أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   دعونـــــــي أرحــــــــل..(قصــــــــه) (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=47279)

مُقبل 26-08-2005 12:04 AM

دعونـــــــي أرحــــــــل..(قصــــــــه)
 
الخـــــوف من المجهـــــــول


حملتُ قلبا أرهف من قلب الطفل ، وروحا أزكى من روح المسك ، حملت مشاعر محبة لم تعرف الكره يوما
أو الحقد ، حلمت بدنيا هانئة هادئة جميلة .. شعرت بأن جميع من في الكون طيبون مُحّبون مثلي .
وأن الجميع يحملون قلوبا طاهرة مغسولة بالماء والثلج والبرد ، كما هو قلبي !
وأن الجميع ذوو نوايا حسنة كما هي نيتي ..أستاء لآلام الناس وأحزن لمصابهم ..
أحببت جميع الناس دون استثناء !!
وعندما أتممت العشرين من العمر تقدم إليّ شاب من بلد عربي فأخبرني به أهلي .. اضطربت وارتجفت فرائصي ..

ترددت كثيرا .. ثم رفضت لا أريده ولا أعلم سبب رفضي له .. فطلبوا مني التمهل والتفكير .. فكرت مليا ثم.. وافقتُ بعد شق الأنفس وجهد العناء .. ثم عُقِد القران بيننا ..
إذن بقي عام على الزواج ! خلال هذا العام كان يُرسل إليّ كتبا مغلفة خفية ودون علم أهلي !
ويطالبني بإصرار أن أخفيها عن أنظار الجميع !! بدت الغرابة على محيايّ ! لماذا ؟
فقال: سنصبح زوجين فيجب أن تكون لنا خصوصياتنا !
اقرئيها بمفردك وطبقي ما فيها فهي نافعة جدا ومفيدة للغاية !!

وكان يسألني باستمرار وبانتظام عن تأثير هذه الكتب عليّ ! وهل عملتُ بما فيها ؟ وما رأييّ بمحتواها ؟
الحق يقال بأن الله لم يكن يريد مني أن أفتح هذه الكتب أو أرى ما فيها على الإطلاق ، ولكن إجابتي له كانت
بأنها نافعة ومفيدة .. حتى لا يضغط عليّ بها أكثر من ذلك !

واستمر الحال .. وقبل الزواج بأسبوعين امتلأت مآقيّ بدموع الكون .. فاحترقت وجناتي بهذه الدموع المحرقة
التي لا أعرف لها سببا !!
ستُلقى على عاتقي مسؤوليات عِظام .. فهل أنا على استعداد لها ؟
كنتُ الفتاة الصغرى المدللة دوما !
هل سأوفّق في إسعاد زوجي وإعطائه حقوقه الزوجية كاملة ؟ هل سيكون سعيدا معي ؟ وهل سيُسعدني ؟
هل سيغضب الله عليّ عندما أُغضبه ؟ وهل .. وهل .. إلخ

لقد تربيت في بيت يعرف الحقوق والواجبات ويقدرها ولله الحمد ، بالإضافة إلى كونه بيتا محبا هادئا
فبالتأكيد سوف تكون حياتي كذلك !
لاحظتُ عليه قبل الزواج عدم ذهابه إلى المسجد في وقت الصلاة ! وقد كان حلمي الذي طالما راودني
أن أتزوج رجلا ملتزما خلوقا ديِّنا ، والشيء الأهم أن يصلي الصلاة في المسجد مع الجماعة..

حتى تسكن روحي معه .. وأطمئن له وبه .. وتهدأ حياتي وترفرف عليها السعادة والأمان ..!!
كم حلمتُ بان يستيقظ من سأتزوجه لصلاة الفجر كل يوم ويوقظني معه لأصلي ..
جاء يوم الزواج وأنا شبه واعية ! أخذ الخوف مني كل مأخذ .. اليوم فقط سأبدأ حياةً جديدة !
تزوجته .. سافرتُ معه إلى بلده ..


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 26-08-2005 12:10 AM


المفاجـــــأة الأولــــى


بعد وصولنا بيوم فاجأني قائلاً:
- استعدّي سيدخل عليكِ أقاربي من الرجال لمصافحتكِ وليباركوا لكِ بالزواج..
التهبتْ عيناي :
- ماذا تقصد؟ بالتأكيد تقصد بأنهم سيُباركون لي من خلف الباب !!!

نفى ذلك بسرعة وأردف :
- بل سيدخلون هنا عندك .. فصافحيهم وردّي إليهم التبريكات !
- أنا ؟ هل سيراني رجالٌ غرباء غير زوجي ؟
هتفتُ في أذنه :
أرجوك .. هذا ليس اتفاقنا ! اتفقنا على ألاّ أظهر أمام أحدٍ من الرجال على الإطلاق ..
فأنا كما تعلم من عائلةٍ محافظةٍ متحجبة وأنت تعلم ذلك جيداً !!

نظر إليّ بنظراتٍ غاضبةٍ وقال :
- افعلي ما أقوله لك ..
كنتُ بكامل زينتي ، ولم يتم حديثه إلا وقد دخل جمعٌ غفيرٌ من الرجال !!!
وعيون القوم تكاد تلتهمني !
فأسرعتُ بأخذ غطاءٍ وألقيتُ به على رأسي وجسدي وأنا أتوهّج ألماً وغضباً .. وامتنعتُ عن النظر إليهم
وقد امتلأت بالحسرة والقهر مع الدمعات ..

فمدّوا أيديهم يتسابقون بالمصافحة.. وبحركةٍ آليةٍ مرتجفةٍ خائفةٍ .. وبدافعٍ من نظرات الزوج الماكر
وخوفاً من غضبه مددتُ يدي بلا شعور لمصافحة كبيرهم الذي لم يتجاوز الثامنة والثلاثين من عمره !
و اكتفيتُ بمصافحته هو فقط !
أخذ البقية يُثنون على اختيار زوجي لي وقد توقعتُ أن يقوم بالنيل منهم لهذه المجاملات غير اللائقة

والتي صدرت بأسلوبٍ مقزّز لم أعرف القصد من ورائه !!
ولكن للأسف ! فقد اتسعت ابتسامته وانفرجت أساريره.. وماتت غَيرته !!
خرجتُ فوراً من الحجرة و كأنما شعرت بغضب الله قد وقع عليّ وما أشده من غضب !!
لم أعرف ماذا أفعل في مجتمع غريب ! ماذا سيفعل الله بي ؟ ما هذا الذنب العظيم الذي اقترفته ؟
اللهم اغفر لي فهذا خارجٌ عن إرادتي وطوعي !!!

عُدتُ إلى منزلي تسبقني إليه الدموع المذنبة .. ولكن يجب أن أقنع هذا الزوج بأسلوبٍ حكيمٍ هيّن ليّنٍ !
فرجوتُه ألا يفعل ما فعله اليوم مرةً أخرى !
بكل أدب وطيب حادثته : لأن الله لن يوفقنا في حياتنا على هذه الصورة ..
فأبدى غضبه واستياءه وثار، وأقام الدنيا ولم يُقعدْها ..!!
ففضّلتُ السكوت والإقناع بالحسنى على فتراتٍ متقطعة ، والتنازل له حتى يفعل الله أمراً كان مكتوباً .

فُوجئتُ مرةً أُخرى وأخرى بإصراره على مخالطتي لهؤلاء الرجال ..
رفضتْ ، رجوتُه ..
أمرني بلهجة حانقةٍ بالدخول قائلاً :
- إنهم جميعاً قد اعتادوا على المخالطة والضحك وتبادل النكات والأحاديث الودّية والطرب رجالاً ونساءً ..
ولستِ أنتِ التي ستُعيقين فعلهم أو تُصلحين من شأنهم ! فلتوفري مجهوداتك لنفسك !
تأملت الحال ! ألا يخافون الله وغضبه ؟ كيف تختلط النساء بالرجال بهذه الصورة المنتنة ؟
كيف تبدي النساء زينتهن أمام رجال أجانب ؟! كيف يسمح أزواجهن بهذه الدناءات ؟

ذهبنا بعد ذلك لزيارة بلدٍ عربي ّ آخر.. وما زلنا في الأسبوع الثاني من الزواج ... فقلتُ في نفسي :
- نحن الآن بمفردنا ، وسأحاول إقناعه !
ذهب ليأتي لنا بالعشاء من الخارج .. فذهبتُ أبحث في سورة النور عن الآية الفاصلة لهذا العمل المشين ..
والبهجة تملأني وكأني قد أمسكتُ بعقال الإبل ..

نعم هنا سيقف وهنا سيرضخ !! فإذا حَكَم الله بأمرٍ فلا خيرة له ولا لي فيه ! نعم جاء الفرج وانكشفت الغمّة ..
انتظرته بفارغ الصبر وكأن أجنحة الطيور جميعاً ملكاً لي أطير بها أينما أشاء في هذا الكون الفسيح !
وكأنما قلوب الكون تعاضدني لأصل إلى الخلاص الأكيد !!!

جاء؛ لم انتظر والابتسامة تنم عن فرح شديد وعن روحٍ مُنتصرة ، ثم فتحتُ المصحف على الآية :
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ....} النور: 31


وقبل انتهائي من الآية نظرت إلى وجهه وقد توقعتُ التوبة والندم بالطبع !!
ولكن يا للحسرة ، لقد استشاط غضباً، وقام بخطف المصحف الشريف من يدي بقوة وألقى به على السرير
ونظر في عينيّ بتهديد قاتلٍ ووعيدٍ مخيفٍ. ثم قال:
- أنت تستمعين إلى كلامي أنا وليس إلى كلام هذا .. مفهوم !!


وللقصة تتمة بإذن الله

الحنين 26-08-2005 06:49 AM

أخي الفاضل .. مقبل ..
بداية موفقة في عالم القصص الواسع ..
بارك الله فيك وفي قلمك السيال ..
تعليقي على القصة وفحواها سيكون في نهايتها باذن الله تعالى ..
وننتظر التتمة ..

أعذب تحية ..
:)

مُقبل 27-08-2005 10:18 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت الفاضله بنت الهلال،أسعدني مرورك العاطر من هنا،كما أحببت أن أُنوه أن هذه القصه ليست من تأليفي الشخصي_ربما لم يحن الوقت بعد للإفصاح عن مؤلفاتي الخاصه ( :rolleyes: )_ولكنني كنت قد قرأتها منذ زمن وأحتفظت بها عندي،لم لمسته بين سطورها من نواحي تربويه وأبعاد ذات مغزى،ناهيكِ عن لُغتها الأدبيه الراقيه،على كل حال فالقصه لازالت في بدايتها،وأرجو أن تنال أحداثها أعجاب من يطّلع عليها،دمت بخير أُختي الكريمه.

والسلام عليكم ورحمة الله.

مُقبل 27-08-2005 10:23 PM


من هذا الرجـــــل


هذه الصعقة زلزتْ كياني فخارتْ قواي ، لا فائدة !! مَنْ هذا الرجل الذي تزوجته ؟
طلبتُ المفاهمة منه بهدوء ، بكل أدب ، مع أن قلبي كاد أن يُخلع من هول الصدمة !
فسألته :
- ماذا تقصد ؟ وكيف تجرؤ على وضع المصحف بهذا الشكل ؟

فهاج قائلاً :
- وكيف تجرؤين على مناقشة هذا الموضوع المُنتهي بهذا الشكل ؟ وهذه آخر مرة نتحدث فيها عن ذلك !!
فكرتُ مليّاً .. لا بد من مخرج لهذا المأزق والصبر هو العلاج الأفضل .

تمادى الجميع ( من الرجال ) في التحدث والضحك معي ، وافتعال المواقف التي تجبرني
على الكلام معهم.. بكيتُ كثيراً على إجبار زوجي لي بالمخالطة ..
رضختُ بمشاعر مُكرَهة ! لعل الله أن يهديه فلا يُعاود ذلك !

كنتُ ألبس حجاباً ساتراً جداً وأغطّي أكبر جزء ممكن من ملامحي ومن جسدي ونظراتي كسيرة
منخفضة لا تجرؤ على النظر إلى هذا الكم الهائل من الوحوش الذين لبسوا ملابس الرجال!
وإذا به يناديني من بينهم فأرفع رأسي إليه والخجل يلفّني والحياء يُذيبني ،

فيأمرني بأن أرفع حجابي عن أكبر جزءٍ ممكن ونظراته غاضبة تكاد تفتك بي وتعتصرني ،
فلا أستطيع ! فيرغمني مرةً أخرى بإرسال تلك النظرات التي تتوعدني و تتهدّدني ،
فأرفض قسراً مع شدة خوفي منه ومنهم !

أين أنا ؟ مع مَن أعيش ؟ ليس هذا ما ُربيتُ عليه ! أيّ عالمٍ يحيط بي ؟!
أعاودُ النظر إليه فيشير إليّ أنْ تكلمي مع المتكلمين ، واضحكي ، واخلعي جلباب الحياء الثقيل ،
وكوني أكثر جرأةً منهن !!!
ولكن ديني يردعني وضميري يمنعني ..

نعود لمنزلنا.. أكفل له أنواع السعادة والهناء على الرغم من كل شيء !!
كل ذلك حتى يتفهم طبيعتي وما أريده وما أرغب عنه .. ولكن لا جدوى ! يا للأسف ..
ما العمل .. سترتُ عليه ! مدحتُه أمام أهلي ، وأمام الجميع بأنه أرجل الرجال

يجب أن أضع الأساس الصحيح لبناء المنزل الذي ليس له قواعد حتى الآن !
يجب أن أحاول المزيد ولكن بعيداً عن العيون ...
" استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان "

في الأسبوع الرابع ضقتُ ذرعاً بعدم صلاته في المسجد .. قلتُ له بضيق :
- لماذا لا تصلي في المسجد مع الجماعة ؟
- صلاتي في المسجد تخصني ! وصلاتي في المنزل أفضل .. لا أريد الاحتكاك بمَنْ في المسجد !!
سألته باستغراب واضح :

- ماذا تعني ؟
- لا أعني شيئا .. هيا سنخرج الآن ...!
تكرر هذا الموقف كثيراً ولكني لم أردْ فَـقْد الصبر المتبقي لديّ !


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 27-08-2005 10:29 PM

حـضــــور العـــــزاء المــريــــــب


فاجأني في أحد الأيام بدخوله إلى المنزل وقت صلاة المغرب .. وقد امتلأت عيناه بالدمع ..
وارتفع صوت نحيبه وبكائه ومعه عدد من أقاربه الرجال!
ما الخطب ؟! كاد أن يغمى عليّ من شدة الهلع والخوف ! رجل يبكي ؟! وأمامي ؟! وأقاربه كذلك ؟!

هل أصاب أهله أو أهلي مكروه ؟ يا إلهي قدماي لم تعودا قادرتين على حملي !! أهو أبي ؟
أهي جدتي العجوز؟ أهي أمه ؟!
أرجوكْ سيسقط قلبي من فرط الخوف !! لم يتحدث !!
مشيتُ بخطىً قد أثقلتها المخاوف وكبلتها الشكوك ...

دخل إلى المطبخ وقال باكياً : بسرعة البسي ملابس ، ولتكن سوداء اللون فقط !
اكتملت المخاوف .. رجوته أن يخبرني من الذي مات ؟ .. لم ينطق !
لبستُ الملابس الحالكة السواد كما أمرني كالآلة التي يتحكم بها صاحبها كيفما شاء !

خرجتُ معه! وعلى الرغم من ذلك لم أنجُ من نظرات أقاربه !!! قلت لوالدته وأخته بلهفة وأنا ألهث ..
حدثوني أرجوكم من الذي مات ؟ .. ماذا يجري ؟ ما بكم ؟!
أطبق الحزن والصمت على أفواه الجميع .. وآهات الألم تتدفق من الصدور الثكلى !
لزمتُ الصبر والسكوت حتى كادت نبضات قلبي أن تتجمد !!

توقفنا عند قصرٍ كبير ومترف فعادت نبضات قلبي تنتظم شيئا فشيئا ! إذاً فهو شخص آخر !
دخلتُ ببطء .. رأيتُ جموعاً من النساء قد اجتمعْن .. يبكين ويضربْن على صدورهن !!
أين أنا ؟ ما ذا أرى ؟ ما هذا المجتمع الغريب ؟ الكل يبكي وينتحب ؟!

فقدتُ الصبر.. فسألتُ إحدى أخوات الزوج بتأثر شديد من هذه المناظر المحزنة المخيفة:
- من هو الشخص الذي مات ؟! أشعر بالحزن عليه ..

فقالتْ وهي تتحاشى النظر إليّ وبصوتٍ مُرتجف ومُرتبك ..
إنه أحد أولياء الله الصالحين المقربين إليه .. وهو أحد المشائخ المُصلحين للأقدار في هذا الكون ..وصمتتْ
فقلتُ في نفسي : ماذا تقصد بكلامها ؟!

ولزمتُ الصمتَ أنا كذلك ، فتاهت نظراتي بين أفراد هذا العالم الجديد على حياتي !!
جلستُ مع الجالسات ! هذه أول مرةٍ في حياتي أحضر فيها عزاءً ..
انتقلتْ نظراتي نحو الحائط الكبير لترى صورةً كبيرةً وضخمةً لرجل طاعنٍ في السنّ
محاطةٍ بإطارٍ جميل وغالي الثمن.. ثم.. !! ما هذا ؟

الصورةُ قد رُبطت شريطةٌ سوداءُ في جانبها الأيسر!!!
فجأةً .. شدّ انتباهي نياحُ النساء وضرب بعضهنّ بأيديهنّ على رؤوسهنّ ووجوههنّ !
( خاطبتُ نفسي )
- يا ترى مَن هذا الشخص الذي أثّرت وفاته على كل هذه الوفود من النساء والرجال ؟
و هل كل عزاء يُقام يحدث فيه كل ما يحدث الآن ؟!!

كعادتي فضلتُ السكوت ومجاراة الواقع واستكشاف الأمور الغامضة بهدوء ..
- من هي المرأة التي تصدرتْ الجموع وجلستْ وحدها تقابل كل هؤلاء النسوة
وقد غرقتْ ومن معها في بحر الدموع المنسكبة ؟ ما لها تهيج وتضطرب ؟
ما بها تتمايل وتصيح هي ومن معها ؟ ما لها لا تضبط أنفاسها ؟
كأني أسمعها تستغيث بفلان وفلان !!! فمن هذا الذي تستغيث به ؟ وماذا تقصد ؟
الجميع أصبح مواجهاً لها..!! لا بد أنها ستقول أو ستفعل شيئاً ما ..!! لأنتظر وأرى ..!!

وكما توقعتُ فقد أخذتْ الميكرفون ، وحينما بدأتْ بالكلام سالتْ دمعات ساخنات على وجهها
أثارت أحزان وأشجان الجالسات فبكين مرة أخرى بحرقةٍ ولوعة !!!
لماذا أشعر بالخوف ؟ لماذا لا أتمالك نفسي بهذا القدر؟ لماذا أشعر بأن هناك شيئاً ما غير سويّ ؟!!!
لماذا أشعر بأن أمراً عظيماً سيقع؟! لِمَ قيّدتْني الجالسات بنظراتهن ؟ لِمَ أنا بالذات ؟
ما هذه الرجفة التي تسري في أجزائي؟! هناك شيء ما !!!

نطقتْ أخيرا تلك المرأة المتزعمة للنساء بأول كلمة وهي تصرخ:
- اللهم ارحم سادتنا الصوفيين ....!!!!!
ماذا سمعت ؟ بالتأكيد هناك خطأٌ إما لدى السامع أو لدى المتكلم .. وفي السامع أكثر؟!!
كررتها ثانيةً والدمعُ يجري كما تجري الأنهار..
- اللهم ارحم سادتنا الصوفيين !!!!

زاغتْ نظراتي.. تاهتْ أفكاري .. تبعثرتْ أوراقي !!
حسناً بالتأكيد هناك خطأ في السامع أو في المتكلم وفي المتكلم أكثر !!!!
حسناً حسناً .. أريد أن أعرف الخطأ عن طريق ردود فعل هؤلاء النسوة التي تعالت صيحاتهن !!!
إن الجميع يؤمّن !! آمين ، وحرقة البكاء ولوعة الحزن وأنين الفراق قد أخذ منهن كل مأخذ !!

انتقلتْ نظراتي بين النسوة تبحث عن والدة الزوج بلهفة .. أريد حمايتها !
أريد أن أدفن وجهي في صدرها !!
أريدها أن تهدئ من روعي ، وتبعث الطمأنينة في حناياي !!!
ماذا يحدث ؟ خطأ جسيم في الموضوع ولا شك !
كررت المرأة الجملة الدعائية مرة ثالثة وأخيرة وهي تضرب على صدرها

وتتمايل كما تتمايل الأشجار من الريح العاتية ، وتصرخ بصوت عالٍ مستغيث :
- اللهم ارحم سادتنا الصوفيين .....!!!
في هذه اللحظة وجدتها !! وجدتُ والدة زوجي بين النساء !! يا إلهي ماذا تفعل؟؟
إنها تصرخ وتضرب على وجهها وصدرها !! إنها .. إنها .. تؤمّن !!
بحرارة أكثر .. وصوت أعلى .. و.. وحرقة أشد ..!!!!!

لا.. لا.. لا.. ماذا يحدث هنا ؟ .. وإذ بأخوات الزوج يُحطْن بوالدتهن و يفعلْن كما تفعل!
عُدتُ لواقعي .. حاولتُ إقناع نفسي بأنهم لا يعلمون ماذا يقولون ويفعلون ؟!
بالتأكيد لم ينتبهوا إلى ما قالته تلك المرأة ! أين زوجي؟ عندما يعلم سيُفاجأ !
سيصاب بصاعقة عقلية ! سيعرف أن نحيبه كان كثيراً جداً على هؤلاء القوم !!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 28-08-2005 11:43 PM

شكراً لتثبيت الموضوع
 
القشــــة التي قصمــــت ظهــــر البعيــــر


انتظرتُ مجيئه بفارغ الصبر.. هناك شيء في كياني تزعزع .. هزةٌ عنيفةٌ جعلت من توازني يختل !!
جاء أخيراً ليأخذنا من هذا المكان المشؤوم !
ركبنا جميعاً في السيارة ! فتحتُ فاهي لأخرج ما تراكم فيه من صدمات اليوم .. ثم تراجعت .. أطبقت فمي وأنا أرتجف ..
شعرتُ متأكدةً بأن نظراتهم سهامٌ مسلطةٌ عليّ ! بدأ الهمس ! فضلتُ السكوت ! كالمعتاد..

عدنا إلى منزلنا .. دخلت.. هناك تغيير داخلي يعبث بطمأنينتي .. توضأت واتجهتُ نحو القبلة.. ثم كبرتُ للصلاة ..
توقفتُ لا شعورياً .. تذكرتُ ما حدث بسرعة!! لقد عاودتني الأحداث الغريبة التي رأيتها وسمعتها اليوم !!
تركتُ صلاتي وقد أصابني الهذيان ..! ذهبتُ إليه.. إني أرتجف .. قلتُ له وذهول صوتي بالكاد عرف طريق الخروج :
- هل .. هل تعرف ماذا حدث اليوم ؟ سوف تُفاجأ! سوف سوف تُصعق ! بلا شك !!

نظر إليّ بنظرةٍ غريبة.. لم أعهدها من قبل .. نظرة ريبةٍ وهدوءٍ أكثر من المعتاد ..
ثم قال : ماذا حدث ؟!
وأشاح بنظره بعيداً عنيّ !!!
اصطكتْ أسناني ببعضها حتى خِلْــتُ أن العالم يسمعها .. انتابني الفزع الشديد !!

حكيتُ له القصة بحذافيرها والانفعال قد ترك بصماته جليةً على وجهي المصعوق .. ما بين هلع وضحك!!
بكل برود وجمود قال:
- ... اذهبي لتكملي صلاتك .. اذهبي ... !!
حلفتُ له مرة أخرى بتتابع يتفجر من خلاله الرعب الذي أحاط بي أن هذا هو ما حصل بالفعل .. وقد توقعتُ منه عدم التصديق ..
فبالتأكيد أنه يعتقد بأني أمزح معه !! نعم بالتأكيد !

قال مرة أخرى وقد انخفض صوته وشعرتُ فيه بالتأنيب وبدا عليه الارتباك :
- حسناً حسناً .. اذهبي الآن وأكملي صلاتك !!!
نعم .. هو سيفهم ويقدر ! إذا لم يقدر الزوج ويتفهم فمَن إذاً ؟
انتظرت منه أن يهدئ الوضع .. أن يذمّ عمل هؤلاء الناس ويعدني بألا يذهب إليهم مرة أخرى ! وألا يذرف دمعة في حقهم !..
انتظرت .... طال انتظاري !! لا فائدة !!
ما به ممتقع الوجه ؟! هل صُعِق ؟ هل أصابه مثلما أصابني عندما سمعتُ ورأيتُ ؟ ما به ؟ لا ردة فعلٍ معاكسة حتى الآن ؟

حلفتُ للمرة الأخيرة بأن المرأة تتحدث عن الصوفيين .. وتدعو إلى تقديسهم وتبجيلهم !! وعن حياتهم وولائهم لله تعالى ..
وعن أرواحهم التي تساعد الناس مع أنهم أموات !! وعن شفاعتهم وأن لهم أقطابا وأعوانا وأغواثا لا نراهم نحن ؟!!!
وأشياء عجيبة غريبة ! لا يصدقها العاقل .. هل تصدق ؟؟؟!!

فقاطعني بصوت علا نسبيا وانتابه بعض الغضب :
- وماذا تعتقدين في الصوفية إذاً ؟!!!!
فسألته وقد تسمرتُ مكاني وأنا أرقبه :
- ما هذا السؤال ؟ لم أفهم ! لم أعِ مرامك منه ؟
فقال حانقا هائجا :
- الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون هم أئمة الصوفية وزعماؤها.

لا لا ... مسكين ... إنه يهذي بلا شك !! فالنوم القليل يؤثر سلبا في مزاج صاحبه !!! لا ... لا ..
فقلتُ بين مصدقة ومكذبة لرده المفاجئ :
- هذا اعتقاد خاطئ ... لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ....
قاطعني بتحدٍ والشرر يتطاير من عينيه الناريتين ... والحقد يبدو جليا في قسمات وجهه :
- الصوفيون هم أفضل الناس .. هم الأولياء الصالحون والمقربون إلى الله .
أم أنك تعتقدين أن أهل السنة هم الأسوياء الصالحون ؟!! إنهم أهل الكفر والضلال وإباحة الحرام وتحريم الحلال !!

ما الذي يجري في هذا المكان وفي رأسي ؟
من أكون أنا ؟ ومن يكون هؤلاء ؟!!
خرجت كلماتي تتسارع وتتقاذف من فمي :
- لا لا ... أهل السنة هم ........!!!!
وفجأة سكتُّ !!! هل أطبقت السماوات على الأرض ؟ من يكون هذا الرجل الذي يخاطبني ؟
وقفت بين وعيٍ وإعياء لا أدرك شيئا !! نظرتُ إليه بكل حسرةٍ وسكراتُ الموت تداعبني !
المنزل يدور بي في كل الأرجاء ! قدماي !! هل أقف عليهما ؟! هل تتقاذفني أمواج الحقيقة التي بدأتُ أكتشفها في التو واللحظة ؟!!

فسألته بوجل يعقبه تأكيد لسؤالي :
- هل تعني أنك من الذين يدافعون عن المذهب ؟
لم يجد بُدا من السكوت ! أعدت عليه سؤالي ثانيةً :
- هل تؤيد هذا المذهب ؟!!
أدار ظهره بسرعة .. لقد طعنني في الصميم .. خان وفائي وصدقي وحسن نيتي .. كذب عليّ متعمدا !!
- هل هل ... هل أنت صو.... صوفي ؟!

اختفى صوتي شيئا فشيئا !!
- أجب عن سؤالي .. انظر إليّ .. هل أنت صوفيّ ؟ هل أهلك جميعهم صوفيون ؟!!
ليته لم يرد ! ليته حينما رد نفى سؤالي وقال لا ولو بصوت منخفض !! ليته طعنني في أعماقي ألف طعنة !
ليته مزقني إربا إربا إربا قبل أن يجيب بصوتٍ كالفحيح وبنظراته الجنونية وقد بلغ الصبر حده ..
- نعم .. أنا صوفيّ .. وأهلي جميعهم صوفيون ، وكل أقاربي ينتمون إلى المذهب الصوفي ..
نحن لسنا بسنيين !!!
نحن من أهل الهدى والصلاح ! وأنتِ من أهل الضلال والكفر !!!

تناثرتْ أشلائي .. أدركتُ الآن مضمون الكتب التي كان يرسلها إليّ خفية حتى لا يراها أهلي !!
علمتُ متأخرة بأن ما أصابني لم يكُن ليُخطئني !!!
رفعتُ وجهي المبلل بالدموع واختنقت كلماتي وأنا أقول :
- هل كنتَ على علم بأنني سنيّة ؟ تكلم ... تكلم !!
نعم .. نعم كنتُ على علم بذلك !
قلتُ باكيةً :
- فلماذا تزوجت بي إذاً ؟ لماذا خدعتني ؟! لماذا أخفيت حقيقتك كاملةً حتى تمكنتَ مني ؟
لماذا لم تصارحني منذ البداية حتى نفترق ؟!!

فقال واثقاً :
- حتى أخرجك مما أنتِ فيه من أوهام وضلالات.. فاحمدي الله أن سخرني لك ...
وضعتُ يديّ عل أذنيّ وأنا أصرخ به :
كفى .. كفى .. كفى .. لا أريد سماع صوتك .. اتركني وحدي .. اتركني .. اتركني .
وانحدرتْ دموع الخوف .. بدأ قلبي يتوقف عن النبض شيئاً فشيئاً ..
انتشر ظلام الرعب يكتنف المكان ! خانتني قدماي فوقعتُ أرضاً .. تباطأ الزمان !

اختفى صوت العالم من حولي .. انتهى الحديث المشؤوم ! اكتشفت اللعبة .. كم هي دنيئة ..
إن الخيانة في النوايا هي أسهل عملٍ يمكن أن يعمله هذا الصوفيّ الماكر ..
- ولماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟

ابتعدتُ عنه وأنا كطفلةٍ رضيعةٍ لم تتعلم المشي بعد ! زحفتُ على ركبتيّ ..
لقد تَمثل لي شيطاناً بشراً ! إنه مُخادع خدعني وأهلي !!
حاولتُ ربط الأمور بعضها ببعض ، تذكرتُ قوله أنه لا يحب الذهاب إلى المساجد حتى لا يحتكّ بأهلها !
إنه يعني ( أهل السنة ) بالطبع ..! وهيهات أن يتفقا !
وشتان ما بين السنة الطاهرة والصوفية النتنة !!

أدركتُ سبب مجيئه من المسجد وهو يحمل أحقاد العالم علينا ! لأن الخطبة لم تعجبْه ولم تؤيِّد مذهبه !
نعم .. ولكن فهمي كان متأخراً جداً !
عاودتني الأحداث السابقة.. فهمتُ الحقيقة التي كانت تختبئ خلف شمس الخداع والمكر !!

