أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة الإسلامية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=8)
-   -   تعالوا نتذكر معا... القبر عذابه و نعيمه (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=49511)

maher 29-12-2005 05:07 AM

تعالوا نتذكر معا... القبر عذابه و نعيمه
 
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خاتم النبيين


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


أثناء تصفحي للخيمة صبيحة هذا اليوم، لفت إنتباهي توقيع الأخ الكريم بو عبد الله و هو التالي فهز نفسي و إنتابتني قشعريرة و شعور بالخوف



و بما أني أحتفظ في جهازي بعدة كتب حول القبر و عذابه و نعيمه لتكون خير مذكر لي بما سأؤول إليه رجعت لها و قرأتها كلها و من ثم رأيت إدراجها بموضوع في الخيمة الإسلامية لنتذكر جميعا

أرجو أن لا تنسوني من دعائكم الصالح

maher 29-12-2005 05:13 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم لكل بداية نهاية

هو الموت ليس منه ملاذ ومهرب



إن لكل بداية نهاية ولكل قوة ضعفاً ولكل حياة موتاً

قال تعالى ( إنك ميت وإنهم ميتون )

وقال تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )

وقال تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أكثروا ذكر هادم اللذات )


والآن ننـطلق معا لنرى بروفة على ما يحدث عند الموت


أول شي هو الكفن





وهذا أنت يا أبن آدم وقد فارقت الحياة واصبحت جثه هامدة لا حراك له وجردت من الثياب والزينه ومابقي الا قطعة من قماش تستر بها عورتك ممدد على ألواح لتغسل






فأين العينان لتبصر وترى ؟؟ أين اليدان لتتحرك ؟؟ وأين ذلك الجسد ؟؟ انه ممدود على لوح وقد جرد من ملابسه بلا روح ولا قوة ولا حراك ... والله المستعان


هل تدري ماذا يفعل المغسل الآن ؟




إنه يضغط على بطن الميت ويعصره ليخرج منه ما هو مستعد للخروج
هل تخيلت أخي الحبيب أو انتي اختي هذا الموقف ؟؟؟




والآن يغسل جسد الميت




وأودعوني على الألواح منطرحاً = وصار فوقي خرير الماء ينظفني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني = غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن



وكذا يكفنون الميت وهذا كفنك





وألبسوني ثياباً لا كمام لها = وصار زادي حنوطي حين حنطني
وأخرجوني من الدنيا فوا أسفاه = على رحيل بلا زاد يبلغني


وبكذا يصير جاهزا للصلاة ”عليه"




بعد أن يصلى على الميت
يحمل على أكتاف الرجال ليوضع في قبره





إذا كانت الجنازة صالحة قالت :
قدموني .. قدموني
وإذا كانت غير ذلك قالت
يا ويلها أين تذهبون به


القبر أول منازل الآخرة





أنظر إلى منزلك أنظر إلى بيتك ....ما أضيق هذه الحفرة بعد الغرفة والبيت والفيلا و القصر !!!
نعم أخواني هذا القبر بيت الوحشة بيت الغربة بيت الدود بيت اللحود هذا هو القبر وهذا هو الذي ابكى الصالحين والعلماء والمجتهدين

نعوذ بالله من ظلمة القبر ووحشة القبر وضمة القبر وضيق القبر





ليس الغريب غريب الشام واليمن = إن الغريب غريب اللحد والكفن


يريدون مرافقتك وأنت حي
الآن بعد موتك من الذي يريد مرافقتك ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!!!


الآن الجنازة جاهزة للدفن
الله المستعان




وتحمل الجنازة على الأيدي لتوضع في القبر


فسبحان الله كما أتى ابن آدم وحيداً خرج من الدنيا وحيداً لامال ولا أهل ولا أولاد أنما خرج من هذه الدنيا بعمل وكفن






بعد وضع الجنازة في اللحد تفك أو تحل الأربطة ماعدا الرأس والرجلان




في ظلمة القبر لا أم هناك ولا
أب شفيق ولا أخ يؤنس




أخي الحبيب أختي الغالية أخواني المسلمين :

أعمل لتلك الحفرة مادامت روحك في جسدك و بإمكانك أن تتوب وتصلح ما بينك وبين ربك فباب التوبة مفتوح ورحمة الله تغدو وتروح فاليوم العذر مقبول والذنب مغفور فتخلص من رق المعاصي قبل الندم وقبل الفراق



ويسد على الميت في لحده بلبنات ويوضع على اللبنات طين لتثبيتها وسد الفتحات اللي بين اللبنات



وبعدها تنهال عليه التراب منه خُلق وله يعود






وقال هلموا عليه التراب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن


وأخيراً هذه هي نهاية الإنسان وهذا هو المسكن الحقيقي الذي هو أول منازل الآخره





كان عثمان بن عفان إذا وقف على القبر بكى ، حتى يُبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه)
قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه )





فبلغوا هذه الرسالة :

إلى كل من يتساهل بالصلاة أو يفرط فيها
إلى كل من يمنع الزكاة ويتهاون بها
إلى كل من يعق والدية ويعذبهما
إلى كل من يقطع أرحامه ويهجرهم
إلى كل من يحارب الله ورسوله بتعامله بالربا
إلى كل من يغش في البيع والشراء أو يرشي أو يرتشي
إلى كل من يغني ويستمع الغناء
إلى كل من يضيع من يعول من زوجة وأولاد
إلى كل من يزني
إلى كل من يعمل عمل قوم لوط
إلى كل من ظلم وأكل حقوق الغير وخاصة العاملين في المنازل
إلى كل من ينام عن صلاة الفجر
إلى كل من يذهب إلى السحرة والمشعوذين
إلى كل من يستهزأ بأهل الدين والصالحين
إلى كل من يحسد ويحقد على إخوانه المسلمين
إلى كل من يدور في الأسواق خلف محارم المسلمين ويطلق بصره على النساء
إلى كل من يدنس فمه بسيجارة أو شيشة قبيحة الرائحة
إلى كل من يستعمل المخدرات
إلى كل من هجر القرآن الكريم تلاوة و! تدبراً وعملاً
إلى كل من يجالس أهل السوء والشر
إلى كل من هجر الصالحين ومجالس الذكر
إلى كل من لم يحج وهو يستطيع ويملك مقومات الحج
إلى كل من يشهد شهادة الزور أو يعين عليها
إلى كل من يوالي الكفار
إلى كل من يبتدع في دين الله
إلى كل من يكذب ويتحرى الكذب
إلى كل من نادى بالتبرج والسفور وخروج المرأة المسلمة
إلى كل من غفل عن ذكر الله تعالى



أما آن الأوان أن نراجع حساباتنا ؟
أما آن الأوان أن نتدارك ماتبقي من أعمارنا ؟


أما آن الأوان أن ننتبه من غفلتنا ؟
أما آن الأوان أن نستيقظ من رقدتنا ؟


لا تنسوني من الدعاء

maher 29-12-2005 05:15 AM

القبر موعدنا


الحمد لله ذي الملكوت والسلطان، والصلاة والسلام على رسول ربنا الرحمن، محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام، أما عد :
أخي المسلم : هل رأيت القبور؟ هل رأيت ظلمتها؟ هل رأيت وحشتها؟ هل رأيت شدتها؟ هل رأيت ضيقها؟ هل رأيت هوامها وديدانها؟
أما علمت أنها أعدت لك كما أعدت لغيرك؟
أما رأيت أصحابك وأحبابك وأرحامك نقلوا من القصور إلى القبور .. ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود .. ومن ملاعبة الأهل والولدان إلى مقاساة الهوام والديدان .. ومن التنعيم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الثرى والتراب .. ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة .. ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل؟ فأخذهم الموت على غرة، وسكنوا القبور بعد حياة الترف واللذة ، وتساووا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة، فالله نسأل أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة .
أتيــت القبور فساءلتــــــها *** أين المعظم والمحتقر ؟!
وأين المــــذل بسلــــــطانه *** وأين القوي على ما قدر؟!
تفانوا جميعاً فما مــــــخبر *** وماتوا جميعاً ومات الخير!!
فيا سائلي عن اناس مضوا *** أما لك فيما مضى معتبر؟!
تروح وتغدو بنات الــــثرى *** فتمحو محاسن تلك الصور!

