أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة السياسية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   التعقيب على موضوع ( الامامة ) (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=11407)

صالح عبد الرحمن 05-08-2001 05:08 PM

التعقيب على موضوع ( الامامة )
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المسألة الأولى : الأدلة العقلية والمنطقية :

الاستدلال بالعقل أو بالمنطق سواء على أهمية مسألة " الامامة " وضروريتها أو على أن الشارع لم يترك مسألة الخلافة من دون بيان، أو على أن الشارع قد عالج مسألة الخلافة بتعيين الامام بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطأ، وذلك للأسباب التالية:

أولا- العقل أو الفكر هو نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع، فالعملية الفكرية لا يمكن أن توجد إلا إذا توفرت أربعة شروط هي : الدماغ الصالح للربط، الحواس، الواقع الذي يراد التفكير فيه، والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع . فإذا نقص عنصر واحد من هذه العناصر الأربعة لا يمكن اجراء العملية الفكرية، من هنا كان التفكير في غير الواقع المحسوس ليس فكرا ولا تفكيرا وانما هو تخيل وأوهام. فالعقل مجردا عن النصوص الشرعية لا يستطيع أن يدرك ان كانت الامامة ضرورة شرعية أم لا كما لا يستطيع أن يدرك ان كان الله تعالى سيعين الخليفة تعيينا أم سيوكل هذه المهمة للمسلمين أنفسهم أو أنه سيضع حلولا أخرى. وكل محاولة للتنبأ بما في علم الله تعالى أو بما يريده الله أو بما لا يريده من دون أن يخبرنا الله تعالى بذلك هي مجرد عملية تخيل لا أكثر ولا أقل فلا يعول عليها ولا يصح الاستناد إليها .

ثانيا- قال الله تعالى : { لا تدركه الأبصار } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { ليس كمثله شيء } ، فلا يصح أن نقيس الغائب على الشاهد أي لا يصح أن نقيس الله تعالى على الانسان ، فعقل الانسان محدود ولا يستطيع أن يدرك غير المحدود، ولا يصح قياس غير المحدود على المحدود، فما تراه عقولنا واجبا أو تقصيرا إنما هو بناء على قوانين هذا العالم فلا يصح أن نخضعه جلّ وعلا شأنه لهذه القوانين وهو الذي خلق العالم، وهو الذي يديره حسب هذه القوانين التي جعلها له. وعليه فلا يصح أن نقول يجب على الله تعالى أن يفعل كذا ، أو أن نقول إذا لم يفعل كذا يكون مقصرا، كقولك بتقصير الله سبحانه وتعالى ان ترك بيان من يكون الخليفة من بعد الرسول، قال تعالى { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون }.


ثانيا- تتفاوت العقول في فهم المعالجات ، فكما يمكن أن يتصور العقل معالجة مسألة خلافة الرسول في الحكم بتعيينه من قبل الشارع يمكن أن يتصورها بجعل الأمر للمسلمين يختارون من بينهم من يرضونه خليفة، أو بتشكيل مجلس دائم لاختيار الخليفة، أو بغير ذلك من الحلول والمعالجات ممكنة التطبيق عقلا وفعلا. فلا يستطيع العقل أن يوجب معالجة بعينها على الله تعالى . فالايجاب العقلي للتعيين خطأ من هذه الناحية أيضا.

ثالثا- وأما القول بالاستخلاف بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم قياسا على استخلافه لبعض اصحابه على المدينة أثناء غيابه عنها لبينما يرجع من غزواته فليس هو قياسا شرعيا وانما هو قياس عقلي وادراك منطقي ، والقياس العقلي خطأ ولا يجوز. وأما أنه ليس قياسا شرعيا فذلك لعدم وجود العلة الشرعية أي العلة التي يدل عليها الدليل الشرعي. وليس مجرد وجود شبه يعني وجود علة شرعية، والقياس بمجرد وجود الشبه أو بمجرد وجود جامع مشترك في أمر هو القياس العقلي والادراك المنطقي وهو ما لا يجوز شرعا. وأيضا الحكم في الفرع " المقيس " ليس مماثلا للحكم في الأصل " المقيس عليه " لا في عينه ولا في جنسه، فالمقيس عليه استخلاف على المدينة فقط، والعمل به يكون في أثناء حياته صلى الله عليه وسلم فقط بل لبينما يرجع من غزواته، وهو أي استخلاف غيره على المدينة عمل من أعمال الحكم مما هو من صلاحيات رئيس الدولة ولا يلزم به من يأتي بعده، وأما المقيس فاستخلاف في رئاسة الدولة أي رئاسة عامة لجميع المسلمين ، وهو استخلاف بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو تشريع للمسلمين أي وحي من الله تعالى يلزم به جميع المسلمين لأن التعيين يكون هو بيان كيفية تنصيب الخليفة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . لكن حتى لو كانت العلة الشرعية موجودة وحتى لو تماثل الحكمين فإن وجود نص شرعي في حكم المقيس يمنع من القياس، فإذا وجد نص شرعي في الفرع أي في المقيس فلا محل للقياس، فالقياس يعمل به حين لا يوجد نص، ولم يقل أحد بعدم وجود نص شرعي يبين كيفية تنصيب الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وانما الخلاف حاصل في فهم هذه الكيفية ، وأنت نفسك تقول بوجود نص بل نصوص في التعيين، وغيرك يقول بوجود النصوص الدالة على أن كيفية تعيين الخليفة هي البيعة .
وأما أن القياس العقلي خطأ ولا يجوز فذلك لأن الأخذ بالادراك المنطقي يقتضي التسوية بين المتماثلات في أحكامها ولذلك يجعل القياس موجودا بين كل أمرين بينهما وجه شبه ، ولكن الشرع كثيرا ما فرق بين المتماثلات أي جعل للمتماثلات احكاما مختلفة ، كما أنه كثيرا ما جمع بين المختلفات أي جعل للمختلفات أحكاما واحدة ، وأيضا أثبت الشارع أحكاما لا مجال للعقل فيها. أما التفريق بين المتماثلات فمثاله أن الشارع قد أوجب غسل الثوب من بول الصبية الأنثى والرش من بول الصبي الغلام وأوجب الصوم على الحائض دون الصلاة ، وجعل عدة المطلقة ثلاثة قروء وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام مع استواء حال الرحم فيهما . فهذه أحكام تتشابه في أمر ويوجد فيها جامع فجاء الشارع وجعل لكل منهما حكما غير حكم الآخر ، مما يدل على أن مجرد وجود الجامع في أمر لا يكفي في للقياس، بل لا بد أن يكون هذا الجامع علة شرعية قد نص عليها الشرع . وأما قيام الشارع بالجمع بين المختلفات فمثاله الجمع بين الماء والتراب في جواز الطهارة مع أن الماء ينظف والتراب يشوه، وجعل الضمان واجبا على من قتل حيوانا أو طيرا في الصيد سواء أكان قتل الصيد عمدا أو خطأ مع أن هناك فرقا بين قتل الخطأ وقتل العمد، وجعل القتل عقوبة للمرتد وعقوبة للزاني المحصن وان اختلفت كيفيته مع أن هناك فرقا بين عمل كل منهما. وأما الأحكام التي لا مجال للعقل فيها فمثاله أن الشرع قد أوجب التعفف أي غض البصر بالنسبة إلى الحرة الشوهاء شعرها وبشرتها مع أن الطبع لا يميل إليها ، ولم يوجب غض البصر بالنسبة إلى الأمة الحسناء التي يميل إليها الطبع. وأيضا فقد أوجب الله تعالى القطع في سرقة القليل دون الغصب الكثير ، وشرط في شهادة الزنا أربعة رجال واكتفى بشاهدة القتل باثنين مع أن القتل أغلظ من الزنا، وأوجب الزكاة في الذهب والفضة ولم يشرعها في الماس والياقوت وغيرهما من المعادن النفيسة ، واحل البيع وحرم الربا مع أن كلا منهما بيع وهما متماثلان ، ونهى عن تقديس الأحجار وأمر بتقبيل الحجر الأسود ، وغير ذلك كثير. فلو جعل للعقل أن يفهم من مجموع الشرع علة ، أو يفهم من ظاهر النص علة، أو يفهم من مجرد التماثل بين حكمين وجود القياس بينهما لحرم كثيرا مما أباحه الله وأحل كثيرا مما حرمه الله ، ولذلك لا يجوز أن يحصل القياس إلا في علة ورد النص بها ، ولهذا يقول سيدنا عليّ رضي الله عنه : ( لو كان الدين يؤخذ قياسا لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره ) وفي رواية : ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخفين أحقَّ بالمسح من ظاهرهما ، ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما ).

لجميع هذه الأسباب كان من الخطأ أن تستدل بالعقل أو بالمنطق على ضرورة وجود نص بتعيين الخليفة. على أن الاستعانة بالمنطق لأجل إثبات صحة رأي معين يعتبر دليلا أو مؤشرا إما على افتقار ذلك الرأي إلى الدليل الشرعي أو على ضعف دلالة الدليل الشرعي عليه وإلا فيجب أن يُصار الى الدليل الشرعي نفسه مباشرة دون الحاجة إلى المقدمات المنطقية . فإذا كان الشارع قد عيّن الخليفة من بعد الرسول فيجب أن يؤتى بنص التعيين، فلا حاجة لوضع مقدمات منطقية لأجل اثبات ضرورة وجود نص في التعيين . فالاتيان بنص التعيين يكون هو الدليل على وجوده، وتكون دلالة النص على تعيين الشخص المعين كخليفة من بعد الرسول هي الدليل على تعيينه.

وبناء عليه فإن الدليل سواء على أن الشارع اعتبر الامامة ضرورة شرعية أو على أن الشارع لم يترك مسألة الخلافة من دون بيان أو على ماهية هذا البيان إنما هو الأدلة الشرعية وليس المنطق أو العقل. وقد دل الكتاب والسنة واجماع الصحابة رضوان الله عليهم على أن تنصيب خليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم واجب شرعي ، واجماع الصحابة يعتبر دليلا شرعيا كالكتاب والسنة والقياس ، فكونهم أجمعوا على تنصيب امام بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يعتبر دليلا شرعيا على وجوب تنصيب الامام وليس هو دليلا عقليا. والأدلة من الكتاب والسنة واجماع الصحابة دلت أيضا على كيفية معالجة الشارع لموضوع الخلافة. فالأدلة الشرعية لا العقلية ولا المنطق هي الدليل على أن الشارع لم يترك مسألة الخلافة من دون بيان وهي نفسها الدليل على الكيفية التي عيّنها الشارع في تنصيب الامام .

صالح عبد الرحمن 09-08-2001 01:59 AM

أخي العزيز أسعد الأسعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم ترد على سؤالي حول طريقة النقاش التي تفضل أن نتبعها ، كما لم تناقش تعقيبي على المسألة الأولى، لذلك أستكمل ان شاء الله تعالى التعقيب على جميع المسائل المتعلقة بموضوع " الامامة " .

صالح عبد الرحمن 09-08-2001 02:02 AM

المسألة الثانية :
مناقشة النصوص التي أوردها من يقولون أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد عين شخصا معينا للخلافة .
وهذه المناقشة منقولة نقلا حرفيا عن بحث بعنوان ( لم يعين الشرع شخصا معينا للخلافة ).
وهذا البحث يناقش ثلاث مسائل :

الأولى : امتناع ورود نص معين على تعيين شخص معين للخلافة.

الثانية : النصوص التي اوردها من يقولون ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخلف أبا بكر الصديق رضي الله عنه.

الثالثة : النصوص التي اوردها من يقولون ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخلف عليا بن ابي طالب رضي الله عنه .

صالح عبد الرحمن 09-08-2001 02:05 AM

" القول بان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عيَّن شخصا معينا يكون خليفة بعده يناقض نصوص الشريعة . والقول بان الرسول عليه السلام عيَّن الاشخاص الذين يكونون خلفاء بعده الى يوم القيامة ، اكثر مناقضة لنصوص الاسلام .
اما بطلان كون الرسول عين شخصا للخلافة بعده فانه ظاهر من عدة وجوه :

اولا- انه يتناقض مع البيعة، لان تعيين الشخص، يعني تعريف المسلمين من يكون الخليفة عليهم، وبذلك يكون الخليفة معلوما، فلم تبق الحاجة لتشريع البيعة. لان البيعة هي الطريقة لنصب الخليفة، فاذا عيّن سلفا لم تبق حاجة لبيان طريقة نصبه، لانه نصب بالفعل. ولا يقال ان البيعة هي اعطاء الطاعة لهذا الخليفة، لان الشرع نص على طاعة الخليفة وأولي الامر بنصوص أخرى كثيرة وهي غير نص البيعة. فالطاعة طلبت من المسلمين طابا صريحا . اما البيعة فقد طلبت من المسلمين طلبا آخر لا على اعتبارها طاعة، وان كانت النصوص تتضمن معنى الطاعة، ولكنها طلبت على اعتبار انها عقد للخلافة، ومعناها في جميع الاحاديث التي وردت فيها، هو اعطاء الرئاسة لمن يُبايع، والاستعداد للانقياد لهذه الرئاسة، وليس معناها الطاعة . فاشتراط البيعة لنصب الخليفة يناقض تعيين الرسول لشخص معين ان يكون خليفة من بعده.
على ان الفاظ البيعة التي جاءت في الاحاديث الصحيحة جاءت عامة ولم تخصص باشخاص، ومطلقة ولم تقيد بأي قيد، ولو كانت تعني بيعة شخص معيّن لما كانت عامة ومطلقة. فالاحاديث لفظها ( من مات وليس في عنقه بيعة ) ( من بايع اماما ) ( ورجل بايع اماما ) فالقول بأن الرسول نص على شخصمعين يكون خليفة بعده ينقضه ويبطله عموم البيعة واطلاقها.
ولا يقال ان هذا يعني ان البيعة هي عين نصب الخليفة مع ان نصب الخليفة غير البيعة، فلا بد ان ينصب الخليفة اولا ثم يبايع. لا يقال ذلك لان كون البيعة طريقة لنصب الخليفة لا يعني انها عين نصبه. ولا يقال انه لا بد ان ينصب الخليفة اولاً ويعرف نصبَه ثم يبايع ، لا يقال ذلك لان هذا يعني ان هناك طريقة اخرى لنصب الخليفة، وان البيعة هي مجرد اعطاء الطاعة، مع ان احاديث البيعة كلها تدل على انها طريقة النصب للخليفة وليست هناك طريقة غيرها. انظر قوله عليه السلام ( من مات وليس في عنقه بيعة ) فانها صريحة في انها تعني من مات ولم ينصب له امام ببيعة، ولا تعني مطلقا من مات ولم يطع اماما. وهذا يدل على ان البيعة في هذا الحديث تعني طريقة نصب الخليفة ولا تعني الطاعة وحدها. وانظر قوله عليه السلام ( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما ) فانه صريح بانه اذا نُصب خليفتان فاقتلوا الاخر منهما. وهكذا جميع احاديث البيعة صريحة في انها طريقة نصب الخليفة . واحاديث البيعة تدل على انها لا تعني الطاعة فقط ولا الطاعة مطلقا وانما تعني الانقياد لمن ينصب خليفة، مع معناها الذي هو طريقة نصب الخليفة. وفوق ذلك فانه لم يصح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اي حديث رواية ودراية يبين طريقة لنصب الخليفة غير البيعة مطلقا.