منعني من الاتصال بأهلي و مهاتفتهم !! أصبح عليّ كالرقيب العتيد حتى لا أفضح أمره وأهله !
اعتزلته في الطعام والمجلس والمنام..
حاول بعدها إغراقي فيما هم فيه غارقون..! عذّبوني كثيراً..! قطعوا صلتي بالعالم الآخر..!يا إلهي لقد أفرطوا في إيذائي..
الكل يحمل عليّ أصنافاً من الغيظ لحشمتي وترفعي عن غيِّهم ..
نعتوني بالمعقّدة ! ألأنني نشدتُ العفاف ؟! لقد حفظني الله منهم ورعاني برحمته..

الجميع ضدي.. الكل يشير عليّ بالبنان المدججّ بالعداء بأن هذه الفتاة سُنّية !!
إذاً فقد أخرجوني من الملة ! الجميع يحذرني !!
كم تضرعتُ إلى الله باكيةً أن يُبقي على إيماني و هدايتي .. بكيتُ في ثنايا الليل وفي غسق الدجى .


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 31-08-2005 01:46 AM

خطـــــبة وصـــــلاة الجمعـــــة

في أحد الأيام .. وعند الساعة التاسعة صباحاً أيقظته حتى يتهيأ لصلاة الجمعة ..
تكاسل .. تباطأ .. فقلتُ له استحثه :
- ما بك ؟ لقد قاربتْ الساعة الآن من العاشرة والنصف وأنت لم تنهض بعد !
هيا حتى تستعد للذهاب إلى الصلاة !

تصنّع النوم والتوعّك .. وتحت ضغطي وإلحاحي عليه بالنهوض قام مُتأففاً !
ذهب إلى المسجد للصلاة .. عاد غاضباً حانقاً من الخارج .. وأغلق الباب بقوةٍ وعنفٍ اهتز له أرجاء المنزل ..
أصابني الخوف ! ماذا أيضاً ؟ ما به ؟

أسرعتُ إليه لأستفسر عن سبب غضبه .. فقال وصدره يعلو ويهبط من شدة الغيظ :
- الأوغاد !! أهل الكفر !! الوهّابيون !
- عمّنْ تتحدث ؟ هدّئ من روعك ! ما بك ؟
قال ونار القهر تتأجج في صدره :
- في أي شهرٍ نحن ؟!
- في شهر رجب ! لِمَ تسأل ؟!
- وماذا تعرفين عن فضله ؟ وعن أول جمعةٍ فيه ؟

استرقتُ النظر إليه ثم قلتُ بعد تردد :
- إنه شهر كباقي الشهور وأول يوم جمعة يومٌ كباقي الأيام فيه ! ولكن لماذا ؟!
قال في تمهلٍ وضيق وقد احمرّ وجهه غضباً :
تباً !! تباً للوهّابين ! تباً لهم !! إن الإمام الضال ينهانا عن صيام أيام وشهر رجب !
وعن تعظيم ليلة الإسراء والمعراج !
وعن الاحتفال بهذه الليلة ! وعن إقامة الولائم فيها ! فهو يزعم بأنها بدعة ! هل جُنّ ؟
ولكن .. أنتِ السبب في كل ذلك !
فقد قلتُ لكِ بأني لا أرغب الذهاب إلى المسجد فلم تستمعي إليّ !!!

- ولكنّي قرأتُ بالفعل أن تخصيص رجب للصيام يُعَدّ ... بدعة !! .. وأنّ ....!
قاطعني وعيناهُ تنقل إليّ رسالة وعيدٍ مُدمِّرٍ لا يُمكن لأحد غيري أن يفهمها :
- اصمتي .. اصمتي الآن وإلا جززتُ رأسكِ وفصلتُه عن كتفيك ..
ألا تعلمين أنّ مَنْ ينقدنا فإنه يُطرد من رحمة الله ؟
- ماذا ..؟!!
- نعم .. فهذا الشهر من أفضل الشهور لدينا ..
ففيه ليلةٌ عظيمةٌ هي ليلة السابع والعشرين منه وهي ليلة الإسراء والمعراج ..

نظرتُ إليه لأرى أثر كلماتي عليه .. فنظر إليّ وقد أدهشه ما قلتُ .. لا حظتُ دهشته بقلبٍ خافق ..
ولكنّي أطرقتُ برأسي قائلة :
- وهل .. وهل .. يجوز .. تعظيم هذه الليلة ؟! .. أعتقد ... أعتقد ...
وهنا ضرب المائدة بقبضة يده وقال مُعترضاً :
- هذه الليلة الشريفة العظيمة هي ليلة السابع والعشرين من رجب بالفعل !
ويُكثر الناسُ فيها من إيقاد القناديل .. وتجتمع النساء والرجال في المساجد .. أما النسوة فيدخُلْنَ
متطيبات متزينات تعظيماً لهذه الليلة المباركة .

قلتُ بتعجب واستغراب :
- أيحدث كل هذا حقاً في هذه الليلة ؟!
تجاهل سؤالي وأضاف :
- بل ويُطبخ الطعام ويُهتم به ويُرسل إلى المساجد للدعاء عليه لإيصال الثواب ..
- ولكن ... ولكن كيف تختلط النساء بالرجال ؟! وفي المساجد ؟!!!!
- نعم تختلط !! تدخل النساء بكامل زينتها وكل ذلك تعظيماً لهذه الليلة المباركة !
خفق قلبي .. وخاطبتُ نفسي .. هل ينتظر مني ذلك ؟! .. أرجو ألا يأمل أن أفعل ...
ثم خرج من الغرفة ..


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 01-09-2005 12:43 AM

الكــــتب المقدســــة


أجبرني الزوج في أحد الليالي بأن أذهب معهم إلى مراسم عزاءٍ سيقام بسبب وفاة وليّ صالح !!
وأمرني بأن أتصدر أنا هذه المرة النساء في قراءة كتبهم الضالة ! وحتى يتعلموا مني !
وحتى تتأكد جميعهن من أنني أصبحتُ إحداهنّ !! فأنا مثار جدلٍ لا ينقطع بينهنّ !!

أصرّ على قوله .. تقدّم إليّ أمام أهله حاملاً في يده بعضاً من الكتب ..
انتقلت نظراتي بعشوائيةٍ إلى يديه .. أدركتُ فوراً أنه يريد مني أن أخذل !
- ماذا تحمل في يديك ؟
- هذه الكتب التي أردت منك قراءتها على النساء ! وبصوتٍ عالٍ !
حتى تتجنبي نظراتهن إليك بأنكِ مخلوقٌ غريب !! وحتى تثق النساء بأن الله قد هداكِ إلى الطريق القويم !

مدّ يده ببطء .. فتناولتُ الكتب .. وركّزتُ نظري على الكتاب الأول وقلت بنبرة تشكك !! :
- دلائل الخيرات ؟! .. روض الرياحين ؟! .. مجالس العرائس ؟! .. الروض الفائق .. البُردة ... !!!
قاطعني بتوتر :
- لا حاجة لكِ أن تقرأي العناوين بهذا التشكك وتلك الريبة !! اقرئيها فقط فيما بعد .. وافعلي ما آمركِ به !!
- ولكنّي لا أجد من بينها كتباً من كتب الأحاديث المعتمدة !! أين هي ؟!

عضّ على نواجذه وتضايق ثم قال :
- ماذا تقصدين ؟ وهل يساوركِ الشك في هذه الكتب ؟ إنها من الكتب التي يستغني المرء فيها عن قراءة القرآن !
صُعِـقْت !! شعرتُ أن هذه الكتب تحوي افتراءات وأكاذيب إذاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم !
وأنها قد حُشيت بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة !! وأنها جمعتْ بين الغث والموضوع والبدع !!
لا .. يجب أن أحذِّر من قراءة هذه الكتب المسومة الكاذبة ! فكيف أقرأها على الملأ ؟
إنْ رفضتُ فسألقى عقاباً ساحقاً !! ما العمل ؟!

نظرتُ إلى والدته وإخوته .. ووجدتها فرصةً ومناسبة .. فقلتُ :
- ما رأيكم ؟ من الأفضل أن آخذ معي مصحفاً ، وكذلك كتب الحديث المشهورة مثل الصحيحين ، السنن ،
الموطآت ، المسانيد ، المصنفات .. فإنها تغنينا حتماً عن ... وسكتّ
فهمتُ بأني قد أصبتُ الهدف ! تجهم وجهه على الفور ،

وبصوتٍ متهدج خافت مليء بالرغبة في قتلي وسحقي وقلوب الجميع تعاضده :
- كفّي .. كفّي .. لا أريد سماع المزيد !! إلى متى سنظل في اختلاف ؟! متى ستهتدين ؟ متى ستقتنعين ؟
متى ستتوقفين عن معارضتنا ؟ سحقاً لكِ ؟ لم يجرؤ أحدٌ قط على انتقاد هذه الكتب المقدسة سواكِ !
آزرته أمه وقد استولى عليها الغضب الشديد :
- كفّي .. استمعي إلى أوامر زوجك ولا تعارضيه .. اذهبي لتستعدي للخروج .. تأخرنا ... بسرعة !
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

كنتُ في ظاهري هادئةً ومسترخية .. ولكن إحساسي الداخلي بالانعزال آلمني كثيراً !!
لماذا يقف الجميع ضدي ؟! رباه ! لقد تعبت .. ساعدني يا إلهي .. لا أريد أن أذهب معهم ..
لا أريد أن أقرأ كتبهم ! فليموتوا بغيظهم .. لا أريد أن أضعف أبداً أبداً ..
أخذتُ أتأمل الكتب التي أمامي بعينين لا تميزان شيئاً ، بعينين فارغتين ..

فتحتُ الصفحة الأولى من كتاب ( مجالس العرائس ) ..
أحسستُ بانقباض في صدري منه .. فتحتُ على الصفحة الثالثة من الجزء الرابع وقرأت:
" أن الله خلق الأرض على قرن ثور ! وأن مدّ البحر وجزره يحدث بسبب تنفس الثور !
وأن الله خلق العرش على الماء فاضطرب وتأرجح ، فخلق الحية فالتفّتْ حول العرش فسكن !!!!!
يا إلهي ! ما هذا الكذب ؟ هل بعد هذا الكذب من كذب يا معشر الصوفية ؟!!!

أغلقْتُ الكتاب بسرعة وأنا أرتجف ما هذا ؟ ... ودعاني الفضول إلى فتح كتاب آخر يُقال له ( الروض الفائق ) !!
في الصفحة (61) يقول صاحبه ويُدعى ( الحريفيش )
بأنه كان يذهب إلى الحج وهو يصلي في مسجده الأوقات الخمسة لا ينقطع منها في أي وقت أبداً !!!!!
هل يُعقل هذا الهراء ؟ إذا كان صاحب عقلٍ ودين فكيف يحجّ وهو يصلّي في مسجده في البصرة الأوقات الخمسة ؟!!!
وهل حدثت خارقةٌ مثل هذه الخارقة الكاذبة للرسول صلى الله عليه وسلم ؟!!!

تابعتُ القراءة ... ماهذا أيضاً ؟ إنه يعلم الغيب ! .
إنه يُحدّد وقت وفاة بعض الناسوعلى الإسلام يموتون أم على الكفر ! فسأله خادمه: وكيف عرفتَ ذلك؟
فقال :- اطّلعْتُ على اللوح المحفوظ فوجدتُ فيه ذلك !!!

لا لا لا ... هل أقرأ كتباً تحمل كذباً وافتراءً ؟ وبهذه الصورة ؟ لا .. أرجوكم !!
وقفتُ بسرعة .. استرقتُ النظر إلى الباب .. هل رآني أحدهم وأنا أقرأ ؟ لا يبدو ذلك !
يبدو أنهم مازالوا يستعدْون حتى نخرج للعزاء.. اغتنمت الفرصة..

فتحت كتاباً آخر بطريقة عشوائية..
قرأتُ في كتاب (روض الرياحين).. بأن أعرابياً قال للرسول صلى الله عليه وسلم :" إنْ حاسبني ربي لأحاسبنّه !!
فهبط جبريل عليه السلام وقال : يا رسول الله بلّغ الأعرابي بأن الله يقول :
لا يحاسبنا ولا نحاسبه لأنا قد غفرنا له !!!
أيُّ جرأةٍ على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ؟! إنه روض الشياطين وليس الرياحين !!

تملكني الذعر والذهول ! في هذه اللحظة سمعت صوتاً خلفي .. أدرت رأسي ببطء .. إنه هو ..
تأملته من رأسه وحتى أخمص قدميه ! قلت له وأنا ألاحظ نظراته الباردة المتسائلة عن ردة فعلي على ما قرأت:
- لن أفعل .. لن أفعل .. أرجوك .. اتركني وشأني .. مَنْ أنتم ؟ اتركوني .. أرجوكم !!
أجابني بلهجةٍ جافةٍ خلتْ من الرحمة وتجردت منها :
- صدقيني ستفعلين .. وبدون أية مقاومة .. والآن .. لا تفقديني انضباط أعصابي !

وقف الجميع خلفه والنصر يتراقص في عيونهم .. اتجهتُ نحو السلم دون أن ألتفت إليهم ..
تبعني بسرعة وأمسك بقوة على معصمي ثم أمرني بهدوء عاصف :
- سأنتظر .. لا أحب أن أطيل الانتظار .. أو .. أكرر الكلام .

ارتعد صوتي بالانفعال ، وبدتْ إمارات الانهيار على تصرفاتي وأنا أهتف قائلةً :
- إذاً قررتم أن أموت غيظاً ونيران الرفض تستعر في حناياي !!
أجاب بنظراته المليئة بالثقة .. والفرح يظهر في صوته البارد :
- نعم .. ها قد أصبتِ أخيراً .. والآن تحركي !...
رفعتُ نظري إلى السماء وعيناي ملأى بالدموع .. ركضتُ وأطلقتُ العنان لدوعي تسيل على وجهي الكئيب ..
أمرني بالتوقف .. فلم أفعل .. ركضتُ إلى غرفتي وأقفلتُ الباب ورائي ..
وتركته ومَنْ معه غاضبين وعيونهم تقدح شرراً .. سمعتُ صدى صوته وهو ينادي .. ارتعدتُ .. لا خيار .. سأذهب .. سأذهب !

بدا الانكسار يتجسد في ملامحي .. نظرتُ إليهم وأنا أهبط درجات السلم .. فبادلوني يتلك النظرة الملأى بالزهو !
ذهبتْ والدته معي وأمرتني واثقةً وأمام النساء بأن أبدأ القراءة ..
ابتسمتُ .. ثم .. رفضت .. اعتذرتُ للجميع بأني أعاني ألماً حاداً في رأسي .. وتركتهن ..
وعلامات الغيظ تنطق عنها وعنهن ..!
تبعتني بعد قليل والدته مُحرجة .. وقالت بابتسامة مصطنعة تخفي ورائها غيظاً مكظوماً:
- حسناً .. إنْ لم تقرأي .. فتعالي وشاركينا اللهج بالدعاء والمجالسة ..
وتعلّمي .. ربما انتفعتِ .. تصنعتُ بدوري الألم في رأسي فوضعتُ يدي عليه وقلتُ لها أطمئنها :
- حسناً .. سألحق بك بعد قليل يا خالتي !!

دخلتُ .. استقبلتني نظراتهن الضيقة .. وأفسحت إحداهن لي مكاناً .. شكرتها .. ثم جلستُ وأنا أتنهد ..
بعد قليل دخلت امرأة تتبعها أربعٌ من النساء وفي أيديهن كتب ! ما هذا ؟
لا بد أنها الكتب نفسها التي طالبوني يقراءتها أمامهم !!
ثم .. ما هذا إنها تحمل مصحفاً ؟! صحيح ؟! لا أصدق !
جلست النسوة الأربعة مقابلاتٍ لنا وبدأت إحداهن بقراءة القرآن .. ولكن .. إنها تتغنى به !
تعجبت من قراءتها !! انخفضتْ نظراتي لترى أكواب الماء منتظمة
وكذلك جوالين الماء موجودة في الأرض بجانب القارئات .
عندما يصيب إحداهن النّصب والتعب تتداول الأخريات في القراءة .. وبأصوات وتغنٍ به مختلف ..

كان هذا اليوم هو ثالث أيام العزاء ويسمى بيوم ( الختم ) لأنهن يختمن فيه القرآن فيهدينه إلى الميت !!
أخيراً انتهت المرأة من القراءة فبدأتْ بالدعاء بصوتٍ مرتفع ،
وإنشاد مدائح للرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب رأيته بين يديها ..
كتاب ( البُردة ) .. إنه كتاب يحوي مدائح غرامية في الرسول الكريم كما سمعت عنه !

فتحت هؤلاء النسوة الكتب الباقية فقرأت إحداهن :
وقال الوليّ الصالح فلان بن فلان .. وفي الكتاب الفلاني ..
وقرأنا في حاشية العلاّمة العارف بربه وبأسراره الفلاني .. إلخ .. ما بال الناس مذعنون ؟ متأثرون ؟!
انتظرتُ مطوّلاً نصاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ... أطلت الانتظار.. لا أمل في ذلك ..

أكملت القارئة :
- ونحتج بفعل ذلك بعمل الولي الصالح فلان بن فلان ... !!
تعجبت .. شعرتُ بشيءٍ ما يُعلن سخطه وعدم رضاه بداخلي ! شعرت بأن الهزل يوشك أن يبدأ ..
ثم أقنعتُ نفسي الرافضة لكل ما أرى بأني عن قريب راحلة .. إن شاء الله .. وددتُ أن أصرخ فيهنّ ..
أن أدوّي بصيحات تجعل من أركان المجلس تهتزّ .. كفى .. أرجوكم ..

لماذا تصرّون على تحطيمي وتعذيبي لماذا ؟
ألم تتفكروا في قوله تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )
آه لشعوري بالانعزال والاضطهاد .. آه ليقيني بما تحملون عليّ من ضغينة وأحقاد !!

أخيراً انتهت المرأة من الأذكار والقرآن .. فتمتمت بكلمات لم أفهمها .. كنتُ في مدٍّ جزر مع ما يحدث حولي ..
يا الله كُنْ بي لطيفاً .. فجأة رفعت إحدى القارئات صوتها وقالت :
- الفاتحة على روح فلان بن فلان .. فقرأن الفاتحة ..
ثم قالت مرةً أخرى :الفاتحة بنيَّة كذا وكذا ..


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 03-09-2005 04:55 PM

بركــــات المــاء والطعـــام


انتهتْ القارئة من كل شيء ثم وقفتْ .. فقامت النساء وهاجتْ وماجتْ .. ما بهنّ ؟!
أين يذهبن ؟ أين أذهب أنا ؟ ... أوه .. إنهنّ يتنافسْنَ في أخذ الماء المتواجد لدى القارئات ! ماذا دهاهُنّ ؟
والدة الزوج وأخواته أيضاً ؟ إنهنّ يتخاطفْن أكواب الماء و جوالينه !!
ما هذا ؟ هذه امرأة شتمتْ أخرى لأنها كانت سبباً في سكب بعض الماء من كوبها !!

بضع دقائق.. انتهت الفوضى ! عادت كل واحدة ، وكأنها تحمل كنوزاً من الذهب والفضة !!
قلت في نفسي :
- ما هؤلاء النسوة الغافلات ؟ الماء منتشر في كل مكان ! لِمَ هذا بالذات ؟
ولم يمضِ وقتٌ حتى نادت صاحباتُ العزاء النسوةَ إلى الطعام ..
أيضاً إنهن يتنافَسْنَ في الدخول إلى غرفة الطعام .. مهلاً .. ما بهنّ ؟! ليس للطعام جنحان ليطير بهما !!

شدّتْ والدةُ زوجي على يدي بقوة وأخذتْ تُسرع وأنا خلفها .. فبدأتُ بالكلام ولكنها قاطعتني :
- فيما بعد .. فيما بعد .. هيا الآن .. أنتِ بالذات يجب أن تأكلي وتتصدري غرفة الطعام .. بسرعة !
سألتها بفضولٍ بريء :
- لماذا ؟ لا أريد طعاماً ! كُلِي أنتِ يا خالتي بالهناء !..
قاطعتني وهي تنظر إليّ بمكر ودهاء لم أعرف كنهه:
- بل أنتِ أولى الفتيات التي يجب أن تأكل من هذا الطعام !!

جلستْ هي وأجلستني بجانبها !
وأخذتْ تُطعمني بيدها أمام النساء ! احمرّ وجهي خجلاً ..نظرات النساء سُلطتْ علينا ! ..
قلتُ لها بلطف :
- أرجوك يا خالتي .. كفى .. أنا سآكل .. لا تحملي همي ... أوه .. أشعر بالخجل .. أرجوك ..
ضحكتْ النسوةُ استلطافاً لما رأيْنَ ..
فأشرقتْ عينا والدة الزوج وهي تقول :
- هيا كُلي .. تباركي بهذا الطعام .. إنه مذبوح باسم الوليّ الصالح .. كُلي .. ولو لقمة واحدة ..

اجعلي البركة تسير في دمائك وجسدك ... !!!!
توقفتُ عن الطعام وأنا تحت تأثير هذه الكلمات ! شعرتُ برغبةٍ صارخةٍ في التقيُّؤ !!
لا .. لا .. لا..
كيف استطاعوا فعل ذلك ؟ كيف ؟ لقد نذروا بالذبح لغير الله ؟!!
كيف يجرؤن ! لا يمكن !
يا رب لم تعُدْ لي قدرةٌ على الحياة معهم !! هذا فعلٌ قبيح ! إنه شركٌ أكبر !!
رباه أنا لستُ منهم يا رب..
رباه أعلم قولك في كتابك الكريم :
( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما )

وقفتُ .. أقاومُ جوعي وعطشي .. تركتهم وما يصنعون ! ذهبتُ مُسرعةً إلى أقرب دورةٍ للمياه ..!
أخرجتُ ما أكلته حراماً ! ولكني أشعر بالوهن والجوع ..
إنهم يستخدمون معي عقاب التجويع بأقوى درجاته حتى أؤمن .. ولكن لا .. الجوع أرحم من طعامٍ حرامٍ .. الجوع أهون من إيماني بما يدّعون .. لأمُتْ جوعاً ..
لأُجاهد نفسي ضد نفسي .. لا بأس حسبي لقيماتٌ قليلاتٌ بالحلال !..

تلفتُّ حولي بدهشة كبيرة .. أريد العودة إلى المنزل .. إني أتضوّر جوعاً ..
آهٍ وآهٍ لما أصابني .. أريد العودة إلى أهلي ..
لحقتْ بي أم الزوج تنبهني بأخذ كأسٍ من الماء من إحدى القارئات .. انتبهي إليه .. و إلا فاشربيه ..
هيا يا ابنتي اشربيه .. ابتسمتُ بألم وقلتُ لها حتى أردّ كيدها عني :
- شربتُ الآن كأساً مماثلاً أخذتُه من المكان نفسه !!
- رائع ! إذاً سنأخذ كأساً أخرى لابنتي في المنزل .. خذيه وانتبهي له جيداً أرجوك ..
لا تدعي قطرةً منه تتسرب ..!

ما العمل الآن !! سوف أعود للمنزل ! وسأجده هناك ينتظرني ! وسيسألني عمّا إذا امتثلتُ لما أمرني به أم لا ..!
ولكني لم أستطع ذلك .. كيف له أن يفهم ؟ كيف أنجو منه ؟ ما العمل يا رب ما العمل ؟

اللهم إني أنتظر منك فرجاً ومخرجاً من بعدما عانيتُ من الضيق والبلاء !!
عُدنا إلى المنزل .. وفي الطريق أخذتْ والدته الكأس من يدي وهي تحافظ عليه كما تحافظ الأم على الوليد
لم أُعلِّق ولم أنطق .. كان تفكيري منصباً على هذا الزوج الذي ينتظرني في المنزل !
أوه .. تذكرتُ .. عضضتُ على فمي بقوةٍ كدتُ منه أن أدميه .. يا ويلتي ..
لقد نسيتُ المفتاحَ بالداخل .. لابُدّ من الصدام !!!

طرقتُ الباب بأنامل قد جمّدها الخوف .. استجمعتُ قواي .. طرقت مراراً وأنا أشعر بالهلع العظيم !!!
أخيراً .. فُتح الباب على مصراعيه .. رأيته أمامي .. تنحّى عن الباب قليلاً ..
دخلْنا نبضتْ خفقات قلبي بقوةٍ أسمعتْ مَنْ في المشرق والمغرب .
أغلق الباب خلفه بركلةٍ من رجله ونظراته تحدّق بي .. نقل نظراته إلى والدته التي تقف بجانبي وقال :
- أمّاه .. هل فعلتْ ما أمرتُها به ؟

لم تردّ أمه .. نظرتْ إليّ بعينين جامدتين خائفتين ..
أضاف وهو يحرقني بنظراته موجهاً الحديث لأمه :
- تكلمي يا أمّاه .. هل فعلتْ أم لا ؟ بالطبع لا !! تكلموا .. لم تفعلْ أليس كذلك يا أمي ؟!
شعرتُ بثقل يكبل أجزائي وبقلبي يصارع في الخروج من مخبأه من وطأة لخوف !
قالت أمه بخوف أمام نظراته المثبتة عليّ :
- يا بني .. هدّئ من روعك .. إنها .. آه .. نعم نعم .. لقد فعلتْ !!

مشى بخطوات عريضة تجاهي .. نظر إليّ بتحدٍ عندما طال صمتي .. عرف أن والدته قد كذبتْ عليه ..
فأمّعنَ النظر في وجهي وكزّ على أسنانه بقوةٍ جبارة .
أما أنا فقد أدركتُ بأن شعوري بالأمان في هذه اللحظة قد ابتعد عني بعيداً جداً في الأفق !!
هزّني بعنف .. وصفعني صفعةً قاسية جداً أفقدتني الذاكرة لبضع دقائق ..
فبدا لي وكأنه يُقهقه ضاحكاً من شدة القهر والغيظ .. والخيبة فيما يرجو !!!

صرخ قائلاً :
- لا فائدة تُرجى منها في هذا المجال يا أمي .. ماذا عساي أن أصنع بها ؟ لقد أمَّلْتُ فيها خيراً كثيراً
ولكن يبدو أنني كنتُ مخطئاً ! أخبروني ماذا أفعل معها ؟ أقتلها ؟
سأصبح عمّا قريب إماماً للأولياء والصوفية ! وزوجتي هي العدّو الأول لي في مذهبي !!
كيف سيصوّت الجميع لي وهي بهذه الطريقة ؟ كيف ؟ كيف ؟
انفجرتُ باكيةً حينها :
- إذاً ... أطلق سراحي .. والآن .. أنا لا أريدك .. لا مجال للعيش بيننا ..
هيا .. افعل .. لا تعذبني .. لماذا تُصرّ على بقائي معك ؟ أنا سأضرّك أكثر من أن أنفعك !

كانت أنفاسهُ تتردّدُ بصوت مسموع لكنه قال بهدوء :
- وهل تظنين بأني فاعل ؟ أرجو ألا يُراودكِ الأمل في ذلك مطلقاً ! لن أترككِ أبداً مهما طال النزاع بيننا !!
ثم انسحب بسرعة ودون أن يضيف شيئاً آخر ...
ارتميتُ على الأريكة وامتلأت عيناي حسرةً وحزناً على حالي ! يا إلهي أنت ملاذي وملجأي فساعدني ..
ذهب الجميع .. بقيتُ وحدي .. ولكن لن أقول سوى الحمد لله على كل حال !
أتتْ والدتُه بعد قليل وكأنها تتشفى مما حدث .. اقتربتْ مني وأنا أرتجف كطائرٍ جريح لم يجدْ له راعياً ومطمئناً ..

وقفتُ قليلاً ثم ابتعدتُ عنها وحاولتُ التظاهر بالتفتح والنسيان فقلتُ لها :
- لا بأس .. كل شيء على ما يُرام يا خالتي !! لا تقلقي سيعتدل الوضع قريباً .. سيعتدل ..
تركتها بخطواتٍ زاحفة .. شعرتُ بأنها تريدُ أن تقول شيئاً ما .. ولكني لم أفضّل البقاء !
توجهتُ نحو غرفتي .. استلقيتُ على فراشي .. أخذتُ أفكر مليّاً بالوضع ..
آه يا رأسي إنه يؤلمني من كثرة البكاء .. والأنين .. ما سرّ حقدهم المتناهي عليّ؟

هل لأنني سنيّة ؟ ولكن لو كان طريقهم يؤدي إلى الجنة وإلى رضوان الله فأنا مستعدةٌ لإتباعه ..
ابتسمتُ متحسرة .. الحمد لله الذي نجّاني مما هم فيه !
سمعتُ صوتاً ينادي ! لم أجبْ ! أشعر برغبةٍ في الانفراد والانعزال ! نحن لا نتفق فما الذي يجبرني على البقاء ؟
يجب أن أذهب بأي طريقة ! ليس لي مكانٌ في هذا المكان !!!
سمعتُ الصوت مرةً أخرى .. إنه صوته .. سكتّ ! ثم أجبت .. ماذا بعد ؟! ماذا يريدون بي ؟

نزلتُ إلى الطابق السفليّ .. وآثار الصفعة الموجعة مازالت تُعلن عن إصرارها على البقاء على وجهي الحزين ..
شعرتُ بوجوده دون أن أنظر إليه .. أجبتُهُ وأنا أنظر إلى أصابعي المرتعشة :
- نعم .. بم تأمرني ؟!!!
نظر إلى ما تركه من أثر في وجهي .. اقترب قليلاً ليتأكد منه .. ثم تنهد ..
ومشى بخطواته الثقيلة إلى مكان وجود أكواب الماء ..
وأخذ كوباً وقدّمه إليّ وهو ينظر بمكر دون أن يحاول إخفاء نبرة البرودة التي تشعّ من صوته ..
ثم جاء بجالون ماءٍ كبير وسكب في كأسي وقال آمراً..
- تفضلي بشرب هذا الماء .
.
نظرتُ إلى الجالون في يده .. عُدتُ بذاكرتي إلى الوراء قليلاً .. أين شاهدتُه ؟
لقد رأيته في مكانٍ ما بهذه الإشارة الحمراء .. نعم .. نعم تذكرت !!
إنه الماء الذي تخاطفته النسوة في العزاء !
كيف أتي به إلى هنا ؟ ماذا يحدث ؟
شعرتُ بأنها محاولةٌ منه لامتحان ذكائي وقدرتي على الملاحظة .. لأنه وضع الجالون أمام عينيّ .

حاولتُ التصرف برزانة .. فقلتُ وقد رفعتُ نظري إليه ..
- عذراً .. لا رغبة لي في شرب الماء الآن .. لقد شربتُ للتو كأسين من الماء .. أعتذر عن شربه ..
قاطعني بحدّة :
- ولكنك ستشربين .. أليس كذلك .. ؟!
دخلت أمه وإخوته في هذه اللحظة .. مسحتُ جبيني بالمنديل .. وهممتُ بالاحتجاج .. وهنا بادرني كمن قرأ أفكاري .
- قلتُ : ستشربين !! أم أنكِ ستعارضيني على ذلك أمام أهلي جميعاً ؟!