هول القبور
* عن هانئ مولى عثمان قال: عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا؟ فقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه» {أحمد والترمزي وحسنه الألباني}
وفي حديث جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد» {أحمد وحسنه الهيثمي} .
* أخي الكريم :
تجهز إلى الأجداث ويحك والرمس *** جهازاً من التقوى لطول ما حبس
فإنـــك ما تدري إذا كنت مصبحــاً *** بأحسن ما ترجو لعلك لا تمســي
* شيع الحسن جنازة فجلس على شفير القبر فقال : «إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله ، وإن أمراً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره» .
* ووعظ عمر بن عبدالعزيز يوماً أصحابه فكان من كلامه أنه قال :«إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ما بقي من غناه؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء فأين حجابهم وقبابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم؟ وجمعهم وكنوزهم؟ أليسوا في منازل الخلوات؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل.
* فيا ساكن القبر غداً ! ما الذي غرك من الدنيا؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ .. ليت شعري بأي خديك بدأ البلى .. يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموت .. ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا ..وما يأتيني به من رسالة ربي .. ثم انصرف رحمة الله فما عاش بعد ذلك إلا جمعة .
* إخوتي :
تفكروا في الذين رحلوا .. أين نزلوا ؟ وتذكروا ا، القوم نوقشوا وسئلوا .. واعلموا أنكم كما تعذلون عذلوا .. ولقد ودوا بعد الفوات لو قبلوا .. ولكن هيهات هيهات وقد قبروا .
* عن وهب بن الورد قال : بلغنا أن رجلا فقيها دخل على عمر بن عبدالعزيز فقال : سبحان الله ! فقال له عمر : وتبينت ذلك فعلا؟ فقال له ك الأمر أعظم من ذلك ! فقال له عمر : يا فلان ! فكيف لو رأيتني بعد ثلاث ، وقد أدخلت قبري .. وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين ، وتقلصت الشفتان عن الأسنان .. وانفتح الفم .. ونتأ البطن فعلا الصدر .. وخرج الصديد من الدبر !!
* وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه : «ويحك يا يزيد ! من ذا يصلي عنك بعد الموت ؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى عنك بعد الموت؟ ثم يقول : أيها الناس ! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم .. من الموت موعده .. والقبر بيته .. والثرى فراشه .. والدود أنيسه .. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر .. كيف يكون حاله ؟! ثم بكي رحمه الله .

عظة القبور
* قال عبدالحق الأشبيلي : فينبغي لمن دخل المقابر أن يتخيل أنه ميت، وأنه قد لحق بهم، ودخل معسكرهم، وأنه محتاج إلى ما هم إليه محتاجون، وراغب فيما فيه يرغبون، فليأت إليهم ما يحب أن يؤتى إليه، وليتحفهم بما يحب أن يتحف به، وليتفكر في تغير ألوانهم، وتقطع أبدانهم، ويتفكر في أحوالهم، وكيف صاروا بعد الأنس بهم والتسلي بحديثهم، إلى النفار من رؤيتهم، والوحشة من مشاهدتهم وليتفكر أيضاً في انشقاق الأرض وبعثرة القبور، وخروج الموتى وقيامهم مرة واحدة حفاة عراة غرلاً، مهطعين إلى الداعي، مسرعين إلى المنادي .
يا أيُّها المتسَمِّنُ *** قل لي لمن تتسمَّن ؟
سَمَّنتَ نفسَك للبِلى *** وبطنت يا مستبطن
وأسأت كل إساءة *** وظننت أنك تحسن!
مالي رأيتك تطمئن **** إلى الحياة وتركن!
يا سكن الحجرات ما *** لك غير قبرك مسكن
اليوم أنت مكاثر *** ومفاخر تتزين
وغداً تصير إلى القبور *** محنط ومكفن!
أحدث لربك توبة *** فسبيلها لك ممكن
واصرف هواك لخوفه *** مما تسر وتعـــلن

maher 29-12-2005 05:17 AM


فتنة القبور
أخي المسلم :
ماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك؟ أما علمت أنها ليلة شديدة، بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء، وشمر لها الصالحون الأتقياء؟
فارقت موضع مرقدي *** يوماَ فقارققني السكون
القــــــــــــبر أول ليلة *** بالله قل لي ما يكون ؟!
* كان الربيع بن خثيم يتجهز لتلك الليلة، ويروى أنه حفر في بيته حفرة فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه يقد مات وندم وسأل الرجعة فيقول : ( رب ارجعون لعلي أعمل صلحا فيما تركت ) {المؤمنون 99-100} ثم يجيب نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع !! فيرى فيه ذلك أياماً ، أي يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف والوجل .
* وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الميت يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا شعوف { أي غير خائف ولا مزعور } ثم يقال له : فيم كنت؟ فيقول : كنت في الإسلام فيقال له : ما هذا الرجل ؟ فيقول : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له : انظر إلى ما وقاك الله : ثم يفرج له قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : هذا مقعدك ، ويقال له : على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إ، شاء الله .
* قال: ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفاً ، فيقال له : فيم كنت ؟ فيقول : لا أدري، فيقال له : ما هذا الرجل ؟ فيقول : سمعت الناس يقولون قولاً فقلته . فيفرج له قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر ما صرف الله عنك . ثم يفرج له فرجه قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له : هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله » { ابن ماجة وصححه البوصيري}
أرى أهل القصور إذا أميتـــــــوا *** بنوا فوق المقابر بالصخــور
أبوا إلا مباهاة وفخـــــــــــــــــراً *** على الفقراء حتى في القبور
لعمرك لو كشقت التــــرب عنهم *** فما تدري الغني من الفقــــير
ولا الجلد المباشر ثوب صـــوف *** من الجلد المباشر للـــــحرير
إذا أكل الثرى هــــــــــــــذا وهذا *** فما فضل الغني على الفقير؟
* فيا إخوتاه ! ألا تبكون من الموت وسكرته ؟
* ويا إخوتاه ! ألا تبكون من القبر وضمته ؟
* ويا أخوتاه ! ألا تبكون خوفاً من النار في القيامة ؟
* ويا إخوتاه ! ألا تبكون خوفاً من العطش يوم الحسرة والندامة ؟

عذاب القبر ونعيمه
* أخي الكريم :
ثبت عذاب القبر بالكتاب والسنة والإجماع، ولا ينكر ذلك إلا مكابر ومعاند قال تعالى ( سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) {التوبة : 101} وقال سبحانه : ( وحاق بئال فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب) {غافر 45،46} .
* وعن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يثبت الله الذين إمنوا بالقول الثابت) قال : «نزلت في عذاب القبر» يقال له: من ربك ؟ فيقول : ربي الله ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فذلك قوله عز وجل: (يثبت الله الذين إمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)
* وعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«لولا أن تدفنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر» {مسلم}
* وعن أنس رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم « إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم قال: يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله قال : فيقال له : إنظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة قال نبي الله صلى الله عليه وسلم فبراهما جميعاً »
وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرحل ؟ فيقول: لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقيلين» {متفق عليه}

حديث القبور
* روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في خطبته : يا عباد الله : الموت الموت ، فليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدر ككم، الموت معقود بنواصيكم ، فالنجاة النجاة ، الوحا الوحا ، فإن وراءكم طالبا حثيثا وهو القبر ، ألا وإ، القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول : أنا بيت الظلمة .. أنا بيت الوحشة .. أنا بيت الديدان ألا وإن وراء ذلك اليوم يوما أشد من ذلك اليوم ، يوما يشيب فيه الصغير ، ويسكر فيه الكبير ( وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد) {الحج 2}
أأيتها المقابر فيك *** من كنَّا ننازله
ومن كنا نتاجره *** ومن كنا نعامله
ومن كنا نعاشره *** ومن كنا نطاوله
ومن كنا نشاربه *** ومن كنا تؤاكله
ومن كنا له إلفا *** قليلاً ما نزايله
ومن كنا له بالأمس *** أحيانا نواصله
فحل محله من حلها *** صرمت حبائله
ألا إن المنية منهل *** والخلق ناهله

زيارة القبور وفوائدها
أخي الحبيب :
حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم على زيارة الموتى في قبورهم، والأعتبار بأحوالهم ، فقال عليه الصلاة والسلام: « زوروا القبور فإنها تذكر الموت» {مسلم}
* وقال النبي صلى الله عليه وسلم «نهيتكم عن زيارة القبور فزروها» رواه مسلم
* وعند أبي داود: «فإن في زيارتها تذكرة»
* وعند الإمام أحمد : «فزوروها فإن في زيارتها عبرة وعظة»
* وكان النبي صلى الله عليه إذا أتى المقابر قال : «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لا حقون، أنتم لنا فرط، ونحن لكم ، أسأل الله ولكم العافية» {مسلم}

* وفي زيارة القبور فوائد كثيرة منها أنها :
1- تذكر الموت والآخرة 2- تقصر الأمل 3- تزهد في الدنيا 4- ترقق القلوب 5- تدمع الأعين 6- تدفع الغفلة 7- تورقث الخشية 8- تورث الاجتهاد في العبادة .
* قال محمد بن واسع لرجل : ما أعجب إلى منزلك ! فقال : وما بعجبك من منزلي وهو عند القبور ؟ قال : وما عليك ، يكفون الأذى ويذكرون الآخرة !!»


