![]() |
هذا الذي يحدث
هذا الذي يحدث ...
2 لا يجروء أحد أن يتحدث معه في حياته..فهي خاصته ومن حقه أن يعيشها كما يشاء... رغم الأعراف والعادات والتقاليد .. فلكل إنسان أسلوبه في الحياة ، ولكل أهدافه كذلك. ورغم ذلك كله تحدث معه ونصحه وأوضح له أن الأطفال يحتاجون لرعاية الأب. فليست الأم كل شيء في الحياة... فالأب كما يقولون هو عمود البيت.. وضرب له مثلا بأحداث قصة سيدنا إبراهيم مع إبنه إسماعيل حينما زاره في مكة... أخذ من ذلك العبرة وبدأ يسعى حثيثا للإنتقال للعمل في المدينة التي يسكنها.. ولم يطل سعيه.. فبعد ما يربو من عقدين من الغربة والكد والجد عاد إلى مدينته حيث سكنه والبيت الذي كان قليلا ما يأويه.. ليعود إلى ميدان عمله فيغيب عنه وعن تلك الأسرة التي كانت تتولى شئونها إمرأة لا يميزها عن بنات جنسها عدا أنها إمرأة على إستعداد في كل وقت لإقناع الشياطين أنفسهم بصواب أفكارها وحسن تصرفاتها...فقد كانت إمرأة نحيفة غامقة الصفرة ، ذات عينين مدهوشتين وساقين رفيعتين ووجه باهت شاحب مربد، لم يكن أحد يبالي بها ، تتحرك متعجلة مرتبكة.. تتكلم بحدة وسرعة وتحسب نفسها لأمر لا يعلمه إلا الله أنها مركز الكون ، وهي المرأة الوحيدة الحريصة فيه.. وبذلك فهي لا تفتأ تذكر الناس بمناسبة وبدون مناسبة وأنها أطهر من الطهارة وأحرص من الحرص على الشرف والأمانة حتى بدون سبب أو مناسبة لهذه الأحاديث.. ولولاها ما كان من حسن الوضع الإجتماعي .. وهي التي تشرد أخوات أبويها يمنة ويسرة في ديار الغربة....فكان سلوكها موروثا متوارثا..!!! كانت سنوات البؤس والعناء قد إمحت من ذاكرتها ، أيام كانت تقيم في غرفة واحدة مع أسرتها التي تعجز في كثير من الأحيان عن دفع إيجارها. إمحت من ذاكرتها وجبات الخبز والماء ، والخبر والزيت في أحسن الظروف، والنوم فيما يشبه الزنزانة صحبة بقية أفراد الأسرة ..في محيط من الطوب أو القصدير، حيث تقبر الآمال والآهات، ويدفن الأحياء والأموات.. ويطول الليل والنهار ويتمططا إلى ما لا نهاية .. محيطات القلق والخوف والصمت.. حيث الحرمان والضيق والإمتهان.. والإنقطاع عن الدرس يوم أن عجزت الأسرة عن توفير الحد الأدنى من الأدوات المدرسية... حيث دفع بها إلى بعض المصانع للعمل كامل اليوم بأجرة زهيدة تعود بعدها إلى البيت متعبة فتجد الأم والأب في إنتظار ما تبقى من الأجرة لينالوا شيئا من الطعام يخفف حدة جوع النهار وكابوس الليل... ففطرت على حب الدنيا ، وكان إختيارها في كل شيء ، الدنيا أولا و أخيرا.. لم تعرف الأسر الوديعة الطيبة الخيرة... لم تعرف البيوت المزدهرة والحدائق المزهرة... لم تعرف أحضان الرفاهية والدلال... بل عرفت الحرمان والضيق وتولدت في نفسها رغبة عارمة في تغيير الحال والإنتقام من أيام التعاسة والعناء .. وترعرعت فيها عبر السنين.. فوراء كل علاقة منفعة. وإن لم تتحصل عليها رأتها وصمة عار في جبينها وجرى في عروقها العذاب مجرى الدم.. فهي تسأل عن كل شيء ، وتريد أن تعرف كل شيء عن كل شيء..وكل التفاصيل ، رغم أن القاعدة الطبيعية لبني البشر أن لكل إنسان مملكة أسرار لا يسمح لأحد أن يقتحمها... قد تنسى كل شيء .. البؤس والعذاب والحرمان والضيق.. لكن عيناه يوم سقط ميتا فوق سريره لم تنساها يوما ما.. فقد قالت في حديث أنه كان ينظر إليها وهو ميت وكأنه يتهمها . بل قالت إنه قال قبل موته أن تركته كلها لإبنه الوحيد.. وهو لم يدفن بعد ولم يمض على وفاته الساعة الواحدة... عرفت كيف تجيد التلاعب بالألفاظ وبالأفكار والعقول ومشاعر الآخرين في ذلك الوقت. وعرفت كيف تركب الصور والرقص عليها أيضا.. وكيف تجيد الإستعطاف وإستدرار الهمم. ولما إكتشفت أن اللعبة خطيرة جدا والتمادي في الحديث عن موته قد يجرها إلى مزالق غير محسوبة.. بل إلى التهلكة.. قامت بلعبة قذرة وحولت المحيطين بها إلى دمى خيوطها بين أصابعها كلعبة العرائس...إستدرت عطفهم ونواحهم وإلتصقت بالبعيدين من أهل زوجها والذين كانوا حديثها القذر في حياته وناصبت العداء لأقرب أقاربها و زوجها. كانت تحدث نفسها والمقربين لها من أمثالها إنهم جبناء ، الفعل ليس من شيمهم ولا من شأنهم.. يتكلمون ولا يفعلون ، أنا التي أفعل ... أنا وحدي التي يمكنها أن تفعل. فهم مجرد دمى تتحرك بمشيئتي ، إنهم جبناء ولو عجنوا في بعضهم لما تشكل منهم رجلا واحدا.. |
هذا الذي يحدث 3
هذا الذي يحدث ...
3 عاد ويا ليته ما عاد وإستمرت به الحياة وإمتد به الزمن يطوقه إلى ما لا نهاية وإستمر بهن فاحشا مستديرا. فقد إستيقظ شبه مخدرا.. أو مغميا عليه .. ظل يتهجى محتويات البيت البشرية ومعالمها فلم يدرك شيئا مما يدور حوله ، لكن شعورا كان يقبض على قلبه، فتنبه إلى أن المكان كانت تعمه الفوضى... لكن سرعان ما يعود لحالة التخدير التي كان عليها، ثم يستفيق فتدور في رأسه هواجس كثيرة إحتلت كل تفكيره على نحو سافر وعار.... بدأ أول الهواجس يشاغبه معلنا عن نفسه .. سوء تربية ... عدم أصالة... خيانة .. مكيدة.. دسيسة.. مؤامرة .. ماذا ؟؟ ما هذا ؟؟ فالبيت الذي لم يكن يأويه إلا قليلا كان كأنه فندقا أو محطة عبور لمسافرين من الشرق والغرب .. و أسرته كانت فرجة لكل من هب ودب... و بدأت المعاناة.. عليك بإعادة النظر في خط حياتك فالمسألة ليست بالحجم الذي تتوقع.. يقولون يا جبل ما يهزك ريح.. وما من شجر إلا وهزها الريح.. فلسفة منطقية .. فالجبل لا يستطيع الريح أن يحركه ، والشجرة يهزها ويسقط أوراقها وثمارها أيضا.. وقد يقتلعها من جذورها ... والفلاح الكيس هو من يعرف كيف يتعامل مع أشجاره وثمارها حتى لا تضرها الرياح ، فهو يعتني بأغصانها فيقوم بقص ما هو مضر وزائد في أوقات معينة حتى لا يحدث ضرر لشجرته ولا يتأثر ثمارها فيأتي ضعيفا أو غير جيد.. ألا تذكر كيف كنت وأنت شاب ؟... هل نسيت نفسك و نسيت ماضيك ؟ .. هون عليك وخذ الأمور بعقل وتؤددة... من هناك ظل قلبه يتكئ على بقايا أمل وصبر مفتت.. فاللحظات الكسيحة صارت تلتف حول عنقه محاولة كتم أنفاسه وقلبه المنهك من شدة الصدمة... شعر بالمناكدة والشماتة فيه. بدأ له أن أوصاله المفرقعة ستتفكك كلما نظر لهن.. تآمر ومعاناة لعينة على قلبه الخائر.. تسلل الهم إلى نفسه فإنسكب عليها بحرا وشعر بأنه في ساحة لمؤامرة دنيئة. أي خبث تخبئه الأيام لهذا القلب الكسير ؟ كتم آهة حرّى أطلت في أعماقه.. تسلل بفكره وهن يستمتعن بتعذيبه.. بقتله ببطء شديد على مرآى من أي قبح لم تستطع الأيام العاهرة دفعه عنه.. إستسلم للعذاب ، للواقع المهين يعبث به كيف يشاء.. ذاب الصبر ... تفتت القلب.. وإنطلق الموت يعدو نحوه بساقين من برق...!!!!!!!!!! |
هذا الذي يحدث 4
هذا الذي يحدث ...
4 لم تجد الإستقبالات الحارة ولا التظاهر بالإستقامة ومحاولة إضفاء حرارة عند اللقاء وتقديرا وإحتراما كبيرين.. ومظاهر الضعف والتكسر ومظاهر المعاناة تأثيرا كبيرا عليه.. كان ينظر ويفكر ، يتأمل الأعماق وينظر إلى ما يخفي من أسرار .. وكان لها أدوات طيعة لبلوغ كل المآرب. كان لها عيون ترى بها ما في الصدور ، وآذان تسمع لها ما تبوح به ألسنة الآخرين وما لا تبوح.. كان لها كلاب أوفياء.. وحراس تستخدمهم عند مداهمة الخطر .. من التزييف إلى إختراق البوابات الحدودية بأشكال غير قانونية... بدأ لها أن البعض صعب المراس.. فكيف الوصول إليهم ؟ ومن أين يجب البدأ ؟.. آه .. لماذا ألقيت بنفسي في هذا الجحيم، ؟ وماذا يريد ؟ .. عرف السر!؟ فك الطلسم !؟.. إنه ليس ضحية مرض.. هناك شيء ما حدث لا يعرفه أحد... وإن عرفه هو فليس له دليل يثبت به... رغم أنه شاعر يحس ويرى ما تراه عيون الآخرين.. ويتألم ، لكن لا يستطيع أن يبرهن على شيء من ذلك .. ولا أن يبحث عنه..فهو حضر بعد موته بساعات في المستشفى الذي نقلته له في أواخر تلك الليلة النكراء ... ولم يعلم بأنه مريض .. سوف يعجز عن إيجاد تفسير لظروف موته رغم يقينه أنه لم يكن موتا طبيعيا .. لم يهن عليه فقدانه بهذه السرعة والغموض.. فما بين تواجده معه وموته أقل من ست ساعات، تركه بعدها في صحة جيدة !!!!!!!! ولا يعاني من أي أعراض مرضية ......... ثم إن إتفاقي .. الصمت المتبادل ، أنا وأسرتي ، لا نرد على أي سؤال مهما تكرر.. تجاهل الآخرين وأسئلتهم هو النجاة.. الصمت هو الإتفاق .. فالصمت هو الخلاص ... والكلام يفجر السر من سطح الذاكرة والزلزال الذي يهز كل كيان.. شيطان رجيم لا إنسان ... لقد فقدت كل إحساس... شيطان أخرس. يقول التقرير الطبي : ـ هبوط في ضربات القلب .. سكتة قلبية...أدت إلى الوفاة.... والأطباء في بحوثهم الطبية يقولون : ـ في العدد 5664 السنة الثالثة والعشرون الصادر بتاريخ 5/7/1999 وفي الصفحة التاسعة من صحيفة العرب يقول الدكتور ... لو فكرت بالأمراض لازدحم رأسك بها لأنها كثيرة ومختلفة و متنوعة. لكن العلم بدأ يحسم المعارك معها أولا بأول وهي تتساقط مثل سقوط أوراق الخريف ، غير أن هذا العصر المزدحم بخضم حياة مليئة بالمتاعب ، عصر لا مكان فيه للإنسان الخامل ، فلا بد من السعي حتى نحقق ما نريد، ولهذا لا بد من المحافظة على رصيدك الصحي بجانب رصيدك المالي أيضا.. ومن خلال السنين الماضية دأب علماء الطب على دراسة حالات أمراض القلب ، ما هي أسبابها ، و كيفية الوقاية منها وكيف تعالج؟ و بأي علاج تعالج، و ما هو أحسن علاج لكل حالة من حالات القلب. فوجدوا بعضا منها يعالج جراحيا وبعض منها بعقاقير وبعض منه بحمية غذائية وبعض آخر بالرياضة البدنية والتي دائما هي المقام الأول والأخير . فعندما يتناول مريض القلب العلاج بمنزله الخاص فلا بد من الحيطة ولا بد من إجراءات يجب أن تتخذها كل أسرة إذا وجد بينها فرد مريض بمرض القلب. كذلك هناك أيضا مسئولية المجتمع أزاء عملية تأهيل المصابين بأمراض القلب فهي مسئولية كبيرة حقا، هذا كما أن البحوث الطبية العالمية أكدت أن ملايين الأشخاص في العالم يصابون بنوبات قلبية كل عام. إن هذا المرض يصيب أكثر ما يصيب الذكور ، فمن هم في سن الأربعين من العمر أو أكبر من ذلك أي عندما تكون أسرهم ومجتمعاتهم في أمس الحاجة إلى أنتاجهم لأن سن الأربعين هي سن العطاء الفعلي في كل شيء ، كذلك يصاب الأطفال لعدة أسباب ولكن قليل ما تصاب المرأة الشابة بنوبة قلبية ، والسبب في ندرة إصابتهن هو الهرمون الأنثوي ، فهو يحميهن من هذا المرض . وبعد سن اليأس المقررة للمرأة ما بين سن 45 و 55 سنة تأخذ النساء في فقد هذه الميزة تدريجيا وقد خطى الطب خطوات جبارة في طريق معالجة هذا الداء الخطير (( النوبة القلبية )) وخاصة في ميدان البحوث الطبية في أمراض القلب للإقلال من خسائر البشر جراء هذا الداء . كذلك الإقلال من الخسائر الإجتماعية . ولقد إتضحت الرؤية الطبية بعد العديد من البحوث من أن 90 % من الأشخاص المصابين بنوبات قلبية يستطيعون أن يعودوا إلى أعمالهم السابقة وممارسة حياتهم الطبيعية ، وأن 30 % منهم تبدأ طريقهم إلى الشفاء من المستشفى . فالمصاب بنوبة قلبية يمكث خلال المراحل الأولى من نقله إلى المستشفى في راحة جسدية وعاطفية تامة و يمنع من بذل أي جهد حتى تتماثل عضلة القلب المصابة بالشفاء ويعود المريض إلى عمله بعد أن يأخذ العلاج والراحة والنصائح الصحية. وفي بعض الأحيان يبقى المريض فترة بسيطة تحت العلاج ثم يسمح له بمغادرة المستشفى إلى منزله كي تتم فيه عملية الشفاء. وفترة النقاهة في المنزل عادة حوالي شهرين . وهكذا نستطيع أن ندرك أهمية بيئة الأسرة للمريض بوصفها عامل مؤثر على شفاء المريض . وهنا يضع الطبيب المعالج برنامجا يجب أن يراعيه المريض في المنزل و تراعيه الأسرة أيضا وكذلك يجب الإنتباه وعدم الإفراط في أكل المريض حتى لا تظهر السمنة لأنها عامل مساعد لحدوث النوبة القلبية ، ايضا عدم التدخين قطعيا. كما يجب أن يكون هناك توازن بين راحة المريض ونشاطه ومواجهة الحياة مواجهة هادئة لا إنفعال فيها. أما أسرة المريض فواجبها المحافظة على جو مرح داخل نطاق أفرادها وذلك من خلال تصرفاتهم و أحاديثهم . فهناك تصرفات مهمة تجاه المريض بالبيت ، كذلك يجب على أسرة المريض بالبيت أن لا تفرض سيطرتها على المريض وتضيق صدره بكثرة التوجيهات . هذا كما أن معظم النوبات القلبية تكون مصحوبة بألم حاد وصدمة وخوف من الموت وشعور بالعجز. وبهذا نجد أن المريض وحتى بعد شفائه يعاني حالة من الإنقباض والقلق النفسي مدة من الزمن ، وهنا يبرز دور الأسرة وأفرادها في غرس الثقة في نفسه ، ويجب عليهم أن يساعدوه على إستردادها بأي طريقة..... كما أن قلة التعاون من قبل أفراد الأسرة مع المريض يعرضه لأخطار جمة ...... كانت الصدمة قوية لا يتحملها من فطر على الهدوء والعطف . البركان يغلي بما يمكنه من نار تلتهب في داخله وتتأجج دون أن تصل إلى فوهة البركان . إنها تضج بصوت مكتوم ورعد مكبوت تقصف الجوف ولا تعلو إلى الفضاء. تقطع الأوصال . وحرارة اللهيب تدرك الجو ، لكن لا يرى لها أثر ، ورغم ذلك فإن النار تفور بجوفه وتدور على نفسها في حركة لولبية متكررة تهدد كل حين بالتصاعد والإنفجار، بل من إنفجار البركان إذا إنفتحت فوهته، وإذا نطقت الألسن وزحفت النيران. يومئذ تتحرك معاول الهدم وتأتي على كل شيء. فيعم الهول أجواء المكان والزمان وتنتفي حدود الزمان والمكان. فلا الصور تنجلي ولا الساعات. ويزحف السائل الأحمر على الكائنات وترتفع الأصوات من هول الكارثة فتسقط رؤوس كانت متعالية متجبرة وتسيل دماء كانت في مأمن من كل غائلة و تنقلب أوضاع وتتغير أشياء و أشياء ... وتحل اللوعة مكان الطمأنينة في القلوب الخائنة... فهل ستبقي في مأمن من ألسنة اللهب حين تحل ...؟ ؟!! |
هذا الذي يحدث 5
هذا الذي يحدث ...
