

ما دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين رؤساء قريش وتفسير لسورة الكهف
 
ما دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين رؤساء قريش وتفسير لسورة الكهف
[ استمرار قريش على تعذيب من أسلم ]
قال ابن إسحاق : ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء وقريش تحبس من قدرت على حبسه وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ثم إن أشراف قريش من كل قبيلة كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير ، وعن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال
[ حديث رؤساء قريش مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ]
اجتمع عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ، والنضر بن الحارث ( بن كلدة ) ، أخو بني عبد الدار وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب بن أسد ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية ، والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف ، أو من اجتمع منهم .
قال اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك ، فأتهم فجاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعا ، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا له يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك - أو كما قالوا له - فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا ، فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا - فربما كان ذلك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك .
فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما بي ما تقولون ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل علي كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربي ، ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -
قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ، ولا أقل ماء ولا أشد عيشا منا ، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك ، وعرفنا به منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول .
فقال لهم - صلوات الله وسلامه عليه - : ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى ، حتى يحكم الله بيني وبينكم قالوا : فإذا لم تفعل هذا لنا ، فخذ لنفسك ، سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم .
فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا - أو كما قال - فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم قالوا : فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل قالوا : يا محمد أفما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا ، إذ لم نقبل منك ما جئتنا به إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا ، فقد أعذرنا إليك يا محمد وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك ، أو تهلكنا .
وقال قائلهم نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله . وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا .
[حديث عبد الله بن أبي أمية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]
فلما قالوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - وهو ابن عمته فهو لعاتكة بنت عبد المطلب - فقال له يا محمد . عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ، ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل - أو كما قال له - فوالله لا أومن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ، ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ، ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ، ثم انصرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه .
[ ما توعد به أبو جهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ]
فلما قام عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو جهل يا معشر قريش ، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتتا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله - أو كما قال - فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا ، فامض لما تريد .
[ ما حدث لأبي جهل حين هم بإلقاء الحجر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ]
فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف ثم جلس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره وغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان يغدو . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة وقبلته إلى الشام ، فكان إذا صلى صلى بين الركن اليماني والحجر الأسود ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل فلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده .
وقامت إليه رجال قريش ، فقالوا له ما لك يا أبا الحكم ؟ قال قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، فهم بي أن يأكلني .
قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك جبريل - عليه السلام - لو دنا لأخذه .

