أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة المفتوحة (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=7)
-   -   يوميات امراءة في السجون السعودية (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=31590)

القوس 17-05-2003 11:19 PM

يوميات امراءة في السجون السعودية
 
قد يشد هذا الكتاب القاريء فلا يزهق من الوحدة في الخيمة ....



يوميّات امرأة
في السجون السعودية

عالية مكي
الصفا لندن ـ الطبعة الأولى 1409هـ ـ 1989م





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
الرحمن الرحيم
مالك يوم الدين
إياك نعبد وإياك نستعين
أهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم
غير المغضوب عليهم ولا الضالين
ـ صدق الله العظيم ـ

الإهداء
إلى شعبي..
إليك يا شعبي..
إليك يا وطني والى كل تربة ندية
إلى ربوعك الطاهرة وأرضك الزكية
إلى الأرواح التي باتت مكبوتة الحرية
إلى كل باحث عن حقيقة مخفية
حقيقة سطرتها وعلى كاهلي حملتها قضية
قضيتي شعارها لله للحق للحرية.
عالية مكي
مقدمة الناشر
المرأة التي شرفها الله، ورفع بالإسلام من واقعها الذي إرادته الجاهلية لها. كانت إحدى الأهداف وفي نفس الوقت الوسائل التي أراد الاستعمار من خلالها ضرب قوة الأمة وشل حيويتها…
بسبب عصور الظلم، وحكام الجور الذين سيطروا على الأمة الإسلامية لفترة من الزمن، تحول واقع المرأة من واقع العطاء، والتضحية والجهاد ومشاركة الرجل في مسيرته الفاضلة… من الواقع الذي وهبه لها الإسلام العظيم الذي جاء به منقذ البشرية رسول الله محمد صلى الله عليه وآله… تحول هذا الواقع شيئاً فشيئاً إلى الانزواء والابتعاد عن أدوارها الحقيقية وتحولت إلى مجرد عنصر لا دور فاعل له سوى الجلوس في البيت، وحتى أنها لم تكن مؤهلة لتربية أولادها فهي لم تحظ بأي قسط من التعليم أو القدرات التربوية الأخرى، كما تم تحويل قطاع واسع من النساء إلى مجرد أدوات متعة وتسلية للرجل…
وجاء الاستعمار في بلادنا الإسلامية وعاث فيها الفساد وخطط من أجل ديمومة وجوده، واستمرارية سلبه لمقدرات البلاد وإبقائها تحت هيمنته… فشرع في تحطيم ثقافة الأمة، وضرب سياستها والاستفادة من ممارسات المسلمين ونظرتهم القشرية للعديد من قضايا الحياة، وتعاليم الإسلام، وقد كانت حملة نابليون بونابرت (1897م) طليعة الغزوات العسكرية التي جاءت حاملة معها ثقافة فرنسا، واسلحتها الفكرية التي تستهدف ضرب إساسات الأمة واستلابها ثقافياً وزرع بدائل تضمن ديمومة الوجود الغربي وأحداث حالة من الشلل في جسم الأمة تجاه اعتداءات الاستعمار…
نابليون لم يحمل معه جيشاً جراراً، ومعدات عسكرية فقط بل حمل أيضاً فريقاً من كبار العلماء، الفرنسيين، ومطبعة، وحمل معه أيضاً شيئاً آخر، عرضه في شوارع مصر، ووجّه إليه الأنظار، وتلقفه بعض الكتاب والمفكرين، مصوراً أن هذا العرض هو سر التفوق الغربي والفرنسي داعياً أمتنا إلى الاقتداء بهم في هذه المسألة وإذا لم نقتد بهم فإن التقدم لن يكون من نصيبنا… فما هو ذلك الشيء؟!.. أجيب… إنه المرأة، لقد جلب نابليون ورجاله جيشاً من النساء المتبرجات والمتزينات وعرضه في شوارع القاهرة، وطاف به فوق القوارب في نهر النيل الذي يشق العاصمة، ولفت إليه أنظار الجميع…
وتطور استخدام المرأة من قبل الغرب فعمل على ترويج ثقافة خاصة بها، مهمتها دفع المرأة نحو مواقع الابتذال والتبرج والانفلات من كل القيم والأعراف الدينية… وهنا بدأت سنوات من الغزو الاستعماري وانبرى داعية تقمص روح الغرب وثقافته، "قاسم أمين" ليسمي نفسه بنصير المرأة… وتبعته في ذلك هدى شعراوي التي تعد من أوائل النساء المصريات اللواتي تبرجن وخرجن دون حجاب…
وفي ظل غياب القوى المؤمنة، في مقابل هجمة متصاعدة من قبل الغرب وعملائه. أخذ تيار السفور والتبرج، يشق طريقه في الأمة وينخرها كالسوس.
وقد شهدت عقود الخمسينات والستينات والسبعينات تصاعداً للهجمة على المرأة والأسرة المسلمة بلغت حداً كبيراً… ولا تزال هذه الهجمة مستمرة اليوم.
الغيارى من المؤمنين والمجاهدين في امتنا الإسلامية لم يقفوا مكتوفي الأيدي في مقابل هذه الهجمة، وسعوا جهدهم إلى مواجهة التيار الداعي إلى أغلال المرأة وتحطيم الأسرة المسلمة وقاموا بجهود كثيرة في هذا المجال، لكن نواقص كثيرة كانت تحيط بالرجال ولعل على رأسها النقص في بلورة ثقافة إسلامية بديلة موجهة للمرأة المسلمة في مقابل تلك الثقافة التي جاء بها الغرب لنا، ولم يكن من الصحيح أن تكون حالة الرفض فقط هي التي تحكم الخطاب الجماهيري لهؤلاء الرجال المؤمنين، بالإضافة إلى نقص آخر وهو وليد للنقص الأول. إلا وهو عدم بناء نماذج قيادية طليعية للمرأة المسلمة، تقود جهاد المرأة وتكون نموذجاً تقتدي به كل النساء المسلمات…
في الجزيرة العربية، وفي منطقة الخليج كانت الاوضاع كما في باقي المناطق تعيش حالة من التخلف وسيطرة الحكومات الدكتاتورية الظالمة، حولوا البلاد والعباد إلى لعبة بأيديهم ورهنوها للغرب الذي أخذ يمتص الخيرات والنعم التي وهبها الله لهذه المنطقة… ولكن الشعب قاوم هذه الأعمال، وتصدى للظلم الذي لحق به… فتوالت النشاطات والانتفاضات التي استهدفت مواجهة الظلم والجور…
في السبعينات بدأت نشاطات المجاميع لرسالية، بقيادة علماء مؤمنين، تتصاعد، ومعها بدأ الوعي الديني والسياسي يرتفع بين أبناء كل المنطقة، بفضل الخطباء والعلماء الرساليين، الذين بنوا الثقافة الرسالية الأصلية التي تدفع لتحسس الظلم، والتحرك نحو تحمل المسؤولية حيال هذا الظلم الذي يجثم على صدور الناس، فشهدت البلاد نهضة شعبية فريدة من نوعها، كما التف الشعب حول العلماء الرساليين الذين يمثلون هذا التوجه… فقد كان هناك مرجع ديني مجاهد كان المخفّز الأول على هذه الأعمال إلا هو سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (حفظه الله)، الذي كانت خطاباته وأشرطته وكتبه تنتشر بين أبناء المنطقة حاملة التوجيه والرؤية الثاقبة والوعي للجماهير، وكان هناك مجموعة أخرى من العلماء والخطباء منهم العلامة المجاهد السيد محمد تقي المدرسي وحجة الإسلام والمسلمين المجاهد السيد هادي المدرسي بالإضافة إلى عالم آخر استقر في إحدى مدن الجزيرة العربية، وهو العالم المجاهد الشيخ حسن الصفار فأخذ يمارس دوره الديني ويتصدى لقضايا الناس، فتجده خطيباً هنا ومتحدثاً هناك… وبالرغم من التحديات الموجودة آنذاك وعلى رأسها السلطات الطاغوتية إلا أن قطاعات واسعة من الجماهير التفت حوله وآزرته ودعمته بكل وجودها… وهكذا شهدت كل منطقة الخليج والجزيرة العربية نهضة دينية توعوية، بفضل جهود وعطاءات هؤلاء الرجال الذين قادوا العمل الرسالي وتبنوا ريادة الجماهير نحو التقدم والتمسك بعروة الإسلام الرسالي، ونحو إعادة الثقة إلى نفوس الجماهير، وتبصرتهم بذاتهم… فانتشرت الكتب والأشرطة، والندوات والاحتفالات الدينية في عموم المنطقة، وكان جيل الشباب هو الأكثر تفاعلاً مع هذه النشاطات.
لقد جاءت هذه النشاطات لتشكل فيما بعد خطوة نحو خطوات أخرى تدفع بهذه المنطقة إلى مواقع جديدة في صراعها ضد التخلف والتسلط الدكتاتوري والتبعية التي يفرضها العدو عليها، حيث تفجر الصراع السياسي بين الجماهير والحكومات الكارتونية المسيطرة في هذه الدول وكان من هذه البلدان الجزيرة العربية ـ السعودية ـ التي حدثت فيها انتفاضتان كبيرتان، عام 1400هـ، 1979م. هما انتفاضة المحرم في المنطقة الشرقية وانتفاضة الحرم في مكة المكرمة.
قد نتساءل اين هي المرأة في كل هذه النشاطات…
لقد حظيت المرأة في هذه النشاطات، وتحديداً من قبل القيادات الرسالية باهتمام وتوجه خاص وكانت في الطليعة… لقد توجهت انظار المرأة في الجزيرة والخليج نحو الكتب التي بدأت تنتشر هناك فهذا العلامة السيد محمد تقي المدرسي يعطي اهتماماً للحديث عن المرأة، ويكتب كتاباً تحت عنوان "المرأة في المجتمع الإسلامي" وكتاباً آخر تحت عنوان "فاطمة الزهراء قدوة واسوة" وهذا هو الاستاذ السيد هادي المدرسي يؤلف عدة كتب حول المرأة ويتحدث فيها عن مختلف جوانب حياتها.
وحتى الحياة الزوجية لم يغفل عن الكتابة حولها وكتب في هذا المجال "في العلاقات الزوجية" وكتاب آخر "كيف تسعد الحياة الزوجية" كما وجه للمرأة رسائل، "رسالة إلى الزوجة ورسالة إلى المرأة"… وقد ضمَّن كل كتاباته رؤية حول ما يجب ان تكون عليه "المرأة ونظرة الإسلام حيال ذلك.. أما الشيخ الصفار فقد كتب "المرأة مسوؤلية وموقف"، "المرأة والثورة"، "مسؤولية المرأة"…
والى جانب كل ذلك كانت هناك العشرات من اشرطة الكاسيت التي تضمنت خطابات ومحاضرات لهؤلاء العلماء تدور حول المرأة ونظرة الإسلام اليها، وما يجب ان يكون عليه واقعها…

القوس 17-05-2003 11:20 PM

لقد استقبلت الفتاة في الجزيرة العربية هذه التوجيهات، كما الأرض الجدباء حيث يهطل عليها المطر، فتفاعلت معها بصورة رائعة الى جانب أخيها وزوجها الرجل، فكانت تحضر الندوات، والمجالس الدينية جنباً إلى جنب مع الرجل كما كانت لها مجالسها وندواتها الخاصة بها، وكانت تسهم بقسط وافر في إنجاح المشروع الرسالي الهادف إلى رفعة أمتنا ونهضتها وفك إسار التبعية والدكتاتورية عنها، برغم المعوقات القائمة، والتي منها الاثارات التي خلفتها الجماعات المناوئة أو المحافظة حيث سعت إلى اثارة الاتهامات والمشاكل، التي تحول دون مشاركة المرأة في هذه المسيرة، اضافة الى الحواجز التي يضعها الطاغوت… لكن إبنة الجزيرة العربية، لم تكن كل تلك الأمور لتثنيها عن عزمها، وكيف تنثني وقد تجسدت صورة خديجة، وفاطمة، وزينب(ع) وكل النساء المؤمنات الفاضلات امام ناظرها، تلهب حماسها، وتدفعها الى المزيد من الخطوات نحو الإمام.
وحينما تصاعدت الاحداث، وتفجرت انتفاضة المنطقة الشرقية في عام 1400هـ. وخرجت التظاهرات والمسيرات، كانت المرأة المؤمنة تسير إلى جانب أبيها وأخيها وزوجها، في هذه المسيرة، وتشارك بكل ما تستطيع من جهد وعطاء… في الهتاف، وفي مواجهة الجلادين واعلان رفض الظلم، حينما سقط الشهداء والجرحى كانت من بين الشهداء، والجرحى كما قامت بدورها في رعاية الجرحى وتضميد جراحاتهم، لقد جسدت المرأة الرسالية في هذه الانتفاضة دور المرأة في صدر الإسلام حيث كانت تشارك من خلال هذه الأدوار في معارك الإسلام ضد الكفر والظلم.
من بين هؤلاء الفتيات المؤمنات في الجزيرة العربية، كانت هناك فتاة تفاعلت وهي في بيت أبيها مع النشاطات الرسالية بصورة كبيرة، فعملت في البدؤ على تثقيف نفسها بالفكر الرسالي عبر الكتب والاشرطة المتوفرة حين ذاك، ثم انطلقت تشارك في الندوات والهيئات والمجالس الحسينية التي كانت تعقد لبث الوعي الديني والرسالي، كما أخذت تنشط في توزيع الكتب والنشرات التوعوية بين صفوف الناس، وكان يقف الى جانبها في كل هذه النشاطات ابن عمها وزوجها وأب اولادها في المستقبل، الذي كان هو الآخر رجلاً مضحياً معطاءاً في كل النشاطات الإسلامية…
وحينما وجد الفرصة المناسبة للهجرة لغرض الدراسة الدينية حيث أخذت طلائع المؤمنات بالهجرة من أجل الدراسة الدينية، كانت هي وزوجها من أولئك الذين تخلصوا من قيود المادة، ومغريات الحياة الدنيا وأسارها في رحاب التوجيه والتربية الرسالية…
ثم لتعود بعدها في رحلات تبليغية الى بلادها هي وزوجها… فتشاء الاقدار أن يتم إعتقال زوجها، ويفتش بيته، ويتعرض للتعذيب… هنا هل تسكت زوجته، وهي التي تعلمت في مدارس الجهاد كيف تقاوم الظلم، وكيف تصرخ في وجه الظالم… لا… لا… لن تسكت؛ لا بد من صرخة توقظ الضمائر… وهنا صممت على جمع كل عوائل المعتقلين، زوجاتهم، امهاتهم، اخواتهم، بالمئات وقيادتهم في شبه تظاهرة إلى إمارة الدمام، حيث يعيش أحد أبناء الطاغوت الأكبر… ولقد بهت عملاء الطاغوت من هذه الحشد الضخم من النساء، وحاروا في امره… كيف يتعاملون معه، كيف تتم مواجهة…! اعلنوا صرختهم نريد ان يطلق سراح أبناءنا وازواجنا وإخوتنا، بأي جرم تعتقلوهم؟ ما هي مبرراتكم القانونية؟ قلن أشياء كثيرة، غير هذا، شرحن معاناتهن، والظلم الذي يحيق بالشعب… نائب الأمير الذي التقى بهن حاول تهديدهن بقوته وشرطته، فتوعدنه ببطش الله وقوته التي هي فوق كل ظالم، ذكرنه بتاريخ كل الظلمة والطواعيت في التاريخ….. ثم حاول الكذب عليهن ووعدهن خيراً في المستقبل، وبعد أيام عدن الى نفس المكان… وكانت نفس المواقف… ثم الى مدير المباحث… ولقد استفز هذا التحرك كل أجهزة النظام، وأفزعهم، وشعروا كم هم ضعفاء أمام صوت المرأة المظلومة…
كانت هذه المرأة المؤمنة تقود جموع عوائل المعتقلين وتحفزهن، وتحثهم على ضرورة مواجهة الظلم، والوقوف في وجه الظالم…
هنا كان للطاغوت محاولته الجبانة، في احدى الليالي المظلمة تسلل مع مجموعة من رجاله منتصف الليل، وهاجم بصورة وحشية بيت هذه المرأة المؤمنة، بهدف اعتقالها.. وكان له ذلك…
وكان مبرره في ذلك انها تدرس العلوم الدينية في احدى المدارس الدينية برفقة زوجها (المعتقل) وانها تقوم بنشاطات اسلامية رسالية!!.
في الصفحات التالية نقرأ مذكرات هذه الشابة الرسالية التي إعتقلها النظام السعودي لعدة شهور واجهت خلالها شراسة التحقيق والتعذيب، نقرأ وهي تصف بدقة وبتفصيل وقائع الاعتقال، ويومياتها… وهي قصة تحوي دروس رائعة. أبرزها درس الصمود والتحدي الذي واجهت به الجلادين وأرهقتهم به… مواقف عظيمة نقرأ في هذه المذكرات… وهي رسالة موجهة أولاً للطاغوت الذي ينبغي عليه ان يعرف كيف تقهر ارادة الشعوب كل عنجهيات الطغاة والجلادين، وموجهة الى المرأة المؤمنة لكي تقتدي بأختها التي جاهدت وصابرت ورابطت في سبيل الله.
لقد اضطر النظام لاطلاق سراح الاخت الرسالية ومعها عدة أخوات، بعدها اطلق سراح كل المعتقلين السياسيين في البلاد، حيث تكللت ضغوط المعارضة في الداخل والخارج بالنجاح بعد أن قامت بمجموعة من النشاطات الجماهيرية والاعلامية والسياسية في كل من لندن، ولبنان، والخليج، وفي داخل الجزيرة لقيت تجاوباً واسعاً من قبل الجهات المهتمة بالأمر… كيف والنظام يدعي دائماً أنه لا يوجد لديه أي معتقل سياسي…
نترككم مع قصة الصمود والتحدي… قصة الضعف والوهن لنظام يرتبط بأميركا ويملك ترسانات الاسلحة الضخمة…
النا
(1)