ثانيا- وردت احاديث من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تدل على انه سيكون نزاع بين الناس على الخلافة وتسابق عليها، فلو كان هنالك نص من الرسول على شخص لما كان هناك نزاع مع وجود النص، او لنص الرسول ان اناسا سينازعون هذا الشخص. ولكن النصوص جاءت بان النزاع يكون بين الناس مع بعضهم، وبين طريقة فض هذا النزاع والحسم في موضوع الخلافة. فقد روى مسلم في صحيحه قال : حدثني وهب بن يقية الواسطي حدثنا خالد بن عبد الله الجريري عن ابي نضرة عن ابي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ) وروى مسلم في صحيحه قال حدثنا زهير بن حرب واسحق بن ابراهيم قال اسحق اخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فاذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست اليه فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا ... اذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انه لم يكن نبي قبلي الا كان حقا عليه ان يدل امته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم الى ان قال : ومن بايع اماما فاعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ان استطاع فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ) . وروى مسلم في صحيحه قال : حدثنا محمد بن بشاء حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فرات القزاز عن ابي حازم قال قاعدت ابا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كانت بنو اسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وانه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الاول فالاول ) وروى مسلم في صحيحه قال : حدثني عثمان بن ابي شيبة حدثنا يونس بن ابي يعفور عن ابيه عن عرفجة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من اتاكم وامركم جميع على رجل واحد يريد ان يشق عصاكم او جماعتكم فاقتلوه ) وهذا معناه ان الخلافة حق لجميع المسلمين ، ولكل واحد ان ينازع عليها. وهذا يناقض كون الرسول يعين شخصا معينا يكون خليفة بعده .

ثالثا- ان الاحاديث التي وردت فيها كلمة امام بمعنى خليفة، وردت هذه الكلمة نكرة ، وحين وردت معرفة ، جاءت اما معرفة بأل التي للجنس واما معرفة بالاضافة بلفظ الجمع. ففي الامكنة التي جاءت فيها معرفة بأل، جاءت فيها أل الجنس بدليل سياق الجملة . فالرسول يقول ( من بايع اماما ) ( قام الى امام جائر ) ( يكون بعدي أئمة ) ويقول ( فالامام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ) انما الامام جنة يقاتل من ورائه ويُتقى به ) ويقول ( لأئمة المسلمين ) ( خيار ائمتكم ) ( شرار ائمتكم ) وهذا كله يدل على ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبهم من يكون خليفة ولم يعيّنه، وهو صريح في دلالته على ان الرسول لم يعين شخصا معينا للخلافة، بل جعلها حقا لجميع المسلمين. واذا أضيف اليها ان بعض النصوص وردت بصيغة الجمع ، كان ذلك نصا في نفي امامة شخص معين.

رابعا- ان الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا على الاشخاص الذين كانوا في ايامهم من يكون خليفة منهم. وهذا الاختلاف على الاشخاص دليل على ان الرسول لم يعين شخصا معينا للخلافة . ومن الاشخاص الذين اختلفوا ، الاشخاص الذين يقال ان الرسول نص على خلافتهم، وهما : ابو بكر وعلي . ومع اختلافهم لم يحتج أي واحد منهم بان هناك نصا من الرسول على ان الخلافة له ، ولم يحتج احد من الصحابة عموما بوجود نص على اشخاص، فلو كان هنالك نص لاحتجوا به، فعدم احتجاجهم بأي نص معناه انه لا يوجد نص على شخص معيَّن للخلافة. ولا يقال انه يوجد نص ولكن لم يبلغهم وعرف من بعدهم، لان ديننا اخذناه عن الصحابة فهم الذين نقلوا الينا القرآن، وهم الذين رووا لنا الحديث. فاذا لم يرد النص – اي نص- عن الصحابة فانه لا يعتبر ولا بوجه من الوجوه . فما جاء عنهم اخذناه وما لم يأت عنهم ضربنا به عرض الحائط. وفي مسألة النص على خليفة بعد الرسول ، نجد الصحابة جميعهم دون استثناء بما فيهم ابو بكر وعلي متفقين على عدم وجود اي نص على شخص معيَّن للخلافة، لعدم ذكرهم لذلك ، مع وجود دواعي القول ولزوم ذكر النص لو كان. فدل ذلك على بطلان كون الرسول عيَّن شخصا للخلافة . ولا يقال ان عدم ذكر النص كان حرصا على جمع كلمة المسلمين فان هذا يعني كتمان حكم من احكام الله وعدم تبليغه في الوقت الذي كانت الحاجة ماسة اليه. لا سيما وهو في امر من اعظم امور المسلمين . وهذا الكتمان لدين الله مما لا يجوز ان يصدر من صحابة رسول الله .

خامسا- وردت نصوص صريحة على ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف احدا ، بمعنى انه لم ينص على ان يكون شخص معين خليفة بعده. فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : قيل لعمر الا تستخلف ؟ قال ( ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني ابو بكر، وان اترك فقد ترك من هو خير مني، رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وروى مسلم عن ابن عمر ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ( ان الله عز وجل يحفظ دينه واني لئن لا استخلف فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وان استخلف فان ابا بكر قد استخلف ) . فهذا نص على ان الرسول لم يستخلف. ولا يقال ان هذا رأي لعمر ، فان الصحابي اذا قال : فعل رسول الله كذا، ولم يفعل كذا ، او كنا في عهده كذا، او كان في عهده كذا ، يكون هذا حديثا يحتج به ولا يكون قول صحابي. على ان عمر قال ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، وعلي رضي الله عنه كان، وبلغه هذا القول فلم ينكر على عمر منكر، مما يدل على موافقتهم على ما رواه عمر.

هذا من حيث امتناع ورود نص معين على تعيين شخص معين للخلافة، اما من حيث النصوص التي اوردها من يقولون ان هناك نصا على شخص معين، فان هذه النصوص ، منها ما اوردوه للدلالة على استخلاف الرسول لابي بكر لان يكون خليفة بعده، ومنها ما اوردوه للدلالة على استخلاف علي لان يكون خليفة بعده. ولا بد من ايرادها وبيان ما فيها .

كوكتيل 09-08-2001 08:27 AM

<FONT FACE="DECOTYPE THULUTH" SIZE="5"><FONT COLOR="#00007F">

...... السلام عليكم

الاخ الفاضـــل صالح عبد الرحمـــــــن

بارك الله فيك .. وزادك من نور علمه
وجزاك الله الخير كله

[ 09-08-2001: المشاركة عدلت بواسطة: كوكتيل ]

صالح عبد الرحمن 09-08-2001 03:48 PM

أخي الكريم كوكتيل
ذكرتني كلماتك الطيبة بهذا الدعاء :
( اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما . الحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال اهل النار ).
وهذا دعاء آخر :
( اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية ).
اللهم آمين وجزاك الله أخي كل خير.

صالح عبد الرحمن 09-08-2001 03:51 PM

تتمة البحث...

اما النصوص التي اوردها الذين يقولون ان الرسول استخلف ابا بكر فهي قسمان: قسم مدح الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ابا بكر، وليس فيها اي شيء يدل على انه استخلفه. وقسم استنبط منها بعضهم استنباطا ان الرسول استخلف ابا بكر. واستنبط آخرون انه رشحه للخلافة.

اما القسم الاول الذي مدح فيه الرسول ابا بكر ، فانا نورد نموذجا منها بذكر بعضها، وكلها لا تخرج عن معنى المدح .
روى البخاري عن ابي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ان من أمَنَّ الناس علي في صحبته وماله ابا بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت ابا بكر، ولكن اخوة الاسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب الا سُدّ ، الا باب ابي بكر ). وقد روى هذا الحديث مسلم ايضا بالفاظ غير هذه الالفاظ ، ولكنها قريبة منها. وهذا الحديث لا شيء فيه يجعل المرء يقول انه استخلاف لابي بكر، وكل ما فيه انه مدح لابي بكر من الرسول. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم مدح كثيرا من الصحابة باسمائهم. فقد وردت احاديث في مدح عمر وعثمان وعلي وسعد بن ابي وقاص وطلحة والزبير وابي عبيدة بن الجراح والحسن والحسين رضي الله عنهما، وزيد بن حارثة واسامة بن زيد وعبد الله بن جعفر وخديجة وعائشة وفاطمة بنت النبي عليه السلام وام سلمة وبلال وغيرهم. فمجرد المدح لا يدل على الاستخلاف ولا بوجه من الوجوه .

اما الاحاديث التي استنبط منها بعضهم خلافة ابي بكر، فانها اربعة احاديث نوردها ونبين ما في كل منها . وهذه الاحاديث هي :

اولا- روى البخاري عن القاسم بن محمد قال : ( قالت عائشة رضي الله عنها : وارأساه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذاك لو كان وانا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة : واثكلياه ، والله اني لاظنك تحب موتي ، ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل انا وارأساه، لقد هممت او أردت ان ارسل الى ابي بكر وابنه فأعهد ان يقول القائلون او يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون او يدفع الله ويأبى المؤمنون ) . وروى مسلم هذا الحديث عن عائشة بلفظ قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ( ادعي لي ابا بكر اباك واخاك حتى اكتب كتابا فاني اخاف ان يتمنى متمن ويقول قائل انا اولى، ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر ).

ثانيا- روى البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال : اتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فكلمته في شيء، فأمرها ان ترجع اليه، قالت يا رسول الله ارأيت ان جئت ولم اجدك – كأنها تريد الموت- قال : فان لم تجديني فأتي ابا بكر ) وروى مسلم هذا الحديث عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه بلفظ ( ان امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فأمرها ان ترجع اليه ، فقالت يا رسول الله ارأيت ان جئت فلم اجدك – قال ابي كانها تعني الموت – قال فان لم تجديني فأتي ابا بكر ).

ثالثا- روى البخاري عن عائشة ام المؤمنين ( ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه مروا ابا بكر يصلي بالناس ، قالت عائشة : قلت ان ابا بكر اذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل، فقال مروا ابا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة : فقلت لحفصة قولي ان ابا بكر اذا قام في مقامك لم يسمع الناس، ففعلت حفصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكن صواحب يوسف، مروا ابا بكر فليصل بالناس، فقالت حفصة لعائشة : ما كنت لاصيب منك خيرا ).

رابعا- روى مسلم عن ابي مليكة ( سمعت عائشة وسئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف ؟ قالت : ابو بكر ن فقيل لها : ثم من بعد ابي بكر ؟ قالت عمر . ثم قيل لها من بعد عمر ؟ قالت : ابو عبيدة بن الجراح . ثم انتهت الى هذا ).
وهذه الاحاديث كلها لا تصلح دليلا على استخلاف الرسول لابي بكر.

اما الحديث الاول فيرد لسببين ، احدهما ان الرسول يقول ( هممت واردت ) ولكنه لم يفعل ، فلا يكون دليلا لان الدليل هو قول الرسول وفعله وسكوته، اما ما عدا ذلك فلا يعتبر دليلا شرعيا . وثانيهما ان عائشة هي بنت ابي بكر، ولو كان هذا الحديث موجودا لعلمه ابو بكر ولاحتج به حين ذهب الى السقيفة يناقش الانصار حين اجتمعوا لبيعة خليفة منهم . وعليه فان هذا الحديث مردود ولا يصلح دليلا على استخلاف ابي بكر .

واما الحديث الثاني فلا يدل على استخلاف ابي بكر، لان المرأة قالت : ولم أجدك، فيصدق انها لا تجده لغيابه في غزوة من الغزوات، او في شأن من الشؤون، ولا يوجد فيه ما يدل على انها تريد من قولها ولم اجدك بان تكون قد مت. وما جاء في الحديث من قوله " كأنها تريد الموت " هو قول لجبير وفهم له. فأمرُ الرسول لها ان تذهب لابي بكر اذا جاءت ولم تجده، لا دلالة فيه على استخلاف ابي بكر في الخلافة بعد الرسول . على انه لو فرض انها تريد الموت فانه كذلك لا يعني انه لهذا القول عين ابا بكر ليكون خليفة بعده.

واما الحديث الثالث فهو استخلاف في الصلاة ليس غير، والاستخلاف في الصلاة لا يدل على الاستخلاف في الحكم. واما قولهم رضيه رسول الله لامر ديننا ، أفلا نرضاه لامر دنيانا، هو فهم لهم، وهو فهم خاطىء ، لان هناك فرقا شاسعا بين الصلاة وبين الحكم. فليس كل من يصلح لان يكون اماما في الصلاة يصلح لان يكون اماما في الحكم . على ان النص خاص بالصلاة ، فلا يشمل غيرها، ولا يصح ان يحمل على غيرها لخصوصية النص .

واما الحديث الرابع فانه لا يعتبر حديثا ، لانه لم يسند الى الرسول بشيء، وانما هو رأي لعائشة . ورأي الصحابة لا يحتج به ولا يعتبر دليلا شرعيا، ولذلك يرد لانه ليس بحديث ولا قيمة له في الاحكام الشرعية .

صالح عبد الرحمن 09-08-2001 03:52 PM

اما الاحاديث التي اوردها الذين يقولون ان الرسول استخلف عليا فهي ثلاثة اقسام : قسم مدح فيه الرسول سيدنا عليا رضي الله عنه، وقسم استنبط منها بعضهم استنباطا ان الرسول استخلف عليا، وقسم ورد فيها عند المحتجين نص صريح ان الرسول استخلف عليا .

اما القسم الاول الذي مدح فيه الرسول عليا ، فانا نورد نموذجا منها بذكر بعض الاحاديث، والباقي لا يخرج عن معنى المدح .
روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه ( ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، قال فبات الناس ليلتهم يدوكون ليلتهم ايهم يعطاها. فلما اصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو ان يعطاها ، فقال : اين علي بن ابي طالب ؟ فقالوا يشتكي عينيه يا رسول الله ، قال فارسلوا اليه فأتوني به، فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ). وروى مسلم هذا الحديث عن ابي هريرة بلفظ ( ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : لاعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الامارة الا يومئذ . قال فتساورت لها رجاء ان ادعى لها، قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب فاعطاه اياها ). وروى البخاري في باب مناقب علي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ( انت مني وانا منك ). وروى مسلم عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه ، قال : امر معاوية بن ابي سفيان سعدا، فقال ما منعك ان تسب أبا التراب ؟ فقال : اما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن اسبه، لان تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، الا انه لا نبي بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله . قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتي به ارمد، فبصق في عينيه ودفع الراية اليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية { فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : ( اللهم هؤلاء اهلي ). وروى مسلم عن سهل بن سعد قال : ( استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، قال فدعا سهل بن سعد ، فأمره ان يشتم عليا ، قال فأبى سهل، فقال له اما اذا أبيت فقل لعن الله ابا التراب ، فقال سهل : ما كان لعلي اسم احب اليه من ابي التراب وان كان ليفرح اذا دعي بها. فقال له اخبرنا عن قصته لمَ سُميَ ابا تراب قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة ، فلم يجد عليا في البيت فقال : اين ابن عمك ؟ فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقِل عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسان انظر اين هو، فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عنه ويقول : ( قم ابا التراب قم ابا التراب ). وروى مسلم عن عدي بن ثابت عن زرقال ، قال علي ( والذب فلق الحب وبرأ النسمة انه لعهد النبي الامي صلى الله عليه وسلم اليّ ان لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق ).
فهذه الاحاديث لا شيء فيها يجعل المرء يقول ان الرسول استخلف عليا ان يكون خليفة بعده. فحديث خيبر مدح فيه الرسول عليا. وقول الرسول لعلي ( أنت مني وانا منك ) مدح من الرسول لعلي . وحديث سعد فيه ( اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى ) وسيأتي الكلام عليه في القسم الثاني من احاديث هذا الموضوع. وفيه حديث خيبر وهو مدح، وفيه ان عليا وفاطمة وحسنا وحسينا اهله وهو مدح ، وحديث سهل بن سعد مدح . والرسول صلى الله عليه وسلم كما مدح سيدنا عليا مدح غيره من الصحابة . ومدح الرسول لشخص لا يدل على استخلافه ولا بوجه من الوجوه .