5 ماذا جنيت حتى تصيبني هذه اللعنة ؟ ... لست ادري كيف دفعت إلى هذا الأمر ؟ ولا كيف فكرت فيه ؟ فلماذا تشاحنت معه وناصرتهن عليه وهو يعاني من المرض وحالته حسب تقارير الأطباء سيئة جدا ، و أنا أعلم جيدا من الطبيب بأن حياته رهينة في بذل جهد أو لحظة إنفعال... شيطان رجيم دخلني وظل يدفعني حتى فعلت ما فعلت.. و إلا كيف يعقل أن أقدم على ذلك وأنا أعرف حق المعرفة أن حياته متوقفة على مخالفته.. فأنا عشيرته منذ ما يزيد عن العقدين وأعرف جيدا نقاط ضعفه ونقاط قوته ، وأعرف أنه صار ينفعل لأبسط وأتفه الأشياء والأسباب من شدة ما يعانيه بعد إستقراره في المدينة وحالة الأسرة التي وجدها فيها ، حيث أضحى لا يعجبه شيئا ... كنت أوهم نفسي أنها مجرد حالة وفاة طبيعية إثر نوبة قلبية كما ذكر تقرير الطبيب ولم أدرك هول الكارثة لمّا كان صوته يزمجر وهو يؤنب بناته لذهابهن للسهر خارج البيت رغم تنبيهه عليهن بعدم فعل ذلك ، وكنت أدافع عنهن وأعارضه غير داركة مرة أخرى وساعة إذن هول الكارثة من إنفعاله ومن سماع الجيران للمعركة الكلامية و الملاسنة التي حصلت في تلك الساعة المتأخرة من الليل لكل ما حدث من صياح وضرب وبكاء وتهديد ووعيد ومعارضة ودفاع... و لم أكن أدرك أن الليل له آذان كذلك .. كان قلبه يقطر عتابا ولوما وألما.. أشعر في قرارة نفسي أنني الجاني الحقيقي و أن من دفعني إلى التجني مجرد من كل عاطفة ، حيث صرت قلقة منه بعد إنتقاله للعمل بالمدينة حيث السكن.. كانت تغريني حريتي المطلقة فتعاميت عن كل شيء. حز في نفسي أن تصبح حريتي مقيدة و أن أراه يضرب بناتي ويقيد حريتهن فإستبدت بقلبي عاطفة الأمومة فإخترت ، وبئس ما إخترت . لقد مسك بيد إبنته الكبرى وعينيه تحدقان بها وبي وكأنه يقول فعلتماها يا بنات.... بقيت عينينه تلاحقني في كل ليلة، وتتضخما وتجحظا وتتعددا حتى تصير تحيط بي من كل جانب ، وتتراقص في كل فضاءات البيت وتتوعد وتتسلل إلى جسمي وتمتزج به فأشعر بقشعريرة شديدة وإرتعاش كبير في كل جسمي من أخمص قدمي إلى رأس رأسي... وتنكشف العيون ويتشكل منها جسمه بل تتزايد صور جسده مثل تلك العيون، نعم لحما ودما ، فيزداد إضطرابي وأفقد صوابي..وأصيح في نفسي رفقا بأعصابي يا.... |
هذا الذي يحدث ... 6
هذا الذي يحدث ...
6 ويختفي الجسم ويظهر شقيقه محاطا بالعيون المتراقصة وتشكل حوله هالة من الدوائر الصامتة وتنطلق من عينيه تندس داخل جسدي كالسهام فأفر... لكن أين المفر ؟ إنها تغمرني في كل فضاءات البيت وتسد علي الطريق .... هذا ما كتب علي .. العيش في لجة من الأجساد والعيون والسهام... إنه يناديني ، يدعوني إليه ، يلومني ، يؤنبني.. لكن دون جدوى. يوم وفاته كان يوما عصيبا علي.. لقد ثقلت وطأته على نفسي . لم أكن أتوقع أن يموت بهذه السهولة. أحس بالمهانة والإحتقار وإرتكاب الذنب. صار ينبذني ، لا لأنه شك فيّ..ولكن لأنه عرف الحقيقة ، الحقيقة كاملة كما هي ... فصارت صورته تطاردني ليل نهار..إنه يكرهني ، إنه يخطط لتشريدي ، لإغتيالي ، لقتلي ، لقتل بناتي.. لكن ما ذنبي أنا. أنا لم أقتله ، لقد مات بسبب عصيان بناته له. وبسبب سقوطهن في بحور مختلفة نسين فيها كل شيء. نسين الأبوة والأمومة والبنوة والأسرة والقبيلة ...نسين أنفسهن.. خاصة وأنا ووالدهن كنا حاضرين غائبين. فالأب يعمل خارج المدينة ولا يحضر لها إلا مرة في الشهر لقضاء عطلة لا تتجاوز الأسبوع في كثير من الأحيان. وإذا تجاوزتها كان السفر واللهو.. أنا كنت الحاضرة الغائبة الحقيقية ، يسيطر على تفكيري فكرة واحدة .. الثراء..الثراء.. الثراء..لا يهمني كيف يأتي ولا من أين يأتي.. حتى غرست هذه الفكرة في بناتي الثلاثة..كنا نسمسر في أي شيء حتى الهدية ... ودفعته هو كذلك إليها دفعا حتى دفع الثمن..بل دفعنا الثمن جميعا ففقدناه، وتركنا لأفكارنا وتصرفاتنا الرعناء وصار كل منا يهدد الآخر.. فأنا أهدد بتقييد الحرية من خلال شقيقه وهن يهددن بكشف السر.... |
هذا الذي يحدث ... 7
هذا الذي يحدث ...
7 كان ذلك في ليلة صيف مقمرة على شاطيء من شواطيء البحر الأبيض المتوسط...حينما وجدت زائرا يقتحم حياتي بدون إستئذان في الماء الذي كنت أسبح فيه ، في تلك الليلة المقمرة.. إنه قريب لي ، كان يعيش بيني وبين أخواتي كشقيق وحيد. وكانت طلباته كيفما كانت ملبية ومن جميع أفراد الأسرة... في تلك الليلة صار يطاردني بجسمه في مياه البحر ، على سطحه وعمقه.. ولم أستطع المقاومة فإنسكب علي كروال مطر يسيل على جدران بيت من زجاج ، و حينها وصلت إبنتاي ليشهدا ما شهدا.. و يا ليتني غرقت في ذلك الماء ولم أخرج منه حية.. لم أكن في سن النزوات و المخاطرات ، لكني لم أستطع أن أقاوم وأفلت من بين ذراعيه.. عدت إلى حيث إقامة الأسرة وبكيت بكاءا مرا في الحمام حيث لا يراني أحدا ، وإعتزمت ألا أعود إلى هذا المكان مرة أخرى ... لكن بعد أيام قليلة وجدت نفسي في نفس الموقف ودون مقاومة .. وكانت بناتي وراء هذا الحدث و كأنها مؤامرة أحيكت ضدي.. ولم تمر أيام حتى عادت الأسرة إلى البيت ، ولما أتاني ذلك الزائر طردته وإختلقت له مشكلة معه فإختلف وإياه فطرده ونهره و إشتد الخلاف بينهما لدرجة القطيعة.... ومن أجل حرصي على مستقبلي ومستقبل أطفالي صرت ألبي لهن كل شيء..فقد صارت تلك الصور والبحر وأنا وهو والأطفال والقارب المحطم تطاردني أينما حللت .. لم أعد أستطيع أن أرفض أي طلب لهن حتى وإن كان فيه ما يشين في المحيط الذي أعيش بينه. بل كنت أسدي لهن كيف يقنعن الآخرين بأن ذلك تحضرا وتتطورا ونوعا من الثقافة .. حتى لا يقعن مثل ما وقعت فيه رغم أنهن لا يشعرنني بشيء مما رأين إلا بنظرات تشعرني أن وراءها تهديد ووعيد إن لم ألبي الطلب.. صرت أمدهن بنصائح الغش والتمويه وهن اللاتي لم تتجاوز كبراهن الرابعة عشر من عمرها... لم تمر أسابيعا ثلاثة على وفاته ، وكان البيت الذي أسكنه يعج بالأهل والأقارب والمعارف.. يقدمون العزاء والمواساة والمؤانسة حتى لا نشعر بفراغ فقدانه. بعدها لم يبق سوى أمه. .. أما شقيقه فكان يزورنا كل نهاية أسبوع حيث يتفقد أحوال الأسرة وإحتياجاتها. رغم كراهيتي الشديدة له ، فهو رجل تقاليد وثقافة رأيتها قديمة لم تعد تتماشى مع العصر عصر الحريات..ولكن لحاجتي له لم أحاول إظهارها رغم إستفزازات بناتي وولدي له كلما يحضر لدينا علنا نبعث فيه شعورا ليوقف زيارته عنا.. فبناتي كن يتغيبن عن الحضور له لما يدخل البيت ولا يراهن ، وإن سأل أخلق له من المبررات والأعذار المقبولة لديه ، كأن أقول له إنهن يراجعن واجباتهن المدرسية أو يرتبن أمور الدور العلوي للبيت حيث لم يسعفنا النهار لزيارة طارئة من أحد الأقارب... فكان يهز رأسه ويرفع جبينه قليلا لينظر في عيني ثم يطأطئ رأسه وندخل في أحاديث أخرى... لقد بدأت أضيق ذرعا من أمه ومن زياراته. وزاد ذلك من بناتي حيث كانت تلك العجوز تسأل عن كل طارق بنهار أو بليل أو حتى متكلم في الهاتف... فلم أجد حيلة للتخلص منها ... فالبيت بيتها وأنا لا أملك فيه شيئا... لكن كنت أشعر بأنها تقيد حريتنا... كانت تستيقظ في الصباح الباكر ، وكنت أنا وبناتي لا نستطيع ذلك حيث كما نتسامر بعد أن تنام لساعات متأخرة من الليل نقضيها ما بين برامج التلفزيون والحديث عن شئوننا الخاصة.. وعن المستقبل والثراء والسعادة ... وجاء اليوم الذي قررت فيه طردها من البيت وكان يوما شتويا عبوسا قمطريرا ، حيث الفصل شتاء والبرد قارس. طلبت مني الإفطار الصباحي فمددت لها عجينا من التمر كنت أحتفظ به في الثلاجة ، وما إن لمسته حتى ردته علي بحجة أنه بارد جدا وهي بحاجة إلى شيء دافيء تدفيء بها جسمها ... وكان ما كان ، حيث قلت لها لديك بناتك وإبنك فليمدوك بذلك...فأنا ليس عندي غير هذا ... فخرجت ولم تعد منذ ذلك اليوم ولم أر وجهها إلا يوم وفاة إبني بعد عامين من وفاة أبيه وهي لم تعد تعرف أحدا... لم أعلم أن إبنها الأكبر قد علم بذلك من الذين كنت أعتبرهم صناديق أسراري ومشدي أزري عند الشدائد و ضده..إلا أنه لم يحسسني بشيء من ذلك. فقد كانت زياراته مستمرة و بإنتظام و دقة ، سواء من حيث اليوم أو التوقيت حتى صرت أتوقع زيارته وأضبط عليها ساعتي.. حيث يحظر هو وزوجته فقط ، لأنه قليلا جدا ما يحظر إحدى بناته ، فيقضيا ساعات طويلة يتفقد فيها شئوننا والذي كنت دائما أصده بأنني لست محتاجة لشيء.. كان قلبي يقول إن حاجتي الوحيدة هي أن أفهمك أيها الصخرة الصماء ، أن أعرف نقاط ضعفك لأحولك إلى خاتم بين أصابعي....لكن كنت عاجزة تماما..عن فهمه رغم المواقف الكثيرة التي كنت أحاول حبكها مع بناتي لإستفزازه علني أدخل معه في خلاف وإشكالية تقطع عنا زياراته ، لكن كنت دائما حليفة بالفشل. حتى في عيد الإضحى لما أخذنا معه لبيته الكبير حاولت إحدى بناتي من خلال شقيقها خلق مشكلة معه إلا أنه كان أكثر ذكاء ودهاءا.. فرغم سب إبني له وضربه وتمزيق ثيابه إلا أنه كان غير منفعل ولا مهتم لذلك... بل كان يعامله بمنتهى الهدوء والرحمة وإبتسامة عريضة كانت ترتسم على شفتيه تذكرني بإبتسامة شقيقه حينما يكون في حالة إنبساط... وما كان مني إلا أن طلبت منه أن يعيدنا للبيت بحجة أنه عيد وقد يأتي أحد لزيارتنا بهذه المناسبة. ورغم شعوري بعدم الرضاء الذي إرتسم على وجهه إلا أنه إستجاب لي فور الإنتهاء من مراسم الأضحية .. فلم نقض حتى الساعات الثلاثة ببيته.. كل ذلك لأن بناتي وأنا نرغب في حريتنا ولا نرغب في الإستمرار في محيط الأسرة التي نشعر أنها تقيد حريتنا... |
ما الذي يحدث ... 2
ما الذي يحدث ...