الاعتقال..!!
…في الهزيع الاخير من الليل.. اذا بالباب تطرق بعنف، طرقات متوالية كالرعد القاصف، كذبت سمعي في البداية أيكون هذا حلماً ام كابوساً من الكوابيس المزعجة، أصغت السمع مرة أخرى واذا به يصيب في هذه المرة بعكس المرة السابقة، استيقظ الجميع في حالة مفزعة يا ترى ماذا حدث؟ ولماذا كل هذا الضجيج؟ وعلامة التعجب والاستغراب قد كست الوجوه من سيأتي في هذا الوقت، مستحيل ان يكون زائراً، إخوتي يتواجد معظمهم قبل العاشرة في المنزل ولم يكن أحد في الخارج، وسريعاً توجه بي فكري الى زوار الليل وهم يجرون أحد أبناء البلد الصالحين من الخيرة الطيبة.. رأيت صورته وهو مكبلاً بالقيود يسحب بكل قوة وعنف بأيديهم الآثمة، يا ترى هل سيعود؟ ومتى يعود؟ وكيف سيعود والقضبان تحاصره من كل جانب، وكيف سيتمكن من الإفلات من قبضتهم،… اشتد طرق الباب أكثر فاكثر، كانت اصوات طرقات الباب عالية جداً، كان والدي يسير بخطوات متثاقلة تجاه الباب وقبل ان يبادر هو لفتح الباب، دفع الباب بقوة واصطدم بجسده، أقبل رجل ضخم الجثة طويل القامة وأخذ يصرخ بغضب شديد اين هي؟ فوجئ والدي بما يريد فأتى اليهم محاولاً الاستفسار منهم لماذا كل ذلك؟ وقبل ان يعطي أي فرصة للكلام ذرعوا المنزل بغير استئذان، أثارت الدهشة والدي ماذا يريد هؤلاء؟ ولماذا يستخدمون هذا الاسلوب؟ ولماذا يعتقلون فتاة لم تبلغ العشرين بعد؟… اما هم فقد كانوا أربعة رجال مقنعين أنفسهم بلثام، ذوي قامات طويلة، ارتادوا المنزل، أخذ كل واحد منهم يبحث في مكان، كأنهم يبحثون عن ضالة ثمينة خاصة بهم فقدوها، ولربما كانت ضائعة فهاهم يبحثون عنها، واذا بشخصين آخرين قد استلما مكانيهما امام الباب بعد ان أشارا لمن في الداخل بعدم الخروج، كانت اعمارهم تقارب الثلاثين، أذهلني منظرهمان كانا شديدي السواد يحملان وجوهاً مخيفة، يرتديات الزي العسكري وكل واحد بيده سلاح من نوع كبير، حيث تطوّق صدريهما أشرطة من الرصاص، بينما هما كذلك واذا برجل قد أوسعا له الطريق، يبدوا أنه رئيسهم، حتى أنهما كادا يركعان له بالتحية، فقد كان شخصية مخيفة، معتدل القامة لا يتجاوز 170 سم يتميز بالصلافة والجفاف والنبرة الحادة، لكنه لا يرتدي لثام كما الآخرين، كان محافظاً على مظهره واناقته، يرتدي ثوباً أبيض، مع كوفية حمراء، إنني مسؤول المباحث في منطقة القطيف، هكذا عرّف نفسه وبكل وقاحة معلناً أسمه (عايض القحطاني). بعدها أمسك بوالدي من ثوبه وهزه هزاً عنيفاً، وقد أطبق على رقته وهو يزمجر قائلاً اين هي تلك اللعينة؟ اخرجها ولا تحاول اخفائها والا قتلتك!!! دفع والدي مرة أخرى وأقعده على الأرض اراد مقاومتهم، حاول ان يتفوه بكلمة تجاههم، لكنه وجه السلاح إلى رأسه مشيراً اليه بالصمت، إتجه إلى نواحي المنزل وهو يعربد بصوته المزعج اين انت؟؟ لا تحاولي الهرب؟ فإنك لن تستطيعي يا رافضة.. وارتفع صراخهم هذا يسب وهذا يشتم والآخر يلعن تحول المنزل الى ساحة لعب بينهم وإطلاق أقذر الكلمات والشتائم، على إثر هذه الاصوات المقززة والتي تشبه أصوات الثيران، استيقظت والدتي فزعة حينما فتح عليها الباب من قبل أحد الملثمين، وهو يعوي بصوته اين هي؟ لا تحاولي اخفائها، والدتي أصابها الخوف ماذا يقصد من وراء كلامه أهي ضالة فقدوها ام ماذا؟ سألته ما قصدك وعن ماذا تبحث؟ قال إبنتك فازدادت نبضات قلبها وعجز لسانها عن الكلام وتماطلت بالوقوف صامتة… يا ترى هل تصارع شيئاً بداخلها ام ماذا؟.. كانت والدتي خائفة ولكن أي خوف؟ خوف طبيعي كما تخاف أي ام على إبنتها يا ترى ماذا يريدون منها؟ وماذا عملت لهم؟… انا اعرفها جيداً لا يمكن ان تكون قد ارتكبت خطأ، فأخذت هواجس القلق، تحيط بها من كل جانب، كيف سيأخذونها وهي إبنتي الكبرى وساعدي الايمن في المنزل؟.. وهل ستعود؟ ماذا سيقولون لها وما الذي ارتكبته في حقهم؟؟؟ بعد ان استعادت قوتها قالت له امكث أنت هنا وأنا سآتي بها اليكم ولكنه رفض ذلك بشدة وأخذ ينهال عليها بالسب والزجر حيث خرج واغلق الباب بقوة في وجهها.
.. ذهبوا إلى غرفتي قلّبوا ما فيها رأساً على عقب لقيامهم بعملية البحث داخلها (التفتيش) لعلهم يحصلون على شيء ولم اكن موجودة بها، لقد كنت متواجدة في غرفة اخوتي الصغار الذي اصابهم الذعر من قبل هؤلاء، حيث كنت ارقب الامور على مقربة من الشرفة… تعالت أصواتهم حينما وجدوا الغرفة فارغة، فازدادت حماقتهم وأدت بهم الى تحطيم ما هو موجود، بعثرة الادراج الموجودة وسط الخزانة التابعة للغرفة، اضافة الى بعض المجلات واصبح منظر الغرفة لا يطاق..
ما هي الا لحظات حتى هجموا على غرفة اخوتي، علمت انني المقصودة لديهم فانقضّوا علّي كما ينقض الذئب على فريسته، كانت من بينهم أمرأة، إنهالوا على جسدي بالضرب والركل وساقوني معهم الى سيارة خارج المنزل لونها ابيض من نوع داتسون (نيسان)nissan موديل (82) ودعتني نظرات الأهل وبالخصوص والدتي وقد انهملت دموعها على خديها..

القوس 17-05-2003 11:21 PM

(2)

…خرجنا سوية من المنزل.. الطرق مسدودة، سيارات الجيب تحاصر الشارع، واجهة منزلنا مطوقة بالجنود، العساكر المدججة بالسلاح سيارات المباحث متراصة بجانب بعضها البعض السيارات الخاصة كانت من بينهم سيارة (كابريس) بيجية اللون لرئيس المباحث (عايض القحطاني) وسيارتان أخريتان من نوع داستون نيسان ـ إستقلها العناصر الذين كانوا مقنعين بعد ان كشفوا اللثام عن وجوههم، اما نحن فكنا تحت الحظر متوجهين نحو السيارة، كانت تخالج نفسي وقتها مجموعة من التساؤلات.. هل إرتكبت جريمة ما..؟ وما عسى أن تكون؟ أو لهذا الحد جريمتي كبيرة وعظيمة؟ وبالتالي لماذا كل هذه الإستعدادات أخذت التساؤلات تعصف بي من كل جانب بدون ان أعثر لها على جواب. إقتادوني مكبلة اليدين بواسطة (الكلبشة" أحد اطرافها بيدي اليمنى والطرف الآخر بيد تلك المرأة التي معهم، هي إلى الإمام حيث تجرني خلفها كانت مقنعة بعباءة سوداء تخفي وجهها كي لا يتمكن كشفها من في المنزل، أدخلوني الجزء الخلفي من السيارة مع تلك المرأة، إضافة إلى والدي فقد اقتادوه معي هو الآخر لإنهاء بعض الاجراءات، كان معنا داخل السيارة احد الاشخاص، يرتدي ثوباً أبيض مع الكوفية والعقال يتميز بنحافة الجسم وتوسط القامة، يرتدي نظارة طبية بيضاء مع مسدس يحمله بجانبه الايسر وهو بدوره يقود السيارة، تمكنت من معرفة اسمه بعد مسافة معينة وتحديداً عند تقاطع متفرع لعدة مناطق كالقطيف والدمام وغيرها، توقفت السيارة بعد ان أشار أحد الجنود بذلك فهو جندي من رجال المرور مهمته القيام بعملية البحث (التفتيش) وسط السيارات المارة، فحينما رأى صاحب السيارة التي تقتادنا أدى التحيّة المعروفة (ضرب سلام) بعد ان ضرب رجله بالارض ورفع يده مشيراً بالتحية، عرف السائق نفسه الملازم (عبد الواحد) مباحث القطيف.. إضافة الى شخص آخر كان يلزم المقعد الاماي بجانب السائق يتميز بقامته المعتدلة وكان يرتدي ثوباً ابيض وكوفية حمراء، وكان ممتليء الجسم يشبه جسم الفيل اسمه (حزام) وهو من الافراد المنبوذين داخل المجتمع من قبل الاهالي لمعرفتهم عنه بأنه من رجال المخابرات، تحركت السيارة أخذت أحملق ببصري يمنة ويسرة واذا بتلك السيارات قد تفرقت وقد إبتعد الجنود عن المنزل… آلمني منظر والدتي وهي تقف على باب المنزل تودعني بنظراتها الحانية المليئة بالحب والعطف والحنان، والدموع تنهال على خديها كالسيل الهادر، ما زالت السيارة تواصل سيرها وقبل انهاء الشارع الذي يفصل بين منزلنا وبين الشارع العام كانت النظرة الأخيرة بيننا، ولعلها لحظة الفراق، قرأت في عينيها الكثير الكثير وهي تتلو لي كلماتها النهائية لا تخافي يا ابنتي فقلبي معك والله معك يحفظك ويرعاك..


(3)
في الطريق المؤدي الى السجن:
في الشارع العام بعد مفارقتنا للمنزل وآثار مدينتنا تبتعد شيئاً فشيئاً، زحفت بنا السيارة بسرعة غريبة جداً، تكاد في سرعتها تتجاوز سرعة الصوت، كان الشارع خالياً من المارة وحتى السيارات لم نصادف وقتها سوى مجموعة من القطط كانت تحتفل بوجودها وسط الشارع حيث لا تجد من يطاردها و يؤذيها.. كانت السيارة التي كنت بداخلها تتوسط أربع سيارات، اثنتان من الامام واثنتان من الخلف، كنت على ثقة كبيرة من نفسي ومن جميع تصرفاتي، لم أخطيء في شيء ولم ارتكب اية جريمة، والدي كان يجلس بجانبي يلمحني بنظراته التي تعبر عما في داخله، قرأت في عينه خوف الأب على إبنته.. الأب الذي يكن فائق الاحترام لفلذة كبده.. يا ترى ماذا سيعملون معها وهل سيؤذونها.. السجن للرجال فماذا حدث في هذه المرة.. إمرأة تساق إلى السجن.. كيف سأواجه الناس وماذا ستكون اقوالهم وكيف أتمكن من الرد عليها.. وما الذي سأقوله لهم، كانت هذه تساؤلات قرأتها في نظرات والدي.. كنت اتغاضى عنها في بداية الأمر وكأني لا أرى شيئاً، ولكن بعدها ازدادت نظراته التي كانت توحي لي بالفراق وانني لن اراه بعد هذه اللحظات واذا به يريد أن يتفوه بشيء ولكن سرعان ما يحبس نغمات صوته ويمنعها من الخروج، سبقته بالحديث قبل ان يبادر هو به.. عرفت ما يدور بداخلك ولكنني ارجوك ان لا تخاف عليّ فأنا ابنتك التي تعبت وسهرت على تربيتها.. أنا الآن قد كبرت وأعي الحياة جيداً، أنا لم ارتكب أي خطأ أبداً فهل انت واثق بي ومصدق ما أقول.. أجاب بكل رحابة صدر ـ نعم يا ابنتي انا اثق بتربيتي لك ولكن… قاطعته بالحديث وقبل ان يتم كلامه، أجل يا والدي هل تتذكر ما أوصيتني به آخر مرة، كوني شجاعة واصبري على ما اصابك تصرفي بكل ثقة وحكمة، ازرعي في نفسك الصبر وتذكري الآية الكريمة التي تقول {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور} ولا تنسي قول الله تعالى في الحديث القدسي (يا عبادي تحلوا بأخلاقي اني انا الصبور) فلا تخشي احداً الا الله وهو الجدير فقط بأن نخافه ونخشاه.. هذه الكلمات التي كنت ترددها لي دائماً في كل صباح ومساء ونحن على مائدة الافطار وبالذات بعد اعتقال زوجي، هنا بدت عليه علامات الاطمئنان اكثر وكان يتمنى لو أن طاقات العالم ومواهبه كلها تجتمع بي كي يفتخر بإبنته في كل مكان، كنت اتصور مدى سعادته حينما انتهي من انجاز أي عمل من الاعمال بتفوق ونجاح فكم كان يدعولي بالتوفيق، وكم سعى لراحتي وكم شقي من اجل ان يوفر ما اريد فكان يضحيّ بالكثير في سبيل اسعادي، وتضيق به الدنيا لحزني وألمي، فأي حب هذا أحظى به يا والدي منكم فمهما كتبت ومهما خطت أناملي لن استطيع ان أف ولو بالقليل من فضلك عليّ واحسانك اليّ يا اعز انسان واكرم من في الوجود.. أخذ يربت بيديه الكريمتين فوق كتفي ويمسح بها تارة فوق رأسي كأنه يدفعني ويذودني بعطفه الابوي الملئ بأسمى معاني الحب والرأفة والحنان.
… واصلنا المسير… الساعة تشير إلى الواحدة والنصف فجأة واذا بتلك السيارات قد اختفت، الاضواء، جدران المدينة كل ذلك اختفى ولا يوجد له أي اثر على الاطلاق، هممت أدير برأسي الى اليمين مرة باتجاه اليسار مرة أخرى إلى الإمام إلى الخلف لا أجد شيئاً سوى ذلك الظلام الدامس المحيط بنا من كل جانب، كسحابة سوداء غطت تلك السيارة حيث حجبت الرؤية عن الجميع ما عدا سائق السيارة.. لربما يكون ذلك كميناً معداً من قبله.. هكذا ساروا بنا وسط ظلام الليل الحالك، بدا لي أن الطريق لن ينتهي من طول مسافته فكان ذلك معداً حتى لا اتمكن من معرفة الطريق وحتى لا يتمكن أي شخص من رؤيتنا.. كان الصمت يلف الجميع، تذكرت وقتها بعض الآيات القرآنية {ولنبلونّكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون} (البقرة 154).
صدق الله العظيم
ثم طافت بذهني مقاطع من بعض الاناشيد المختزنة في ذاكرتي..
تقدم وهاجر، تقدم وناضل، تقدم وحرر فإن النجاة مع المقدمين
اخي لاح في الافق صبح الامل اخي في الجهاد أخي في العمل
تعالوا تعالوا لقبر الشهيد نعاهده بالوفاء من جديد
نعاهد ان نرفض الظالمين ونشجب بالدم قهر الحديد
نحرر أوطاننا ليحكم قرآننا
إضافة الى بعض أبيات الشعر التي تغذي الروح وتشحذ النفس بالشجاعة والثبات والعزيمة، بعد لحظات توقفت السيارة وأمرنا الملازم بالنزول.. نزل الجميع فك القيد من يدي وأصبحت أسيرة وسط إثنين من الجنود المسلحين ووالدي من الخلف.. تم إدخالنا في غرفة صغيرة حيث أمرنا بالانتظار، كانت هناك امرأة أخرى غير التي برفقتنا.. باشرتها بالسلام فردت التحية، كانت طويلة القامة شديدة السواد لا يرى منها إلا بياض عينيها المتخفية خلف ذلك البرقع الصغير.. رحبت بي بتحية طويلة عريضة حاملة معها كل استهزاء وسخرية وكأنها تعرفني منذ زمن طويل، حاولت أن استقصي الأمر منها لم تخبرني بشيء غير انها ستستضيفني بالنوم عندها لفترة معينة سألتها واين سيتم ذلك، قالت: بمنزلنا في الدمام.. زجرتني بعدها بقولها كفي عن الكلام وإياك أن تسألي مرة أخرى.. إتضح لي بأنني سأقيم في سجن الدمام أصابتني الحيرة وقتها.. يا ترى ماذا يريدون مني وما عسى ان تكون اسألتهم الموجهة لي وبأي طريقة اجيبهم واذا كنا سنغادر المكان إلى الدمام اذن اين نحن الآن وفي أي مكان… طال انتظارنا لما يقارب الساعتين على أثرها تم استدعاء والدي لعمل بعض الاجراءات وأنا انتظر عودته واذا بهم يستدعونني للداخل بعد مرور نصف ساعة تقريباً.. دخلت غرفة مجاورة لغرفة الانتظار، كانت تحوي مكتباً صغير خلفه كرسي دوار قد وضعت لائحة في الوسط كتب عليها (مديرية القطيف) ـ قسم المباحث. ). (عايض القحطاني) سلمني ورقة بيضاء وامرني بالتوقيع عليها.. طلبت قراءتها لكنه رفض، قائلاً: يجب ان تعملي ما نقوله لك فامسكي القلم وأمضي على الورقة ـ كررت رفضي لذلك قبل الاطلاع عليها وبعد الإصرار أمرني بقراءتها قراءة سريعة لأنه أخذ يتظاهر بأنه مشغول وليس لديه وقت يضيعه معنا.. قرأت الورقة بنظرات سريعة فكانت عبارة عن وثيقة توضح طريقة اعتقالي من المنزل وأنها كانت طريقة طبيعية عبر اسلوب هاديء واستئذان من قبل والدي ولم تكن هناك أي مداهمة للمنزل.. تعجبت حينما قرأت هذه الورقة لأن ما حصل هو العكس تماماً أبديت رفضي الشديد للإمضاء ولكن والدي أخذ يلح عليّ واحتراماً لمشاعره تم توقيعي على الورقة.. فور الانتهاء من هذه الاجراءات ضغط المدير.. عايض على زر موجود بجانب المكتب حضر الجندي وفي يده الكلبشة وضعها في يدي واقتادونا بواسطة احد الجنود خارج المكتب في ساحة مظلمة وقد أعدت سيارة من نوع (سوبربان) لنقلنا فقد كانت مشرعة الابواب لاستقبالنا، كان معنا وقتها رجل يرتدي لباساً مدنياً وهو الذي يقود السيارة، اضافة للملازم (حزام) وأحد الجنود كان يحمل معه سلاحاً وطاقماً من الرصاص… انطلقنا من مدينة القطيف متوجهين الى مدينة الدمام وبالاحرى الى السجن…

القوس 17-05-2003 11:23 PM

(4)