الأسباب الموجبة لعذاب القبر
* أخي المسلم الموفق : ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن أهل القبور يعذبون على جهلهم بالله ، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فإن عذاب القبروعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده ، فعذاب القبر يكون على معاصي القلب، والعين، والأذن، والفم، واللسان، والبطن، والفرج، واليد،، والرجل، والبدن كله، فمن أغضب الله واسخطه في هذه الدار ثم لم يتب، ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب .
* وقد ورد الوعيد بالعذاب في القبر على كثير من المعاصي والذنوب منها :
1- النميمة والغيبة 2- عدم الاستبراء من البول 3- الصلاة بغير طهور 4- الكذب
5- تضييع الصلاة والتثاقل عنها . 6- ترك الزكاة 7- الزنا 8- الغلول من المغنم(السرقة)
9- الخيانة 10- السعي في الفتنة بين المسلمين 11- أكل الربا 12- ترك نصرة المظلوم
13- شرب الخمر 14- إسبال الثياب تكبراً 15- القتل 16- سب الصحابة
17- الموت على غير السنة(البدعة)
* وقال رحمه الله بعد أن ذكر أنواع كثيرة من المحرمات التي يعذب بها الموتى في قبورهم : « وما كان أكثر الناس كذلك، كان أكثر أهل القبور معذبين، والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب ، وبواطنها حسرات وعذاب ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حيل بينها وبين أمانيها.
تالله لقدت وعظت لواعظ مقالا ، ونادت : يا عمار الدنيا لقد عمرتم دارا موشكة بكم زوالا ، وخربتم دارا انتم مسرعون إليها انتقالا هذه دار الاستيفاء، ومستودع الأعمال ، وبذر الزرع ، وهي محل للعبر، رياض من رياض الجنة ، أو حفر من حفر النيران»
ما للمقابر لا تجيب *** إذا دعاهن الكئيب
حفر مسقفة عليهن *** الجنادل والكثيب
فيهن ولدان وأطفال *** وشبان وشيب
كم من حبيب لم تكن *** نفسي بفرقته تطيب
غادرته في بعضهن *** مجندلاً وهو الحبيب
وسلوت عنه وإنما *** عهدي برؤيته قريب

فاعتبروا يا أولي الألباب

* إخواني :
* كم من ظالم تعدى وجار، فما راعي الأهل ولا الجار، بينا هو عقد الإصرار، حل به الموت فحل من حلته الأزرار (فاعتبروا يا أولي الأبصر)
* ما صحبه سوى الكفن ، إلى بيت البلى والعفن، ولو رأيته وقد حلت به المحن ، وشين ذلك الوجه الحسن، فلا تسأل كيف صار (فاعتبروا يا أولي الأبصر)
* أين مجالسة العالية؟ أين عيشته الصافية؟ أين لذاته الخالية؟ كم كم تسفى على قبره سافية !! ذهبت العين وأخفيت الآثار (فاعتبروا يا أولي الأبصر)
* تقطعت به جميع الأسباب، وهجره القرناء والأتراب، وصار فراشه الجندل والتراب، وربما فتح له في اللحد باب إلى النار (فاعتبروا يا أولي الأبصر)
* نادم بلا شك ولا خفا ، باك على ما زل وهفا، يود أن صافي اللذات ما صفا ، وعلم انه كان يبني على شفا حرف هار (فاعتبروا يا أولي الأبصر)

الأسباب المنجية من عذاب القبر
* وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن أسباب النجاة من عذاب اقبر، هي أن يتجنب الإنسان تلك الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، وهي جميع المعاصي والذنوب.
* وذكر رحمه الله أن من أنفع تلك الأسباب : أن يحاسب المرء نفسه كل يوم على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد التوبة ، النصوح بينه وبين الله، فينم على تلك التوبة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل ، مسرورا بتأخير أجله، حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته، ولا ينام إلا على طهارة ، ذاكراً الله عز وجل ، مستعملاً الأذكار والسنن التي ورت عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند النوم حتى يغلبه النوم ، فمن أراد الله به خيراً وفقه لذلك .
* ثم ذكر رحمه الله الطاعات التي ورد أنها مما ينجي من عذاب القبر وهي :
1- الرباط في سبيل الله 2- الشهادة في سبيل الله 3- قراءة سورة الملك
4- الموت بداء البطن 5- الموت يوم الجمعة
* فالواجب على كل مسلم أن يستعيذ بالله تعالى من عذاب القبر، وأن يستعد له بالأعمال الصالحة قبل أن يدخل فيه، فإنه قد سهل عليه الأمر ما دام في الدنيا.
فإذا دخل القبر فإنه يتمنى أن يؤذن له بحسنة واحدة أو يؤذن بأن يصلي ركعتين، أو يقول: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ولو مرة واحدة، أو يؤذن له بتسبيحه واحدة، فلا يؤذن له، فيبقى في حسرة وندامة، ويتعجب من الأحياء كيف يضيعون أيامهم في الغفلة والبطالة ؟!
قد كان عمرك ميلا *** فأصبح الميل شبرا
وأصبح الشبر عقدا *** فاحفر لنفسك قبرا

نسأل الله أن يوفقنا للاستعداد ليوم الحاجة، ولا يجعلنا من النادمين، وأن يجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

بو عبدالله 29-12-2005 01:02 PM

جزااااااااااااااااااااااااااااااك
اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ه
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــراااااااااا اااا
اسأل الله أن يهدي جميع المسلمين ويرشدهم إلى طريق الرشد ...
اسأل الله أن يجعل في ميزان حسناتك وأن يرحمنا وياكم وجميع المسلمين من عذاااااب القبر .

maher 04-01-2006 06:55 AM

مشكور أخي أبا عبد الله على المرور و كله بفضل الله ثم توقيعك
 

الحمد لله
يتنوع العذاب في القبر بحسب الذنب الذي اقترفه صاحبه في الدنيا ، سواء كان للكفار أو للعصاة ، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بوصف هذا العذاب في القبور لأهل هذه الذنوب ، ومنها :

1- الضرب بمطرقة من حديد
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعا وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين .
رواه البخاري ( 1273 ) .
2-7- يفرش له قبره ناراً ، ويلبس ناراً ، ويفتح له باب إلى النار ، ويضيَّق عليه قبره ، ويضرب بمطرقة عظيمة لو ضرب بها جبل لصار ترابا ، ويبشر بالعذاب في الآخرة ، ولذلك يتمنى ألا تقوم الساعة .
روى أحمد (17803) وأبو داود (4753) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . . . - ثُمَّ ذكر صفة قبض روح المؤمن ونعيمه في القبر ثم قال - : وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ فَيَقُولُونَ فُلانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ثُمَّ قَرَأَ : ( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا قَالَ فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا قَالَ ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " أحكام الجنائز " ( ص 156 ) .
8- الخسف في الأرض
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " . رواه البخاري ( 5343 ) ومسلم ( 3894 ) .
يتجلجل : يغوص ويضطرب .
9- شق جانبي الفم إلى القفا
10- رضخ الرأس بالحجارة
11- الحرق في تنور من نار
12- السباحة في نهر من دم مع الضرب بالحجارة

روى البخاري (1386) (7047) عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ؟ قَالَ : فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ : إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي ، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ ، فَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قُلْتُ لَهُمَا : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ ؟ قَالَ قَالا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيَشُقُّ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ . ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ ؟ قَالا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا [أي ارتفعت أصواتهم] . قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَؤُلاءِ ؟ قَالا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ . قَالَ : فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا ، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا . قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَذَانِ ؟ قَالا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ . . . ثم ذكر الحديث
فقال : قُلْتُ لَهُمَا : فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ ؟ قَالَ قَالَا لِي : أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ، وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ . يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشّقُّ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ . فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ ، فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي .
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا .
الكلُّوب : حديدة معوجة الرأس . الشدق : جانب الفم . يشدخ : يشج . تدهده : تدحرج .
قال الحافظ ابن حجر :
وفيه : أن بعض العصاة يعذَّبون في البرزخ اهـ . فتح الباري ( 12 / 445 ) .