أشعر بأن هذا الماء يحوي شيئاً ما لا أعرفه ! أردتُ الاعتذار ثانيةً .. وفعلتُ ..
ولكن اعتذاري هذه المرة كان عن طريق عينيّ اللتين تضرعتا للجميع بأن يقنعوه بأن يتركني وشأني ..
وعرفتُ أنْ لا فائدة تُرجى منه أو منهم !!
شربته !!! لم أبقِ فيه قطرةً واحدة .. فلمعتْ عيناه بالانتصار العظيم .. وازداد انكسار قلبي وألمه .. فقال مبتهجا ضاحكا:
- صدقيني .. أتوقع أن تفوق النتيجة آمالنا !

حدّقْتُ فيه ثم قلتُ بهدوء وأنا أمسح وجهي المعروق بظاهر يدي :
- كي تحصل على ما تريد فإنك تدوس على مشاعر الآخرين دون أن تهتم بقليل من اعتبارهم ..
أليس كذلك ؟!!
قال بمرح دون أن ينظر إليّ وهو يستدير ليعيد الماء إلى مكانه :
- نعم أصبتِ .. أصبتِ .. !

في اليوم التالي مباشرة علمتُ أن الماء الذي شربته كان لأحد أوليائهم !! لقد غسّلوا فيه هذا الوليّ الذي حضرنا عزاءه !!
بعد موته!! أي أنه غسول ميت !! والغرض بالطبع منه أن تسري بركته في جسدي مجرى الدم فأتأثر وأصبح صوفية !!!!
سألته وقد عانيتُ ما عانيتُ من الشعور بالاستياء والظلم ، وبكل لطف يخفي ما أنا فيه من لوعة ومرارة وحزن :
ما نوع الماء الذي أسقيتنيه البارحة ؟

فقال شاردا، وقد أحسستُ من خلال شروده أنه فوجئ بمعرفتي لمصدر الماء:
- الماء ! إنه ماء طبيعي ! أم أنك ستقولين بأنك تشكين بمصدره أيضا ؟!
انهمرت أدمعي .. أحشفة وسوء كيلة ؟! لماذا يكذب عليّ أيضا ؟
فقلت منهارة :
ولكني علمت من مصدر موثوق طبيعة هذا الماء !! حرام عليك حرام ما تفعله بي ..
لماذا تفعل كل ذلك بي لماذا ؟

قال جادا وبحماس:
_ ماذا ؟ يجب أن تتباركي بهذا الماء ، فأنتِ قد شربتِ من غسول وليّ صالح ..
فمن يحصل له ذلك !! عجبا لأمرك !!
دعوت الله أن يفرج همي وأن يبقي على ما بقي من صبري وجَلَدي فيخرجني من بين هؤلاء القوم الظالمين ..
ويعتقني من أسرهم ..



وللقصة تتمة بإذن الله

بيلسان 04-09-2005 05:17 AM

شكرا لهذا النقل الراائع


وهانحن ننتظر النهاية...



الملاك الحائر

بيلسان 05-09-2005 02:41 AM

<******>drawGradient()



الملاك الحائر

مُقبل 05-09-2005 04:01 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت الفاضله "الملاك الحائر"،أشكر لك مرورك الكريم وتعقيبك على هذا الموضوع،ولعلي أوضحت في ردي على الأخت الفاضله بنت الهلال سبب نقلي لهذه القصه
إقتباس:

كما أحببت أن أُنوه أن هذه القصه ليست من تأليفي الشخصي_ربما لم يحن الوقت بعد للإفصاح عن مؤلفاتي الخاصه ( :rolleyes: )_ولكنني كنت قد قرأتها منذ زمن وأحتفظت بها عندي،لم لمسته بين سطورها من نواحي تربويه وأبعاد ذات مغزى،ناهيكِ عن لُغتها الأدبيه الراقيه
وعلى كل حال يبقى رأيك الشخصي في القصه محل تقدير،ولعل فيما بقي من أحداث يتبين لنا كيف تعاملت هذه الزوجه مع مجريات الأمور،فتابيعنا أختي الكريمه فيما بقي من قصتنا،وسوف أورد في نهايتها بإذن الله مصدر هذه القصه،دمت بخير أختي الفاضله.

والسلام عليكم ورحمة الله.

مُقبل 05-09-2005 04:25 PM

زيــــارة الولــيّ الصالــــح


وقف .. تردد برهةً ثم قال باسماً :
- ما رأيكِ في أن نخرج الآن إلى مكانٍ مهمٍ جداً ..
تسمْرتُ في مكاني وأنا أتنهد ، فسألته :
- إلى أين؟ لا أريد الخروج كفى أرجوك ..
- هيا هيا .. سنذهب إلى مكانٍ ستتعجبين مما سترين فيه وتسمعين ..
قلت :
- ولكن .. الوقت متأخر .. ومن الأفضل أن ..
قاطعني بسرعة :
- هيا لا مجال الآن لتضييع الوقت ..

ذهبتُ معه .. أخذ ينعطف بسيارته يميناً ثم يساراً ..
وأنا صامتةٌ أنتظر فرج الله ، فقد أصبحت زاهدةً حتى في حياتي ..
وقفنا عند منزلٍ متواضع صغير .. سألته بخوف :
- أين تذهب بي ؟ ألا تزال مُصرّاً على إخفاء ذلك عني ؟!
سكت وطرق الباب ..
فُتح الباب على يد خادمة غضبى ..
دخل مُسلِّماً على الرجل الطاعن في السّن وأمرني أن أتبعه .. فوجئت !!!

- ألم ينتهِ الهزل بعد ؟! ( خاطبتُ نفسي متألمة ) !!
جلس مُقابلاً له .. شرح قضيتي وأنني من أهل السنة !!
تبادل الرجلان النظرات الحانقة ، وبدت علامات التعجب و التفاجؤ على الرجل لسماعه هذا الخبر!!
امتعض كثيراً وكأنه سمع عني بأنني ارتددتُ عن الإسلام !!
اكفهرّ وجهه .. وتلونت ملامحه ، قال بحقد :
- ما هذا الخبر والحدث الجلل ؟! هل ما يقوله زوجك صحيح ؟
لا أصدق ! لا أصدق !!

انتابني الذعر والرعب ، تلفتُّ حولي بدهشة ..
لا حظ العجوز دهشتي وقال مستنكراً :
- لا لا يا ابنتي هذا شيءٌ خطير جداً ! ابتعدي عن ذلك .. انتبهي إلى أن يجرفك تيّارهم !!
واستمعي إلى كلام زوجك فهو أعلم بمصلحتك ! لا أريد سماع ذلك عنك من اليوم فصاعداً !!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!!

أصابني الخوف والهلع .. اعتذر الرجل المسنّ ليخرج من المكان .. وأنه سيأتي بعد قليل ..
وعند خروجه قال الزوج واثقاً من قوله :
- هل رأيتِ هذا الرجل ؟! إنه علاّم الغيوب .. !!
أجبتُه بحماس كبير يطوي تحته السخرية من كلامه :
- حقاً ؟! وهل كان يعلم بمجيئنا إليه ؟ وفي هذا الوقت ؟!!
نظر إليّ باستغراب وكأنه يشكّ في صدق نيتي .. ثم قال :
- بالتأكيد !! وسيخبرك الآن عن كل ما تفكرين به ..
وستُدهشين من إجابته على كل الأسئلة التي تُطرح عليه !! ..
وسترين ذلك بأمِّ عينك !

امتلأتُ غيظاً .. فكتمتُه !! وعاد الرجل المُدّعي وجلس في مكانه السابق ..
وإذا بالزوج يخضع ويذل نفسه إليه .. وينحني .. وينكسر !!
وإذا به يقبّل يديه ورأسه .. ثم خلع قبعته وفاضتْ عيناه إجلالاً !!!!
اقترب بعدها الزوج كثيراً من الرجل .. وأخذا يتمتمان بكلماتٍ لم أفهمها !
وفجأةً نظر إليّ وقال :
اجلسي .. لِمَ تقفين كل هذا الوقت ؟!
جلسْتُ .. ركّزا نظرهما نحوي ! يا إلهي ماذا فعلتُ أيضاً ؟
لم أعد أحتمل ! لم أعد أستطيع المنافحة !
ماذا ينويان أن يفعلا بي هذه المرة ؟!!!!

أمرني الزوج بانكسار أمام الوليّ أن أخلع حجابي ..
رأيتُ اللهفة في عيني الرجل ليرى أيّ نوع من الكائنات أنا !!! ..
ولماذا تركتُهم وما يدّعون !! ترددتُ كثيراً .. وامتنعت ..
فأمرني الزوج بتلك النظرات المخيفة الكريهة ..
فإذا بالوليّ يبتسم ابتسامة عريضة ! إنه رجلٌ مسنّ ! بالكاد يرى ويسمع !!
وأمرني أن أجلس أمامه مباشرةً فرفضتُ بحياءٍ وخجلٍ .. وهمستُ في أذن الزوج متوسّلة :
- أرجوك لا أستطيع .. أقسم بالله العظيم أني لا أستطيع .. أرجوك .. إني أخاف ..

ابتسم بدوره ابتسامةً صفراء حاقدة :
- لا تخافي إنه وليّ صالحٌ جداً .. سيعرّفك على مستقبلك .. إنه يكشف الغيب ويعلمه .. هيا تقدمي .. هيا ..
ارتجفتُ وشعرتُ بالإغماء .. رباه اصرف أذاهم عني .. رباه ..
قام الزوج وأمسك بيدي بقوة آلمتني .. وأجبرني على الجلوس أمام الرجل المسنّ قائلاً بلطفٍ مصطنع :
- هيا تعالي .. إنه لا يخيف .. واخفضي نظرك ِ عنه إجلالاً لقدرته ومكانته .. ففعلتُ ..
نظر إليّ الرجل المسنّ وابتسم ثانية ثم قال :
- ما اسمكِ يا فتاة ؟!

لم أنطق .. خشيتُ إنْ نطقتُ أن يسقط سقف المنزل علينا من غضب الله !
فأجاب الزوجُ بلهفة :
- اسمها …………… ! أخبرنا يا وليّنا العظيم عما سينكشف لك !!
مازالت نظرات الرجل عالقةً بي … ثم قال :
- أنتِ فتاة صالحة … ولكنكِ منحرفة عقائدياً .. وسيحلّ عليك غضب الله تعالى إنْ لم تتركي ما أنتِ فيه من خزعبلات ..
وأوهام .. عودي إلى الطريق السّويّ .. عودي .. لأن الخير كلُ الخير في طريقتنا .. واتركي عنكِ كل أقوال الكافرين ..
لأنهم سيزيدونكِ كفراً وإضلالاً وذنوباً .. هل فهمتي ؟!!

ارتعشتُ .. ثم أجبتهُ وأنا أشعر بأنني أخضع لتأثير سحرٍ عظيم .. و.. غريب !!!
- فهمتُ .. فهمتُ ..!!!
ارتجفتْ يداي .. شعرتُ بذهول .. ثم .. أفقْتُ !! ماذا يقول ذلك المعتوه !!!
أخفض نظره .. ثم أغمض عينيه وكأنه ينظر إلى شيء ما .. لا أراه !!
ثم قال :
- ستعودين اليوم إلى المنزل ..
سيتراءى لكِ في المنام الوليّ الصالح الذي قد مات منذ زمن ( فلان بن فلان )!
لا أحد يراه في منامه إلا قلةٌ من الناس !
فإذا رأيتيه فأخبريه بما تريدين وسيخبرني هو فيما بعد بما دار بينكما !!!

فتح عينيه المغمضتين .. ونظر إليّ مجدّداً ..
ثم قال :
- ستنجبين ولداً نجيباً .. وستكونين من أولياء الله الصالحين لأنكِ مترفِّعة في أخلاقك ..
وسيخلف الله لكِ خيراً من دينكِ الزائف .. وستنضمين إلينا على الرحب والسعة ..!!
رباه .. رباه .. ماذا يقول هذا الرجل ؟ أريد الخروج .. أنا لا أحتمل ..
وفجأةً سمعتُ صوتاً بجانبي .. انتقلتْ نظراتي بسرعة.. إنه الزوج يجهش بالبكاء الحار !!
إنه متأثر ... منفعلٌ جداً ... مُصدّق !!
ما به ؟! ثم ... سالتْ دمعاتٌ لاهباتٌ من عينيْ وليّهم !!!
أرجوك يا رب .. أبعدني عنهم ! رباه ... إنهم يريدون إغراقي معهم ! إنني أتهاوى ..

وفجأة .. عكف الزوج على يديْ الوليّ وبالغ في تقبيلها .. ثم تمسّح به !!
ماذا يقصد ؟ إنه يضع يده على رأس الوليّ ويأمرني بوضع يدي أيضاً !!! أدرْتُ وجهي .. إلا هذا !
لا أستطيع !! وأُمرتُ مرةً أخرى فرفضتُ ببقائي صامتةً جامدة !
نظر الرجل إليّ بقلق عندما طال صمتي ..
قال للزوج وقد مدّ يده إليه بقبعةٍ قديمة :
- إذاً اجعلها تخلع حجابها كاملاً حتى تلبس هذه القبعة وتتبارك بها !..
فنهض بقوةٍ وشدّ عني حجابي بكيدٍ دفينٍ ثم ألبسني القبعة .. ودمعاتي تحرق كل جزءٍ في وجهي المتألم !
وتناول من الرجل قطعة قماشٍ بالية وهو يشكره بِذُلّ !!
فقال الرجل يوجه إليّ الحديث :
- أما هذه القطعة فضعيها تحت وسادتك وستقيك الشر وتدفع عنك الضُّرَ !
قمتُ من مكاني أترنح من شدة البأس الذي أصابني حتى هذه اللحظة الصعيبة !
لا أحد يُبالي بمشاعري ! .. يا رب رحماك !!

سمعتُ الزوج في هذه الأثناء يقول والدموع الذليلة لا تزال تتدفق من حُجرها :
- أتوسل إليك يا ولينا العظيم أن تخبرني عن أبي .. لقد مات منذ وقت قصير ..
هل في الجنة هو أم في النار ؟ وهل هو في نعيم أم جحيم ؟!!
وزاد بكاؤه وعويله .. فأطرق الوليّ مليّاً .. ثم وضع أصابعه على صدغيه .. وأغمض عينيه ..
وافتعل حركات كأنما هو يرى أشياء أغضبته .. فتلوى وجهه .. وتقطّب حاجباه .. ثم .. أشياء سرّتْه ..
فقال له : لا تحزن فأبوك في الجنة .. لقد رأيته الآن .. إنه يرتع فيها .. هنيئاً لك وله .. إنه في نعيم مقيم ..
لا تخف .. فأبوك بخير فاطمئن وطمئن ذويك عنه ..

زاد بكاء الزوج وارتفع صوته ولكن هذه المرة .. بكاء الفرح والحبور هو الذي كان له صدى في الأرجاء !!!
أستغفر الله العظيم .. ماذا يفعل هؤلاء ؟ هل فقدوا صوابهم ؟
لماذا يفعلون ذلك ؟ وأمامي ؟!
إنّ هذا الرجل المسنّ يدّعي علم الغيب و الإحاطة به !!
ثم يقول إنه كشفٌ وإلهام ؟!
ولكن لا يعلم الغيب .. إلا الله تعالى فكيف يجرؤون ؟!
إنه شرك ! كيف أخبرهم ؟ كيف أقنعهم ؟
سيقتلوني إنْ تفوّهْتُ بكلمةٍ واحدة !

ولكن ألم يقل الله تعالى لرسوله الكريم : ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء )
إذا كان رسول الله إلى الناس وخاتم الأنبياء والمرسلين لا يعلم الغيب .. فهل يعلمه هؤلاء ؟!!
إنهم قوم يستكبرون !! هممتُ بالاحتجاج .. تراجعت ..
سيؤذونني بلا شك .. أعرف ذلك !


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 05-09-2005 04:27 PM

خزعبـــــلات العجـــــوز


لم أحتمل هذا القول .. فقمتُ من مكاني غضبى إلى الداخل .. فوجدتُ زوجة الوليّ تسرح شعرها !!
إنها عجوزٌ أيضاً .. سلمتُ عليها بريبة وتخوّف ..
ربما كانت ذات عقلٍ .. أفضل من زوجها .. إنها تقبع وحيدة .. ربما هي لا توافق زوجها ولا تقتنع بصنيعه .. مثلي !!
قلتُ لها باسمة :
- كيف حالك يا خالة ؟ فبادرتني بالتحية ؛
وأجلستني بجانبها وقالت :
- بحالٍ طيبة .. أهذه أول زيارة لكِ في بيتنا ؟ وجهكِ غير مألوف لدي!
فقلت :
- نعم .. هذه أول مرة .. ( وخاطبتُ نفسي ) .. وآخر مرة إن شاء الله !!
قالت بدهاء :
- وما رأيك بالوليّ ؟! إنّه علاّمةٌ وعارفٌ بالله .. إنّ له أموراً لا يصدقها البشر !
عندما تجلسين معه مرةً ستأتين أكثر من مرة .. صدقيني ..

ثم قالت :
- هل تعلمين أنه في يومٍ ما .. كان يحدّث الناس ويعظهم .. وفجأةً سكت ! فنظر إليه الجالسون وقالوا..
- ما بك يا وليّنا العظيم .. ما بك ؟ فقال :
- انتظروا لقد دُعيت .. ويجب أن أُلبي النداء ... ( وكان الجميع ينظرون إليه ) ..
وفجأةً تبلّل كمّه الأيمن بالماء !! فهاج الحضور وصاحوا وقالوا له :
- ماذا حدث يا وليّنا .. وما بال كمّك امتلأ بالماء ؟ ..
فقال :
- كان هناك رجلٌ يسبح في البحر فغرق .. فاستغاث بي .. فأخرجتُه بيدي الآن ..
والحمد لله لقد نجا من موتٍ محتم !! ..
فقالوا وهم يُكْبِرون عمله :
- ولكن كيف ؟ وأنت تجلس معنا يا وليّنا العظيم ... يا إلهي ما أعظمك !!!
إنك عظيم كبير قادر على كل شيء !! يا وليّنا !
قال مزهواً بنفسه :
- هذه من الكرامات الخارقة .. فلا تسألوا عن أشياء إنْ تُبْدَ لكم تسؤكم !!!

( انتظرتْ مني رداً .. وأنا كالمصعوقة مما أسمع ! ) .. هل أصاب عقلي شيء ؟!
هل أنا في كامل وعيي ؟ هل أعيش كابوساً مُروّعاً ؟ أم أنا موجودة حقاً بين هؤلاء ؟!
بدأ عقلي يضعف فقلتُ لها بذهول :
- ولكن !! كيف ؟!! هل يستطيع ؟!
كيف يُرسل يده إلى البحر وهو يجلس في مكانه ؟!! كيف ....؟!
نظرتُ إليها بتوجس .. رأيتها تضحك !!
رأيتُ عينيها الغائرتين تنظران إليّ بنظراتٍ تعني شيئاً ما !!
هل أقنعوها بأن تفعل معي ذلك ؟! هل سلّطوها عليّ هي أيضاً ؟! ..
يا رب .. يا رب ..
سمعتُ صوت الزوج ينادي .. فخرجتُ أستجمع ما بقي من عقلٍ ودين !!
ركبتُ السيارة .. لم أنطق ولم ينطق .. ماذا يحدث حولي ؟!!
ماذا يحصل ؟ أين أنا؟
أشعر بأن ما يدور هنا هي قصةٌ نسجها الخيال إلى أبعد مدى !!!

عدنا إلى المنزل .. أول ما عمله الزوج هو أن وضع قطعة القماش تحت وسادتي ..
وقال بتوسل :
- أرجو أن تعتقدي فيها ! فهي ستنير لك طريقك وستقتنعين فيما بعد ! .. أرجوك !!
أومأت برأسي بالإيجاب .. وتمالكتُ نفسي .. ما أصعب هذا الموقف .. مَنْ سينتصر ؟
ومَنْ سيرفع راية الاستسلام البيضاء ؟! ويطأطئ رأسه خيبةً وخذلاناً !!!
لم يغمض لي جفنٌ طوال الليل .. تضرعتُ إلى الله باكية .. رجوتُ الله أن يثبتني .. فلو رأيتُ الحلم الذي نسجه لي ذلك الرجل الأرعن .. فأخشى أن أؤمن بهم ! يا رب أنت ملجأي ..
يا رب أنتَ ملاذي .. يا رب وجّهني إلى طريق الخير والصواب ..
لقد ظهرت خيوط الصبح وأنا لم أنم !!
أخشى أن أحلم .. يا رب ساعدني ... ثم ... أنسدلتْ أجفاني تغطي عينيّ بدون وعيٍ مني !!

وفي الصباح .. فتحتُ عينيّ بثقل شديد .. رأيتُه .. يذرعُ الغرفةَ ذهاباً وإياباً ..
إنه ينتظر نهوضي بفارغ الصبر .. وقَفْتُ أنظر إليه .. تذكرت !! .. جاء يهرول إليّ .. راجياً .. باسماً..
- هاه ماذا رأيتِ ؟! هل صدق . بالطبع صدق !!
أخبريني بالتفاصيل .. هيا
أسرعي .. لا أطيق الانتظار !! أخبريني .. فصّلي رؤياك .. هيا ..
يا إلهي .. تذكرت ماذا يقصد .. تنهدتُ بعمق ..
ثم ابتسمتُ أخيراً ابتسامة نصرٍ وثقةٍ
واختيالٍ وعُجب .. وازدراء !!!
- لا ... لا .. لا لم أحلم بما قاله وليّك ذاك !!
لم أحلم .. الحمد لله .. الحمد لله ..
ربي لك الحمد والشكر والثناء .. فقام من مكانه مدحوراً مذموماً ..
قال باهتمام :
- ليس من المشترط أن تكون الرؤيا في الليلة الماضية ..
من الممكن أن تكون الليلة .. أو غداً أو بعد غد .. أو ...
قاطعته بتحدٍ :
- ولكن هذا الرجل أكّد لي بأنها ستكون الليلة الماضية .. فلا مجال إذاً !!
آه .. يا رب لك الحمد ..
خرج من الغرفة غاضباً .. وسمعتُ يتمتم بكلماتٍ ساخطة ..
فضحكْتُ في قرارة نفسي على خذلانهم !


وللقصة تتمة بإذن الله

بيلسان 06-09-2005 01:03 AM

<******>drawGradient()

مُقبل 07-09-2005 11:43 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت الفاضله "الملاك الحائر"،أشكرُ لك متابعتك للأحداث،ولكن يبدو أنكِ لم تقرأي ردي السابق جيداً فقد قلت ما نصّه:
إقتباس:

وعلى كل حال يبقى رأيك الشخصي في القصه محل تقدير،ولعل فيما بقي من أحداث يتبين لنا كيف تعاملت هذه الزوجه مع مجريات الأمور،
ولكن لا ضَير،يغفرُ الله لنا ولكِ،دمتِ بكلِ خير أختنا الفاضله.

والسلام عليكم ورحمة الله.

مُقبل 07-09-2005 11:57 PM

القــطـــــــب والغَــــــــوث


بعد يومين .. ذهبوا بي عند أعظمهم بلاءاً .. وأكثرهم شهرة ..
ووقفوا بي الساعات الطوال ينتظرون الإذن بالدخول !
سبحان الله !! ألهذا الحدّ يُمنع دخول أي شخصٍ إليه ؟!
هل هو إله مُقدّس؟هل يختلف تكويناً عن البشر؟!

طال الانتظار .. وهم ينظرون إليّ بين اللحظة والأخرى !
إنهم ينتظرون اهتماماً مني أو سؤالاً !
ترددتُ كثيراً في طرح السؤال أو إبداء الاهتمام والقلق يُساورني !
تُرى أيّ نوع من الناس يكون هذا أيضاً ؟!
أخيراً .. فُتح الباب الكبير على مصراعيه !!
ارتجفوا !! فتحٌ كبيرٌ ونصرٌ بالدخول إليه أكبر !

تسارعتْ خُطاهم ! أيُّ مغفرةٍ ستقع لهم ؟
أيُّ رضىً عنهم بفتح الباب والسماح بالدخول إليه ؟
( تساءلتُ باستهتارٍ في نفسي ) !!!
تقدّمني الجميع وأنا أنظر في دهشة !

ثم عادوا يمسكون بي وقالوا :
- أنتِ وليةٌ من أولياء الله الصالحين ! لقد فُتح البابُ بسببك !!
كم حاولنا الدخول ولكنه لم يُسمح لنا ولم يُسْمَع لرجائنا ؟!!
دخلتُ بخطواتٍ مترددة .. البيت مظلمٌ ، ساكنٌ ، لا حراك فيه مطلقاً ..
ولا أصوات تبدّد وحشة المكان ..
بدأتْ المخاوفُ تنتابني شيئاً فشيئاً ؟

وعندما فُتح البابُ الداخليّ .. ركضوا .. فتتبعتهم بتردّد وتخوّف شديد ..
ما نوع الكائن الموجود بالداخل ؟!!!
وفجأةً .. رأيته ..!!!
شخصٌ قربَ موتُه كثيراً ! لا حراك !
ينام على سريرٍ وكأنه جثةٌ هامدة !
هو لا يتكلم ! لا يتحرك ! لا ينظر !
لا يعلم مَنْ دخل إليه ومن خرج ؟! لا يفقهُ شيئاً !
إنه شبه ميت !!!

توجهتُ أنظر فيمن معي .. أي عقولٍ معتوهةٍ يحملون ؟
تهافتوا عليه كالمصروعين ؟!
ما هذا ؟! إنهم يلمسونه !! يتباركون به ! أوه !
حتى النساء يلمسنه ! يقبلنَ يديه ورأسه ووجهه!!!
يمسحون على وجهه الهرم ! رباه.. إنهم يبكون !
بل ينتحبون ؟! علا بكاؤهم ودوت صيحاتهم !!
إنهم يلهجون بالدعاء ! لمَنْ ؟! له !! يتوسلون ؟!

أما أنا .. فقد وقفتُ وحدي .. هائمة على وجهي !
ماذا حدث ؟ لمَ كل هذا التبجيل والتعظيم ؟!
إنه بشرٌ مثلنا ! بل هو أشلاء إنسان !!
وفيما أخذ التفكير مني والتأمل والتعجب وقتا طويلا ..
إذ بالزوج يقول من بين أدمعه وشهيقه :
- هيا تعالي والمسيه .. فرصتك الذهبية !
لا يحصل عليها أيُّ كان ! انظري إلى وجهه ..
ونور الصوفية الظاهر عليه .. يا إلهي لو تعلمين ماذا كسبنا وماذا جنينا !!!

فخاطبتُ نفسي بتشكك:
- هل كسبوا الجنة مثلا ؟!! ربما !! لسان حالهم يجزم بذلك !
بقيتُ جامدة في مكاني .. كيف لي أن أمسك برجل ؟!
حتى وإن كان الموت يتهافتُ لخطفه!.. لا ..
لن أسمح لنفسي بذلك ! فأنا أخاف الله .. كفاني إلى هذا الحد .. كفاني ..
ثم .. أكرهوني .. وأجبروني بغضب و أحرجوني ..
فتوقفتُ أمام هذه البقايا الهامدة ..
أخاطبها :
- بمَ تشعرين ؟!! هل أنتِ على حق ؟!!
أم أنك خارجة عن جادة الطريق القويم ؟!!!!

أمسك الزوج بيدي وهو غارقٌ في البكاء :
- هيا أسرعي بالإمساك به ، بيديه ، قبليهما ،
قبلي رأسه .. أمسكي بجسده والمسي وجهه !!
انظري بربك إلى هذا النور و الإيمان .. انظري !!!
نظرتُ إليهم وقد عكفوا على أقدامه أذلاء صاغرين ! ماذا جرى لهم ؟ ..
قام الزوج بأمري مرة أخرى .. فقمتُ وبحركة آلية لا شعورية ..
ثم بحركة متعمدة .. وسترت يدي بإدخالها في ثنايا العباءة ..
وأمسكت بيد الصوفي بطريق غير مباشر .. ثم ..
تصنعتُ تقبيلها حتى لا يفعلوا بي ما ينوون فعله أكثر من ذلك ...

تطاير الشرر من عينيه الباكيتين فجفتْ !
وقبض على يديه بقوةٍ كادتا منها أن تتهشم !
انتفض جسده رغبةً في الانتقام مني !
رأيت التقريع والتأنيب يتفجران من أنفاسه !!
يا إلهي ! ما الخطأ الجديد الذي ارتكبته؟! أهو الستر أيضا ؟!
رباه ما العمل ؟! ما العمل ؟!
عدنا إلى المنزل وما إن دخلنا مع عتبة الباب حتى انفجر كالبركان قائلا والكل يؤيده :
- والآن! .. لِمَ فعلتِ ما فعلتِه أيتها الـ ... ؟ هل تتحدينني ؟!

فقلتُ بهدوء وذهول يطويان الخوف والهلع منه:
- وماذا .. وماذا فعلت؟ أنا لم أفهم ؟! ...
قال حانقا منفجرا:
- لِمَ لمْ تتركي يديك تلامس يديه الطاهرتين ؟
يديه الشريفتين ؟ لِمَ ؟ لِمَ ؟ أجيبي !!
ثم قال ُمردفا قبل أن أجيب:
- نعم.. لو كان أباكِ أو خالكِ أو عمكِ أو أنا ..
لما توانيتي مطلقا عن تقبيل أيدينا !! صح ؟!
ولكن هذا الولي الصالح الغوث القطب تضعين بينك وبينه حجاب !! سبحان الله !!

وبحركةٍ لا شعورية استدرتُ نحوه قائلة :
- أيُّ غوثٍ وقطبٍ تعني ؟
رفع رأسه وهو يتقدم نحوي ببطء ..
ثم قال بعد صمتٍ ثقيل وبلهجةٍ متلعثمة :
- أقصد أن الله عندما يريد إنزال أمرٍ ما بالعباد من غضب أو حكمٍ يُظلم به الناس ..
فإن الغوث يُغيث هؤلاء العباد ويخفف عنهم الحكم ويُعدّ له ..
ثم ينزله إلينا .. أو أنه يلطّـف بقدرته من قسوة وقوة حكم الله علينا ..
أفيكون هذا جزاؤه ؟!!!

آه .. ماذا يقول هذا الأرعن ؟! رباه .. ما للموازين اختلّتْ ؟
قلتُ بلهجةٍ متهدّجة :
- ولكنّ الله هو المتحكم بالكون ولا سلطة لأحدٍ سواه عليه !!
سيطر عليه الارتباك ..
ثم قال :
- تباً لكم من وهّابيين !!
إن القطب هو أكمل إنسان .. وهو نظر الله في الأرض .. وفي كل زمان !
عليه تدور أحوال الخلق .. ويلجأ إليه الملهوف عند حاجته .. أفهمتي ؟!