في سجن الدمام:
..في الطريق الى السجن بمركز بالدمام.. قسم المباحث..
…انطلقت السيارة بسرعة قصوى أكثر من ذي قبل.. أصبح السكوت يلف الجميع والاجواء تنسم بالهدوء داخل السيارة لم يمزق هذا الهدوء غير هبات الهواء الرطب يلطم وهو هنا من كل جانب عبر نوافذ السيارة المشرعة الساعة الآن تشير الى الثالثة والنصف وما زلنا نواصل السير اذا بالملازم (حزام) بدأ يسخر ويستهزأ بوالدي كي يثير اعصابي.. أخذ يواصل كلامه بالسب والشتم والتهديد.. إعلم يا فلان.. (خل يكون في علمك جيداً لا تحسب نفسك بترجع للبيت، تراك جيت مع بنتك الغالية الى السجن واللي يدخل السجن لا يفكر بعد يطلع منه بالبساطة يا محترم) والدي لم يجبه بشيء ولم استطيع تحمل ذلك أجبته فوراً بهذه الجملة حبذا لو تحترم نفسك ليحترمك الآخرون، أحس بأن كلامي إهانة له وانني اقصده بهذا الكلام.. إشتد غضبه وصرخ في وجهي اخرسي من تقصدين بهذا الكلام وماذا تقصدين؟ لم أشأ إكمال الحديث معه لأنني كنت في شغل عنه مع والدي حيث كنت أطمأنه عليّ واوصيه ان يطمئن والدتي، فكنت اذكره ببعض الآيات القرآنية وبعض الاحاديث للرسول الأكرم(ص) اضافة الى نماذج من روايات ائمة أهل البيت ذكرته بالإمام موسى الكاظم والفترة التي أمضاها في السجن ما يقارب خمسة عشرة عاماً لحين لقب بحليف السجون ولا تنسى ما قاله الإمام الصادق(ع) (ما من شيعتنا الا مظلوم او مسموم) فنحن لا بد ان نقتدي بهم ونسير على خطاهم، ثم ذكرت الآية الكريمة {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}. قاطعني السائق وهو يهز رأسه ساخراً ويقهقه بسخافة قائلاً أتظنين أنكم في جبهة قتال حتى ترددين هذه الكلمات، ثم اخذ يكرر الآية وهو يتلاعب بها بلسانه، لكني تركته وشأنه..
…بعد مضي ما يقارب الساعة توقفت السيارة، لم استطع أن أرى شيء سوى تلك الصحراء القاحلة التي مررنا بها. ما عدى بوابة كبيرة أثناء وقوف السيارة، حيث كان الباب صلباً للغاية يحوي أعمدة حديدية كانت ملاصقة للبوابة وعبر الضوء المسلط من السيارة اتضح لي لونه الازرق كانت توجد بوابة متوسطة الحجم من الجانب الأيسر مباشرة، بها ثقب صغير وكان يطل منه أحد الجنود.. فوراً اعطي اشارة خاصة من قبل السائق واذا بالبوابة قد فتحت من قبل اثنين من الجنود المسلحين واذا بي في ساحة واسعة ـ شديدة الظلام، ولم اتمكن من تمييز الموقع جيداً، أنزلونا من السيارة وأمرنا بعدم التحرك من موقعنا لحين صدور الأوامر وكان يقف أمامنا أربعة من الجنود للحراسة!!
..كانت الافكار حينها تقصف برأس والدي لم يكن له تفكير مستقر ولا أدري هل يفكر بي بكوني فتاة في يد طغمة من الجلاوزة، ام يفكر في كلام الناس وما الذي سيدور بينهم حينما يعلمون بالأمر، ام يفكر في زوجي المعتقل الذي لم يعرف مصيره بعد، ام يفكر في نفسه اذا سجن معي، حسبما ورد في تهديد ذلك العميل داخل السيارة، هل يفكر ويتساءل من للعائلة بعد سجنه التي تتكون من ستة أولاد وأربع بنات، من الذي سيدير شؤونهم ويرعى امورهم وهم بعد لم يبلغوا الحلم، واذا سجن معي فالمدة ليست محددة فقد تطول فترة بقائه معي في السجن، فمن للبنات ومن سيلبي طلباتهم وكيف ستسير أمورهم بدون معيل، ومن للاطفال الصغار من لمحمد ومصطفى من لزهرة وزينب اذا استيقظوا كل صباح وفقدوا من كان يزرع في نفوسهم المرح والسرور ومن الذي سيلاعبهم وينحني بظهره لهم ليلعب معهم لعبة الحصان ومن…. ومن…. ومن….. الخ….
..نعم كان والدي يسبح في عالم الافكار وكانت صفحات وجهه تفصح عما في داخله.. فكان ينظر لي بين لحظة وأخرى وكأن قلبه يحدثه بأنه لن يراني بعد.. سوف يأخذونني وسأرحل بعيداً عنه.. أخذ يرقبني بنظراته الحادة وانا احاول الهروب منها لأهديء من روعه… في تمام الساعة الرابعة وخمسة عشرة دقيقة تم استدعاء والدي وسيق الى مكتب مدير السجن (منصور مرعي القحطاني) وبقيت وحدي اترقب الأمر تحت حراسة مشددة من قبل الجنود، كنت حينها أبحر وسط محيطات كبيرة مليئة بالسعادة وزاخرة بالسرور ولكن أية سعادة هذه، كانت تجمع معها ألم وحزن، وهو خوفي الشديد لما يجري لوالدي وما يتعرض له من أذى بسببي، أما فرحي فهو لنجاحي وتفوقي في هذه المدرسة، فكثيراً ما قرأت عيناي أسطراً واسعة حول هذا الخندق وما يجري فيه فقيل عنه انه مدرسة الصمود والتحدي وقيل عنه مختبر يكتشف فيه المرء ذاته، وقيل عنه بأنه كالإمتحان أما يكرم المرء فيه او يهان، عصفت بي الافكار من كل حدب وصوب: أي سجن هذا الذي يجمع ما هب ودب ومن كل الناس.. وفي لحظة تأمل وتركيز استوقفت افكاري عند محطة من التساؤلات لماذا لا أجرب نفسي للدخول في هذا المعترك الصغير لعلها قادرة على النجاح وكيف لا ما دام الانسان مؤمناً بالله سبحانه ومتوكلاً عليه في جميع اموره. وتصرفاته وسلوكياته فالله مع العبد ما دام العبد معه، ولربما يكون بلاء منه عزّ وجلّ يريد ان يمتحنني فيه ويرى مدى صبري وعزيمتي على هذا البلاء، فالله سبحانه وتعالى قد امتحن نبيه يوسف عليه السلام بالسجن وهو القائل (رب السجن احب الي مما يدعونني اليه).. وقد يكون عقاباً دنيوي عجّله لي كي يخفف عني عذاب الآخرة ولماذا لم يكون كذلك.. قد يكون بوابة مشرعة لمحو الذنوب وغفران السيئات وان الله اذا أحب عبداً ابتلاه و… و… و…، واذا بصوت والدي يوقظني من عالم الافكار لأقع بين يديه الكريمتين وبلهفة شديدة كنت متلهفة لمعرفة ما لديه وهل سيمكث معي ام لا؟ وهل سنغادر المكان ام ماذا؟ وما نوعية الحديث الذي دار معه اثناء غيابه معهم.. لكنه لم يدع لي فرصة أن اتفوف ولو بحرف واحد.. ربت على كتفي قائلاً لا تخافي يا ابنتي وبكل أسى قالها سوف تذهبين معهم ولا تنسي بأن الله معك.. وانت يا والدي ما الذي جرى بشأنك.. اطمئني انا سأغادر المكان عائداً إلى المنزل اما انت فستبقين معهم.. إرتحت كثيراً لأمره ولكني في نفس الوقت تألمت لصعوبة الموقف فقد كان متشبثاً بيدي يلقي بنظراته عليّ مرة بعد أخرى كي يتشرب من وجهي ويفيض شبعاً من رؤيتي، كانت القلوب عند بعضها والنظرات متبادلة وشحنات كبيرة من الدموع تملأ عيناه، الاحمرار أخذ مأخذه على وجهه حيث كان في حالة ضغط شديدة لكبت مشاعره واحاسيسه كان يريد البكاء امامي… لكنه لم يبك ولم يفسح المجال لنزول ولو دمعة واحدة على خده لحبسه دموعه ومنعها من التساقط ولأن البكاء يهد الرجال، ولكن ما اصعب لحظة الوداع..
اراد ان يحدثني عما جرى له داخل المكتب ولكنه لم يستطع اذ زجره مدير السجن بقوله (هيا اسرع ماذا تريد ان تقول لها) انتاب الاحراج والدي وصمت فجأة، ما هي الا لحظات، وضغط بيديه فوق يدي وأخذ يربت مرات متوالية فوق كتفي بدون ان يتكلم احسست انه تعرض لإهانات كثيرة من قبلهم ولكنه سوف يتحمل كل شيء من أجلي، هناك تمنيت لو أتلاشى كنت اختنق بعبرتي. وأتعذب في داخلي لما جرى ويجري وسيجري له من اهانات، وما تعرض له من شتم وزجر ولو أن دمعة واحدة انفجرت الى الخارج لكان ذلك اهون بكثير، لجعلت روحي تتنفس وتحاول ان تلتقط الهواء حتى يمر الموقف بسهولة، لكني أحسست حينها ان اقسى ضربة توجه لرجل هي ان يرى امه او زوجته او اخته تبكي امامه فكيف اذا كانت إبنته.. ولكن لن أبك الآن أبداً ولن أبك…
بطل هو والدي فما زال يحاول خنق دموعه ويحبسها كي لا اراها ولا احس بما يدور في داخله، كانت شهقة موجعة تملأ حلقه وهو يحدثني فنبرات صوته ضعيفة.. كما كان قلبي يتألم لك يا أعز انسان في الوجود ولكن ليس باليد حيلة وددت لو أن الحياة تنتهي في هذه الآونة.. شعرت بالحزن كثيفاً داخلي مثل سكين حادة تمزق احشائي.. ولكني صممت أن ابقى قوية أن أبدو متماسكة لأقل له كلمات لذيذة يتذكرها حتى وقت بعيد.. ربما تخفف عنه.. اردت ان يرى وجهي وانا مبتسمة ضاحكة كي تكون له زاداً ينزع قلقه عليّ من نفسه، ولكني لساني لم يطاوعني، أحسه وكأنه ثقيل متصلب ولكني رغم هذا سأبتسم فالانسان يستطيع ان يبتسم،، فالابتسامة ارادة حتى لو كانت حزينة.. إبتسمت في وجهه وانا اردد له بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى {واصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} {وبشر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وانا اليه راجعون} وان الله مع الصابرين.. كانت آخر اللحظات بيني وبينه بل آخر الكلمات حتى انتهيت بوصيتي له ان يطمئن والدتي ويخبرها نيابة عني بأنني التمس منها الدعاء لي من المولى عزّ وجلّ بالتوفيق والاستقامة وان لا تسمح لنفسها ابداً بالبكاء لفراقي ولتصبر ولتتصبرّ مهما طالت الأيام.. أما انت يا والدي فارفع رأسك مفتخراً بي أمام الآخرين لأننا مع الحق أينما كان واسع لأن تبني من إخوتي جيلاً اسلامياً حقيقياً لأننا بحاجة الى رجال اكفاء وسواعد قادرة لنشر العدالة الإلهية (عدالة الله) ولنكن بحق خلفاء لله في الارض.. ما هي الا لحظات واذا بإمرأة تشدني من الخلف بقوة وعنف ونظرات والدي تلاحقني الى ان غاب عني حيث اقتاده الجنود المسلحين الى الخارج ملوحاً لي بيده في أمان الله يا ابنتي…. في امام الله يا ابنتي… في دعة الله يا….

القوس 17-05-2003 11:23 PM

(5)

"بين أيادي الجلادين"
..ساقتني تلك المرأة معها بواسطة (الكلبشة) برفقة اثنين من الجنود اضافة الى مدير السجن (منصور القحطاني) كان يلتزم الصمت ولم يتحدث بكلمة واحدة، كان يسير الى الإمام ونحن الى الخلف الى ان وصلنا للركن الايسر من الساحة وما زال المكان يلفه الظلام والسكون الى درجة انعدام الرؤية تماما، والجو مشبع بالرطوبة، بينما أخذ الليل يرحل شيئا فشيئا بعد ان تدلت خيوط الفجر، كان منصور القحطاني يحمل ولاعة صغيرة أخذ يضئ بها الطريق، اتجه بنا نحو بناية متوسطة الحجم ليس بها أي منفذ يطل على الخارج عدا بوابة عريضة صلبة تتكون من قضبان حديدية متلاصقة وجدار سميك من المعدن مغطى بجدار آخر من الصفيح يصعب فتحه، مكثنا قرابة خمس دقائف ننتظر، فتح الباب من قبل اثنين من الجنود احدهما يدعى (عمر) وهو متوسط الطول اسمر اللون ممتلئ الجسم له ذقن صغير كلامه شبيه بصراخ النساء، اذا تلكم ضحك عليه الآخرون.
دخلنا سوية يتقدمنا مدير السجن… اصابتني رعشة شديدة ما كل هذا؟ كدت اختنق في تلك اللحظة من الغبار الكثيف الذي كان يغطي الارض ويتساقط فوق رؤوسنا من الأسقف، الجدران تمتلئ بالهواء الذي نهم باستنشاقه، وحتى ساعات الكهرباء لم اكن لأعرفها جيدا، كل هذا لاحظته، الظلام يغطي كل شيء وكأنه قبو قديم جدا، مد المدير يده ليهم بإشعال أحد الانوار المعتمة، واذا به يمزق الظلمة، المنظر، فقد كانت، الساعات منسوجة مع بعضها بواسطة خيوط العنكبوت وذرات الغبار متراكمة عليها..
…أضيئ نور خافت جدا واذا بممر ضيق طويل يبلغ طوله قرابة ستة امتار ونصف، وبعد ان تقدمنا للأمام بمسافة مترين واذا بممر آخر يقع على الجانب الايمن يبلغ طوله حوالي ثلاثة امتار، وكانت الحشرات تتطاير بين هذا الممر وذاك، والصراصير تزرع الأرض جيئة وذهاباً، الصراصير بكثرة اضافة الى وجود قاعدة سكنية خاصة بالنمل الكبير الذي أخذ يتكوم في كل ناحية، فكلما تقدمنا الى الإمام كلما ازداد كل واحد منا في السعال، وصلنا نهاية الممر واذا بقضبان من الحديد قد احكمت على هيئة باب محكم اغلاقه وبعد محاولة المدير لفتحه، امسكتني تلك المرأة التي كانت معنا منذ الدخول، امرتني برفع يدي الى الأعلى، سألتها لماذا. زجرتني بنظرات حادة (اسكتي.. ايش اتريدي اتقولي) بلهجتها الصحراوية، لهجة قاسية عنقية، لزمت الصمت، أخذت بتفتيش ملابسي فلم تر شيء، انتقلت الى شعري وأخذت تضغط بيدها فوق جسدي لربما اخفي شيئا ولكنها باءت بالفشل ولم تحصل على شيء، أمرتني بنزع حذائي وأخذت تبحث داخله، لكنها وجدته فارغا، قامت بنزع الجوارب من رجلي وبحثت داخلها، ايضا لم تجد شيئا، أخذت تنظر الي نظرات مليئة بالشك والحقد وهي تقول (متأكدة ما بتحملي شيء) أجبتها بكل تأكيد، ثم فتحت الكلبشة من يدي وبلمحة خاطفة أطلت على عقارب الساعة واذا بها تشير إلى الخامسة صباحا، فانتزعت الساعة من يدي ومدت يدها الى رأسي فانتزعت جميع المسّاكات الموجودة فيه، واذا بها تدفعني بقوة باتجاه باب حديدي نحو غرفة قد لفها الظلام، مخيفة جدا واغلقت البوابة وذهبت مع مدير السجن والجنود المرافقين، انتابني الخوف الشديد ليس من السجن والجنود المرافقين، انتابني الخوف الشديد ليس من السجن وانما من هذه الغرفة الموحشة حيث كانت عالية الجدران تحوي شقوق عريضة بجوانبها كأنها وهمية الشكل من شدة الغبار والحشرات المتعلقة بها، وكانت أرضها شديدة الانحدار وزواياها منفصلة عن بعضها البعض وكان بين الشقوق قطرات متخمرة من المياه ومتحولة للون الاخضر وبعضها للون الاسود تبث رائحة كريهة في الغرفة، كانت أسراب النمل والحشرات الصغيرة تمثل جمعات جماعات مترسبة وكانت الغرفة فارغة من أي حصير أرضي حيث بدت ساحتها تمثل محطة اتصال لإلتقاء الحشرات فيما بينها وخط اتصال طويل لحلقات النمل المتراصة والتي تمتد من خارج الممر الى داخل الشقوق.
هممت بالجلوس فوق عباءتي بعد ان افترشتها كحصير أخذت أفكر طويلا محتارة في امري ماذا أفعل.. ولكن رغم كل ذلك فأني لا استطيع جمع شتات فكري ولو بفكرة واحدة، كان رأسي يكاد يتفجر من شدة الالم وكانت عيناي تميلان الى الذبول من الاحمرار وشدة النعاس بسبب قلة النوم، كان القلق يأخذ مني مأخذا عظيما والخوف يراودني بين فترة وأخرى من تلك الغرفة... ولكن آه لو تتاح لي فرصة كي أنام ولو لمدة خمس دقائق..
بعد مضي ما يقارب ساعتين سمعت الضجيج يتعالى في الخارج وكأنه صوت المدير يتقدم ولكن الخطوات توحي بأنهم اكثر من شخص واذا بصدى عال تثيره حركة المفاتيح واذا بالأبواب تفتح وبالمدير قد أقبل ومعه تلك المرأة وأربعة من الجنود، فتحوا باب الغرفة نهضت فزعة ماذا يريدون هذه المرة.. لعلي سأعود إلى المنزل وكل ما حصل مجرد خطأ، فليس من المعقول ان تعتقل السلطة امرأة وبطريقة بشعة لربما هناك خطأ، لم يصب تفكيري في هذه اللحظة، فلقد امسكت بي المرأة واخرجتني من الزنزانة متجهة بي عبر الممر، واذا بصوت امرأة يصدر من الداخل حاولت أن ادير وجهي الى الخلف لمعرفة من هناك، رفضت وبشدة صارخة في وجهي ممنوع، بعد ذلك علمت بأن هناك امرأة اخرى في احدى الزنزانات، حيث كان السجن عبارة عن بناية متوسطة الحجم (يطلق عليه عنبر النساء او السجن الخاص بالنساء) يتكون من أربع زنزانات وغرفة واسعة اضافة الى مطبخ وقد تحول الى زنزانة هو الآخر، اضافة إلى ثلاثة حمامات في جهة منعزلة مقابل ثلاث مصبات من المياه لمجموعة من الحنفيات ويحتوي على ممرين أحدهما طويل والآخر قصير.. ما زلنا نواصل السير باتجاه زنزانة صغيرة دفعتني فيها تلك المرأة فرغم صغر حجمها الا انها أفضل من الغرفة الأولى، فالارض مستوية تحوي فراشا واحدا، واذا بالمرأة تخرج ويغلق الجنود باب الزنزانة في وجهي بقوة بعد ان قال أحدهم وهو يتثائب وقد بدا عليه النعاس الشديد بنبرة حادة وصوت ويكفي ما سببتيه لنا من ازعاج في هذه الليلة) قال منصور القحطاني (اذ احتجت ان تذهبي الى الحكام او اردت ان تشربي ماء فهذه هي السجانة سوف تكون في هذه الغرفة مشيرا بيده إلى غرفة واسعة تقع في الجانب الأيسر خلف البوابة الخارجية بمجرد نداء سوف تأتي وتفتح لك الباب واحذري ان تصدر منك أية حركة، خرجوا جميعا ولم تبق الا تلك المرأة، كانت طويلة القامة، حنطية اللون، قوية البنية تتميز بوجود علامة سوداء اسفل عينها اليمنة، سريعة اللهجة الصحراوية المبهمة، أخذت تقذفني بنظراتها الساخرة رافعة رأسها بكل اشمئزاز واستهزاء وهي تضحك وكأنني فريسة ثمينة قد وقعت بيدها، لكني لم اعرها أي اهتمام، حمدت الله كثيرا لنقلي الى هذا المكان… بعدها لجأت الى النوم لكني لم استطع، فهاجس القلق وشبح الخوف ما زال يراودني ما العمل اذن؟ لجأت الى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وتلاوة بعض الآيات القرآنية التي أحفظها، فهدات نفسي واستقرت سريرتي بعد ان بزغ الفجر وحان وقت الصلاة وفور الانتهاء من الصلاة احسست بالنعاس فغفوت على أمل انتظار ما سيحدث في الغد.