صالح عبد الرحمن 10-08-2001 12:34 AM

أما القسم الثاني من الأحاديث وهي التي استنبط منها بعضهم أن الرسول نص على أن يكون علي خليفة بعده، فإنها تتلخص في أربعة نصوص هي :

1- روى البخاري عن مصعب بن سعد عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليا وقال : أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال الا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ؟ الا انه ليس نبي بعدي ".
وروى مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي " أنت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي ". وروى مسلم عن إبراهيم بن سعد عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لعلي " اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى " .
وروى البخاري عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى " .
وروى ابن اسحق قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب رضوان الله عليه على اهله ، وأمره بالاقامة فيهم فأرجف به المنافقون، وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا وتخففا منه، فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال: يا نبي الله ، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني فقال " كذبوا، و لكنني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا أنه لا نبي بعدي " فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره ".
وذكر السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي في كتاب ( المراجعات ) ما نصه " حديث جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي انه يحل لك في المسجد ما يحل لي وانك مني بمنزلة هرون من موسى الا أنه لا نبي بعدي ".


2- روى مسلم عن يزيد بن حيان قال انطلقت انا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا اليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن اخي، والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما حدثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلفونيه. ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بما يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد الا ايها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . قال كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم ".
وذكر السيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه ( المراجعات ) هذا الحديث بالرواية الآتية " أخرج الطبراني بسند مجمع على صحته عن زيد بن أرقم قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم، تحت شجرات فقال : أيها الناس يوشك أن أدعى فاجيب واني مسؤول وانكم مسؤولون، فماذا انتم قائلون ؟ قالوا نشهد انك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيرا. فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وان جنته حق وان ناره حق، وان الموت حق وان البعث حق بعد الموت، وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ؟ قالوا بلى نشهد بذلك . قال : اللهم اشهد . ثم قال : يا أيها الناس ان الله مولاي ، وانا مولى المؤمنين، وانا أولى بهم من أنفسهم ، من كنت مولاه فهذا مولاه – يعني عليا- اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. ثم قال : يا أيها الناس اني فرطكم وانكم واردون علي الحوض، حوض اعرض ما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد من النجوم، قدحان من الفضة ، واني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل ، سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض ". انتهى ما ذكره السيد عبد الحسين شرف الدين.
وقال الشيخ عبد الحسين أحمد الاميني النجفي في كتابه ( الغدير ) ما نصه : " فلما قضى مناسكه – اي النبي صلى الله عليه وسلم – وانصرف راجعا الى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ووصل الى غدير خم من لجحفه التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل اليه جبرائيل الامين عن الله بقوله { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } الآية . وامره ان يقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل واحد، وكان اوائل القوم قريبا من الجحفة فأمر رسول الله ان يُرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام ان لا ينزل تحتهن احد. حتى اذا أخذ القوم منازلهم فقمّ ما تحتهن حتى اذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد اليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء وظُلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من صلاته قام خطيبا وسط القوم على اقتاب الابل واسمع الجميع رافعا عقيرته فقال : الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا الذي لا هادي لمن ضل ولا مضل لمن هدى، واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله، أما بعد : ايها الناس قد نباني اللطيف الخبير انه لم يعمر نبي الا مثل نصف عمر الذي قبله ، واني اوشك ان ادعى فأجيب ، واني مسؤول وانتم مسؤولون فماذا انتم قائلون ؟ قالوا نشهد انك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا. قال : ألستم تشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله، وان جنته حق وناره حق وان الموت حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ؟ قالوا بلى نشهد بذلك . قال : اللهم اشهد . ثم قال : ايها الناس الا تسمعون ؟ قالوا نعم . قال فاني فَرَط على الحوض وانتم واردون علي الحوض، وان عرضه ما بين صنعاء وبصرى فيه اقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ، فنادى مناد وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال : الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم اخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم اجمعون فقال : ايها الناس من اولى الناس بالمؤمنين من انفسهم ؟ قالوا الله ورسوله اعلم، قال : ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين وانا اولى بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ احمد امام الحنابلة اربع مرات، ثم قال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه، وابغض من ابغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه حيث دار، الا فليبلغ الشاهد الغائب ".


3- من يقولون أن الرسول نص على علي للخلافة، يروون في كتبهم احاديث. وهذه الأحاديث لا نجعل محل البحث فيها موضوع روايتها مع انه لم يروها الشيخان البخاري ومسلم وليست مروية من طريق الثقات واكثرها من الاحاديث الموضوعة ، لا نجعل محل البحث موضوع روايتها، حتى لا يقولوا ان هذه الاحاديث لم يروها الثقات عندكم وقد رواها الثقات عندنا وان من صح عنده الحديث له ان يحتج به، نعم لا نجعل ذلك موضع بحث وانما نجعل محل البحث النصوص نفسها حسبما وردت في رواياتهم . هذه النصوص التي يستنبطون منها ان الرسول قد استخلف عليا ليكون خليفة من بعده. وهذه الاحاديث يقولون لها احاديث الولاية، نورد قسما منها والباقي هو في نفس المعنى بل في نفس الالفاظ .

أ- أخرج أبو داود الطياليسي بالاسناد الى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن ابي طالب " أنت ولي كل مؤمن بعدي " .

ب- وجاء في كنز العمال عن عمران بن حصين إذ قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فاصطفى لنفسه من الخمس جارية ، فانكروا ذلك عليه، وتعاقد أربع منهم على شكايته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قدموا قام أحد الأربعة فقال : يا رسول ، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا، فأعرض عنه. وقام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه. وقام الثالث فقال مثل ما قال صاحباه ، فأعرض عنه. وقام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغضب يبصر في وجهه فقال ما تريدون من علي ؟ ان عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " .

ج- وفي حديث طويل عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلانا بسورة التوبة، فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال : لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه ".

د- وفي كنز العمال عن وهب بن حمزة قال : سافرت مع علي فرأيت منه جفاء، فقلت لئن رجعت لاشكونه. فرجعت فذكرت عليا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنلت منه فقال " لا تقولن هذا لعلي فانه وليكم بعدي ".

ه- وفي كنز العمال عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا بعدي وليوال وليه ".

و- في منتخب الكنز عن زياد بن مطرف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد، فليتول عليا وذريته من بعدي، فانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة ".

ز- في كنز العمال عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن ابي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ".

ح- وفي الكنز أيضا عن عمار مرفوعا " اللهم من آمن بي وصدقني فليتول علي بن أبي طالب، فان ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله تعالى ".


4- هناك أحاديث يرويها الذين يقولون أن الرسول نص على الخلافة لعلي . وهذه الاحاديث لم يروها احد من الثقات، واكثرها من الاحاديث الموضوعة. ونوردها لا لنبحثها من ناحية روايتها حتى لا يدعى انها صحيحة عند من رواها وانما نوردها لنجعل محل بحثها النصوص التي اوردوها حسب ما وردت في رواباتهم . وهذه الاحاديث تتضمن مؤآخاة الرسول لعلي وجعله الوارث من بعده . ونورد قسما منها والباقي هو في نفس المعنى بل في نفس الالفاظ :

أ- ان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين قبل الهجرة واصطفى عليا لنفسه. ومما جاء فيه في حديث المؤاخاة الاولى " فقال علي : يا رسول الله ، لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي بعثني بالحق ما أخرجتك الا لنفسي وانت مني بمنزلة هرون من موسى، غير انه لا نبي بعدي وانت اخي ووارثي . فقال وما ارث منك، قال ما ورث الانبياء من قبلي، كتاب ربهم وسنة نبيهم ".

ب- ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين المهاجرين والانصار بعد الهجرة بخمسة أشهر، ولم يؤاخ بين علي وبين احد من الانصار، ولم يؤاخ بين نفسه وبين احد من الانصار وانما اصطفاه لنفسه . ومما جاء في حديث المؤاخاة الثانية " ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي : أغضبت علي حين آخيت بين المهاجرين والانصار، ولم اؤاخ بينك وبين احد منهم، اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسىن الا انه ليس بعدي نبي ".

ج- وروي ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خرج على اصحابه يوما ووجهه مشرق فسأله عبد الرحمن بن عوف فقال " بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي بان الله زوج عليا من فاطمة " " ولما زفت سيدة النساء الى كفئها سيد العترة ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا ام ايمن ادعي لي اخي . فقالت هو اخوك وتُنكحه ؟ قال نعم يا ام ايمن . فدعت عليا فجاء " . وخاطبه النبي يوما في قضية كانت بينه وبين اخيه جعفر وزيد بن حارثة فقال له " واما انت يا علي فاخي وابو ولدي ومني والي ".

د- عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى علي يوما فقال " انت اخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرىء ذمتي ".

ه- في كنز العمال قال صلى الله عليه وسلم " مكتوب على باب الجنة لا اله الا الله محمد رسول الله، علي اخو رسول الله ".
هذه النصوص الاربعة، وهي نص جعله من الرسول بمنزلة هرون من موسى، ونص انه عليه السلام ترك كتاب الله وعترته، ونص الولاية، ونص المؤاخاة . هذه هي النصوص التي يَستنبِط منها بعض المسلمين ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استخلف عليا من بعده ، اي جعله هو الخليفة بعد وفاته . ولنأخذها نصا نصا :

صالح عبد الرحمن 10-08-2001 12:37 AM

اما النص الاول ، وهو نص جعلِ علي من الرسول بمنزلة هرون من موسى فانه يتبين معناه من دراسة المقام الذي قيل فيه ومن دراسة لفظه.

اما المقام فان الرسول قال هذا الحديث يوم غزوة تبوك. وذلك ان الرسول صلى الله عليه وآله سلم خلف على المدينة مكانه محمد بن مسلمة ليتولى رعاية شؤون المسلمين وادارة شؤون الحكم، وخلف سيدنا عليا رضي الله عنه على اهله وامره بالاقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتخففا منه، فلما قال ذلك المنافقون ، اخذ علي بن ابي طالب رضوان الله عليه سلاحه ثم خرج حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف، فقال : يا نبي الله ، زعم المنافقون انك انما خلفتني انك استثقلتني وتخففت مني، فقال : كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائين فارجع فاخلفني في أهلي واهلك أفلا ترضى يا علي ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى، الا انه لا نبي بعدي. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره. فالحديث الوارد في جعل علي من الرسول بمنزلة هرون من موسى وارد باستخلافه في اهله بدليل قول علي نفسه " اتخلفني في الصبيان والنساء " ؟ . فواقع الحادثة انه خلف في اهله، فلا يؤخذ منه انه خلفه في الخلافة، لا سيما اذا عرف انه عليه السلام خلف محمدا بن مسلمة على الحكم مكانه، وخص عليا بالاستخلاف على اهله وقال له " اهلي واهلك " .
على ان استخلاف الرسول لاحد اصحابه على الحكم حين خروجه للغزو لا يدل على ان هذا الشخص الذي خلفه هو خليفة مكانه، بدليل ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استخلف كثيرين في الغزوات. ففي غزوة العشيرة استعمل على المدينة ابا سلمة بن عبد الاسد. وفي غزوة سفوان استعمل على المدينة زيد بن حارثة. وفي غزوة بني لحيان استعمل على المدينة ابن ام مكتوم ، وهكذا . فاستخلاف الرسول لشخص على الحكم في المدينة مكانه لبينما يرجع من غزوة ، لا يدل على ان ذلك يعني استخلافه في الخلافة فكيف اذا استخلفه على اهله فقط ، واستخلف غيره في الحكم لبينما يرجع من الغزوة ؟

هذا من حيث الاستخلاف ، اما من حيث قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم " الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى " فان معنى ألفاظه : ألا ترضى ان يكون مثلك فيما تخلفني فيه ما يخلف هرون موسى ؟ فهو تشبيه لعلي بهرون، ووجه الشبه هو الاستخلاف ، اي مثلك في استخلافي لك مثل هرون في استخلاف موسى له. هذا هو معنى ألفاظ الحديث. ولا يوجد معنى غير هذا لألفاظ الحديث. ويعين هذا المعنى ويجعله وحده هو المراد قول علي للرسول " أتخلفني في الصبيان والنساء " ومجيء قول الرسول " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى " جوابا على سؤال علي هذا وردا على قوله . ولمعرفة ما يراد من هذا الحديث يرجع الى القرآن الكريم ليرى فيه موضوع استخلاف موسى لهرون ما هو ؟ وبالرجوع إلى القرآن الكريم نجد القصة يذكرها القرآن بالنص التالي وهو " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة ، وقال موسى لاخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " فيكون معنى الحديث : الا ترضى ان تخلفني في اهلي كما خلف هرون موسى في قومه، فتكون مني بمنزلة هرون من موسى بالاستخلاف ؟ ويكون المراد من الحديث تطييب خاطر علي لانه جاء غير راض بهذا الاستخلاف، وهو في نفس الوقت افهام لعلي انه هو الذي يقوم مقامه في اهله اذا غاب، كما قام هرون مقام موسى في قومه اذا غاب. واما قوله " الا انه لا نبي بعدي " نفي للنبوة عن الشبه، لان هرون كان نبيا، وهو نبي خلف نبيا اثناء غيابه. فاستثنى الرسول النبوة في ذلك رفعا لما قد يتوهم انه بمنزلته في النبوة . ولا يقال ان قوله " لا نبي بعدي " أي بعد وفاتي، لان الكلام في الاستخلاف حال الحياة، ذلك ان هرون كان نبيا مع موسى اثناء غيابه وليس بعد وفاته، وكان خليفته على قومه اثناء غيابه حال حياته وليس بعد وفاته . فقول الرسول " غير انه لا نبي بعدي " انما قاله لان هرون كان نبيا اثناء غياب موسى حال حياته. فلأجل ان ينفي النبوة عن علي قال هذا القول، فلا يأتي هنا موضوع الاستخلاف بعد الوفاة لانه غير موجود في هرون وموسى الذي هو الشبه به ، فلا يوجد في النبي وعلي الذي هو المشبه .