2 لا أدري لماذا عادت به الذاكرة هذه الليلة إلى الماضي.. الماضي الذي ماتت أيامه..وتبخرت أحلامه..ونخرت عظام أناسه.... ولا يدري ما الذي حمله على ذكره .. ونبش عظامه ؟ ولا يدري ما الذي يغريه بأن يتلمسه من الواقع؟ هو يعلم أن الماضي قد ذهبت مسراته وأحزانه ولم يبق في يده منه إلا الذكريات التي طالما حاول أن يلقي بها في الزاوية المظلمة من نفسه لتنام فيها إلى الأبد، رغم أنها كانت تستفيق فيها كلما أراد نسيانها فتسوّد صفحة الحياة أمام عينيه حتى لم يعد يرى فيها جميلا ... ولا بهيا ...و لا يتطعم فيه حلوا أو بنينا...وهو يعلم كذلك أن أحلامه التي بناها بقطع قلبه وأنقاض أيامه وروى رياضها بدموعه قد جفت زهورها وأنهارها و يبست أغصانها وإنهارت أمام عينيه دفعة واحدة وكأنها بيوتا من ورق ضربته كف إنسان أو نفخت عليه ريح... فيئس منها وذهب يعيش بقلب محطم وكبد ممزق...رغم ضحكه وممازحته للآخرين حتى ليظنه الناس أسعد الناس وهو أشقاهم وأخيبهم أملا ..وأشدهم ألما...! أطل من نافذة الغرفة بفندق تيبستي على شارع جمال عبدالناصر في مدينة بنغازي. هذا الشارع الذي يمثل حياة يفسرها ويصور حقيقتها أكثر من تصوير الأدباء وتفسير الفلاسفة... مثله مثل شارع الرشيد بطرابلس وزقاقه المختلفة وكأني به صورة من داخل زقاق المدينة القديمة بطرابلس أو الدار البيضاء أو تونس....بل إن ساعة واحدة تشرف فيها على مثل هذه الأماكن و شارع جمال عبدالناصر ومنطقة سيدي حسين تحديدا ، أجدى على الفرد في فهم الحياة من دراسة عشرات السنين في تلك الكتب التي إكتضت بها مكتبته في بيته بمدينة طرابلس. ماذا في الكتب ؟ ماذا في الكتب إلا الحيرة ....! ومن ذا الذي تبلغ به الحماقة وتفيض على نفسه حتى يدعي أنه فهم الحياة من الكتب..! وهو الآن أحد صرعاها وضحاياها. فهل من سائل عن الخيبة !؟ وهل من سائل عن الخسائر !؟. قالت الكتب : ـ إن المستقيم أقصر الطرق فاسلكه تصل.... إستقم تبلغ الغاية. والإلتزام بإتباع هذا القول أو هذه القاعدة والسير عليها إصطدام بأول جدار وإنطراح في الزمان والمكان مكسور الرأس. والغير يسير ويلتوي كما تستدير طرق الحياة وتلتوي.... فيصل إلى ما لم يصل له غيره حتى لو عاش عمر نوح...!!!!!!!!قالت الكتب : ـ كن فاضلا ، و إحرص على مكارم الأخلاق فهي السبيل . وبالحرص على ذلك تجد أهل الرذيلة يصلون. وإن أسفل الناس أخلاقا صار أستاذا للأخلاق...فيا عجبا لسخرية الحياة...! قالت الكتب : ـ الحق ...وقالت الحياة القوة... مالا أو جاها أو جهدا.. من خيانة الأمانة إلى الجحود وعدم الوفاء والمكائد والدسائس وتنغيص حياة الآخرين... قالت الكتب : ـ الفضائل ...وقالت الحياة الشهوات.. بجميع أشكالها وأنواعها من أشهي المأكولات إلى تجارة الرقيق والأطفال.. قالت الكتب : ـ الكثير الكثير.. لكن لم يكن إلا ما قالته الحياة . هذا هو الذي يحدث ...الواقع ...الحقيقة....لا الخيال... وبنظرة إلى شارع جمال عدالناصر ...بمنطقة سيدي حسين بمدينة بنغازي.. فإذا السيارات من كل نوع ولون .... كلها تعدوا ..الكل يريد أن يصل أولا...وأن يخترق الإشارة الضوئية أولا ..ويدخل للشارع الرئيسي من الشوارع الفرعية أولا ... الكل يزاحم ...الكل يزأر .... فتضطر أن تقول لنفسك هكذا هي الحياة.! سباق ...تزاحم...ضوضاء... تدافع... لكن ما هي الغاية..؟ لاشيء...لاشيء! في تلك العزلة ... وتلك المشاهد رن جرس الهاتف فقطعت نغمته الصور والمشاهد والعزلة ...وكان على الخط الثاني أحد الأصحاب في مدينة بنغازي..رجل ملك على صاحب آخر أمره..فأعجبه حتى غدا لا يصبر على سماع نكاته وفكاهته...وأعجبه حتى جعله معه في نفس المحنة... ومنها أن الثعلب كبر وطلب من أمه أن تخطب له..ففرحت الثعلبة أيما فرح بذلك لأنه سيصير لها كنة وتصبح بعدها جدة..سألت الثعلبة إبنها ثعيلب عن إبنة الحسب والنسب التي يرغبها ، فكانت إجابته أنه يختار إبنة ملك الغابة شبيلة ...فاستغربت الأم من هذه القفزة التي إن لم تفرحها فقد أفزعتها..وحاولت إقناعه بالعدول عن رأيه إلا أنه أبى وأصر بشدة فما كان من الأم إلا أن قصدت ملك الغابة و طلبت منه الأنس وكان ما كان لها من عظيم الغابة مما أشرفها على الموت... ومن أجل أن يعرف ثعيلب ما حدث لأمه قررت أن ترسله إلى الأسد بحجة رغبته في أن يراه ويطمئن إلى أنه يستحق إبنته...إلا أن ثعيلبا تذاكى فأصر على أن لا يقوم بزيارة ملك الغابة إلا بمرسول من أمه يحمله للأسد...وكان له ما طلب...وحدث له ما حدث لأمه عند ولوجه عرين الأسد لدرجة أنه فقد ذيله الذي كان يختال به أمام حيوانات الغابة...وحينما عاد وسألته أمه عن الجروح والدماء التي كانت تسيل من جسمه وذيله الذي فقده ، كان رده عليها ... يا أماه هاتي من يقرأ ويكتب يا ... مفارقة طبيعية أن لا يتزوج الثعلب إبنة الأسد.. فلكل جنسه...وكذلك ما فعله الأسد بثعيلب... هكذا كانت فكاهات ذلك الصاحب ..مواضيع فلسفية تحتها ما لايخطر على بال ..ولا يدري أحد من هو الذي وضعها ونظمها ...وهل يستطيع جيل بعده أن يشترك في الإضافة عليها ويزيدها دورا آخر فيكوّن منها الصورة الصادقة للمجتمع وهواجسه وأمانيه ............... رجعت هذه النكتة وأمثالها الذاكرة إلى سالفات الأيام. فهب يعرض صور حياته فيها وهي تمر به متتالية متعاقبة كصور السينما ملتفة بضباب الماضي . فتبرز منها المآسي المغسولة بالدموع والفواجع. فلا صورة للبهجة والسرور ، وأي بهجة وأي سرور بعد الخمسين.! كان التفكير دائبا في المستقبل .. وكان ينتظر . فها هو المستقبل قد صار حاضرا ...فهل فيه غير الخيبة والألم. لقد جرب هوايات كثيرة ، وطاف في أرض الله شرقها وغربها ، شمالها وجنوبها...من أعالي الجزر البريطانية إلى غياهب الصحراء الكبرى .. من أوكسفورد إلى ورزازات ، إلى واو الناموس...من رأس الخيمة إلى صلالة .. من بحر البلطيق إلى البحر الأسود....وقرأ من الأدب والتاريخ والفقه والعلوم... من الكتب الصفراء وكتب ملوك الجان إلى الكتب الحديثة وثقافة الإنترنت ...فما أفاد من ذلك كله . إلا أنه ترك في كل مكان قبرا لأمل من آماله ، وعلى كل صفحة صورة من صوره...لقد أضاع الحب والمال والجاه .. وأضاع المجد الأدبي ...فهو لا يستقر به قرار...... كتاباته التي كانت تدور في نفسه ضاعت منه ...قصائده، خواطره،.. وكل ما يكتبه على الورق ....حتى أنه لم يسمع الناس صوته... فقد كان يقتصر ذلك على نفسه وعدد ضئيل من الأصحاب لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ...والذين كانوا يشجعونه على الإستمرار ويوجهونه في ذلك و أن يكتب الخاطرة أو القصيدة أو الرؤية في حينها كيفما تكون، قائلين له سيأتي الزمن الذي تنشر فيه ويسمعها كل الناس... |
ما الذي يحدث 2 ( تابع )
المستقبل .. المستقبل هذا الذي صار حاضرا اليوم. مستقبل عدم. وحاضر عدم. فهل من يوم بالعودة للماضي ليعيش فيه ؟ .
فيا ويح النفس. هل بقي مستقبل إلا الموت.؟! الذي غدى يحبه و يناديه ولو كان يسمع النداء وهو كاره.! ذلك الماضي الذي دفن فيه أبيه وشقيقه الوحيد . ودفن معه أحلامه..وآماله ... لقد أحبه كثيرا وتألم أكثر مما أحب. لكن الحب الحقيقي الواحد الذي إنطوى عليه قلبه والألم الفرد الصادق الذي عرفه هو حبه لشقيقه وألمه لموته...وحبه لأمه وألمه لجنونها.... و صار عنده كل ما عداهما حب كاذب وألم عارض..... إنه لينسى الدنيا كلها بما فيها ، حتى منازل حبه وغرامه وربوع هواه ، لكنه لم ينس أبدا ذلك الحي وشوارعه الضيقة الذي كان يمتد بين طريق السواني وقرجي... لأن سعادته كبرت هناك في ذلك الحي وتلك الشوارع ...وماتت في آخره حين مات شقيقه...ولم يبق له من سواعد الدنيا شيء.! فيا رب عجل له برحمة النسيان...وأين منه النسيان؟. إنه يذكره فيكتب فيه القصائد...ويراها فينظر إليها وهي في حالاتها المختلفة من الجنون فيبكي قلبه ولا يستطيع أن يكتب عنها حرفا واحدا فيبقى الألم يعصر صدره يحمله وحده ... سنوات سبع مرت على وفاة أخيه بطريقة غامضة لا يعرف كنهها إلا الله والحاضرون لموته الكاتمون لشهادتهم ... وسنوات خمس مرت على جنون أمه وهو يعيش هذه السنوات متفردا منزويا متروكا حتى من شقيقاته اللآتي كن يألمن إن غاب عنهن يوما واحدا... قد كان يألم إن غاب عنه يوما واحدا...أو غاب عنه حديثها وحكاياتها...فاللهم صبرا له. فمصائبه اكبر مما يطيق.! يقولون إن المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر ...ولكن مصيبته تنمو في نفسه كل يوم. فهو لم يعد يجد في الحياة ما يغريه بها ، ويرغبه فيها. فماذا عن الحياة؟. وكل لذة فيها مغشاة بألم...ففيها الربيع الجميل ، وفيها بذور الصيف المحرق، وفيها الشتاء القاسي...وفيها الخريف المعتدل... فيها الحب ، فيها الوصال مشوبا بمخافة الهجر... فيها الصحة والشباب والقوة..فيها المرض والكهولة والهرم..فيها الغنى وفيها الفقر...فيها العزة وفيها الذل.....لكنه ما عرف ذلك ولا يحسب أنه سيعرفه أبدا.! لقد كره الحياة . وزاده كراهة لها أولئك الناس...فلم يفهمه أحدا ، ولم يفهم منهم أحدا.! إن تألم وأعرض عنهم مشتغلا بجراحه وآلامه ، قالوا متكبر. يكره الناس و لايحبهم. وإن غضب للحق ونازع فيه قالوا شرس ((دنياوي ، جهنمي). أناني لا يحب إلا نفسه. و إن وصف الحب الذي يشعر به كما يشعرون قالوا فاسق منافق. وإن قال كلمة من الدين قالوا كاذب زنديق. وإن تكلم بمنطق العقل قالوا فيلسوف...متكبر مترفع كافر. وإن تكلم ناصحا قالوا جبار ومهدّد. فما العمل؟ .إلى الله المشتكى ...فما له في دنياه هذه بعد شقيقه صديق، ولا صدر حنون بعد أمه سوى قلم وورق يؤويه يصب فيه مشاعره وصور الآخرين....فهم الذين يقبلونه على علاته ، فالورق الأبيض يستفزه والقلم المرمي جانبا يشعل بداخله لهيبا مريعا فهم الوحيدون الذين يقبلونه كما هو ويقبلون منه كل شيء . أما الناس فلا يقبلون إلا محاسنه. وهم الذين يحبونه هو، أما الناس فيحبون أنفسهم فيه .أولئك هم الأحبة الأوفياء الذين لم يهجروه ولم يخونوه، وتلك هي دنياه ... دنيا إحتواها التراب والجنون والورق.. لم يبق من آثار هذه الدنيا الحافلة إلا قبر منعزل على تبة بمقبرة على شاطيء البحر يحاذيه فيها إبن المقبور...وجدا من لا يعي ما يقول وما يسمع وما يفعل. وهذا كل شيء. إنه ليستطيع ذكر تلك القرية ويحن إليها وإلى ساكنيها وشوارعها التي تحرك في نفسه عالما كاملا لكنها لا تبالي ذكرياته ولا تحفل لها. مثلها مثل تلك المقبرة التي يحتوي ترابها على اللص الفاتك كما يحتوي على المحب الثاكل. وتأوي قبورها المجرم الهارب كما تأوي الأديب المتغزل. و مثلها الحي الذي صارت تحوي بيوته التي كانت زوايا للذكر والعبادة مقارا للفساد والفجور وكما كانت تحوي بين جدرانها السوي المستقيم ، المثال في الأخلاق والمسلك فصار يصول فيها الفساق والمفسدون....فما أضيع ذكريات المحبين عند الطبيعة وما أضيعها على الناس. لقد إنصرفوا عنه جميعا معتقدين أنهم تركوه يتجرع غصص الآلام وحيدا ، ولم يبق له من سيشمله بعطفه ويشاركه حمل آلامه... زوجته .. أولاده.. بناته...والبون بينه وبينهم صار عميقا شاسعا لا إمكانية لسده..أو رأبه. أم ستسعده أنت أيها المجهول الذي لا يعرفه أبدا... أ أنت يا من يجوز مع الشمس بمقبرة............ يزور حبيبا له طواه الرمس...هل تمنّ على غريب مغرّب متألم فتحيي عنه هذه البقعة وتعطف على ذكريات له فيها هي أعز عليه من الحياة لأنها كانت جمالها..؟؟!!! هل ستترفق في سيرك وتتئد وتعلم أن في هذا التراب الذي تطؤه أطلال قلب كان من قبل عامرا سليما. ترفق فإنك لو ملكت حاسة تدرك بها الذكريات لرأيت في هذه المقبرة وما بين قبورها بقايا قلب محطوم ...وبقايا روح بائسة دامية حزينة شاكية ، ولسمعت نشيجها. فما تصدع ذلك القلب من هجر حبيب . ولا هدته أحداث حب وغرام ، ولكن عصفت به عاصفة من خيانة زوجة وأطفال وجحود ممن ضحى لأجلهم السنين الطوال رأى فيها الشقاء والتعب ولم ير فيها يوم سعادة . فكلها جد وكفاح وكد فحاولوا عندما كبروا هدّ أركانه فقهروه إحباطا ويأسا وألما..... فانتقل إلى الرفيق الأعلى عله يجد عنده حياة أهنأ وأسعد ، فأسكب على بقاياه قطرة من دمع يحيا بها ساعة...أو كلمة تسقي نفسه الحزينة ، ثم توجه حيث شئت ولا تنسى أن تسأل الله لساكنه الرحمة والغفران ... فما بقي له بعد حبيب ولا بعد دنيا. فقد ترك تحت أقدام ذلك المجهول قلبه وحبه راجيا إياه أن يترفق بهما. فرحمة لهذا الكهل...وغفرانا لذلك الشقيق ورحمة. |
هذا الذي يحدث ... 8
هذا الذي يحدث ...