(6)

(اليوم الأول)
…استيقظت سريعاً صباح ذلك اليوم، فأخذت أمعن النظر في هيئة الغرفة وتشكيلتها، ظننت ان الليل لم ينته بعد وأن النهار قد تأخر، ولكن ليس من المعقول فلقد عفوت ما يقارب ثلاث ساعات بعد اداء فريضة الصلاة، لجأت مسرعة نحو الباب كي أتأكد اكثر حيث لم تكن هناك أية نافذة أستيطع أن اطل منها لمعرفة ما اذا كان الوقت نهاراً أم ما زال ليلاً… أصبحت ابحث عن ثقب صغير من الثقوب الموجودة، واذا بثقب يوازي خرم الابرة قد نفذ منه نور بسيط، تيقنت أن النهار قد أقبل لأن النور ينبعث من البوابة المجاورة المواجهة لزنزانتي باشراق أشعة الشمس المنعكسة..
كان باب الزنزانة مغلقاً بإحكام بقفل حديدي كبير لونه أسود مع سلسلة حديدية طويلة.. تذكرت آخر الكلمات التي نطقها المدير (اذا احتجت الى شيء فاطلبي السجانة).. ولكن بأي اسم.. فقلت يا امرأة.. هي.. يا سجانة واذا بها قد أقبلت أخذت تتكلم معي بخشونة سألتها لماذا تعامليني بهذا الشكل وبهذه القسوة، أجابتني (هل نسيت إش سويت البارح،.. تذكرت موقفاً حدث بيني وبينها في ليلة الأمس، حيث بداية دخولي الى السجن وبعد مرور ما يقارب نصف ساعة وأنا في تلك الغرفة المخيفة واذا بها تأتي وترمي بمكنسة كبيرة في وجهي قائلة (هيا قومي عليش شيء إتسوية بلحال بها المكنسة) امرتني بتنظيف الغرفة إضافة إلى تنظيف جميع حواشي السجن والزنزانات ما عدا الزنزانة المجاورة حذرتني من الاقترب منها لوجود امرأة اخرى هناك. مضيفة الى ذلك إعادة التنظيف مرة أخرى بالماء.. هنا صرخت في وجهها أنا لست شغالة لديكم ومهما عملت فلن ألبيّ لك هذا الأمر.. قالت.. (بتشوفي الويل ان رفضت واتصل بالمدير وأقله) وكذا مرة تعيد جملتها كي يتسنى لي فهم ما تقول (فأخذت تتصل عبر جهاز اتصال كان معلقاً خلف الباب مقابل ساعات الكهرباء، فكانت وظيفته اذا كانت هناك مخالفات من قبل المعتقلات تنقل فوراً عن طريق السجانة عبر هذا الجهاز، اضافة إلى تبادل الأوامر بين مسؤولي السجن والسجانة) فبعد انتهائها من الاتصال حضر المدير إلى السجن مكفهر الوجه، حاد، النبرات خشن الصوت، يتبختر في مشيته، ويستعلي كالطاووس في غروره وغطرسته، عادة ما يصيبه التوتر وسرعة الغضب، فها هو يصب جام غضبه على اولئك الجنود حتى وان كانوا في سن والده فيعاملهم اسوأ المعاملة ويفرض عليهم اشد العقاب ويوجه لهم اشد الاهانات واقذرها، فهاهم يترائون للناظر وسط ساحة السجن الملتهبة بحرارة الشمس أحدهم يزحف على بطنه بدون لباس على ذلك الاسفلت المنصهر وقد اصبح جسمه كالجمر من شدة الحرارة، وآخر قد تستعصي حالته لوقوفه على رجل بدون حراك، وذاك قد منع من شرب الماء طوال أربع وعشرين ساعة في ذلك النهار الحار المشبع بالرطوبة، والكثير الكثير من مساوئ هذه الشخصية، شخصية منصور مرعي القحطاني ومن لا يعرفها، حتى الاطفال الصغار يتمثل لهم شبح ورعب مخيف أثناء رؤيتهم له، فها هم لا يسلمون من زجره وسخريته لهم أثناء زيارتهم لآبائهم داخل السجن، وتراه في أكثر الاحيان قد أسدل يداه خلفه وهو يلوح بالخيزران يمنة ويسرى ضارباً هذا ومبعثراً ذاك وكأنه سعى لاستعباد آخرين في تلبية اوامره بالضرب والشتم والتهديد ونادراً ما يتكلم بأدب واحترام وعادة ما يطلق كلمات قذرة تليق بمستواه كمدير…
ها هو قد أقبل والفاظه تسبقه بالسب والشتم والزجر سألني لماذا لا تطيعي وتنفذي أوامر السجانة.. أجبته.. لو تأتي لي بأكبر رئيس للمباحث في المنطقة لما نفذت لكم هذه الأوامر.. وهل هذا من حسن الضيافة هل تكرمون الضيف في اول زيارة هكذا؟ هنا ازداد غضبه وأخذ يهدد ويتوعد وهو يعدو من الباب خارجاً (نحن نعرف كيف نجعلك مستعدة لتنفيذ الأوامر) صفق الباب خلفه وخرج. ومرت تلك الليلة بخير. ما يقارب الساعة التاسعة صباحاً اذا بالأبواب تطرق من جديد وإذا باثنين من الجنود وامرأة أخرى معهم أتت كي تستبدل الدوام مع السجانة الموجودة وعبر حوار بينهما علمت بوجود سبع سجانّات أخريات يتناوبن الدوام الرسمي خلال أربع وعشرين ساعة يومياً.. بعدها ولّت السجانة (نورا) تاركة وصيتها لرفيقتها عليك بهذه وكانت تشير لي، انتبهي لها جيداً، وخرجت على أن تعود في الأسبوع القادم…

القوس 17-05-2003 11:26 PM

(7)

"بداية التحقيق"
…في تمام الساعة السابعة صباحاً من اليوم التالي أحسست بخطوات منتظمة تتقدم باتجاهي ثم بدأت الخطوات بالإسراع، استرقت السمع أدنيت أذني من الباب سمعت أحدهم يقول هل أحضرت (الكلبشة) والآخر يرد عليه بالإيجاب، كانوا ثلاثة من الجنود وكان برتبة عريف ويدعى (عامر) وهو شخصية متكبرة، عالي الصوت وهذه ميزة يعرف بها لدى الجميع فيستطيع الإنسان معرفته وان كان على بعد خمسين متراً او اكثر، مخيف الجسم وله ذقن صغير، رجل خاوي ويحب الإزعاج، فتح الباب بعد ان هزه هزة عنيفة وتقدموا باتجاه زنزانتي وضعوا الكلبشة في يدي وأخرجوني معهم، أثنين من الجنود أحدهم يمشي إلى الأمام والآخر يمشي إلى الخلف إضافة إلى العريف، أما السجانة فقد لزمت يداي بقوة بجانبي حتى لا أتمكن من الأفلات من قبضتها وهي قصيرة القامة، نحيفة الجسم، ترتدي برقعاً اسود اللون واسمها (ظبية) تنتمي إلى قبيلة بني قحطان ويتميز كلامها باللهجة البدوية الحادة.. ما زلنا نواصل السير إلى أن تجاوزنا البناية الخاصة بسجن النساء، مررنا بساحة واسعة جداً كانت مسورة بجدران صلبة حيث يتكون سقفها من أشباك حديدية متراصة في صورة مربعات طولها في عرضها عبارة عن سنتميترات معدودة، خرجنا من الساحة مروراً بممر صغير، باجتيازه دخلنا ساحة كبيرة أخرى كانت تضم مكتب مدير السجن، إضافة إلى أربعة من العنابر التي يتواجد فيها اكثر المعتقلين.. ومن الاتجاه الايمن خلف العنابر وصلنا إلى ساحة اخرى عبر بوابة صغيرة وهذه الساحة تحوي غرف الموظفين، إضافة الى وجود مكاتب المحققين على الجانب الأيسر، تقابل هذه المكاتب غرف خاصة للتعذيب وزج المعتقلين داخلها… أدخلوني غرفة مجاورة لمكتب التحقيق، وما زال الجنود والسجانة برفقتي، أقبل رجل يرتدي اللباس المدني وأفصح قائلاً انتظروا في هذه الغرفة لحين انتهاء النقيب فهو مشغول الآن… تم انتظارنا ما يقارب خمسة عشر دقيقة بعدها خرجنا سوية تجاه الغرفة الثانية حيث مكتب التحقيق.. بعد طرق الباب واذا بصوت من الداخل يأمرنا بالدخول.. تقدمنا الجندي ونحن الى الخلف واذا بطاولة فخمة تتوسط الغرفة ومكتبة كبيرة خشبية من الجانب الايمن ترتكز في زاوية الغرفة، كانت خاوية لا تحوي إلاّ مجموعة بسيطة من الملفات وبعض المستندات، وخلف الباب وضع جهاز تلفزيون صغير وجهاز فيديو وبعض من اشرطة الفيديو حجم صغير، بالإضافة إلى مقعدين من النوع الفخم كسيتا بالجلد السميك بنية اللون، وكانت في الجانب الأيسر، أما الجانب الأيمن فتوجد بعض الكراسي الخشبية المتناثرة في غير انتظام… وكان على الطاولة تلفونان أحدهما لاستقبال المكالمات الداخلية على نطاق السجن والآخر للمكالمات الخارجية.. ويلتصق بالطاولة مقعد دوار من النوع الفخم، كان المحق جالساً عليه يقابلنا بظهره وبالجانب الخلفي من المقعد، بادرت بالاسلام وبعد هنيئة من الوقت استدار بوجهه ورد السلام، أمر السجانة بفتح الكلبشة من يدي وأمرني بالجلوس على أحد المقاعد المقابلة للمكتب من الجانب الأيمن وجلست السجانة مقابلة لوجهي، والجندي ما زال واقفاً لدى الباب ينتظر الأوامر، أمره بالخروج فرفع يده محاذية لرأسه وضرب برجله الارض أداءً للتحية المعروفة (ضرب سلام) فولىّ خارجاً بعد ان اغلق الباب خلفه، حيث كان الباب المنيوم يكتسي اللون الأبيض ـ كان الجو يعمه الهدوء والصمت يخيم على الجميع اما أنا فقد إزدحم عقلي من كثرة طرح التساؤلات ولكني تركتها صامتة أترقب مسير الوضع، فأخذ يفتح بعض الادراج وسط الطاولة ويغلقها وكأنه يبحث عن شيء واذا به قد اخرج ملفاً وأخذ يكتب فيه، ثم اتصل هاتفياً وكان يصدر لمن يكلمه بعض الأوامر مثل هل كل شيء حسب الاصول، كما امرتك أريد كل شيء يكون جاهزاً وانا سوف اكون مستعداً، اغلق سماعة الهاتف بعدها.. ونحن ما زلنا على هامش الانتظار.. بعدها ضغط أحد الاجراس الموجودة من الجانب الأيسر خلف المكتب واذا بجندي قد أقبل وأدى نفس التحية فطلب منه احضار (دلة القهوة( وبعد خروج الجندي سألني عن اسمي فأجبته فأخذ يسألني عن حالي وصحتي وبكل استهزاء وسخرية قالها "عساك مرتاحة هنا!! لقد نورتي المكان، من زمان ونحن ننتظر قدومك، حصل لنا الشرف بزيارتك اليوم.. هذه الفرصة تمنيناها وها هي اليوم تتحقق فأرجوا ان لا نكون قد سببنا لك أي ازعاج المهم ان تكوني مرتاحة في الغرفة الجديدة، أخذ يهز رأسه رافعاً حاجبيه الى الأعلى شامخاً بأنفه.. هه.. لا بد ان تكوني مرتاحة فهي غرفة على الكيف (يقصد الزنزانة) أجبته حمداً لله على كل حال.. توجه لفتح أحد الادراج في مكتبه واخرج ملفاً أصفر اللون فتح الصفحة الأولى وضرب به بقوة في وجهين فوق المكتب ورمى امامي بقلم ازرق طويل كان مخططاً باللون الأسود والاصفر وأمرني بالكتابة، أخذ يردد اسمي لعدة مرات ثم اخذ يخط الاسئلة وسط الملف وقبل ان يسلمني إياها للاجابة عليها لا بد من الاجابة عليها شفهياً ـ فمرة أخرى سألني عن اسمي.
ما اسمك؟
ـ عالية مكي.
كم عدد افراد عائلتك؟
احد عشر(11).
من الكبير في الأسرة؟
ـ افراد الأسرة كلهم صغار ما عدى انا الكبيرة.
انت الكبيرة اذن!؟
ـ نعم.
كم عدد اقربائك؟ عدديهم فرداً فرداً وبالخصوص اعمامك اذكري أسمائهم بالكامل؟
بعد ان عدّدت مجموعة من اقاربي اجبته ليس لدى اعمام
ألديك أخوال من هم؟ اذكري اسمائهم بالكامل؟
ـ ليس لدي اخوال.
وكان الملف يتردد بين ايدينا هو يأخذه لكتابة السؤال بقلم اسود عريض وانا بدوري استرد الملف للإجابة على اسئلته بالازرق حيث أمرني بالتوقيع فور الانتهاء من الاجابة على كل سؤال، أخذ الملف وكأنه يكتب شيئاً، وبعد ان سلمني الملف للتوقيع فقط بدون إجابة على أية سؤال، اتضح بأنني أمضيت لإغلاق المحضر حيث كتب أنه في تمام الساعة كذا…. تم أغلاق المحضر…..
مع حضور السجانة فلانة……. التوقيع……
واذا به يضغط زراً على اثره حضر إثنان من الجنود ومعهم الكلبشة ثم وضعها في يدي وأعادوني الى الزنزانة مرة أخرى. كان ذلك في يوم الأربعاء والذي يصادف آخر يوم عمل حيث يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع تعطي الإجازة الرسمية لموظفي الدوائر الحكومية.
قضيت هذين اليومين بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر بانتظار جلسة التحقيق المقبلة وبلهفة شديدة لمعرفة السبب في اعتقالي…
في صبيحة يوم السبت في تمام العاشرة، طرق الباب وفتحت الزنزانة واقتادوني مرة أخرى الى حيث المكتب وفي نفس الوقت اقتادوا زميلتي التي كانت في الزنزانة المجاورة، وضع القيد في يدي وسرنا باتجاه المكتب، أعطي المحقق اشارة بوصولنا فسمح لنا بالدخول واذا به منكفأً على مقعده واضعاً ساعديه فوق المكتب وكفّاه محاذيان لوجهه وكان يتلاعب بالقلم بين اصابعه، وقد وضع ملفاً أصفر امامه اضافة الى ورقة بيضاء صغيرة، لم أنتبه سوى لمجموعة من النقاط والارقام الموجودة فيها، واذا به يلقي بابتسامة عريضة وقبل ان يسمح لنا بالجلوس رحب بنا قائلاً باستهزاء أهلاً وسهلاً!! لماذا واقفين تفضلا بالجلوس، جلست بجانب السجانة لفترة معينة على اثرها رنّ جرس الهاتف، رفع السماعة للرد عليها وفوراً اغلقها بدون ان يتكلم وكأنه ينتظر إشارة معينة، نظر الى الورقة الصغيرة التي امامه وأبدى ابتسامه استهزاء وأخذ يكرر وهو يهز رأسه (اهلاً وسهلاً) نظر لي بعدها وقال اهلاً وسهلاً.. بالشيخة، كيف الحال يا شيخة ام وائل يا طالبة العلوم الدينية، فوجئت معرفته لكنيتي، وتملكني الذعر من هول المفاجأة واحسست بالدم يسري في عروقي بسرعة، بدأت علامة الارتباط تهزني.. كادت أحاسيس ان تخونني حاولت ان استعيد ثقتي.. بالله سبحانه وتعالى هدأت نفسي بعد قليل.
هامت يده اللئيمة لتضغط على زر صغير على اثره حضر أحد الجنود، إنتهزت فرصة كلامه وإصدار اوامره للجندي فنقلت الى حيث أمرني بالجلوس طلب من الجندي إحضار الشاي والقهوة وفور خروجه أخذ المحقق يسترسل في ترتيب كوفيته واذا به يرمي بقلم في وجهي قدم الملف وفتح المحضر وبدأ بالسؤال..
يا طالبة العلوم.. ما هي المدن التي قمت بزيارتها داخل المملكة وفي أي تاريخ؟ـ
ـ زرت مكة والمدينة للعمرة ولا اتذكر التاريخ.
ألم تذهبي الى مكان آخر فقط للعمرة؟..
نعم.
ما هي البلدان او الدول التي قمت بزيارتها خارج المملكة وفي أي تاريخ؟
ـ لم ازر مكان خارج المملكة ما عدا مصر فقط ولا اتذكر التاريخ فقد كان قبل ثلاث سنوات تقريباً.

القوس 17-05-2003 11:28 PM

هل انت متأكدة فقط الى مصر؟
ـ نعم.
يا ام مهتدي يا طالبة العلوم ـ متى ذهبت الى الدراسة الدينية في الخارج ومن الذي شجعك على ذلك؟
ـ يا ألهي لا مفر ولا هروب فاسمي موجود لديهم ولديهم علم كذلك بمسألة ذهابي الى الدراسة فلا داعي للنكران…
ثم ذهابي قبل سنتين تقريباً ولا أحد شجعني على ذلك.
بأي وسيلة سافرت الى الدراسة؟ ومن الذي كان معك؟
ـ سافرت بالسيارة وكنت برفقة جدّتي.
هل أنت متأكدة مما تقولين؟
ـ كل التأكيد كما اني متأكدة من وجودك هنا.
ارجو ان لا تكذبي فكل شيء مصرح لدينا وكل المعلومات التي تخصك موجودة وافهمى جيداً انه لا داعي للكذب، فالكذب حبله قصير فاعترفي بالحقيقة قبل ان تندمي؟
ـ ما اقوله لكم هو الحقيقة وليس عندي زيادة.
أنا اعلم انك كذابة فقولي الصدق وخليك صريحة مع التحقيق.
ـ أنا لا اكذب وكل ما اقوله هو الصدق.
هنا طرق الجندي الباب قادماً بالشاي والقهوة، بعد ان سكب فنجانه من الشاي قال المحقق هل تشربين شيئاً أجبته بالنفي، خرج الجندي بعدها وأخذ يواصل اسئلته..
من كان برفقتك في السيارة وانت تغادرين البلاد؟
لا يوجد أي شخص معي اثناء مغادرتي للبلاد ولم اكن برفقة احد.
هكذا واخذ يكرر نفس الاسئلة ولكن باسلوب آخر، اراد ايقاعي في المصيدة.. ولكن هيهات له ذلك.
كانت الاجابات لا تتغير. بعدها صرخ في وجهي كذابة، انا لست مقتنعاً باي اجابة من اجاباتك فكلها كذب واقول لك واردّد الكذب حبله قصير فيا ويلك ان كتبت غير الصدق، فمن الافضل ان تتجاوبي معنا.. رغم معرفتي بأنك كذابة مئة في المئة والا لماذا توقفت اكيداً تفكري في كذبة جديدة..
قلت لك انا لا اكذب فالكذب ليس من عادتنا.
قال:ـ خليك انسانة محترمة وتجاوبي مع كل سؤال والا سوف تعضّين اصابعك ندماً، ثم اخذ يتمتم ببعض الكلمات.. فتارة اسمع له وتارة افكر.. هل استمر معه ام لا. احترت في امري ولم اكن أفكر إلاّ في الله (إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وانقطع الرجاء وضاقت الارض ومنعت السماء فإليك المشتكى وانت المستعان وعليك المعول في الشدة والرخاء اسألك بحق محمد وأهل بيته ان تفرج همي وتكشف كربي وغمي وترحمني برحمتك يا ارحم الراحمين..) رددت هذه الكلمات الرائعة فاندفعت همة وعزماً لمواصلة التحقيق وبدأت بالإجابة واردّد له أنا لا أكذب، أخذ يكرر كذابة وانا متأكد ولا كلمة واحدة دخلت في رأسي من الكلمات التي ذكرتها فقولي الصدق، أخذ يعلو صوته بالصراخ لا تكذبي أتفهمي أخذ ينظر الي بنظرات حادة وهو يشمر عن ساعديه ـ دفع مقعدة بقوة وقف شامخاً بمنكبية وضرب ضربة قوية بيده فوق الطاولة حيث ارعبتني تلك الضربة، ولمدة دقيقتين وهو ينظر لي بنظراته الحادة والشر يتطاير منها.. الم اقل لك انك تكذبين ثم أخذ (مهشة ذباب) كانت موجودة فوق المكتب لونها وردي أخذ يضرب بها فوق رأسي وهو يقول (انت كالذبابة اعترفي والا سأقطّعك بالضرب كما اقطّع الذبابة بهذه واذا به يقلب المهشة ويضرب بقاعدتها بكل قواه فوق رأسي وهو يردّد لا تكذبي انت كذابة.. متى ستقولين الصدق، التزمت الصمت واذا بضربه يزداد اكثر فاكثر فشعرت بأن رأسي يكاد يتفجر من شدة الألم، صرخت في وجهه الا تخاف الله، الا تستحي من الله تمد يدك على امرأة وتضربها لقد قلت لكم ما عندي وحسب، فاسألوني أجاوبكم ماذا تريدون غير ذلك؟ هدا قليلاً وتوقف عن الضرب ونظر الي نظرة استحقار وفاجأني بضربة عنيفة فوق رأسي صارخاً نريد الصدق وان تقولي الحقيقة هنا نزلت رحمة الله علي اذ رنّ جرس الهاتف، رمى بالمهشة فوق المكتب وأخذ يتحدث بالهاتف.
إنشغلت بالتفكير في هذا الاسلوب الحقير الذي يستخدمه كل محقق مع كل معتقل او سجين للنيل من شخصيته والعمل على تحطيمها بالسب والشتم وعبر اللفاظ القذرة، سواء ذبابة، او حشرة، او جرثومة وما شابه ذلك، فقيمة الانسان امامهم لا تعادل شيء تعادل ذبابة لا تساوي ذرة في الحياة، هكذا يريدون لكل معتقل ان يحولوه الى شخص جبانٍ متقاعس عن العمل والتحرك في سبيل مبدئه وعقيدته، حيث يجعلونه صفراً على الشمال، فهذا هو مبتغاهم وأدُ المجاهدين وهم أحياء.
ما زال هذا الذئب يتحدث والغضب يسيطر على كل كيانه بعد ان جلس على مقعده وزفر بعمق وختم مكالمته بقوله: لا أحد يكلمني أنا مشغول الآن.. قطع المكالمة واخذ ينظر الي وهو يلهث كالكلب بدأ يهددني قائلاً سأجعلك تأكلين حذاءك لحين تعترفي، صفعني بالملف طالباً مني التوقيع لانهاء المحضر والذهاب الى الزنزانة.
دلفت الى العنبر الخاص بسجن النساء وليتني لم اذهب لأرى ذلك الشبح المخيف والوجه المرعب (سارة وما أدراك ما سارة) نعم هي سارة الخالدي امرأة طويلة القامة، ضخمة الجثة كالفيل شديدة السواد، صوتها رخيم وضخم جداً مصحوباً بالخشونة ملامح وجهها حادة وقاسية، من شدة سوادها لا يرى منها الا بريق عينيها وبياض أسنانها فيما تنهال بالسب والشتم وهي من العبيد حيث تلقب من قبل السجانات بالصاعقة، بصدى كلمة واحدة تخرج منها تكاد تحطم الجدران، وتهز الاسقف وهي تزبد وترعد، توجهت الى زنزانتي وانا ادعوا الله سبحانه وتعالى ان ينهى ذلك اليوم حتى يحين موعد انتهاء دوام هذه السجانة فلقد كانت تعاملنا أسوء معاملة، وكانت تستخدم القوة والعنف لإخافتنا ولعلّ هذا جعلنا نستجيب نسبياً لأوامرها، فقد كانت تحاصرنا اثناء ذهابنا الحمام ولا تصرح لنا بدخول الحمام سوى مرة واحدة خلال أربع وعشرين ساعة ويا ويلنا ان طلبنا منها الحمام للمرة الثانية، فإننا لا نسلم من لسانها، كانت تقيدنا في جميع تصرفاتنا سواء في النوم او الجلوس ففي تمام الساعة الثامنة ليلاً لا بد ان تلجأ الى النوم، وفي تمام الخامسة صباحاً لا بد ان تستيقظ، وحتى الذهاب الى شرب الماء تحدده لنا بوقت، قضيت تلك الليلة وأنا اضرب أخماساً في اسداس لشراسة السجانة من جهة ولحرارة جلسات التحقيق من جهة أخرى، جلست افكر طوال الليل في اسئلتهم الموجهة الي وبماذا سأجيبهم، فكرت بعمق في اساليبهم وكيفية مقاومتها، توجهت الى الله في تلك اللحظات (الهي يا ملجأ الهاربين ويا ملاذ اللائذين اليك لذت وبك اعوذ فاستنقذني من كيد هؤلاء الشياطين كما استنقذت موسى من كيد فرعون وافتح لي أبواب رحمتك وامنن عليّ بلطفك يا أكرم الاكرمين). واذا بي أهرع مسرعة تجاه الباب بعد ان سمعت صوت سارة يهز العنبر (انت تسمعي لو بتستهبلي هيا..) استعدي للذهاب الى التحقيق، ما هي الا لحظات واذا بالمفتاح يدور في قفل الباب حيث أقبل جنديان معهما سجانة، توجهنا سوية الى المكتب ولكن المحقق لم يكن موجوداً وانتظرنا قرابة عشر دقائق حينما قدم المحقق وبيده مجموعة من الملفات وضعها بأدراج مكتبه واخرج الملف الخاص بالتحقيق وبدأ بالاسئلة بعد ان فتح المحضر..
ما هي المدة التي قضيتها خارج المملكة؟ وفي أي وقت تم سفرك للدراسة الدينية؟