maher 04-01-2006 06:57 AM


12- اشتعال المال المسروق من الغنائم على صاحبه
روى البخاري (4234) ومسلم (115) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلا وَرِقًا غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لَهُ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِي قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُلُّ رَحْلَهُ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ فَقُلْنَا هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنْ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ. قَالَ : فَفَزِعَ النَّاسُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ.
13- ومع هذا العذاب الحسي هناك أيضاً عذاب معنوي (نفسي) وهو أن الكافر يُرى في قبره مقعده من الجنة لو أطاع الله ، فيزداد بذلك حسرة وألما لما يرى من عظم النعيم الذي فاته .
روى أحمد (10577) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ صَدَقْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولَ لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَيَقُولُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ وَلا اهْتَدَيْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ [أي ذهل] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت . صححه الألباني في تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم (865) .
فهذا بعض ما يحصل في القبر من أنواع العذاب لبعض العصاة .
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من عذاب القبر

maher 18-01-2006 06:50 AM

الـقـبـر عـذابـه ونـعـيـمـه
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين ، وقدوة الخلق أجمعين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه وسار على نهجه إلى يوم الدين . . . أما بعد :

فإن الإيمان باليوم الآخر يعني الإيمان بكل ما أخبر به النبي  مما يكون بعد الموت ، ومن ذلك الإيمان بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه ، وذلك أن بين الموت الذي تنتهي به الحياة الأولى وبين البعث الذي تبتدئ به الحياة الثانية ( وبعبارة أخرى بين القيامة الصغرى والقيامة الكبرى ) فترة جاءت تسميتها في القرآن الكريم برزخاً ، كما في قوله تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون . لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) [ المؤمنون : 99 – 100 ] و ( البرزخ ) لغة : الحاجز بين شيئين ، ما بين الموت والبعث ، فمن مات فقد دخل البرزخ . والجمع برازخ . [ المعجم الوسيط 49 ] .
وفي هذا البرزخ نموذج من الجزاء الأخروي فهو أول منزل من منازل الآخرة ، ففيه سؤال الملكين ثم العذاب أو النعيم .

سؤال الملكين :
ويسمى بفتنة القبر ، وهي الامتحان والاختبار للميت حين يسأله الملكان . وقد تواترت الأحاديث عن النبي  في هذه الفتنة من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم ، وهي عامة للمكلفين إلا النبيين فقد اختلف فيهم ، وكذلك اختلف في غير المكلفين كالصبيان والمجانين فقيل : لا يفتنون لأن المحنة إنما تكون للمكلفين ، وقيل : يفتنون .
وحجة من قال : إنهم يسألون : أنه يشرع الصلاة عليهم والدعاء لهم وسؤال الله أن يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر ، كما ذكر مالك في " موطئه " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه  صلى على جنازة صبي فسمع من دعائه : " اللهم قه من عذاب القبر " ، واحتجوا بما رواه علي بن معبد عن عائشة رضي الله عنها ، أنه مُر عليها بجنازة صبي صغير ، فبكت ، فقيل لها : ما يبكيك يا أم المؤمنين ؟ قالت : " هذا الصبي ، بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر " .
قالوا : والله سبحانه يكمل لهم عقولهم ، ليعرفوا بذلك منزلتهم ويلهمون الجواب عما يسألون عنه ، قالوا : وقد دل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة ، وحكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث ، فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور .
واحتج من قال : إنهم لا يسألون : بأن السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمرسل ، فيسأل : هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا ؟ فأما الطفل الذي لا تمييز له بوجه ما ، فكيف يقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ ولو رد إليه عقله في القبر ، فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به ، ولا فائدة في هذا السؤال ، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة ، فإن الله سبحانه يرسل إليهم رسولاً ، ويأمرهم بطاعته ، وعقولهم معهم ، فمن أطاعه منهم نجا ، ومن عصاه أدخله النار ، فذلك امتحان بأمر يأمرهم به يفعلونه ذلك الوقت ، لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعة أو عصيان ، كسؤال الملكين في القبر .
وأجابوا عن أدلة الأولين : أما حديث أبي هريرة ، فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعاً ، فإن الله لا يعذب أحداً بلا ذنب عمله ، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره ، وإن لم يكن عقوبة على عمله ، ومنه قوله  : " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " أي : يتألم بذلك ويتوجع منه ، لا أنه يعاقب بذنب الحي ، ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] وهذا كقول النبي  : " السفر قطعة من العذاب " فالعذاب أعم من العقوبة ، ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل فيتألم ، فيشرع للمصلي عليه أن يسأل الله تعالى أن يقيه ذلك العذاب ، والله أعلم .

واختلفوا ، هل السؤال في القبر عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار، أو يختص بالمسلم والمنافق ؟ فقيل : يختص ذلك بالمسلم والمنافق دون الكافر الجاحد المبطل ، وقيل : السؤال في القبر عام للكافر والمسلم ، وهذا هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة ، واستثناء الكافر من هذا لا وجه له .

واختلفوا ، هل السؤال في القبر مختص بهذه الأمة أو يكون لها ولغيرها ؟
على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه خاص بهذه الأمة لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبوا ، كَفَّتِ الرسل واعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب ، فلما بعث محمد  بالرحمة إماماً للخلق – كما قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] أمسك عنهم العذاب وأعطي السيف حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف ، ثم يرسخ الإيمان في قلبه ، فأمهلوا فمن ثم ظهر أمر النفاق ، وكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان فكانوا بين المسلمين في ستر ، فلما ماتوا قيض الله لهم فتاني القبر ليستخرجا سرهم بالسؤال .
واحتج أهل هذا القول بقوله  : " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها " وبقوله : " أوحي إليّ أنكم تفتنون في قبوركم " وهذا ظاهر في الاختصاص بهذه الأمة ، ويدل عليه قول الملكين : " ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم " .

maher 18-01-2006 06:53 AM

القول الثاني : أن السؤال في القبر لهذه الأمة ولغيرها .
وأجاب أصحاب هذا القول عن أدلة القول الأول بأنها لا تدل على الاختصاص بالسؤال لهذه الأمة دون سائر الأمم ، وقوله : " هذه الأمة " إما أن يراد به أمة الناس : أي بني آدم كما في قوله : ( وما من دابةٍ في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) [ الأنعام : 38 ] وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة ، وإن كان المراد أمته  لم يكن فيه ما ينفي سؤال غيرهم من الأمم ، لأنه إخبار لهم بأنهم يسألون في قبورهم ، وكذلك حديث : " أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم " مجرد إخبار لا ينفي سؤال غيرهم ، وهذا القول هو الصواب ، لأن الأدلة تثبته فقد قال الله تعالى في حق آل فرعون : " وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " وقوله صلى الله عليه وسلم : " يهود تعذب في قبورها " فهذه أدلة صريحة لا مراء فيها تدل دلالة قاطعة على فتنة القبر وأنها حق لا جدال فيه ، نسأل الله العظيم الجليل بمنه وكرمه أن يقينا عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات .

القول الثالث : التوقف في هذه المسألة لأن الأدلة في ذلك محتملة وليست قاطعة في الاختصاص ، ففتنة القبر حاصلة لا محالة ولا شك فيها ، فقد تكون خاصة بهذه الأمة وقد تكون خاصة بها وبغيرها . والله أعلم .

صفة سؤال الملكين للميت على ما وردت به الأحاديث :
جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قوله  : " فتعاد روحه ( يعني : الميت ) في جسده ويأتيه ملكان " .
وفي " الصحيحين " من حديث قتادة عن أنس ، أن النبي  قال : " إن الميت إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع خفق نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ؟ فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله " . قال : " فيقول : انظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة " قال رسول الله  : " فيراهما جميعاً " قال : " فأما الكافر والمنافق ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس ، فيقولان له : لا دريت ولا تليت .
ثم يضرب بمطراق من حديد بين أذنيه ، فيصيح صيحة ، فيسمعها من عليها غير الثقلين " .
وفي حديث آخر في " صحيح أبي حاتم : " أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال : لأحدهما المنكر ، وللآخر : نكير " .
وفي حديث آخر في " المسند " و " صحيح ابن حبان " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي  قال : " إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه والصيام عن يمينه والزكاة عن شماله ، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان عند رجليه ، فيؤتى من قبل رأسه ، فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل . ثم يؤتى من يمينه ، فيقول الصيام : ما قبلي مدخل . ثم يؤتى من يساره فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل . ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان : ما قبلي مدخل . فيقال له : اجلس . فيجلس ، وقد مثلت له الشمس وقد أخذت في الغروب ، فيقال له : هذا الرجل الذي كان فيكم ، ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول : دعوني حتى أصلي . فيقولون : إنك ستصلي ، أخبرنا عما نسألك عنه .. " الحديث .