هذا هو معنى الحديث. ولا توجد فيه أية اشارة للاستخلاف في الخلافة، ولا يفهم منه مطلقا ان الرسول اراد بالحديث ان ينص على جعل علي خليفة على المسلمين بعد وفاة الرسول. فالحديث وارد في استخلاف علي على اهل الرسول مدة غيابه في غزوة تبوك . واما باقي الروايات التي وردت في هذا الحديث وهو قوله عليه السلام " الا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى " فمنها روايات صحيحة كرواية البخاري وكرواية مسلم في حديثيه عن عامر وابراهيم ولدي سعد، ومنها روايات غير صحيحة، ولكنها كلها تورد نفس النص. وهذا يعني أن الحديث قيل في تبوك وفي غير تبوك. والجواب على ذلك أن الروايات الصحيحة هي رواية جزء من القصة ، أي رواية قول الرسول وحده منفصلا عن القصة، وهذا لا يعني أنها حادثة غير حادثة تبوك، فان الرواة والمحدثين كثيرا ما يروون جزءا من حديث او جزءا من قصة ، فيقتصرون على رواية محل الشاهد. على انه لو فرضنا بأن الحديث لم يكن في وقعة تبوك وحدها بل قيل في تبوك وفي غير تبوك ، فانه يعني ان الرسول استخلف سيدنا علي رضي الله عنه على اهله دائما في تبوك وفي غيرها. ولا يدل على استخلافه كرم الله وجهه في الخلافة بعد وفاة الرسول، وكل ما يدل الحديث في شرح الفاظه وشرح معناه هو : الا ترضى ان أجعلك تخلفني على أهلي اثناء غيابي، وكلما غبت، كما خلف هرون موسى اثناء غيابه، الا ان هرون نبي وانت لست نبيا، لانه لا نبي بعد نبوتي. ولذلك جاء في رواية مسلم عن عامر بن سعد عن ابيه " اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبوة بعدي " أي بعد نبوتي . هذا هو التشبيه الذي شبه به الرسول عليا بالنسبة اليه بهرون بالنسبة لموسى، اي الاستخلاف ليس غير، والاستخلاف اثناء غيبة الرسول لا غير ، والاستخلاف على اهله كما هو نص الحديث لا يخرجه عن معناه ويجعل له معنى آخر غيره. فان كون الاستخلاف في تبوك انما كان في اهل الرسول ليس غير، ثابت لا شبهة فيه . والروايات التي تروي الحديث في غير تبوك انما تنقل كلها نفس النص الذي قيل في تبوك في الفاظه ومعناه ، ولا تذكر قيدا للاستخلاف غير القيد الذي ذكر في حادثة تبوك وهو الاهل، بل لا تذكر قيدا مطلقا. ولذلك تحمل على ما وردت فيه رواية تبوك وذلك لأن رواية تبوك مقيدة بالاهل وباقي الروايات مطلقة من اي قيد في الاستخلاف فيحمل المطلق على المقيد . ولا يقال ان الروايات الاخرى عامة ، فان الفاظ الحديث ليس من الفاظ العموم لان نص الروايات كلها سواء رواية : الا ترضى ، او رواية انك ، او رواية انت ، وما شابه ذلك " هو بمثابة هرون من موسى " فهذا الكلام خاص بمنزلة معينة هي منزلة هرون من موسى وليست منزلة عامة. الا ان منزلة هرون من موسى جاءت في بعض الروايات مطلقة ولم تقيد بقيد وقيدت بقيد الاهل في رواية من الروايات فيحمل المطلق على المقيد ، وتقيد جميع الروايات بالاهل .

واما باقي الامور التي طلبها موسى من الله في قوله ( واجعل لي وزيرا من اهلي ، هرون اخي اشدد به أزري، وأشركه في امري) فانه لا محل لها في منزلة هرون من موسى ولا في الاستخلاف ، اذ هي دعاء من موسى الى الله ان يجعل اخاه معينا له، وان يعطيه النبوة معه، لان امر موسى الذي طلب من الله ان يشرك هرون فيه هو النبوة والرسالة، واشراكه انما يكون في هذا الامر لا في الحكم، اذ لم يكن موسى حاكما وانما كان نبيا. على ان الطلب هو طلب معاونة له وطلب اشراك له في امره ، لا طلب استخلاف له. وفوق ذلك فان هذه الامور ليست مبينة لمنزلة موسى من هرون بل المبين لمنزلة موسى من هرون هو استخلافه على قومه اثناء غيابه. فمنزلته منه انه يخلفه في قومه اثناء غيابه. وعليه فلا وجود للمعاونة والمشاركة في النبوة في قول الرسول ( بمنزلة هرون من موسى ) بل المعنى محصور فيها بالاستخلاف في القوم ولا تحتمل النصوص معنى آخر غير هذا .
وقد يقال ان موسى كان حاكما لانه انزلت عليه شريعة ليحكم بها اذ فيها معالجات وعقوبات، وانه كان قائدا لجيش يريد ان يحتل بيت المقدس وقال له قومه اذهب انت وربك فقاتلا، فيكون استخلافه لهرون في قومه هو استخلاف في النبوة واستخلاف في الحكم أيضا.
والجواب على ذلك ان موسى لم يكن حاكما ، ولم يرو عنه لا في القرآن ولا في غيره انه قام بتنفيذ الاحكام على بني اسرائيل بالقوة والسلطان او انه كان حاكما عليهم. والذين حكموا بني اسرائيل بشريعة موسى ليس موسى نفسه ولا في حياته، وانما هم من جاء بعده من الانبياء مثل داود وسليمان وغيرهما من الملوك. واما قيادة موسى للجيوش فلم تحصل قط ، والآيات التي في سورة المائدة من آية 19 الى آية 26 ليس فيها أي شيء يدل على قيادة موسى للجيش وانما فيها ان موسى طلب من قومه دخول الارض المقدسة فرفضوا وقالوا له ان فيها قوما جبارين وانهم لن يدخلوها حتى يخرجوا هؤلاء الجبارين منها وطلبوا ان يذهب هو وربه فيقاتلا، وهو لم يذهب. وكان من جراء ذلك ان تاهوا في الارض اربعين سنة.
واما نزول شريعة على موسى فيها معالجات وعقوبات فان ذلك لا يعني انه حكم بها، بل الواقع انه جاء بها وبلغها لبني اسرائيل وحاول اخذهم الى بيت المقدس فكان ان تاهوا في سيناء ولم يحصل لهم استقرار في ايام موسى حتى انتهى عهده، وبعد ان انتهت عقوبتهم بالتيه انتقلوا بعد ذلك وحكمهم بشريعة موسى ملوك وانبياء منهم، وآيات القرآن تنطق بذلك في اكثر من سورة. على ان الآيات التي استخلف فيها هرون صريحة في انها استخلاف عن موسى في النبوة حين ذهب موسى ليتلقى عن الله ، وهي في سورة الاعراف من آية 141 { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة وقال موسى لاخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } الى آخر آية 155 { واختار موسى قومه سبعين رجلا } الآية . وكلها تتعلق بالنبوة والاستخلاف فيها وفي تلقي الالواح واتخاذ بني اسرائيل العجل ونحو ذلك وليس فيها ادنى صلة في الحكم والسلطان. ولا يحتمل ان يشتبه احد انها تتعلق بالحكم والسلطان.
وعليه فلا شبهة في ان موسى لم يكن حاكما ولم يستخلف هرون في الحكم مطلقا. هذا هو معنى احاديث المنزلة جميعها، سواء وردت لسبب كحادثة تبوك او وردت مطلقة، فانها تدل على ان الرسول جعل عليا على اهله يخلفه فيهم اثناء غيابه حال حياته . وبهذا العمل، اي الاستخلاف من الرسول لعلي يكون علي من الرسول بمنزلة هرون من موسى ، فلا توجد اي دلالة في هذه الاحاديث على ان الرسول نص على ان يكون علي خليفة على المسلمين في الحكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

صالح عبد الرحمن 10-08-2001 12:39 AM

وأما النص الثاني وهو حديث غدير خم، فانه في الرواية الصحيحة وهي رواية مسلم يوصي المسلمين بالتمسك في كتاب الله وفي اهل بيته ليكرموهم ويحترموهم ولا يؤذوهم، وليس فيه أي دلالة على ان الرسول يستخلف اهل بيته في الخلافة، فالحديث يقول " واهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي " وهذا ليس فيه ما يدل على انه جعل اهل بيته خلفاء على الناس في الحكم من بعد وفاته . واللفظ صريح ومنطوقه ومفهومه لا يفهم منه ابدا انه استخلف اهل بيته او احدا منهم على حكم المسلمين في الخلافة من بعده.
واما الروايتان الثانية والثالثة وجميع الروايات التي مثلها فانها لا تخرج عما جاء فيها ، فان في هذه الروايات امرين : احدهما جعل عليا مولى للمؤمنين بقوله " ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين، وانا اولى بهم من انفسهم، من كنت مولاه فهذا مولاه – يعني عليا- اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". اما الامر الثاني فهو انه يوصي في عترته خيرا فيقول " وعترتي اهل بيتي ، فانه نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض ". ولا يوجد في هذه الاحاديث كلها على تعددها وعلى اختلاف رواياتها غير هذين الامرين. اما الامر الاول، وهو الموالاة، فسنتحدث عنه عند الكلام عن احاديث الولاية بعد هذا النص مباشرة. واما الامر الثاني فلا يخرج عن كونه وصية للمسلمين بعترته اهل بيته خيرا، ليكرموهم ويحترموهم ولا يؤذوهم ، فانه سيسألهم عنهم، وان اهل بيته وكتاب الله سيظلان مقترنين الى يوم القيامة. فلا يوجد في هذه الاحاديث – احاديث غدير خم – اكثر من توصية المسلمين خيرا بعترته ولا يوجد فيها اي شيء يدل على استخلاف علي او استخلاف آل بيته في الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فأين الاستخلاف في قول الرسول حسب جميع الروايات السابقة التي روت حديث غدير خم " واني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي " او قوله " واني قد تركت فيكم الثقلين ، كتاب الله تعالى وعترتي " او قوله " واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي " او قوله " فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين " او قوله " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ". أيوجد في هذه النصوص اكثر من تذكير المسلمين بعترته عليه السلام وتوصيته بهم خيرا ؟ وهل يفهم احد من ذلك ان هذا يعني انهم خلفاء على المسلمين في الحكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ومن أين يؤخذ هذا ؟ أمن منطوق الكلام ام من مفهومه ؟
وعليه فليس في حديث خم في الروايات السابقة اي دليل على استخلاف علي على الخلافة ولا على استخلاف آل البيت فيسقط الاستدلال به .

صالح عبد الرحمن 10-08-2001 12:41 AM

وأما النص الثالث وهو احاديث الولاية ، فان هذه الاحاديث بهذه الالفاظ لم يخرجها الشيخان البخاري ومسلم. على ان هذه الاحاديث لو صحت عند من يحتجون بها على استخلاف علي، فان النصوص التي اوردوها لا يمكن ان يستنبط منها الاستخلاف. لان جميع الفاظها لا تخرج عن " ولي كل مؤمن بعدي " " وليكم بعدي " " انت ولي كل مؤمن بعدي " ولي المؤمنين من بعدي " " فمن تولاه فقد تولاني " " فان ولايته ولايتي " " وال من والاه " . فهذه الالفاظ وامثالها من سائر الروايات لا تخرج عن لفظ الولي ، والمولى ، والموالاة، ولذلك سموها احاديث الولاية. وتفسرها جميعها روايتهم في حديث غدير خم " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فالمراد منها نصرتهم ، وان يكونوا معهم وان يحملوا لهم الولاء والمحبة. وقد وردت كلمة ولي ووالى وتولى في القرآن ، قال تعالى { وهو يتولى الصالحين } { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } { انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } { إنما سلطانه على الذين يتولونه } { الله ولي الذين آمنوا } { والله ولي المؤمنين } { ليس لهم من دون الله ولي } { ومن يتخذ الشيطان وليا } { لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء } { فقد جعلنا لوليه سلطانا } { ان وليي الله } { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم } .
وفي اللغة : الولي ضد العدو . يقال منه : تولاه . والمولى الناصر، والسيد، والموالاة ضد المعادة، والولي : من يلي امر الصغير كالأب والجد . وولي النكاح وولي المال وولي اليتيم الذي يلي امره ويقوم بكفالته . وفي معجم لسان العرب " الولي من اسماء الله تعالى هو الناصر وقيل المتولي لامور العالم والخلائق القائم بها " وقال " والولي الصديق والنصير التابع المحب ". قال ابو العباس في قوله صلى الله عليه وسلم " من كنت مولاه فعلي مولاه " اي من احبني وتولاني فليتوله. وكلها في غير معنى الحكم والسلطان.
حتى ان شراح هذا الحديث ممن يقولون بانه ينص على خلافة علي لم يستطيعوا ان يأتوا بأي معنى صريح من اللغة بأن كلمة مولى معناها لغة الحكم والسلطان. فمثلا يقول الشيخ عبد الحسين احمد الاميني النجفي في كتابه ( الغدير ) في شرح حديث الغدير ما نصه : " الى هنا لم يبق للباحث ملنحد عن البخوع لمجيء المولى بمعنى الاولى بالشيء وان تنازلنا الى انه احد معانيه وانه من المشترك اللفظي ". وقد اورد لكلمة المولى سبعة وعشرين معنى ولم يذكر منها الحكم والسلطان فقال : بعد ان علمنا ان شيئا من معاني المولى المنتهية الى سبعة وعشرين معنى لا يمكن ارادته في الحديث الا ما يطابقهما من المعاني ألا وهي : : 1- الرب 2- العم 3- ابن العم 4- الابن 5- ابن الاخت 6- المعتق 7- المعتِق 8- العبد 9- المالك 10 – التابع 11- المنعم عليه 12- الشريك 13- الحليف 14- الصاحب 15- الجار 16- النزيل 17- الصهر 18- القريب 19- المنعم 20- الفقيد 21- الولي 22- الاولى بالشيء 23- السيد غير المالك والمعتق 24- المحب 25- الناصر 26- المتصرف في الامر 27- المتولي في الامر ". هذه هي المعاني التي اوردها ولم يورد اي معنى صريح لكلمة مولى بمعنى الحكم والسلطان. ولذلك فانه حين شرح هذه المعاني بالنسبة للحديث توصل الى معنى منها اختاره فقال " على ان الذي نرتأيه في خصوص المقام بعد الخوض في غمار اللغة ومجاميع الادب وجوامع العربية ان الحقيقة من معاني المولى ليس الا الاولى بالشيء وهو الجامع لهاتيك المعاني جمعاء ومأخوذ في كل منها بنوع من العناية ".
ومن ذلك يتبين انه لم يرد الولي بمعنى الحاكم، ولم ترد الموالاة بمعنى الحكم، لا في القرآن ولا في الحديث ولا في اللغة. والالفاظ تفسر اما بمعناها اللغوي او بمعناها الشرعي ، فمن اين يأتي تفسير هذه الاحاديث بان الولي والموالاة ، معناها اعطاء الخلافة لعلي ولآل البيت ؟ واننا لو سرنا مع الذين يستدلون بهذه الاحاديث بكل معنى من معاني ولي ومعاني مولاة فانه لم يرد لها معنى تولي الحكم مطلقا ولا في نص من النصوص. نعم حين نقرن كلمة ولي بكلمة امر فحينئذ يصبح معناها الحاكم فيقال " ولي الامر " . وفي الاحاديث التي يسمونها احاديث الولاية لم ترد كلمة الامر مع كلمة ولي لا في روايات من رواياتهم، ولا من روايات غيرهم، وحينئذ ينتفي من الاحاديث معنى تولي الخلافة بعد رسول الله .
نعم ان كلمة ولاية فقط – لا كلمة مولى ولا كلمة ولي ولا كلمة موالاة – لفظ مشترك له عدة معاني ، منها النصرة ومنها السلطان اي الحكم. وورد في الاحاديث التي يروونها حديث ذكره كنز العمال ، جاءت فيه كلمة ولاية فقد يقال ان هذه تعني الحكم بحسب ما نصت عليه اللغة . والجواب هو ان هذه الكلمة وردت في الحديث بمعنى تولى، ونص الحديث يدل عليها. فنصه كما يرويه المحتجون به هو ( اللهم من آمن بي وصدقني فليتول علي بن ابي طالب فان ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله تعالى ) وهذا النص يعين ان المراد منها النصرة، اذ الرسول يدعو من آمن به ليتولى علي بن ابي طالب، لان من يتولاه يتولى الرسول ومن يتولى الرسول يتولى الله. هذا هو معنى كلمة ولاية، ولذلك جاء التعبير بالفاء " فان ولايته ولايتي " ولا يمكن ان يفهم " فان اخذه السلطان هو اخذي " بل الذي يفهم فقط هو ان نصرته نصرتي . وبذلك يظهر ان جميع الاحاديث التي ورد فيها ان عليا ولي المؤمنين بعد الرسول ومولاهم، وان عليهم موالاته ، وان يتولوه لان ولايته ولاية للرسول، جميع هذه هذه الاحاديث مهما جرى تفسيرها حسب اللغة وحسب نصوص القرآن فانه لا يمكن ان تعطي تولي الحكم لا بحسب معنى الكلمة ولا بحسب وضعها في الجمل التي وردت في الاحاديث المذكورة. فلا تصلح لان تكون دليلا على ان الرسول استخلف عليا بالخلافة من بعده فيسقط حينئذ الاحتجاج بها .