القوس 17-05-2003 11:29 PM

ـ المدة التي قضيتها تعادل سنتين ونصف وتم سفري للدراسة الدينية في يوم الجمعة في تمام الساعة التاسعة صباحاً.
من الذي رافقك الى الدراسة؟
ـ لم يرافقني احد.
فور وصولك لطلب الدراسة الى أين تم اتجاهك وفي أي مكان تم سكنك؟
ت فور وصولي اتجهت الى المدرسة وتم مسكني هناك.
…بينما نحن في غمار الحديث واذا بعايض القحطاني قد اقبل، سحب الملف من يدي وأخذ يقرأ ما فيه واذا به ينظر الى المحقق ويتفجر من شدة الضحك، قال عايض لا تجعلها تستهبل، تراها بدأت تلعب من أول ما شرفت عندي في المكتب (مكتب القطيف) قالها باستهزاء موصحيح يا طالبة العلوم..
لماذا اخترت الدراسة خارج المملكة؟ واذا كانت حجتك الدراسة الدينية فنحن في المملكة لدينا مدارس وندرس علوم دينية فلماذا اخترتها خارج المملكة؟
ـ تم اختياري للدراسة الدينية خارج المملكة لعدة أمور منها..
1 ـ دراسة العلوم الدينية الاصيلة والبحث عن الثقافة الإسلامية العريقة.
2 ـ الغرض من سفري لدراسة المذهب الجعفري.
قال بكل اعتزاز نحن في مدارسنا ندرس المذهب الجعفري وائمتكم هي نفس ائمتنا ولا تنسي أنك بقولك هذا تفرقين بين الشيعة والسنة؟
انا لا افرق وانما أوضح لك السبب في ذهابي لطلب الدراسة الدينية واذا به قد ثارت اعصابه وهو يردّد ائمتكم هي ائمتنا ومن ثم أخذ يضرب الطاولة بيديه وهو يردّد نحن لا نفرق لا فرق في ذلك لا فرق في ذلك اتفهمي؟؟؟
اجبته بقولي اذا كنت صادق فيما تقول فاذكر لي اسماء الائمة واحداً تلو الآخر مع ذكر تاريخ ولادة كل واحد وتاريخ وفاته.. ما هي الا لحظات حتى ثارت ثائرته بشدة.. صرخ وهو يحملق في وجهي يا قليلة الادب هذا ليس حديثنا فقد خرجنا من الموضوع..
بعدها تنفس الصعداء وهدأ من روعه وأخذ يواصل.
لماذا اخترت هذه المدرسة الدينية رغم ان هناك مدارس كثيرة فما الهدف من ذهابك لهذه المدرسة بالذات؟
ـ تم ذهابي لهذه المدرسة لأنها تضم جميع العلوم الدينية والعلوم الحياتية وكل ما هو في صالح الإنسان سواء في الدنيا والآخرة.
ما هي الجنسيات الموجودة معك في المدرسة؟
ـ يوجد معنا من لبنان، والعراق، والسعودية ـ
من هم السعوديات الموجودات معك؟ اذكري اسمائهن، مناطقهن مكان تواجدهن حالياً؟
ـ انا فقط سعودية الجنسية، اسمي عالية، منطقتي صفوى مكان تواجدي حالياً السجن.
صرخ في وجهي أتستهزئين بنا..
أنا لا استهزئ.
بل تسخري بالحكومة.
لا اسخر من أحد وانما أجيبك على سؤالك.
قال: الظاهر بتستعبطي وهو يهز رأسه.. وواصل التحقيق.
من هم الأفراد الذين تم تعرّفك عليهم؟ اذكري اسمائهم؟
ـ لم أتعرف بأحد.
كذابة..
انا لا اكذب.. فهميّ كان الدراسة والمذاكرة وليس لدي وقت للتعارف سحب القلم من يدي واخذ يحملق بي قائلاً.. مهما ذكرت وقلت انا لن اصدق، وهذه كتاباتك انا متأكد منها كل التأكيد كلها كذب في كذب توجّه يضرب الطاولة بشدة وكأنه يريد ايذائي… بدوري دعوت الله سبحانه وتعالى ان لا أتعرض لسوء، كنت جالسة وكانت اعصابي غير مستقرة ـ لم تكن في مكانها ولكني تظاهرت بالهدوء، إشتد عضبه اكثر، كانت عيناي تحملقان بكأس الشاي الموجود فوق الطاولة والبخار يتصاعد من فوهته، توقعت أن يصفعني به، واذا بالضرب أخذ ينهال فوق رأسي بقوة بواسطة مسطرة سميكة من الزجاج الابيض أخذ يضربني فوق رأسي وانا التزم الصمت. قتله صمتي فازداد ضربه لي بحافة المسطرة وبكل قواه العضلية وهو يردّد يا قليلة الأدب يا كذابة، يا رافضة، يا عنيدة، استمر في الضرب لمدة نصف ساعة تقريباً وهو يقول لا تنكري، قولي الصدق بينما هو يضربني تذكرت مقولة للعلامة المجاهد السيد هادي المدرسي ـ حفظه الله ـ (المرأة بطبيعتها عنيدة وليكن على المرأة ممارسة عنادها اكثر من الطاغوت) واذا بي قد انقلبت الاشياء أمامي، الطاولة، المقاعد، الأرض كل شيء اصبح بالعكس، إسودت الدنيا في عيني، فقدت القدرة على التركيز لكني ما زلت اتقيد بالصمت.. كان الشيطان وقتها يراودني بين فترة وأخرى للاعتراف! إعترفي ولا داعي لكل ذلك، فليس بعيداً ان يصفعك بكوب الشاي ولربما ينزع حجابك… لا ترين ثورته وهمجيته، الا ترين غضبه؟ اعترفي، قولي ما لديك ـ تساءلت بداخلي هل أقدم على الاعتراف ام لا، فقد يؤذيني اكثر، واذا بصرخات قوية قادمة باتجاهها الينا من الغرفة المقابلة، كانت لأحد الشباب وكأنه قد انهار من شدة التعذيب استنكرت الأمر في البداية وظننت ان هذه الصرخات مفتعلة لتخويفي ولكن بلمحة سريعة كالبرق الخاطف ركزت بصري الى الخلف حينما دخل احد المدنيين ليقدم بعض الاوراق الى المحقق فقد ترك الباب مفتوحاً خلفه واذا بي ألمح شاباً يتوسط اثنين من الجنود وهو يئن ويستغيث ولكن من المجيب؟؟؟ افزعني شكله كان وجهه محمراً والدماء تشخب من رأسه وقد عملت على تغيير ملامح وجهه، وتحول ثوبه الابيض إلى أحمر وكأنه مرقع، وكانت رجلاه شديدتا الاحمرار كالجمر الملتهب، وكان الجنود يجرونه على الارض بقوة وسياطهم والسنتهم تكيل له السب والشتم، إنتبه المحقق، وبنبرةً زجر أمر السجانة بغلق الباب.
أحزنني منظر ذلك الشاب، هممت بالتفكير في مصيره هنيئة لربما التحق أنا به ويكون مصيري مثله وألاقي ما لاقاه، انهالت مني الدموع كقطرات الندى المتلاحقة وانا أسبح في رحاب الخالق (الهي انت معي وتعلم بكل شيء يا من لا يسبق علمه شيء عبدك بين يديك يسألك ويدعوك يا مجيب دعوة المضطرين فلا تخيب رجائي" كانت لحظة تذلل وخشوع ورجاء، قرأت بعدها فاتحة الكتاب على اثرها استقرت نفسي وهدأت سريرتي، فزعت بعدها على اثر الصوت الصادر من اغلاق الباب بعد خروج ذلك الرجل.
قال المحقق والآن ستعترفي ام لا.. ام تريدين وجبة دسمة احلى من الوجبة التي نلتها..
أجبته بصوت مبحوح من أثر تساقط الدموع، حيث أخذت الآلآم تعصف برأسي، الا تخاف الله فكل ما عندي ذكرته لكم.
قال: انت تكذبين، أنا اعلم انك مخادعة كذابة، منافقة.
صدقني قلت لكم كل ما عندي وانا صادقة فيما أقول، بعدها لزمت الصمت..
أكملي لماذا توقفت فلا تحاولي خلق قصص وتأليفات جديدة فأنا اعلم بأنك كذابة واقوالك هذه ليست صحيحة، واذا بصوته يعلو صارخاً.. لعينة انت لعينة بعدك تكذبين هذه آخر مرة احذرك فيها وواصل تحقيقه ـ قائلاً.
ما هي التبرعات التي قدمتها سواء مالية أو عينية وانت خارج البلاد وكم هو مقدار المبلغ الذي دفعته؟
ـ لم أقدم اية تبرعات وبالتالي ماذا تقصد بعينية؟
عينية.. قال ذهب، ملابس، اجهزة مثلاً وما شابهها؟
ـ لم اسلم شيء سوى مبلغ بسيط من المال قدره خمسمائة ريال(500)سعودي.
هذا ليس معقول ومن الذي طلب منك التبرعات ولماذا؟
ـ التي طلبت مني التبرعات هي احدى المسؤولات في المدرسة وهي التي سلمتها المبلغ.
لماذا طلب منك هذه التبرعات؟
ـ طلب مني ذلك لشراء بعض الحاجيات كسجادات صلاة ومصاحف لأحد المساجد.
هنا زجرني بقوة ما هذا الخط؟ زي الزفت حسني خطك والا…
(حيث منذ بداية دخولي السجن وانا اتعمد الكتابة باليد اليسرى؟
من الذي اوصلك من الخارج الى البلاد؟ وعبر أية وسيلة؟
ـ وصلت الى البلاد عن طريق أحد الحملداريين واسمه (ابو علي). وكان ذلك بالسيارة عبر الطريق البري.
صرخ في وجهي، احترمي نفسك ولآخرة مرة.. ها.. لا تفكري بأننا اغبياء فنحن فاهمينك وفاهمين اسلوبك يا قليلة الادب، صفعني بالملف. أجيبي على السؤال بصدق؟..
ما هي البلدان التي مررت بها اثناء نزولك البلاد؟ اذكري المراكز الحدودية التي مررت بها في الطريق؟
ـ ماذا تقصد هنا؟ لم افهم السؤال؟
السوال واضح ولا يحتاج إعادة.
ـ ايضا لا يحتاج ان اجيب عليه لأنني لم أفهمه.
أخذ ينظر الي ينظرات حادة وانا اضحك (خلف الغطاء) فاضطر الى اعادة السؤال وقال البلدان التي مررت بها يعني مثل الكويت، الخفجي، دولة أخرى هكذا؟
ـ لم نمر بأية دولة، فورا تم اتجاهنا للبلاد وقد مررنا بمكز واحد وهو (الحديثة).
قال: رايح اطابق اقوالك بالمعلومات التي لدينا وياويلك ان اصبحت كذابة.. قالها بكل عنجهية وبلاهة (رايح اتذوقي المر داخل الزنزانة وبتعرفي من هو أنا).
ايصير خير..
اقفل المحضر، وأمرني بالامضاء عليه ومن ثم عدت إلى الزنزانة.(8)

(داخل الزنزانة):
….للزنزانة دروس شتى، وعبر لا تعد ولا تحصى، فالسجن الانفرادي يعد فرصة من الفرص العظيمة وفي نفس الوقت فرصة نادرة حيث يكون انفراد الإنسان بخالقه، وموقع لخلوة الحبيب مع حبيبه، ولكي يحس الإنسان في عمق كيانه ووجوده بالضعف المطلق، بالحقارة، بالمسكنة مقابل تلك القوة الجبارة الهائلة، قدرة الله العظيمة والمبدعة، لحظات قد تعجز المشاعر عن التعبير عنها، وقد يتوقف كل قلم وتجف كل نقطة حبر وان عادلت مياه البحار والمحيطات…
لحظات السمو ما أروعها، سمو الروح بعد ان تخلع رداء الرذيلة كي تسمو من جديد، وتتكهرب بالطهارة والصفاء، والنقاء والاخلاص.. يا الهي كم هي سويعات لذيذة يذوب فيها الإنسان في رحاب خالقه ذوبان تدريجي كما يذوب الجليد تحت اشعة الشمس لحظات تعبئة بالطاقة الروحية والوقد الايماني، والانتهال من رحيق العظيمة الألهية، نحو مزيد من الدفع والمقاومة ومزيد من التحدي والصمود، لتكملة المشوار وسط تلك الغرفة الصغيرة، وامام الجلاوزة الاغبياء، حفنة من عبيد النظام المتسلط..
في الزنزانة، حيث لا يوجد قلم او كتاب ولا حتى مصحف كريم ولا أي شيء لسد الفراغ الطويل سوى الارتباط بخالق السموات والأرض.
…عدت الى زنزانتي وانا محتارة في امري ماذا أفعل امام تلك الاهانات التي أخذت تلفحني من كل جانب، والشتائم التي لا تتوقع سواء من المحقق او السجانة او الجنود… بدءا من مدير السجن وانتهاء بأصغر جندي موجود، الضرب المبرحّ، التهديد، السخرية والاستهزاء، الحر الشديد التسهير وعدم النوم، الرطوبة الخانقة، تضييق الخناق علينا حتى في ممارسة العبادات كل هذه الأمور تكالبت مرة واحدة من جهة ووخز الضمير من جهة اخرى.
…ولا أنسى القول بأنه الى جانب ذلك كله ظلت النفس الأمارة بالسوء تتردد بين فترة وأخرى رغم عمليات الطرد والمقاومة التي مارستها وعقلي معها لقد كانت هذه النفس تقول: اعترفي تكلمي بالحقيقة، لا داعي للانكار يكفي ما تعرضت له من اهانات، لو كانت فتاة اخرى غيرك لا عترفت من زمان وخلصت نفسها من كل هذا العذاب، اعترفي ولن يعرف أحد بذلك، تكلمي اذكري من انت ولمن تنتمين، لا تخبريهم بكل صديقاتك على الأقل اذكري إسمين وتأكدي كما وعدك المحقق لن يؤذوهم بشيء..
احترمي مشاعر والدتك التي تبكي ليل نهار لفراقك، على الأقل إرأفي بحال زوجك داخل السجن، هكذا كان الشيطان يلعب برأسي ويوسوس داخلي سواء في جلسات التحقيق او في الزنزانة او مع السجّانات كان يترأى امام ناظري بالدنيا الجميلة ويصور لي الحرية الممتعة، بأن أعيش في أفخم منزل وارتدي