قاطعته باعتراض :
- ولكن .. إنّ هذه معتقدات كالأساطير الخرافية .. أقصد ....!!!
صرختْ أمه في وجهي غاضبة :
- الويل لكِ ! ماذا تقولين ؟! إنك حمقاء !!
دقّ قلبي بشدة ..
فقلتُ استحثُّ الكلمات على الخروج :
- ولكن .. هذه الصفات .. تنزع إلى تجريد الله .. من .. الربوبية والألوهية .. !!
قال مُدافعاً وبلهجةٍ حادة :
- ألا تعلمين أيتها العنيدة بأنّ مما أكرم الله به هذا القطب أنه علّمه ما قبل وجود الكون ..
وما وراءه .. وما لا نهاية له ؟!
وألا تعلمين أنه علّمه وخصّصه بأسرار الإحاطة بالغيب ؟
وأنه مكّنه من إدارة الوجود بيده كيفما شاء ؟!!!

قلت بمرارة وتألم :
- كفى .. كفى .. كفى أرجوكم .. لا أريد سماع المزيد .. لا أريد ..
صرخ بأعلى صوته في وجهي :
- بل يجب أن تعلمي كل شيء .. فأنتِ تعيشين في وهمٍ مع هؤلاء الجهلة الضلاليين !!
تقدم أحد إخوته بثقة مفرطة أراد بها أن يزعزع بقايا مشاعري ..
فقال :
- حسناً .. لا تتعجلي الأمور .. أنا سأثبت لكِ ..
ألا تعلمين أنّ في الوجود ديواناً باطنياً يحكم فيه القطب الأكبر بما يشاء ويُصرِّف أقدار الوجود ؟!
التفتُّ إليه متعجبة ..
فسألته بهدوء :
- أيّ ديوان تعني ؟ وأيّ أقدارٍ هذه التي تخضع لقدرة غير الله ؟!
إنّ هذا غير صحيح ولا يُمكن أن ...

قاطعني بهدوء أكثر :
- استمعي إليّ .. عند الصوفية محكمة عُليا يحاكم فيها الأقطابُ أقدارَ الله دون أن تستطيع أية قدرة إلهية نسخ حكمٍ لها ..
فهل تعلمين مكان وجود هذا الديوان ؟ ومَنْ يحضره ؟!
صرختُ بقلبٍ قد ملأه الوجل .. فهمتُ إلى أين يريدون الوصول بي ..
نظرتُ إليه بتخوّف ..
انقبض قلبي .. وَهَنَ عقلي .. هل أعيش في واقعي ؟ لا أصدق ..
ساد صمتٌ قاتلٌ فيه انتظار حارق لإجابتي على السؤال المطروح ..
أصبحتُ لا أميّز شيئاً .. ليطل انتظارهم .. ارتجفتُ ..
هممتُ بالدفاع عن نفسي والاحتجاج على ما يتفوّهون به ..
تصوّرتُ ما سيفعلونه بي إنْ نطقت بخلافِ ما يعتقدون ..
تحدّيتُهم ووافقتُ على مجاراتهم ..

فقلتُ بانقباض :
- لا .. ولا أريد أن ......
تدخل الزوج في هذه اللحظة وأجاب بحماسٍ ظاهر :
- إن الديوان في غار حراء ! ويحضره النساء ..
وبعض الأموات .. فالأموات حاضرون في الديوان
ينزلون من البرزخ يطيرون طيراناً بطيران الروح !
وتحضره الملائكة والجن ..
أكملتْ أمه بفرح :
- ليس هذا فحسب .. ففي بعض الأحيان يحضره النبي ..
وكل ذلك يكون في الساعة التي وُلد فيها النبي من كل عام ..
أما الأنبياء فيحضرونه في ليلةٍ واحدة هي ليلة القدر ..
وتحضره كذلك أزواج النبي الطاهرات ..

ابتسمتُ .. فظنّ الجميع بأني آمنتُ أخيراً و أيقنت ..
نظروا إلى بعضهم .. توقفوا عن الكلام ...
انفرجتْ أساريرهم ... فقلتُ أخاطب الجميع :
- حقاً ؟! هل تحضره أزواج النبي الطاهرات ؟!
- أجل .. أجل .. ألم نقل لكِ بأنكِ ستقتنعين ؟!
استبشر الجميع .. أخيراً !!!
فقلتُ بعد أن أخفيتُ تلك الابتسامة عن الوجود :
- وهل كانت أزواج النبي الطاهرات تحضرنَ هكذا في وسط الرجال ؟!
أيّ هراء هذا ؟!

أطبق الصمت !! حملقوا فيّ بنيران نظراتهم ..
ولكني لم أعد أحتمل .. دعوني و شأني .. دعوني ..
وقف الزوج هائجاً يصول ويجول .. يريد الإمساك بي ..
وإخفائي عن الدنيا .. فأمسك به أخوه بسرعة ..
وفهمتُ على الفور بأنني ارتكبتُ في نظرهم خطأً جسيماً في سخريتي من حديثهم .. لا بأس ...
إلى متى هذا الخوف ؟ إلى متى هذا التراجع ؟
بادرتُ بالاعتذار فوراً تخفيفاً من وطأة الغضب الجامح :
- أنا آسفة .. آسفة .. لم أقصد إغضابك .. ولكنك فتحتَ باب النقاش ..
أعتذر منك مرةً أخرى .. أعتذر ..
لم أنتظر المزيد من الجدل .. انطلقتُ بسرعة ..
أخذتُ أصعد السلم .. لا مكان لي هنا .. يجب أن أرحل ..!!


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 11-09-2005 02:21 PM

شكراً لرفع التثبيت عن الموضوع !!
 
الحلـــــــــف و الاستغـــــاثة


مضتْ أيامٌ قلائل بعد النقاش والصراع .. خفّت حدة التوتر قليلاً ..
ذهبنا جميعاً إلى البحر في وقت الفجر .. آه ما أجمله !!
كانت النجومُ ما تزال تلمع في كبد السماء ..
وأشعة الشمس .. لقد بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً ..

دخل الزوج مع إخوته إلى البحر ... يتلاعبون .. يتمازحون .. تذكرتُ إخوتي ..؟!
كم أشتاق إليهم .. ناداني الجميع لأشاركهم المرح واللعب في البحر ..
اعتذرتُ وعللتُ بقائي برغبتي في الجلوس مع والدة الزوج قليلاً ..
ولكن الرفض كان سببه أني لا أريد كسر طوق الجليد مع إخوته !
فكيف أوافق على اللعب معهم إذاً ؟!

بقيتُ مع والدته .. استرقْتُ النظر إليها .. إنها تتأمل أبناءها ..
تذكرتُ أمي .. إخوتي .. أبي .. تنهدتُ بعمق ..
مسحتُ دمعةً حزينة كادتْ أن تفتح باباً لأنهار الدمع بداخلي ..
آه .. عائلتي تعتقد بأن السعادة ترفرفُ على أرجاء حياتي !!
إنها لا تعلم بمعاناتي !!

حدّقتُ في البحر .. في الزرقة الممتدة أمامي بلا نهاية .. آه ..
أشتاق كثيراً لسماع صوت أمي ..
لمداعبات أبي وأخوتي .. أوه ..
أفقتُ من أحلامي الجميلة عندما تحركتْ والدة الزوج ونظرتْ إليّ !!!
تحركتُ بحذر .. ثم قلتُ بابتهاجٍ مُصطنع :
- خالتي .. هل تريدين أنْ أعدَّ لك بعض الطعام ؟!
- لا .. لا أشعر بالجوع الآن ... شكراً لكِ ..
فقط أريد كوباً من الشاي ..
فالطقس يُساعد على الانشراح ..

ابتسمتُ بصدق ..
وأحضرتُ لها كوب الشاي لتشربه ..
إنها تفضله دائماً من صنع يدي .. ناولتها الكوب ..
حذّرتُها من إمكان وقوعه .. فالأرض غير مستوية ..
عبّرت عن امتنانها لي بابتسامةٍ مسرورة .. وقامتْ بوضعه أمامها ..
أما أنا فعدتُ ثانيةً لتأمل ظهورقرص الشمس كاملاً ..
تحركتْ الأم وهي تحدّق في أبنائها مسرورة ..
فانسكب الشاي على قدمها وأحرقها ..

فتمتمتْ قائلة بغضب وهي تحدث نفسها ..
- ( يا فلان بن فلان ) .. تتوسّل بأحد الأموات وتستنجد به !!
استولى الاستياءُ عليّ .. فأدرتُ ظهري للبحر وقابلتُها مباشرةً ..
ثم قُلتُ لها بلطف :
- خالتي .. ماذا تقصدين بـ ( فلان بن فلان ) ! ولِمَ هو بالذات ؟!
نظرتْ إليّ باستغراب وكأنها لم تكن تنتظر مني مثل هذا السؤال ..

ثم قالت بعد صمتٍ وتلعثم :
- إنه .. إنه .. أحد أولياء الله الصالحين المقرّبين إلى الله ..
آه لقد مات منذ زمنٍ بعيد .. نستنجد به ونتوسل إليه ..
وهذا أمرٌ واجبٌ مفروضٌ يا ابنتي .. واجبٌ دينيّ يجب علينا وعليك أيضاً عمله !!
حدّقتُ بها شككتُ في صحة معلوماتها فقلت :
- ولكنك كما قلتِ مات !!
فماذا تطلبين من ميتٍ أو ترجين منه يا خالتي ؟!!!

شعرتُ بأنها تأخذ نفساً عميقاً .. ضمّتْ يديها وقالت بتعجرف :
- ولكن روحه تخرج إلينا .. وتساعدنا وتجيب ملهوفنا ..
ولذلك نطلب منه ومن غيره من أولياء الله ما نريد !
- تطلبون منه ما تريدون ؟!! مثل ماذا ؟
- مثل .. مثل .. الرزق .. الأولاد .. الزواج .. النجاح .. الشفاء من الأمراض والأوجاع ...
حبسْتُ أنفاسي في مكانٍ ما حول قلبي الذي كان يطرق بقوةٍ وعنفٍ ..

هناك صوتٌ صغيرٌ بداخلي قد يئس منهم يهتف بي بقوة بأن هذه حقائق زائفة ..
ولا يهمني سماعها ..
ألا يجب أن تكون أكثر عقلانيةً في مثل هذه السّنّ ؟
قلتُ بقلق :
- خالتي الحبيبة .. فكري معي قليلاً .. أرجوكِ ..
حسناً لنتبادل وجهات النظر ونؤيد أصحها ..
ألا ترين معي أن سؤال الميت أو الغائب يُعدُّ مُنكراً لنفوسنا ؟
لا نرتضيه لأنفسنا !!
ثم إنه لم يأمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
ولا فعله أحدٌ من الصحابة أو التابعين .. فكيف نفعله نحن ؟

قاطعتني بجديةٍ وهي تؤمن بكلمة تقولها :
- أوووه ... ماذا تقولين ؟ ما هذا الهراء ؟
إننا قد تعوّدنا أن نستغيث بهم إذا نزلتْ بنا تِرةٌ أو عرضتْ لنا حاجة !
إني أقول لميت من الأولياء ( يا سيّدي فلان بن فلان )
أنا في حسبك أو أقضِ لنا حاجتنا .. وسُرعان ما يقضيها ..
تجهّم وجهي على الفور ..

فقلتُ بغيظٍ كظيم :
- ولكنّ أحداً من الصحابة لم يستغثْ بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ( وهو نبي ) !!
ولا بأحدٍ من الأنبياء أو بغيرهم .. والاستغاثة بغير الله عزّ وجلَّ مُحرّمة ..
فقدتْ أعصابها عند سماع كلماتي ..
فلم تجدْ بداً من الإدلاء بدليلٍ تحاول به تشويه الواقع :
- لن أقتنع .. هلاّ علمتني بأن أحد أئمة الصوفية العظماء كان قد دعا الله ستّ سنوات أن يرزقه الولد .. فلم يُرزق !!
فذهب إلى وليّ صالحٍ .. فما إن استغاث به وطلب منه الولد حتى رُزق بطفلين توأمين !!!!

حملقْتُ فيها بعينيّ .. شعرتُ بأنّ لمعاتِ البرق تكادُ أن تمزق السماء !
شحب وجهي .. لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم ..
هل بعد هذا الشرك من شرك ؟!
وبحركةٍ لا شعورية .. تابعتْ قولها وهي ترتعد غضباً مني ..
وأنفاسها تتمزق ..
_- ألا تصدقين ؟! حسناً .. بجاه فلان بن فلان .. وبحق النبي .. أن هذا ما حدث له !!
ولكن ما أدراكِ أنت ؟!!
إنّ تربيتك الدينية كانت غيرسليمة .. أعانك الله عليها يا بُنيتيّ !!!

امتقع وجهي فأصبح كالغمام .. طالتْ فترةُ الصمت .. وساد صمتٌ آخر ..
إنها تحلف !! بمَن ؟ أيضاً بغير الله !!
- خالتي .. خالتي نحن نتجاذب أطراف الحديث !!
يجب أن تُقنع إحدانا الأُخرى !
كيف.. كيف تدعين وتستغيثين بغير الله ؟!
خالتي إنك تفتقرين إلى غير الله ..
ألا تعلمين أن في ذلك إذلال للنفس وظلم لها ؟
ثم .. ثم .. إنك تحلفين أيضاً بغير الله ...
خالتي ..

رفعتْ حاجبها باستغراب بسرعة ..
ترددتْ قليلاً قبل أن تجيب :
- كوني على ثقة ويقين بأنك عندما تطلبين اليمين بالله منّا نحن الصوفيّون فإننا نعطيك ما تريدين صدقاً أو كذباً ..
بينما .. عندما تطلبين منّا اليمين بالشيخ أو الوليّ أو صاحب القبر فإننا نصدق معك ولا نجرؤ على الكذب أبداً ..
وذلك لعظمتهم و جلالة قدرهم ... !!!!!

تملكتني موجةٌ من الغضب والانفعال اللاإرادي ..
فهتفتُ وأنا أقفُ وأجمع حاجياتي رغبةً في الهروب منها ..
- ولكن هذا لا يجوز !! حرامٌ أن تسألي بمخلوقٍ يا خالتي !!
عودي إلى رشدك يا خالتي ..
افهميني أرجوك !
ألم تستمعي قوله تعالى : ( ادعوني أستجب لكم ) ؟
ألم تستمعي إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
" من حلف بغير الله فقد أشرك " ؟!!

لمْ تردّ .. لم تتحدثْ !!
فضّلتُ السكوت للحظات .. لقد بلغ الصمتُ حداً يثير الأعصاب !!
لا طيور تزقزق ! ولا أوراق تهتز مع نسيم الريح الخفيف ..
حتى صوت البحر بدا مكتوماً !!
قلتُ لها قبل أن أفترق عنها بلطفٍ ورجاء :
- خالتي .. لقد شاهدتِ قبل قليل ولادةً لنهارٍ جديد ..
وأعتقد أنه باستطاعة المرء أن يُولد مرةً أخرى ..
إذا فتح صفحةً جديدةً .. ناسياً كل الأمور والأحداث الماضية !!
خفّفْتُ لهجتي الهادئة من اضطرابها وغضبها ..
فنقلتْ نظرها إلى البحر .. خلفي .. واعتقدتُ أنها تتأمله !!!

قالت بدون أن تنظر إلي .. وقد ركّزتْ نظرها خلفي :
- إنها فكرةٌ جيدة لم تخطر ببالي يوماً !!
ولكن .. لا تظني بأنها ممكنة !!
شعرتُ بخيبة أملٍ عنيفة .. تنهّدتُ بأسى من الأعماق ..
وبحركةٍ لا شعورية ..
التفتُّ إلى الوراء .. خلفي ..
حيث كانت نظراتها مُسلّطة .. وإذا بي أجده ورائي ..
وقد بدتْ عليه إمارات الغضب الشديد !!!!!

نعم ( لقد كانت والدته تنظر إليه هو ولم تكن تتأمل البحر )!!
اكتفيت بالنظر إليه وقد اتسعتْ عيناي تعجباً وتحجّر قلبي تخوّفاً ..
فلم أجد الكلمات المناسبة للدفاع ...!!
فضّلتُ الصمت !
منذ متى وهو يقف خلفي ؟!
شعرتُ بالوهن الشديد أمام نظراته التي كانت تنمّ عن حقدٍ دفينٍ وقهرٍ شديد !!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 11-09-2005 02:27 PM

شكراً لرفع التثبيت عن الموضوع !!
 
الحلـــــــــف و الاستغـــــاثة


مضتْ أيامٌ قلائل بعد النقاش والصراع .. خفّت حدة التوتر قليلاً ..
ذهبنا جميعاً إلى البحر في وقت الفجر .. آه ما أجمله !!
كانت النجومُ ما تزال تلمع في كبد السماء ..
وأشعة الشمس .. لقد بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً ..

دخل الزوج مع إخوته إلى البحر ... يتلاعبون .. يتمازحون .. تذكرتُ إخوتي ..؟!
كم أشتاق إليهم .. ناداني الجميع لأشاركهم المرح واللعب في البحر ..
اعتذرتُ وعللتُ بقائي برغبتي في الجلوس مع والدة الزوج قليلاً ..
ولكن الرفض كان سببه أني لا أريد كسر طوق الجليد مع إخوته !
فكيف أوافق على اللعب معهم إذاً ؟!

بقيتُ مع والدته .. استرقْتُ النظر إليها .. إنها تتأمل أبناءها ..
تذكرتُ أمي .. إخوتي .. أبي .. تنهدتُ بعمق ..
مسحتُ دمعةً حزينة كادتْ أن تفتح باباً لأنهار الدمع بداخلي ..
آه .. عائلتي تعتقد بأن السعادة ترفرفُ على أرجاء حياتي !!
إنها لا تعلم بمعاناتي !!

حدّقتُ في البحر .. في الزرقة الممتدة أمامي بلا نهاية .. آه ..
أشتاق كثيراً لسماع صوت أمي ..
لمداعبات أبي وأخوتي .. أوه ..
أفقتُ من أحلامي الجميلة عندما تحركتْ والدة الزوج ونظرتْ إليّ !!!
تحركتُ بحذر .. ثم قلتُ بابتهاجٍ مُصطنع :
- خالتي .. هل تريدين أنْ أعدَّ لك بعض الطعام ؟!
- لا .. لا أشعر بالجوع الآن ... شكراً لكِ ..
فقط أريد كوباً من الشاي ..
فالطقس يُساعد على الانشراح ..

ابتسمتُ بصدق ..
وأحضرتُ لها كوب الشاي لتشربه ..
إنها تفضله دائماً من صنع يدي .. ناولتها الكوب ..
حذّرتُها من إمكان وقوعه .. فالأرض غير مستوية ..
عبّرت عن امتنانها لي بابتسامةٍ مسرورة .. وقامتْ بوضعه أمامها ..
أما أنا فعدتُ ثانيةً لتأمل ظهورقرص الشمس كاملاً ..
تحركتْ الأم وهي تحدّق في أبنائها مسرورة ..
فانسكب الشاي على قدمها وأحرقها ..

فتمتمتْ قائلة بغضب وهي تحدث نفسها ..
- ( يا فلان بن فلان ) .. تتوسّل بأحد الأموات وتستنجد به !!
استولى الاستياءُ عليّ .. فأدرتُ ظهري للبحر وقابلتُها مباشرةً ..
ثم قُلتُ لها بلطف :
- خالتي .. ماذا تقصدين بـ ( فلان بن فلان ) ! ولِمَ هو بالذات ؟!
نظرتْ إليّ باستغراب وكأنها لم تكن تنتظر مني مثل هذا السؤال ..

ثم قالت بعد صمتٍ وتلعثم :
- إنه .. إنه .. أحد أولياء الله الصالحين المقرّبين إلى الله ..
آه لقد مات منذ زمنٍ بعيد .. نستنجد به ونتوسل إليه ..
وهذا أمرٌ واجبٌ مفروضٌ يا ابنتي .. واجبٌ دينيّ يجب علينا وعليك أيضاً عمله !!
حدّقتُ بها شككتُ في صحة معلوماتها فقلت :
- ولكنك كما قلتِ مات !!
فماذا تطلبين من ميتٍ أو ترجين منه يا خالتي ؟!!!

شعرتُ بأنها تأخذ نفساً عميقاً .. ضمّتْ يديها وقالت بتعجرف :
- ولكن روحه تخرج إلينا .. وتساعدنا وتجيب ملهوفنا ..
ولذلك نطلب منه ومن غيره من أولياء الله ما نريد !
- تطلبون منه ما تريدون ؟!! مثل ماذا ؟
- مثل .. مثل .. الرزق .. الأولاد .. الزواج .. النجاح .. الشفاء من الأمراض والأوجاع ...
حبسْتُ أنفاسي في مكانٍ ما حول قلبي الذي كان يطرق بقوةٍ وعنفٍ ..

هناك صوتٌ صغيرٌ بداخلي قد يئس منهم يهتف بي بقوة بأن هذه حقائق زائفة ..
ولا يهمني سماعها ..
ألا يجب أن تكون أكثر عقلانيةً في مثل هذه السّنّ ؟
قلتُ بقلق :
- خالتي الحبيبة .. فكري معي قليلاً .. أرجوكِ ..
حسناً لنتبادل وجهات النظر ونؤيد أصحها ..
ألا ترين معي أن سؤال الميت أو الغائب يُعدُّ مُنكراً لنفوسنا ؟
لا نرتضيه لأنفسنا !!
ثم إنه لم يأمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
ولا فعله أحدٌ من الصحابة أو التابعين .. فكيف نفعله نحن ؟

قاطعتني بجديةٍ وهي تؤمن بكلمة تقولها :
- أوووه ... ماذا تقولين ؟ ما هذا الهراء ؟
إننا قد تعوّدنا أن نستغيث بهم إذا نزلتْ بنا تِرةٌ أو عرضتْ لنا حاجة !
إني أقول لميت من الأولياء ( يا سيّدي فلان بن فلان )
أنا في حسبك أو أقضِ لنا حاجتنا .. وسُرعان ما يقضيها ..
تجهّم وجهي على الفور ..

فقلتُ بغيظٍ كظيم :
- ولكنّ أحداً من الصحابة لم يستغثْ بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ( وهو نبي ) !!
ولا بأحدٍ من الأنبياء أو بغيرهم .. والاستغاثة بغير الله عزّ وجلَّ مُحرّمة ..
فقدتْ أعصابها عند سماع كلماتي ..
فلم تجدْ بداً من الإدلاء بدليلٍ تحاول به تشويه الواقع :
- لن أقتنع .. هلاّ علمتني بأن أحد أئمة الصوفية العظماء كان قد دعا الله ستّ سنوات أن يرزقه الولد .. فلم يُرزق !!
فذهب إلى وليّ صالحٍ .. فما إن استغاث به وطلب منه الولد حتى رُزق بطفلين توأمين !!!!

حملقْتُ فيها بعينيّ .. شعرتُ بأنّ لمعاتِ البرق تكادُ أن تمزق السماء !
شحب وجهي .. لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم ..
هل بعد هذا الشرك من شرك ؟!
وبحركةٍ لا شعورية .. تابعتْ قولها وهي ترتعد غضباً مني ..
وأنفاسها تتمزق ..
_- ألا تصدقين ؟! حسناً .. بجاه فلان بن فلان .. وبحق النبي .. أن هذا ما حدث له !!
ولكن ما أدراكِ أنت ؟!!
إنّ تربيتك الدينية كانت غيرسليمة .. أعانك الله عليها يا بُنيتيّ !!!

امتقع وجهي فأصبح كالغمام .. طالتْ فترةُ الصمت .. وساد صمتٌ آخر ..
إنها تحلف !! بمَن ؟ أيضاً بغير الله !!
- خالتي .. خالتي نحن نتجاذب أطراف الحديث !!
يجب أن تُقنع إحدانا الأُخرى !
كيف.. كيف تدعين وتستغيثين بغير الله ؟!
خالتي إنك تفتقرين إلى غير الله ..
ألا تعلمين أن في ذلك إذلال للنفس وظلم لها ؟
ثم .. ثم .. إنك تحلفين أيضاً بغير الله ...
خالتي ..

رفعتْ حاجبها باستغراب بسرعة ..
ترددتْ قليلاً قبل أن تجيب :
- كوني على ثقة ويقين بأنك عندما تطلبين اليمين بالله منّا نحن الصوفيّون فإننا نعطيك ما تريدين صدقاً أو كذباً ..
بينما .. عندما تطلبين منّا اليمين بالشيخ أو الوليّ أو صاحب القبر فإننا نصدق معك ولا نجرؤ على الكذب أبداً ..
وذلك لعظمتهم و جلالة قدرهم ... !!!!!

تملكتني موجةٌ من الغضب والانفعال اللاإرادي ..
فهتفتُ وأنا أقفُ وأجمع حاجياتي رغبةً في الهروب منها ..
- ولكن هذا لا يجوز !! حرامٌ أن تسألي بمخلوقٍ يا خالتي !!
عودي إلى رشدك يا خالتي ..
افهميني أرجوك !
ألم تستمعي قوله تعالى : ( ادعوني أستجب لكم ) ؟
ألم تستمعي إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
" من حلف بغير الله فقد أشرك " ؟!!

لمْ تردّ .. لم تتحدثْ !!
فضّلتُ السكوت للحظات .. لقد بلغ الصمتُ حداً يثير الأعصاب !!
لا طيور تزقزق ! ولا أوراق تهتز مع نسيم الريح الخفيف ..
حتى صوت البحر بدا مكتوماً !!
قلتُ لها قبل أن أفترق عنها بلطفٍ ورجاء :
- خالتي .. لقد شاهدتِ قبل قليل ولادةً لنهارٍ جديد ..
وأعتقد أنه باستطاعة المرء أن يُولد مرةً أخرى ..
إذا فتح صفحةً جديدةً .. ناسياً كل الأمور والأحداث الماضية !!
خفّفْتُ لهجتي الهادئة من اضطرابها وغضبها ..
فنقلتْ نظرها إلى البحر .. خلفي .. واعتقدتُ أنها تتأمله !!!

قالت بدون أن تنظر إلي .. وقد ركّزتْ نظرها خلفي :
- إنها فكرةٌ جيدة لم تخطر ببالي يوماً !!
ولكن .. لا تظني بأنها ممكنة !!
شعرتُ بخيبة أملٍ عنيفة .. تنهّدتُ بأسى من الأعماق ..
وبحركةٍ لا شعورية ..
التفتُّ إلى الوراء .. خلفي ..
حيث كانت نظراتها مُسلّطة .. وإذا بي أجده ورائي ..
وقد بدتْ عليه إمارات الغضب الشديد !!!!!

نعم ( لقد كانت والدته تنظر إليه هو ولم تكن تتأمل البحر )!!
اكتفيت بالنظر إليه وقد اتسعتْ عيناي تعجباً وتحجّر قلبي تخوّفاً ..
فلم أجد الكلمات المناسبة للدفاع ...!!
فضّلتُ الصمت !
منذ متى وهو يقف خلفي ؟!
شعرتُ بالوهن الشديد أمام نظراته التي كانت تنمّ عن حقدٍ دفينٍ وقهرٍ شديد !!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 12-09-2005 08:26 PM

العـــــودة المفاجئــــة من الرحـلــــة


وقف ساكناً وقد اختفت من وجهه كل آثار السرور السابقة ..
تقارب حاجباه وهو يتقدم نحوي غاضباً ..
لقد سمع الحديث بأكمله !!
أما الآن .. فأنا في نظره أستحق القتل والصلب والسحق !!
رفع يده بقوةٍ وهوى بها على وجهي بقوةٍ أشدّ ..
فقدتُ القدرة على الصمود والتحمل أمام غضبه الجامح !!
استجمعتُ كل قواي لأتمكن من الثبات واقفةً على الأرض .. فأخفقتُ !! وقعتُ أرضاً ..
جثوتُ على ركبتيّ أستجمع ما بقي من قوتي ... ثم أجهشتُ ببكاءٍ مرير يتبعه أنين مؤلم ..
لاقيتُ صعوبةً قاتلةً في إدراك ما يدور حولي من شدة الألم ..
انسحب بدون أن ينطق بكلمةٍ واحدةٍ .. الجميع ينظر إليّ !!
هل تجسّد نظراتهم الشفقة أم التشفّي؟
أم تُراها تصوّر انتصاراً لمذهبهم ودحراً لسنّيتيّ ؟!!!

أمر الجميع بجمع الأمتعة وأعلن لهم عن قطع رحلتهم الممتعة والإسراع الفوري بالاستعداد للعودة !..
فأطاعوه !! عاد إليّ مرةً أخرى .. أمرني بالوقوف .. فشلتُ .. ثم وقفتُ أترنح !!
أمسك بيدي بكل قوته وشدّني نحو إحدى الغرف القريبة من البحر ..
حبس الجميع أنفاسهم .. وسرتْ قشعريرةٌ مريرةٌ في جسدي !
اعتراني توترٌ يحمل تحذيراً خافتاً..
كنتُ أعلم أنه يجب عليّ أن أمتثل له .. ولكني لم أشأ ذلك !!!
أمرني بالجلوس .. فجلستُ فوق إحدى المقاعد .. وضعتُ يديّ على ركبتيّ كطفلةٍ دون أن أنبس بكلمة !
فأخذ هو يذرع الغرفة ذهاباً وإياباً ..

لقد ثار عليّ وتصرف معي تصرفاً مجرداً من الإنسانية والرحمة !!
ولكني واثقة من أن ذلك لن يغيّر شيئاً من موقفي !
فخططهم واضحة .. ومفهومة ..
إنهم يحاولون بكل الطرق معاقبتي على تمسكي بسنّيتي !
لم يجرؤ على الحديث معي مع أنه احترق لمعرفة ما يجول في ذهني من أفكار تجاهه !
نظر إليّ بقلقٍ عندما طال صمتي .. وبنوعٍ من الارتباك صرخ قائلاً وأنا أرتجف من حدّة صوته :
- والله لأعملنّ على تغيير هذه الأفكار الضالة التافهة !! وأردّك إلى صوابك !!
ضبطْتُ نفسي وقلتُ بشكلٍ حازمٍ دون أن أنظر إليه :
- ولكنها ليست بالأفكار التافهة .. وأنت تعلم ذلك جيداً .. إنها الحقائق التي لا يريد أحدٌ سماعها ..

هزّني بعنفٍ قائلاً :
- أولاً من الأدب أن تنظري إليّ عندما أوجّه إليكِ الحديث !!
ثانياً : أيّ حقائق هذه التي تتشدقين بها ؟
هل تقصدين حقائق العته والضلال ؟ حقائق الجنون ؟
أرجوك .. كفى .. إلى متى سنظل مختلفين في هذه الأمور ؟!!!
أرجوكِ هلاّ أسديتي إليّ معروفاً ؟ هلاّ .....
قاطعته بحزنٍ وتوسل وقد أصابني ما أصابني من الهذيان واليأس :
- بل أرجوك أنت أنْ تسدي إليّ معروفاً .. أرجوك .. ابق بعيداً عني أنت وأهلك !
نحن لا نتفق إطلاقاً اتركني .. وما دمنا نختلف دوماً كما تقول ..
فلماذا لا تتركني أذهب من حيث أتيت ؟!
لماذا تحتفظ بحطامي ؟! لماذا ونحن متناقضان في كل شيء ؟!
لماذا ؟ لا أريد البقاء معك أرجوك .. لقد تعبت ... تعبت .. تعبت ..
ثم وضعتُ رأسي بين يديّ ... أجمع دمعاتي الملتهبة ..
رباه .. رباه .. لم أعد أستطيع أن أقاوم ..
أريد الخلاص .. أصابني اليأس والهلاك يا الله ..
ارحمني يا رب..