maher 09-08-2005 03:26 AM

[ ما كان يؤذي به النضر بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة ، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ، وأحاديث رستم واسبنديار .
فكان إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام ثم قال أنا والله يا معشر قريش ، أحسن حديثا منه فهلم إلي فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسبنديار ، ثم يقول بماذا محمد أحسن حديثا مني ؟ .
قال ابن هشام : وهو الذي قال فيما بلغني : سأنزل مثل ما أنزل الله . قال ابن إسحاق : وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول فيما بلغني : نزل فيه ثمان آيات من القرآن قول الله - عز وجل - : إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين . وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن .
[ أرسلت قريش النضر وابن أبي معيط إلى أحبار يهود يسألانهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ]
فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة وقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم إنكم أهل التوراة ، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا .
فقالت لهما أحبار يهود سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجب وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هي ؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي ، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم .
فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي حتى قدما مكة على قريش ، فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبي ، وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم .
[ سؤال قريش له صلى الله عليه وسلم عن أسئلة وإجابته لهم ]
فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ; وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ قال فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن فانصرفوا عنه .
فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون - خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة : ثم جاءه جبريل من الله - عز وجل - بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الله الفتية والرجل الطواف والروح .
[ ما أنزل الله في قريش حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاب عنه الوحي مدة ]
قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل حين جاءه لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فقال له جبريل وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا
فافتتح السورة - تبارك وتعالى - بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروه عليه من ذلك فقال الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - إنك رسول مني : أي تحقيق " لما سألوه عنه من نبوتك . ولم يجعل له عوجا قيما أي معتدلا ، لا اختلاف فيه . لينذر بأسا شديدا من لدنه أي عاجل عقوبته في الدنيا . وعذابا أليما في الآخرة أي من عند ربك الذي بعث رسولا .
ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا أي دار الخلد . لا يموتون فيها الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال .
وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا يعني قريشا في قولهم إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله . ما لهم به من علم ولا لآبائهم الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم . كبرت كلمة تخرج من أفواههم أي لقولهم إن الملائكة بنات الله . إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك يا محمد على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا : أي لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم أي لا تفعل .
قال ابن هشام : باخع نفسك ، أي مهلك نفسك ، فيما حدثني أبو عبيدة .
وجمعه باخعون وبخعة . وهذا البيت في قصيدة له . وتقول العرب : قد بخعت له نصحي ونفسي ، أي جهدت له . إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا
قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري ، وأعمل بطاعتي . وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي الأرض وإن ما عليها لفان وزائل وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها .
قال ابن هشام : الصعيد : الأرض وجمعه صعد . قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا :
كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم
وهذا البيت في قصيدة له .
والصعيد ( أيضا ) : الطريق . وقد جاء في الحديث إياكم والقعود على الصعدات يريد الطرق . والجرز الأرض التي لا تنبت شيئا ، وجمعها : أجراز . ويقال سنة جرز وسنون أجراز وهي التي لا يكون فيها مطر وتكون فيها جدوبة ويبس وشدة . قال ذو الرمة يصف إبلا : طوى النحر والأجراز ما في بطونها فما بقيت إلا الضلوع الجراشع وهذا البيت في قصيدة له .
[ ما أنزله الله تعالى في قصة أصحاب الكهف ]
قال ابن إسحاق : ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي قد . كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعجب من ذلك .
قال ابن هشام : والرقيم : الكتاب الذي رقم فيه بخبرهم وجمعه رقم . قال العجاج
ومستقر المصحف المرقم
وهذا البيت في أرجوزة له .
قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ثم قال تعالى : نحن نقص عليك نبأهم بالحق أي بصدق الخبر عنهم إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم .
هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين
قال ابن إسحاق : أي بحجة بالغة . فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه
ذلك من آيات الله أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم . من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد
قال ابن هشام : الوصيد الباب .
قال العبسي ، واسمه عبيد بن وهب
بأرض فلاة لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكر
وهذا البيت في أبيات له .
والوصيد ( أيضا ) : الفناء وجمعه وصائد ووصد ووصدان وأصد وأصدان لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا إلى قوله قال الذين غلبوا على أمرهم أهل السلطان والملك منهم لنتخذن عليهم مسجدا سيقولون يعني أحبار يهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب أي لا علم لهم . ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا أي لا تكابرهم ولا تستفت فيهم منهم أحدا فإنهم لا علم لهم بهم ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا أي ولا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا : إني مخبركم غدا . واستثن شيئة الله واذكر ربك إذا نسيت ، وقل عسى أن يهدين ربي لخير مما سألتموني عنه رشدا ، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك .
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا أي سيقولون ذلك . قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه .

maher 09-08-2005 03:27 AM

[ ما أنزل الله تعالى في خبر الرجل الطواف ]
وقال فيما سألوه عنه من أمر الرجل الطواف : ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا حتى انتهى إلى آخر قصة خبره .
وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت أحد غيره فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها ، لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها ، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق .
قال ابن إسحاق : فحدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه أن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر . اسمه مرزبان بن مرذبة اليوناني ، من ولد يونان بن يافث بن نوح .
قال ابن هشام : واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه . قال ابن إسحاق : وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي وكان رجلا قد أدرك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذي القرنين فقال ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب
وقال خالد سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا يقول يا ذا القرنين فقال عمر اللهم غفرا ، أما رضيتم أن تسموا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة .
قال ابن إسحاق : الله أعلم أي ذلك كان أقال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ ( فإن كان قاله ) ، فالحق ما قال .
[ ما أنزل الله تعالى في أمر الروح ]
وقال تعالى فيما سألوه عنه من أمر الروح ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
[ سؤال يهود المدينة للرسول - صلى الله عليه وسلم - عن المراد من قوله تعالى
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ]
قال ابن إسحاق : وحدثت عن ابن عباس ، أنه قال لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، قالت أحبار يهود يا محمد أرأيت قولك : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا إيانا تريد أم قومك ؟ قال كلا ; قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك : أنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنها في علم الله قليل وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه قال فأنزل الله تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم أي أن التوراة في هذا من علم الله قليل .
[ ما أنزل الله تعالى بشأن طلبهم تسيير الجبال ]
قال وأنزل الله تعالى عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت .
[ ما أنزله الله تعالى ردا على قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم خذ لنفسك ]
وأنزل عليه في قولهم خذ لنفسك ، ما سألوه أن يأخذ لنفسه أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا ، ويبعث معه ملكا يصدقه بما يقول ، ويرد عنه وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك أي من أن تمشي في الأسواق وتلتمس المعاش جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا .
وأنزل عليه في ذلك من قولهم وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفوا لفعلت .
[ ما أنزله تعالى ردا على قول ابن أبي أمية ]
وأنزل الله عليه فيما قال عبد الله بن أبي أمية : وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا
قال ابن هشام : الينبوع ما نبع من الماء من الأرض وغيرها ، وجمعه ينابيع . قال ابن هرمة واسمه إبراهيم بن علي الفهري .
وإذا هرقت بكل دار عبرة نزف الشئون ودمعك الينبوع
وهذا البيت في قصيدة له .
والكسف القطع من العذاب وواحدته كسفة مثل سدرة وسدر . وهي أيضا : واحدة الكسف . والقبيل يكون مقابلة ومعاينة وهو كقوله تعالى : أو يأتيهم العذاب قبلا أي عيانا
وأنشدني أبو عبيدة لأعشى بني قيس بن ثعلبة
أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها كصرخة حبلى يسرتها قبيلها
يعني القابلة لأنها تقابلها وتقبل ولدها . وهذا البيت في قصيدة له .
ويقال القبيل جمعه قبل وهي الجماعات وفي كتاب الله تعالى : وحشرنا عليهم كل شيء قبلا فقبل جمع قبيل مثل سبل جمع سبيل وسرر جمع سرير وقمص جمع قميص .
والقبيل ( أيضا ) : في مثل من الأمثال وهو قولهم ما يعرف قبيلا من دبير أي لا يعرف ما أقبل مما أدبر قال الكميت بن زيد
تفرقت الأمور بوجهتيهم فما عرفوا الدبير من القبيل
وهذا البيت في قصيدة له
ويقال إنما أريد بهذا ( القبيل ) : الفتل فما فتل إلى الذراع فهو القبيل وما فتل إلى أطراف الأصابع فهو الدبير وهو من الإقبال والإدبار الذي ذكرت .
ويقال فتل المغزل . فإذا فتل ( المغزل ) إلى الركبة فهو القبيل وإذا فتل إلى الورك فهو الدبير . والقبيل ( أيضا ) : قوم الرجل . والزخرف الذهب . والمزخرف المزين بالذهب . قال العجاج
من طلل أمسى تخال المصحفا رسومه والمذهب المزخرفا
وهذان البيتان في أرجوزة له ويقال أيضا لكل مزين . مزخرف
[ ما أنزله الله تعالى ردا على قولهم إنما يعلمك رجل باليمامة ]
قال ابن إسحاق : وأنزل عليه في قولهم إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن ولن نؤمن به أبدا : كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب

[ ما أنزله تعالى في أبي جهل وما هم به ]
وأنزل عليه فيما قال أبو جهل بن هشام وما هم به أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب
قال ابن هشام : لنسفعا : لنجذبن ولنأخذن . قال الشاعر
قوم إذا سمعوا الصراخ رأيتهم من بين ملجم مهره أو سافع
والنادي : المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويقضون فيه أمورهم.
وفي كتاب الله تعالى : وتأتون في ناديكم المنكر وهو الندي
( قال عبيد بن الأبرص ):
اذهب إليك فإني من بني أسد أهل الندي وأهل الجود والنادي
وفي كتاب الله تعالى : وأحسن نديا وجمعه أندية . فليدع أهل ناديه كما قال تعالى : واسأل القرية يريد أهل القرية .
قال سلامة بن جندل أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم :
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
وهذا البيت في قصيدة له . وقال الكميت بن زيد
لا مهاذير في الندي مكاني ر ولا مصمتين بالإفحام
وهذا البيت في قصيدة له .
ويقال النادي : الجلساء . والزبانية الغلاظ الشداد وهم في هذا الموضع خزنة النار . والزبانية ( أيضا ) في الدنيا : أعوان الرجل الذين يخدمونه ويعينونه والواحد زبنية .
قال ابن الزبعرى في ذلك
مطاعيم في المقرى مطاعين في الوغى زبانية غلب عظام حلومها
يقول : شداد . وهذا البيت في أبيات له . وقال صخر بن عبد الله الهذلي وهو صخر الغي
ومن كبير نفر زبانيه
وهذا البيت في أبيات له