القوس 17-05-2003 11:32 PM

احسن الزي ـ اللباس ـ ويهتف الناس بأسمي و….. و….. و…..الخ..
تنقض وخزات الضمير.. لا تعترفي، تحملّي، إصبري، ما هي الا أيام وتنقضي تذكرّي عذاب الآخرة فعذاب الدنيا اهون بكثير فالآخرة طويل عذابها لا ينتهي والدنيا محدود عذابها مؤقت، تحملي، يا ترى اذا اعترفتي ماذا ستستفيدين غير الندم ستخسرين كل شيء، سوف تضيع الايام التي تعلمت فيها، وستصبح كل العلوم التي لديك.. هباءً منثورا، وستفتقدي إحدى الصديقات، ولكن تجلدي بالصبر ولتصبيّ جميع ما تحملينه من نظريات في بوتقه التطبيق هنا في السجن ومع كل هذا العذاب وتذكري انه لا يساوي ذرة امام تعذيب الفتيات في سجون البحرين وفي سجون العراق، فهذه فتاة تعلق من شعرها وهذي قد استبيحت حرمتها واخرى قد قطعت يداها ولسانها وهكذا.. فتاة تئن وامرأة تستغيث.. تذكرت حال اخواتنا المؤمنات فهانت مصيبتي وأخذت نفسي تلتزم الهدوء.
…عاد الشيطان مرة أخرى لكي يقول، اخبريهم بما لديك تكلمي الصدق، سريعا، كي تكوني مع اهلك خلال هذه الساعات. وتبجج النفس الامارة وبدون حياء ـ تذكري وانظري كيف ستعيشين وتتمتعين وسوف يتوفر لك كل شيء انت بصدده.
بعدها يعود ليحتل الضمير موقعه، كلا تحملي من اجل قضية تحملينها على كاهلك من اجل هدف تسعين لتحقيقه.
يا الهي اخذ الدوار يعصف برأسي ما هذا الصراع، أمواج عنيفة متلاطمة تشدني معها ذهابا وإياباً إنها عنيفة.. عنيفة للغاية قد دمجت معها القرار النهائي..
نهضت فزعة من الفراش سأعترف، سأعترف واقول الحقيقة تعالى صوتي المبحوح ببكاء شديد.. سأعترف.. سأدلي بكل ما عندي لقد تعبت، تعبت اعصابي وانهارت مشاعري وعجز عقلي عن التفكير سأعترف ولن اخبر احدا بأنني سأعترف ولا أحد سيعلم بذلك، سأدلي بكل شيء.
كنت سعيدة حزينة باتخاذ القرار، أمرت السجّانة فورا بالاتصال بلمسؤولين هيا اتصلي بهم واطلبي المحقق (سعيد منصور) بسرعة وأخبرية بأن عالية مكي ستعترف وتقول ما لديها من معلومات ـ هيا ـ أسرعي تم اتصال السجانة بهم وانا أغدو ذهابا وإيابا متلهفة لمجئ المحقق، بينما انا كذلك واذا بلطف الله قد غمرني ورحمته أحاطتني ـ بعدم وجود المحقق، تم الاتصال به في منزله وامروه بالحضور فورا، كنت متحمسة جدا للاعتراف وأنتظر الفرصة التي يفتح فيها باب الزنزانة كي يدخل المحقق وبيده الملف الأصفر لتسجيل الاعترافات…
بينما كنت اترقب واذا بصوت يخترق الجدران، ويعبر من ثنايا القضبان ليدعوني الى القرآن لقراءة آياته ولو سورة قصيرة استصعبت الموقف في بداية الأمر ولكن أن هناك من دفعني، لتمتد يدي وتلتقط المصحف الكريم، فتحت صفحاته قرأت ما يقارب خمساً من الآيات المباركة واذا بالمحقق قد أقبل مسرعا وبيده الملف، قد كست وجهه علامات السرور، أقبل والابتسامة تملأ وجهه ولأول مرة اراه يبتسم ربما لأنه على موعد لاستقبال المعلومات الجديدة، دخل الزنزانة أبدى تحية المساء بقوله (مساء الخير) وهذه ليستم ن عادته، ثم اخذ يقول الحمد لله الآن فكرت جيداً فها أنذا قد أتيت لك مسرعاً من المنزل حيث اتصل بي الجنود واخبروني بأن عالية سوف تعترف قلت أكيداً رجعت الى عقلها، ولهذا حضرت بسرعة وكان من المفروض ان تعترفي بسرعة ومن زمان حتى تستريحي من هذا الحر وتخرجي من هم الزنزانة. كنت اضحك في داخلي وانا انظر الى شكله.. أجبته بهدوء.
أنا.. أنا سأعترف من الذي قال ذلك، أنا لا امتلك أية معلومات أكثر مما ذكرته لكم في جلسات التحقيق، ولو كان لدي أي معلومات أخرى لذكرتها لكم ولا داعي لأن استدعيك الآن من منزلك.
واذا به ينتفض وانتابته نوبة الغضب الشديد فأخذ يرعد بصوته وهو يزجرني، قبل قليل استدعتني السجّانة كي تتصل بي وتطلب مني المجئ الى هنا لأنك ستدلي بما لديك من معلومات، أجبته اخاف ان تكون قد اشتبهت في الأمر انا لم اقل شيئاً، كانت السجّانة واقفة معه فأدلت بقولها: انت كذابة فقد امرتني بذلك، اجبتها أصلا كل هذا لم يحدث وقد تتوهمين، ثارت ثائرة المحقق وهاجت اعصابه واخذ يضغط على أسنانه بقوة ويكاد الشرر يتطاير من عينيه حيث اعلنت كلماته المنصبة بجام الغضب (طيب يا بنت…..، رايح إتشوفي شيء عمرك ما شفتيه، أرويك بتذوقي الحبس وانت في الزنزانة يا…. ايصير خير).. جر خطواته السريعة غضبان اسفاً لمجيئه بدون فائدة، حتى كادت كوفيته تقع من فوق رأسه، دفع الباب، الخارجي للعنبر بقوة وخرج.
…الغريب في ذلك أنه حينما يريد أي شخص زيارة الزنزانة سواء كان نقيب او عريف او جندي او غيره لا بد ان يكون برفقة اثنين او ثلاثة من الجنود في هذه المرة جندي واحد فقط، وهو المسؤول عن فتح الباب، هنا حمدت الله كثيراً بعد اداء ركعتي الشكر لأنني لم اعترف، حيث كنت مسرورة بالامر في نفس الوقت جهشت نفسي بالبكاء لأني كدت أن اكون حليفة الشيطان خاضعة له مستسلمة في لحظة ضعف انتابتني ـ لجأت الى الله بالدعاء ان يوفقني في مواجهتهم.


(9)

…توجهت مع السجانية والجنود باتجاه مكتب التحقيق، واذا بالمحقق قد أعدّ لي استقبالاً غير المعتاد، أخذ يستقبلني بكل حرارة وتلهف عكس كل مرة تساءلت في نفسي (سترك يا رب، وجهه يتلألأ بالسرور، ما عساها تكون المعلومات هذه المرة وماذا حصل من جديد) باشرني بقوله اهلاً وسهلاً نورتي المكتب يا شيخة ام مهتدى تفضلي المحل مكانك تفاجأت… يناديني بإسمي وكنيتي المتعارفة بين الناس لربما هذه المعلومة جديدة ـ سترك يا رب. تفاديت هول المفاجأة وكأنه لم يحدث شيء أجبته عفواً، لا يصح يا استاذ تفادى الغلط انا اسمي ام مهتدي وليس ام مهتدى قال تفضلي شيختنا تفضلي، كان عايض موجوداً معه حيث كان يقف خلف المكتب أخذ ينظر الي باستهزاء كعادته وهو يقول:ـ ما شاء الله ما شاء الله أشوف (لسانها طويل، قال المحقق مو طويل وبس وبيحتاج قص اجاب عايض مهدداً بنظراته معبراً بإشاراته ـ أنا إن شاء الله اللي رايح أقصه بعون الله).
بعدها افتتح المحضر وبدأ المحق بالسؤال.
لماذا اخترت الدراسة في مدرسة العلوم الدينية، وانت تعلمين بأن هذه المدرسة وكر من اوكار منظمة الثورة فلماذا انضممت اليها؟
ـ لا علم لي بكل ما تقول فقد كان هميّ دراسة العلوم الدينية ولا دخل لي بكل ما تقوله.
بكونك طالبة من طالبات العوم الدينية اذن انت عضوة من اعضاء منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية فلا تنكري ولدينا ما يثبت ذلك؟
ـ ان كل ما اقوله هو الصدق ولا علم لي بأية منظمة، وانا لست عضوة في منظمة الثورة، انا مجرد طالبة علوم دينية.
انت كذابة هل تعلمين؟ ومنافقة ودنيئة، انت منظمة وتأخذين دروس تنظيم، اعترفي ولا تكذبي والاّ سوف نتخذ معك اجراءات اخرى؟
ـ لا علم لي بأية دروس تنظيم وما أخذته من دروس قد ذكرته لكم.
لماذا تنكرين انك تأخذين دروس تنظيم، لا فائدة من ذلك فزميلتك إعترفت بأنكم تأخذون دروس تنظيم؟
ـ لربما هي اعترفت بأنها تأخذ دروس لكنني لا دخل لي بذلك ولا علم لي بأية دروس تنظيم.
نهض من مقعده وكان بيده أحد الأسلاك ذو قاعدة قوية يمتد منه سلكين من نوع سميك (اصطبغا باللون الوردي) وهو يتلاعب بين يديه وقد يريد تخويفي وبك استهزاء أخذ يقول تنكرين يا عالية.. ها.. وكان يلتزم الهدوء أخذ يلمحني بنظراته الوحشية ويردد تنكرين انك عضوة في منظمة الخراب والدمار ـ ها.. ها.. ها.. استدار الى الخلف قليلاً باتجاه المكتبة وبدورة سريعة ضرب ضربة قوية فوق الكتب صارخاً في وجهي.من الذي كان يعطيك دروس تنظيم؟ ومن الذي كان يغرس بذهنك افكار ثورية رسالية

القوس 17-05-2003 11:34 PM

ـ وإذا بالنقيب ظافر قد اقبل بعد خروج عايض، وقف بجانب المكتب خلف المحقق حيث رحب به ترحيباً خاصاً بكونه في مكتبه، قال وهو يشير لي باصبعه ساخراً من تكون هذه؟
اجاب المحقق هذي الشيخة ام مهتدي، قال ظافر كيف حالك يا ام مهتدي؟ أجبته الحمد لله بخير، قال لقد أخطا اهلك حينما سموك باسمك عالية. كان من المفروض ان يسموك دنيئة، رديئة مو صحيح يا ردئية؟ فعالية اسم مبارك طاهر يأتي من السمو والعلو والمجد ولا ينطبق على واحدة من اشكالك.
لم أعره أي اهتمام.. فقد لزمت الصمت حينما أجبته من الأفضل ان تحترم نفسك نظر الي المحقق نظرة غضب قائلاً للنقيب ظافر هذه هي ام وائل طالبة العلوم الدينية، قال ظافر.. ما عليكم من هذه الحركات.. فحركاتهم مفهومة زين، دي بتعمل عليكم تقية، هذه التقية مو صحيح يا رديئة؟ استرسل في الضحك والاستهزاء وهو يردد التقية ديني ودين آبائي ما شاء الله ها.. ها.. ها.. كل شيء قالوا تقية، أي تقية أي خرابيط.
حضر الجندي ومعه الشاي والقهوة مقدماً ذلك للضيف، قال المحقق هل تريدين شاي.. اجبته بلا قال: ولماذا لا تريدين من عندنا شيء، اكيداً الاوباش في الخارج قالوا لك اذا دخلت مكتب التحقيق لا تشربي شيء ـ ها ـ قالها باستهزاء لا تخافي الشاي ليس به سم او به دواء يجعلك تدلي بكل ما عندك من معلومات او يجعلك تعترفي أجبته: رفضي للشاي لا يعني ذلك وانما لانني نويت الصيام.
قالها متعجباً.. صائمة!!!
نعم صائمة.
قال: ومن الذي امرك بالصيام، فالصيام هنا لا يتم إلا بأخذ اوامر.. مفهوم!! كلا ليس مفهوم فاذا كان الصوم عندكم بأوامر، إذن لا داعي لإداء الصلاة وحينما نريد اداء الصلاة ما علينا الا ان نطرق ابوابكم حتى تسمحوا لنا بذلك.
"هذا اللي ناقص" عجائب آخر زمان.
صرخ في وجهي تأدبي واحترمي نفسك واياك ان تصومي مرة أخرى بدون اذن وإلا ستنالين العقاب.
اجيبي على السؤال:ـ حيث هم ظافر بالخروج.
كيف تنكرين تعلمك درس تنظيم، وجميع تصرفاتك واساليبك وحتى تعاملك داخل السجن يدل على انك منظمة ومنظمة بشكل قوي يا كذابة، لا تواصلي حبل الكذب وها أنا احذرك فإنه سينقطع، فأرجو أن لا تنكري مرة أخرى ولدينا معلومات تثبت انك درست تنظيم؟
ـ تصرفاتي في داخل السجن طبيعية جداً كما يتصرف أي انسان سجين ولا ارى فيها أي خلل او خط، وانا لم ادرس تنظيم ولم آخذ أية دروس تنظيمية. هدأ بعد ما كانت اعصابه في حالة من الهيجان، وبعد ان اتعبهم اسلوب الاستفزاز والاستهزاء والسخرية، واذا بهم اليوم قد اعدوا اسلوباً آخر جديداً من نوعه اسلوب الترغيب والاغراء والميوعة، لعلي استسلم لهم واخضع لأوامرهم والبيّ ما يطلبونه ولكن هيهات من ذلك.
أخذ المحقق في تغيير نبرات صوته ويعمل على تمييع كلماته قائلاً يا ام مهتدي… أنت فتاة جيدة ولك مستقبل عظيم وسمعة ممتازة في البلاد فلا تفكري بأننا سنؤذي أحد بالمعلومات التي ستدلين بها الينا، فقط سوف تكون بيني وبينك، وانت الآن في راحة تامة تأكلين وتشربين واذا أعطيتنا معلومات سنوفر لك كل ما تطلبينه، سنجعلك تزورين زوجك الا تودي رؤيته؟ وسنجعل اهلك يزورونك في كل وقت وسوف تتناولان طعام الغذاء معاً انت وزوجك أنا اعلم أنت الآن مشتاقة لرؤيته وهو كذلك يريد مقابلتك فلقد اخبرني بذلك وانا رفضت طلبه، أخبرته اذا طلبت زوجتك ذلك نحن سنجعلكما تريا بعضكما… مسكين هو زوجك يريد الجلوس معك الا تلبين طلبه، والآن سوف نناديه ليجلس معك فما رأيك؟
في الحقيقة ليس لدي ما اقوله، وانا مستعدة لرؤية زوجي، ولكن ان تم ذلك فليس بإرادتكم، وانما اذا شاء الله سأراه، واذا لم يشأ فلم اراه وذلك لحكمة منه سبحانه وتعالى.
قال: الا تحسين، زوجك تعبان.. تعبان جداً ويتألم وبحاجة ماسة لرؤيتك..
اذا شاء الله سأراه.
انت لا تحبين زوجك ولو تحبينه لما صبرت دقيقة واحدة عن رؤيته وهو في امس الحاجة اليك؟
ـ هذا ليس من شأنك وسواء أحببته ام لا فهذه حياتنا لا دخل لك بها واذا شاء الله سأراه.
قال:. ولكن هذه ليست بارادة الله لأنها متوقفة عليك انت فماذا ترين؟
ـ ارى بأن ارادة الله فوق ارادتي واذا شاء الله سأراه.
صرخ في وجهي وهمّ يزجرني هذا كل ما عندك ما شاء الله وارادة الله لكل سؤال اذا شاء.. الله اذا شاء الله.
ـ أجبته بكل هدوء، نعم هذا كل ما لدي يا سبحان الله!!
كاد ان يهوي بيده فوق رأسي ولكن الله ستر، لم تستقر أعصابه لأنه فقد زمام أمره، كنت انظر اليه وهو يمسك حافة الطاولة بقوة ويضغط عليها بشدة كأنه يريد السيطرة على اعصابه.
واذا به قد تنهد بعمق واطلق زفيراً طويلاً وقال بصوت نهكه التعب يا ام مهتدي… قد أصابك اليأس من حالتك داخل الزنزانة فبين فترة واخرى يأتينا تلفون من قبل السجّانات بأن (عالية) تعبانة وتصرخ من رجلها، بحاجة الى دكتور… الى مستشفى… الى…… الى….
فالافضل لك ان تعترفي وتخلصي نفسك وتذهبي الى اهلك كي يسهروا على راحتك، ونستريح نحن من الازعاج بين لحظة واخرى فقولي الصدق واعترفي بالحقيقة!!!
كل ما لدي ذكرته، ولم يبق شيء الا واخذتموه مني ماذا تريدون أكثر من ذلك.
قولي الصدق..انا لا اكذب فكل اقوالي حقيقة.
قال:. أجيبينا يا عالية انت طالبة عاقلة، ولكن الاوباش الذين في الخارج سمّمّوك بأقوالهم، غسلوا دماغك فاعترفي وقولي الحقيقة والا ستجلسين طوال حياتك في السجن ويذوي جسمك داخل الزنزانة ولا أحد منا سيهتم بك أو يسأل عنك حتى تموتي، ولا تنسي سوف تسوء علاقاتك بالناس وسيأخذون عنك فكرة سيئة وهذا ليس من صالحكم..فتخيّلي اذا ادليت لنا بالمعلومات وقلت الحقيقة سوف تأخذ عنك الدولة فكرة جيدة وسنكتب عنك تقرير ونرفعه الى ولاة الأمر والمسؤولين وستكون سمعتك طيبة في البلاد… وهل هناك شخص تتاح له فرصة الشهرة والجاه ويرفضها؟ ستعطى لك أفضل وظيفة في المجتمع بعد خروجك من السجن وسنلبيّ لك كل ما تطلبينه، فقط كل ذلك مقابل قليل من المعلومات فقولي الصدق..
يا الهي. مسكت القلم بين اناملي والحيرة والتردد تحيط بي من كل جانب بدأ الشيطان يمارس دوره، وها هي النفس تتودد مع المغريات، واي إنسان في الأسر بحاجة لسماع مثل هذه الكلمات التي يتلذذ بها اللسان ويصغي لها السمع، وما أحوج الإنسان في وقت الضيق الاّ لكلمات لطيفة تخفف عنه وترضي مشاعره.
فالشيطان يأمرني بالاعتراف ولم يبق شيء الا وعلموا به فلماذا السكوت إذن؟ لماذا السكوت وبامكاني ان احصل على كل شيء من ملابس فخمة ومعيشة راقية والسفر الى كل مكان..
بدأ الضمير يستيقظ ويعي دوره…
انتبهي جيداً، تذكري الله، نعيمه أبدي بلا زوال، تذكري الخلود والجنان، جنات الله الواسعة، تذكري قوله تعالى {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقَّهم نظرة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً، متكيئن فيها على الارائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً، ويطاف عليهم بآنية من فضة واكواب كانت قواريراً، قوارير من فضة قدروها تقديراً، ويسقون فيها كاساً كان مزاجه زنجبيلا، عيناً فيها تسمى سلسبيلا، ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً واذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً، عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً، ان هذا كان لكم جزاءاً وكان سعيكم مشكوراً}. صدق الله العظيم (الإنسان 10 ـ 12).
واصل حديثه تذكري النار، أخذ يذكرني بعقاب الله وعذابه في الآخرة، جهنم وزفيرها وما فيها من عقارب وثعابين وما تشمئز منه نفس الإنسان وعاد الكرة مرة أخرى محذراً…
لا تهمك المغريات، اين الولاء، اين الانتماء، اين يكون الاخلاص؟ تذكرت بعض الابيات من احدى القصائد العريقة في ولاء ائمة اله البيت ـ عليهم السلام ـ
مو لجل دنيا ومال إحنا وياكم يشهد ماضي الجيال إحنا وياكم
نقسم يا حامي الحمى ذا وعد رب السما واحنا بروح الإسلام احنا وياكم
هنا الثبات، وهنا العهد، وهنا الصدق في الولاء، كانت هذه عبارة عن خواطر سريعة مرة في مخيلتي الهمتني عزيمة وقوة وثباتاً، وبدأ وقود الأيمان يشتعل داخلي، ازدادت ثقتي بنفسي وأخذت اواصل الصمود…
انا لا امتلك اية معلومات وقلت لكم الصدق وليس عندي ما اقوله ولا علم لي بأية اوباش في الخارج.
أكان يتحدث معي وهو يذرع الغرفة ذهاباً واياباً واذا به يقف في وجهي صارخاً بقوله.
للأسف الشديد أنت مصابة وعقلك ملوث بسبب الاوباش في الخارج غرّوك وخدعوك.. مسكنية.. ها.. قد غسلوا دماغك لكن اسمعي جيداً.. ازداد غضبه وبدأ يتوعّد قائلاً: ليكن في بالك اذا خدعوك بكلماتهم البراقة وقالوا لك بأن السجن صمود، صبر، تضحية، فلا تنسي أننا نحن تربية دولة ولن تستطيعي الخروج من هذا المكان إلا بعد ان نأخذ من دماغك كل شيء يا حيوانة، فقولي ما تعرفينه عن التنظيم وبالذات منظمة الثورة وإلا سوف نضطر لاستخدام اساليب اخرى ليست في صالحك، فلا تحاولي الانكار، من اعضاء منظمة الثورة وماذا لقّنوك من دروس؟
لا علاقة لي بأي تنظيم ولا اعرف شيء عن منظمة الثورة ولم أتلق أية دروس تنظيمية.
كذابة، انت تدعي انك طالبة علوم دينية فقط ولا دخل لك بالتنظيم اذن ماذا يعني انضامك لمدرسة العلوم الدينية وهي وكر للخراب والدمار؟
ـ لا علم لي بذلك فوجودي خارج المملكة لدراسة العلوم الدينية وامثل طالبة داخل المدرسة: لا دخل لي بأي شيء آخر.
لا اصدقك، انت كذابة، اذكري من الذي يعطيك الدروس التنظيمية فمدرستك المختصة بك الم تعطيك توجيهات معينة اذكريها؟ ما هي نوعيتها؟
ـ أكرر لم اخذ أية دروس، ومدرستي لم تعطني أية توجيهات ـ
ما هي اذن التوجيهات التي تتلقينها من معلمتك اثناء نزولك البلاد؟
ـ كانت عبارة عن توجيهات عادية.. حول تحمل المسؤولية، احترام الناس، تبليغ ما أخذته للناس من دروس فقهية..
ما هي التوجيهات التي اعطيت لك من قبل مسؤولين مدرسة العلوم الدينية للقيام بالعمل بها داخل البلاد؟
ـ لم أتلق أية معلومات أو توجيهات من أحد.
ما هي الوصايا الخاصة التي غرست بدماغك كي تقومي بتنفيذها في البلاد؟ وما هي الاعمال التي كلفت بها؟
ـ كلفت بعدة اشياء، زيارة الاقارب، احترام الوالدين، احترام الناس، الالتزام بالاخلاق الحميدة والآداب الإسلامية، المشاركة في المناسبات الدينية، زيارة القبور، هذه هي الاعمال التي قمت بها في البلاد.
واذا بالباب يطرق ـ
فوراً دخل النقيب (عايض) وفي يده فنجان من الشاي قائلاً.. كيف حالك؟
اجبته بخير والحمد لله ـ
اتجه خلف المحقق وأخذ يقرأ ما دونه في الملف وهو يحمل الفنجان بيد ويده الأخرى متكئة على مقعد المحقق قال عايض:ـ انشاء الله متجاوبة مع التحقيق.
ـ وهل هذا يهمك.
نظر الي المحقق بنظرة حادة (وهذه إشارة منه لي بعدم الكلام لأنه أخذ يشتمني في المرة السابقة لردي على الاهانة التي وجهها النقيب ظافر بقوله احترمي ضيوفي في مكتبي، اجبته لن يكون هذا الا إذا احترموا أنفسهم ولم أعطيه أي اهتمام).
قال عايض:. يبدو بعدك لم تتأدبِ، لكن السجن سوف يربيك ويصنع منك انسانة عاقلة.
احسنت وبارك الله فيك واذا كان لديك كلام آخر فالإفضل ان توفره لنفسك هنا أحس بالاحراج، فازدادت عصبيته وحماقتة قائلاً: زين لسانك الطويل هذا رايح ينقص على يدي يا قليلة الادب.