وهنا لا بد ان ننبه الى مسألتين : احداهما ان كون الكلمة مشتقة من مادة معينة لا يعني ان جميع مشتقات هذه المادة تتحد في المعنى وان احداها تعطي معنى الاخرى. بل قد تعطي اللغة اكثر من كلمة للمعنى وقد لا تعطي للكلمة الا معنى واحدا وضعت له ولا يعطي هذا المعنى غيرها، وذلك كله حسب وضع العرب. فاتحاد الكلمات بالاشتقاق لا يعني الاتحاد في المعنى ، بل تأخذ الكلمة معناها الذي وضعه لها العرب بغض النظر عن مادة الاشتقاق. فكلمة جاء وكلمة أجاء هما من مادة واحدة ومع ذلك فجاء معناها أتى وأجاء معناها ألجأ، والنضو بكسر النون معناها البعير المهزول وبضم النون معناها الثوب الخلق. وكلمة مولى لا يعني كون من معانيها المتصرف بالامر والمتولي للامر وأولى الناس، ان يكون ذلك يعني الحكم والسلطان لان كلمة ولي الامر تعني الحكم والسلطان لانهما من اشتقاق واحد . فالمولى غير ولي الامر في المعنى ، والمتصرف في الامر والمتولي للامر ايضا غير ولي الامر في المعنى. فولي الامر خاصة بالحاكم. ومولى لها عدة معاني ليس منها الحكم. والمتصرف في الامر تعني المتصرف في كل امر ولا تعني الحاكم بخصوصه، ولا يفهم منها انها تعني الحكم، لان اللغة لم تضع ذلك لها. والمسألة مسألة توقيفية على ما وضع العرب للكلمة من معنى لا حسب ما يفهم الشخص من مجموع الكلمات او من مجموع المدلولات . وعليه فان كلمة مولى ما دام لم يضع لها العرب معنى الحكم والسلطان صراحة فلا تفسر بها مطلقا. هذه واحدة. أما المسألة الثانية ، فهي ان القرائن في الجملة مهما كانت لا تعطي الكلمة معنى غير معناها الذي وضعها له العرب في صريح أقوالهم. فالقرائن تعين معنى من المعاني المشتركة او المتضادة للكلمة وتصرفه عن غيره ولا تجعل هذه القرائن للكلمة معنى جديدا لم يضعه لها العرب. فكلمة مولى لفظ مشترك والجمل التي وردت فيها تعين لها معنى من هذه المعاني ولكنها لا تعطيها معنى جديدا. فكون كلمة مولى جاءت في الحديث الذي يقال له حديث الثقلين او حديث الغدير جاءت قرائن من الجمل تدل على الحث على اعتبار المسلمين لعلي بناء على اعتبارهم للرسول لا يعطيها معنى جديدا وهو ان يكون علي حاكما بعد الرسول، ما دامت اللغة لم تضع لها هذا المعنى. ومن هنا يظهر ان حديث الغدير وغيره مما جاءت فيه كلمة مولى وولي من الاحاديث لا يستنبط منها ان عليا خليفة لعدم وضع العرب هذا المعنى لهذه الكلمات صراحة .

صالح عبد الرحمن 10-08-2001 12:42 AM

واما النص الرابع وهو احاديث المؤاخاة ، فإن مجرد قراءتها يسقط الاحتجاج بها من رؤية جملها والفاظها. فان النصوص التي وردت فيه هي " انت أخي وارثي " " أخي وابن عمي " " أخي وأبو ولدي " " ومني وإليّ " " أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرىء ذمتي " " علي أخو رسول الله " وكلها ألفاظ وجمل لا يمكن لاحد أن يستنبط منها الاستخلاف لا من قريب ولا من بعيد. لانها لا تزيد عن امور خاصة بين اثنين احدهما يعبر عن شدة قرب الآخر منه بانه اخوه. فالرسول يعبر عن شدة قرب علي منه بانه اخوه وبانه منه، وبانه معينه ويقضي ديونه . وليس في هذا اي امر عام ولا علاقة له بالحكم والخلافة. ولو فرضنا ان عليا اخ الرسول الشقيق او انه ابنه، فانه لا يدل على ان ذلك معناه ان يكون خليفة بعده. فقوله لعلي انت اخي او ابني او وزيري او غير ذلك لا علاقة لها بالحكم ولا دلالة فيها على الاستخلاف في الخلافة، لا من قريب ولا من بعيد، لا لغة ولا شرعا، ولا بأي وجه من الوجوه. فلا تصلح هذه الاحاديث حجة على ان الرسول عهد إلى علي بالخلافة من بعده، فيسقط الاحتجاج بها

أسعد الأسعد 10-08-2001 08:45 AM

الأخ الكريم صالح عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد الله سبحانه وتعالى على تمكنك من إرسال ردك ويسرني قبول اقتراحك بعدم الانتقال إلى نقطة جديدة إلا بعد الفراغ من النقطة التي قبلها مع ملاحظة أننا قد نصل في بعض النقاط إلى طريق مسدود ولكن هذا لا يمنع من استمرار الحوار لأن نقاط هذا الحوار كثيرة فإن عجزت نقطة عن إقناعي أو إقناعك فلن تعجز النقاط الأخرى وأما عن اعتذارك عن التأخير فإنك في غنى عنه فمن هو في مثل أخلاقك لا يحتاج لأن يعتذر وأنت معذور عندي على كل حال .. وها أنا أتأخر هذه المرة أيضا في الرد فليعذر كل منا الآخر .

وأما ما يخص التعقيب الذي كتبته فإننا نستطيع من خلاله أن ننتهي إلى أننا متفقون تمام الاتفاق على ضرورة تعيين إمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ولكننا مختلفين في الاستدلال على هذه الضرورة . فأنت ترى أن الدليل على هذه الضرورة محصور في الأدلة الشرعية بينما أنا أرى أن الأدلة على هذه الضرورة هي أدلة عقلية وشرعية.
وأما تعليقي على ما ورد في تعقيبك السابق فهو كالآتي :

أولا : لقد حكمت بخطأ الاستدلال بالعقل أو المنطق على ضرورة ( الإمامة ) وعلى ضرورة بيانها من قبل الشارع المقدس وذكرت لذلك عدة أسباب فقلت في السبب الأول أن ( العقل أو الفكر هو نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ) وملاحظتي على كلامك هذا هي أنك أولا جعلت العقل والفكر شيئا واحدا وهما بالطبع ليسا كذلك فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية .. فبالعقل ندرك أن الكل أعظم من الجزء وبالعقل ندرك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد .. فالعقل إذن هو أداة التفكير الأولى .. وأما الفكر فهو حصيلة ما اكتسبه الإنسان من خلال استخدامه للعقل ومن خلال تعلمه وتجاربه.. ثانيا أنك اعتبرت العقل هو عملية ( نقل الواقع إلى الدماغ ) والعقل كما أوضحنا ليس كذلك بل وليس من مهمته ذلك أيضا وإنما هو أداة تعمل كما يعمل الميزان فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير. كما وأنك قلت أن ( التفكير في غير الواقع المحسوس ليس فكرا ولا تفكيرا وإنما هو تخيل وأوهام ) والواقع أن حصرك التفكير في الأمور الحسية في غير محله لأننا نرى العقل يدرك أمورا غير حسية كثيرة فمثلاً نرى العقل يدرك المعاني والمعاني ليست من المحسوسات ولا يقتصر إدراكه للمعاني على معاني الأمور المحسوسة بل يدرك معاني الأمور غير المحسوسة أيضا فيدرك مثلا معنى العدم ولا خلاف بأن العدم من الأمور غير المحسوسة كما أن العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها ويدرك عدم وجود أكثر من إله ( دون الحاجة إلى أي دليل نقلي ) ويدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق وعلة لكل معلول ويدرك أن هناك أمورا مستحيلة كاجتماع المتناقضين وكل ذلك ليست من الأمور الحسية. لذلك فإن محاولتك إثبات أن مجال العقل هو فقط العالم المحسوس نرى أنها محاولة غير ناجحة. وبما أنك اعتمدت في إثبات عدم قدرة العقل على إدراك ( ضرورة الإمامة ) على هذه المحاولة فإن إثباتك غير قائم.

والغريب أنك تتبنى هذا الرأي فحسب معلوماتي أن الماديين هم الذين يقولون بأن العقل مجاله المحسوسات فقط وقد تم التصدي لقولهم وإثبات فساده حتى خلت الساحات العلمية من هذا القول.

وأما الآيات الكريمة { لا تدركه الأبصار } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { ليس كمثله شيء } فإنها تـنـزه الله عن إن إمكانية وصفه أو رؤيته عز وجل ولا تنفي وجود ضروريات يحكم بها العقل حتى لو كانت هذه الضروريات متعلقة بالله سبحانه وتعالى وقد يعتبر البعض لأول وهلة أن في هذه العبارة جرأة على الله سبحانه وتعالى ولكن بقليل من التأمل فإن تلك العبارة هي من كمال التوحيد وللتوضيح أذكر هذه الأمثلة :
1ـ العقل يدرك أن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود وأنه قديم وليس محدث.
2ـ العقل يدرك ويقرر أن الله سبحانه وتعالى ليس له جسم لأن لو كان له جسم لكان محدودا ومفتقرا للمكان الذي يوجد فيه والله تعالى غني مطلق غير مفتقر لأي شيء ثم أننا لو قبلنا بقول أن الله مجسم وأنه محدود وأنه محتاج للمكان فإن ذلك يلزمنا بالقول بأن المكان قديم وليس مخلوق والحال أن المكان من المخلوقات ولم يقل أحد خلاف ذلك.
3ـ العقل يقرر أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يصدر منه القبيح كالكذب أو الظلم.
وغير ذلك مما يقرره العقل.

بل لولا هذه الضروريات التي يقررها العقل لما ثبت شيء مما جاء به رسولنا محمد صلى الله عليه وآله لأننا إذا قلنا أن العقل لا يقرر هذه الضروريات ومنها ( نفي الكذب عن الله سبحانه وتعالى ) فإن إمكانية الكذب تبقى قائمة مهما نفاها الله عن نفسه لأنه كلما نفى ذلك عن نفسه يبقى احتمال كونه كاذبا في كل نفي يأتي به .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وبذلك نقول أن العقل يقرر ويدرك أن الصدق واجب على الله تعالى. والجدير بالملاحظة أننا عندما نقول أن شيئا ما واجب على الله فإننا لا نقولها من باب إصدار الأوامر على الله بل من باب الإقرار بالواقع فعندما نقول يجب على الله الصدق فنحن لا نصدر الأمر على الله بأن يكون صادقا بل هو إقرار بشيء لا يمكن إلا أن يكون.

ذكرت حفظك الله في ( ثالثا ) أن : الاستخلاف بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله قياسا على استخلافه لبعض أصحابه على المدينة أثناء غيابه عنها لبينما يرجع من غزواته ليس قياسا شرعيا وإنما هو قياس عقلي وإدراك منطقي ، والقياس العقلي خطأ ولا يجوز.

فأقول تعقيبا على ذلك أن القياس المنطقي ليس خطأ في جميع الأحوال فهناك نوع من القياس المنطقي صحيح ولا غبار عليه وذلك عندما يكون تحت قاعدة الأولى ( بفتح الهمزة ) ومثال ذلك : الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ) فإن الآية منعت من قول أف للوالدين وهذا يدل على منع ما هو أعظم من ذلك بمعنى أننا نستطيع القول : بما أن قول أف للوالدين محرم فمن باب أولى أن يكون الصراخ عليهم محرم وكذلك ضربهم وهذا قياس منطقي ولا يعترض عليه أحد. والقياس في الاستخلاف من هذا الباب أيضا.

على أن ضرورة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة عقلا بشكل لا يحتمل أي تشكيك .. فهل يجيز العقل أن تظل الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله دون خليفة ؟ لا أظن أن أحدا لديه أدنى درجات العقل يقول بذلك.


وأما قولك في ( ثانيا ) : تتفاوت العقول في فهم المعالجات ، فكما يمكن أن يتصور العقل معالجة مسألة خلافة الرسول في الحكم بتعيينه من قبل الشارع يمكن أن يتصورها بجعل الأمر للمسلمين يختارون من بينهم من يرضونه خليفة، أو بتشكيل مجلس دائم لاختيار الخليفة، أو بغير ذلك من الحلول والمعالجات ممكنة التطبيق عقلا وفعلا. فلا يستطيع العقل أن يوجب معالجة بعينها على الله تعالى . فالايجاب العقلي للتعيين خطأ من هذه الناحية أيضا.

فإنك بذلك قد أثرت نقطة من نقاط الخلاف الأساسية بين الشيعة والسنة وهي تتعلق بالقول بضرورة العصمة للإمام الذي يخلف الرسول وبيان ذلك هو الآتي :

من المعلوم أن من الضروري أن يكون هناك إمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ومن المعلوم أيضا أن الله قد فرض علينا طاعته فإذا لم يكن هذا الإمام معصوما فمن الممكن أن يأمرنا بما يخالف شرع الله فإذا حصل منه ذلك وقد أمرنا الله بطاعته فمعنى ذلك أن الله أمرنا بتنفيذ تلك الأوامر المخالفة للشرع.. وقد تقول أننا نستطيع أن لا نطيعه إلا إذا أمر بالحق أما إذا خالف الحق فليس له علينا طاعة.. فأقول ردا على هذا القول أن الإمام العادل عندما يأمرنا بشيء فلابد أنه قد رأى ذلك حقا وصوابا . ولكن في حالة أن أصبح ما يراه الإمام حقا يراه بعض الرعية باطلا كيف بنا أن نميز من هو صاحب الرأي الصحيح ؟ ثم رأي من يكون نافذا ؟ فإن قلت أمر الإمام هو الذي يجب أن يكون نافذا فسوف نقع في نفس الإشكال الذي أوضحناه قبل قليل وهو أنه في حالة كون الإمام مخطئا فسوف تكون النتيجة أن الله قد أمرنا بتنفيذ ما يخالف الشرع ؟ كما وسينتج عندنا إشكال آخر وهو كيف يستطيع أولئك الذين رأوا الإمام مخطئا أن يطيعوه ؟ ألا يعتبر ذلك طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟
أما إذا قلت أمر من خالفه هو الذي يكون نافذا فنكون قد خالفنا رأي الإمام دون أن نجزم بخطئه فنحن لم نجزم بصحة رأي من خالفه .. ثم ماذا لو تعددت الآراء التي خالفت رأي الإمام ولم يتيسر الاتفاق ؟ هل يعمل كل صاحب رأي برأيه ؟ وباختصار فإن الإمام إذا لم يكن معصوما فلن تستقيم الأمور ولن نستطيع أن نطيع الله الطاعة الحقيقية ولن نعرف هل نحن نطيع الله أم نعصيه ..