8 مرض أملي الوحيد، وقرر الأطباء أنه مرض عضال .. فسافرنا لعلاجه خارج البلاد.. وزادت معاناته وإشتدت أكثر مما كانت عليه. كان دائما يساعده في كل رحلة ويقدم له مظروفا مغلقا به مبلغا من المال أو توصية لأحد أصدقائه إكتشفت بعدها أنها توصيات للمساعدة إذا ما إحتاج لمصاريف تفوق ما عنده من مال ، فالمسألة ليست بسيطة وهذا إبن شقيقه ولا بد أن يقف بجانبه في هذه المحنة.. وهو الذي لا مثيل لشهامته ومروءته ..بعد زمن قال الأطباء إن صحة الطفل صارت جيدة ولن يحتاج إلا للرعاية والمحافظة حيث أن مناعته الطبيعية ضعيفة جدا..وكانت الفرحة ... لكن لم تدم طويلا حيث إنتكس الوليد مرة أخرى بعد أشهر .. فعدنا إلى ما كنا عليه ، كان الوحيد الذي غضب غضبا شديدا وصرح بأننا لا نستحق الأبوة والأمومة.. ولولا أنها قدرة الله... لقلت كلاما قد يخرجني عن الملة... عدنا للمعاناة والعلاج من جديد... ولم يدم العلاج طويلا حتى شفي الطفل ، لكن مات أبوه... كان الفصل شتاءا والبرد قارسا . وليس لدي سيطرة عليه خاصة بعد غياب أبوه إلى الأبد وغرسي كراهية شديدة في نفسه لعمه، حيث لم يكن له أي تقدير أو إحترام ، بل كان يتعامل معه وكأنه لا يعرفه.. وهذا ما كنت أبثه في نفوس كل أفراد أسرتي... كان كثيرا ما يخرج للعب مع أقرانه في الشارع ، وكان هو يمتعض عند زيارته لنا في نهاية كل أسبوع لما يجده خارج البيت.. كان يمتعض كثيرا وتبدو على وجهه واضحة علامات الإستياء والإمتعاض. لكنه كان لا يتكلم إلا بنصيحة أو ترشيد ومشاعر يحسها المتلقي جياشة ، لكني لم أكن أثق به.. ليتني لم أخسره. فلقد ناصبته العداء من أول لحظة .. وجاراني رغم ذلك ولم يحاول أن يجعلني ندا له وهو ما قهرني حتى إستبديت به... فقاطعني إلى غير رجعة... لم يدم فرحي كثيرا بحريتي بعد وفاته . فلقد إنتكس ولدي مرة أخرى وما كان منه إلا أن سافر به إلى نفس البلاد ونفس الطبيب حيث أنه أقرب الناس إليه..وإكتشف أن الولد عاد له نفس المرض العضال..فقرر إستمرار علاجه كما لو أن أبوه لم يمت. و كان له ما كان ... وإستخرج لي فتوة للسفر أثناء العدة لأكون بجوار ولدي أثناء علاجه ، لكنه لم يكن وحده بل جعل لنفسه رفيقا من الأسرة بإستمرار وهو صاحب رؤية و مروءة و شدة و بأس....وكأنه جعله ليكون شاهدا علي وعلى عالمي .. كنت أرغب أن يكون وحده حتى أستطيع أن أقضي معه الوقت الطويل علني أستطيع إكتشاف الغموض الذي يحيط به و أعرف نقاط ضعفه..وهذه الهالة التي يديرها الناس حوله... فرغم السنوات الطويلة التي عشتها داخل الأسرة إلا أنني لم أستطع إكتشافه بالصورة الصحيحة والسليمة.. أفكاره ... إتجاهاته... طريقة تفكيره.. فالهيبة والوقار كانا يرتسمان على وجهه رسما ، رغم السنين وإشتعال وجهه ورأسه شيبا وهو لم يتجاوز العقد الخامس فيزيدان من وقاره وهيبته.. إنه يعتبر لدي الصندوق الذي عجزت عن فتحه وولوجه ، وهو الذي أحسب له ألف حساب وحساب ولم أفلح... لظرف ما ، ولسبب ما ، لم أدرك كنهه غاب رفيقه أياما حيث عاد إلى أرض الوطن.. وبقي هو وحده .. وكنت أتوقع الكثير . فالشتاء فصل البحث عن الدفء .. لياليه الباردة القارسة تدفع كل شيء للبحث عن الدفء . لكنه كان أبيا ، قاسيا بقسوة ليالي ديسمبر.. صخرة من لحم ودم ..... كان يلتف برداء من الصوف الأسود ويجلس على كرسي في رواق المشفى الذي كنت في أحد طوابقه أنا وولدي ، من المساء إلى الصباح ، ومن الصباح إلى المساء. بين يديه كتاب صغير .. عرفت أنه مصحفا قرآنيا كان يقرؤه بإستمرار . ما هذا ؟ ما هذا الصخر ؟ ما هذا الحجر ؟ لا يقترب من الغرفة التي أشغلها أنا ومرافقي إلا عند حضور الطبيب أو أحد من أهلي... عشرة أيام بلياليها .. لم أكتشف أنه كان يستكشف السر إلا بعد عام أو يزيد.. حيث كشف السر... وفتح الطلسم... فلم أجد بدا من مناصبته العداء ، فإدعيت أنه يتهمني بالمخدرات ويريد أن يأخذ أموالي وممتلكاتي من زوجي...ويشرد بناتي... |
هذا الذي يحدث ... 9
هذا الذي يحدث ...
9 كانت تلك هي الرحلة الثالثة والأخيرة التي جمعتني به.. كان يوجه لي إنتقادات عن سلوك بناتي ، لم أعرف جديتها ومصداقيتها إلا بعد فوات الأوان... كان هاجس الخوف منه يدفعني بشدة لقطع الصلة به والبحث عن أي مدخل لخلق موقف ليحتد ويستبد النقاش بيني وبينه.. لكنه كان يجيد اللعب ، وعرف لعبتي وكشف مساربي. كشفني ولم يبق شيء لم يعرفه. عرف خيانتي وغدري ، وعرف أطروحاتي وألاعيبي أنا وبناتي .. عرف أموال أبيه التي دخلت لحسابي الخاص... وعرف حقوق أمه التي هضمتها وطردي لها من بيتها التي بنته بدم عروقها حينما إستفردت بها بعد وفاة إبنها فإستبديت بها وهي في إدبار العمر وفي أمس الحاجة للعناية والرعاية.... حيث تلقفها ولم يمر على موت زوجي الأسابيع الثلاثة ،فإحتضنها كأي إبن بار، وعرف كل ما تم من تزوير في عدة وثائق، من موته حتى موت إبنه وعبور الحدود الدولية به على أنه على قيد الحياة..... كنت في كل مرة أتوقع أن يتفجر الموقف بيني وبينه.. لكنه أبى و تركني بهدوء مطلق بعد أن تعرت أمامه كل أسراري وتركني وكأنه لم يعرفني قط... حاولت اللعب بالمحيط الأسري ... حاولت اللعب بأقرب الناس إليه.. حاولت اللعب معه ببناتي اللاتي يعتبر هو الأقرب لهن في هذا الكون... لكنه أبى و إستعصى... وكان شرطه واحدا الحياة ضمن مظلته على نهج الأسرة وإلا فلا... وكان موقفي لا حياة تحت مظلته ولا سير على نهجها.. ودارت الأيام والأسابيع والشهور والسنين... فوجدت نفسي وحيدة ، كليمة ، كالعنزة الجرباء في قطيع .. وحدي ، لا يعيرني أحد أي إعتبارا أو إهتماما... حتى أهلي نكروني فالكل عرف السر... بإستثناء قلة قليلة كانت لها مصالحها الخاصة ونواياها البذيئة التي لم أشعر بها إلا بعد فوات الأوان... فات الأوان ولم يعد للعودة سبيل ... ضعت ... مثل بناتي ... وفقدت كل شيء حتى الذين كنت أعتبرهم صديقاتي ومشدي أزري ... و إكتشفت أني كنت دمية بينهم وبينهن... فقدت كل شيء... فلا جاه ولا مال ... بدون شرف...لأن الشرف أثمن من كل شيء ..فلا أثمن من الشرف والأمانة.. والشرف فقط . والأمانة فقط. واللذين إستلبا مني إستلابا وبمحض إرادتي .. فسلبتهم بنفسي عن نفسي من أجل لا شيء... غير التوه والضياع الذين لم أشعر بهما في حينهما..... |
هذا الذي يحدث 10
هذا الذي يحدث
10 إستياء شديد يتملكه وإحساس سيء أنه ليس على وجه الأرض من هو اشد منه غفلة وخيبة وإستياء… وحز في نفسه بشكل شديد أن يجد نفسه متهما بالخيانة.... ، وتذهب سنوات عمره في وطنه الذي أعطاه ما يجاوز الثلاثة عقود ، هباءا منثورا بسبب لؤم أهل الغش والخبث والخداع….. في هذا الزمن الملوث يبدو أنه لا مناص من التضحية… سواءا بحريتك كاملة أو بقسط منها ، رغم أن الحرية لا تقبل التجزئة. أو بمبادئك وسلوكك وأخلاقك التي تعيش بها وماضيك وشرفك التي تعيش من أجله…وكل ذلك لا يقبل التجزئة أيضا. بين أصابعه قلم صامت .. حائر… مضطرب .. وهو متكيء في غرفة الإستقبال … فلا طاولة لديه ولا مكتب أمامه …..حوله أوراق خالية… جائعة لرمس قلمه الصامت… المضطرب … الحائر ... حيرة العذراء في وسط الشباب… الوقت يمضي متكررا.. ساعة … ساعة .. بلا جدوى … بطيء مثل أنفاسه. متكيء في ركن من أركان تلك الغرفة المستطيلة… في حالة إنتظار .. كمن ينتظر وحيا يعبر عن خواطر النفس المكبوتة في الذهن المضطرب … بين القصيد والكتابة الحرة…. أمر غريب … غرابة هذه الدنيا الظالمة المظلومة ، الضنكى المتعبة … وفي تساؤل ساخر ينطق ما بين جوانحه وينطلق القلم …أين زادك ؟ أين خبرتك ؟ أن ثقافتك ؟ أين مواهبك؟ … وتتالت عليه الأينات والأنات… وفي نبرة ملؤها الحزن والأسى ، خافتة مثل أنفاس محتضر يأتي الرد… لا زاد.. لا خبرة.. لا ثقافة.. لا مواهب.. كأنه لم يقرأ ، لم يتعلم ، لم يجرب… لم يخالط .... العقل خال … والفكر خاو… والنفس تحتضر… وعادت به الأخيرة مسرعة إلى العصور الغابرات… فصاحت ، سقراط !!! هل تسمعني ؟… مثلما كان الخلود للأفضل …. فسيبقى الخلود للأفضل… الأقوى هو الأفضل… في هذا الزمن ، زمن الرذيلة والبحث عن الضحايا …. وعبر جدار الغرفة المحترقة يجيب سقراط … لم أتصور أن أكون فيلسوفا بهذا الشأن العظيم … نشيج لم يتصوره … أفضل وسيلة لتحقيق الأهداف الإعتماد على الذات. وفي عمق السكون في تلك الساعات المتأخرة من آخر صيف في أول عام من القرن الواحد والعشرين لا يدري كيف يصفها ‘ تعطل الإبتكار وماتت الرغبة في الكتابة.. إضطراب… قلق…حيرة… تشتت نفسي وفكري… هواجس… نشيج يصيح ، عليك بتدوين كل مشاعرك مهما كانت تافهة … إثبت ذاتك … لن تندم… هكذا تصايحت ستائر نوافذ الغرفة الطويلة المستطيلة التي هزتها نسمة باردة رطبة في تلك الليلة القائضة.. فراغ كالموت … ظلام حالك… كون قاتل… غموض يطوف حوله لم يستطع أن يدرك منه حتى خيطا رفيعا عله يأخذه في بحر الأوراق الخالية المتناثرة أمامه….. فإلى متى أيها القلم ستظل صامتا ..؟ إلى متى أيتها الأوراق ستظلين خاوية…؟ أما آن لك أن تخرج إليه بكلمات كيفما كانت علها تكون نقطة الإنطلاق بشيء يهدي نفسه… تلك النفس التي جفاها منذ مدة القريب الذي كان يظنه قريبا…. فإزدادت قسوة وإنطواءا على نفسها…والصديق الذي كان يظنه صديقا فإزدادت شكّا وألما... غيره من الناس يشغله إزدحام الحياة… فولجها يبحث عن لحظات السعادة … والركض وراء متعها…المثالية تحول بينه وبين الظهور… وأغلالها تقيده في الزمان والمكان… في غياب الود الحقيقي والعلاقة الطاهرة … وطمس كل شعاع لهما… وخنق كل بادرة صدق. هزهز رأسه في إكتئاب .. وهو الآن متفرغ ، وتحت الإقامة الجبرية … ميسور الحال ويحمد الله الغني الكريم.. إلا أنه لم ير حقيقة لذلك رغم أن الإحساس بتفرغه في الأيام القادمة قائم بسبب إقامته الجبرية وتوقفه عن العمل الذي أعطاه جل أيام عمره فكانت نتيجته جملة من التهم ما أنزل الله بها من سلطان إلخ… من التهم التي قررت عليه نفسه بالإعدام إن كانت حقيقة واقعة.. الإعدام شنقا … المهم إثبات التهمة بصدق وأمانة … وليس غشا وإفتراءا…المعاناة تملأ كل فراغه منذ مدة… فقد كان العمل يملأ عنه فراغه ويخفف عن نفسه معاناتها… كفى تشاؤما …وأنظر إلى الحياة بأمل ومحبة… هكذا نطقت مذيعة الفضائية اللبنانية صباح يوم وهي تقرأ الأبراج... ذلك ما كان ينشده ، لأنه السبب الأساسي للظفر بالسعادة وإثباتها. لكن متى تتوفر الأسباب ويمكنه الشعور بالسعادة… وهو من أمة قد هزأت من أجلها الأمم لعجزها في سلك السبل الصحيحة والجيدة لتحقيق أحلامها….وتطمئن شعوبها من الربع الخالي إلى المربط البالي… فأين العرب أمام تحديات العصر…؟ ما هو المستوى الذي وصلوا إليه في المجد المفقود…؟ ليعيش السعادة الحقيقية… والحاكم العربي لا يفرق بين الإطمئنان والطمأنينة … فيقولها الطمأنانة… سئم الإتكاء على يده اليسرى… فإعتدل في جلسة أرضية… ونظر في الأوراق الخاويات أمامه ومد يده لإحداها والأخرى لا زالت متشبثة بالقلم .. ويبدو أنه يريد أن يأتي أكله…. تندت عيناه بدموع حارة أسرها الشعور الداخلي القاسي وهو يشاهد القلم يرتعش بين أصبعيه …إثبت أيها القلم … إثبت أيها القلم فأنت في النار شئت أم أبيت … فلا فرق الآن بينك وبين الورق .. لا فرق بين الشرف واللاشرف … لا فرق بين الإخلاص والخيانة …. لا فرق بين الصدق والكذب … لا فرق بين الفضيلة والرذيلة… ستقتلك رصاصة طائشة أو سيارة مارة بسرعة البرق…ألا تلاحظ أن الدنيا كلها ألغام مزروعة في مساربها الضيقة والواسعة.. في كل مكان برا كان أم بحرا… مسكينة هذه الدنيا…لم تكد تتخلص من هواجس الحروب المدمرة وأهوالها وقنابلها ونيرانها ومدافعها وطائراتها وصواريخها وآثارها..حتى صارت مهددة بحرب كونية أكثر هولا . إنها حرب السلوك غير السوي … فالأسوياء وحدهم ، هم الذين صاروا مظلومين .. وصاروا يمثلون الأقلية ولا بد من تطهير المجتمعات منهم… فأنت إن لم تمت بأداة حربية فستموت بقلبك.. وستقتل حتى النهاية ويمشي قتلتك في جنازتك ويبكونك ويندبونك… |
هذا الذي يحدث 11
هذا الذي يحدث