فهذه الأحاديث وما جاء بمعناها تدل على مسائل :
1- أن السؤال يحصل حين يوضع الميت في قبره ، وفي هذا رد على أهل البدع كأبي الهذيل والمريسي القائلين : إن السؤال يقع بين النفختين .
2- تسمية الملكين منكر ونكير ، وفي هذا رد على من زعم من المعتزلة أنه لا يجوز تسميتهما بذلك ، أولوا ـ فسروا ـ ما ورد في الحديث بأن المراد بالمنكر تلجلجه إذا سئل والنكير تقريع الملائكة له .
3- أنها ترد روح الميت إليه في قبره حين السؤال ، ويجلس ويستنطق وفي هذا رد على أبي محمد بن حزم حيث نفى ذلك ، إلا إن كان يريد نفي الحياة المعهودة في الدنيا ، فهذا صحيح ، فإن عود الروح إلى بدن الميت ليس مثل عودها إليه في هذه الحياة الدنيا ، وإن كان ذاك قد يكون أكمل من بعض الوجوه ، كما أن النشأة الأخرى ليست مثل هذه النشأة ، وإن كان أكمل منها ، بل كان موطن في هذه الدار وفي البرزخ والقيامة له حكم يخصه ، ولهذا أخبر النبي  أن الميت يوسع له في قبره ويسأل … ونحو ذلك ، وإن كان التراب قد لا يتغير فالأرواح تعاد إلى بدن الميت وتفارقه .

maher 18-01-2006 06:55 AM


تعلقات الروح بالبدن :
وللروح بالبدن تعلقات مختلفة إليك بيانها :
للروح بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام :
أحدهما : تعلقها به في بطن الأم جنيناً .
الثاني : تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض .
الثالث : تعلقها به في حال النوم ، فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه .
الرابع : تعلقها به في البرزخ ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه ، فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً ، بحيث لا يبقى لها إليه التفات البتة ، فقد دلت الأحاديث على ردها إليه عند سؤال الملكين ، وعند سلام المسلم ، وهذا الرد إعادة خاصة ، لا توجب حياة البدن قبل يوم القيامة .
الخامس : تعلقها به يوم بعث الأجساد ، وهو أكمل تعلقاتها بالبدن ، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه ، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً .

عذاب القبر ونعيمه :
مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعّمة أو معذّبة وأنها تتصل بالبدن أحياناً ، ويحصل له معها النعيم أو العذاب ، فأهل السنة والجماعة يتفقون على أن النفس تنعم وتعذب منفردة عن البدن ، وتنعم وتعذب متصلة بالبدن ، والبدن متصل بها ، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين ، كما يكون ذلك على الروح منفردة عن البدن ، وهل يكون النعيم والعذاب على البدن بدون الروح ؟ هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة وأهل الكلام .
وستجد الإجابة على ذلك في طيات الكلام عن هذا الموضوع .

أدلة عذاب القبر ونعيمه :

أولاً / من القرآن الكريم :
1- قال الله تعالى : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) [ الأنعام : 93 ] وهذا خطاب لهم عند الموت ، وقد أخبرت الملائكة – وهم الصادقون – أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا ، لما صح أن يقال لهم : ( اليوم تجزون ) فدل على أن المراد به عذاب القبر .
2- قال الله تعالى : ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون . يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً ولا هم ينصرون . وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [الطور 45 – 47 ] وهذا يحتمل عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ، وأن يراد به عذابهم في البرزخ ، وهو أظهر لأن كثيراً منهم مات ولم يعذب في الدنيا ، وقد يقال – وهو أظهر :- إن من مات منهم عذب في البرزخ ومن بقي منهم عذب في الدنيا بالقتل وغيره ، فهو وعيد بعذابهم في الدنيا وفي البرزخ .
3- ومنها قوله : ( فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر 45 – 46 ] فذكر عذاب الدارين ذكراً صريحاً لا يحتمل غيره فدل على ثبوت عذاب القبر .
4- قال الله تعالى : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذٍ تنظرون نحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون . فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين . فأما إن كان من المقربين . فروح وريحان وجنة نعيم . وأما إن كان من أصحاب اليمين . فسلام لك من أصحاب اليمين . وأما إن كان من المكذبين الضالين . فنزل من حميم . وتصلية جحيم ) [ الواقعة 83 – 94 ] فذكر هاهنا أحكام الأرواح عند الموت ، وذكر في أول السورة أحكامها يوم المعاد الأكبر ، وقدم ذلك على هذا تقديم الغاية للعناية ، إذ هي أهم وأولى بالذكر ، وجعلهم عند الموت ثلاثة أقسام ، كما جعلهم في الآخرة ثلاثة أقسام .

ثانياً / من السنة النبوية :
إذا تأملت أحاديث عذاب القبر ونعيمه ، وجدتها تفصيلاً وتفسيراً لما دل عليه القرآن ، وأحاديث عذاب القبر كثيرة متواترة عن النبي  ومنها :
1- ما في " الصحيحين " عن ابن عباس أن النبي  مر بقبرين ، فقال : " إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير : أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ثم دعا بجريدة فشقها نصفين ، فقال : " لعله يخفف عنهما مالم ييبسا " .
2- وفي " صحيح مسلم " عن زيد بن ثابت قال : بينما رسول الله  في حائط لبني النجار على بغلته ونحن معه ، إذ حادت به فكادت تلقيه فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال : " من يعرف أصحاب هذه القبور ؟ " فقال رجل : أنا ، قال : " فمتى مات هؤلاء ؟ " قال : في الإشراك . فقال : " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه … " الحديث .
3- وفي " صحيح مسلم " وجميع " السنن " عن أبي هريرة أن النبي  قال : " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير ، فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال " .
4- وفي " الصحيحين " عن أبي أيوب قال : خرج النبي  وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال : " يهود تعذب في قبورها " .
5- وفي " الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها قال : دخلت علىّ عجوز من عجائز يهود المدينة ، فقالت : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم . قالت : فكذبتها ، ولم أنعم أن أصدقها . قالت : فخرجت ودخل عليّ رسول الله  فقلت : يا رسول الله ! إن عجوزاً من عجائز يهود أهل المدينة دخلت فزعمت أن أهل القبور يعذبون في قبورهم ؟ قال : " صدقت ، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها " قالت : فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر .
6- وعن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم ، فيأتيه ملكان ، فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ، محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقولان له : انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة ، فيراهما جميعاً " [ رواه البخاري ] .
قال قتادة : وروي لنا أنه يفسح له في قبره .
7- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قُبر العبد ـ أو الإنسان ـ أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما : المنكر ، وللآخر : النكير ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فهو قائل ما كان يقول ، فإن كان مؤمناً قال : هو عبدالله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، فيقولان له : إن كنا لنعلم أنك لتقول ذلك ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ذراعاً ، وينور له فيه ، فيقال له ، نم فينام كنوم العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك . فإن كان منافقاً قال : لا أدري كنت أسمع الناس يقولون شيئاً فكنت أقوله ، فيقولان له : إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ، ثم يقال للأرض التئمي عليه ، فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه ، فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك " [ رواه الترمذي والبيهقي ورجال إسناده على شرط مسلم ]
وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً ، وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته ، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذه الدار ، والشرع لا يأتي بما يحيله المعقول ، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول ، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا .

maher 18-01-2006 06:56 AM

فكل ما ورد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر ونعيمه وإجلاس الميت وسؤاله واختلاف أضلاعه ، أو مد قبره مد البصر ، فكل ذلك صحيح لا ريب فيه ، إذ لا استطاعة للعقل في فهم ذلك الأمر ولا تصوره لأنه أمر خارق للعادة ، فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير ، قلا يحمل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يقصّر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان ، فكم حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال ، والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول ، ولا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد .
قال صلى الله عليه وسلم : " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها " [ رواه مسلم ] .