ومن خلال ما سبق يتضح أن الإيجاب العقلي للتعيين صواب لأن من خلال ما سبق يثبت أن العقل لا يقبل معالجة الخلافة بغير العصمة وحيث أن العصمة محصورة في جهة معينة اختارها الله سبحانه وتعالى فإن الخلافة محصورة في نفس تلك الجهة.

وأما قولك : ( أن الاستعانة بالمنطق لأجل إثبات صحة رأي معين يعتبر دليلا أو مؤشرا إما على افتقار ذلك الرأي إلى الدليل الشرعي أو على ضعف دلالة الدليل الشرعي عليه وإلا فيجب أن يُصار الى الدليل الشرعي نفسه مباشرة دون الحاجة إلى المقدمات المنطقية . فإذا كان الشارع قد عيّن الخليفة من بعد الرسول فيجب أن يؤتى بنص التعيين، فلا حاجة لوضع مقدمات منطقية لأجل اثبات ضرورة وجود نص في التعيين . فالاتيان بنص التعيين يكون هو الدليل على وجوده، وتكون دلالة النص على تعيين الشخص المعين كخليفة من بعد الرسول هي الدليل على تعيينه ).


فتعليقا على ذلك أقول أننا قد أوضحنا أن الاستعانة بالمنطق على دلالة رأي معين من الأمور المقبولة . بل من الثابت أن إثبات وجود الله سبحانه وتعالى ينحصر في الإثباتات العقلية والمنطقية ومعنى ذلك أن الإثباتات العقلية لا تدل على الضعف بل العكس هو الصحيح على أننا لا نحصر أدلة تعـيـيـن الخليفة على العقل والمنطق فقط بل لدينا من الأدلة النقلية ما يكفي لذلك سواء من القرآن أو السنة وقد ذكرت لك في مشاركتي السابقة بعض تلك الأدلة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك أيها الأخ العزيز ولجميع المؤمنين والمؤمنات وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

أسعد الأسعد 10-08-2001 12:46 PM

الأخ العزيز صالح عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إليكم هذا التوضيح :
فلقد غبت عن الخيمة وعن الإنترنت عموما لظروف معينة ولما عدت فوجئت بالكم الهائل من التعقيبات التي وردت من شخصكم الكريم وإني أهنئكم على هذا العزم القوي والجهد الكبير الذي بذلتموه وما ورد في تلك التعقيبات يدل على عظيم معرفتكم وسعة اطلاعكم .
وأود الإشارة إلى أن مشاركتي السابقة هي تعقيب على تعقيبك الأول فقط وسوف أقوم بالتعقيب على تعقيباتكم التي تفضلتم بها على التوالي. مع رجاء تقدير أنني لا أستطيع أن أجاريكم في سرعة الرد ولكم خالص الشكر والتقدير.

أسعد الأسعد 10-08-2001 12:46 PM



[ 10-08-2001: المشاركة عدلت بواسطة: أسعد الأسعد ]

صالح عبد الرحمن 11-08-2001 07:07 PM

أخي الفاضل أسعد الأسعد
كان قد بقي من الرد على أدلتكم القسم الثالث من الأدلة ، فأحببت أن أضع الرد بين يديك قبل ان ابدا بالرد على تعقيبك حتى يتسنى لك دراسته مع ما سبقه.
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه.

صالح عبد الرحمن 11-08-2001 07:11 PM

أما القسم الثالث الذي ورد فيه نص صريح ان الرسول استخلف عليا ليكون خليفة من بعده فهو حديثان : احدهما رواية من روايات حديث الغدير في رواية من روايات صاحب كتاب ( الغدير ) ، والثاني الحديث الذي يسمونه حديث الدار.


اما رواية صاحب كتاب الغدير فانه ذكر رواية له في اول كتابه لم يذكر فيها كلمة " وصيي وخليفتي " وذكر رواية أخرى نسبها للطبري ورد فيها لفظ وصيي وخليفتي صريحا فقد قال – اي الشيخ عبد الحسين احمد الاميني النجفي صاحب كتاب الغدير في كتابه تحت عنوان : الغدير في كتاب العزيز – ما نصه " الحافظ ابو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310ه . اخرج باسناده في – كتاب الولاية في طريق الغدير – عن زيد بن ارقم قال : لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع وكان في وقت الضحى وحر شديد امر بالدوحات فقمت ونادى بالصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال : ان الله تعالى انزل إلي { بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } وقد امرني جبريل عن ربي ان اقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود ان علي بن ابي طالب اخي ووصي وخليفتي والامام بعدي ". هذه احدى روايات غدير خم.

وهذه الرواية ترد دراية، ونصها يجعل ما قيل فيها من الوصاية والاستخلاف والامامة بعد الرسول باطلا لا اصل له وذلك لعدة وجوه :

أحدها : ان هذه الآية لم تنزل في حجة الوداع وانما نزلت بعد سورة الفتح عام الحديبية ، فان هذه الآية من سورة المائدة ، وسورة المائدة نزلت بعد سورة الفتح وسورة الفتح نزلت اثناء رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم من صلح الحديبية. ونظرة واحدة الى المصحف تري ببساطة ووضوح وقت نزول آية { يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك } وتري انها نزلت بعد الفتح. فتكون الآية نزلت قبل حجة الوداع بأربع سنين ولا علاقة لها بحديث غدير خم على جميع الروايات، لان جميع روايات حديث خم تقول انه حصل في حجة الوداع. وهذا وحده كاف لرد الحديث والقطع ببطلان ما زعم فيه من الوصية والاستخلاف .

ثانيها : ان معنى الآية صريح في منطوقها ومفهومها في ان الرسول أمر بتبليغ ما أنزل اليه من ربه، وما أنزل اليه من ربه هو الرسالة الاسلامية. ويعين ذلك ويجعله وحده المعنى المقصود دون غيره قوله في نفس الآية { وان لم تفعل فما بلغت رسالته } أي وان لم تبلغ ما أنزل إليك فانك لا تكون بلغت رسالته، وهذا نص بأن المراد بقوله { ما أنزل اليك } رسالة الله وليس شيئا آخر.
وفوق ذلك فإن كلمة { بلغ } حيثما وردت في القرآن فالمراد منها تبليغ رسالة الله ، ولم ترد في غير هذا المعنى في القرآن مطلقا. قال تعالى { يبلغون رسالات الله } { أبلغكم رسالات ربي } { وأبلغكم ما أرسلت به } { أبلغوا رسالات ربهم } { أبلغكم رسالة ربي } { أبلغتكم رسالات ربي } { أبلغتكم ما أرسلت به }.
وأيضا فإن كلمة { ما أنزل إليك } حيثما وردت في القرآن فالمراد منها الشريعة ولم ترد في غير هذا المعنى في القرآن مطلقا . قال تعالى { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } { نؤمن بما أنزل علينا } { آمنا بالله وما أنزل إلينا وما انزل الى ابراهيم } { آمن الرسول بما انزل اليه من ربه } { قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم } { وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم } { هل تنقمون منا الا ان آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل من قبل } { ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم } { حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم وليزيدنَّ كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا } { واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع } وهكذا جميع الآيات في القرآن . وآية { بلغ ما انزل اليك } قد ذكرت في الآية التي قبلها كلمة ما انزل وفيها وفي الآية التي بعدها بمعنى واحد هو الشريعة ، حتى أن اللفظ في الآية التي بعدها هو نفس اللفظ الذي فيها { ما أنزل إليك من ربك } وهذا كله يعين أن معنى { ما أنزل إليك } في قوله { بلغ ما انزل اليك } هو الشريعة الاسلامية. وهو واضح لكل من يتتبع كل كلمة من هاتين الكلمتين { بلغ } و { ما أنزل إليك } في جميع آيات القرآن .

ثالثها : ان { أنزل } في قوله { ما أنزل إليك } فعل ماض مبني للمجهول وهو يعني أن ما يريد منه أن يبلغه سبق ان انزل إليه من الله ، أي سبق ان جاء به الوحي وانزل على الرسول، فالله يأمر الرسول ان يبلغ الناس ما سبق وانزل اليه. فيكون المعنى تبليغ شيء نزل قبل نزول الآية، لا تبليغ امر معين حاصل بنزول الآية ونزلت الآية في شأنه وأمر بتبليغه وفسره الرسول بانه الوصية والاستخلاف. لذلك لا يتأتى جعل الحديث شرحا لسبب نزول الآية . لأن الحديث الذي يكون سبب نزول الآية ، تكون الآية نزلت في الحادثة التي يذكرها الحديث فتكون نزلت في شيء وقت حصوله، وهذه الآية صريحة بأنها تبليغ شيء حصل قبل ان تنزل الآية . ومن هنا لا يصلح الحديث سببا للنزول.

رابعها : ان كلمة { ما } في قوله { ما أنزل إليك } اسم موصول او نكرة مقصودة وهي تصلح لان يكون ما أنزل اليه امرا واحدا وحكما واحدا ، وتصلح ان يكون ما انزل اليه امورا متعددة واحكاما كثيرة. أي يصلح لان يكون معناها بلغ الحكم الذي انزل اليك، ويصلح ان يكون معناها بلغ جميع ما انزلناه اليك من الامور والاحكام . والذي يعين احد المعنيين هو القرينة. ومن مجرد قراءة الآية فضلا عن التدقيق فيها يتبين ان قوله { فما بلغت رسالته } يعين في قوله رسالته ان معنى { ما } هو جميع ما انزل اليك وهو رسالة الله ، وينفي ان يكون معنى { ما } الحكم الذي انزل اليك نفيا قاطعا، فوق كون كلمة رسالته قد بينت معنى ما أنزل اليك بانه رسالة الله .

خامسها : ان قوله تعالى في ختام الآية { والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين } تطمين من الله للرسول وأمان له من الأذى الذي يصيبه من جراء تبليغ رسالته، وهذا التطمين لا يكون من اذى يصيبه من تبليغ حكم معين وانما هو تطمين من اذى يصيبه من تبليغ الرسالة كلها للكفار ولا سيما اذا كان تبليغها يصحبه القتال. فمعنى ختام الآية والله يعصمك في تبليغ هذه الرسالة بواسطة الجهاد من اذى الناس . لانه حين نزلت هذه الآية كانت طريقة تبليغ الرسالة هي الجهاد أي القتال بالسيف . ولا يمكن ان يراد يعصمك من حساد علي في جعل الخلافة له اي يعصمه على حد قولهم من ابي بكر وعمر وعثمان وامثالهم. لان العصمة في الآية من الناس لا من المؤمنين. ويعين ان المراد بالناس هم الكفار قوله في ختام الآية { ان الله لا يهدي القوم الكافرين } . وعليه يكون وعد الله للرسول في حمايته وحفظه من اذى الكفار في تبليغ ما انزل اليه يعين ان المراد من التبليغ في الآية تبليغ رسالة الاسلام .

قد يقال ان الرسول سبق وبلغ الرسالة قبل نزول هذه الآية فلا معنى لقوله بلغ ما انزل اليك وهو قائم بالتبليغ. والجواب على ذلك هو ان هذا الامر بالتبليغ لا يخرج عن احد امرين : اما ان يكون الرسول كتم الرسالة ولم يبلغها ، واما ان يكون هنالك اناس لم يبلغهم الرسالة بعد ويعتبر عدم تبليغهم عدم تبليغ للرسالة للعالم. ولا يمكن ان هذا الامر يعني كتمانا لحكم معين انزل اليه ولم يبلغه، ولا تبليغا لحكم معين لا تتم الرسالة الا به. وذلك لان كتمان حكم واحد يطعن في نبوة الرسول ورسالته ككتمان رسالته كلها فيستحيل ان يكون كتمانا لحكم معين. ولأن الآية تقول { فما بلغت رسالته } فهي تنفي التبليغ . وهذا يعني انه لم يبلغ الرسالة ، لا انه لم يبلغ حكما معينا، لا سيما وان تبليغ حكم واحد يعتبر تبليغا للرسالة . والرسول من اول يوم كان يبلغ الاحكام حسب نزولها منجما وكان يعتبر تبليغه كل حكم تبليغا . ولهذا لا يمكن ان يكون المعنى لم تبلغ حكما معينا ، بل الذي تعطيه الجملة انه لم يبلغ الرسالة . وبما انه يستحيل عليه عدم التبليغ وثبت انه قبل نزول هذه الآية كان يبلغ ، فيكون معنى نزول الآية ان هنالك اناسا لم يبلغهم الرسالة بعد ، ويعتبر عدم تبليغهم عدم تبليغ للرسالة للعالم، والتبليغ للرسالة لا يعتبر تبليغا لهم الا اذا كان تبليغا للعالم. لذلك امره الله بتبليغ الرسالة للناس الذين لم يبلغهم ، اي بتبليغها للعالم حتى يعتبر تبليغا، وان يكون هذا التبليغ بطريقة الجهاد. ويؤيد هذا ان الآية نزلت على الرسول بعد صلح الحديبية، وقد كان العدو الرئيسي الذي يحاربه الرسول لنشر الدعوة حتى ذلك التاريخ هم قريش ، فبصلحهم ربما يفهم وقف التبليغ في الجهاد، فأمره الله بالاستمرار في التبليغ بطريقة الجهاد لباقي الناس الذين لم يبلغهم من العرب والروم والفرس والقبط وغيرهم حتى يكون تبليغه تبليغا للرسالة للعالم حتى يعتبر تبليغا لهذه الرسالة العالمية. وهذا ما حصل بالفعل ، فبعد نزول هذه الآية قاتل الرسول اليهود في خيبر، وجهز معركة مؤتة، وذهب في جيش ضخم الى تبوك ليحارب الروم وأقام فيها، وفتح مكة ، وكاتب ملوك فارس والقبط والروم وسائر الملوك مما يتضح منه معنى نزول قوله { بلغ ما أنزل إليك } وقوله { فما بلغت رسالته } وقوله { والله يعصمك من الناس } وقوله { ان الله لا يهدي القوم الكافرين }.
.....

صالح عبد الرحمن 11-08-2001 07:14 PM

واما حديث الدار كما يرويه كنز العمال وشرح نهج البلاغة فانه يتلخص فيما يلي:
لما نزلت { وانذر عشيرتك الاقربين } دعا الرسول عليا وكلفه بتحضير الطعام ودعوة آل عبد المطلب ، فقام علي بتنفيذ الاوامر . وبعد ان شبع القوم وارتووا ، وقف الرسول بينهم خاطبا : يا بني عبد المطلب اني والله ما اعلم ان شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله ان أدعوكم اليه فأيكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم ، احجم القوم عن الدعوة الا عليا وهو احدثهم سنا، فقد أجاب قائلا : انا يا رسول الله اكون وزيرك عليه، اما النبي فقد اعاد القول ولا يزال القوم محجمين، ولا يزال علي معلنا القبول، وعندئذ اخذ النبي برقبة علي وقال للحاضرين : هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا ، والقوم يضحكون من النبي ودعوته وقد قالوا لابي طالب وهم يخرجون من دار النبي : قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع ". هذه خلاصة حديث الدار كما يرويها المحتجون بها .