11 مضى أكثر من ثلاث سنوات لم يفتح فيها كتابا ... لم يخط فيها خطا بإستثناء تقارير العمل ... لقد إكتضت نفسه وثقلت وتشتت فكره ، فما الحل لتنقيتها وإعادتها لتوازنها ؟ الكتاب صديقه المثالي الدائم .. فارقه منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات .. أقلامه ، كراريسه... ماذا بقي له لتستمر الحياة جميلة هانئة....؟ لم يكن وحيدا في البيت ولا في المجتمع.. لكنه يعيش وحيدا .. في ذلك البيت الكبير... بينما يزدحم الناس في الأرض. ورغم أنه ليس ثريا إلا أنه يعيش في بيت كبير . يكفي أنه يحتوي على غرف كثيرة تزيد عن حاجته وحاجة أسرته فالبيت مصمم على أساس إيواء أكثر من أسرة ... وهكذا كان يحدث نفسه ويدفعها للورق ... لتقرأ ، لتتمخض ، لتلد... محاولا دفعها في تكوين موضوع يملأ بعض الأوراق المتناثرة حوله..... لكن دون جدوى .. فهو من الجيل الذي يستكثر على نفسه حتى الهواء... ظلمة حالكة تنتشر حوله ...خافتة ... معلنة قدوم الليل ...وهنا يتحرك الإحساس بطلب النور.. فيتساءل لماذا لا تصير حياته مليئة بالنور والطموح والأمل ..؟ يتجه نحو الجهاز المرئي فإذا بإحدى المحطات الفضائية تخرج عليه لتحدثه عن رحلة الأحلام... تلك الفضائية التي أهداها له شقيقه بمناسبة نجاح إبنه الأكبر في الشهادة الثانوية منذ ما يربو من عقد من الزمن... رحل شقيقه فإنتهت السعادة برحيله وإنتهى الفرح وتلاشت الرغبة في المواصلة لبلوغ أي هدف أو حتى الرسم لأي هدف ....فقد كان ذراعه الذي يتكــــــــــيء عليه وحزامه الذي يتمنطق به ... هجره الأهل والأقارب ، فبقي مع الحزن والسأم ، وحده . حتى أن إحساسا أضحى يداخله بين حين وآخر بأنه سيموت قريبا ويلحق به... وهنا يبرز سؤال بين الفكر والضمير والنفس... هل وصل به القنوط إلى هذه الدرجة؟! وجاءت الأجوبة متتالية منهم....إبحث عن الحقيقة.!!! إن ديوجين الفيلسوف اليوناني أشعل شمعة في وضح النهار وخرج في عز الظهر بها في زقاق أثينا.... ، ولما سألوه ، رد عليهم أنه يبحث عن الحقيقة ! فقالوا إنه مجنون.! البحث عن الحقيقة في وضح النهار على ضوء شمعة أمر محير حقا!. مسح العرق المتصبب على وجهه بحركة كاسلة متنهدا وهو يقول ، لا أستطيع القراءة... لا استطيع الكتابة ، لم أعد أقدر على الإستيعاب... ستموت أوراقي جوعا ، ويموت قلمي عطشا . وتمر الأيام ثقيلة .. حزينة .. بلا فائدة ... فراغ رهيب .. سرعان ما طفق يشعره بالموت البطيء ، فالأيام تزداد ثقلا رغم عددها المحدود.. حزن حقيقي . إن المرء يحزن بعفوية أولا ، ثم يدرك أنه حزين فعلا في المرحلة الثانية من الحزن ، وهذا يكون في حالة الحزن العميق. أما الحزن العادي فيبدأ عاديا ثم ينتهي مثلما إبتدأ.... أما الحزن العميق فيبدأ عميقا لينتهي عميقا كذلك. مضى أكثر من ثلاث سنوات لم يفتح فيها كتابا ... لم يخط فيها خطا بإستثناء تقارير العمل ... لقد إكتضت نفسه وثقلت وتشتت فكره ، فما الحل لتنقيتها وإعادتها لتوازنها ؟ الكتاب صديقه المثالي الدائم .. فارقه منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات .. أقلامه ، كراريسه... ماذا بقي له لتستمر الحياة جميلة هانئة....؟ لم يكن وحيدا في البيت ولا في المجتمع.. لكنه يعيش وحيدا .. في ذلك البيت الكبير... بينما يزدحم الناس في الأرض. ورغم أنه ليس ثريا إلا أنه يعيش في بيت كبير . يكفي أنه يحتوي على غرف كثيرة تزيد عن حاجته وحاجة أسرته فالبيت مصمم على أساس إيواء أكثر من أسرة ... وهكذا كان يحدث نفسه ويدفعها للورق ... لتقرأ ، لتتمخض ، لتلد... محاولا دفعها في تكوين موضوع يملأ بعض الأوراق المتناثرة حوله..... لكن دون جدوى .. فهو من الجيل الذي يستكثر على نفسه حتى الهواء... ظلمة حالكة تنتشر حوله ...خافتة ... معلنة قدوم الليل ...وهنا يتحرك الإحساس بطلب النور.. فيتساءل لماذا لا تصير حياته مليئة بالنور والطموح والأمل ..؟ يتجه نحو الجهاز المرئي فإذا بإحدى المحطات الفضائية تخرج عليه لتحدثه عن رحلة الأحلام... تلك الفضائية التي أهداها له شقيقه بمناسبة نجاح إبنه الأكبر في الشهادة الثانوية منذ ما يربو من عقد من الزمن... رحل شقيقه فإنتهت السعادة برحيله وإنتهى الفرح وتلاشت الرغبة في المواصلة لبلوغ أي هدف أو حتى الرسم لأي هدف ....فقد كان ذراعه الذي يتكــــــــــيء عليه وحزامه الذي يتمنطق به ... هجره الأهل والأقارب ، فبقي مع الحزن والسأم ، وحده . حتى أن إحساسا أضحى يداخله بين حين وآخر بأنه سيموت قريبا ويلحق به... وهنا يبرز سؤال بين الفكر والضمير والنفس... هل وصل به القنوط إلى هذه الدرجة؟! وجاءت الأجوبة متتالية منهم....إبحث عن الحقيقة.!!! إن ديوجين الفيلسوف اليوناني أشعل شمعة في وضح النهار وخرج في عز الظهر بها في زقاق أثينا.... ، ولما سألوه ، رد عليهم أنه يبحث عن الحقيقة ! فقالوا إنه مجنون.! البحث عن الحقيقة في وضح النهار على ضوء شمعة أمر محير حقا!. مسح العرق المتصبب على وجهه بحركة كاسلة متنهدا وهو يقول ، لا أستطيع القراءة... لا استطيع الكتابة ، لم أعد أقدر على الإستيعاب... ستموت أوراقي جوعا ، ويموت قلمي عطشا . وتمر الأيام ثقيلة .. حزينة .. بلا فائدة ... فراغ رهيب .. سرعان ما طفق يشعره بالموت البطيء ، فالأيام تزداد ثقلا رغم عددها المحدود.. حزن حقيقي . إن المرء يحزن بعفوية أولا ، ثم يدرك أنه حزين فعلا في المرحلة الثانية من الحزن ، وهذا يكون في حالة الحزن العميق. أما الحزن العادي فيبدأ عاديا ثم ينتهي مثلما إبتدأ.... أما الحزن العميق فيبدأ عميقا لينتهي عميقا كذلك. |
هذا الذي يحدث 12
هذا الذي يحدث
12 بعض الأصدقاء أشاروا عليه عندما لاحظوا أن الوحدة والإنطواء قد يكونا خطرا على مزاجه وطبيعته بالعودة للمساجد حيث كان يتلقن القرآن معهم .. لما يعلموه عنه أنه يتقبل نصيحة الناصح وتوجيه الصديق لإيمانه أن النصيحة مقبولة في كل زمان ومكان ... لكن شدة الصدمة التي وقعت في نفسه من نصيحته لأحد أقاربه والتأويل الذي تحولت إليه تلك النصيحة حيث قولبت إلى تهديد ووعيد .. كانت سدّا أمام نصائح الأصدقاء، رغم تظاهره بقبولها...فلقد تألب عليه القريب ومن هو على شاكلته بسبب نصيحة حق..... إن الحزن الكبير الذي طال وقته لا يدري متى تصفو منه نفسه وتتضح رغباته في مواصلة الحياة على ما كانت عليه ... فالفشل بات جليا عنده... ثم ما الداعي إلى النجاح وما قيمته في حياة صارت تشوهها السلبيات وتطغى عليها ، حيث صارت الفضيلة شذوذا والرذيلة سلوكا يجب أن يتبع... الرذيلة هنا بمعناه العام أي السلبية.... أخوه كان إنسانا عظيما... فقد كان يجعله دائما مثله الأعلى وأباه الروحي.. كان يدفعه للقيام بالأدوار الرائدة سواء على مستوى الأسرة أو العائلة " العشيرة أو القبيلة". كان يرى فيه الطبيب الماهر الذي يعالج الناس من أمراضهم المستعصية... والسياسي المخلص الذي يعمل لوطنه ليرفعه بثبات إلى جنة الأمن والسلام....والمحامي القدير الذي يدافع عن حرمات الآخرين ومظالمهم وحقوقهم.... يذكر حينما كانا صغيرين وهو يلاعبه أحيانا بطائرة من الورق فتشملهما الفرحة حينما يرسلها في الفضاء ويلحقاها وهي متجهة حيث قذفت ...ثم تنعطف وتسقط على الأرض ... فيخيب أمله دون تأثر واضح بسبب الإخفاق الذي حصل من سقوط الطائرة أو حينما كان يشكل من كرناف النخل سفينة ويودعها إلى غدير المياه قرب البيت الذي ولدا به وترعرعا بين جدرانه ، فتضل تتقدم حتى تجنح وتتوقف عن المسير... فيتركانها ويمضيان.. هكذا كانا يتنقلان من لعبة إلى أخرى... كفراشتين تحومان حول الأغصان والورود.... إلا أنه كان يتميز عليه بسماع القصص الشعبية القديمة ، وخاصة الطويلة منها ، الزاخرة بالعبر والحكم ومغامرات الأقدمين وأحداثها المثيرة... والتي كان حين يسمعها من أمه في الليل على شكل خرافة تسردها عليهما ليناما يحاول أن ينسج على منوالها أشياء وأشياء ليقصها في الصباح على زملاء الدراسة .... كان ولعه الذي لا يمله تقليد المهن وسماع القصص فضلا عن حيه الكبير للغة العربية التي كان متفوقا فيها على مستوى الفصل طوال سنوات دراسته... والتي عجز خلالها عن إختيار الإتجاه الذي يريد. فدرس ويا ليته ما درس حتى أنهي دراسته ، فالعلم والتعلم و الإتقان صارا في زمن الجهل كارثة ومصيبة . وإختار أن يكون مواكنا مخلصا ، جادا ، ملتزما ... فتحول إلى مواطن مدان ومتهم بعد عقود من الجد والإخلاص والعطاء اللامحدود حتى وصل إلى ما وصل إليه..... إنه زمن البحث عن ضحايا .. فكان ضحية حذاق الزمن والمتحذلقين...شياطين الإنس الذين يقتلون الميت ويبكونه ويندبونه ويسيرون في جنازته.... |
هذا الذي يحدث 13
هذا الذي يحدث
13 ما أجمل الحياة حينما تكون ربيعا متواصلا مثمرا.... إن الفرد قد يقضي زمنا طويلا من عمره في ممارسة نشاط ما ، دون أن يعيش كريما ... أو يقوم بعمل بارز يرفع من شأنه ، وقد يبقى عاطلا تماما ، مما يجعله يكره وجوده بسبب تهميشه ، رغم كدحه بلا فائدة ... ولكن فجأة وفي فترة وجيزة جدا قد يصعد إلى الدرجات العلى في السلم الإجتماعي أو الوطني وبكل شرف وأمانة فيصير ناجحا أو مبدعا أو ثريا و يلمع إسمه ... إن إكتساب القدرة على التحمل هي الطريق إلى النجاح.. الأمور تسير بمقاديرها ، وإذا ما طغت هذه القناعة لدى الإنسان فإنه سيقبل قدره كما هو، وهو في منتهى القناعة والراحة...فالناس تتحمل هموم أمة كل يوم من الربع الخالي إلى المربط البالي وهي بحجم الجبال ... فكيف لا يتحمل الإنسان همه الخاص... الحياة لا بد أن تبتسم يوما ما .. ومهما إشتدت قسوتها وطالت فالموت ليس بإرادة الإنسان ، إنما هو بإرادة الواحد القهار... وحده يلوذ بوحدته ، ففي الوحدة قد يجد الإنسان نفسه الضائعة... رغم سأم الجلوس والتمدد .. والإتكاء . وبمرور الأيام بدأت الجراح تندمل .... وصار يقرأ بحرية ويعمل بنجاح لأيام محدودة سرعان ما انقضت ليبرز جرحا جديدا ... يندمل ببطء شديد.... الأيام الجميلة تمر دائما بسرعة فائقة .. فيحاول خلالها كسب الثقافة فيكون حاضرا في كل مناسبة خاصة أو عامة.. يصارع الأيام العصيبة حتى لا تصبح عادة مألوفة في كل مراحل العمر... وإتخذ قرارا حاسما صادقا .... الإنطواء ، الإنفراد ..القراءة يمارسها بمفرده ، متابعة المرئية وبرامجها على مختلف المحطات الفضائية يتابعها بمفرده.... رياضته يمارسها بمفرده ... حتى شراء إحتياجات أسرته يقوم بها بنفسه وبمفرده إلا فيما ندر حيث تشاركه شريكة أيامه... يحاول أن يزيح من طريقه الفشل مثلما يتمنى الكثيرون .. فقد آن الأوان لحسم الأمور والكف عن الأحزان.. لقد مضى على موت شقيقه ثلاث سنوات ... وقد إرتاح وهو يأخذ مكانه في السماء... ذلك الشقيق الذي كان يرى فيه الإنسان القادر على إبراز إمكانياته في كل ميدان يميل إليه... وذلك بالحصول على المستوى المناسب من الثقافة والمعرفة... هذا دليل الخروج من الأزمة والشعور بالرضا والنجاح في التغلب على الإحساسات الأليمة المحزنة والخروج من دائرة القنوط ... أما إيقافه عن العمل فهو صورة من صور الحاضر التي تعاني منها أغلب المجتمعات .... فكم من مظلوم في السجن ... وكم من عالم في الخفاء ... وكم من مجرم طليق وكم من جاهل في الثريا... لقد توفي شقيقه إثر نوبة قلبية أتت عليه وهو على فراشه من سلوك أفراد أسرته ... فهو يعيش في مجتمع له تقاليده وعاداته وسلوكه المختلف عما تبرزه الفضائيات التي أثرت بشكل كبير في سلوك أفراد الأسر العربية... فكانت هذه المحطات وبالا عليها. لقد كان عظيم الفرح حينما يحقق هدفا ماديا... وهو عندما يفرح لا يستطيع أحدا أن يضع حدا لفرحه لعاطفته الجياشة وشعوره الرقيق... ولما يمتاز به من إحساس مرهف... لذلك لم يتحمل الصدمة... فمات. موت شقيقه أمات فيه طاقات كثيرة فأصيب بالعجز... في هذه المرحلة من مراحل العمر... ما أجمل الحياة حينما تكون ربيعا متواصلا مثمرا.... |
هذا الذي يحدث 14
هذا الذي يحدث