فائدة وعبرة :
إذا بلغ الإنسان الأجل الذي قدره الله له واستكمل عمره ورزقه وما كتب له في هذه الدنيا ، جاءته رسل ربه عز وجل ينقلونه من دار الفناء ( وهي دار الدنيا ) إلى دار البِلَى ( وهي حياة القبر ) ثم إلى دار البقاء ( وهي الحياة الآخرة ) التي لا موت فيها بل حياة أبدية ، فيسعد فيها أهل الجنة سعادة لا شقاء معها ، ويشقى فيها أهل النار شقاءً لا سعادة معه ولا بعده ، فإذا حل الأجل وحان الرحيل واستوفى الإنسان أجله في هذه الدنيا جاءته ملائكة ربه تبارك وتعالى لقبض روحه فجلسوا منه مد البصر ، ثم دنا منه الملك الموكل بقبض الأرواح فاستدعى الروح فإن كانت روحاً طيبة ، قال : اخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب ، وإن كانت غير ذلك قال لها الملك : اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث ، ويصدق ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعد وقعدنا حوله كأن على رؤوسنا الطير ، وهو يلحد له ، فقال : أعوذ بالله من عذاب القبر ( ثلاث مرات ) .
ثم قال : (( إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا ، نزلت إليه الملائكة ، كأن على وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ، فجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ))
قال (( فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها ، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ،ويخرج منها كأطيب نفخة مسك وجدت على وجه الأرض )) .
قال (( فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة ، إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان ( بأطيب أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ) . حتى ينتهوا بها إلى السماء ، فيستفتحون له ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتكم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى )) .
قال : (( فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله . فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وافتحوا له باباً إلى الجنة )) .
قال : (( فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره )) .
قال : (( ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الذي يجئ بالخير ؟ فيقول : أنا عملك الصالح . فيقول : يا رب ، أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي وما لي )).
قال : ( وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجئ ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، أخرجي إلى سخط من الله وغضبه ) .
قال: ( فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزعه السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فإذا أخذها ، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرجوا منها كأنتن ريح خبيثة وجدة على وجه الأرض فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة ، إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان ، بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له ، فلا يفتح له ( ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم في سجين في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحاً ( ثم قرأ : (( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق )) فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ها ه هاه ، لا أدري . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه ؟ لا أدري . فينادي منادي من السماء : إن كذب عبدي ، فافرشوه من النار ، وافتحوا له باباً إلى النار . فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد فيقول : من أنت ، فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : ربي لا تقم الساعة ) . [ رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ، وأبو داود والحاكم وأبو عوانة في صحيحيهما وابن حبان . انظر المشكاة 1/512 ] .


عذاب القبر نوعان :
الأول : ما هو دائم : كما قال تعالى : " وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " ، وهذه الآية دليل وبيان واضح في إثبات عذاب القبر بالنار ، لأنه لا غدو ولا عشي يوم القيامة ، وكذلك كما في حديث البراء بن عازب في قصة الكافر : ثم يفتح له باب إلى النار ، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة " [ رواه الإمام أحمد في بعض طرقه وصححه شعيب الأرنؤوط في شرح الطحاوية ] .
الثاني : ما هو منقطع : وهو ما يستمر مدة ثم ينقطع ، وهذا عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم ، فيعذب بحسب جرمه ، ثم يخفف عنه .

تنبيه هام :
عذاب القبر وسؤال الملكين ينالان كل من مات ولو لم يدفن ، فهو لعذاب البرزخ ونعيمه ، وهو ما بين الدنيا والآخرة قال تعالى : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " [ المؤمنون : 100 ] وسمي عذاب القبر باعتبار الغالب فالمصلوب والمحرق والمغرق وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما .
فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حرق جسده بالنار وصار رماداً وذري بعضه في البحر وبعضه في البر في يوم شديد الريح أنه ينجو من ذلك ، فأوصى بنيه أن يفعلوا به ذلك ، فأمر الله البحر فجمع ما فيه ، وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال : قم . فإذا هو قائم بين يدي الله ، فسأله : ما حملك على ما فعلت ؟ فقال : خشيتك يا رب ، وأنت أعلم . فرحمه الله . فلم يفت عذاب البرزخ ونعيمه لهذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال .
حتى لو علق الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه ونصيبه ، ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار ، لأصاب جسده وروحه من نعيم البرزخ نصيبه وحظه ، فيجعل الله النار على هذا برداً وسلاماً ، والهواء على ذلك ناراً و سموماً ، فعناصر العالم ومواده منقادة لربها وفاطرها وخالقها ، يصرفها كيف يشاء ، ولا يستعصي منها شيء أراده بل هي طوع أمره ، ومشيئته منقادة لقدرته ، فغير ممتنع أن ترد الروح إلى المصلوب والغريق والمحرق ، ونحن لا نشعر بها ، لأن ذلك الرد نوع آخر غير المعهود ، فهذا المغمى عليه والسكران والمبهوت أحياء وأرواحهم معهم ولا تشعر بحياتهم ، ومن تفرقت أجزاؤه لا يمتنع على من هو على كل شيء قدير أن يجعل للروح اتصالاً بتلك الأجزاء على تباعد ما بينها وقربه ، ويكون في تلك الأجزاء شعور بنوع من الألم واللذة .
وإذا كان الله تعالى قد جعل في الجمادات شعوراً وإدراكاً ، تسبّح ربها به ، وتسقط الحجارة من خشيته ، وتسجد له الجبال والشجر ، وتسبحه الحصى والمياه والنبات ، كما قال تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) [ الإسراء : 44 ] فإذا كانت هذه الأجسام فيها الإحساس والشعور ، فالأجسام التي كانت فيها الأرواح والحياة أولى بذلك ، وقد أشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار إعادة حياة كاملة إلى بدن قد فارقته الروح فتكلم ومشى وأكل وشرب وتزوج وولد له : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ) [ البقرة : 243 ] ، ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم ) [ البقرة : 259] وكقول بني إسرائيل الذين قالوا لموسى : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً ) [ البقرة : 55 ] فأماتهم الله ثم بعثهم من بعد موتهم ، وكأصحاب الكهف وقصة إبراهيم في الطيور الأربعة ، فإذا أعاد الله الحياة التامة إلى هذه الأجساد بعد ما بردت بالموت ، فكيف يمتنع على قدرته الباهرة أن يعيد إليها بعد موتها حياة مستقرة يقضي بها أمره فيها ويستنطقها بها ويعذبها أو ينعمها بأعمالها وهل إنكار ذلك إلا مجرد تكذيب وعناد وجحود ؟ !