القوس 17-05-2003 11:35 PM

وصحيح صدق الشاعر الذي قال:
اذا أنت اكرمت الكريم ملكته وان أنت اكرمت الليئم تمردا
مو صحيح يا ليئمة.. صحيح كلام الشاعر يا عالية ـ فهو منطبق عليكم صحيح والا غير صحيح؟
ـ لم اسمع بهذا الشعر ابداً في حياتي.
قال بكل استهزاء وسخرية هذا قول لشاعر كبير، بتعرفي من يكون انه والدي ـ ها.. ها.. ها..
كان المحقق جالس فوق مقعده ينصت لما يقال، وكأنه حذف من الجلسة وأصبح على الهامش، حاول ان يغطي ذلك بقوله انا اعرف كيف اجعلك تتوسلين بي وتحبين قدمي، رايح أجعلك تأكلين التراب الموجود في الأرض، واجعل جسمك مأكلاً للحشرات، نهب الملف من يدي قائلاً الله يأخذ روحك.. انشاء الله. فكتب السؤال..
اثناء مداهمة المنزل عثر على أحد اعداد مجلة (الثورة الإسلامية) كيف تمكنت من الحصول عليها؟ وعن أي طريق تصل اليك؟
ـ تمكنت من الحصول عليها عبر صديقتي وهي التي تقوم بإرسالها.
من هي صديقتك اذكري اسمها؟ ومكان تواجدها حالياً؟
ـ صديقتي اسمها نوال محمد ومكان سكنها حالياً الدمام.
اين تم تعارفك عليها؟ وكيف تم اتفاقكما بحيث ترسل لك مجلة (الثورة الإسلامية)؟
ـ تم تعارفنا في احدى المناسبات حيث كان يقام حفلاً كبيراً، تم لقاءنا حيث كانت من ضمن الفتيات اللاتي يتقدمن لي بالسلام والتحية ـ
قاطعني مستهزءاً.. ايه بعد لازم يسلمون عليك.. الشيخة ام مهتدي أخذت في مواصلة الحديث دون ان اعيره أي اهتمام.. في بداية اللقاء طلبت مني ان اخرج معها لمدة خمس دقائق خارج الحفل، كان في ظني انها تريدني في مسألة فقهية أو أي مسألة خاصة، واذا بها قد أخرجت لي من حقيبتها عدد من مجلة (الثورة الإسلامية) إضافة إلى منشور صغير وحسب كما اتذكر انه كان يحث على الانفاق في سبيل الله، فكان لأول مرة أرى فيها مثل هذه الأشياء قال وهو منشداً مع الحكاية..
متى تم ذلك؟ وفي أي مناسبة؟ وهل اخذت المجلة والمنشور معك؟
ـ تم ذلك في اول عام نزلت فيه البلاد بعد الذهاب الى الدراسة الدينية وكانت المناسبة ولادة أحد الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) واعتقد انها كانت ذكرى مولد الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، اما بشأن المنشور والمجلة فلم آخذهما معي لأنها اوصتني بأن اتصفحهما فقط حيث تأخذهم مني في نهاية الحفل رغم الحاحي الشديد باصطحابهما معي إلاّ انها رفضت قائلة بأنها سوف تسلمهم لفتاة أخرى هي على موعد معها، اما انا فوعدتني بالمراسلة لأن بحوزتها الكثير من المجلات.
أثرته من هذا الجانب، بدأ يتفاعل اكثر واكثر وينهال عليّ بأسئلته.
صديقتك نوال محمد من أي عائلة؟ اذكري عائلتها كاملاً؟
ـ اسمها نوال محمد المعيوف.
كيف كانت ترسل لك مجلة الثورة؟ وكيف كانت تتصل بك؟
ـ إتصلت بي ذات مرة وقالت انها سوف تسافر إلى امريكا مع زوجها في بعثة دراسية وسوف تجعلني اتعامل مع قريبتها واسمها فوزية وهي بدورها ستوصل لي كل شيء.
كم رقم هاتفها وكم مرة اتصلت بك؟ وفي ماذا تحدثتما؟
ـ للاسف الشديد لا يوجد في منزلهم تلفون، فقد كانت تتحدث معي من خلال تلفون الشارع، اتصلت بي ذات مرة ولم يحالفني الحظ فلم أكن موجودة حيث رفع سماعة الهاتف والدي للرد عليها والدي ـ
قال:ـ انت كذابة وانا متأكد انك تخترعين قصصاً للتحايل بها علينا فأنا لست مصدقا لما تقولين.. علا صوته وتعصب بشدة قائلاً:
قولي الصدق وإلا ستندمين.
ـ انني اقول الصدق واخذت اواصل الحديث.
ـ اتصلت بي للمرة الثانية..
وماذا حدث في المكالمة؟
ـ حالفني الحظ هذه المرة ورفعت السماعة، كنا نتفق على تحديد لقاء معين كي استلم الحاجات التي تحوي مجلات الثورة ومنشورات وغيرها تم تحديد اللقاء خلف مدرسة البنات الثانوية، حيث ستكون في اتم الاستعداد وتستقل سيارة تويوتا حمرا اللون، في تمام الساعة…. الو…… الو…… وانقطع الخط ولم نكمل اللقاء، انتظرتها ربما تتصل مرة أخرى ولكن بدون جدوى.. غابت الى الأبد.
كم الاعداد التي وصلتك من مجلة الثورة، وكيف تم ذلك؟
وصلني عدد واحد من مجلة الثورة الإسلامية رأيته ملقىً على باب منزلنا فعرفت انه منها.
اذكري مواصفاتها ومكان تواجدها حالياً؟
ـ هي طويلة، متوسطة القامة، عيونها خضراء، ترتدي نظارة طبية وسوف تنزل البلاد مع زوجها في شهر رمضان لقضاء الاجازة الصيفية مع الأهل والاقرباء.
ما هي الكتب التي كانت تصلك من الخارج؟ وما هي الكاسيتات التي كنت تسمعينها؟
ـ لم يصلني أي كتاب من الخارج، اما عن ا اسمعه من كاسيتات عبارة عن مجموعة قصائد في رثاء أهل البيت (عليهم السلام) والمصيبة الحسينية.
ضغط على زر في المكتب..
حضر الجندي، امره بإحضار الخيزران، وهو يقول اعترفي وإلا سأقطع لحملك واقطع اصابعك.
أحضر الخيزران.. أخذ يضرب بها فوق الطاولة بقوة وهو يصرخ في وجهي كذابة، كذابة..
أمرني أن أفتح يداي، فتحتهما وانا اكاد اتفجر من الضحك لأنه يذكرني بمدرسة الحساب حين كنا في الابتدائية حيث كانت تأمرنا بفتح ايدينا للضرب عقاباً لعدم حفظنا لجدول الضرب، ولكني تفاجأت حينما امرني بقلبها الى الخلف أخذ يضربني بقوة فوق الجزء الأعلى من الاصابع، في البداية استسلمت للضربة الأولى والثانية والثالثة ولم أتفوه بشيء، وبينما كنت التزم الصمت ازداد ضربه توهجاً حيث احسست ان مفاصل يدي تكاد تفصل عن بعضها البعض، لم أعد اتحمل، فقد ضاق وسعي وأخذ الآلم يزداد أطلقت صرخة مدوية في المكتب بنداء (يا مهدي) ازدادت عصبيته وأخذ ينهال عليّ ضرباً، انتقل من يدي إلى رأسي وبكل قواه انهال على جسدي من اعلى راسي الى أسفل قدمي ضربا مبرحاً لم أشعر بنفسي وقتها إلا وأنا وسط الزنزانة لا استطيع الحراك، فكل جزء مني أصبح متورماً كرمات الضرب الزرقاء والحمراء تظهر مريعة على جسدي، حتى انها اعاقتني عن القيام لتأدية فريضة الصلاة، استمر ذلك لما يقارب ثلاثة أيام، وبعد مرور يومين على ذلك الوقت تم استدعائي من جديد.

(10)

الزيارة الأولى:
…فور دخولي المكتب كانت المفاجأة العظيمة بالنسبة لي وجود أمي وأبي وجمع من المحققين من بينهم المحقق اللعين سعيد منصور والحقير عايض القحطاني، ومحمد عسيري، وظافر وسعد زهراني اضافة إلى مسؤول لجنة المحققين مع جنديين كانا يلزمان الوقوف خلف الباب، قد إحتلوا جميع المقاعد الموجودة، وقد حشرت الغرفة من دخان السيكار الذي يتطاير من الافواه، توسطت المقاعد طاولة صغيرة وضع عليها اكواب الشاي وفناجين القهوة، أما انا فلم يعد لي مقعد معهم، مع العلم انه في هذه المرة لم تكن السجّانة برفقتي اضافة الى انه تم انتزاع الكلبشة من يدي قبل دخولي غرفة التحقيق.
كنت سعيدة جداً برؤية والداي وبعد ان باشرت الجميع بالسلام، أخذت أبحث في الغرفة عن مقعد ولكني لم أجد، خرجت مني كلمات أثارت الجميع بقولي:ـ ما شاء الله.. محتلين جميع المقاعد وانا اين هو مكاني؟ أخذ كل واحد يحملق بي، ثم هممت بسحب طاولة صغيرة كانت قد اتخذت حيزاً في زاوية الغرفة وجلست فوقها مقابلة لوالدي ووالدتي بعد ان سملت عليهما وكان سلاماً جافاً جداً، لعدم تمكني من الاقتراب منهما لأن ذلك خلاف الأوامر، ضمن قائمة الممنوعات لدى المباحث.
آلمني منظر والدتي وهي تجهش بالبكاء، حيث لم تفلح محاولاتها في كتم ما اعتمل بداخلها من حزن ومهما حاولت، كان صدى النحيب والشجن ودمع العيون يفضحها، كنا نتمنى ان نتبادل العناق وقبلات الشوق والحنان، ولكن حالت الأوامر المتسلطة بيني وبينها.
قال المحقق: ها هم اهلك أتوا كي يطمئنوا عليك، فنحن قلنا لهم انك بخير وبصحة جيدة لا ينقصك شيء هنا وفي راحة تامة والجميع بخدمتك اليس صحيح؟
لزمت الصمت، اجابتهم والدتي بصوت حزين (طيبين فيكم الخير والبركة" أخذ المحقق يسهب في الحديث مع والدي عن أمن الدولة وما سعت فيه من توفير حاجيات الشعب من مدارس ومعاهد وانه لا بد على كل مواطن المحافظة على أمن الدولة وان يكون الشعب يدعون للحكومة وان يعمل الجميع على فضح المخربين في البلاد وما شابه ذلك.
هذا وكان المحقق يقاطعني بين فترة وأخرى، حينما اهوم بالكلام، خوفاً من افلات لساني حتى لا يفضحهم وحتى لا استجلب انتباه والدي ووالدتي للمعاملة السيئة التي الاقيها في السجن.
هنا انتهزت فرصة حديثة مع والدي، وفرصة صمت الجميع ـ سألت والدتي عن اخبارها واخبار اخوتي الصغار والكبار، واخبار الناس والجيران.
اجابتني انهم بخير ويهدونك السلام..
كان المحقق يتصنع في الحديث مع والدي ويتظاهر انه مندمج معه في الكلام لكن نظراته كانت تحملق بي وسمعه يصغي لحديثي مع والدتي، كذلك كان الجميع جدران بآذان.
بعد ان لزم المحقق الصمت لهنيهة من الوقت تناول على اثرها سحقات من الشاي.
قلت لوادي، انا سعيدة لوجودي في هذا المكان وأنا مرتاحة وصحتي جيدة، لقد سمنت كثيراً، حتى انظروا إلى يداي من كثرة الاكل اكل الفواكه والخضار والرز الامريكي ليل نهار، انظروا، المحقق يحاول مقاطعتي لكني لم ادع له فرصة، لي زميلة في السجن هي بخير الرجاء توصيل السلام لاهلها.
انظري يا والدتي وانت يا والدي بالفعل لقد سمنت فالفواكة منشطة جداً (رفعت اكمامي لترى يداي، أخذا ينظران الى آثار الضرب الحمراء والخدوش المليئة بالدم من اثر الرطوبة الخانقة وعضّ الحشرات داخل الزنزانة) انظروا إلى يداي وانا اقلبهما تارة بعد أخرى، كادت والدتي تصل لحالة الاغماء فازداد نحيبها وعلا بكاؤها متألمة لأجلي.
اما والدي فكان ينظر الي ويعتصر من الالم في داخله، فهو لا يستطيع ان يقول لهم شيئاً سوى مسايرتهم في الكلام.
ولكني اردت إعادة روح الاطمئنان والسكينة لوادي ووالدتي (لا تخافوا عليّ انا ابنتكم وتربيتكم، بلغوا سلامي لجميع الناس ولا ينسوني من الدعاء، كذلك انتم..
كان المحقق مع البقية كالمتفرجين في صالة للعرض، كانوا جالسين على اعصابهم وقد غطت وجوههم علامات التعجب والاستغراب وكأنهم يريدون الانتقام تعبر عن ذلك نظراتهم الحادة الشرسة، وتنهداتهم الملئية بالحقد الساخر والبله الاعمى.
بعد مضي نصف ساعة تقريباً اعلن المحقق انتهاء الزيارة حيث أمر أهلي بالجلوس لحين انصرف الى الزنزانة.
شكرته على اتاحة الفرصة لهذه الهدية الثمينة بمقابلة اهلي والاطمئنان عليهم ختمت حديثي معه بأن تكون هذه الزيارة دوم وليس يوم إنشاء الله.
تفاجأ الجميع، احسست ان في كلامي اهانة وإحراج كبيرين للمحقق، حيث بدأ الغضب يرتسم على وجهه ويبرز على مظهره، نظر إلي وهو يضغط باسنانه العليا فوق شفتيه، محاولاً السيطرة على اعصابه قائلاً الى والدي انظروا أمرتوها بالذهاب الى الدراسة الدينية والحين بتتفلسف علينا والدتي اثارها العجب بأني اتحدث معهم بهذه اللهجة (شدت يدي بحركة خفيفة من الخلف كأنها تريد اسكاتي حاولت ان تغطي الامر بقولها.. هي دائماً تتكلم هكذا وهي لم تذهب إلى الدراسة) مسكينة والدتي كانت طيبة وحسب تعبيرنا (على نياتها لا تعلم بشيء).
أجبتهم المهم لا تقلقوا عليّ فلديهم علم بأني ذهبت إلى الدراسة الدينية مرتين فوراً قاطعني المحقق وقبل ان اصرح بشيء آخر أصر بإخراجي من المكتب..
توجهت الى الزنزانة وانا سعيدة برؤية أهلي ومحادثتي معهم، وكنت وقتها متأكدة بأن والدتي ستنقل كل ما رأته وسمعته لكل من يسأل عني، رغم هذا كنت اتوقع وانتظر العقاب الصارم لجميع التصرفات التي صدرت مني اثناء المقابلة والله اعلم بما سيكون في الجلسة القادمة اتمنى ان أخرج منها بسلام..

القوس 17-05-2003 11:37 PM

(11)