14 لقد بدأت حياته في أسرة صغيرة و متوسطة يرعاها أب يعمل حدادا لا يملك من حطام الدنيا سوى أجره و خلقه وإستقامته.... فرباهما وأخواتهما الثلاثة على الخير والأمانة والإستقامة وحب الناس ... وأثمرت تربيته الجادة لهم فتزوجت أخواتهما في ذلك الزمن الذي كان يرى فيه مآل الأنثى لبيت الزوجية ، حيث لم ينلن أي قسط من التعليم في تلك الحقبة من أربعينيات القرن العشرين التي كان إرسال الأنثى فيها لصفوف المدارس شبه محرم... إلا أن أختهما الصغرى تلقت قسطا من التعليم لأنها كانت من الجيل التالي حيث إستقلت الكثير من الدول من الإستعمار وصار التشجيع لولوج ميدان التعليم والتعلم مطلبا لخلق البنى الأساسية للبلاد فإستطاعت أن تنال قسطا لا بأس به ... أما هو و شقيقه فقد نالا ما كان متاحا في ذلك الوقت حيث تخرج من معهد تجاري وتخرج شقيقه رحمه الله من معهد صناعي ... شق كل منهما طريقه في الحياة... ودخلا معتركها فتوظف وهو في العشرين من العمر .... وسكن مع شقيقته التي كانت متزوجة في بيت بإحدى مناطق المدينة لعدم قدرته على توفير سكن مستقل خاصة وأن والديه لا زالا في ديار الغربة...ومطلوب منه أن يوفر ما يستطيع حتى يستقبلهم ويهيء لهم العيش الهنيء دون شدة وعناء... كانت وظيفته تدر عليه بعض المكافآت البسيطة فكان يعتمد عليها في مواجهة مصروفاته الشخصية مثل الملبس والمواصلات ... أما المرتب فكان يبقى كما هو ... كان راضيا عن حياته وسعيد رغم المستقبل الذي يلوح أمامه صعبا ، شديد الصعوبة. فلا أمل في زواج ولا أمل في مسكن لائق مستقل .. ولا في وجاهة إجتماعية تساعد على تحقيق التقدم الوظيفي.. خاصة وأن الوظيفة لا يتقدم فيها إلا من يملك الإمكانيات الإجتماعية والتوصيات الشخصية... حيث المعيار هو التوصية وليس الإمكانيات والإنتاج والإبداع ...وأمثاله ممن لا سند لهم في الحياة ولا ظهير ولا إمكانيات يتعثرون فيها إلى ما شاء صاحب القرار.... ومع ذلك فلقد مضت الحياة عنده بخيرها وشرها وحفظ عهده لأبيه أن يكون في عمله مثالا للصدق والإخلاص والأمانة والضمير الحي ، كما عاش هو حياته ، فعاش راضيا عن نفسه ممتنا منها. لقد كان فعلا صادقا مخلصا أمينا في عمله رغم الإغراءات التي كانت متاحة لأمثاله ...فلم يلق بالا لبعض زملاء السوء الذين تندروا عليه بأن أمثاله لن يطفوا أبدا فوق السطح وسيظلون إلى آخر العمر في قاع المجتمع " والفقري فقري" ...وكان رده عليهم دائما وهو في منتهى السرور...بوزيد عريان بوزيد لابس.... لم يكن يتكسب من عمله مثلما يتكسبون ... كان يعيش حياة متقشفة...في حين يعيش أمثاله حياة مبسوطة لا تتناسب مع أوضاعهم . ومع ذلك كان راضيا بحياته ونصيبه من الدنيا... وكان يرضيه كثيرا أن رؤساءه في العمل كانوا إذا واجهوا أمرا يتطلب تنفيذه شخصا أمينا ... كانوا لا يختارون غيره من بين أكثر من الألف موظف.... والمائة وخمسون مسئولا على مختلف مستوياتهم ومناصبهم ... ثقة فيه وفي وصدقه وأمانته ، لدرجة أن الكثيرين من زملائه كانوا يطلقون عليه رجل المهمات الضميرية ... تهكما وسخرية ... حتى أن أحدهم يناديه ممازحا بالعبد العبيط...و دس آخر قصاصة ورق بمكتبه كتب عليها بيتا من الشعر يقول : مات الضمير وشيعوا جثمانه ما عاد في الدنيا ضمير ينفع .. هـ هـ هـ ومضت السنين هادئة وقد تقدم في عمله وتحسنت أحواله المادية حيث تحصل على سكن مستقل بقرض ، وكون أسرة من أولاد وبنات .. وقد تقدمت به سنوات العمر ولم يوفر لأسرته سوى أنه علمهم بما يمكن من التعلم المتاح والمتوفر .. ووفر لهم حياة كريمة مستورة رغم ما فيها من شضف مقارنة بمن هم في مثل عمله ومجاله... فأولاده لا يعرفون طعم الفواكه إلا حينما تنخفض أسعارها وتصبح في متناول الناس العاديين " العياشة " كما تقول العامية...ولا يعرفون للمشروبات أو العصائر أو الملابس الحديثة المتحدثة أو حياة الترف... كل ذلك بسبب محدودية دخله وضعف إمكانياته .. وهو يتمثل لقول الشاعر: تصفوا العيون إذا قلت مواردها والماء عند إزدياد النهر يعتكر عاش حياته بحلوها ومرها حتى جاء اليوم الذي تحول فيه إلى مجرم متهم .. وصار الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن. ولقد صدق من قال : ـ ألام على ما أبدي علك من الأسى وإني لأخفي منه أضعاف ما أبدي. |
هذا الذي يحدث 15
هذا الذي يحدث
15 مرت السنوات وهو يعطي ما في ما في وسعه من جهد بكل قدسية و إلتزام إلى عمله.... حيث كان إلتزامه بالعمل كبيرا جدا ، ولا غلو إذا قيل أنه كان يقدسه أكثر من العبادات... كانت أولويات حياته كلها ، العمل أولا ... فهو يحرم نفسه من الإجازة السنوية من أجل آداء العمل ... يحرم أطفاله من التمتع بالجلوس إليه من أجل العمل... فجل وقته اليومي يقضيه في المصلحة التي يعمل بها، حتى جاء اليوم الذي أوقف فيه عن العمل وجرفه سيل جملة من الجرائم والمخالفات قام بها مجموعة من الناس في مناطق مختلفة لا علاقة له بها مباشرة أو غير مباشرة .. فجنت عليه الوظيفة التي كان يشغلها أنذاك...وأوقف عن العمل بتهم مختلفة من الخيانة إلى عدم الإخلاص ... رغم عدم صحة التهم والتي أثبتتها التحقيقات التي أجريت فيها ... فكان ضحية من ضحايا سوء التحقيق و التحقق .. فالزمن صار زمن إسقاط السيئات من المنحرفين على الطاهرين والأسوياء ... زمن دفع الأبرياء للثمن... ثمن الجد والإخلاص والفضيلة.... أطلق على هذا الزمن من باب التفكه في أحاديثه زمن البحث عن ضحايا.. فقد ضرب الإنحراف أطنابه في جميع المجالات والأماكن من أسفلها إلى أعلاها ... وصار الإنسان السوي النقي محلا للإستخفاف والتهكم والسخرية.....وصار المنحرف ذكرا كان أو أنثى مثلا للكياسة والذكاء والتفاخر به ... فلقد تحول المجتمع إلى مافيات رهيبة إلا من رحم ربي.... فبعد عمر من العطاء جاوز الثلاثة عقود لوطن دخله شابا يافعا وأعطاه أجمل سنوات العمر بلا كلل أو ملل بكل شرف وإخلاص وأمانة ، وجد نفسه في قفص الإتهام بالخيانة وعدم الإخلاص، والذي يعاقب عليهما القانون عقوبات شديدة إذا ما ثبتت.. وبما أنه لم يكن له سند من وجوه المجتمع نظرا لعلاقاته مع أمثاله الذين يطلق عليهم البعض من الذين يمكن القول عنهم أنهم يحترمونهم "المستقيمين " أو " المغفلين" أو " الطيبين".... وهؤلاء لا يستطيعون تحريك ساكن... فليس لديهم مراكز قوة وليس منهم منفعة ، و بالتالي فلا أحد يقدم لهم أو يسدي لهم أي خدمة أو مساعدة. فأقصى ما يمكن أن يقدم إلى هؤلاء هو عدم إعتبارهم أو الإكتراث لهم... وإن حدث ما حدث فلا مناص من التضحية بهم في سبيل نجاة الحاذق المتحذلق و أمثاله من الذين يقتلون الميت ثم يسيرون في جنازته.... وهكذا كانت نهايته الوطنية ، قفص الخيانة وعدم الإخلاص .... من التحقيق في مواضيع لا علاقة له بها إلى توجيه الإتهام... وتحميله مسئولية الغير وحصر ما لديه من منقول عيني ومادي ... إلى العطف عليه من قبل أصحاب هذا القرار حتى يشعرونه بالجرم والإدانة..... وذلك بالقول إننا أوقفناك لمصلحة التحقيق وأبقيناك في بيتك تقديرا وإحتراما لمدة عملك ولسنك ، حيث رأينا أن ذلك أحسن من زجك في السجن ، فقرارك في الحقيقة كان السجن برهن التحقيق ... لكن تدخلنا بكل ما أوتينا لعدم إدخالك السجن ... وعليه فإننا نرجو أن تلتزم بالمكوث في بيتك حتى إذا إحتجنا لك في أي وقت وجدناك بسرعة ولبيت طلبنا.. ... إستبداد ... إغتيال للنفس والروح والعقل...كانت الكلمات التي يتمتمها بينه وبين نفسه في هذا الحادث الجلل، اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. حسبي الله ونعم الوكيل ... إنا لله وإنا إليه راجعون. أما أمام زملائه الذين كان يلتقي بهم بين حين وآخر سواء وجها لوجه أو عبر الهاتف .. فكان يقول لهم أتمنى أن أعدم في الميدان العام حتى أكون عبرة لأمثالي.......... |
هذا الذي يحدث 16
هذا الذي يحدث
16 عزاءه في محنته أنه يعيش في مجتمع من مجتمعات ما يسمى بالعالم الثالث ، أي المجتمعات المتخلفة أو التي في طريقها للنمو كما يجامل بعض المفكرين والساسة . ورغم أن المجتمع البشري يدخل الألفية الثالثة لكن ذلك هو عزاءه مهما تعلى في سلطة أو وظيفة أو تأهيل علمي ...لأن عقلية أفراد المجتمع الثالث لم تتغير نتيجة ترسبات الماضي ... فالعوالم الأخرى تحفظ لأي مواطن كرامته ، مهما كان مستوى هذا المواطن ، فوق خط الفقر أو تحت خط الفقر ، في السلطة أو خارجها ، عالم أو جاهل ظالم أو مظلوم ... فالمبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.... مثلما أن الإنسان إنسان حتى تثبت وحشيته.... لكن ما يحدث في عالمنا الثالث هو أن المتهم متهم حتى تثبت براءته ... لأن الإنسان متوحش حتى تثبت إنسانيته....!!!!! |
هذا الذي يحدث 17
هذا الذي يحدث
17 حين يصبح الإنسان مشلولا في وعيه ، مشلولا في درايته ، مصدوما في حقه ... أمام إتجاه معاكس لوجوده كإنسان سوي ، وبكل أشيائه ورغباته وأمانيه كإنسان سوي ... فليس أمامه إلا أن يقع صريعا وضحية تحت سياط الحذاق وجلد الظالمين . في الوقت نفسه يصاب حينذاك بالإختلال و إفتقاد التوازن الذي يشكل مدلوله الإنساني في هذه الدنيا وفي هذا الكون ، فيفتقد صفة إنتسابه للإنسانية السوية ويتحول إلى شيء آخر ، غير الإنسان ، حيث تتحول الطيبة إلى وهم كبير وستار واهم ومضلل... ومع ذلك سيبقى الإنسان الإنسان وسينتهي الإنسان غير الإنسان رغم سيطرة هذا الأخير على كل الأمور ولعلها تلك هي البداية للمشكل وللمعاناة بين الإنسان الإنسان و الإنسان غير الإنسان... ولأنهم بشر حقا ، تغلفهم وتلفهم سذاجة البراءة وعوز الجهل وقهر السلطة شأنهم في ذلك شأن باقي البشر ، وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا ، مجموعة شعوب العالم الثالث . والذي قسم إلى عالم نامي وعالم غير نامي و عالم في طريقه للنمو ... ولهذه الأسباب مع أسباب أخرى كثيرة لا تحصى ولا تعد ويطول سردها وشرحها ، خرجت الفضيلة بسموها وإستقامتها ومثالياتها فكانت وبالا في محيط تبسط الرذيلة فيه يدها عبر شخوصها على الأفاضل.... ولأنهم أفاضل ، وتغلفهم براءة ساذجة وقع الأفاضل بين براثن الرذلاء والحذاق وإنطلت عليهم مسرحية الإلتزام والفضيلة ...وحين إستيقظوا و إنتبهوا من غفوتهم وجدوا أنفسهم في حلبة الخيانة وعدم الإخلاص... وأن يدفعوا ثمنا غاليا لفضيلتهم التي تحولت إلى رذيلة ... وتقديمهم قرابين وضحايا للحذاق ... سلسلة طويلة بلا نهاية وعلى صور ووضعيات ومساحات متنوعة ومختلفة ... فليس الضحية من يصعقه الرصاص فحسب وإنما الضحية من يقتله غبن الحياة وتسحقه وتطحنه علاقاتها الظالمة المزيفة ... ولأن الأفاضل طيبون دائما بطبيعتهم .. وبسطاء في عيشهم فهم يعيشون الحياة تحت عتمتها المظلمة والمنزوية ...... ويموتون وينتهون كذلك في صمت وسكون و لا بأس أن يقول عنهم الحذاق ... إنهم أفاضل. |
هذا الذي يحدث 18
هذا الذي يحدث
18 إن الضمير خاصة من خصائص الفرد ، يأمره بالخير وينهاه عن الشر ، ويصده عن الظلم والأذى ، فيصير للضمير وجوه كثيرة. إن الجماعة لا ضمير لها ، فهي مدفوعة إليه في غير رويّة ولا تدبر ولا شعور بعواقب ما تأتي من الأمور أو تدع ، كأن كل فرد من أفرادها ينسى ضميره حين يلقى نظرائه وكأن شيئا آخر غير مركب في الأفراد المجتمعين من ملكة العقل ، والضمير هو الذي يسيرهم ويسيطر عليهم في كل ما يقدمون عليه. فهل هذه حقيقة ... وهل هذا حق ؟ أم أن الحق شيء آخر ؟ وهو أن للجماعة ضميرا إجتماعيا كما يقول المتخصصون في علم الإجتماع ، له طبيعة أخرى غير طبيعة الضمير الفردي، كما أن للجماعة نفس أخرى غير نفس الفرد. وهذا ما يقوله علم النفس الإجتماعي أو سيكولوجية الجماعات كما يسميها المتخصصون في علم النفس. أم الحق هو أن ضمير الفرد يخرج عن طوره في الجماعة وينتقل منه إلى طور آخر ، ويتشكل بشكل آخر يفرضه وجوده مع نظرائه ؟ وذلك لأن الفرد في الغالب الأعم يخرج عن طوره في الجماعة وينتقل منه إلى طور آخر ويتشكل بشكل آخر يفرضه وجوده مع نظرائه أو لأن الفرد ينسى فرديته حين يختلط بأمثاله ولا يستبقي من هذه الشخصية إلا القليل واليسير و أعجزها عن المقاومة.!!! من هنا هل يمكن القول من أن الجماعة مجردة من الضمير ؟. إنه لا يعتقد ذلك . لكنه يعتقد أن الجماعة مجردة من الضمير الفردي ، هي تتأثر بضمير آخر مشترك يقدر الخير والشر والخطأ والصواب على نحو يخالف النحو الذي يقدر به الضمير الإجتماعي لتلك الأشياء. فما يحدث في الكون الآن من حروب ومعارك وإختلافات ومفاوضات سلمية ونداءات لقطع دابر الإرهاب ونداءات أخرى لقطع دابر الإمبريالية الخ..... رؤى مختلفة فكل يرى بمنظوره . جماعة ترى بضمير أن ما يسمى إرهاب لدى جماعة هو دفاع مشروع لدى جماعة أخرى ، والمثال ما يحدث في فلسطين وأفغانستان والعراق ..... والعكس ما يحدث في أمريكا من تفجيرات لبرجي التجارة العالمية ، حيث ترى جماعة أخرى أن هذه التفجيرات إرهابا... ورأت جماعات أخرى بتلك الرؤية. فحينما أعلنت أمريكا الحرب على أفغانستان لإقتلاع جذور الإرهاب في رأيها تغيرت الرؤية لدى عدد من الجماعات حتى تلك التي كانت متعاطفة معها، حيث تغيرت ضمائر الجماعات من مؤيد ورافض ومحايد ، ناهيك على ضمير الفرد.... من هنا يمكن القول أن الضمير مقصور على الفرد وأن الجماعة لا ضمير لها ، ولكن الشيء المحقق أن ضمير الجماعة يدخل الفرد في النفاق....وهو عكس رؤية أحبار اليهود خبراء الرياء والنفاق في الأرض والذين يروا أن الإثم الذي تقترفه الجماعة لا عقاب عليه ، لأنه موزع بين أفراد الجماعة .... لكن الأكثر إثارة للعجب أن بني البشر في غالبهم يتفاخرون بمثل هذا السلوك ، حتى أن هناك من يقول بإجازة الكذب في المصالح إستنادا لما يتاح من ذلك من إصلاح للنفوس ، حتى أصبح المبدأ المشهور " الغاية تبرر الوسيلة" سائغا في العلاقات المختلفة بما فيها الدين نفسه . فصار الكثير من الناس يقدم كارها على الإثم وراغبا فيه وعلى كافة المستويات. .. خاصة منها القيادية ... كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفرد سيطرأ على عقله ونفسه وضميره عدم التدبر والتأمل وتعمق التفكير.... فخرج من مسلكه السوي الذي يجب أن يسلكه .. ونسي أن له عقلا حيا يستطيع أن يفكر وأن يتدبر وأن يقول على ذلك كله ... نعم أو لا. وهذا ليس بالشيء القليل. ويعود ليسأل ، هل الضمير خاصة من خصائص الفرد وأن الجماعة لا ضمير لها ؟؟؟؟!!! |