سيطر عليه الارتباك فقال:
- إنكِ .. إنكِ تحاولين اختلاق الأعذار من أجل تبرير تصرفاتك ..
لا داعي لتحميلي مسئولية تهورك وعنادك الآن .. أنا لا أسيء إليك ولا أريد إيذاءك .. أنت السبب ...
إنك لا تؤمنين مطلقاً بما أقوله لك ولا تصدقين ؟! أخاف أن تكوني من الهالكين ؟!!!
أغمضتُ عينيّ ..
تذكرتُ قول الله تعالى : ( مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار . تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار . لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار . فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد )
خاطبتُ نفسي وأنا أراهم يتهامسون .. ستظلّون يا ضحايا الصوفيّة عُمْي البصائر والقلوب ..
مختوماً على سمعكم فلا تسمعون من أحدٍ كلمة حقٍ تجادلُ باطلاً صوفيّاً !!!

عُدنا إلى المنزل المشؤوم .. جلستُ على الأريكة .. أفكر في حياتي .. في مصيري .. يا رب ..
إنّ مع العُسر يسرا.. وقفتُ أتهاوى .. مشيتُ بخطىً وئيدة نحو المرآة ..
نظرتُ إلى نفسي فيها .. لا أكاد أصدق عينيّ !! لقد طرأ تغيير كبير عليّ !! ارتميتُ على الفراش ..
أخذتْ أنفاسي تنتظم .. ومشاعري تهدأ .. وقلبي يسكن ...


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 12-09-2005 08:36 PM

مراســـم المــــولد النبــــوي الشريــــف


طُرق الباب ..!
استدرتُ نحوه بعينين أثقلهما النوم .. قلتُ بإعياء :
- مَنْ الطارق ؟!
سمعتُ صوت أخت الزوج تستأذن بالدخول .. نظرتُ إلى الحائط ..
الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً ..
ساعتان مضتا منذ أن عُدنا من البحر .. حلّقتْ أفكاري حول ما حدث اليوم ..
طُرق البابُ مرةً أخرى .. أوه تذكرت !!
وثبتُ واقفةً وأدرتُ مفتاح الباب وقلتُ لها بإرهاق :
- تفضلي .. عذراً كنتُ نائمة..
قالت بصوتٍ ينم عن بهجتها الخفية :
- هل .. هل ستذهبين معنا اليوم ؟!!
ترددتُ برهةً ثم ابتسمتُ وأنا أسألها بفضول :
- إلى أين ؟ هل سنتنزه قليلاً مثلاً ؟ أشعر بالضجر !
قالت بمكر :
- لا أعلم .. لا أعلم .. ألم يخبرك زوجك عن ذهابنا اليوم ؟

أحسستُ بانقباض في صدري لا أعرف له سبباً :
- لا يا عزيزتي .. حتى الآن لم يخبرني أحدٌ إلى أين سنذهب ! ألا تعلمين !!!
بعد تردد أجابت :
- لا أعلم .. أقصد .. حسناً أراكِ فيما بعد .. سوف .. حسناً أعتقد أن والدتي تناديني .. بالإذن ..!!!
ما بها؟ لِمَ هي مرتبكة ؟ لا يهم أشعر برغبةٍ في الاستلقاء وأخذ قسطٍ من الراحة بعد القراءة ..
قرأت قليلا .. ثم أعدت وضع كتبي في الدرج الخاص بي .. وفيما أنا أفعل .. دخل الزوج :
- ماذا تفعلين ؟! ألم تنامي بعد ؟!
- سأفعل .. فضلتُ قراءة بعض الكتب .. سآخذ قسطا من الراحة الآن ..
-قراءة بعض الكتب ؟! أي كتبٍ تقصدين ؟!!
نهض من مكانه وشعرتُ بأنه يفضل الإطلاع على الكتب بنفسه .. لم أمانع .. من حقه أن يراها !

فتح الدرج .. أخرج الكتب .. امتقع وجهه وهو يقرأ العناوين بصوتٍ خافت :
الكلم الطيب لابن تيمية ، الأذكار للنووي ، جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم ..
الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عيّاض .. فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ...
رسالة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في حكم الاحتفال بالمولد ....
صاح بي قائلا وصدره يتأجج غضبا :
- من أين جاءت هذه الكتب ؟!!
- جئتُ بها من منزل عائلتي .. ما بك ؟!!!
اعترض على وجودها معي بإصرار:
- كان يجدر بك استشارتي في قراءة هذه الكتب السخيفة !!!
ألقى نظرةً إلى الكتب مرةً أخرى وأضاف حانقا وهو يُلقي بها أرضا :
- كان بإمكاني أن أختار لك الكتب التي يجب عليك قراءتها والتدبر فيها ..!!

إنه يتضايق كثيرا عندما أبدي اهتماما بالغا بالكتب والمطالعة !!!!
كرر حديثه مرةً أخرى وقال بإصرار:
لا أريد أن أرى هذه الكتب في الحجرة ولا في البيت بأكمله !
أنا سآتي لك بالكتب التي أرغب في قراءتك لها !
ابتسمتُ لهذه الفكرة وأجبت :
- ولكن لا أظن بأننا نفضل نوعية الكتب نفسها .. أليس كذلك ؟!
لم يجد أي تعليق يضيفه على كلامي سوى :
- لن تقرأي هذه الكتب مرة أخرى .. هذا أمر .. لا أريد تكرار الكلام .. تخلصي منها بأسرع وقت ..
فهذه الكتب هي التي تغسل أفكارك .. وتحجر معتقداتك !!!
آه .. لا مجال للمناقشة .. لا أريد الدخول في حلقة مفرغةٍ جديدة .. لن أنازعه ..
قلتُ باستسلام :
- حسنا .. لك ما تريد .. سأحرقها إن أردت !!!
رأيتُ وميضا راقصا في عينيه !!
استيقظتُ على صوت آذان العصر .. ما زالت الكتب في مكانها !!
أخذتها بسرعة .. خبأتها تحت السرير .. في مكان لن يراها فيه !

أيقظته .. قام كالملدوغ وهو ينظر إلى الساعة !! ما باله؟!
هل خاف أن تفوته صلاة العصر في المسجد ؟!
مستحيل !!! لم أسأله ...
قال لي وعيناه ما تزالان مغمضتين :
- هيا بسرعة .. استعدي سنذهب بعد نصف ساعة .. لا تعتذري عن الذهاب .. لا أريد اعتراضات !
بسرعة سأذهب إلى أمي لأستحثها على الاستعداد بسرعة .. أمامك متسع من الوقت ..
تزيني بأفضل أفضل الملابس !!!
ثم .. خرج ...
ماذا يقصد ؟ لم يخبرني أحدٌ بأن هناك وليمةً أو حفلة زفاف !!!
عاد ...
- هل أنت جاهزة ؟
`- تقريبا ! ولكن أريد أن أصلي العصر أولا .. انتظر ..
قال وكأنه قد تذكر شيئا مهما ...
- آه .. نسيتُ أن أصلي !! هيا سأصلي أمامك .. تراجعي إلى الخلف ..
قلتُ في نفسي : ( أين الصلاة في المسجد ؟ لماذا لا تلبي داعي الله إلى المسجد ... واحسرتاه !!!! )

التفت إليّ قبل أن يكبر وقال :
- هيا .. اجهري بنية الصلاة .. وبصوت مسموع .. كي أسمعك .. رددي خلفي .. نويتُ أن أصلي لله تعالى أربع ركعات لصلاة العصر إماما .. ثم سكتَ .. رفعت حاجبي استغرابا .. وذهلتُ ! التفت مرة أخرى إليّ وقال :
ما بالك ؟! ألم تستمعي إلى قولي ؟!
قلت مذهولة : بلى !! ولكن الجهر بالنية والتلفظ بها :
قاطعني بغضب :
- سنة !! وليس بدعة كما تعتقدين .. هيا رددي ما قلته .. ألا تسمعين ؟!
- ولكني نويتها في قلبي مثلما نويتُ الوضوء الذي قبلها وهذا يكفي !...
ضرب كفيه ببعضهما في نفاد صبر وقال :
- وماذا بعد ؟!! قلتُ لك تلفظي والآن أمامي .. أريد أن أسمع ..
تبا لكم من وهابيين .. كل مستقيمٍ تجعلونه أعوجا !! هيا انطقي بها ..
نطقتُ بها مكرهة ! فتظاهرتُ بالصلاة معه .. وقد كنت أصلي بمفردي ..
آهٍ .. لقد شككتُ حتى في صلاتي .. وهي ما أشعر فيها بالراحة والسعادة !!!
أنهينا الصلاة .. وعند التسليم لاحظتُ كفيه يتحركان يمنة ويسرة .. ما باله ؟
لماذا يحركها مع التسليمة ؟ أردتُ السؤال فامتنعتُ .. لا أريد المزيد من الجدل ..
تظاهرتُ بالتسليم معه حتى لا يقيم غضبه الدنيا .. فأنا لم أعد أحتمل .. كفاني ..

قلتُ :
-ألن تخبرني إلى مكان ذهابنا ؟
- ستعرفين فيما بعد .. لا نريد التأخر ..بقيتْ لنا عشر دقائق فقط.. أين ملابسي؟
-جاهزة .. ولكن أرجوك أخبرني .. إلى أين ؟ لا أعرف لماذا أنا غير مطمئنة ..!
تمالك نفسه وأراد الخروج فأوقفته:
-انتظر أرجوك .. أخبرني أولا .. إلى أين ؟! إلى أين ؟!
أجاب وهو يبتعد خارجا من الغرفة :
-سنذهب إلى مكان يقام فيه مولد نبوي .. هل اطمأننتِ ؟
أوقفته مرة أخرى .. نظرتُ إليه بتشكك ووجل:
-مولد نبوي ؟! ماذا تعني بذلك ؟!!
- لن أخبركِ سترين بنفسك .. ستسعدين بحضوره .. والآن هيا حتى أغلق الحجرة .. تقدمي ..

أغلق الحجرة .. هرول هابطا قبلي إلى الدور السفلي ..
فكرتُ في كلماته مليا .. ماذا يقصد ؟
هبطتُ السلالم ببطء شديد ! هل لهذه المناسبة ارتباط بمعتقدات الصوفية ؟!!
لماذا لا يريد إخباري ؟ هناك شيء ما أجهله !!
قابلتُ أمه في البهو .. إنها بكامل زينتها .. وكذلك أخته !!
نظراتها شاردة .. لا تريد أن تلتقي بنظراتي المرتابة !! لماذا ؟!
قالت الأم لابنتها بلطف وهي تتأملها :
- إنك جميلة يا ابنتي بهذا الثوب .. هل أخذتِ معك كل الكتب المطلوبة ؟
أجابت ابنتها وقد أشرق وجهها بابتسامة تنم عن فرحها بحضور هذه المناسبة :
- نعم يا أمي .. كل شيء جاهز .. كتاب دلائل الخيرات .. والبردة ..
وكتاب الغزالي .. ومجالس العرائس .. وكذلك أخذت معي .. الدفوف ..
والمزامير .. لا تخافي .. لم أنسَ شيئا أمي !!
قلت في نفسي:
- عجبا .. عمّ تتحدثان ؟! كتبهم الدينية مع دفوف ومزامير ؟! ما هذا التناقض ؟!!!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 12-09-2005 08:37 PM




تذكرتُ بسرعة ما تحتويه تلك الكتب من زيغٍ وضلال .. عرفتُ إذا أن ذهابنا لشيءٍ ما غير سوي !!!
لا أريد الذهاب ! ولكن ستقلب الدنيا إن رفضت !!
واجهتُه قبل خروجه من المنزل ، وقلت له متوسلة :
-أرجوك ... لا أريد الذهاب .. أرجوك .. اذهب أنت وعائلتك ..
سوف أنتظركم هاهنا ! أتركوني فأنا لن أستطيع الذهاب .. اذهبوا أنتم إلى أي مكانٍ ترغبون !
ابتسم ابتسامة ماكرةً تحمل ألوان الدهاء والخبث :
-ألا تريدين الذهاب معنا يا عزيزتي ؟!! حسنا ..
صدقته وقد امتلأ قلبي بالفرح .. أخيرا فهم ؟!!
أحسستُ بأني أطير في السماء من شدة الفرح والحبور ..
ولكن للأسف .. وُئدِتْ تلك الفرحة للتو فلم تعرف النور !!!
كز على أسنانه بقوة .. ونطقت عيناه بالوعيد الذي عهدته لهما ..
واحمر وجهه غضبا .. شعرت بحرارة أنفاسه الساخطة وهو يهمس بصوت يرعد:
- لن أطيل الصبر في السيارة !! بسرعة تقدمي قبل أن أفقد صبري معك!!!!!

آه.. لا مجال أيضاً للمراوغة.. اضطررتُ للذهاب.. كم رجوتهم بأن يتركوني.. لهم دينهم ولي ديني! لا فائدة!! ذهبتُ معهم..
دخلنا في حارة ضيقة مفتوحة الطرفين.. متعرجة.. طويلة.. مُضاءة.. ذات طابع خاص.. أهم ما فيها الهدوء والنظافة.
كنتُ مطرقةً متجهمةً بليدةً في السيارة.. ولكني أدركتُ أنني على وشك أن أفقد كل شيء!!
فاجأني صوت أمه تقول بابتهاج:
- هل أنتِ على ما يُرام؟!!
أومأت برأسي إيجاباً ولم أستطع الرد!
-سوف تبتهجين معنا الليلة ... أليس كذلك؟
أطرقتُ ساهمةً.. ولم أجب!!
فأمرني الزوج بأن أتحدث قائلاً وهو ينظر إليّ من خلال مرآة السيارة الأمامية:
-ألم تسمعي؟ ألست على ما يُرام؟! تكلمي!!
بلى.. بلى..على ما يرام.. على ما يرام...!!

اقترب من والدته وبدأ الهمس الذي عهدته كثيراً في حضرتي بينهما.. فطلبت من الله العون والمساندة ..
كان صوتي كسيراً عندما نطقتُ.. فانزويتُ أحتضن حقيبتي وأغمضتُ عينيّ.. كأنني غريبة مسافرةٌ وحدي..
بيد أني اليوم بدأتُ أفكر في النهاية.. ووجدتُ نفسي أهتف:
-النهاية.. النهاية.. تُرى ماذا ستكون؟!!!!
توقفت السيارة أمام منزل متواضع.. رأيت الناس يتزاحمون في الدخول إليه!
سترك يا الله ! ما الذي سَيفُاجئني هنا أيضاً؟!
خرج الجميع فاستبقاني! ماذا يريد الآن؟!
ألا يكفيه ما يفعله بي؟ ألا يكفيه ما مضى؟!!!
التفت نحوي... كان قلبي يدقّ بعنف..
أنا لستُ مطمئنة لما يجري حولي فقال بتشكك:
-أصلحي نيتك.. ولا تسخري من شيء.. هل ستفعلين؟!!
-نعم.. نعم.. سأفعل!

خرجت بسرعة.. أغلقتُ الباب بهدوء.. لم أنتظر المزيد من الحديث.. لقد سئمت.. تنهدت من الأعماق..
شعر الزوج كأن سهماً بارداً اخترق حناياه حين رآني أهبط من السيارة دون أن أنظر إليه ..
سمعتُه ينادي .. وينادي .. لم ألتفت إليه..
لم أوجه إليه كلمة واحدة .. إنه لا يستحق .. لا يستحق .. لا يستحق!!!
وجدت أمامي سلماً طويلاً .. صعدتُه بتكاسل .. الحماس .. التحدي .. لم يعد لهما مكان لدي!!
دخلتُ إلى دورة المياه ..
غسلت وجهي وكأنما أغسل أحزاني .. خرجتُ وقد نزعتُ عني حجابي ..
سألت إحدى العابرات بصوتٍ ضعيف:
-أين تجلس النسوة؟!
-هنا.. من هذا الباب .. ثم اصعدي بعد ذلك إلى سطح المنزل .. ففيه سيُقام المولد .. أسرعي قبل أن يبدأ!!
أمسكت دمعة كادت أن تفلت من عقالها ..
ثم قلت: شكراً لك .. شكراً .. كان السكون مخيماً جداً في الممر ..
أخيراً وجدت باب السطح .. ارتجفت يداي وارتعشت أناملي ..

أمسكتُ بمقبض الباب .. آه ..
كأني أسمع من الخارج ابتهالات النساء بصوت موحّد!! ترددت قليلاً ثم .. فتحت الباب ببطء ..
توجهت أنظارهنّ إليّ .. شدّ انتباهي ارتداء الجميع لحجاب الرأس ..
ثم الابتهالات التي كنّ يردّدنها خلف فتاةٍ حسناء ذات صوت جميل!! ماذا َيِِقُلنَ؟! دققْتُ النظر في الفتاة .. ثم في النساء .. وجدتُ مكاناً خالياً .. جلسْتُ ..
امتعضت النساء من وجودي!! ما بهنّ؟! أقبلت بعض النسوة مسرعات إليّ ..
أرى في نظراتهنّ استنكاراً لعمل ما عملته!!!
همست إحداهنّ في أذني والجميع يرتقْبنّ ردّة فعلي وكأنني لست من البشر:
-إذا سمحتي! يجب أن ترتدي حجابك على رأسك قبل الدخول؟!
-لماذا؟ هل سيدخل رجالٌ هنا مثلاً؟!
تبادلت النظرات اليائسة مع رفيقتها ثم قالت:
-بل لأنه مجلس ذكر! والملائكة تفرّ من المجلس الذي تكون فيه امرأة غير مرتديه لغطاء الرأس!
اتسعتْ حدقتاي فقلتُ بتعجب:
-وما شأن الذكر وقبوله بالحجاب؟! إن الله يذكر في أي حالٍ ووضعٍ ومكانٍ!
ولا يشترط فيه الحجاب حتى يُقبل!!
أجابت بنفاذ صبر:
-بل لن يستجيب الله دعائنا! ولن ينظر إلينا! والملائكة لن تحضر مجلسنا ولن ترضى عن هذا!!

اعتذرتُ عن وضعه .. فيئستا مني وذهبتا حانقتين .. وعادت النساء تحدّقن بي وتتهامسْن في وجودي ..
ولكني لم أعد أكترث .. لقد يئست من كل شيء .. فرضى الناس غاية لا تُدركَ ..
استمرت النسوة في الابتهالات .. فنظرتُ إليهن .. سمعتّهن يقُلن ألفاظاً غريبة:
-هو، هو، هو، الله، الله، حيّ .، حيّ .!!
ماذا يقصدْن؟ لا أفهم ماذا يفعلن!! لقد ؟أخذ الوجد منهنّ مأخذاً عظيماً، وبلغ التفاعل بينهن مبلغاً أعظم!!
تغير بعد ذلك المجرى .. فتناولت بعضهن الطار والدفّ والمزمار .. وأخذن ينشدْنَ المدائح والقصائد الشعرية!!
ما هذا التغير الُمفاجىء؟ وما هذا التناقض؟ مدائح نبوية ومزامير؟!!! ..
آه.. أحسستُ وكأنّ مطرقةً هوتْ على رأسي!
قلت للمرأة التي تجاورني بلهجة أسفٍ لمْ تخلُ من النقد:
-ما مناسبة هذا الاجتماع؟
قالت باستغراب:
-إنه ذكرى لمولد النبي الشريف!!!

سألتها بفضول:
-وهل هو خاص بوقت معين؟ فمولد النبي كان في شهر ربيع الأول في الثاني عشر منه! وهو لا يصادف اليوم!!!
-آه نعم .. ولكن لا يشترط ذلك! فهو يقام عند وجود أي مناسبة من موت أو حياة أو تجدد حال .. ِلمَ تسألين؟!
ألم تحضري مولداً من قبل؟! قلتُ بدون أن ألتفت إليها .. متجاهلةً سؤالها:
-وما مناسبة اليوم يا ترى ؟!!
-لقد انتقلوا إلى هذا المنزل منذ وقتٍ قريب .. وفرحاً بالمناسبة أقاموا اليوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف !!!
أحسستُ في هذه الوهلة بأني وحيدة .. فليس هناك عزلةٌ أشد من عزلة الرأي ،
ولا انفراد أقوى من انفراد العقيدة والدين .. نظرتُ إلى كفّي المعروقة .. مسحتُها ..
آهٍ لحزنك يا قلباه .. ما أتعسك !!!

أقبلتْ صاحبات المنزل وقدّمْنَ الطعام .. وقد دعَوْن إليه الأصدقاء والأقارب والقليل من الفقراء !!!
فأكلْن و تلذّدْن بالطعام .. أما أنا فقد اكتفيتُ بأكل القليل من الفاكهة ..
ما للوقت يمشي كئيباً .. بطيئاً ؟! زاد يقيني أن الذين حولي لا يشاركوني إحساسي بالاغتراب !!!
رفعتُ رأسي نحو الحائط .. وجدتُ صوراً لطالما رأيتُها في الكثير من المنازل ..
إنها صور أوليائهم !!! يتبركون بها !!!
لقد نصبوها في المنازل كلها وكأنها أوثانٌ تُعبد .. ما الفائدة منها يا تُرى ؟! هل يعتقدون فيها ؟
هل تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً ؟!! إنهم جاهلون !! غارقون في الوهم حتى الثمالة !!!

انتهت النساء من الطعام .. فجلسْنَ للاستماع للأشعار المنشودة والترنّم بالمدائح والشمائل المحمدية
ومعرفة النسب الشريف .. ولكن مهلاً ...
إنّ جُلّ المدائح والقصائد التي أسمعهنّ يتغنّين بها لا تخلو من ألفاظ شركية
إنهم يطرون الرسول الكريم كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ؟!
هل أخبرهم بذلك ؟!
ولكني لن آمن العقاب ! رباه ساعدني !!


وللقصة تتمة بإذن الله

maher 15-09-2005 03:22 AM

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خاتم النبيين
قصة جميلة أخي مقبل، جزاك الله خيرا على النقل

لكن لي تساؤل، هل الممارسات الصوفية المذكورة أعلاه صحيحة أم هي من خيال الكاتب؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!:angryfire :angryfire
في إنتظار البقية

مُقبل 16-09-2005 03:16 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الفاضل maher،إياكَ جزى الله خيراً وأشكرُ لكَ ثناؤك ومُتابعتك للموضوع،أما تساؤلك الذي أوردته فأُجيبك عنه بنعم!!،فالصوفيه فرقه منحرفه معروفٌ إنحرافها عن المنهج الصحيح،وتجد ذلك صريحاً في كُتبهم وعند مشائخ الطُرق لديهم،أما العوام فهم جهله يُقلدون بعض الأمور بغيرِ علم ظناً منهم أن بِدع الصوفيه وخرافاتها مما يزيد في تقربهم إلى الله،على كل حال فقصتنا هنا حقيقيه وسوف أورد مصدرها بعد الإنتهاء من نقلها،كما سأورد بعض المواقع التي تُبيّن إنحرافات الصوفيه وترد عليهم مع بعض الكتب المُعتبره لديهم،فتابعنا أخي الكريم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

مُقبل 16-09-2005 03:25 PM

حضـــــــــر .. حضــــــــر ..


وفجأة .. قامتْ النساءُ واستقبلْنَ القبلة عندما كانت الفتاة الحسناء تقرأ قصة المولد ..
حتى إذا بلغت : ( وولدتْهُ آمنة مختوناً ) !!
لقد قُمْنَ إجلالاً وتعظيماً لدقائق تخيلاً منهنّ وضع آمنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
نظرتُ إليهن .. إني خائفة .. مُرتبكة .. ماذا يحدث حولي .. ثم قالت النساء بأصواتٍ وجدانية :
- لقد حضر ، حضر ، حضر .. أمام القبلة .. !!
نظرتُ باستغراب وتخوف !! أين حجابي ؟!
انتظرنْ ! مَنْ هذا الذي حضر ؟!
أوقفنه .. أريد أن أرتدي حجابي .. ولكن .. أنا لا أرى شيئاً !!
مَنْ الذي حضر؟! هل .. هل يقصدون جنياً ؟ مَنْ يقصدون ؟
هل يريْنَ أشياء لا أراها ؟! يا إلهي !!!

ثم ... أُتيَ لهن بالمجامر وطيب البخور .. فتطيبت النساء !
ثم دُرْن بكؤوس الماء والعصير فشربْنَ منه بنهم !!
أقبلتْ إليّ بعض النسوة يركضْن وأخذْنني وقُلْنَ لي فرحات :
- هيا معنا .. بسرعة .. لا نريد أن يفوتكِ الموقف الشريف .. بسرعة .. لقد حضر حضر ...
رأيتُ الصفقة خاسرة وأحسستُ بثقل يمشي في صدري .. فقلتُ بحسرةٍ وأنا أرافقهنّ :
- مَنْ هو الذي حضر ؟! أهو رجلٌ آخر تُطالبْنني فيه بالكشف عن وجهي وتقبيله أيضاً ؟!
قُلْنَ لي وكأنني قد اعتنقتُ دين اليهود أو النصارى :
- إنه محمد صلى الله عليه وسلم !!!!!

صُعقْتُ ونظراتي المكذّبة والمصدّقة قد آلمتني كثيراً !
عُدتُ إلى مكاني بسرعة .. وعيونُ القوم ترمقني أنْ كيف أتركُ فرصة كهذه وأستهين بها !!
جئْنَ واللوم بادٍ على وجوههّنّ بعد أن انتهين من الابتهالات الجماعية و الدعوات والصراخ ..
وبعد أن ذهبتْ روح المصطفى إلى بارئها!!
- بالتأكيد أنتِ لا تحبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم !!
أنتِ لا تريدينه أن يشفع لك يوم القيامة !!
ستحدث لك نكباتٌ ومصائبُ لأنك استهنتِ بحضوره بيننا ولأنك رفضتِ مشاركتنا في زمن حضوره !!

يا إلهي !
هل ما يقلْنَهُ صحيح ؟!
هل هن صادقات ؟ يبدو التأثر على أوجه الكثيرات منهن!!!
تقدّمتْ إحداهنّ إليّ وقالتْ لي وكأنما تصبُّ سُمّاً زعافاً في عقلي :
- أيتها الحمقاء المعتوهة!! لقد كنتُ مثلك أو أشد منك!
وكنتُ أعتقد أن هذه خُزعبلات وتُرّهات !!!
ولكن بعد أن منّ الله عليّ شعرتُ بحلاوة الإيمان !
آه كم أنا سعيدة! وأتمنى لو أنني أقيم في كل يومٍ مولداً نبوياً في منزلي !!
جرّبي ولن تندمي! وستصبحين مثلنا وأشدّ!
وإنْ لم يُعجبْك الحال فامتنعي ولكنني متأكدةٌ من أنه سيعجبك !!

يا إلهي لم أعد أحتمل! أين الصواب وأين الخطأ؟! هل يُعقل أن يكون أهلي على خطأ ؟! هل يمكن؟!
وبدأت الشكوك تساورني! آه لقد أثّروا عليّ من كل اتجاه!
وحدي أنا ! بدأتْ أسلحتي تضعف شيئاً فشيئاً!!
رباه .. أرجوك .. أريد أن أعود لنقائي .. أفكاري النقية.. معتقداتي وعقيدتي الصافية ..!
سريرتي الطاهرة .. قلبي السليم .. هل يمكن ذلك ؟

مضى الوقتُ يتلكأ حتى أوشك الليلُ أن ينتصف!! وسيطر السكون بعدها على المكان ..
فلم أرَ وأنا مكاني إلا عيوناً قد أخذها اللوم عليّ !
فخشخشتْ الأوراق بتأثير نسمةٍ طريةٍ باردةٍ .. معلنةً عن وقت الرحيل من هذا المنزل ..!!
ركبْتُ في السيارة .. التقتْ نظراتي الحزينة التائهة ..
بنظرات الزوج المتلهفة لمعرفة ردّة فعلي على ما سمعتُ وما رأيت ..
أغمضتُ عينيّ .. شعرتُ بحاجتي لصدر أمي الحنون .. حتى البكاء ..
أصبح عسيرا عليّ .. رباه .. اللهم اكفنيهم بما شئت ..!

عُدْت إلى المنزل .. وقفتْ أفكاري وعاد إليها ركودها الأول ..
أحسستُ برغبةٍ جامحةٍ في الدخول إلى مخدعي ..
ولكنّ السكون المطلق الذي ران على المنزل لم يشجعني على سرعة الدخول ..
فأخذتُ أنظر إلى غير هدف! أنظر إلى أي شيء!!
وأنظر إلى كل شيء !
شعرتُ بتقدم خطى الليل .. فوقفتُ بتكاسل ..
وتحسستُ طريقي في الظلام حتى وصلتُ إلى فراشي ..
واندسستُ تحت اللحاف الخفيف .. أخذتُ نفساً عميقاً ..
وأنا أشعر بالوحدة ..
كان آخر ما تذكرتُه في هذه الليلة هو اليوم الكئيب الذي عاصرتُ فيه أحداثاً ثقيلة ..

في البحر.. في المنزل .. في المولد النبوي ..
بقيتْ نظراتي تائهة .. وأفكاري متلاطمة حتى بانتْ خيوط الصباح الأولى ..
ثم .. أسدلتُ أجفاني بثقلٍ شديدٍ .. فنمتُ وأنا أسمع أنيني يخترق فضاء الأحزان ..!!!


وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 16-09-2005 03:41 PM

رحلــــة مع العبـــد الصـــالـــح الخضــــر!!


عند الفجر .. دقّ جرس الساعة المنبهة إعلاناً لقرب الآذان ..
فتحتُ عينيّ المجهدتين .. أغلقتُ المنبّه .. استرخيتُ قليلاً .. ثم نهضت ..
سمعتُ صوتاً على نافذتي .. اقتربتُ بخوف .. آه .. كان المطر ينهمر على سقف المنزل !!
نقراتُه اللطيفة هي التي تطرق نافذي .. انشرحتُ كثيراً .. مرحباً بك أيها المطر ..
اقتربتُ من النافذة كثيراً .. أخذتُ أتأمل المنظر من ورائها..
ارتسمتْ على شفتيّ ابتسامةٌ عريضةٌ .. لقد أتى حتى يغسل همومي وآلامي ..
مرحى .. مرحى ..
تسلّلتُ ببطء نحو الضوء .. أشعلتُه .. أردتُ أن أوقظ الزوج للصلاة .. لم أجده !
لم يأتِ بعد !! هذا أفضل .. هذا أفضل !! ما أسعدني !!

توضأتُ .. صليتُ .. دعوتُ الله أن يُخرجني من هذا المكان ..
أن يُنير لي درب الخير .. لأتبعه ..
بكيتُ كثيراً ضارعة إلى الله تعالى ..
إن الأمطار التي تهطل ما هي إلى قطرةٌ من أدمعي التي تذرف من عينيّ الباكيتين ..
رحماك يا الله .. رحماك .. رحماك ..