التحقيق مرة أخرى

…تم استدعائي للتحقيق مرة أخرى على أمل انتظار العقاب الصارم من قبل المحقق، يا الهي… ما عسى يكون اسلوبهم في هذه المرة فالتهديد والوعيد أخذ يزداد في الفترات الأخيرة، والتنكيل والضرب بدأ يأخذ مكانه في كل جلسة، يا ترى ماذا تم تحضيره لي في هذه المرة لم يكن امامي سواك يا رب، فنجني منهم وسلمني من كيدهم ها أنذا أتوجه اليك يا من تحل به عقد المكاره، ويفتأ به حد الشدائد، يا من يلتمس منه المخرج الى روح الفرج، الهي ذلت لقدرتك الصعاب وتسببت بلطفك الاسباب وجرى بقدرتك القضاء، ومضت على ارادتك الاشياء، الهي انت المدعو للمهمات وانت المفزع في الملمات، وقد نزل بي يا رب ما قد تكأدني ثقله، وألم بي ما قد بهظني حمله فلا مصدر لما اوردت، ولا صارف لما وجهت ولا ميسر لما عسرت ولا ناصر لمن خذلت صلّي على محمد وآل محمد وافتح لي باب الفرج بطولك وانلني حسن النظر فيما شكوت برحمتك يا ارحم الراحمين.. دخلت مكتب التحقيق وبعد ان احضر الملف وسلمني القلم قائلا: والآن اكيد ستعترفي وتقولي الصدق بعد رؤية اهلك وبالذات حينما رأيت والدتك وهي تبكي الم يؤلمك منظرها وهي تتألم لأجلك؟
ـ كلا وان حدث ذلك فليس لدي ما اقوله، وكل ما عندي اخبرتكم به.
حتى بعد رؤية اهلك؟
ـ نعم حتى بعد رؤيتهم، ثم انا لم اطلب ان يزرني أحد، انتم الذين قمتم بكل ذلك ولم اكلفكم بهذا الأمر.
اخرج زفيرا عميقا قائلا: بعدك عنيدة وراسك يابس بحاجة الى تحطيم.
ـ لن يصبنا الا ما كتب الله لنا.
اخرسي وبدأ المحضر.
عالية.. إبدئي معنا بصدق ولا داعي للانكار، فزوجك موجود لدينا وقد اعترف عليكم بكل شيء، قال انك تقومي بعدة اعمال، تطبعين منشورات، وتجميعن تبرعات، وتعقدين ندوات ولك عدة اجتماعات للتنظيم، فأريحينا واريحي نفسك فهذه إعترافات زوجك لدينا ومسجلة بخط يده؟
ـ هذا ليس صحيح ولا دخل لي بكل هذه الأعمال، انا مجرد طالبة علوم دينية.
هذا ليس معقول فأنت كذابة، زوجك اعترف عليك؟
ـ هذه اعترافات واتهامات ملفقة انا لم اعملها، وهذا ليس صحيح فزوجي يعرفني جيدا لا أقوم بهذه الاعمال.
قال وان احضرنا لك زوجك الآن واعترف امامك فماذا تقولين؟
ـ انا مستعدة لمقابلته وانكر مرة اخرى هذه الاعمال، وكل ما اقوم به ذكرته لكم كزيارة الآخرين والمعاملة الحسنة معهم و…. و…. و….. الخ.
هذا غير صحيح فأنت تقومين بكتابة وتوزيع منشورات ثورية ضد النظام ومخربة لأمن البلاد فاعترفي وإلا..؟
يقتصر دوري فقط لكوني طالبة علوم دينية لا دخل لي بأية امور سياسية حتى تصل لمسألة التخريب لاوضاع البلاد.
ما هي المعلومات التي تعرفينها عن زوجك.
ـ لا أعلم عنه شيء سوى انه زوجي وخرجنا سوية لطلب الدراسة الدينية.
هل هذا فقط؟
ـ نعم.
لا أصدق، انت كذابة زوجك ولا تعلمين عنه شيء.. هذا مستحيل؟
ـ وهل زوجتك تعلم عنك كل شيء؟
نعم.
ـ لا اصدق.
هذا ليس موضوعنا المهم ان تعترفي الى اين يذهب زوجك ومن يقابل؟
ـ لا أعلم.
كذابة..
ـ صدقني لا علم لي ولا أراه يقابل احدا، بل هو دائما في المنزل.
وهل هنا زوجة لا تعلم اين يذهب زوجها ومن يقابل؟
ـ نعم فليس كل شيء يقال للزوجة، ولكل مقام مقال، وأنالا أؤمن بالرجل الذي يقول لزوجته كل صغيرة وكبيرة واذا كان كذلك فهو في نظري حمار.
بلا فلسفة زايدة، فأنت كذابة وانا متأكد من كل ذلك؟
ـ أنا لا اكذب وهذه حقيقة وهل أنت تخبر زوجتك بأنك تقابل نساء وتحقق معهن في مكتبك، وهل تقول لها كل ما يدور في جلسات التحقيق؟
زجرني بقوة انا احقق معك انت وليس انت التي تحققين معي فما رأيك ان تأتي الى هنا (مشيرا الى مقعده) حتى تحققي معي. قالها مستهزءا.. بنات آخر زمن.
مع من كل يجتمع زوجك وفي أي مكان؟ لدينا علم بأن زوجك يجتمع مع افراد وينظمهم وانت على علم بكل شخص فمن هم هؤلاء؟ وفي أي مكان يجتمع بهم زوجك؟
ـ ليس لي علم بهذه الأمور ولا علم لي بهذه الأقوال.
كذابة ، حقيرة.
ـ لا اكذب، فهو موجود لديكم وبإمكانكم ان تسألوه.
نحن نسألك انت.
ـ انا لا دخل لي بمثل هذه الأمور.
لا نصدق كلامك فهم يجتمعون في مجلسكم في المنزل وانت تعلمين بذلك وهم موجودون لدينا وقد اعترفوا عليك بكل شيء؟
ـ ما شاء الله، انا مستعدة لمقابلتهم اذن وسماع أقوالهم ان كان هذا صحيح.
ما هي الاجتماعات التي تقومين بها في البلاد؟
ـ لا يوجد لدي اية اجتماعات.
يوميات الفايل الاخير
المعلومات التي لدينا تقولم بأنك تعقدين اجتماعات سرية وندوات تلقى فيها دروس سياسية وتعطى فيها دروس تنظيمية، فمن هنّ اللاتي تجتمعين معهن وماذا يدور في جلساتكم؟
ـ هذا ليس صحيح، فليس لدي أي اجتماعات او ندوات سياسية ولا علم لي بأية جلسات وانا بعيدة عن التنظيم ولا علاقة لي بذلك.
ارجوا ان لا تكذبين فالفتيات التي كنت تجلسين معهن موجودات لدينا وسوف تقابليهن الآن فلا داعي فلا مفرّ من الإنكار وقد قلن عنك الكثير، قلن انهن يساعندك في جمع التبرعات وتوزيع المنشورات والكثير الكثير، فقولي الصدق قبل ان ينكشف أمرك من هنّ اللاتي تجتمعين معهن؟ وما هي أسمائهن؟ وفي أي مكان يتم اجتماعكن؟
ـ لا علاقة لي بأي أحد ولا اعلم بأية فتاة وليس لدي أية اجتماعات ولا دخل لي بكل هذه الأمور، وك ما ذكرتموه كذب، وانا مستعد لمقابلة الفتيات اللاتي اعترفن عليّ إن كان هذا صدقاً.
ـ ازداد غضبه واذا به، ينهال على رأسي وجسمي ضرباً بالسوط وهو يصرخ كذابة، حقيرة، حيوانة،… ،… ،….
وبعد ان هدأت اعصابه، جلس على مقعده ثم استرد انفاسه ثم اتصل هاتفياً وعلى ما أظن كان يكلم حقيراً مثله وهو (عايض القحطاني) قال له خمس دقائق وانا قادم اليك واغلق السماعة، كنت وقتها أجهش بالبكاء.
اخذ يسألني وانا اجيبه بصوت مبحوح بدت عليه علامة الحزن والاسى.
من ضمن المعلومات التي لدينا انك تعملين على جمع التبرعات من الناس فكم مقدار المبلغ الذي جمعته واين هو الآن؟
ـ لا اجمع اية تبرعات، واذا اردت الجمع فلا أجمع من الناس وانما من الأهل والاقارب، وأتذكر أنني حاولت ذات مرة جمع تبرعات من العائلة وكان ذلك لبناء أحد المساجد.
من صديقاتك داخل وخارج المنطقة؟
ـ كل الناس اصدقائي سواء في داخل المنطقة او خارجها.
من هم الافراد الذين تتعاملين معهم خارج وداخل المنطقة؟
ـ لا اتعامل مع أحد. فكل الناس علاقتي معهم مجرد تعارف واخوة في الإسلام.
ليس من المعقول ان لا يكون لك صديقات؟ فمن صديقاتك المقربات اذكري اسمائهن؟
ـ ليس لي صديقات مخصصات فجميع الناس سواسية فالاطفال وكبار السن والشابات كلهم اصدقائي.. واذا تريد أسمائهم فهي كالتالي (ام سعود ام علي حسين، صلوح، ام محمد، ام معتوق، كاظمية،…….. واذا به اخذ يشمئز قائلا: خلاص، خلاص بيكفي.
ماذا لو ثبت لدينا ان لك اجتماعات وندوات واعمال مخالفة للدولة؟
ـ اذا ثبت ذلك فأنا بين ايديكم واستحق العقاب.
ما الهدف من قيامك بهذه الاعمال والمشاغبات ولأجل ماذا؟
ـ ليس لأجل شيء معين وبالتالي لم أقم بأية مشاغبات.
كذابة، انت واحدة من ضمن الأوباش الذين يسعون لقلب النظام واسقاط الحكم..
ـ هذا ليس صحيحا..
لا يمكن ان تخدعينا بأقوالك فأنت الشيخة ام مهتدي وتعملين كل ذلك من اجل إقامة حكومة إسلامية مثل اللي في ايران وإلا لماذا قمت بدراسة العلوم الدينية أكيد هدفك اسقاط النظام، ولهذا عملت على جمع التبرعات وبيع الكتب الإسلامية، وتوزيع منشورات وتنظيم افراد وندوات وهيئات و… و… و…
ـ ما شاء الله ما شاء الله، هل معقول هذه الاعمال تصدر مني يا عجب الله!
ـ اذا كان الأمر كذلك فلا داعي لأن اكتب أي شيء، تفضل (سلمته القلم) اكتب انت كل ما لديك من تهم ملقفة وكل ما يحلوا لك من إعترافات وحسب ما تريد.
زجرني ورمى القلم فوق رأسي، أنت لا بد ان تكتبي وليس أنا.
هل لديك اقوال اخرى؟
ـ كلا.
أقفل المحضر امرني بالتوقيع عليه
اقفل المحضر في تمام الساعة العاشرة صباحا في 10 محرم/ 1400هـ.
بحضور السجّانة التوقيع.. مع أخذ البصمات.
وهكذا استمر التحقيق لمدة شهر وعشرة أيام متواصلة، فانقضت الأيام، وانقضت معها المعاناة والعذاب وأقسى الآلام، وبعد معاصرة مريرة مع الحر الشديد والرطوبة، والظلام الحالك وعض الحشرات وسوء المعاملة من تسهير وشتم وضرب وسوء تغذية وتجريح واهانة لكرامة الإنسان، إستنقذنا الله من الزنزانة الإنقرادية إلى السجن الجماعي حيث مرتّ فيه أحلى الأيام واسعد اللحظات..

القوس 17-05-2003 11:38 PM

(12)

في السجن "العنبر"
…بعد مرور اسبوعين على التحقيق تم استدعائي من داخل السجن عن طريق السجّانة وثلاثة من الجنود، تبادلت النظرات السريعة بيني وبين زميلتي ما عسى ان يكون، ربتت على كتفي لا تقلقي عسى ان يكون خيرا اذهبي معهم..
توجهنا الى غرفة صغيرة جدا كانت تعد خزانة لبعض الامتعة كان الغبار يملأ أرضها، واذا بشخص طويل عريض المنكبين إستقبلني وسلمني بعض الاوراق للامضاء عليها بعد ان سألني عن اسمي قال:ـ ألا توديّ زيارة اهلك ـ أجبته بكل تأكيد، فاتضح انه مسؤول الزيارات لعوائل المعتقلين داخل السجن.
أمرني بالدخول للغرفة واذا بمجموعة من الاسلاك الحديدية المتشابكة والقبضان الطويلة والتي جهزت كحاجز بين السجين وبين اهله.
انتظرت ما يقارب 7 دقائق واذا بجميع افراد اسرتي، قد أقبلوا والابتسامة ترتسم على شفاههم، اذهلني المنظر كثيرا حيث كان إخوتي الصغار يتسلقون القبضان لمعانقتي ولكن حال الحاجز بيني وبينهم، أخذوا يتبادلون الاخبار معي بدون أن أتفوه لهم بكلمة واحدة، فمن شدة شوقي ولهفتي لهم ومن هول المفاجأة اختنقت بعبرتي، لكني رغم هذا تقدمت لهم بابتسامة هادئة موزعة للجميع وتم الاعلان عن أنتهاء الزيارة حيث استمرت ما يقارب خمس دقائق ـ تزودت فيها بروح الامل والفرج القريب، بعدها عدت إلى السجن على أمل الانتظار لزيارة أخرى بعد مرور خمسة عشر يوما…
…بعد ان توالت الأيام تجرف بعضها بعضا وتجرفنا معها بافراحها واتراحها بأحزانها وآلامها، بدأ الحلم الذي راودنا يتحول الى واقع، إنتفضت زغاريد الأمل تتراقص داخلنا كأنغام والحان موسيقية رناّنة… بانتظار اللحظة السعيدة التي نشم فيها هواء الحرية، نعم الحرية.. الحرية التي فقدناها خلال هذه الأشهر.. ولكن أية حرية هذه.. اذا كانت منسوجة بالقمع والكبت والإرهاب ـ حرية الخروج من القفص الصغير الى سجن اكبر ربما هنالك بعض الفروق كتواجد الاصدقاء والأهل والأحبة والطبيعة الغناء، ولكن كل هذا بضريبة مقابلة وهي الاعتقال، القمع، المطاردة من مكان لآخر، المداهمات الليلة، الاستدعاء للتحقيق بين فترة واخرى، المراقبة المستمرة للحركات والسكنات، اضافة إلى قائمة الممنوعات التي تصدرها السلطة الطاغية، فقراءة كتاب ديني ودخوله البلاد ممنوع، سماع خطاب لمحاضر اسلامي ممنوع، ابداء رأي سياسي ممنوع، التحدث حتى في السياسة ممنوع واليوم حتى الصلاة في المسجد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أضيف لقائمة الممنوعات ولكن كل ذلك يهون في سبيل إتاحة فرصة بسيطة لتأدية المسؤولية الإسلامية ونشر مبادئ الله في الأرض…. في يوم الاربعاء، فور الانتهاء من النوافل اليومية توجهنا لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) والتوسل بالائمة الاطهار.. الى ان شارفنا على الإنتهاء من الدعاء، واذا بالمفتاح يدور في قفل الباب واذا بأحد الجنود قد أقبل بدون ان يتفوه بشيء.
نحن ما زلنا نفترش سجادة الصلاة، حينها لزمنا الصمت وإذا بجندي أخر قد أقبل واستدعى السجّانة لأخذ زميلتي للذهاب معهم.. بقيت وحدي والقلق يراودني بين فترة وأخرى وانتظرت على أحر من الجمر، كانت السجّانة تنظر لي بابتسامات غريبة وهي تقول: لا تخافي عليها.. والمذهل في الأمر معاملة السجّانة في غاية الروعة في هذا اليوم واتذكرها جيداً كانت السجّانة (معجبة).. بعد ان طويت السجادة، توجهت لقراءة بعض الصحف كجريدة اليوم وجريدة الشرق الأوسط وقد سمح لنا بقراءة الجرائد فور انتقالنا للسجن الجماعي..
واذا بزميلتي تعود، تلقفتها فوراً ما الأمر.. أخذت تنظر الي نظرات بريئة وهي تبتسم.
ـ انا قلقة ارجوك، اخبريني ماذا حدث؟
ـ اجابتني بكل هدوء.. يقولون إفراج وكأنها لم تُصّدق.
ـ وقفت انظر اليها في صمت وأبتسم في وجهها، وأضحك داخلي باستهزاء.. واردد… إفراج هذا في الحلم..
كانت السجّانة والجنود ينظرون لنا مندهشين من الموقف مازالت كل واحدة تنظر الى الأخرى وكلمة إفراج تتردد على الافواه وكأننا نريد استيعابها.
واذا بأحد الجنود أخذ يضحك بشدة وهو يقول: لملموا أغراضكم هيا بسرعة سوف نرتاح منكم..
هنا كأنه ايقظنا من سبات عميق واذا بكل واحدة منا تصرخ بأعلى صوتها.. خرجت صرخة مدوية من الاعماق وبدون ان نشعر بها.. يقولون إفراج.. وأخذت كل واحدة تعانق الأخرى وحتى السجّانة أخذناها بالأحضان من شدة سعادتنا.
أخذت الدموع مكانها وبدأت تنهال كالسيل، تعانقت السواعد وتكاتفت الايدي باتجاه القبلة نردد نشيد.. لمستضعفي الأرض قلنا نعم.. ولأول مرة بدون خوف، بكل قوة واصرار عاهدنا الله سبحانه بمواصلة المسير وتكملة المشوار، والذي يسلك درب الجهاد لا بد ان يتحمل مشاكل الظلمة، هتفنا بصوت واحد ـ "لا اله إلا الله الهاً واحداً، ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله، وحده وحده وحده نصر عبد، واعز جنده، وهزم الاحزاب وحده، فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير"
كان الواقفون مشدودي الذهن يا ترى ماذا يعمل هؤلاء؟
أخذت النداءات ترسل صداها من الخارج هيا بسرعة.. لملمنا أمتعتنا واخذنا نعيد النظر في ذلك العنبر وكأنه الوداع لزنزانات ولأركان السجن كلها.
…في تمام الساعة الثانية خرجنا من العنبر النسائي برفقة السجّانة واثنان من الجنود، ادخلونا مكتب المدير واذا بوالدي واخ زميلتي موجودان في المكتب، اضافة إلى المحقق سعيد منصور، والمحقق عايض القحطاني، ومحمد عسيري..
أمرنا بالجلوس فألقى علينا مدير السجن كلمته الأخيرة والكل يلزم الهدوء (هتف بقوله: إن شاء الله تكونوا الآن قد تأدبتم فأنتم ارتكبتم الخطأ وهذا هو عقاب الدولة لكم، والمفروض ان يدوم سجنكم اكثر من هذه المدة ولكن رأفة ولاة الأمر بكم أبت ذلك ففرضت عليكم قضاء ثلاثة اشهر وها أنتم عشتم معنا وقضيتم أيام قد إستجلبت راحتكم فكل شيء قد توفر لكم من اكل وشرب وراتب شهري وزيارات فأنتن محظوظات هنا،..
قاطعه محمد عسيري قائلاً: انظروا إلى السجون الأخرى وكيف يعامل السجين فيها بكل ذل واحتفال أما أنتن فعوملتم احسن معاملة ولقيتن أحسن إحسان والفضل يعود للمسؤولين الكرام القائمين على الدولة وان شاء الله سوف تكون غلطتكن هذه الأولى والأخيرة.
قال عايض ـ اكيداً الأولى والأخيرة مو صحيح يـ عالية.. واللي يفكر يخطيء مرة ثانية لا يفكر بعد يطلع من السجن!!
قال المحقق ـ {وما ظلمونا ولكن كانوا انفسم يظلمون} لا يوجد انسان لا يخطئ والمخطئ عليه أن يتوب، فأعلنوا التوبة من الآن واعلنوا اخلاصكن للوطن وعدم التخريب فيه!!
قال محمد عسيري ـ نحن جميعاً اخوة وابناء وطن واحد نحافظ على سمعته من الأعداء والمخربين والأوباش فنحن إستضفناكن واكرمناكن ولا يمكنكن ان تنكروا ذلك!!
قال المحقق: عليكن ان تساعدوننا في العثور على أي مخرب وان تساعدوننا على جمع المعلومات عن العابثين في البلاد، وان لم تستطعن المجيء بمجرد اتصال تلفوني أعطونا الأوامر والمعلومات، وان احتجتن الى شيء فنحن في الخدمة لتلبية اوامركن سواء أموال، وظيفة أي خدمات نحن تحت الطلب!!
قال المدير: وانت عالية إسمعي جيداً وإياك الدخول السجن مرة اخرى فلن نرحمك، بعدها طلب مني ومن زميلتي إحضار ثلاث صور شمسية (طبعاً هذا تم بعد ان احضروا لنا أحد الباكستانيين لتصويرنا داخل السجن لكننا رفضنا ذلك) ومن ثم سلمني ورقة مكتوب فيها أتعهد فيها بعدم ارتكاب الخطأ في حق الدولة وان التزم كمواطن صالح، ويمنع من السفر منعاً باتاً لحين إشعار آخر..
تم التوقيع عليها وبعدها سلمنا لهم المصاحف التي اكرمونا بها في السجن الجماعي لكنهم رفضوا ذلك وقالوا خذوها منا هدية لكم. وكان مكتوب عليها (مصحف فهد).. المدنية المنورة.
واخيراً خرجنا من البوابة الكبيرة لنشم الهواء ونعانق الشمس وننطلق مسرعين حاملين راياتنا (المصحف المبارك) أعلى رؤوسنا ونحن نردد
سنحمل راياتنا هاتفين هو الله اكبر في العالمين
فإمام نموت بهذا الشعار واما انتصار وفتح مبين
إستقلينا انا وزميلتي سيارة والدي وعبر شارع (العريض) اتجهنا الى المنطقة ومن ثم الى المنزل، واذا بالحشود الغفيرة من الناس تملأ الشارع وعلى كلا الجهتين نساءً ورجالاً وحتى الاطفال الصغار خرجوا جميعاً لإستقبالنا، وفور نزولنا من السيارة هذه تضمنا وهذه تشمنا واخرى تقبلنا وتلك تقول حمداً لله على السلامة وأخذ الجميع يحيينا ويرحب بقدومنا وبدأت الحلويات توزع وسط الشارع، وعلت الزغاريد الرنّانة تبارك قدومنا، وأصبح الكل يهنينا ويبارك لنا سواءً من داخل المنطقة او خارجها، هنا احسست بتضامن الناس معنا وشوقهم الشديد لنا ولهفتهم لاخبارنا حين تم الاخراج.
{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم، وينصركم نصراً عزيزاً}.
صدق الله العلي العظيم








شر


ارجو ان تكون قد استمتعت ولو لم تكن ممنوعة لوضعت رابط لها

الوافـــــي 18-05-2003 02:10 AM

الله أكبر
لقد إنتصر الإسلام والمسلمين
وتحررت القدس
وتجمعت الجماهير تحيي المناضلة

أي نضال وأي هراء هذا الذي تقوله هذه الكاتبة ؟!

أنظروا إلى قدوتها في أول الموضوع ولن تستغربوا بعد ذلك
فمن كان قدوته الصفار وأعوانه
فبئست القدوة وبئس ما بعده
ثم إنه عام 1400 هـ خرج الشيعة بالمسيرات تأييدا لأهداف في أنفسهم وليس تأييدا لجهيمان وأعوانه من المارقين عن الإسلام
ولكن ديدنهم إستغلال اللعبة جيدا
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون

تحياتي

:)

كوكتيل 18-05-2003 11:04 AM

إقتباس:

فمن كان قدوته الصفار وأعوانه

اللي هذا أوله ينعاف تاليه ..

مع التحية للقوس على نقل الموضوع

القوس 19-05-2003 06:57 AM

كوكتيل;)

ليس نقل الكتاب للترحم عليها او الغضب من غيرها بل كان لأنه يشرح واقع معاملة وواقع سجون...وهي ليست ببعيدة عن الكراديب لتركي الحمد فالروايتان تصبان في نبع واحد ولكن مع اختلاف الاسلوب وعناصر التشويق...

وانت بالذات يا كوكتيل انا ادري انك مشغول ولا فيك حيل تقرأ هالكثر وما صدقت لقيتلك عذر للنحشة:D


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.