هذا الذي يحدث 19
هذا الذي يحدث
19 إستياء شديد يتملكه وإحساس بأنه لا يوجد على وجه الأرض من هو أشد منه إستياءا من غفلته .. ويحز في نفسه بشدة أن يجد نفسه المخلصة تواجه بالتبدد ... بفضل لؤم أهل الغش والخداع وعباقرة المكائد والدسائس ، وغفلة أهل العدل والسلطان ... وتذكر المثل الذي يقول : يطلقون الفيلة ويحاسبون البراغيث ، ذلك المثل الذي وضعه بين الجدران أكثر من خمس ساعات فوجد أنه ما إستحق هذا الإسم كما إستحقه الآن.. لم يكن إستياءه من سحب لمزايا كا يتمتع بها ، أو هالة كانت تحيط به .... ، بل كان إستياءه في إحساسه بأنه في محيط سوي يدعم المجدين والمخلصين والأوفياء والأسوياء ... ولم يشك يوما في أن هذا المحيط كان يلعن أمثاله في سره ويعتبرهم شواذا ... فما أحمق الإنسان حينما لا يعي حقيقة ما يحاط به.... عاد إلى نفسه ملقيا عن كاهله عبء ذلك الإستياء الذي بعثته في نفسه الخديعة التي مني بها ، مقنعا إياها بالقضاء والقدر... حيث ذلك هو السبيل الأفضل له للإستعانة به وطرد ما ينتابه من الإستياء الذي قد يبحر به إلى الحزن فالندم فالضيق.... فيخاطب نفسه بالقول ... ما أحمق الإنسان حينما يجعل حياته سلسلة من الإستياء لأوهى الأسباب وأتفه الحوادث في دنيا ليس بها ما يستحق ... دنيا تافهة ... زائلة ..... فانية .... وهكذا لم يكن هناك أسهل عليه من أن يقنع نفسه بأن هذا قضاء وقدر وأن أهون القضاء ما لاضرر منه ... إلا أن شيئا واحدا لم يستطع تحمله أو إغفاله ، وهو إتهامه بالخيانة وعدم الإخلاص في وطنه ... وهو بريء كل البراءة من تلك التهمة... أي إثم يندرج من الصدق في القول والإخلاص في العمل من العابثين ؟!!!!!!!! |
هذا الذي يحدث 20
هذا الذي يحدث
20 فعلا إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ... وكثيرا ما كان يسمع هذا المثل العربي في حياته اليومية ... ولو تفحصه بعين ثاقبة وعقل متنور بدون عواطف وأحاسيس لوجده حقيقة واقعة .... ففي غابة الحياة كثيرا ما تتواجد حقيقة لا خيالا .... إنهم ذئاب من نوع آخر وليسوا ذئابا حيوانية كما يتبادر للذهن ... تلك الحيوانات التي تشبه في أشكالها الكلاب مع الكثير من الذكاء الشرير "الخبث" واللؤم الذي يتطاير من عيونها الحادة .... إنها ذئاب تقتل علنا ولا تترك آثارا للدماء على جثث ضحاياها بعد تمزيقها والتلذذ بها... لاتسفك الدماء لإشباع غريزة الجوع لديها ... مثل الذئاب الحيوانية التي تقتل من أجل إشباع جوعها ، ولتقتات و تحيا مثلما هو قانون الغابة ... إن الذئاب المقصودة عنده هي الذئاب البشرية. ذئاب غابة الدنيا والحياة. فأثناء سيره في هذه الغابة وبين طرقها وشوارعها وهضابها وسهولها وجبالها ووديانها وصحاريها وبحارها ومختلف سلاليمها ومتاهاتها...وهو يحاول جاهدا إثبات جدارته في أن يحيا فيها بكل جدارة ، لا أن يعيش فيها فقط .... برزت أمامه أنيابها ولمعت عيونها وطرّشه عواءها حتى أصمه. فقد كانوا يلهثون وراء كل من يشتمون فيه رائحة الفضيلة العطرة ، والصدق الصافي والإخلاص الجياش. لم يتخيل في يوم من الأيام أنه سيكون ضحيتهم الشهية ، ولم يتخيل أنها ستمزقه إربا إربا.. وهي تتلذذ وتتفنن في تمزيق أوصاله... إعترف اليوم أنه طالما كان أجهل هذه المخلوقات كما كان يجهل خبايا نفسه التي طالما بحث عنها فوجدها في إخلاصه لوطنه إتقانه لـــــــــــــــــــــــــــمهامه و عمله وتفننه في تنظيمه وترتيبـــــــــــــــــه وتدقيقه والقيام به على أحسن وجه و أكمل صورة. فبدأ اللهاث المسعور وراءه ودون عواء حتى ضربته بمخالبها ... فعصره الألم حتى لم يجد قوة يقاومه بها ... فقد ضرب حوله حصارا من الذئاب البشرية وهو ينزف ومخالبها تمزقه بشراسة وتتلذذ بأنيابها التي تبرز كثيرا تحت قبلاتها الخادعة الغادرة ... لكن رغم تلك الجروح إستطاع أن يفلت منهم بوقوعه في حفرة لم يستطيعوا الوصول له فيها... فظنوا أنه إنتهي..... |
هذا الذي يحدث 21
هذا الذي يحدث
21 ها هو يستفيق من سباته الذي كانوا يعتقدون أنه موته بعد سقوطه في تلك الحفرة.....ها هو يخرج بجلد آخر... و كيف لا والكل غير جلده منذ عقود ... واضح كالشمس... بل كالسواد الممتد الطويل البعيد ... المتناقص ... لم يعد يضع إعتبارات لأي علاقة ، فالعلاقات الحيوانية علاقات قوي وضعيف ، أما قوي مسيطر أو ضعيف مستسلم ... صار لا يخاف شيئا ، بل صار هو الخوف بعينه ... وها هو من جديد في غابة الحياة ... بعد أن إختفت منها براءتها وإنسانيتها وصدقها و إخلاصها ... وإمتلأت ساحاتها بالأشواك والدماء ... ها هو يولد من جديد ... لا يجري ولا يخاف بل يمشي الهوينا بكل ثقة ، لا يخاف الذئاب ، بل الذئاب هي التي صارت تخافه... حتى أضحى لا يلوم نفسه عن لهجة التهكم والسخرية التي صار يتعامل بها مع الآخرين فأحيانا تكون السخرية في أوج المعاناة ، ويصير الضحك في أحلك الظروف نوعا من تخفيف وطأة الألم... فالصبر هو المعنيّ الوحيد الذي يضاعفه ولا يضعه إلا في مواجهة الظلم والقهر والعار.... فالمرء إذا وجد نفسه فجأة ، أن أمانيه و إخلاصه وجدّه وحلم عمره أن يكون سويا ، قد تخلوا عنه وأن الكنز الذي عاش ينميه ويطوره ويحافظ عليه بعينيه ويخلع عليه خفقات قلبه .. ولا هو بذهب ولا بفضة ، إنما هو مبدأ إنساني يحبه ويتمناه كل إنسان ... فيتحول إلى هزيمة نكراء وتهمة تزكم رائحتها الأنوف .. عندئذ يسقط الصبر وتموت الحكمة ويهون الأمل وينطفيء مصباح الفضيلة في الحياة .... |
هذا الذي يحدث 23
هذا الذي يحدث
23 المكائد والدسائس التي يقوم بها أنذال البشر من خلال المواقع التي إحتلوها فأنجسوها بدنيء أفعالهم و أعمالهم ودمروها تدميرا ما بعده إصلاح ، وحولوها إلى أطلال بعد أن كانت قلاعا شامخة ... وكل كائن حي فاضل كان فيها حولوه إلى جثة هامدة لا يراها إلا من رحم ربي ..... هذه الحقيقة الماثلة أمام الكثير من العيون في الكثير من المجتمعات في هذا العالم الغارق في الضجيج و التفاهات ... ولا ينتبه ، إلا عندما تنكشف ألاعيب أنذاله وشياطينه الإنسية فيضحي بالشرفاء والأفاضل ويسقط عليهم سلبياته بجميع أنواعها وأشكالها... لعبة سمجة وضيعة ... ظاهرها خبث وباطنها لؤم .... قاضيها جلادها .... فلا يهنأ أو يطيب عيش أعداء الأمة إلا بإبعاد الأسوياء عن المواقع التي يجب أن يولجوها أو يقودها أذنابهم لتصير بين أيديهم العابثة الظالمة اللامسئولة. هذه الألاعيب بكل ذمامتها ومكرها وغدرها تنطلي على الكثير من العيون المسئولة وصاحبة القرار ... لأن مسيري الأمور في غالبهم ما هم إلا ملاعق لهؤلاء ، لا يعنيهم شيء من هذا العالم إلا تجميع الجاه والمال ، والتلذذ بتوريط الأنقياء الأصفياء الطاهرين الشرفاء... فالذين يتعبون أنفسهم في البحث عن حل بمواجهة هؤلاء قد يهدرون وقتهم عبثا ... رغم أن الإختيار يولد مع كل إنسان طاهر فاضل نقي بين لحظة المخاض وصرخة الظلم في هذا العالم الذي يعبق برائحة الدمار والرذيلة. الأنذال وحدهم هم الأغبياء ، ذلك لأنهم عندما يجبرون فاضلا عن التوقف لممارسة إخلاصه وصدقه فإنهم يدفعونه بشكل أقوى لزيادة ممارسة ذلك الإخلاص والصدق ، رغم أن الأنذال يولدون في ظل عطف الأفاضل وسموهم. |
هذا الذي يحدث 22
هذا الذي يحدث
22 إلتقى قبل غروب شمس اليوم مع أحد الجيران بالشارع الذي يسكنه منذ ما يزيد عن العقد ونصف العقد .. فأخذهما الحديث عن الغد 14/2 ... والذي يسمى بيوم عيد الحب على مستوى العالم... فقال له ماذا تفعل غدا أيها الجار العزيز.. فرد عليه قد أحتفل ... !! ثم إسترسل ، أي حب هذا الذي ما زلنا ننتظر بعد هذا العمر إن مازال في العمر بقية ، و الأنقياء ينقرضون يوما بعد يوم .. أولئك الذين لا يعرفون الكراهية ...الذين لم يمتطوا المرسيدس وال بي إم والأودي وآخر أنواع ، وآخر صيحة في عالم السيارات الفارهة .. والذي يعلم الجميع أنها مسروقة ، حيث تحول المجتمع إلى مجموعة من اللصوص... أين يمكن إيجاد أولئك الأنقياء الذين كنا نظنهم يسابقون الأرض مشيا على الأقدام في دواخلنا ومدننا ... أو الذين يترجلون من سيارة الربع دينار فنجدهم قد سرقوا ورقة من جيبك لا تسمن ولا تغني من جوع ، أو إعتدوا على شجرة كانت قد غرست منذ شهرين في سبيل تعمير أرض الأجداد والمحافظة عليها ، والعمل بالقول " غرسوا فأكلنا .. ونغرس ليأكلوا..." فأين أيها الجار ، الحب الحقيقي ذلك الذي يستحق الإحتفال ؟؟؟؟؟ أين الحب الذي أفقدنا حتى وطننا وشمسنا الدافئة فيه ؟ أين أولئك الذين كانوا الماء الذي يروي العطشى من هؤلاء الذين لوثوا حتى هواء بلدنا العطر... الذي كان يفوح زهرا وريحانا رغم الفقر وشظف الحياة و قلة الحال ... أين ذلك الياسمين والفل الذي كان يسيج حدائقنا التي تحولت إلى ملاجيء للبؤساء...ومحطات للمنحرين ومقطوعي الفروع..!!!؟؟؟ يطرق جاره رأسه وهو يمتص لفافة تبغ كانت بين إصبعي يده اليمنى ثم ينفثه وهو يرفع رأسه إلى السماء وينظر إليها وإليه نظرة يبعث من تحتها إبتسامة لم تشوه بعد ، لم تعبث بها الأيام ولم تشوهها كبوات الزمن ... فلنحتفل أنا وأنت بعيد الحب.... رغم الكلمة التي ستبعث الهلع دون أدنى شك في نفوس أطفالنا وحتى زوجاتنا اللاتي عاشا معنا ما يزيد عن الربع قرن....فلنحتفل أنا و أنت فقط و أي آخر مثلنا ضحى بأجمل أيام عمره مقابل اللاشيء .. ليكون في آخر أيامه كوال صباطة سيلحق بنا حينما يعلم بذلك...... فلتأكلنا كما تشاء ، فهي أمنا رغم أنوفنا ، كيفما كانت فهي أمنا.... فلتأكلنا مطبوخين أو غير مطبوخين ... مذبوحين أو غير مذبوحين ... مقطعين أو غير مقطعين .... فماضينا حبا لها ... وحاضرنا حبا لها ... ومستقبلنا حبا لها ... و سنبقى من أجلها طاهرين أنقياء أفاضل رغم أنف الحاضرين وكرههم لذلك وأمثالهم من الذين غابوا تحت الأرض وخلفوا والذين لم يخلفوا شيئا والذين لم يولدوا بعد.... وستبقى نفوسنا صافية من أدران الأرقام السرية والمكشوفة وسيارات الموت الفارهة وقلاع الجليد وإستراحات الفساد وإنحناءات التزلف وولائم اللحم البشري الميت والحي... فيا جاري العزيز.... يا جاري الفاضل الطاهر النقي ... يا جاري الذي حينما أراه يتوقف عنده عمري .. يا جاري ... يا أيها العزيز ، دعني أحتضنك كي لا يفر الحب والنقاء والفضيلة والطهر من بين جنبيك ... دعني أحتضنك كل يوم .. وكلما ألقاك ... ولنخرج معا مع المحبين والطاهرين والأنقياء والأفاضل ... ومع كل الذين يزرعون الحب والطهر والنقاء في صخب الإزدحام وينتظرون اليوم الآخر ليحفروا بمداد من نار ودم في الذاكرة أن الحب والنقاء والطهر والفضيلة هم ما عرفوا من هذه الحياة.... يا جاري العزيز ، يا جاري الشريف النقي الشامخ ... يا إنسانا لم يعرض نفسه في سوق النخاسة .. يا إنسانا لم يبع كرامته لرياح الزيف والخداع ، يا إنسانا رغم كبواته ينهض وهو يحب طاهرا نقيا فاضلا ، يا إنسانا رغم جراحات الظلم والقهر يرتفع وهو يحب طاهرا نقيا فاضلا .... إهتف معي ... يحيا الحب...ولا تتركني وحيدا...فالانكماش والتوجس ميراثنا الصحراوي الطويل الذي جعلنا لا نجيد تقديم أنفسنا كما يتطلب الواقع ونبخس أشياءنا ... هو الذي سيجعلنا نرى إنجازاتنا عبر حياتنا الانية شامخة عالية ...وليحا الإنكماش ... والوحدة ... والعزلة ... والحب النقي... |
هذا الذي يحدث 24
هذا الذي يحدث