maher 30-08-2005 05:56 AM

[ ما أنزله تعالى فيما عرضوه عليه عليه الصلاة والسلام من أموالهم ]
قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى عليه فيما عرضوا ( عليه ) من أموالهم قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد
[استكبار قريش عن أن يؤمنوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ]
فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوا من الحق وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوا عنه حال الحسد منهم له بينهم وبين اتباعه وتصديقه فعتوا على الله وتركوا أمره عيانا ، ولجوا فيما هم عليه من الكفر .
فقال قائلهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون أي اجعلوه لغوا وباطلا ، واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يوما غلبكم .
[ تهكم أبي جهل بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وتنفير الناس عنه ]
فقال أبو جهل يوما وهو يهزأ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من الحق يا معشر قريش يزعم محمد أنما جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر وأنتم أكثر الناس عددا ، وكثرة أفيعجز كل مئة رجل منكم عن رجل منهم ؟ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قوله : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا إلى آخر القصة
فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن وهو يصلي ، يتفرقون عنه ويأبون أن يستمعوا له فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقا منهم فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع وإن خفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته فظن الذي يستمع أنهم لا يستمعون شيئا من قراءته وسمع هو شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه .
[ سبب نزول آية ولا تجهر إلخ ]
قال ابن إسحاق : حدثني داود بن الحصين مولى عمرو بن عثمان ، أن عكرمة مولى ابن عباس حدثهم أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - حدثهم إنما أنزلت هذه الآية ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وابتغ من أجل أولئك النفر . يقول لا تجهر بصلاتك فيتفرقوا عنك ، ولا تخافت بها فلا يسمعها من يحب أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به .
أول من جهر بالقرآن
[عبد الله بن مسعود وما ناله من قريش في سبيل جهره بالقرآن ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه قال كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال اجتمع يوما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يسمعهموه فقال عبد الله بن مسعود : أنا ; قالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه قال دعوني فإن الله سيمنعني .
قال فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى ، وقريش في أنديتها ، حتى قام عند المقام ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " رافعا بها صوته الرحمن علم القرآن قال ثم استقبلها يقرؤها . قال فتأملوه فجعلوا يقولون ماذا قال ابن أم عبد ؟ قال ثم قالوا : إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ . ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه فقالوا له هذا الذي خشينا عليك ; فقال ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا ; قالوا : لا ، حسبك ، قد أسمعتهم ما يكرهون .
قصة استماع قريش إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
[ أبو سفيان وأبو جهل والأخنس وحديث استماعهم للرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب ، وأبا جهل بن هشام ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا .
فجمعهم الطريق فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ، ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا .

maher 30-08-2005 05:57 AM

[ ذهاب الأخنس إلى أبي سفيان يسأله عن معنى ما سمع ]
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ، ولا ما يراد بها ; قال الأخنس وأنا الذي حلفت به ( كذلك ) .
[ ذهاب الأخنس إلى أبي جهل يسأله عن معنى ما سمع ]
قال ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال . يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه . قال فقام عنه الأخنس وتركه .
[ تعنت قريش في عدم استماعهم للرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزله تعالى ]
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله قالوا يهزءون به قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه لا نفقه ما تقول وفي آذاننا وقر لا نسمع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب قد حال بيننا وبينك ( فاعمل ) بما أنت عليه إننا عاملون بما نحن عليه إنا لا نفقه عنك شيئا ، فأنزل الله تعالى ( عليه ) في ذلك من قولهم وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا إلى قوله وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا أي كيف فهموا توحيدك ربك إن كنت جعلت على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا ، وبينك وبينهم حجابا بزعمهم أي إني لم أفعل ذلك .
نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أي ذلك ما تواصوا به من ترك ما بعثتك به إليهم . انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا أي أخطئوا المثل الذي ضربوا ( لك ) ، فلا يصيبون به هدى ، ولا يعتدل لهم فيه قول وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أي قد جئت تخبرنا أنا سنبعث بعد موتنا إذا كنا عظاما ورفاتا ، وذلك ما لا يكون .
قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة أي الذي خلقكم مما تعرفون فليس خلقكم من تراب بأعز من ذلك عليه .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال سألته عن قول الله تعالى : أو خلقا مما يكبر في صدوركم ما الذي أراد الله به ؟ فقال الموت .
ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة
[ قسوة قريش على من أسلم ]
قال ابن إسحاق . ثم إنهم عدوا على من أسلم ، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر ، من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم .
[ ما كان يلقاه بلال بعد إسلامه وما فعله أبو بكر في تخليصه ]
وكان بلال مولى أبي بكر رضي الله عنهما ، لبعض بني جمح مولدا من مولديهم وهو بلال بن رباح ، وكان اسم أمه حمامة وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له ( لا والله ) لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى ، فيقول وهو في ذلك البلاء أحد أحد .
قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال كان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب بذلك وهو يقول : أحد أحد ; فيقول أحد أحد والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ، ومن يصنع ذلك به من بني جمح فيقول أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا ، حتى مر به أبو بكر الصديق ( ابن أبي قحافة ) رضي الله عنه يوما ، وهم يصنعون ذلك به وكانت دار أبي بكر في بني جمح فقال لأمية بن خلف ألا تتقي الله في هذا المسكين ؟ حتى متى ؟ قال أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى ; فقال أبو بكر . أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه به قال قد قبلت فقال هو لك . فأعطاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه غلامه ذلك وأخذه فأعتقه
[ من أعتقهم أبو بكر مع بلال ]
ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة ، شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة شهيدا ; وأم عبيس وزنيرة ، وأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ; فقالت كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان فرد الله بصرها .
وأعتق النهدية وبنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها ، وهي تقول والله لا أعتقكما أبدا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه حل يا أم فلان فقالت حل أنت أفسدتهما فأعتقهما ، قال فبكم هما ؟ قالت بكذا وكذا ، قال قد أخذتهما وهما حرتان أرجعا إليها طحينها ، قالتا : أونفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ؟ قال وذلك إن شئتما . ومر بجارية بني مؤمل حي من بني عدي بن كعب ، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك وهو يضربها ، حتى إذا مل قال إني أعتذر إليك ، إني لم أترك إلا ملالة فتقول كذلك فعل الله بك . فابتاعها أبو بكر ، فأعتقها .