وقد روى البخاري حادثة يوم نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } بأن الرسول صعد على الصفا ولم يرو اعداد الطعام. وروى احمد بن حنبل في مسنده حديثين، حديثا عن صنع الطعام ولم يذكر فيه انه كان يوم نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } وحديثا ذكر فيه انه صنع الطعام يوم نزلت الآية. ونعرض هذه النصوص اولا ثم نبين ما فيها :
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ولما نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل اذا لم يستطع ان يخرج، ارسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء ابو لهب وقريش فقال : ارأيتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم اكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم ما جربنا عليك الا صدقا ، قال فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبا لك سائر هذا اليوم، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب }. وهذا يدل على ان حادثة صنع الطعام لم تكن يوم نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } لانها لا تلتئم مع ما ورد في نص الحديث.

روى أحمد بن حنبل في مسنده قال : ( حدثنا عفان ، حدثنا ابو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم او دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب العرق، قال فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا، قال وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بِغُمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس او لم يشرب، فقال : يا بني عبد المطلب، اني بعثت لكم خاصة والى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون اخي وصاحبي ؟ قال فلم يقم اليه احد ، قال فقمت اليه وكنت اصغر القوم قال : فقال اجلس. قال : ثلاث مرات كل ذلك اقوم اليه فيقول لي اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ) انتهى النص . ومنه يتبين انه لا ذكر لحادثة نزول { وانذر عشيرتك الأقربين } وان الرسول عرض عليهم الاسلام ومن يسلم يكن اخا الرسول وصاحبه ولم يقل لعلي شيئا.
واما الرواية الثانية فقد روى احمد بن حنبل في مسنده قال : ( حدثنا اسود بن عامر حدثنا شريك عن الاعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الاسدي عن علي قال : لما نزلت هذه الآية { وانذر عشيرتك الأقربين } قال : جمع النبي صلى الله عليه وسلم اهل بيته ، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا قال : فقال لهم : من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليلي في اهلي ؟ فقال رجل لم يسمه شريك : يا رسول الله انت كنت بحراً من يقوم بهذا . قال : ثم قال الآخر ، قال : فعرض ذلك على اهل بيته، فقال علي : انا ) انتهى النص . ومنه يتبين ان الرسول طلب من اهله شخصا يضمن دينه ومواعيده وجزاء ذلك يكون معه في الجنة ويكون خليله في اهله، فقال علي أنا . ولا يوجد في هذين النصين كلمة وصيي ، ولا كلمة خليفتي. وهذه النصوص هي التي وردت في الكتب الصحاح ووردت هي نفسها بروايات متعددة بالفاظ متقاربة ومعاني واحدة، ولم يرد فيها جميعها كلمة وصيي ولا كلمة خليفتي، ولم يرو أحد من أصحاب الصحاح جميعهم، ولا من طريق ثقة من الثقات حديثا فيه كلمة وصيي او كلمة خليفتي، لا بالنسبة لعلي ولا بالنسبة لغيره..

اما النص الذي رواه من يحتجون باستخلاف علي واطلقوا عليه اسم حديث الدار، فان هذا النص بهذه الرواية مردود دراية. والحديث يرد دراية من حيث المعنى، ورواية من حيث السند. فاذا رد رواية او رد دراية سقط اعتباره، وسقط الاحتجاج به. اما رده دراية فلعدة امور منها :

اولا- في هذا الحديث يُرى ان الرسول يطلب مؤازرة آل عبد المطلب له في دعوته ويشترط ان يكون لهم الامر من بعده . وهذا باطل من وجهين :
احدهما انه يناقض قول الرسول وفعله في حادثة حين رفض طلب قبيلة ان يكون لها الامر من بعده اذا اسلمت ، وقال " الامر لله يضعه حيث يشاء ". فقد روى روى ابن هشام في كتابه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قال ابن اسحق وحدثني الزهري انه اتى عامر بن صعصعة، فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بحيرة بن فراس : والله لو اني اخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به العرب، ثم قال له : أرأيت ان نحن بايعناك على امرك ثم اظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الامر من بعدك ؟ قال : الامر لله يضعه حيث يشاء. قال : فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الامر لغيرنا ، لا حاجة لنا بأمرك، فابوا عليه ) فكيف يقول الرسول " الامر لله يضعه حيث يشاء " اي أمر الخلافة والحكم من بعده، ويقول لبني عبد المطلب " فأيكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم " أليس ذلك تناقضا واضحا ؟ فلا بد ان يكون احد القولين مردود حتما. وبما ان حديث الدار يقال انه كان حين نزلت { وانذر عشيرتك الأقربين } اي في السنة الثالثة للبعثة وحديث " الامر لله يضعه حيث يشاء " قد حصل حين عرض الرسول نفسه على القبائل اي في السنة العاشرة للبعثة اي بعد حديث الدار فيكون حديث الدار هو المردود.

اما الوجه الثاني فهو ان الرسول في هذا الحديث يجعل للكفار شيئا حتى يسلموا ، بل يجعل لهم أعظم الامور وهو الخلافة من بعده على المسلمين جميعا ثمنا لدخولهم في الاسلام ، وهذا يناقض عمل الرسول في دعوته ويناقض احكام الشرع. فالرسول كان يدعو الناس للاسلام لانه الدين الحق، ولم يرو عنه ولا حديث ضعيف ، انه جعل شيئا قل او كثر لكافر مقابل ان يدخل في الاسلام. واما المؤلفة قلوبهم فهم مسلمون يعطون من الزكاة لتتقوى بهم الدولة، وليسوا كفارا يعطون ليدخلوا في الاسلام، ولا يجوز أن يعطى الكفار شيئا مقابل ان يدخلوا في الاسلام.

ثانيا- ان الحديث يذكر ان الرسول قد أولم الوليمة وأعد الطعام للكفار من اجل ان يدعوهم للاسلام، وجمعهم على الطعام ليدخلوا في الاسلام، ولم يصنع الطعام لعلي المسلم، فاذا رفض هؤلاء الاسلام ورفضوا ان يكون لهم الامر من بعده مقابل ان يسلموا ، فلا شأن لعلي في ذلك حتى يتصدى للاجابة لانه ليس مدعوا للاسلام اذ هو مسلم، ولا خطاب موجه له، فلا شأن له في هذا الاجتماع حتى يقول له " هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " اذ هو ليس محل خطاب ولا محل مفاوضة.

ثالثا- ان الحديث يذكر ان القوم رفضوا الاسلام، وبالرغم من تكرار عرضه عليهم اصروا على الكفر وعلى رفض ان يكون لهم الامر من بعده مقابل دخولهم في الاسلام ، وظلوا كفارا فكيف يقول لهم الرسول مخاطبا اياهم " هذا خليفتي فيكم " ويأمرهم بالسمع والطاعة له ، وهو يعلم انهم كفار قد رفضوا الاسلام ؟ وكيف يكون خليفة فيهم وهم كفار ؟

رابعا- ان الرواية التي يروونها تقول " هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " فهو خطاب لآل عبد المطلب، اذ صدّر الكلام بقوله يا بني عبد المطلب، فهو خاص بهم، اذ قد جعله خليفة فيهم، اي في آل عبد المطلب لا خليفة للمسلمين، اذ قال " وخليفتي فيكم " فلا يكون حينئذ خليفة للمسلمين كما هو صريح النص . ولا يقال هنا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لأن هذه واقعة عين ، وليست سببا. فضلا عن ان اللفظ أيضا خاص وليس بعام " يا بني عبد المطلب " " وخليفتي فيكم " فتلزمه الخصوصية من حيث كون الحادثة واقعة عين لا سببا، ومن حيث عدم عمومية اللفظ.

فهذه الامور الاربعة يكفي واحد منها ان يبرز كذب هذا الحديث وتناقضه، وانه واجب الرد دراية. وبهذا يتبين ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على جعل علي خليفة بعده. ومن ذلك كله يتبين ان الاحاديث التي رواها من يحتجون بان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عيّن شخصا للخلافة بعده احاديث مردودة لا تصلح للاحتجاج فتسقط. فلم يبق اي دليل على ان الرسول عين احدا ليتولى الخلافة بعده، بل قام الدليل على عكس ذلك ، اي على ان الرسول ترك الامر للمسلمين من حيث الاشخاص يختارون من يريدون ولكنه عين لهم طريقة نصب الخليفة.


واما خطأ القول بان الرسول عين الاشخاص الذين يكونون بعده، فانه ظاهر من عدم دلالة الاحاديث التي قالوا انه عين عليا فيها. ومن يقولون ان الخلافة لهم انما يقولون ذلك لهم لانهم ابناء علي، فاذا سقطت حجيتهم بالنسبة لعلي سقطت بالنسبة لاولاده تبعا لسقوط الحجة بالنسبة له. وفوق ذلك فان الاحاديث التي يروونها باعتبارها دليلا على خلافة ابناء علي بالنص من الله ورسوله، هي الاحاديث المتعلقة بآل البيت ، كلها تتضمن المدح وليس اكثر من ذلك ، ويعتبر حديث الثقلين اي حديث غدير خم نموذجا لها، وقد تبين بوضوح سقوط الاحتجاج به وتتبعه باقي الاحاديث " .
انتهى البحث المنقول.

صلاح الدين 12-08-2001 03:00 AM

تحية خالصة من القلب والعقل للأخ صالح عبد الرحمن، ففي موضوعه من الموضوعية والعلمية والحيْدة ما يصلح أن يكون قدوة لكتابنا ومشاركينا وكثير ممن يتصدون لعرض الفكر الإسلامي على الناس.
جزاكم الله خيراً.

مالكوم إكس 12-08-2001 11:56 AM

إلى الأخ صالح عبد الرحمن جزاك الله الف خير وامض شامخا ولا تنتهي حتى ترى أن الحق واضح له .

صالح عبد الرحمن 14-08-2001 01:55 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الأفاضل
صلاح الدين ومالكوم اكس وكوكتيل
كلماتكم أثارت في نفسي الاحساس بعظم المسؤولية عما نكتب .
وجزاكم الله كل خير .

صالح عبد الرحمن 14-08-2001 01:58 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم أسعد الأسعد

الموضوع الذي نناقشه تفرعت عنه مسائل كثيرة، فاقترح حتى لا تتداخل المسائل ببعضها البعض أن نفرد لكل مسألة صفحة خاصة بحيث تضم جميع المداخلات الخاصة بها، فمثلا مسألة " الأدلة العقلية والمنطقية " نجعل لها صفحة خاصة، بحيث ننقل مداخلاتي ومداخلاتك على الترتيب حتى يسهل علينا مراجعتها وتغطيتها تغطية تامة من حيث المناقشة. وسأبادر الى فتح صفحة جديدة لهذه المسألة فإن لم يكن عندك اعتراض أضع ردي على تعقيبك الأخير فيها فور الانتهاء من اعداده ان شاء الله تعالى، والا وضعته هنا في هذه الصفحة أو تقترح علي ما تراه مناسبا.
حتى لا أشغلك بالرد على الاقتراح أفهم موافقتك من عدم الرد.

أسعد الأسعد 15-08-2001 08:50 AM

الأخ الكريم صالح عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليكم التعقيب الأول على البحث الذي أوردتموه وهذا التعقيب سوف يكون حول المسألة الأولى من ذلك البحث والتي أراد صاحبه أن يثبت من خلالها ( امتناع ورود نص معين على تعيين شخص معين للخلافة ). وقد ذكر لذلك عدة وجوه نناقشها على التوالي :
الوجه الأول :حيث قال فيه : ( ان تعيين شخص معين للخلافة يتناقض مع البيعة، لان تعيين الشخص، يعني تعريف المسلمين من يكون الخليفة عليهم، وبذلك يكون الخليفة معلوما، فلم تبق الحاجة لتشريع البيعة. لان البيعة هي الطريقة لنصب الخليفة، فاذا عيّن سلفا لم تبق حاجة لبيان طريقة نصبه، لانه نصب بالفعل. ولا يقال ان البيعة هي اعطاء الطاعة لهذا الخليفة، لان الشرع نص على طاعة الخليفة وأولي الامر بنصوص أخرى كثيرة وهي غير نص البيعة. فالطاعة طلبت من المسلمين طابا صريحا ) .

وتعليقا على هذا القول أبدأ بالجملة الأولى من العبارة السابقة متسائلا ومستغربا أيضا : أين التناقض في الجمع بين تعيين شخص وطلب البيعة إليه ؟ نحن نعلم أن الجمع بين النقيضين مستحيل .. ولكن هل نستطيع القول أن البيعة والتعيين نقيضان فلا يجتمعان ؟ من الواضح أن التعيين والبيعة لا يجمع بينهما أي تناقض .. ولمزيد من توضيح التناقض نورد بعض الأمثلة فنقول : لو ادعى أحد أن الله أمرنا بالصوم والإفطار معا في يوم واحد فسوف نقول له أن هذا غير صحيح لأن الأمر بالصوم يتناقض مع الأمر بالإفطار ولا يمكن الجمع بينهما كذلك لو ادعى أحد أن الله تعالى حكم بنجاسة شيء معين وفي نفس الوقت حكم بطهارته فنقول هذا أيضا تناقض ولو ادعى أحد أن الله تعالى عادل ولكن من الممكن أن يظلم أحدا فنقول هذا تناقض ولو ادعى أحد أن شخصا معينا يتمتع بصحة جيدة ولكنه في نفس الوقت يعاني من مرض خطير فنقول أن في ذلك تناقض ولو ادعى أحد أن ( أحمد ) أكبر سنا من ( علي ) ولكنه أيضا أصغر منه فهذا تناقض أيضا ولو ادعى أحد أن ( أحمد ) أسرع من (علي ) ولكنه في نفس الوقت أبطأ منه فنقول هذا أيضا تناقض .. نلاحظ من هذه الأمثلة أن الصوم أتى مقابل الإفطار .. والطهارة مقابل النجاسة .. والعدل مقابل الظلم .. والصحة مقابل المرض .. وكلمة أسرع مقابل أبطأ .. وكلمة أكبر مقابل كلمة أصغر .. فهل نستطيع القول أن ( البيعة ) و ( التعيين ) يأتيان على نفس ذلك المنوال فنقول أن الجمع بينهما يعتبر تناقضا ؟! من الواضح أن البيعة والـتـعـيـيـن لا يمثلان أي نوع من أنواع التقابل وبذلك لا يصح أبدا أن نقول أن التعيين يتناقض مع البيعة. بل أن إمكانية الجمع بينهما من المسلمات البديهية .. أوليس بالإمكان أن يعين الرسول أحدا ويعلن للناس هذا التعيين ثم يطلب منهم أن يبايعوه ؟! أين التناقض في ذلك ؟!