maher 18-01-2006 06:58 AM

المنكرون لعذاب القبر ونعيمه ، وشبهتهم ، والرد عليهم :
أنكرت الملاحدة والزنادقة عذاب القبر ونعيمه وقالوا : إنا نكشف القبر ، فلا نجد فيه ملائكة يضربون الموتى ، ولا حيات ولا ثعابين ولا نيران تأجج ! وكيف يفسح مد بصره أو يضيق عليه ونحن نجده بحاله ونجد مساحته على حد ما حفرناها له ولم يزد ولم ينقص ؟! وكيف يصير القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ؟!
الجواب :
والجواب عن ذلك من وجوه :
أولاً : أن حال البرزخ من الغيوب التي أخبرت بها الأنبياء ولا يكون خبرهم محالاً في العقول أصلاً فلا بد من تصديق خبرهم .
ثانياً : أن النار في القبر والخضرة ليست من نار الدنيا ولا من زروع الدنيا فيشاهد ذلك من شاهد نار الدنيا وخضرها ، وإنما هي من نار الآخرة وخضرها ، وهي أشد من نار الدنيا ، فلا يحس بها أهل الدنيا فإن الله سبحانه يحمي عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه وتحته ، حتى يكون أعظم حرّاً من جمر الدنيا ، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك وقدرة الرب أوسع من ذلك وأعجب .
وإذا شاء الله أن يطلع بعض العباد على عذاب القبر ، أطلعه وغيّبه عن غيره ، إذ لو اطلع العباد كلهم لزالت حكمة التكليف والإيمان بالغيب ، ولما تدافن الناس كما في " الصحيحين "في الحديث الذي مر من قوله  : " لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع " ولما كانت هذه الحكمة منتفية في حق البهائم سمعت ذلك وأدركته ، كما حادت برسول الله  بغلته وكادت تلقيه لما مر بمن يعذب في قبر ، فرؤية هذه النار في القبر كرؤية الملائكة والجن ، تقع أحياناً لمن شاء الله أن يريه ذلك .
وكيف يستنكر من يعرف الله سبحانه وتعالى ويقر بقدرته أن يحدث حوادث يصرف عنها أبصار بعض خلقه حكمة منه ورحمة بهم لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها والعبد أضعف بصراً وسمعاً أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر ، وسر المسألة أن هذه السعة والضيق والإضاءة والخضرة والنار ليس من جنس المعهود في هذا العالم .
والله سبحانه إنما أشهد بني آدم في هذه الدار ما كان فيها ومنها ، فأما ما كان من أمر الآخرة ، فقد أسبل عليه الغطاء ليكون الإقرار به والإيمان به سبباً لسعادتهم ، فإذا كشف عنهم الغطاء صار عياناً مشاهداً فلو كان الميت بين الناس موضوعاً لم يمتنع أن يأتيه الملكان ويسألاه من غير أن يشعر الحاضرون بذلك ، ويجيبهما من غير أن يسمعوا كلامه ويضربانه من غير أن يشاهد الحاضرون ضربه ، وهذا الواحد منا ينام إلى جنب صاحبه المستيقظ فيعذب في النوم ويضرب ويألم وليس عند المستيقظ خبر من ذلك البتة ، وقد يرى في منامه أموراً عظاماً فهو يمشي ويجري ويتعرض لمخاطر فيستغيث بمن يغيثه وصاحبه بجانبه لا يدري ما الخبر ، فالله قادر على أن يعذب عبده أو ينعمه في قبره ولا يشعر بذلك أحد من الناس على الإطلاق حكمة بالغة منه سبحانه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فأما أحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير فكثيرة متواترة عن النبي  مثل ما في " الصحيحين " عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  مر بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة فقالوا : يا رسول الله ! لم فعلت هذا ؟ قال : " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " وفي " صحيح مسلم " وسائر " السنن " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي  قال : " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليقل : أعوذ بالله من أربع : من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال " .
وساق الشيخ أحاديث كثيرة في هذه الباب إلى أن قال : " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله  في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً وسؤال الملكين ، فيجب إعتقاد ذلك والإيمان به ولا نتكلم عن كيفيته إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له في هذه الدار والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكنه قد يأتي بما تحار به العقول ، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا ، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا …… "
إلى أن قال : " واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قبر أو لم يقبر أكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء أو صلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور ، وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه ونحو ذلك ، فيجب أن يفهم عن الرسول  مراده من غير غلو ولا تقصير فلا يحمل كلامه مالا يحتمله ، ولا يقصر به عن مراده وما قصد من الهدى والبيان ، فكم حصل من إهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب مالا يعلمه إلا الله … "
إلى أن قال : " فالحاصل أن الدور ثلاث : دار البيان ، ودار البرزخ ، ودار القرار وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها ، وركب هذا الإنسان من بدون ونفس ، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعٌ لها ، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها ، فإذا جاء يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعاً .
فإذا تأملت هذا المعنى حق التأمل ، ظهر لك أن كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه ، وبذلك يتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم .
ويجب أن يعلم أن النار التي في القبر والنعيم ليس من جنس نار الدنيا ولا نعيمها ، وإن كان الله تعالى حمي عليه التراب والحجارة التي فوقه والتي تحته ، حتى يكون أعظم حراً من جمر الدنيا ، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بها ، بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفن أحدهما الى جنب صاحبه ، وهذا في حفرة من النار ، وهذا من روضة من رياض الجنة ، لا يصل من هذا إلى جاره شيء من حر ناره ، ولا من هذا إلى جاره شيء من نعيمه ، وقدرة الله أوسع من ذلك وأعجب ، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علماً .
وقد أرانا الله في هذه الدار من عجائب قدرته ما هو أبلغ من هذا بكثير ، وإذا شاء الله أن يطلع على ذلك بعض عباده أطلعه وغيّبه من غيره ، ولو أطلع الله على ذلك العباد كلهم لزالت حكمة التكليف والإيمان بالغيب ، ولما تدافن الناس كما في " الصحيح " عنه  : " لولا أن لا تدافنوا ، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع " .

ومما سبق يتبين لكل منصف طالب للحق أن عذاب القبر ونعيمه واقع لا محالة ، فالمؤمن ينعم في البرزخ على حسب أعماله ، والفاجر يعاقب على قدر أعماله ، ويختص كل عضو بعذاب يليق بجنايته ، وقد وردت أحاديث تدل على ذلك ، فأهل الغيبة الذي يقعون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم ، ولا هم لهم إلا غثاء الألسن والتنقص من الناس وذكر عيوبهم وأشباه ذلك فأولئك تقرض شفاههم بمقاريض من نار في قبورهم ، وأما الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً وعدواناً وقهراً وغصباً حباً وطمعاً في الدنيا وزخرفها فأولئك تسجر بطونهم بالنار وتتأجج بها ، مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً " [ النساء ] فأكل مال اليتيم ظلماً بغير وجه حق من المهلكات الموبقات كما في الصحيحين : " اجتنبوا السبع الموبقات ، وذكر منهن : وأكل مال اليتيم . . . " وذكر ابن كثير في تفسيره من حديث أبي برزة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً " قيل : يارسول الله من هم ؟ قال : " ألم تر أن الله قال : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً " [ سكت عنه محمد نسيب الرفاعي في تيسير العلي القدير ] ، وأما أكلة الربا فيلقمون في قبورهم حجارة يأكلونها في بطونهم بسبب أكلهم للمال الحرام ، ويسبحون في أنهار الدم كما كانوا يسبحون في الكسب الخبيث ، وترض رؤوس النائمين عن الصلاة بالحجارة العظيمة ، وأما أهل الكذب ومن تمرسوا عليه فناموا وقاموا على الكذب فأولئك تشق أشداقهم إلى قفاهم ، ومناخرهم إلى قفاهم ، وأعينهم إلى قفاهم بكلاليب عظيمة من الحديد وذلك جزاءً وفاقاً ، فكما كانوا يكذبون الكذبة تبلغ الآفاق فإنهم يعذبون بالكلاليب من الحديد ، وتعلق النساء الزواني بثديهن ، ويحل بساحة الزناة والزواني عذاب شديد في قبورهم حيث يحبسون في تنور ـ فرن ـ محمي عليه فيأتيهم لهب من تحتهم فيصيحون ويصرخون ولا منقذ ولا نصير من مقت الله وعذابه ، فالله حرم الزنا وهم أحلوه ، والله توعد أهل الزنا بالنار وهم كذبوه ، فحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ، وكل ذلك ثابت في صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه ، وتسلط الهموم والغموم ، والأحزان والآلام النفسية على أصحاب النفوس الضعيفة التي انكبت في الدنيا على الملاهي وإضاعة الأوقات النفيسة فيما حرم الله من لهو ولعب وبطالة ، فتصنع الآلام في نفوسهم كما يصنع الهوام والديدان في لحومهم ، حتى يأذن الله بانقضاء أجل العالم وطي الدنيا ، فتُمطَرُ الأرض أربعين مطراً غليظاً أبيض كمني الرجال ، فينبتون من قبورهم كما تنبت الشجرة والعشب ، ثم يأمر الله إسرافيل عليه السلام بالنفخ في الصور النفخة الثالثة وهي نفخة القيام لرب العالمين ، فتتشقق الأرض عنهم فإذا هم قيام ينظرون ، فيقول المؤمن : " الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور " ويقول الكافر والمجرم والعاصي والمذنب : " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ؟ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " [ يس 53 ] ، فيساقون إلى أرض المحشر حفاة عراة غرلاً بهماً ، ومع كل نفس سائق يسوقها ، وشهيد يشهد عليها ، وهم ما بين مسرور ومثبور ، وضاحك وباك ، قال تعالى : " وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الفجرة الكفرة " [ المطففين ] ، حتى إذا تكاملوا جميعاً وتكاملت عدتهم وصاروا على وجه الأرض ، تشققت السماء ، وانتثرت الكواكب ، ونزلت الملائكة الكرام ، فأحاطت بهم ، بعد ذلك يجيء رب العالمين سبحانه وتقدس للفصل والقضاء ، فأشرقت الأرض بنوره ، وتميز المجرمون من المؤمنين ، ونصب الميزان ، وأحضر الديوان ، وتطايرت الصحف فآخذ صحيفته بيمينه وآخذ صحيفته بشماله أو من وراء ظهره ، فحينئذ تضطرب القدمان ويشيب الولدان ، ويوضع الصراط على ظهر جهنم وحينذاك يوقن المجرم والكافر بوقوع العذاب ، فيؤتى بالشهود ، فتشهد الأسماع والأبصار والجلود ، وتشهد الأرض ويشهد المكان ، وتشهد الألسن والأيدي والأرجل والأفخاذ ، فلم تبق جارحة إلا وشهدت وبالحق نطقت ، فياللفضيحة والعار ، وياللخزي والشنار لأهل الكفر والفجور في ذلك الموقف الرهيب العصيب ، فلا تزال الخصومة بين يدي الله عز وجل حتى يختصم الروح والجسد ، فيقول الجسد : إنما كنت ميتاً لا أعقل ولا أسمع ولا أبصر ، وأنتِ كنتِ السميعة المبصرة العاقلة ، وكنتِ تصرفينني حيث أردتِ ، فتقول الروح : وأنتَ الذي فعلت وباشرت المعصية وبطشت ، فيرسل الله سبحانه إليهما ملكاً يحكم بينهما ، فيقول : مثلكما مثل بصير وقعد ، وأعمى صحيح ، دخلا بستاناً ، فقال المقعد : أنا أرى الثمار ولا أستطيع أن أقوم ، وقال الأعمى : أنا أستطيع القيام ولكن لا أرى شيئاً ، فقال له المقعد : احملني حتى أصل إلى ذلك ، ففعلا ، فعلى من تكون العقوبة ؟ فيقولان : عليهما ، فيقول كذلك أنتما .