عُدتُ مُجدّداً إلى النافذة .. كان المطر قد توقّف عندئذٍ عن الانهمار .. فتحتُها قليلاً ..
لم أعد أرى في الخارج إلى القطرات المتساقطة فوق السقف المنحدر لبناء المنزل..
أو من أغصان الشجر .. ابتسمتُ مجدّداً .. ما أجمل المنظر .. !
ثم .. أغلقتُ النافذة ببطء .. واستدرْتُ لأرفع سجّادتي .. فوجدته
صرخْتُ من شدة الخوف .. كتمتُ أنفاسي فجأة .. غمرتني موجةٌ حارقة
جعلتْ سعادتي تتحول إلى كآبة .. كان وجهه شاحباً .. يبدو عليه الإرهاق .. وثوبه مكمّشاً ..

فرك يديه وهو يجلس .. ثم قال :
- أرغب في الخروج اليوم إلى النزهة في هذا الجوّ الجميل .. أيقظتُ الجميع للاستعداد ..
هيا استعدي أنتِ أيضاً .. نظرتُ بإمعان إلى وجهه لأرى هل هو جادٌ أم هازل .. فسألتُه :
- حقاً ؟!! هل أنت جاد ؟ هل سنتنزهُ في هذا الجوّ الجميل ؟ حقاً ؟!!
اعتدل في جلسته وقال بصوتٍ هادئ :
- نعم .. سنتنزه .. ألا تريدين الخروج معنا ؟ هل تفضلين عدم الذهاب ؟!
صرخْتُ قائلةً في فرحٍ مفاجئٍ أدهشه كثيراً :
لا لا .. لا أريد البقاء .. سأذهب للنزهة .. كم أنا سعيدة .. أحب جوّ المطر .. هيا لنذهب .. هيا ..
- حسناً .. استعدي .. سأنتظركم في السيارة .. لا تتأخروا ..

وخرج .. شعرتُ بشيءٍ من النشوة تسري في عروقي ..
آه .. أخيراً سأخرج إلى الهواء الطلق .. بعيداً عن كل شيء .. ما أسعدني .. ما أسعدني ..
تناولت معطفي الواقي من المطر .. وكذلك معطفه .. أغلقتُ حجرتي ..
قفزتُ السلالم قفزاً وكأنني في واحةٍ غنّاء .. رفرف قلبي من فرط الفرح ..
منذ زمنٍ لم أخرج للطبيعة أحتضن جمالها ..
توقفّنا في مكانٍ رائع الجمال .. كانت الأرض مُوحلةً ومُشبّعةً بالماء ..
وأعواد القمح الممتلئة بعصارة الربيع قد خارتْ وتمددتْ على الأرض في أمواجٍ ممتدةٍ على مَدّ النظر!!
خرجتُ من السيارة .. فتحتُ عينيّ باتّساع .. تلفتُّ حولي بدهشة ..
أرسلتُ ضحكةً كانت مُقيّدة ومكبّلة .. أطلقتُ لها العنان ..
شعرتُ بأني غارقةٌ في محيط نظراتهم المتوهجة !

وفجأةً سمعتُ نفسي أقول له وأنا لا أكاد أشعر بأني بدأت الحديث:
- هل .. هل تسمح لي بالذهاب حول هذا المكان للتنزه .. لن أبتعد ..
قال بصوتٍ لا يخلو من حِدّة:
- ليس الآن .. اجلسي معنا .. لا تنفردي بنفسك .. نريد العودة باكراً ..
فاليوم هو ليلة الخامس عشر من شعبان!!
لم أكن أتوقع مثل هذه الإجابة ..
فأحنيتُ رأسي بأسف وقد اضطرم وجهي خجلاً وحزناً ..
ورُحْتُ أتأمل أطراف أصابعي وأحاول تمالك نفسي ..
ولكن ماذا يعني بليلة الخامس عشر من شعبان؟!!
تناولتُ الإفطار وحدي .. نظروا إليّ وقد أدهشهم ما طرأ عليّ من تغيير ..
لاحْظتُ دهشتهم بقلبٍ مُرتاب .. وأخذتُ أجمع بعض الأعواد من الأرض ..

تردّدت الأم برهة ثم قالت لي:
- يجب أن نعود مبكرين حتى نستعد للذهاب إلى المكان الذي سيتم فيه اجتماع الناس في هذه الليلة ..
كتمتُ أنفاسي .. هذه المرة الثانية التي يؤكّدون فيها أهمية هذه الليلة!!
يا إلهي .. ماذا سيُفاجئني اليوم أيضاً؟!..
أومأتُ برأسي إيجاباً.. ابتسمت بهدوء.
في تلك اللحظة.. اختلستُ النظر إلى الزوج ووالدته ..
راقبتُهما في مُحاولةٍ مني لفهم المعاني التي ينطوي عليها حديثهما.. ولكنني لم أستطع أن أفهم شيئاً !!
سوى أنهم جميعاً صائمون اليوم !! لماذا؟
قلتُ لهم بتوسّل ..
- هل أذهب الآن ؟!! لن أبتعد .. أرجوك ..
أزال عن كتفه بعض القش العالق به ثم قال:
- اذهبي .. ولكن ..
وفتح فمه ليقول شيئاً .. ولكني انصرفتُ بسرعة .. لم أنتظر .. ركضت .. ضحكت .. بكيت ..
اختلطت مشاعري .. رُحتُ أقفز في كل الأرجاء ..

نظرتُ إلى الأرض الجميلة .. لقد تجمع المطر فيها ..
ثم راح ينطلق في جداول صغيرة سريعة ويملأ كل منطقة منخفضة ..
حدّقْتُ في روعة السماء !
إنّ صفحة السماء تصفو من الغيوم التي تمزقت وتباعدتْ كتلُها تاركةً رُقعاً واسعةً من الصفحة الزرقاء المضيئة !
بعضها صافٍ تماماً وبعضها لا يزال محجوباً بغلائل من السحاب الرقيق !!!
أما الهواء فقد سكن على الأرض تماماً وشاعت فيه رائحة العشب المبلل والجذور العارية ..
لا أعرف كم من الوقت مضى .. ساعة .. ساعتان .. أكثر .. !!
لم أشعر .. أوه !! لقد ابتعدتُ كثيراً .. !!
أين أنا ؟! بدأتُ أشعر بالخوف .. إلى أيّ اتجاه أعود !!
رباه .. أين المكان .. ربّاه !!
أين معطفي ؟ أين أضعتُه؟! .. بدأت أبحث .. وأبحث .. آه .. قطرات المطر عاودت في النزول ..

يارب .. أوه .. معطفي هنا .. وجدته .. ارتديتُه لأتقي المطر .. ولكن أين المكان ؟ تناولتُ نظارتي ..
مسحتُ قطرات المطر عنها بمنديلي ثم أعدتها إلى عينيّ .. رُحتُ أنظر إلى الأرض الموحلة حتى أتجنب الخوض في إحدى الحفر المتناثرة حولي .. رفعتُ بصري إلى الأفق .. ازداد انهمار المطر ..
رفعتُ النظارة عن عينيَ ووضعتُها في جيبي ..
رأيتُ عن بُعدٍ رجلاً يقدم تجاهي .. أسدلتُ غطائي .. رحماك يا رب ..
إنه شيخٌ كبير .. يعمل على تنظيف المكان .. دبّ الرعب في أوصالي .. هل سيختطفني ؟!
الويل لي .. تقدّم إليّ وسألني وقد بدتْ على وجهه آثار الزمن على هيئة خطوط عميقة تحيط بوجهه :
- كيف جئت إلى هنا يا ابنتي ؟! المكان خطر .. هيا بسرعة الحقي بعائلتك ..

انحدرت دموعي من شدة الخوف :
- ولكني أضعتُ المكان .. الويل لي .. كيف أصل إليهم ؟ أرجوك ساعدني .. أرجوك ..
- هيا اتبعيني من هذا الطريق ..
جل اهتمامي كان مُنصباً على غضب الزوج وحنقه .. وعدتُه ألا أبتعد !! يا ويلتي ! يا ويلتي !!
وبعد أن قطعنا مسافةً من الطريق .. رفعتُ رأسي .. وإذا بالزوج يهرول قادماً إليّ !! يا ويلتي !!
وقف أمامي كصخرةٍ جامدة .. والشرر يتطاير من عينيه ..
فوجدتُ نفسي أقول بسرعة وكأني أشرح له موقفي الضعيف :
- أرجوك .. أنا .. أنا .. آسفة .. لم أقصد .. سرقني الوقت وأنا أتجول في هذا المكان ! ولكني ..
نظر برفقٍ إلى الشيخ الكبير .. مما أثار دهشتي .. لم يغضب منه .. أشار إليّ أن أتقدمه ..

ففعلتُ .. أقبلتُ على والدته وباقي الأسرة .. وجدتُهم حانقين .. غاضبين !! استدرْتُ لأرى الشيخ الكبير والزوج .. جاء الزوج إلى أهله .. تشاوروا .. تهامسوا .. أكرموا الشيخ إكراماً عظيماً !!!
أغدقوا عليه العطاء .. طلبوا منه الدعاء لهم .. ولي !! تسمّرْتُ في مكاني وأنا أرقبهم !!
ما بالهم لِمَ كل هذه الحفاوة ؟! من الجميع !!!
ذهب الشيخ الكبير في طريقه .. أخذ ينظف ما بقي من أقذار .. وابتعد شيئاً فشيئاً حتى اختفى ..
والجميع يرقبه .. تكاد قلوبهم أن تتبعه .. رأيتُ وجوههم في صورةٍ أخرى ..
اختفت أمارات القسوة والسخط .. نظروا إليّ في قلق .. خاطبتني الأم قائلةً في تودّد :
- هل تعلمين مَنْ يكون هذا ؟!!!
ارتعشْت .. نظرتُ بوجل .. فقلتُ بصوتٍ بالكاد سمعوه :
- مَنْ .. مَنْ يكون ؟!
قال الزوج وهو يضع ساقاً على الأخرى .. ويتنهّد بارتياح :
- إنه الخضر .. العبد الصالح الخضر .. الذي كان مع موسى .. بالتأكيد هو ! يا فلان بن فلان !!

أطبقْتُ شفتيّ فوراً .. انعقد لساني من فرط الاضطراب والارتباك :
- مَنْ ؟ مَنْ ؟ أي خضر ؟ العبد الصالح ؟!! كيف ؟! لابد أنك تمزح !!
الخضر ؟!!! لابد أنك ..
رفع يده وقاطعني :
- هذه الأمور ليست مجالاً للهزل والمزاح ! قلتُ لك أنه الخضر .. ألم تسمعي عنه ؟!!
ارتسم الجزعُ على وجهي فقلت:
- ولكن .. ثم نظرتُ إلى الجميع .. كُلّهم جادّون .. فأكملتْ :
- ولكن .. الخضر عليه السلام قد مات منذ زمنٍ بعيد .. هل تقصد أنه مازال حيّاً يُرزق ؟! لا ..
كانت أخته تتلوى في مقعدها .. لم تصبر فقالت :
- من غير الممكن ألا تكوني على علم بحياته !!! إنّ الخضر صاحب موسى عليه السلام حيٌ يُرزق للآن ..
ويطوف الدنيا كلها ويتشكل في صورٍ مختلفة ..
فقد يأتي في صورة سائلٍ مرة .. وفي صورة مريضٍ .. ينزل من جسده القيح والصديد ..
أو في شكل شيخٍ كبير كهذا الرجل مثلاً .. فبالتأكيد هذا هو الخضر قد زارنا ..!!

ارتعدت .. نظرتُ إلى وجوههم !! تخوفتُ .. تململتُ .. أردت أن أنطق .. لم يتركوا لي مجالاً ..
كانت الأم تراقب تعبيرات وجهي وترى أثر كلماتهم عليّ ..
فقالت بسرعة :
- عندما يأتي الخضر بهذه الأشكال ويزور الناس فيطردونه يكون هذا دليلاً على شقاوتهم و تعاستهم ..
أما إن رحّبوا به وعالجوه وأكرموه .. اختفى بدون أن يترك أثراً له .. وكان ذلك دليل سعادتهم !!!!
فاحذري من طرد أي رجلٍ بهذا الشكل أو تعنيفه .. احذري .. فربما كان هو الخضر جاء لزيارتك !
غصصتُ بريقي .. قلتُ متلعثمة من الصدمة :
- صدقوني .. لقد مات الخضر عليه السلام .. قبل إرساله الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم .. إنه لم يُخلّد !!

أرسل الزوج ضحكةً جافة ساخرة وهو يقول:
- الخضر هو الحارس في الأنهار والصحاري ويُعين كل مَنْ يضل عن الطريق إذا ناداه ...
- كيف يكون حارسا وهو ميتٌ شأنه في ذلك شأن الأموات ، لا يسمع نداء من ناداه ، ولا يجيب من دعاه ..
ولا يهدي من ضل عن الطريق إذا استهداه .. !!!
كشّر عن نابيه وقال :
- إذا لم يكن ذلك صحيحا .. فكيف اهتديتِ إلى مكاننا عن طريقه ؟!!
أيتها الحمقاء .. لقد زارك وهداكِ إلى طريقنا ومكاننا .. أفلا تعقلين ؟!
أفلا تتفكرين ؟! عجبا لك أيتها العنيدة !!!
- إنما هو رجلٌ قد سخره الله لي لأستدل طريقكم ليس إلا !! ولا يشترط أن .. تأفف ..

في تلك اللحظة تلاشى جو الألفة والمودة بيني وبينهم .. وخيمتْ مكانه سحب الشك والتربص !!
.. لم يعتقدون ذلك ؟!! هل اعتقادهم خاطئ حقا ؟! نعم .. نعم .. أنا متأكدة .. نعم ..
قطع صوت الزوج حبل أفكاري حين سمعته ينادي من السيارة :
- هيا .. لا نريد التأخر .. أمامنا ليلة حافلة .. فلنستعد للعودة .. المطر يتساقط بغزارة ..
ركبنا جميعا .. ابتسمتُ في قرارة نفسي .. ازداد إحساسي بالبهجة ..
كم كنتُ أهفو إلى مثل هذا اليوم الذي أقضيه بمفردي تماما ..
بلا خوفٍ من زوجي أو أهله .. وبلا أية هموم أو متاعب ..
ولكن .. هذه الليلة .. ماذا عساها تكون ؟! سترك ورحمتك يا رب ..



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 18-09-2005 10:38 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوه الأفاضل ممن يُتابع قصتنا هذه،أعتذر لكم عن مواصلتها لصعوبة إدراج الردود في الخيمه،وهذه المشكله التي تواجهني عند مشاركتي في الخيمه ليست بسبب خلل في جهازي أو نوعية إتصالي بالإنترنت،وكنت قد وضعت شكوى بهذا الخصوص في خيمة الشكاوي لعل الإخوان في الإداره أن يُعالجوا هذه المشكله المزعجه والتي تجعل المتصفح يتجمد تماماً ويُجمد جميع النوافذ المفتوحه معه،مما يُجبرني على إغلاق كل النوافذ وإعادة فتح المتصفح من جديد مما يُضيع الردود التي أكون قد شرعت في كتابتها ولم أُنهيها،لذا أرجو منكم إلتماس العذر لي،لكم كل الشكر.

والسلام عليكم ورحمة الله.

مُقبل 22-09-2005 03:30 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوه الأفاضل،أعتقد ولله الحمد أن تلك المشكله التقنيه قد تم حلها،حيث أنني لاحظت أن المشكله قد إختفت في إدراج الردود،وعليه سأُعاود إنزال حلقات القصه والتي أو شكت على الإنتهاء بإذن الله،لذا أتمنى لكم متابعه ممتعه،دمتم بخير.

والسلام عليكم ورحمة الله.

مُقبل 22-09-2005 03:43 PM

ليـــلة الخامــس عشــر من شعبـــان


وصلْــنا .. كم أشعر بالإرهاق .. أتمنى أن آخذ قسطاً من الراحة ..
أذّن المؤذِّن لصلاة العصر ..
إنها فرصة .. سأصلّي .. ثم أخلد للراحة قليلاً ..
صعدتُ أولى درجات السلّم ..
استوقفني الزوج بلهجةٍ عاتبة وجادة :
- توقفي .. لماذا لم تصومي معنا اليوم ؟
أم أنك تريدين مخالفتنا فقط !!!
استدرْتُ نحوه بعينين أثقلهما النعاس ..
ثم هززتُ كتفيّ ببراءة وقلت :
- أصوم ؟! اليوم ؟! وأيّ مخالفةٍ تلك التي تتحدث عنها ؟
تضايق من ردّي .. ولكني لم أفهم ما يرمي إليه !!
ما به !! لماذا يوبخني على عدم الصوم اليوم ؟!!!

ردّ قائلاً في غضبٍ مُفاجئٍ أدهشني :
- كُلّ مَنْ يُعظِّم ليلة النصف من شعبان فإنه يصوم في يوم الرابع عشر منه ..إلا أنتِ!!
ألا تشعرين بنوعٍ من المخالفة ؟!!!
قلتُ وقد فهمتُ غرضه الحقيقي :
- ولِمَ هذا اليوم بالذات عن بقية الأيام ؟ سأصوم غداً إن شاء الله .. أو ...
قال بعنف :
- لا أريد أن يعرف أحدٌ من الناس أنك لم تصومي اليوم هل فهمتي ؟!
ستذهبين معنا اليوم للإفطار وكأنك صائمة !
ولا تُفصحي لأحدٍ عن إفطارك مُطلقاً .. لا نريد أن يلوكنا الناس بألسنتهم ..
مفهوم !! لقد كثرت مُخالفاتك ؟ وكثرتْ امتناعاتك !
إلى متى ؟! إلى متى ؟! .. لقد ....

قلتُ له لمّا رأيتُ غضبه يزداد تأججاً بصوتٍ خافتٍ وهادئ :
- أرجوك .. كفى شجاراً .. أرجوك .. ماذا دهاك ؟!!
سأفعل ما تأمرني به .. لن يعرف إنسٌ أو جنٌ بإفطاري ..
ولكن أرجوك .. أريد أن أعيش بسلام .. لا تغضب ..
ولا تجرحني .. أكثر من ذلك .. كفى .. لك ما تريد ..
سأكون جاهزة خلال عشر دقائق .. ولكن أهدأ ..
واتركني أهدأ أنا أيضاً .. أتوسل إليك ..
- حسناً .. هيا اصعدي ..
تنهّدتُ بارتياح عندما لاحظْتُ أن البرود يشعُّ من صوته بعد العاصفة .. لقد اطمأننتُ أخيراً ..

عرفتُ كيف أسكبُ على غضبه الجامح ماءً بارداً .. أنا لستُ نادمةً على تهدئته !
لأن رجلاً كهذا كفيلٌ بأن يُخرجني عن طوري من فرط القلق والسأم ..
تناولتُ معطفي الذي سقط من يدي من دون وعيٍ مني .. صعدتُ السلّم قفزاً ..
آه .. كم أنا متعبة .. متعبة .. صليتُ العصر .. لم أجادل في ذهابي !
لن يسمح لي بالبقاء في المنزل ..
لا أريد أن أثير غضبه أو أن أتعب قلبي !
سأذهب .. سأذهب ..
أعدْتُ المشط وأدوات التجميل في حقيبتي .. ارتديت ملابسي ..
وحذائي .. لبستُ حجابي ..
ركبْنا معاً في السيارة وانسابت منحرفةً إلى طريقها القديم ..
وازداد وجه السماء تلبداً .. أطللتُ من النافذة ..
حيث رأيتُ الظلام قد بدأ ينشر أجنحته في صفحة السماء ..

دخلْـنا إلى مكان الاحتفال بليلة الخامس عشر من شعبان .. الجميع صائمات .. وصائمون !! ..
وهذه موائد قد أعدّتْ عند أكثر الناس تقوىً وإيماناً !!!!
اجتمعت النسوةُ حول الطعام .. أجلستْني والدةُ زوجي بجانبها ..
هل هذا الطعام من حلالٍ أم من حرام ؟!
مجموعةٌ من النساء مازالت تردّد ابتهالاتها و تسبيحاتها بشكل جماعيّ ..
ويقرأن القرآن أيضاً بصوتٍ واحدٍ .. لقد شحب وجهي كثيراً ..
تغيّرت حالي كثيراً ..
كثيرات يسألنني عن سبب هذا الشحوب وهذا الذبول ..
فتجيب والدة الزوج بسرعة :
- تعلمون أنها مازالت عروساً ..
إنها لم تبلغ الثلاثة أشهر من زواجها بعد ..
لذلك هي لا تأكل ولا تنامٌ جيداً ..
مازالت الحياة الزوجية جديدةً عليها .. نعم .. فقط ..
هذا هو السبب ..
انظر إليها بعينين زائغتين ..
أومئ للنساء بأن هذا هو السبب فقط .. فقط .. فقط !!!!

أذّن المؤذِّن لصلاة المغرب .. تناولتْ النساء إفطارهن .. تصنعتُ التذوق ..
أخاف أن يكون الطعام حراماً .. رباه .. أنا مُكرهة !
أخشى مكرهم .. ينظرون إليّ ..
إلى العروس التي ذبلتْ بعد زواجها .. كُلي .. ما بكِ ؟! .. فأصطنع الأكل وأشرب كميات الماء ..
هل هذا الماء يحوي شيئاً ما أيضأً ؟ رباه ما العمل ؟!
انتهينا .. تقدمَتْ إحدى النساء الصالحات !!!!!
تعظ وتذكّر بفضل هذا اليوم وبفضل صيامه وقيامه !!
وبفضل صلاته وذكره !!!
ثم .. أمرتْ النساء بفتح المصاحف على سورة يس ..
وبدأن جميعاً بصوتٍ واحدٍ بقراءتها .. حتى إذا انتهيْنَ منها ..
كرّرْنَ قراءتها مرةً ثانية فثالثة !!! واكتفيْنَ !!

ثم قالت المرأة بانفعال :
- والآن ادعين الله بأن يمحو آجالكُنّ السابقة ..
ويثبت الآجال الجديدة بعد قراءة يس ثلاث مراتٍ ..
ولتطمئنوا ..
فلن تموت إحداكُنّ هذه السنة ما دامت قرأت معنا سورة يس .. ثلاث مرات ..
والآن سوف يوزّع الله عليكم الأرزاق الجديدة .. والآجال الجديدة ..
ويمحو الآجال القديمة التي كتب الله فيها بموت امرأةٍ منكنّ في هذه السنة !!!!

رباه .. أستغفر الله العظيم .. وكيف يضمنَّ عدم موتهنّ في هذه السنة ؟! ..
رأيتُ الارتياح بادياً على وجوههنَ لقد وثقْنَ بعدم موتهنّ خلال العام ؟!!!
أيّ عقولٍ يملكن ؟!!!
أضافت تلك المرأة في قولها وهي تثبّت نظارتها السميكة على عينيها :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عليّ ، مَنْ صلّى مائة ركعةٍ ليلة النصف من شعبان يقرأ في ركعة بفاتحة الكتاب وقُلْ هو الله أحد عشر مراتٍ إلا قضى له كل حاجة .. " إلخ
تعالتْ صيحات النسوة :
- يا فلان بن فلان .. يا فلان بن فلان .. !!
آه .. بدأ الهزل وأوشك الجدُّ أن يختفي ! إنهن يستنجدن ويستغثن !! رباه .. أخرجني من بينهنّ يا رب !!

ثم أكملتْ المرأة في ابتسامة عريضة :
- كلنا نعلم .. أن هذه الليلة من أعظم الليالي المباركات وفضلها جدُّ عظيم ..
وسبب تفضيلها على باقي الليالي ..
هو أنها المقصودة في القرآن .. ( فيها يُفرق كل أمر حكيم ) .. في سورة الدخان ..
لذلك يُستحب في ليلة النصف من شعبان العبادة والذكر والقيام وقراءة القرآن وصيام يوم أربعة عشر منه .
صرخْتُ بالمرأة بدون وعيٍ مني ..
وقلتُ لها وقد خيّم السكون على الجالسات :
- مهلاً .. مهلاً .. هناك لَبْسٌ في الأمر ..
المقصود بهذه الآية هي ليلة القدر في رمضان ..
وليست ليلة النصف من شعبان !!

رأيتُ المرأة تطرف بعينيها و يضطرم وجهها وترتبك فجأةً ..
فلا تُحير جواباً .. نظرتُ إلى والدة الزوج ..
فشعرتُ كأن سهماً قاتلاً أرداها قتيلةً وقد اخترق صدرها حين رأتني أعارضُ أمرهم العظيم ..
بدأ الهمس .. نظرتْ المرأة إليّ بنظراتٍ مُحرقة .. ساخطة .. متحدية ..
ابتعدتْ النساء اللاتي بجانبي شيئاً فشيئاً !! هل كفرت ؟!!!
توقفتْ المرأة عن الحديث .. انعقد لسانها .. تفاجأتْ بوجودي فيما بينهم !!
وقفتُ وأنا أرى حقدهنّ ونظراتهن المغرضة ! وقلتُ بصوتٍ مسموع :
- استغفر الله العظيم .. !
ثم .. مضيتُ بسرعة نحو دورة المياه ..
كنتُ واثقةً بأني تركتُ تلك المرأة ومَنْ معها في حالة يُرثى لها من شدة الغيظ ..

ولكن يا ويلتي من ذاك الزوج الذي لا يفتأ ينهرني ويعتدي عليّ بالتجريح والضرب ..
بدأ الخوف يتشبّث بأجزائي .. وجدتُ حجرةً فارغة .. مكثتُ فيها .. وحدي ..
الكل .. يحقد عليّ ..
فكرْتُ ملياً .. ما الذي يجبرني على البقاء أكثر ؟!! سأرحل ..
ها أنا أشعر مرة أخرى بهذا السأم العميق الذي طالما أثقل عليّ بسبب هذه الحياة الرتيبة المخيفة معه .. ومعهم !!
لَشَدَّ ما تهفو نفسي إلى لونٍ آخر من الحياة .. حياةٌ يملأها الإيمان والصدق .. والراحة والطمأنينة ..
بذكر الله وبالصلاة .. على وجهها الصحيح .. ولكن .. كيف ؟! كيف ؟! كيف ؟!!!

سمعتُ النساء يُصلين المائة ركعة ! يا رب .. أخرجني من هنا برحمتك ..
اللهم ألهمني الصبر والسلوان .. تحسستُ وجهي بيدي .. آثار الشحوب قد ظهرت عليه ..
لقد ارتسمتْ عليّ سماتٌ تنمّ عن أني سأفقد شبابي قبل الأوان ..
هم السبب في تعاستي وذبولي .. اللهم خلصني منهم يا رحيم ..



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 22-09-2005 03:49 PM

عقـــــاب على الحــــق !


في حوالي التاسعة خرجنا من المنزل .. الأم حانقةٌ جداً .. لا تكلمني .. لا تنظر إليّ ..
لقد لاقت من النساء التوبيخ والتعنيف على تكذيبي لبدعتهم ..
أتى ابنها الأصغر ليستقلنا إلى المنزل .. الحمد لله ..
دخلتُ مباشرةً إلى المطبخ ..
أما الأم فقد قبعتْ بانتظار زوجي في الصالة .. هل ستخبره ؟!
بالتأكيد .. إنها تكاد أن تنفجر ..
ولكني لم أخطئ .. ليس من العيب قول الحق !!!

سمعتُ صوت الزوج وقد بدأ بالعلوّ ..
اختلستُ النظر إليه فوجدتُ أمه تصرخ وتشكو مني ثم .. بكت !
أرعَدَ صوتُ الزوج بالانفعال وهو يدخل إلى المطبخ ..!
- أين أنتِ ؟ أين أنت ؟!
صرختُ بخوفٍ وأوقعتُ كأس الماء في الأرض فتحطم ..
أمسك بشعري بقوة ولكمني لكمةً ثم أتبعها بلطمة ..
وهو يصرخ :
- أيتها الضالة .. إلى متى ؟!
لماذا تعيثين بيننا بالفساد ؟!
لماذا تحرجين أمي وتحرجيننا أمام الناس ؟
تباً لكِ .. لماذا تفعلين ذلك ؟! لن ينفعك الكفرة !
أغربي عن وجهي .. أغربي ..

بدأ الانهيار على تصرفاتي .. صحتُ من أعماق قلبي ..
تلوّيت من شدة الألم :
- أرجوك .. كفى .. أرجوك .. إنك تؤلمني ..
آه .. اتركني .. أتوسل إليك .. ارحمني ..
وقفلْتُ عائدةً إلى حجرتي .. كي ألوذ بها من غضبهم ..
فاستوقفني عند باب المطبخ صارخاً :
- قفي أيتها المتمردة .. قفي .. لا تتحركي ..
وقفتُ مفتوحة الفم والدماء تسيلُ على وجهي ..
وصدرتْ عني أصواتُ أنينٍ وعويلٍ خافتة .. ضعيفة ..
وأنا أتراجع بفزعٍ وخوفٍ من أنْ يزداد ضربه ..
كانتْ علامات القسوة والسخط والتحدي واضحةً عليه :
- اذهبي الآن واعتذري للجميع على ما سببته لهم من مضايقاتٍ و إحراجات ..
هيا .. والويل لكِ إن وُجهتْ لي شكوى بسببك .. الويل لك ..

ركضتُ إلى والدته ووقعتُ أرضا لتعثري بالسجادة .. نهضتُ ..
اختلطتْ أدمعي مع دمي مسحتها بيدي ..
استعدتُ أنفاسي الممزقة وأنا أقول :
- أعتذر لكم جميعا .. أعتذر .. أعتذر .. أرجوكم ..
أريد الذهاب إلى أبي وأمي .. أريد الذهاب ..
خالتي .. أرجوكِ .. أقنعيه بذلك ..
أنا لا أصلح للعيش هنا .. أرجوكِ .. خذوا كل ما تريدون ..
لا أستطيع الاستمرار .. فقط اتركوني أرحل ..
ثم توجهتُ إليه باكية :
- أرجوك .. ارحمني .. لا أستطيع العيش هنا .. أتوسل إليك ..

ترددتْ أنفاسه بصوت مسموع ..
ونظر إليّ بعينين ناريتين وقال :
- لن تذهبي .. لن تذهبي .. ستبقين معي إلى آخر حياتي ..
هل تفهمين .. لن أدعك تذهبين ...
أحسستُ بخيبة أملٍ شديدة .. فتح باب المنزل ..
وأغلقه بقوة .. تحطمتْ مشاعري .. توجهتُ نحو غرفتي ..
مؤنستي .. الصدر الحنون ..
جفت الدماء التي كانت تسيل على وجهي ..
غسلتُ ما علق به من الدم والدمع ..
توضأتُ .. توجهتُ إلى الله .. بأن الظلم قد بلغ حدا عظيما ..
فلا مجال ..
اللهم قد تسلط عليّ من لا يخافك فيّ ولا يرحمني ..
وأنا أدعو الله من أعماقي دعوة مظلوم .. حتى جن الليل ..
فتوسدتُ سجادتي ونمت مكاني .. نوما عميقا .. عميقا ..



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 23-09-2005 08:44 PM

السفـــــر المفاجـــــئ لزيــــــارة القبـــــور!!