أما التعليل الذي ذكره وهو عدم الحاجة للبيعة إذا ما تم تعيين الإمام فأقول لماذا لا يحمل ذلك على نحو التأكيد فقد رأينا أن القرآن الكريم والسنة المطهرة يستخدمان أسلوب التكرار للتأكيد على شيء معين فمثلا نرى الله سبحانه وتعالى يأمر بالعدل مرات متعددة فهل نقول ما دام الله تعالى قد أمرنا بالعدل في آية معينة فلا حاجة لأن يأمرنا مرة أخرى بنفس الأمر في آية أخرى ؟ وهل نقول أن الأمر بالعدل قد تم وانتهى ولسنا في حاجة لتكرار هذا الأمر ؟ وكذلك الآيات الدالة على وجوب الصلاة كثيرة فهل نقول ما دام الله تعالى قد أمرنا بالصلاة في آية معينة فلا حاجة لأن يأمرنا مرة أخرى بها في آيات أخرى؟!
إذن فالقول بعدم الحاجة إلى شيء معين لأن هذا الشيء قد تم بيانه قول خاطئ. والقول أن بيان شيء معين قد تم بيانه مسبقا يعتبر تناقضا قول خاطئ أيضا.


ونلاحظ أن صاحب البحث قد حاول نفي معنى البيعة بأنها إعلان القبول والتسليم والاعتراف بإمامة الإمام وذلك في عبارته ( ولا يقال ان البيعة هي اعطاء الطاعة لهذا الخليفة ، لان الشرع نص على طاعة الخليفة وأولي الامر بنصوص أخرى كثيرة وهي غير نص البيعة. )

ونلاحظ انه اعتمد في نفيه هذا على أن الشرع قد نص على طاعة الخليفة بنصوص أخرى غير نص البيعة. وقد أوضحنا قبل قليل أن وجود نصوص تحث على طاعة الإمام لا يتعارض مع كون البيعة هي إعطاء الطاعة له وقلنا أن ذلك نوع من التكرار في الحث على طاعة الإمام. وأقول مكررا لا وجود لأي تعارض بين أن يأمر الشرع المسلمين بمبايعة الخليفة وإعطاء الطاعة له ثم يأتي ( أي الشرع ) مرة أخرى بنصوص تحث على طاعة ذلك الإمام ؟ بل إن ذلك من الطبيعي وهو ما دأبت عليه النصوص القرآنية والنبوية من تكرار حث الناس على الالتزام بأداء جميع العبادات ومنها الالتزام بطاعة الإمام والالتزام بالعهد الذي أخذوه على أنفسهم . لذلك فإن الاستناد الذي اعتمد عليه في هذا النفي غير صحيح.

على أننا لسنا محتاجين لكل هذا القول فالمسألة واضحة في عدم وجود أي تعارض بين التنصيب والبيعة لأن التنصيب معناه تعيين الإمام من قبل المشرع. وأما المبايعة فهي إعلان القبول والإقرار والاعتراف من قبل الناس بإمامة ذلك الإمام الذي تم تنصيبه وإعطاء الطاعة له. والمشرع حينما يقوم بالتعيين فإنما يقوم بأداء وظيفة معينة هو مسؤول عن أدائها .. والناس حينما يقومون بالمبايعة فإنهم يقومون بأداء وظيفة هم مسؤولون عن أدائها.

وأما عبارته : ( ولا يقال ان هذا يعني ان البيعة هي عين نصب الخليفة مع ان نصب الخليفة غير البيعة، فلا بد ان ينصب الخليفة اولا ثم يبايع. لا يقال ذلك لان كون البيعة طريقة لنصب الخليفة لا يعني انها عين نصبه. ولا يقال انه لا بد ان ينصب الخليفة اولاً ويعرف نصبَه ثم يبايع ، لا يقال ذلك لان هذا يعني ان هناك طريقة اخرى لنصب الخليفة، وان البيعة هي مجرد اعطاء الطاعة، مع ان احاديث البيعة كلها تدل على انها طريقة النصب للخليفة وليست هناك طريقة غيرها )

فإننا نلاحظ من خلالها أنه قد أوقع نفسه في تناقض صارخ فتارة يقول ( لابد أن ينصب الخليفة أولا ثم يبايع ) وتارة أخرى ينفي هذا المعنى ويقول ( ولا يقال انه لا بد أن ينصب الخليفة أولا ويعرف نصبَه ثم يبايع ) أولا .. مع ملاحظة أن الفرق بين الجملتين سطر واحد فقط.

ثم أننا نستطيع أيضا أن نلاحظ من خلال تلك الفقرة أنه اعتبر ( بيعة الإمام ) غير ( نصبه ) ثم أكد على أن ( النصب ) لابد وأن يتم قبل ( المبايعة ) وهذا كلام صحيح ولا غبار عليه ولكننا نقف هنا وقفة قصيرة ونقول : مادام النصب يتم قبل المبايعة فمعنى ذلك أنه يتم بدونها وما دام أنه يتم بدونها فهو غير متوقف عليها ولا يحتاجها مطلقا .. لذلك فإن صاحب البحث بكلامه هذا يكون قد دلل على بطلان قوله بأن النصب ليس له طريقة إلا البيعة .. بل لو أمعنا النظر في كلام صاحب البحث لرأينا أنه أوقع نفسه في الدور المحكوم بالبطلان فقد أتى بشيئين ( النصب ) و ( البيعة ) وقال أن النصب لابد وأن يأتي أولا ثم تأتي بعده البيعة ولكنه بعد ذلك قال أن هذا النصب لا يتم إلا بالبيعة أي أنه قال أن الشيء الأول متوقف في وجوده على الشيء الثاني مع أن الشيء الثاني يجب أن لا يوجد إلا بعد وجود الشيء الأول وهذا هو عين الدور المحكوم بالبطلان.

أما عبارته في ثانيا : ( وردت أحاديث من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تدل على انه سيكون نزاع بين الناس على الخلافة وتسابق عليها، فلو كان هنالك نص من الرسول على شخص لما كان هناك نزاع مع وجود النص )

فإننا نلاحظ من خلالها أنه افترض أن بمجرد وجود نص من القرآن أو من الرسول في شيء معين فإن أحدا لن يخالف ذلك النص وسوف يتم اتباع وتطبيق تعاليم ذلك النص بحذافيره وبذلك لن يكون هناك أي نزاع .. ولكن لو ألقينا نظرة سريعة على الأحداث التي جرت بعد وفاة الرسول لرأينا كثيرا من المخالفات الصريحة لكثير من النصوص حتى وصل الأمر بالبعض إلى الارتداد ويكفي أن ننظر إلى النصوص الصريحة التي جاءت لتوصي بأهل البيت خيرا لنرى كيف خولفت هذه النصوص بل قام البعض بمعاملة أهل البيت وكأن التوصية بهم كانت توصية بإيذائهم ومحاربتهم وقتلهم فالإمام علي حورب والإمام الحسن حورب والإمام الحسين حورب. فلو كان وجود النص يكفي لمنع وقوع النزاع لكانت النصوص التي وردت في التوصية بأهل البيت كافية لمنع محاربتهم وإيذائهم وقتلهم والتمثيل بأجسادهم وقطع رؤوسهم وتشريد وسبي نسائهم وأطفالهم وإذلالهم وقد أورد صاحب البحث الذي نحن الآن بصدده بعض تلك الأحاديث وأرى أنه لا بأس بعرض بعضها:
1ـ الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة له : ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي )
2ـ أخرج الحاكم وصحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال وهو آخذ بباب الكعبة : ( من عرفني فقد عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ألا أن مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق )
3ـ أحرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : ( أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ) .
والأحاديث مستفيضة في إثبات عظيم فضل أهل البيت والحث على اتباعهم ومحبتهم وإكرامهم ولو كان وجود النص يكفي لمنع المنازعات لكفت هذه الأحاديث في منع وقوع الظلم على أهل البيت فتكون النتيجة أن القول بأن وجود النص يمنع الخلاف قول غير صحيح.


أما استدلاله في ( ثالثا ) على أن الرسول جعل الخلافة حقا لجميع المسلمين وأن ورود النصوص بصيغة الجمع يعتبر نصا في نفي إمامة شخص معين.

فهو استدلال ضعيف بل غير صحيح ويصطدم بأمور قطعية فقوله أن الخلافة لجميع المسلمين تصطدم مع الأحاديث الثابتة بأن الرسول حصر الخلافة في قريش بل حصرها في اثني عشر إماما فقط وهذا ثابت في مختلف الصحاح كصحيحي البخاري ومسلم ومسند أحمد بن حنبل وغير ذلك وإليك نماذج من هذه الأحاديث :
1ـ جاء في صحيح البخاري بسنده عن جابر بن سمرة أنه قال : سمعت النبي يقول صلى الله عليه وآله يقول : ( يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لا أسمعها فقال أبي أنه قال : كلهم من قريش ).
2ـ وفي صحيح مسلم جاء الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله على النحو الآتي : ( لا يزال أمر الناس ماضيا ماوليهم اثنا عشر رجلا ).
3ـ وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن عبد الله بن مسعود أنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله بشأن الخلفاء فقال : ( اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ).

وأما قوله أن بعض النصوص وردت بصيغة الجمع فهذا لا يتنافى مع تعيين شخص معين لأن صيغة الجمع تدل على أن الخلفاء متعددون ولما كان لا يجوز أن يكون هناك أكثر من خليفة في وقت واحد فمعنى ذلك أن هؤلاء الخلفاء سوف يتقلدون منصب الخلافة الواحد تلو الآخر بل لابد وأن تكون النصوص بصيغة الجمع إلا إذا اعتبرنا أن الرسول أراد أن يخلفه شخص واحد فقط إلى يوم القيامة وهذا لم يقل به أحد.

وهنا أرى أنه من المناسب أن نتساءل من هم الخلفاء الاثنا عشر الذين عناهم الرسول في أحاديثه التي ذكرناها قبل قليل ؟

كما وأن سؤالا آخر يفرض نفسه وهو أن من الثابت أن الرسول أوجب على كل مسلم أن يكون في عنقه بيعة لأحد الأئمة حيث جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وآله قال : ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ) فمن هو الإمام الذي يجب علينا الآن مبايعته ؟ مع ملاحظة أن الرسول أمر بضرورة عدم وجود أكثر من إمام في وقت واحد بل وصل حد المنع في ذلك لدرجة أنه صلى الله عليه وآله أمر بقتل من ينصب نفسه إماما في وجود إمام غيره .
ثم يأتي سؤال آخر وهو هل أن إثنى عشر إماما يكفون الناس إلى يوم القيامة ؟ فإذا كانوا يكفون فيكيف يكون ذلك ؟ وإذا كانوا لا يكفون فكيف نستطيع تفسير حديث : ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ) ؟ وكيف نستطيع تطبيقه ؟
أرجو الإجابة على هذه الأسئلة.

وأعود الآن لمناقشة هذا البحث وأقول وأما الروايات التي ذكرها صاحب هذا البحث ليستدل بها على أن الرسول قد أبهم من هو الخليفة من بعده فإن روايات أخرى قد حددت وعينت من هو الخليفة لذلك نستطيع أن نقول أن الروايات التي حددت وعينت الخليفة تقيد تلك الأحاديث المطلقة التي لم تحدد من هو الخليفة وسوف يتم مناقشة تلك الأحاديث في موضعها عند التعرض للنصوص الدالة على تعيين الإمام علي عليه السلام خليفة للمسلمين.

أما ما ذكره في ( رابعا ) من أن أحدا لم يحتج بأن الرسول قد عينه خليفة على المسلمين فإن الإمام علي عليه السلام احتج بالفعل ولكن لحساسية الموقف الذي صاحب وفاة الرسول لم يجعل احتجاجه يظهر في شكل الخروج على من تولى الخلافة أي أنه آثر أن يكون احتجاجه سلميا تقديرا منه لحساسية الموقف فقد احتج سلام الله عليه على أبي بكر في جلسة خاصة ولكن للأسف فإن هذه الرواية لم أجدها مروية عند أهل السنة لتكون حجة ولكن الشواهد الأخرى كثيرة منها أنه امتنع لفترة معينة عن مبايعة أبي بكر ثم أنه عليه السلام في خطبته الشقشقية المذكورة في نهج البلاغة أوضح كيف كان استياؤه من الوضع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وشرح موقفه عليه السلام من الأحداث التي حصلت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله حيث قال في تلك الخطبة : ( أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا … إلى آخر الخطبة ) وإن في هذه الخطبة ما يكفي لبيان موقفه عليه السلام من الخلافة ولماذا اختار السكوت والصبر .
بالإضافة إلى ذلك فإن الظروف لم تصبح سيئة فقط بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بل أنها بدأت تسوء منذ مرضه صلى الله عليه وآله حيث امتنع القوم عن تسيير جيش أسامة مع أنه صلى الله عليه وآله لعن المتخلفين عن ذلك الجيش في أحاديث ثابتة لدى الشيعة والسنة وكذلك قول بعض الصحابة للرسول صلى الله عليه وآله عندما أمر بإحضار دواة وكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده : ( إنه ليهجر ) وفي بعض الروايات كرواية مسلم ( غلب عليه الوجع ) وبعد وفاة الرسول حدثت بعض الاصطدامات بين الزهراء عليها السلام وبين أبي بكر وعمر بن الخطاب .. من كل ذلك رأى الإمام علي عليه السلام أن الظروف لا تساعد على أن يصر في احتجاجه خوفا من حدوث فتنة لا يحمد عقباها.

ومع ذلك كله فإننا لو فرضنا أن الإمام علي عليه السلام لم يحتج أصلا فإن ذلك لا يمثل دليلا على عدم تعيينه إماما وخليفة على المسلمين من قبل الله والرسول ولا يخرج الأمر عن أنه عليه السلام رأى حسب تقديره للظروف أن عدم الاحتجاج هو الأفضل.

مع ملاحظة أنني أتوقع أن يكون هناك احتجاج على الاستدلال بنهج البلاغة حيث أن بعض الكتاب حاول التشكيك في كون الخطب الموجودة فيه قد صدرت فعلا عن الإمام علي عليه السلام بل ادعى البعض أن الخطب هي من إنشاء الشريف الرضي نفسه وقد تصدى بعض العلماء لهذا الادعاء وفندوه تفنيدا كاملا حتى أن أحدهم قد قام باستقصاء جميع الخطب وبيان مصادرها التي سبقت نهج البلاغة والتي اعتمد عليها الشريف الرضي في جمعه للخطب. وحاليا أنا لا أتذكر اسم هذا العالم والكتاب الذي بين فيه تلك المصادر ولكن من السهل جدا أن أجده لأدلكم عليه.

أما في الوجه الخامس فقد استدل صاحب البحث بقول عمر على امتناع ورود نص معين على تعيين شخص معين للخلافة فإنني وتعليقا على هذا الاستدلال أقول لو جاز لنا أن نحتج بقول عمر في هذا الشأن لاحتججنا بفعله أي بقبوله أن يكون خليفة وتنتهي القضية من أساسها وليس هناك داع أصلا لعمل هذا البحث لذلك فإنه إن أراد أن يعتمد على قول عمر في هذا الشأن نقول له أن الأجدر به أن يحتج بقبول عمر لمنصب الخلافة ويريح نفسه من عناء هذا البحث .. وأعتقد أن بطلان الاحتجاج بقول عمر واضح ولا يسحق أكثر من هذا البيان.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك وللمؤمنين والمؤمنات وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

[ 15-08-2001: المشاركة عدلت بواسطة: أسعد الأسعد ]

صلاح الدين 15-08-2001 10:16 AM

أخ صالح
السلام عليكم
كنت قد أرسلت لك رسالة خاصة إلى بريدك بالخيمة.
أرجو أن تتلقاها وأنت بخير وأنتظر جوابها عندما تسنح لك الفرصة
والسلام عليكم


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.