maher 30-08-2005 05:58 AM

[ لام أبو قحافة ابنه لعتقه من أعتق فرد عليه ]
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن بعض أهله قال
قال أبو قحافة لأبي بكر : يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا ، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك ؟ قال فقال أبو بكر رضي الله عنه يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله ( عز وجل ) قال فيتحدث أنه ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قال له أبوه فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى إلى قوله تعالى : وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى
[ تعذيب قريش لابن ياسر وتصبير رسول الله صلى الله عليه وسلم له ]
قال ابن إسحاق : وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه وكانوا أهل بيت إسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة ، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ، فيما بلغني : صبرا آل ياسر موعدكم الجنة فأما أمه فقتلوها ، وهي تأبى إلا الإسلام .
[ ما كان يعذب به أبو جهل من أسلم ]
وكان أبو جهل الفاسق الذي يغري بهم في رجال من قريش ، إذا سمع بالرجل قد أسلم ، له شرف ومنعة أنبه وأخزاه وقال تركت دين أبيك وهو خير منك ، لنسفهن حلمك ، ولنفيلن رأيك ، ولنضعن شرفك ; وإن كان تاجرا قال والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك ; وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به .
[ سئل ابن عباس عن عذر من امتنع عن الإسلام لسبب تعذيبه فأجاز ]
قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير ، قال قلت لعبد الله بن عباس أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم ؟ قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له آللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له أهذا الجعل إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم افتداء منهم مما يبلغون من جهده .
[ رفض هشام تسليم أخيه لقريش ليقتلوه على إسلامه وشعره في ذلك ]
قال ابن إسحاق : وحدثني الزبير بن عكاشة بن عبد الله بن أبي أحمد أنه حدث أن رجالا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد ( بن المغيرة ) ، وكانوا قد أجمعوا على أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا ، منهم سلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة . قال فقالوا له . وخشوا شرهم إنا قد أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي أحدثوا ، فإنا نأمن بذلك في غيرهم . قال هذا ، فعليكم به فعاتبوه وإياكم ونفسه وأنشأ يقول :
ألا لا يقتلن أخي عييس فيبقى بيننا أبدا تلاحي
احذروا على نفسه فأقسم الله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا . قال فقالوا : اللهم العنه من يغرر بهذا الحديث فوالله لو أصيب في أيدينا لقتل أشرفنا رجلا . ( قال ) ، فتركوه ونزعوا عنه . قال وكان ذلك مما دفع الله به عنهم .
ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة
[ إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالهجرة ]
قال ابن إسحاق : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه . فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة ، مخافة الفتنة وفرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة كانت في الإسلام .
إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين إليها
قال ابن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة ، وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا ، ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي ، فيردهم عليهم ليفتنوهم في دينهم ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها ; فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص بن وائل وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ثم بعثوهما إليه فيهم .
[ حديث أم سلمة عن رسولي قريش مع النجاشي ]
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة ، جاورنا بها خير جار النجاشي ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم ثم قدما إلى النجاشي هداياه ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم .
قالت فخرجا حتى قدما على النجاشي ، ونحن عنده بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، وقالا لكل بطريق منهم إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما : نعم . ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه .
قالت ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي . قالت فقالت بطارقته حوله صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم .
قالت فغضب النجاشي ، ثم قال لاها الله إذن لا أسلمهم إليهما ، ولا يكاد قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني .
[ إحضار النجاشي المهاجرين وسؤاله لهم عن دينهم وجوابهم عن ذلك ]
قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا : نقول : والله ما علمنا ، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن .
فلما جاءوا ، وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال لهم ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا ( به ) في ديني ، ولا في دين أحد من هذه الملل ؟ قالت فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب ( رضوان الله عليه ) ، فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قالت فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ; ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .
قالت فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قالت فقال له جعفر نعم فقال له النجاشي : فاقرأه علي قالت فقرأ عليه صدرا من كهيعص قالت فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم .
ثم قال ( لهم ) النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ، ولا يكادون .