مرّت ثلاث ساعات على نومي في الأرض .. تحركتُ قليلاً .. آلمتني أضلعي ..
تنفّستُ الصعداء بعد أن صافح وجهي نسيم الليل المنعش النديّ ..
وصافحتني معه الكثير من الأفكار ..
نظرتُ إلى ساعة يدي بصعوبة .. بسبب الظلام .. إنها الثالثة ليلاً ..
ولكن .. ما مصدر هذا الهواء المنعش ؟
التفتُّ إلى النافذة ..
وإذا بالزوج قد فتحها على مصراعيها وأخرج رأسه ونصف جسده منها !!
يتأمل .. يتنشقُ الهواء الندي .. اعتدلتُ جالسة ..
شعرتُ بألم في وجهي وكتفيّ .. تذكرتُ ما حدث بسرعة ..
لم ينتبهْ ليقظتي ..

انتقلتْ نظراتي إلى حقيبة سفرٍ كبيرةٍ وُضِعتْ على الأريكة !!
هل هذه الحقيبة لي ؟
أوه كم أتمنى ذلك .. لم أتحدث ..
أغلقَ النافذة والتفتَ نحوي ..
ثم ابتعد بنظره ولم يتحدثْ هو أيضاً ..
شعرتُ به يأخذ نفساً عميقاً ..
توقفتْ أنفاسي وأنا أسأله بصوتٍ خافتٍ خائف :
- هل أنت .. جائع ؟! هل .. أحضر لك طعاماً ؟
نظر إليّ مطوّلاً .. وكأنما يُنقِّب في وجهي عن مكانٍ لم تَطَلْه ضرباته ..
فلم يجد !!

أخفض نظره إلى الحقيبة .. ولم يتحدث ..
قام ووضعها على طرف السرير وفتحها ..
إنها لا تزال جديدة .. أشعل الضوء ..
قلتُ بحذر ..
- أما .. أما زلتَ غاضباً ؟!
أيضاً لم يتحدث .. فتح خزانة الملابس ووقف أمامها طويلاً ..
فقلتُ بهدوء :
- أنا آسفة .. ولكن الأمر كان لا يحتمل أن تضربني ضرباً مُبرحاً ..
لقد آلمتني كثيراً ..
كنتُ أرتعدُ عندما تراجع إلى الخلف ونظر إلى غمام وجهي الممتقع الجريح وقد سترته الظلال ..
سكتُّ .. لا فائدة..

قال بدون أن ينظر إليّ :
- هل آلمتك ؟ كان ضرباً عنيفاً ..
ولكن أرجو ألا تثيري حفيظتي مرةً أخرى حتى لا أكرره فيما بعد !!
تشنج وجهي استعداداً للبكاء ..
ولكني لم أفعل .. قلتُ بكبرياء :
- شكراً لك ... وأتوقع منك المزيد .. هل أنت جائع ؟!
- لا أريد طعاماً .. أريد منك أن تجهّزي ملابسي وتضعيها في الحقيبة .. سأسافر ..
- ماذا ؟! ستسافر ؟! وأنا !! ماذا سأفعل ؟!

جلس على الأريكة ببطء وقال ببساطة :
- أنتِ ؟ ستبقين هنا لحين عودتي بالطبع !
لن أتأخر .. بضعة أيام فقط وأعود .. قاطعته برجاء ..
اصطحبني معك .. أريد رؤية أهلي .. أرجوك .. لا أريد البقاء هنا .. وحدي ..
قال وهو يضع ساقه على الأخرى ..
- هل جُننتِ ؟! أنا ذاهب بك إلى أهلك ؟!
قلت لكِ مراراً لن ترحلي من بيتي أبداً .. ستبقين معي إلى الأبد ..
ثم .. من قال أني ذاهبٌ إلى أهلك ؟!
أنا ذاهبٌ إلى مكانٍ آخر ..
ترددتُ برهةً ..

ثم قلتُ بمكر وأنا أشعر بألم في عضلاتِ وجهي المكلوم :
- حسناً .. ما رأيك في أن أذهب لزيارة أهلي خلال الأيام التي ستسافر فيها ..
ثم .. أعود .. ما رأيك؟!
أنا مشتاقةٌ إليهم كثيراً ..
هاه ما رأيك أرجوك وعندما ....
ابتسم لهذه الفكرة .. ثم قال :
- لا .. لا .. لا .. لا تفكّري في هذا الأمر مطلقاً ..
لن تذهبي .. لأنك لن تعودي إليّ .. أليس كذلك !!
إني أفهم ما ترمين إليه .. ولكن لن يحدث هذا أبداً أبداً أبداً ..
انعقد لساني .. لا فائدة .. إنه داهية ..

أجبتُ بهدوء واتزان مصطنعين :
- حسناً .. لك ذلك .. لن أسافر .. سأبقى هنا .. في انتظارك !!!!
ولكن إلى أين ستسافر ؟
وقف .. وذهب لينظر إلى نفسه في المرآة ثم قال:
- سأذهب لزيارة قبور الأولياء الصالحين وسأصطحب أمي معي ..
لقد أخذتُ معي شاةً حتى أذبحها بجوار القبر ..
وسنقيم عنده يوماً أو بعض يوم ..
وبعد ذلك سأنقل بعض اللحم إلى الأصدقاء والأقارب ..
وإليك بالطبع .. هدية .. فهل تذهبين معنا ؟!!

صرختُ بسرعة :
- لا .. لا ..
ثم أطبقْتُ شفتيّ !! إن شعر بأني لا أريد الذهاب فسيُرغمني ..
نظر إليّ بتوجّس .. فأسرعتُ باصطناع ابتسامةٍ باهتة وحاولتُ تغيير الموضوع ..
فقال :
- ولِمَ لا ؟! لِمَ لا تريدين الذهاب ؟!!
وجدتُ صعوبةً في الردّ من شدة الارتباك الذي سيطر عليّ ..
قلتُ وأنا أجلس وأبتسم :
- لا مانع لديّ من السفر مُطلقاً .. سأذهب ..
ولكن .. الطريقُ شاقةٌ .. وأنا لا أحتملها ..
وبالذات عندما يكون السفر بالسيارة .. لأنه ... لأنه ..

قاطعني بهدوء :
- لا لا لا ... يجب أن تذهبي معنا .. يجب أن تتعلمي ..
كيف غابت عنّي تلك الفكرة .. هذه الحقيبة تكفي لشخصين ..
قلتُ بلهفة :
- حسناً حسناً .. لا بأس .. ولكن ستكون رحلتكم مُتعبة ..
لأنني .. لأنني سأجعلكم تبطئون في السير ..
فكلما قلتُ لك .. لا أحتمل السفر براً .. ثم ..
رفع يده وقال :
- أوه .. لا لا .. إذاً لنترك سفرك معي لوقتٍ آخر ..
نحن عجلون هذه المرة .. فقط جهّزي ملابسي أنا ..

رفعتُ نظري إلى السماء .. تنفستُ الصعداء ..
الحمد لله .. أبديتُ اهتماماً بالغاً بسفره دون أن أعارضه ..
قلتُ باهتمام وأنا أرتِّب الحقيبة :
- وما القصد من هذه الرحلة ؟
أجاب بحماس كبير :
- ليس لها قصدٌ سوى التقرب إلى الله بزيارة قبور الصالحين والدعاء عندها والتبرّك بها والتوسل إلى الله بهم ..
إنّ من عاداتنا الذهاب إلى هذه القبور إذا أصيب أحدنا بجنون أو مرض شديد .. أو ..
كتمتُ أنفاسي فجأة .. وغمرتني موجة ضيقٍ مما أسمع ولكني صبرتُ ..
أن أسمع أهون من أن أفعل ..

سألتُه وأنا أغلق حقيبته بعد أن انتهيتُ منها :
- وهل يبرأ المريض من مرضه أو المجنون من جنونه بسبب هذه الزيارة ؟!!!
- أجل .. أجل .. يبرأون .. ويهتدون .. ويتماثلون للشفاء ..
سوف أدعو لكِ معي . . وأرجو أن يهديك الله !!!
تسمّرتُ في مكاني .. اللهم لا تُجبْ دعوته ..
قطعتُ حديثه فجأة وقلت باستغراب :
- وهل ستذهب أمك معك أيضاً ؟ أعني .. هل .. هل ستزور القبور؟!!
لم يكن يتوقع مثل هذا السؤال .. فقال بصوتٍ حاد :
- نعم ستذهب معي .. وستزور قبور الأولياء وتتبرّك بها .. فهل هناك ما تعارضينه ؟

أطرقتُ بعينيّ أرضاً .. وأخذتُ أعبث بالسجادة بأصابعي ..
ثم قلت :
- لا .. ولكن .. لا يجوز للنساء زيارة القبور .. فقد نهى عنها النبي صلى ......
قاطعني بصوتٍ كالفحيح وقد تألقتْ عيناه بوهجٍ مخيف :
- لا شأن لك مُطلقاً .. يبدو أن تأديب اليوم لمْ يُجْدِ معك ..
فهل أحاول تطبيقه مرةً أخرى ؟!!!
نهضتُ من مكاني مُرتبكة ..
ابتعدتُ عنه سريعاً ولم أعلم ما الذي أستطيع أن أفعله ..
فضّلتُ تركه وشأنه !

طُرِقَ الباب طرقاً خفيفاً .. توجهتُ لفتحه ..
فإذا بوالدته قد استعدّتْ للذهاب ..
- تفضّلي يا خالتي ..
- أين زوجك ؟ آه ابني .. هيا أنا جاهزة .. فلنذهب الآن ..
نظر إلى ساعته .. وابتسم لوالدته ..
حمل حقيبته واتجه نحو الباب .. خرجتْ أمه قبله ..
عاد بعد ثوانٍ وقال:
- لقد أنقذتكِ أمي من قبضتي فاحمدي الله ..
اقتربتُ من الباب .. وأغلقتُه بهدوء .. نظرتُ إلى المرآة بحزن ..
كان الضوء يُظهر الهالات السوداء والشاحبة التي أحاطت بعينيّ !!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 23-09-2005 08:51 PM

رنيــــــــن الهاتـــــــف


بعد ساعتين هبطتُ إلى الأسفل .. نظرْتُ إلى النافذة ..
كان المطر يسقط بغزارة ..
صنعتُ كوباً من الشاي الساخن ..
جلستُ بقربِ النافذة المُغلقَة في الطابق السفلي .. وحدي ..
انظر إلى المطر بذهنٍ شارد وأمامي كوب الشاي ..
وفي حِجْري صحنٌ صغيرٌ به قطعةٌ من كعكة جوز الهند ..
لقد اقترب موعد الآذان .. آذان الفجر ..

رَنَّ جرس الهاتف في الحجرة الثانية فما كان منّي إلا أن انتفضْتُ في مكاني .. تواصل رنينه ..
نظرتُ إلى الساعة .. إنها الرابعة والربع فجراً ..
قمتُ بارتجاف وأضأت النور بأصابع مُرتعشة ..
أين أخت زوجي ؟ لا بد أنها نائمة .. امتنعتُ عن الإجابة على الهاتف ..
أصرّ على الرنين .. فأهملته ..
بقي نصف ساعة على الأذان ..
صعدتُ السّلّم حتى وصلتُ إلى منتصفه .. وفجأة ..

طُرِقَ البابُ الخارجي للمنزل !!! أخذ قلبي ينبض بسرعة..
وأنفاسي تتسارع .. استدرْتُ على عقبيّ ..
ظهرتْ علاماتُ الخوف على وجهي .. عُدتُ أدراجي بهدوء أتلمس من الطارق !!
في هذا الوقت !! اقتربتُ من عين الباب الصغيرة ..
وإذا به أحد أقاربه !!!!!
دققتُ النظر فرأيتُه يسترقُ النظر إلى المنازل الأخرى المجاورة لئلا يراه أحدهم وهو يريد الدخول إليّ !!!!

قلتُ له بحزم من خلف الباب المُوصَد :
- نعم !! ماذا تريد ؟! ومَنْ تريد ؟!!
قال بلهفة وبصوتٍ يختلفُ عن الصوتِ الذي عهدتُه له :
- افتحي الباب .. بسرعة .. هيا افتحي الباب ..!!!
تراجعتُ خطوةً إلى الوراء !!
واشتدّتْ نبرةُ صوتي :
- ماذا تريد ؟ زوجي غير موجود الآن !! عُدْ في وقتٍ لاحق حين يعود !!
حاول أن يحافظ على هدوئه قائلاً:
- أعرف ذلك ! لذا أنا موجودٌ الآن ! أعلم أنه قد رحل منذ ساعتين ..
ولكن لِمْ تجيبي على الهاتف !! هيا افتحي الباب ..
لم يَعُدْ هناك مُتّسَعٌ من الوقت !!!!!!

صُدمْتُ ! صُعقْتُ !!! خِفْتُ أن أسيء الظن ولكن .. لا ..
لسان حاله ينطق عنه ذاك الوغد الخائن !!!!
شعرتُ بالكراهية العميقة نحوه ..
ونحو زوجي الذي جعلني عُرْضة لكل ما يصيبني !!
أوقعتُ كوب الشاي فتحطّم ! صرخت بأعلى صوتي وأنا أشعر بالغثيان :
- قلتُ لك زوجي غير موجود .. أغرب عن هذا المكان ..
اذهب الآن وفوراً .. لن أفتح لك الباب .. هيا اذهب .. اذهب ..
سمعتُه يوجّه الشتائم من فرط الخيبة !!!
ويحدّق بالباب ويحرّك مقبضه بكل قوته وكأنما سيكسره !!

صرخْتُ وأخذتُ أجري وأنا أقطع الممر الطويل !
كالمُصابة بالجنون !
توجهتُ نحو السلالم لا ألتفتُ خلفي خشية أن يكسر الباب فيدخل ..
طرقتُ حجرة أخت الزوج بعنف استيقظتْ مفجوعة مأخوذة !!
رأتني أغلق بابها بالمفتاح مرتين ..
أضع كل ما استطعْتُ حمله خلف الباب !!
ارتميتُ بين ذراعيها أنتحب ..
نهضتْ فتلقتني وأجلستني على السرير بجانبها وهي تقول مذعورة :
- ما بك ؟! ماذا حدث ؟! هل أنتِ بخير؟ هل أنتِ على ما يُرام ؟!

رفعتُ وجهي المبلل بالدموع وتمتمتُ قائلة :
- لا شيء .. لا شيء .. لا شيء !!
لن يصدقوني !! سيعبثون بعواطفي !!
فاضتْ عينايَ بالمزيد من الدمع ..
والمزيد من الحرقة .. فدعوتُ عليهم في ثنايا الليل ..
بألا يُسامَحَ هذا الزوج على ما أرادني إليه من شرور ..
وألا يُسامَحَ من يساعده في إيذائي ..
فكم ألمحتُ له ما أعاني من مضايقات أقاربه كلما التقيتُ بهم ..
فاتهمني بسوء النيّة !!!
وأنني أنا التي أغريهم بي عندما أتخفّى عنهم ..
يا إلهي ما أشدّ ظلمه لي !!!!! هذه هي النتيجة !!!!!
لم أعد آمن على نفسي منهم ! لم أعد أثق به أو بهم !

يا رب أنت ولييّ وناصري فانصرني عليهم بما ظلموني وبالغوا في إيلامي !!
ثم رفعتُ من سجودي .. وسلّمتُ .. واحتضنتُ يدي أحاول تهدئة نفسي .. بنفسي !!!
فكُلُّ عصبٍ في جسدي كان يدعوني لترك المكان !!!
مرّ النهار الجديد بسرعة ... تلتْه الأيام الباقية ..
وكلما جنَّ ليلٌ أو طُرِقَ البابُ شعرتُ بدنوّ أجلي ..
وخوفي على نفسي .. وعاد الخوفُ من الزوج يرافقني ..
سيعود .. سيعود .. وستعود معه كل الآلام وسيحطم كل الآمال !!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 26-09-2005 07:43 PM

العـــــودة من الروحــــــــانية !


اقتربتْ عودته .. هذا اليوم الثامن لغيابه ..
اشتقت لأهلي كثيراً .. أريد محادثتهم ..
ولكن !! لقد منعني من ذلك ..
وأمرني بعدم محاولة مهاتفتهم .. ليكن !
لن أحادثهم .. لقد وعدته !! مع أنه لا يستحق الوفاء ..
ولكن لن أغضب الله من أجله ..
لن أفعل .. مع أن الشوق يحرقني إليهم ..
صليتُ المغرب .. خرجتُ من حجرتي وأغلقتُ الباب بهدوء ..
ما هذا السأم ؟! أشعر به عميقاً في حناياي !!

سمعتُ أصواتاً في الطابق السفلي .. ارتعشت ! مَنْ هذا أيضاً ؟!
هل هو أحد أقاربه ؟! أين أختبئ ؟!
نظرتُ بحذرٍ وخوفٍ من أعلى السلّم لأتعرف على القادم ! أوه لا !!!
إنها والدة زوجي !! إذاً فقد عاد !! ارتجفتْ !
تجمدتْ أطرافي ! وتشوّش ذهني ! هل أعود إلى حجرتي ؟!
لم أتمكن من ذلك فقد لمحتني والدته عند السلّم وكذا أخته !
تصنعتُ المرح .. هبطتُ مُسرعة !
عانقتُ والدته وحمدتُ الله على عودتها سالمة ..
تحركتْ نظراتي تبحث عنه!! أين هو ؟

قالت أمه وهي تجلس :
- زوجك قادم .. إنه في الخارج ! سيأتي بالأمتعة من السيارة !
نظرتُ إلى ساعتي وابتسمتُ في محاولة لإخفاء خوفي واضطرابي ..
وفجأة .. سمعتُ صوتاً خلفي استدرتُ بوجل ..
ورأيتُه يُغلق الباب بعنف !! شعرتُ وكأن صوت إغلاق الباب يَصُمّ أذنيّ ..
ويتردّد صداهُ في عقلي ..
ليعيدني إلى الحاضر ويسدل ستائره على الراحة والحرّية ..
في الأيام الماضية !!
انتبهتُ إلى صوت أخته تقول :
- ما بالكِ ؟ هل أنتِ معنا ؟!!
- آسفة .. كنتُ .. كنتُ أفكر في .. هل قُلتِ شيئاً ؟!

تداركتُ الأمر سريعاً وقلتُ له :
- حمداً لله على سلامتكم .. كيف كانت الرحلة ..؟!
رمى بنفسه على الكرسيّ قائلاً بفرحٍ غامر :
- موفقة جداً جداً جداً .. أشعر بروحانية عالية وإيمانٍ متزايد منذُ أن ذهبت إلى ذلك المكان !!
بلعتُ ريقي بصعوبة وقلت:
- الحمد لله .. ثم جلستُ معهم .. نتبادل أطراف الحديث ..
وأجبرتُ نفسي على سماع تلك الرحلة الإيمانية !!!!!
نظرتْ أخته إليه وكانت تقاسيم وجهها تعبر عن السرور قائلة :
- أخي .. أين وضعتم أماناتكم وحاجياتكم أثناء الرحلة ؟

أغمض عينيه بسرور بالغ .. وابتسم ابتسامةً لم أرها من قبل :
- لقد وضعناها على قبور الصالحين ..
لأنهم يقومون بحراستها فلا تُسرق ولا تؤخذ ..
وكذلك من أجل الحفاظ عليها وإنزال البركة بها .
تمالكتُ نفسي وشعرتُ بالذهول من قوله .. يا إلهي !!
هل يعتقدون أنّ الموتى يقومون بحراسة ما يُوضع على قبورهم؟
إنه كفرٌ بواحٌ .. ماذا يقول ذلك المتطاول ؟
أجابته أخته وما زالت تحت تأثير سحر كلماته :
- هنيئاً لكم .. هنيئاً لكم .. يا ليتني كنتُ معكم !
- آهٍ يا ابنتي .. إنها أيامٌ جميلةٌ لا تُنسى ..
لقد طفنا حول القبر ثلاثَ مراتٍ بالسيارة حتى لا يلحق بنا أذى أو ضرر خلال رحلتنا ..
والحمد لله كان لنا ما أردنا ..

فتحتُ عينيّ تعجباً ! توقفتُ عن التنفس .. فقاطعتُها بدون شعور:
- تطوفون حول القبر ؟ حول القبر يا خالتي ؟
وهل هناك كعبةٌ أخرى في تلك البلاد للطواف ؟
إذا كان الطواف حول قبر نبي من الأنبياء لا يجوز شرعاً فما بالكِ بقبر أحد العامة؟!!!
خيّم صمتٌ قاتل .. تنملتْ أطرافي وأنا أنتظر جواباً لما يدور بداخلي .. كانت نظرات الزوج المرعبة هي الإجابة الشافية ! أزاح بنظره عني .. وتظاهر باهتمامه بإكمال الحديث ..
تغيرتْ ملامحه وهو يقول :
- لقد شهدْنا وفاة أحد الصالحين هناك ..
كان منظراً مؤثراً لا يزال عالقاً بذهني حتى الآن ..

تكدّر وجه والدته وهي تضيف :
- نعم .. عندما حُملتْ جنازتُه للدفن وبعد أن قُرأت عليها قصيدة البُردة _ للبوصيري _
وتُلي عليها القرآن ورُدّدتْ الأناشيد ..
جاء الإمام ودعا على الحجر الذي يُجعل وسادةً للميت ..
قلتُ بتهذيبٍ مغلفٍ في محاولة مني للفهم :
- وهل .. وهل هذا جائز ؟
لم يُجبْ أحدٌ منهم سؤالي للمرة الثانية !!
فأيقنتُ بأنها إحدى البدع التي استحدثوها .. ماذا يفعل هؤلاء ؟
ثم تذكرتُ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ )
ابتسم أخوه الأصغر في محاولةٍ لتهدئة وتخفيف التوتر وأضاف :
- أخي .. بِمَ يدعو الإمام على ذلك الحجر قبل وضع رأس الميت عليه ؟

ردّ عليه بكلمات تحمل الكثير من الحنوّ والعاطفة :
- يقرأ في دعائه أنك يا فلان تأتيك هذه الأسئلة ويذكرها ..
ويقول إذا سُئلتَ فأجبْ عنها بهذه الإجابات ولا تعجزْ فتكنْ من الهالكين ..
وإذا أجبتَ ضمنتُ لك الجنة ووُفّقتَ إلى الصواب ...
دققتُ سريعاً في وجهه .. إنه جاد !! ما هذا الهراء ؟
سألته بهدوء مصطنع :
- وهل ينفع الدعاء ذلك الميت ؟
أعني ... هل يجيب حقاً عن تلك الأسئلة كما أمره بذلك الإمام ؟!!!!
اعتدل في جلسته وكأنه قد قرأ أفكاري ثم أجاب بثقةٍ مفرطة :
- بالطبع تنفعه !! و إلا كيف يضمن له الإمام الدخول إلى الجنة إذاً ؟!
إنه عالَمٌ يصعب عليكِ فهمه .. لأن تفكيركِ جامد !!!

أمسكتُ بالكأسِ بأصبع مُرتعشةٍ .... وهتفتُ :
- لكن الغيبَ لا يعلمه غير الله سبحانه وتعالى .....
ولا يمكن لأحدٍ أن يضمن مصير أحدٍ كائناً من كان ...
حتى وإنْ كان عابداً أو زاهداً !! أليس كذلك ؟!!!
حدّقَ بي ثم بدأ بتوجيه الشتائم :
- إنكِ تحملين عقليةً متحجرةً محدودة ! فكيف لكِ أَنْ تفهمي تلك الأمور ؟!
من الأفضل لكِ أن تتوقفي عن الجدال ! وإلا فالعلاج الناجح سيبدأ الآن !!!
كانت الكأس قد شارفت على نهايتها ..
فاجترعتُ ما تبقى منه ثم وضعتُها بصمتٍ ...
بينما قال لوالدته وإخوته باختصار :
- لقد تبرعْتُ بالمال الذي جمعتُه منكم لصالح إقامة مسجدٍ على قبر أحد أولياء الله الصالحين هناك .. فأرجو أن يتقبّل الله منا جميعاً ...

اجتاحتني رعدةٌ مُفاجئةٌ فنطقتُ بعد أن ابتلعتُ ريقي بصعوبة :
- إقامة مسجد على ضريح ؟ أنتَ تبرعت بالمال من أجل ذلك ؟
كيف فعلت ؟ ولماذا ؟ ..
قال بنفاد صبرٍ وحيرة :
- وماذا في الأمر ؟ لماذا تعارضين كل شيء ؟!
ألا تعجبكِ أمور الخير أيضاً ؟!
كفّي عن ذلك !! هذا يكفي ! هل تسمعين ؟!!
تركزتْ أنظارهم عليّ ! كيف لهم أن يفهموا ؟ كيف أقنعهم ؟
التفتُّ إليهم بتركيز ... ثم قلت بوجل :
- صدقوني ... الصلاة لا تجوز في هذه المساجد ...
ولا يجوز بناؤها فكيف بالصلاة فيها ؟
إنها من عادات اليهود والنصارى ! افهموني أرجوكم ..

زمجرتْ أمه وقالت ساخطة :
- يبدو أننا قد ترفقنا بكِ كثيراً ! ولكن أنْ تسخري منّا فلا !
أنتِ ذاتُ عقليةٍ معقدة ! ولن أسمح لكِ بالمزيد ..
أردفتُ بسرعة :
- آسفة ... آسفة .. لم أقصد ذلك !
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ..
بل يجب نبش قبور مَنْ دُفن فيها ونقلها إلى مقبرة عامة !! ..... و.....
رفع حاجبيه استغراباً وقاطعني :
- ألا تعلمين أننا قبّلنا القبور والحجارة الموضوعة عليها تعظيماً وتكريماً للأموات ؟
وطلبنا المدد والعون منهم؟ وتوسلنا بهم وبجاههم لتتركي ما أنتِ فيه من ضلال ؟
ولكن يبدو أنكِ هالكةٌ لا محالة !!

عبثاً حاولتُ أنْ أثنيهُ عن آرائه !
ولكني وقفتُ أجمع الكؤوس وأقول ببساطة حتى لا أثير غضبهم :
- لا أعتقد أن طلب العون والمدد من غير الله يُجدي !
ولا أن تقبيل القبور والحجارة سوى خضوع وذل لغير الله تعالى !
ولا أن تعظيم الجمادات والأموات مشروعاً فيقبله عاقل لبيب !!!
استرقتُ النظر إليهم .. إنهم واجمون ..
وكأنّ على رؤوسهم الطير .. توجهتُ نحو باب الحجرة ففتحته ...
وخرجت وأنا أردّد في قرارة نفسي قوله تعالى :
( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير .
إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير )

أعددتُ طعام العشاء ... مازالوا ثائرين على معارضتي أنْ كيف أتطاول على معتقداتهم الشريفة !!
ابتسمتُ للجميع وكأنّ شيئاً لم يكن ... ثم دعوتُهم لتناول العشاء ...
أمرني بالجلوس فجلست ..
فتح حقيبته وأخرج منها بعضاً من الحجارة والتراب وناولني إياها ..
رفعتُ نظري إليه ببطء وقلتُ بتعجب :
- وما هذا ؟
ركّز نظره عليّ ثم قال بتحدٍ وعناد :
- هذا نصيبك مما حملتُه معي من تلك القبور للتبركِ بها ..
فحافظي عليها واعتني بها ... و سأتابع ذلك بنفسي ...
بادرتُ بالاحتجاج ..
فرفع يده ليلزمني الصمت بعد أن نظر إليّ بتلك النظرات المتوهجة التي قاربت على إحراقي ..
فامتنعتُ عن الحديث وتنهّدت بألمٍ وأطرقتُ برأسي إلى الأرض قسراً...

قالت أخته ببهجة وهي تحتضن يدي والدتها :
- أمي .. ما رأيك في الذهاب مرة أخرى ؟!
ولكن لن تذهبوا من دوني .. آه .. كم أشتاق لذلك ..
بادلتها الأم بابتسامة أعمق وهي تضمها وتقول باهتمام :
- أوه بالطبع يا ابنتي سنذهب في أقرب فرصة ..
وسترافقنا زوجة أخيك بلا شك !! و إلا فلا !!!
شعرتُ بجسدي كله يرتجف فقلتُ منتبهة :
- ماذا ؟ نعم نعم .. سنرى إن شاء الله .. لكل حادث حديث ...
قالت أخته تخاطبه بفرح :
- إلى أين ستكون رحلتنا القادمة يا أخي ؟ هيا أخبرني .. إلى أين ..

هزّ كتفيه وقال بحرارة :
- المرة المقبلة سنترافق بنية السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ...
ثم حدّق ناحيتي .. لم أتفوّه بأي تعليق ...
وعلت جبيني تقطيبةٌ خفيفة ..
فواصل كلامه:
- للتبرك به وسؤاله وقضاء حاجاتنا وتفريج كرباتنا .. و ..
هداية ضالنا !!!!
فلمعتْ عيناه فجأة وكأنه يهدد ! تراجعتْ ..
خفضتُ عينيّ لأحملق في يديّ ..
حاولتُ جاهدةً أن أبتسم وأستعيد ثباتي ..

فقلتُ بصعوبة بالغة:
- أنت تقصد أن نذهب إلى هناك بنية الصلاة فيه فقط !
أليس كذلك ؟! لأن ..
قاطعني بعنف :
- لا يا عزيزتي .. بل بنية شد الرحال وزيارة القبور !!!
هل لديك اعتراض أيضا ؟!!!
بدأ عقلي وكأنه سنفجر فقلتٌُ بصعوبة وكأني أنتزع الكلمات من بئر سحيق :
- ولكن .. ولكن .. لا تجوز زيارة القبور بشد الرحال إليها .. بل هي ...
تبادل الجميع النظرات الحاقدة ..
واشتدت نبرة صوته وهو يقف ويزيح كرسيه إلى الوراء قائلا :
- أتمنى أن لا نخطئ في اختيار الكلمات الآن ...
وإلا فإنك تعلمين ما الذي سيحدث !! لا أريد نقاشا !
أجبته وعيناي تشعان ألما :
- حسنا سأفعل .. أهدأ أرجوك ..
أدركتُ بأنه لن يغير رأيه ولا نيته كذلك !!
فهو يعني ما قاله بأنه ليس هناك من موضوع ليُناقَش !!!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 30-09-2005 07:55 PM

حمــــــــرة الغـضـــــــب


دخلتُ حجرتي .. أغلقتُ الباب بهدوء ..
بدأت بترتيب خزانتي .. وفيما أنا أفعل ..
إذْ بالزوج يفتح الباب بكل قوّته ويبحث عني بعينين قاتلتين وصدرٍ متأجج !!
وما إن عثر عليّ حتى شعرتُ بأن وجهه يتفجّر حمرةً من شدة الغضب !!
ما الذي حدث يا ترى ؟!!!
سألني وهو يقبض يديه بكل قوته كعادته عند الغضب :
- هل أتى أحدٌ ما إلى المنزل في حين غيابي ؟!!
قلتُ بهدوء وقد عرفتُ المغزى من سؤاله :
- نعم .. جاء قريبك فلان بعد ذهابكم بوقتٍ قصير .. لماذا ؟!