24 الحياة محطات ووقفات ... وأحداث ومواقف... منها ما هو طبيعي ، ومنها ما هو غريب ، ومنها ما هو فريد ومنها ما تصطك له الأسنان... ومنها ما تسودّ منه القلوب.... ومنها ما تكفهر له الوجوه... وتقف منه القلوب ....فكما تزخر حياة كل إنسان بهذه المحطات والوقفات والأحداث والمواقف ... تزخر حياته بكثير منها... في أزمنة وأمكنة مختلفة فيها كثير من الحوادث والعلاقات..... ما يراه الآن ماثلا أمام عينيه هو المدينة ، بل القرية التي ينتمي إليها عبر أجداده ، والتي تتربع في أعالي جبال نفوسة حيث يندرج والده من إحدى قبائلها ، حيث ولد وترعرع فيها وبين هضابها ووديانها وكرومها وزعترها وشيحها و بطومها ... ثم هجرها مع أمه وخاله إلى أماكن أخرى عدة.... فاستقر به المقام في قرية أخرى ... ومدينة أخرى ... وبادية أخرى غير القرية التي كان يعيش فيها... فكبر وترعرع فيها... وتزوج وأنجب أطفالا في تلك المدينة ...والتي لم يعش فيها إبنه هذا طفولته ولا شبابه ولا حتى كهولته... فقد كانت طفولته ومرتع شبابه في مدينة ساحلية تزخر بالشوارع والطرقات والزقاق ، تحيط بها الحقول كالهلال من الشمال والغرب والجنوب... ويحيط بها البحر من الشرق ويعبرها من الغرب نهر كبير ... و كانت أشجار الزيتون واللوز والتين والعنب تتشابك في حقولها التي تمتد عشرات الكيلومترات..... ما يذكره من أيام طفولته في تلك المدينة محطات كثيرة ... طيور " المقر " التي كانت تتكاثر في فصل الشتاء ، وتحديدا في موسم الزيتون ، فتحلّق في السماء وتتشكل في أوضاع خلابة قبيل غروب الشمس... و أرتال العربات المجرورة بالبغال محملة بأكياس الزيتون إلى المعاصر القريبة من الحي الذي تسكن به أسرته.....ورائحة الزيت وهي تنتشر متطايرة يحملها النسيم البارد فتملأ أنوف الصغار .... والمطر المنهمر يبلل رؤوسهم الصغيرة خلال الأيام الأولى من السنة الدراسية ، والوادي الذي يفيض فيغمر أحياء المدينة بعد عدة أيام من الأمطار الغزيرة المتواصلة ... والوجوه المكفهرة الحزينة بعد أخبار العدوان الثلاثي على مصر سنة 1958 ... ومسيرات الغضب والإستنكار .... والوجوه الفرحة المستبشرة والأجساد النشطة ومظاهر الفرح عند إستقلال الجزائر سنة 1962.... و أمسيات الشهر الفضيل ، شهر رمضان ، تلك الأمسيات المتلألئة في زقاق المدينة القديمة والتي شيدت من العهد الفاطمي ، حيث ينشط الناس ويتزاحمون في المقاهي والدكاكين يصلّون ويسهرون ويتسامرون و يتعبدون حتى إرتفاع نقرات طبول المسحرين إيذانا بقرب وقت الإمساك.... حيث كان المسحراتي يدق على طبله الصغير مناديا للسحور وهو يركب دابته ، فترى بعض الناس يندهونه لتقديم صدقة أو طعام... ويذكر من تلك الحقبة المساجد العتيقة التي شيدها القادة المسلمين الفاتحين على مر السنين وخصوصا ذلك الجامع الذي يتوافد إليه الأهالي جماعات وأفرادا ، يصحبهم فيه أطفال ونساء وكل على جهة.... هذا قرب الحائط يقرأ القرآن ، وهذا قرب الضريح يدعوا ، وهذا يصلي ، و آخر في مكان والده يتلو القرآن ثم يدعو... لم ينس ذكريات الطفولة أيام عيد الفطر ، حيث تقضى آخر أيام شهر رمضان المبارك في البحث في المتاجر والأسواق الشعبية عن الثياب الجديدة ... وإنتظار آخر يوم لسماع دويّ المدفع معلنا نهاية شهر الصوم ، فتزدحم البيوت مهنئة بالعيد السعيد ، حيث كان الناس يزحفون إلى مقبرة المدينة للترحم على موتاهم..... من يزور المدينة لا بد له من الجلوس بمقهى السوق العتيق الذي يربض في طرف المدينـة القديمة . كان هذا المكان موئل التلاميذ والشباب ، و محج المثقفين والمفكرين . فعند إقتراب موعد إمتحانات آخر السنة كان التلاميذ يذهبون إليه ويقضون اليوم طوله يدورون حوله يقلبون صفحات الكتب والكراريس ويحاول بعض منهم أن يستفز أحدا من الأساتذة أو المعلمين الذين كانوا يطالعون الصحف أو يقرءون المجلات أو يتجادلون في مصير الأمة العربية والعالم فيستنفر أحدهم نظراتهم المكسورة ووجوههم البائسة فينده عليه ويرى ما يقرأ فينفتح معه حوارا جماعيا لما لم يفهموه من دروس، أو ما إختلط عليهم من مفاهيم. فيطرحون ما إستشكل عليهم من مسائل ونظريات ، فكانوا يأخذونهم بكل شفقة ورحمة إلى ظل الأشجار الباسقة في الحديقة المجاورة فيحيطون بذلك الأستاذ أو المعلم واقفين وجالسين وهو في وسطهم يجلس على كرسي الحديقة يشرح لهم ما إستشكل عليهم أو ما غمض من قواعد ومسائل... تلك صورة من الصور ولقطة من لقطات أيام العمر الذي يفنى كل يوم بدون فائدة...................... |
النهاية !!!!!!
النهاية
لم يبق له من الأحرف ما يمكّنه من أن يرتب بها تحية تليق بمقام موظف سام أوعادل في بلاده . فالجرح النازف منذ ما يربو من الأربع سنوات كان يداوي بكلمات مسكنة أستبقاها من محترفي القانون ومفسري وثائق حقوق الإنسان " المتهم بريء حتى تثبت إدانته". أكلت كل الأحرف ومضغت معها كل معاني اللباقة والرصانة كتقليد عرفي للتواصل مع الآخرين. عذرا ، إن فقدت اللباقة شكلا أو موضوعا، فالمضمون جراح تتسع بإتساع بلاده المختصرة بخارطة تزين مكتبا أنيقا لموظف سامي... في يده السلطة.... عذره يراه مقبولا في تقاليد العرف السامي الوظيفي... وقد لا يقوى لسانه على نطقها ، لكن قلمه المنساب يرسمها ألما متعاظما لم يبلغ صداه أسماع أحد. فصرخة الأم حينما رأته في الشاشة الصغيرة في تحقيق مصور كتمها إتهام ظالم فأصبح شاهدها شهادة من مستشفى الأمراض العقلية تفيد بجنونها... أما إبنته ذات الستة عشر ربيعا فصدمتها كانت أن يتحول جلد جسمها إلى بقع بين الإبيضاض و الإصفرار بين مساء وصباح عجز الطب على علاجه... بسبب الصدمة النفسية التي أصيبت بها، حتى أنه لم يعد يعنيه من الحياة التي قيل عنها...وعن حلاوتها ما لايتسع له هذا المقام.. ووثائق حقوق الإنسان... والوعود بحياة شهد الأموات والمساجين والمظلومين أن يراها كل الأحياء والشرفاء و الملتزمين والطاهرين في هذه الدنيا منذ خلقها ...لأنها حياة ظلم وقهر وعسف..و جور و إستعباد و إستبداد.... أيها...... أفرزته المدرسة من معهد مهني في أوائل النصف الأخير من القرن الماضي، وإنطلق هائما في دنيا الله بحثا عن عمل يواصل فيه بقية مشوار حياته التي لم يخترها بمحض إرادته. رحلة لم تنته بعد . فهي تتواصل رغم أنفه كما تشاء هي ، لا كما يشاء هو...لا يرى خلالها إن كان بريئا أو متهما.. مذنبا سيجعلوه أم سويا... أتعبه المشوار نحو بوابات النيابات والمحاكم والمجالس والمحامين....من تهم لفقت بإنسان لا يعرف للإنحراف مسربا. وبريء براءة الذئب من دم يوسف. فصار لا حق له فيما أقره حق المواطنة من شيء إلا إستحضار الحكم تلو الحكم. فما أن يحضر حكما بالبراءة من تهمة حتى تظهر قضية جديدة يتهم فيها وتبدأ المرحلة من جديد.. صار يحيا بهاجس الخوف من غياب العدالة التي قد تحرمه من البراءة ، فتلقي به في غياهب السجون، وأرصفة الشوارع... والآن ، والآن يتعاظم الخوف كل الخوف . فأي وطن يقبله ؟ وأي مجتمع ؟ وهو المجرد من تاريخه الوطني !!!. وهو الملطخ لشرفه الإجتماعي !!!. مواطن ضائع في متاهات النيابات. يطارده الجرم و الإتهام. جرده الإدعاء من شرفه الإجتماعي و من وطنه. أعطاه نوطا للضياع ودوّن إسمه في قوائم المنحرفين الذين ينتظر السجن إستقبالهم في زنزاناته المكتضة، خصيصا للمواطنين .... أيها........ مالي أراك صامتا وهو الذي منحك من قوته و أمثاله ما يجعلك إنسانا تتلذذ الرفاه. فمهمتك أن تنتشله من براثن الظلمة وعباقرة المكائد والدسائس، وتطلق صرخته من أعلى منبر تلتف حوله العدالة.. وتطبق مباديء الحق والعدل دون أن تخشى لومة لائم... إنه يريد وطنا لا يرهبه فيه قرصان قذفت به أمواج الحقد والبغض في أرض أعطاها أجمل سنوات العمر ، أي كل شبابه وزهرة عمره.. يريد وطنا في مجتمع لا يقتحمه الغرباء والقاصرين وأصحاب المكائد والدسائس. يريد أن ينطلق في وطنه ويبدع فيه، لا أن يزحم بالحاجات حتى يكل كاهله من أجل إفشاله .. وهو لا يفشل. يريد وطنا آمنا ، لا تهز أركانه التغييرات المتواصلة التي لم تبن على أساس ، سوى الأساس الجهوي والقبلي والعشائري والشللي والمزاجي... أيها.. ألا ترى أيها السيد الكريم أن لغته هي لغة الحق المنشود التي بعثرت التهم الباطلة والمكائد والدسائس مفرداتها ؟!وجردتها من محتواها لأنها لا تريد أن تجعل من المواطن بيدقا يحركه عباقرة الخبث والشر... بل مبدعا ومخلصا في آدائه ومستقلا في أفكاره ومنظما في شئونه..فالحياة الهانئة الوادعة حق للجميع... وليس لأناس دون غيرهم..رغم أنه لا يحلم برحلة صيفية إلى جزر البحر المتوسط أو أحد المحيطين ...أو برحلة شتوية أو ربيعية لجبال الألب أو الهمالايا... فكل حلمه أمسية هادئة هانئة في نهاية الأسبوع بين أفراد أسرته في بيته المتواضع، لا يقض مضجعه فيها شرطي مدجج بالحديد من سلاح وأصفاد بين مغرب وعشاء ، فيجرده من هنائه الذي إعتنت به السماء وضمنتها الكتب السماوية جميعا و التي صيغت منها القوانين ومضامينها.... إنسانيته وشرفه الوطني و إعتزازه بإنتمائه أفرغت من محتوياتها.. وهو الذي لا مهمة له ولا وطن... فلقد شطب المستجوب إسمه من المواطنين الشرفاء المخلصين، وألغى حقه في الوطنيه ، فحق عليه الجرم والنجس أمام الآخرين، وحقت عليه العقوبة والهروب بحثا عن خصائص عيش آخر يضمن كرامة إنسان يرفض منطق الظلم والتعسف ، ويدرك أن الإستقرار شرطا مطلقا للإبداع.. إن نواميس الكون تحتم على أي مواطن مسؤول ، عملا بما جاء بكافة المواثيق والدساتير وقواعد علم الإدارة، والقانون ، ضمان شرط الحياة الإنسانية الهانئة للمواطن ، والتي أخلت الهواجس دنياه ، وجعلته في كابوسا لا يطاق العيش فيه ، بقبضتها الخانقة ، فنهايتك الموت غبنا أو السجن... أما أولئك المرتزقة ، عباقرة المكائد والدسائس ، وخبراء إلصاق وتكييل التهم بالأبرياء ، وخبراء تبرئة المخطئين والمجرمين من أخطائهم وجرائمهم ، القادمون من كراسي الفشل التعليمي والحياتي والوظيفي...وهم يحملون في رؤوسهم آلاف الخطط الخبيثة الحاقدة في الظلم والقهر والإستبداد بالأبرياء و المظلومين ممن يقعوا بين أيديهم ، ( إلا من رحم ربي ) إلا ما يأتي في قرارات الأحكام فلن يمنحوه شرط الحياة المفقود ببقايا درجات المحاكم وركامها وأحكامها المدمرة التي ترحي الروح والكبرياء الإنساني وتدهس كل مقومات الكرامة لا مهمة له.. لا وطن له. لا مجتمع له.. يبيع الكلمات مقابل مأوى متواضع ورغيف خبر يتخيله مغمسا بزيت زيتون جبلي.. يصرخ بكل لغات الدنيا ...أريد وطنا لا يدنس أريد وطنا لا يدنس... أريد وطنا لا تدنسه أفكار عباقرة السوء والمكائد والدسائس... هو هكذا . هو هكذا الآن ، إنسان عار من إنسانيته وشرفه الوطني الذي ضحى من أجله أكثر من ثلاثة عقود، فصار يهيم على وجه الأرض لا يملك الحق في أن يحمله تراب الوطن.. يسعون لإجباره على الضياع.. لم يطلب عطاء لا يستحقه...... منطلق يبحث عن وطن لا يذل فيه أو يهان.. فالمحامي المستلحف بردائه الأسود يذله...... وصحيفة الإتهام تهينه... وحكم المحكمة يقتله.... وهو البريء البريء............ فأما من ضامن لشرف مواطن إنتزعته المكائد والدسائس البغيضة ؟! أما من رادّ لهذا الشرف.؟ّّّّّّ!. يقولون إن النجاح يبدأ بالفشل.. وإن الإعتلاء يبدأ بالسقوط... فلسفة لا يفهمها، فلقد قالوا إن الدهشة هي سر الفلسفة. وليست تلك أقوال عنده هزها الريح كما يقولون.. فمخيلته الشعرية رأت أن القضايا التي تهاطلت كالمطر في ليل شتوي بارد فوق رأسه وأمثاله. ... ما هي إلا عناقيد النجاح الذي حققه طوال حياته في هذا الوطن الغالي. فلقد وجد نفسه في أحضان المحاكم بعد أن تخطفته النيابات تحاسبه على ذنب لم يقترفه، في حياة لم ير طعمها الهانئ. وواجب لم يقصر في آدائه أبدا بشهادة من إتهمه، (( وصدق الله العظيم حين قال في محكم آياته " وشهد شاهد من أهلها..." )) بل كان ينعت بعدمية الأخلاق، ولقد تكفلت السماء بالرد فأغاثه المغيث بمعنى البراءة. أليس له حق أن يفهم أو يعرف أن الظلم ينتظره في أي وطن أو أي مجتمع ؟ ، وهو المواطن المتهم زورا وبهتانا. و الذي يعاني من رداءة الموت البطيء .. لكنه صابر حتى يعرف، وعرف أن الوطنية الحق هي المواطنة بلا وطن. فالمواطن الشريف، كل مواطن شريف أضحى متهما. فهو شريف بالفطرة وتهمته الشرف والأمانة والإلتزام ، حتى خيل إليه أن الشرف الحق هو اللاشرف ، هو السرقة، هو الخيانة ، هو عدم الإكتراث.... هو عدم الإلتزام .. هو المعنى الجديد الذي جهله على مدى حياته الملتهبة بالوطن... ولكن رغم كل ذلك فأليس له الحق أن يرفض ما يشاء أو يقبل ما يشاء... أليس هكذا تقول الكتب السماوية والقوانين المستمدة منها... " متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " " المتهم بريء حتى تثبت إدانته " أخيرا ، سجل بعبارات صريحة : ـ رفض عدم الإلتزام. رفض عدم تنفيذ توجيهات الرؤساء. رفض منطق الإتهام بدون أدلة إثبات قاطعة. الإقرار بالحق في الإلتزام، والحق في الشرف والأمانة. الإقرار بالبراءة من كل التهم والإدعاءات الباطلة التي لفقت في الوطنية و البقاء منفيا عنها. والبقاء منفيا عنها حتى الموت بمحض الإرادة الصرفة. |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.