maher 30-08-2005 05:59 AM

[ مقالة المهاجرين في عيسى عليه السلام عند النجاشي ]
قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص : والله لآتينه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم . قالت فقال له عبد الله بن أبي ربيعة ، وكان أتقى الرجلين فينا : لا نفعل فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا ; قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد . قالت ثم غدا عليه ( من ) الغد فقال ( له ) : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه . قالت فأرسل إليهم ليسألهم عنه .
قالت ولم ينزل بنا مثلها قط . فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه ؟ قالوا : نقول والله ما قال الله وما جاءنا به نبينا ، كائنا في ذلك ما هو كائن . قالت فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون في عيسى ابن مريم ؟ قالت فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ( يقول ) : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .
قالت فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود قالت فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - والشيوم الآمنون - من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم . ما أحب أن لي دبرا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم -
قال ابن هشام : ويقال دبرا من ذهب ويقال فأنتم سيوم والدبر ( بلسان الحبشة ) : الجبل - ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه . قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار .
[ فرح المهاجرين بنصرة النجاشي على عدوه ]
قالت فوالله إنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه . قالت فوالله ما علمتنا حزنا حزنا قط كان أشد ( علينا ) من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه .
قالت وسار إليه النجاشي ، وبينهما عرض النيل ، قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟ قالت فقال الزبير بن العوام : أنا . قالوا : فأنت . وكان من أحدث القوم سنا . قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم .
قالت فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده . قالت فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى ، فلمع بثوبه وهو يقول ألا أبشروا ، فقد ظفر النجاشي ، وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده . قالت فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها .
قالت ورجع النجاشي ، وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة .
[ قتل أبي النجاشي وتولية عمه ]
قال ابن إسحاق : قال الزهري : فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل تدري ما قوله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ؟ قال قلت : لا ; قال فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشي ،
وكان للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة ، فقالت الحبشة س بينها : لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلا ، فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا ; فغدوا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك حينا .
[ غلبة النجاشي عمه على أمره وسعي الأحباش لإبعاده ]
ونشأ النجاشي مع عمه وكان لبيبا حازما من الرجال فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزلة فلما رأت الحبشة مكانه ( منه ) قالت بينها : والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا ، وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه . فمشوا إلى عمه فقالوا : إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خفناه على أنفسنا ، قال ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم بل أخرجه من بلادكم .
قالت فخرجوا به إلى السوق فباعوه من رجل من التجار بست مئة درهم فقذفه في سفينة فانطلق به حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته . قالت ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو محمق ليس في ولده خير فمرج على الحبشة أمرهم .
[ توليه الملك برضا الحبشة ]
فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض تعلموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم غدوة فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه ( الآن ) . قالت فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه .
[ حديث التاجر الذي ابتاع النجاشي ]
فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه فقال إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه في ذلك ؟ قالوا : لا نعطيك شيئا ، قال إذن والله أكلمه قالوا : فدونك وإياه . قالت فجاءه فجلس بين يديه فقال أيها الملك ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم فأسلموا إلي غلامي وأخذوا دراهمي ، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني ، فأخذوا غلامي ، ومنعوني دراهمي . قالت فقال لهم النجاشي : لتعطنه دراهمه أو ليضعن غلامه يده في يده فليذهبن به حيث شاء قالوا : بل نعطيه دراهمه .
قالت فلذلك يقول ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه . قالت وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعد له في حكمه .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت لما مات النجاشي ، كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.