زفر بقوةٍ وهو ما يزال واقفاً :
- وهل فتحتِ الباب له وأدخلتِه وأكرمته ؟
عقدتْ المفاجأة لساني عن الكلام !
فظللْتُ صامتةً أحدّق فيه .. فكرّر سؤاله ثانية ً:
- هل فتحت الباب أم لا ؟ تكلمي !
حاولتُ الحفاظ على ثبات صوتي فأجبتُه بإجهاد :
- كلا بالطبع !! كيف يجرؤ على الدخول إلينا في غيابك ؟!!
لقد اعتذرتُ له عن إدخاله ..
وعللتُ له ذلك بعدم وجودك .. وأنه بإمكانه المجيء عند عودتك .. ولكن لماذا الــ ....

طار صوابه عندما أيقن منعي من إدخال قريبه !
فقال بصوتٍ عالٍ وأسلوب جارح :
- لماذا لم تفتحي الباب له وتجالسيه وتشربي المرطبات معه وتحادثيه ؟!
إن المنزل منزلي وليس منزلك !!!
هل فَقَدَ صوابه ؟ ألهذا الحدّ يريد مني أن أفعل ؟
ظننتُه سيبتهج !! سيفرح !!!
نظرتُ إليه طويلاً بحزنٍ عميقٍ وصدمةٍ بالغة !
عصفتْ بي رغبةٌ في تحطيم كل شيء !!
هل يجهل حقاً عواقب ذلك؟ أم أنه يتجاهلها ؟!!
ألا يميّز الحق من الباطل؟
ألا يفرق بين الأمور الجادة والهازلة ؟!!!

قلتُ بأسف :
- هل أنت جادٌ حقاً فيما تقول؟ لا لا .. بالتأكيد أنت تمزح ..
ثم استجمعتُ شتات ذهني لأطرح عليه إجابة شافية على سؤاله :
- لستُ أنا من تفعل ذلك !!!
لن يدخل رجلٌ غريب إلى هذا المنزل في عدم وجودك !!
مهما كانت قرابته لك !!
لن يدخل !! ثم عبّرتْ دموعي تعبيراً أصدق عن جام غضبي وأنا أهتف :
- إدخال الرجال الأجانب عند النساء في عدم وجود المحارم .. حرام .. !!
وأنا لن أقبل بذلك أبداً حتى وإنْ غضبْتَ لن أقبل أبداً أبداً ...
هل تسمعني ؟!!

استشاط غاضبا ًوقال هائجا:
بل ستفعلين!! لست أنت التي ستقلبين حياتنا رأساً على عقب وتفسدين بيننا!!
الجميع يشكو من أفكارك المعقدة ونيتك السيئة!!
ولكني أنا من سيقلب حياتك وسترين!!
وقفت بسرعة وأنا أمسح دموعي الحزنى :
لا أعدك بذلك مطلقاً! مهما كلفني ذلك من استهانة وتعذيب وتنكيل!
وسأقولها أمامك وأمام الجميع .. وإن أردتم قتلي ففعلوا ..
ولكني لن أسمح والله لرجل غريب بالدخول في غيبتك !!

اجتاحته رعدةٌ مفاجئة .. فأراد كسر شوكتي وإرغامي على ما يريد :
- لكِ ذلك !! ولكني أقسم بالنبيّ الكريم أن أضعك بين خيارين مؤلمين لك وسترضخين لأمري !!
شعرتُ بحرارة الغرفة في هذه اللحظة على الرغم من فتح النوافذ فيها والستائر !
ترقبتُ بوجلٍ طرحه للخيارات ! ماذا عساه أن يقول ؟!!!
عقد ذراعيه واتكأ على الجدار قائلاً :
- إما أن تفتحي الباب في عدم وجودي لكل أقاربي مَنْ عرفتي منهم ومَنْ لم تعرفي ..
وتجالسيهم وتسامريهم وتكرميهم .. ولا تردّي أحداً منهم .......
ثم .. سكت ..
فشعرتُ بغصَّةٍ مؤلمة في حلقي وأنا انتظر قراره في الخيار الآخر !

فأكمل حديثه وهو ينظر إلى السقف باستخفاف ونفاد صبر :
- أو أمنع عنكِ زيارة أهلك .. فأمنع دخولهم إلى هذا المنزل إلى الأبد !!
فأي الخيارين تفضّلين ؟!
سادت لحظة صمتٍ مؤرقة .. مُعذّبة !! هرب صوتي منّي ..
لقد سألني ويجب أن أجيب عليه !
ابتسمتُ ابتسامةً مجردةً من الحياة ..
وقلتُ بحزنٍ قبل أن أفقد جرأتي :
- حسناً .. لا عودة في قراري ولا تراجع !!!
ومع صعوبة الخيارين إلا أنني أرفض الخيار الأول وأقبل بعمل الثاني !!
وليسامحني الله !!

ضاقتْ عيناه وكأنه لم يصدق ما سمع :
- أتعنين بذلك عدم إدخال أقاربي في منزلي عند غيابي ؟!
مقابل عدم السماح لأهلك بالدخول إليك وزيارتك ؟!
عانيتُ كثيراً في اختيار كلماتي ..
ثم قلتُ وأنا أتنهّد وأتظاهر بالهدوء والبساطة :
- ماذا أفعل ؟! سأطيع أمرك في الاختيار !
ويجب عليّ من اليوم فصاعداً أن أتعلم معايشة هذا الواقع الجديد !!!

هبّ في وجهي قائلاً :
- تباً لكِ أيتها الوهابية !! كلكم مُعقّدون ..
ويبقى رأيي الذي يُطبّق على الجميع .. هل تسمعين ؟!
لزمتُ الصمت ..
فأغمضتُ عينيّ وأنا أراه يشمخ بأنفه ورأسه عالياً ثم يتابع :
- انتهى الأمر ! .. بعد يومين سنلبّي دعوة العشاء عند قريبي الذي هاتفني قبل قليل ..
والويل لكِ إن عارضتي أمري لكِ بالذهاب !! أتسمعين ؟!
أومأتُ برأسي وقلتُ في محاولةٍ لتهدئته :
- أرجوك اهدأ .. لا تغضب ! سأذهب أينما تريد ! اهدأ !!

أدار ظهره بسرعة وبدأ بفتح الباب فسألته وأنا أتبعه :
- إلى أين ؟ لا يجدر بك الذهاب وأنتَ في هذه الحال ! إلى أين ؟!
قال بنبرةٍ حادة:
- إلى الجحيم !!!!
عندما أصبحتُ وحدي استندتُ بظهري على الباب مُندهشة متسائلة !!
ما الخطأ الذي قلته ؟!
هل أخطأتُ حقاً ؟! اللهم ما فعلتُ ذلك إلا طمعاً في رضاك عني !
فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ..
داهمني إحباطٌ مُفاجئ بتذكر الذهاب إلى منزل ذلك الوغد !!
استلقيتُ على فراشي وقتاً طويلاً أحدّق في سقف الحجرة .. مازلتُ في دوّامة !!
اللهم فرّج علي همومي وأحزاني !!



وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 02-10-2005 03:31 PM

الـــــــدواء الفعّــــــال !


طُرِقَ الباب.. تصنعتُ النوم فلم أجب .. تواصل الطرق !
لا أريد الصدام معه أو إغضابه أكثر من ذلك ..
لا قوة لي في المزيد من الجدل والنقاش !!
أدار مقبض الباب ففتحه .. توقعتُه هو ..
ولكني أخطأتُ في توقعي .. إنها والدته !!!
اعتدلتُ جالسةً .. أضأتُ المصباح الخافت .. أجلستُها .. ابتسمتُ لها ..

إنها تحمل شيئاً ما في يدها !! ماذا أيضاً ؟!!
سألتني بتشكك :
- ألم تنامي بعد ؟ ما الذي يؤرقك ؟
يكاد الفجر أن ينسج خيوط ضوئه لينير أرجاء الكون !
استغربتُ اهتمامها بأرقي وقلة نومي ! ثم من حديثها العذب !
فقلتُ ببراءة :
- لا شيء البتة يا خالتي ! هرب النوم عن أجفاني فقط لا غير !
ولكني سأحاول النوم علّي أفلح !!

قالت في محاولةٍ جادة للتأثير عليّ :
- لديّ دواءٌ لك ! ما رأيك بأن تجربيه ؟ إنه جدُّ مؤثر وفعّال !
كانت تبدو وديعة مما جعل تعجبي منها يتلاشى بسرعة .. فقلت :
- حقاً ؟! وما دواؤك ؟!
رفعتْ يديها أمام عينيّ .. وقدّمتْ لي قماشاً ملفوفاً بحجم يصغر حجم البيضة قليلاً ..
محشوّاً في داخله بشيء يميل إلى الصلابة نوعاً ما !
تسمّرتْ نظراتي في هذه القطعة .. تحوّلتْ أنفاسي إلى تنهيدة طويلة !
ثم انتقلتْ عيناي بتلقائية إلى عينيها الغائرتين ..
ثم إلى ذقنها الذي امتلأ بشتى رسوم الوشم !!..
فتحتُ فاهي لأسألها عن الدواء الذي وصفته لي !

فتداركتْ استغرابي وقالت تصطنع البساطة :
- هل تعلمين أن هذه التميمة بحوزتي منذ ما يربو على العشرين عاماً ؟
اتسعتْ حدقتاي وأنا أهتف :
- تميمة ؟!!! هل هذا هو الدواء ؟!
أجابت بحماسٍ :
- نعم .. نعم تستطيعين تعليقها على نحرك أو عضدك ..
أو وضعها بين ثيابك أو في فراشك ..
و أعدكِ بأن أعمل لكِ واحدةً تخصك وحدك وباسمك !
- لي أنا ؟ وباسمي ؟!

اعتدلتْ في جلستها ثم قالت :
- نعم نعم .. إنها تدفع الضر والحسد والعَين والسحر وتجلب لك النفع وتشفي من الأمراض ..
كما أنها تساعد على النجاح وتردّ كيد الأعداء ..
عُدتُ إلى الواقع .. مازلتُ تحت تأثير كلامها الغريب !
فسألتها :
- وهل تفعل التميمة كل هذا يا خالتي ؟!!
أوه لا أصدق !! إذن فهي مفيدةٌ جداً !!!
أجابت بسرعة :
- بالطبع بالطبع مفيدةٌ جداً ..
ألا ترين جميع أبنائي وبناتي يعلقونها على أعضادهم !! وعلى نحورهم !
إنها هي التي تحميهم وتذود عنهم .. نحن لا نتركها أبداً !!

ابتسمتُ باهتمام :
- أخبريني يا خالتي عن محتوى هذه التميمة حتى يكون لها كل هذا المفعول !!!
ضحكتْ بملء فمها وقالت وهي تضرب كفاً بكف :
- سؤالك أعجبني .. يا عزيزتي .. تُكتب فيه أدعية نبوية شريفة مع شيء من القرآن الكريم ...
قاطعتها باستغراب :
- أدعية نبوية وقرآن كريم ؟!! أليس في ذلك امتهانٌ لها ؟
فالمرء يحملها - على حدّ قولك - في كل مكان !!
إذاً ستكون معه أيضاً حين قضاء حاجته واسنتجائه .. و ...

بلعتْ ريقها بصعوبة و تابعتْ في تجاهل لسؤالي :
- أيضاً يُكتب فيها توسّل بالأولياء والصالحين ..
كما تحتوي أيضاً على أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ..
وتُرسم فيها بعض النجوم وبها كلامٌ بغير لغة العرب ..
توقفتْ أنفاسي وجفّ حلقي .. بدا عقلي وكأنّه سيتّقد ..
رمقتها بنظرة فاحصة ثم قلت :
- هل ما تقولينه صحيح يا خالتي ؟! وهل تريدين مني بعد كل ما ذكرت أن آخذها ؟
أو حتى أعتقد في نفعها ؟!!!!!

تلاشتْ ابتسامتها و انعقد حاجباها ...
- ماذا تقصدين ؟! إنها آمن وسيلة لحياةٍ سعيدة وأفضل علاج للقلق والهم ..
ضعيها تحت وسادتك وسترين ...
إنها ... دخل الزوج في هذه الأثناء بخطواتٍ وئيدةٍ وكأنه كان يستمع إلى حديثنا !
ووضع يده على كتف والدته يطمئنها .. ونظراته تعصف بي ..
- ستأخذها يا أمي فلا تُبالي ..
وستضعها تحت وسادتها أو في أي مكانٍ تريدين !
وإنْ لم تفعل فسأعرف أنا كيف أجعلها تفعل .. لا تقلقي يا أمي !!!

نهضتْ واقفةً وقد عادت ملامح السعادة إلى وجهها :
- حسناً .. أتمنى لكِ نوماً هنيئاً برفقتها .. حافظي عليها جيداً ..
إنها سبب حفظنا جميعاً .. تصبحون على خير ..
ثم .. وضعتْها في يدي وضغطتْ بها باهتمام في كفي .. ثم .. خرجت !!!!
تقدّم الزوج إليّ بتحدٍ ومدّ يدهُ ليأخذها وأنا مشدوهة .. فناولته إياها ! مشى متعمداً بكل امتهان وزهوّ ووضعها تحت وسادتي ..
ثم .. ثم رفع سبابته متوعداً :
- إياكِ ثم إياكِ أن تخرجيها من تحت الوسادة !!
علّها تنفعُ في دفع الحسد والعين التي بيننا !!!!!
ثم ألقى بجسده على الفراش .. ونام ..

وقفتُ أتهادى من فرط الحسرة !! أيّ عينٍ وأيّ حسد ؟ إنه واهم !!
يُعلّل الأمر بهما وما هو إلا خلافٌ عقائديّ دينيّ قوي فحسب !!!
أطفأتُ الضوء .. دسستُ يدي تحت الوسادة ..
أمسكتُ بها بعنف .. كم أخافها !!
سأخرجها دون علمه .. وأضعها في أي مكان حتى الصباح ..
وما كدتُ أفعل حتى ارتفع صوته يخترق الفضاء :
- أعيديها إلى مكانها .. وكُفِّي عناداً ..
وإلا أرغمتك على تعليقها على نحرك !!!!
شهقتُ من الخوف .. لم أتحدث .. وضعتُها في مكانها ..
فاضتْ عيناي بالدمع الغزير ..
حتى اغرورقت وسادتي وأنا أكتم الأنين ..

مضتْ ساعة !! إنه لا يتحرك ! لزمتُ الهدوء .. سمعتُ أنفاسه تنتظم ..
إنه دليل قويّ على نومه ..
أخرجتها برعب .. وضعتُها في أحد الأدراج بجانبي ..
ثم افترّتْ شفتاي عن ابتسامة وارتياح ..
فغرقتُ في نومٍ عميق بعيداً عن الخزعبلات ..
وقبل استيقاظه أعدتها تحت وسادتي ..... و ..... نهضت !!!




وللقصة تتمة بإذن الله

مُقبل 03-10-2005 12:36 PM

صــــراع الحـــــــــق والباطــــــــل



في أحد الأيام جاء أخوه الذي يدرس في المرحلة الإعدادية وعلامات الحيرة والشك تبدو على محياه !!
لفتني منظره وارتباكه ..
كانت الأم تجلس بجانب جهاز التسجيل تستمع إلى أحد أولياء الصوفية وقد خفضت الصوت ..
بينما جلس الزوج وأخته يُطالعان بعض الصحف والمجلات ..
أما أنا فأخذتُ أسرّح شعر الطفلة الصغرى وأداعبها ..
ألقى الصبيّ بحقيبته على الأرض بصورةٍ أثارتْ دهشتنا جميعاً !!!

فبادرتْ الأم بسؤاله :
- ما بك يا بني؟ لِمَ أنت مستاء ؟! هل حدث لك مكروه ؟
تأفف الصبيُّ وألقى بجسده على الأريكة ..
بينما ترك الزوج الصحيفة ونظر إلى أخيه باستغراب فسأله :
- ماذا حدث ؟! ما بك ؟!! هل تشاجرت مع أحد رفاقك ؟!
تركزتْ أنظارنا عليه ..
فقال أخيراً بنفاد صبر وحيرة :
- أشعر بأني أعيش في تناقض تامٍ مع نفسي ..
وفي صراعٍ دائمٍ معكم ومع دراستي للمواد الدينية !!!!
هناك اختلاف كُلّي بين كل منكما !! أنا في حيرة !! ماذا أفعل ؟!
لم أعد أستطع الاستيعاب !!!

نهض الزوج بسرعة وجلس بجانب أخيه واحتضنه بقوة ثم قال :
- وما الذي جعلك في حيرة من أمرك يا صغيري ؟ أخبرني ..
هزّ كتفيه ... ثم قال بشرود :
- هل والد الرسول صلى الله عليه وسلم مات كافراً ؟ وهل هو في النار ؟!
ثار الزوج وزمجرت الأم وصُعقتْ الأخت !! ما هذه الأسئلة ؟!!!
أجاب الزوج غاضباً :
- ماذا تقول ؟!! تباً لهؤلاء الكفرة الوهّابيين !! هؤلاء الضالين !
قاموا بتكفير والد الرسول أيضاً ؟! عليهم اللعنة !!!
أردفت الأم بسرعة :
- قاتلهم الله ! .. إنهم لا يحبون الرسول الكريم فيتقوّلون عليه الأقاويل !
كل هذا هراء وأباطيل يا بني فلا تصدقهم لا تصدقهم ... تباً لهم !!

قال الصبيُّ ببراءة :
- ولكنّ المعلم حدثنا عن ذلك بقوله : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أين أبي ؟ قال له :
" في النار " فلمّا ولّى الرجل قال له صلى الله عليه وسلم :
" يا هذا أقبل أبي وأبوك في النار " ..
فما مدى صحة هذا الحديث إذاً ؟!!
وقفت الأم بتثاقل تحمل جسدها الثقيل وهي تحتضن ولدها :
- كل هذا هراء يا بنيّ فلا تصدق ! إنما مات مؤمناً !
ولكنّ هؤلاء الكفّار الوهّابيين يشوّهون دائماً صورة النبي صلى الله عليه وسلم في أعين الناس !!
فعلينا الحذر منهم دائماً ومحاربتهم بل ومقاطعتهم !!!
وفجأة ! تذكروا وجودي بينهم فحدّقوا فيّ بنظراتهم الحاقدة .. وكادوا يلتهمونني !!!

فسألني الصبيّ رأيي فيما قيل فوقفتُ أبتلعُ ريقي وشعرتُ بنظرات الزوج المتوعّدة فاستحثني الصبيّ على الإجابة ..
لا بد إذاً أن أقول الحقيقة .. لن أكذب !!
فقلتُ وأنا أسترجعُ أنفاسي :
- لا .. لا أعلم .. ولكن .. ولكن أعتقد أعتقد أن هذا الحديث ...
صحيح رواه مسلم !!! .... و .....
أمسك الزوج حينها بتلابيبي وألقى بي على الأريكة وهو يزمجر :
- صمتاً .. صمتاً .. لا تُفسدي أفكار الصبيّ !!
إنك تكذبين ! لا أريد سماع ذلك مرة أخرى !
إنك تتبعين ذلك الوهابيّ الكافر .. سيرديكِ في جهنم أنتِ وزمرته !!

تدارك الصبيُّ الموقف فسأل الزوج تغييراً للموضوع:
- لماذا يقول المعلّم أن الرسول بشرٌ خُلِق من طين ؟!!
ألم يُخلق من نور وجه الله ؟!
لقد قلتَ لي يا أخي إنه خُلِق من نور الله وأن هذا الحديث صحيح !!!
ولكن المعلم يؤكّد أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ولا أصل له في كتب الحديث المعتبرة !!!
آه ما أسعدني !! لقد أشفى هذا الصبيُّ غليلي !
انبسطتْ ملامح وجهي بعد العاصفة الهوجاء !!

ولكن الزوج زجر أخاه بعنفٍ :
- لا تستمع لكلامهم ! فأحاديثهم هي المكذوبة .. ومذهبهم هو الزائف ! وحياتهم حياة كفر وضلال وفسق !!
وثِقْ دائماً بصحة ما تتعلمه منّا نحن ، لا تكن كسواك !!
فنظر إليّ حاقداً غاضباً .. وأخذ الصبيّ معه إلى الحجرة التالية !!!
تبعته أمه وأخته بسرعة ..
يريدون إغراق هذا البريء فيما هم فيه غارقون !! وثملون !!

وقفتُ .. ذهبتُ إلى الحديقة و عينايّ تشّعان حبوراً وسروراً ...
لا بُدّ للحقّ يوماً أن ينجلي ولو على يد هذا الصبيّ الصغير !! عُدْتُ إلى الصالة وقد عادوا إليها قبلي !
الكل قد لفّه الصمت والوجوم .. وهم يفكّرون في الحقائق القوية القادمة إليهم من .. الوهّابيين !!!




وللقصة تتمة بإذن الله

العنود النبطيه 04-10-2005 05:16 AM

:confused:

مُقبل 04-10-2005 06:22 PM

إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة العنود النبطيه
:confused:

( :confused: )...!!

مُقبل 04-10-2005 06:35 PM

قــــــــرار التحـــــــدي


وفي المساء .. أغلقتُ حجرتي وهبطتُ إلى الأسفل ..
بعد أن انتهى الزوج من ارتداء ثيابه استعداداً للذهاب إلى وليمة قريبه الخائن !
وقد جزمتُ في قرارة نفسي أن أرفض طلب الدخول إلى الرجال الذين سيجتمعون اليوم وكل يوم مع النساء .. ولو كلّفني ذلك حياتي !!
فليقتلني إن شاء !! فليصلبني إن أراد !! لا رجعة في قراري !!
قُدّم الطعام في ذلك المجلس الذي خلا من اللباقة والأدب و الاحترام !!
وعلّلتُ عدم دخولي إليهم منذ البداية بأني مُنشغلةٌ مع النسوة في إعداد هذا الطعام !! ..

ثم اجتمعتْ النساء بالرجال فسمعْتُ بعضاً من الأحاديث الجوفاء المتبادلة !!
وترددتْ في مسامعي صدى الضحكات الخرقاء المتعالية !!
وبعضاً من الطرائف النوادر السخيفة !!
أما أنا !! فقد قبعتُ كطائرٍ أسيرٍ في إحدى الغرف أنتظر مصيري المجهول خلال الثواني الباقيات !!!
ابتهلتُ إلى الله أن يكون خير معين لي على قراري ..
و والله ما عشتُ قطُّ موقفاً أقسى ولا أعنف من موقف تلك الليلة التي خفتُ فيها وروّعْتُ منه .. و.... منهم !!!!!
فجأةً .. سمعتُ أصوات الجميع مع تباينها تسأل عني وتنادي ...!

لفّني الصمتُ و اكتنفتني الرهبة وأطبقا على قلبي !!!
فشعروا جميعاً بأنني أمتنع عنهم ..
فتبادلوا النظرات الغضبى .. ثم .. ركّزوا تلك السهام الحانقة على الزوج ينتظرون منه تفسيًراً لما يجري !!
سرعان ما جاءتْ أمّه إليّ تركض وتطلب مني الانضمام إليهم .. فاعتذرتُ لها بأنني متوعّكة ..
ثم بأنني لم أعد أستطيع المجيء إليهم .. وتمنيتُ لها ولهم طعاماً هنيئاً !
وأني سألحق بالنسوة بعد ذهاب الرجال !

عبثاً حاولتْ تثنيني عن قراري ! فتغيّرتْ تعبيرات وجهها عندما قالت :
- إن زوجك غاضب وأعصابه هائجة وكأنها بين أصابع الشيطان يعبث بها !!
وأخشى أن يخطئ معك أمام الجميع !! استعيذي بالله من الشيطان وشاركينا المجلس والطعام ..
رفضتُ بأدب .. ورجوتها ألا ترغمني على ذلك فأنا ما خُلقْتُ لهذا أبداً !! .. ثم ..
ذهبتْ تضربُ كفاً بكف وتطلب الرقية من أوليائها الأموات !!!
بينما دخلتْ أختُه تقنعني بالدخول .. وأن التوتر يسود المكان !!!
والجميع بانتظاري .. فيجب ألاّ أفتعل مشكلة !!
أجابتها دمعاتي الحزينة وقلبي الذي كاد يتفطر خوفاً منهم ..
- لا أستطيع .. لا أستطيع الدخول على هؤلاء الرجال أبدا !
أنا أخاف من الله ! أخجل من الأمور التي تحدث بينكم فدعوني أرجوكم ..
أتوسل إليكم لا تجبروني على الذنب والمعصية !
اتركوني سوف يطعمني الله ويسقيني برضاه ورحمته ..
أنا لم أخلق لأخلع حيائي وخجلي بهذه الصورة البشعةٍ ..!

يا رب أين الزوج الملتزم ؟! الذي طالما حلمتُ به !
الذي طالما حلمتُ بأن يُعايش واقعي ؟!
أين مؤدي الصلاة في المساجد ؟
أين الرجل الغيور الذي يغضب ويثور عندما يُعتدى على حدِّ من حدود الله ؟
أين الرجل الذي يرحمني ويقدرني؟
يرحم امرأة ضعيفةً جُلّ طلبها منه أن يحفظها ويصونها عن أعين الرجال ؟
أين الرجل الذي يدفع حياته ثمنا للحفاظ على محارمه والخوف عليهم ؟!
أين وأين ؟!
رباه لقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبتْ !!
وعندما طال انتظارهم غير المتوقع لي ..
غضبوا فقلبوا أواني الطعام رأسا على عقب ولم يتذوقوا منه لقمة واحدة!

كل هذا وأنا أتهاوى كما ريشةٍ ضعيفة رقيقةٍ تعبثُ بها العواصف الهوجاء ، وكما طفلٍ غريقٍ تتقاذفه الأمواج
في كل صوب واتجاه !! وحدي !! ..
لحظاتٌ مرتْ عليّ وأنا أسمع صراخهم وغيظهم وقد ملأ الأرض !
أيقنتُ خلالها أن كل فرد منهم قد حمل ساطورا وسكينا وهب لتشريحي وإذاقتي ألوان التنكيل والعذاب !!
بالطبع .. فأنا أخالفهم ملة ومذهبا !
يا وليتي ماذا هم بي فاعلون ؟! رباه لا ملجأ لي منهم إلا إليك !
اللهم لا تكلني إلى نفسي أو إليهم طرفة عين !
اللهم فكل هذا من أجل رضاك ومغفرتك !
اللهم قد ضاقت الدنيا بما اتسعتْ وشملتْ .. فاجعل لي من ضيقي فرجا ومن همي وبلائي مخرجا !!!!
رباه رباه رباه .. الويل كل الويل لي !
سوف يتفننون في إيذائي .. فأنا وحدي وهم كُثر !!

ثم .. هاج المُضيف الوغد بصوتٍ عالٍ بأنواع الغضب :
- دعوها .. إنهم قومٌ يتطهرون !!!
اتركوها تشبع من الطعام بمفردها !! نحن لا نرغب في الطعام ..
نخشى أن تكون بنا نجاسةٌ أو قذارةٌ فنفسده ..
فلا تستطيع هي أن تأكل الطعام !!!
قام الرجال جميعا من على المائدة وكأن غضب الدنيا يعبثُ بهم مني !!!!
قرابة ثلاثة وعشر رجلا وامرأة !!
فخيم سكون مُعذب قاتل على جميع أرجاء المنزل !!!

خاطبتُ نفسي بما تبقتْ لي من أنفاس:
- هل أخطأتُ ؟ هل أبادر بالاعتذار ؟! هل عملتُ منكرا عظيما ؟! هل ارتكبتُ كبيرة لا تُغتفر؟!!
مَنْ الذي يحق له العُتبى والغضب ؟! بل والتحطيم والتدمير ؟!!
ما للموازين مٌضطربة؟! أين الخطأ وأين الصواب ؟!
يا رب .. أنت تعلم أني أكابد من أجل إراحة ضميري ووازعي الدينيّ ..
أما هم فإنهم يكابدون من أجل نزواتهم ووازعهم الشيطاني !!!
ربما أخطأت ! لم أعد أعرف ! ماذا أفعل ؟ هل .. هل أهرب ؟!
لقد فعلوا بي ما فعلوا ولم أرضخْ ولكن الله يشهد أنه لم تتبقّ لي ذرةٌ من مقاومة ! فهذه الأخيرة من نوعها !
فلا يمكن أن أصمد أكثر من ذلك !!

نعم .. أشعر بحناياي تضطرب .. وجوانحي تتأرجح .. و..
سمعتُ صوت والدة الزوج .. وزوجة المُضيف الوغد تنادياني بصوتٍ وديع !!
ولكنه مملوء بشتى صنوف الغيظ الممزوج بالرغبة القاتلة في السحق!!
وبابتسامة كاذبةٍ من كلٍ منهما قالتا:
- تفضلي.. تناولي .. الطعام . بالهناء ... والعافية ..
نظرتُ إلى الطعام المقلوب رأساً على عقب !! سرى الشلل البطيء في قدميّ ..
جلستُ ونظراتي المرتعبة وقلبي الذي ران عليه الانفطار ينتظران حكماً أكيداً بالإعدام!! ..
فتبادلتْ المرأتان النظرة ذاتها وعلَّقتْ المضيفة :
- ما السبب في اعتقادك يا أم .......... في غضب الرجال بهذه الصورة الوحشية ؟!
آه .. كم أحقد على صاحب السبب !!
كنا جميعاً ننعم بالسعادة والبهجة ولم تحدث بيننا مُشاحنات أو خلافات
إلا منذ فترة وجيزة !!
فما السبب يا ترى ؟! أهي عينٌ أصابتنا ؟ أم تُراها فتنٌ وقلاقلُ زُرعتْ بيننا !!
مَنْ هو الذي قلب حياتنا وعبث بها ؟ مَنْ صاحب العقل المتحجر الذي لا يلين ؟!!

أجابت الأم بغيظٍ مكظوم :
- نعم نعم ... الحق كلّ الحق معك .. كنّا في سعادة غامرة ..
لا أعرف مَنْ صاحب هذه الفتن والمشاكل ..
وليس لنا إلا أن ندعو عليه ليل نهار حتى يدفع ثمن ما نحن عليه !!
قاتله الله !!
إنهم يقصدونني بلا شك !! أنا المعنيّة بكل ما تقولان !!
لزمتُ الصمت .. ربي .. ديني .. أهلي ..
كرامتي وكبريائي المنزوفتان المُراقتان !! وقاري وحشمتي عفافي !!
صرخ الزوج بي أمام الجميع بعدما اجتمعوا معه لتفكيك ثقتي بما أعتقد :
- هيا انهضي .. سنذهب إلى المنزل الآن ونتفاهم هناك ..
الويل لكِ .. لقد تخطيتِ كل الحواجز القيود !!!

نظرتُ إلى القوم بتمهل وكأني أودعهم !!
فرأيتُ الشماتة والتشفّي تتراقص بفرحٍ على تعبيرات وجوههم !!!
أدركتُ بفرح أنه لا مجال إطلاقاً للاتفاق بيننا ..
وعزمتُ في قرارة نفسي على الرحيل الأبدي !!!
لكل إنسان طاقة ! وقد كُلفتُ معهم ما لا طاقة لي به !!
لم أعد أطيقُ صبراً !
تعبتُ وأنا أناضل .. هذا ليس ما أدين به !!
وقف الجميع في وجهي .. وأنا كالطائر الجريح كسير الجناح ..
أقاتل وحدي ضد جوارح قوية مُتعاضدة !!



وللقصة تتمة بإذن الله


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.