maher 18-01-2006 06:59 AM

ثم تنصب كلاليب عظيمة القدر تعوق الناس عن العبور على حسب ما كانت تعيقهم الدنيا عن طاعة الله ومرضاته وعبوديته ، فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومقطع بتلك الكلاليب ، ومكردس في النار ، وقد طفئ نور المنافقين على الجسر أحوج ما كانوا إليه ، كما طفئ نور الإيمان من قلوبهم في الدنيا ، فيصرخون ويقولون للمؤمنين : " انظرونا نقتبس من نوركم " أي انتظرونا نأخذ من نور إيمانكم ما نجوز به الصراط ، فيقول لهم المؤمنون والملائكة : " ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً " أي ارجعوا إلى الدنيا فخذوا من الإيمان نوراً تستطيعون به أن تجتازوا تلك الكلاليب التي وضعت على ظهر جهنم ، فيفصل بينهم بسور له باب ، ولا يتجاوز الصراط إلا المؤمنون ، فحينئذ يأمنون من دخول النار ، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض مما وقع بينهم من المظالم في الدنيا حتى يهذبوا وينقوا منها ثم يؤذن لهم بدخول الجنة .
فإذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يُقال : يا أهل الجنة ؟ فيطّلعون وجلين ، ثم يقال : يا أهل النار ؟ فيطُلعون مستبشرين ، فيقال : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، وكلهم قد عرفه ، فيقال : هذا الموت ، فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت .
فهذا آخر أحوال هذه النطفة التي هي مبدأ الإنسان ، وما بين هذا المبدأ وهذه الغاية أحوال وأطباق قدّر العزيز العليم تنقل الإنسان فيها , وركوبه لها طبقاً بعد طبق ، حتى يصل إلى غايته من السعادة أو الشقاوة . قال تعالى : " قتل الإنسان ما أكفره * من أي شيء خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء أنشره " [ عبس 17 – 22 ] .

فعلى المسلم أن يستعد للرحيل ويتزود له بالعمل الجليل ، فقد دنت الآجال وتبددت الآمال ، فلابد من الاجتهاد في الطاعات وزيادة القربات ، فالكل متهيئ للسفر من دار الانتقال إلى دار القرار ، فاستعدوا أيها المسلمون أمر التقوى في القول والعمل واحذروا حب الدنيا والتفاخر بحطامها واكتساب آثامها ، فهي الهالكة والحالقة التي تهلك صاحبها وتحلق دينه وتذيب عقيدته ، فمن وراء ذلك أهوال عظام ، ووحشة وظلمات جسام ، وهناك الهموم والغموم ، والكروب وتضايق الأنفس ، فاعملوا لذلك الزائر الأخير ، هادم اللذات ومفرق الجماعات ، الذي لا يعوقه عائق ، ولا يضرب دونه حجاب ، وياله من نازل لا يستأذن على الملوك ، ولا يلج من الأبواب ، ولا يرحم صغيراً ، ولا يوقر كبيراً ، ولا يخاف عظيماً ، ولا يهاب أحداً ، وإن بعده أهوالاً عظاماً ، ووحشة وقبوراً ، وعذاباً ونعيماً ، فاستيقظوا من الغفلة ، واغتنموا دار المهلة ، فكل محاسب بما عمل ، فإن كان خيراً وعملاً صالحاً ، فذاك الفلاح والنجاح ، وذاك هو الفوز وتلك هي السعادة ، وإن كان شراً وعملاً قبيحاً ، فذاك هو الخسران المبين ، وتلك هي التعاسة والشقاء ، : " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " [ فاطر ] ، " أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله " ، " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " ، " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً " ، إنها رحلة عجيبة تلكم الحياة التي يمر بها الإنسان ، فيبدأ من نطفة ثم علقة ثم من مضغة مخلقة ثم تكسى العظام لحماً ثم يكون جنيناً ثم يخرج إلى الحياة طفلاً ثم يشب يافعاً ثم يشيب فيصبح شيخاً ثم يهرم فينقضي أجله فيعود تراباً كما خلق من تراب ، ثم يقاسي في قبره أهوال القبور من نعيم وجحيم ، أنها مسيرة عجيبة غريبة من الناس من يسيرها كاملة ، ومنهم من يسيره جزءاً يسيراً منها ، ومنهم من يسير أكثرها ، قال تعالى : " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " [ البقرة ] ، فالله الله في اغتنام فرصة العمر فيما يقرب إلى الله ويقرب إلى الجنان ويبعد عن النيران ، والحذر كل الحذر من إشغال الوقت بما لا فائدة فيه ، فيعود على صاحبه بالنقمة والحسرة والندامة.

اللهم وفقنا للأعمال الصالحة ، واغتنام الأوقات بالعلوم النافعة ، اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم أمنا من عذاب القبر وعذاب النار إنك على كل شيء قدير ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك

maher 02-02-2006 07:12 AM

إثبات عذاب القبر وعود الروح إلى الجسد
 
إثبات عذاب القبر وعود الروح إلى الجسد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أما بعد فيقول عزوجل في القرءان الكريم : النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب ( سورة غافر / ءاية 46 ) . اعلم رحمنا الله وإياك أن من معاني الشهادة الثانية أي أشهد أن محمداً رسول الله أن يصدق الإنسان بعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين منكر ونكير عليهما السلام، فمن أنكر عذاب القبر كذب القرءان ومن كذب القرءان كفر ، فهذه الآية فيها إثبات عذاب القبر وهي صريحة لأن الله تعالى قال : ] النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة.

معناه أن ءال فرعون أي أتباعه الذين اتبعوه على الكفر والشرك يعرضون على النار في البرزخ أي في مدة القبر والبرزخ ما بين الموت إلى البعث يعرضون على النار عرضاً من غير أن يدخلوها حتى يمتلئوا رعباً أول النهار مرة وءاخر النهار مرة ووقت الغداة من الصبح إلى الضحى وأما العشي فهو وقت العصر ءاخر النهار ويوم تقوم الساعة أي يقال للملائكة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب وءال فرعون هم الذين عبدوه واتبعوه في أحكامه الجائرة ليس معناه أقاربه ثم هناك ءاية أخرى تثبت عذاب القبر؛ فقد قال عز وجل : ] ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى [ ( سورة طه / ءاية 124 ) .

المعنى أن الكفار الذين أعرضوا عن الإيمان بالله تعالى إذا ماتوا يتعذبون في قبورهم وليس المراد بـ (معيشة ضنكا ) معيشة قبل الموت إنما المراد حالهم في البرزخ ، وكلمة ( ذكري ) هنا معناها الإيمان بالله سبحانه وبالرسول ليس المراد بها الذكر المعروف وهو قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك . وهذه الآية عُرف أن المراد منها عذاب القبر من الحديث المرفوع إلى النبي الذي فسر هذه الآية ( معيشة ضنكا ) بعذاب القبر رواه ابن حبان وفي هذا قال الرسول الكريم لأصحابه : (( هل تدرون في ماذا أنزلت ] فإن له معيشة ضنكا [ قالوا : الله ورسوله أعلم : قال عذاب الكافر في قبره))... الحديث .

وفي هذا دليل أيضاً على أن الميت في القبر بعد عودة الروح إليه يكون له إحساس بالعذاب إن كان من المعذبين للكفر أو للمعاصي . وقد قال الرسول : ((القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة )) رواه الترمذي من حديث أبي سعيد . وقد قال مسروق رحمه الله : (( ما غبطت أحداً ما غبطت مؤمناً في اللحد، قد استراح من نصب الدنيا وأمِِنَ عذاب الله تعالى )) . وقد حدّث ثابت البناني رحمه الله قال : دخلت المقابر فلما قصدت الخروج منها فإذا بصوت قائل يقول : يا ثابت لا يغرنَّك صموت أهلها فكم من نفس مغمومة فيها .

ولنرجع قليلاً إلى الآيتين السابقتين فيتبين أنهما واردتان في عذاب القبر لكل الكفار أما العصاة المسلمون من أهل الكابئر الذين ماتوا قبل التوبة فهم صنفان : صنف يعفيهم الله من عذاب القبر وصنف يعذبهم ثم ينقطع عنهم ويُؤخّر لهم بقية عذابهم إلى الآخرة . وليعلم أنه لا يقال إن الميت إذا كان يرى في القبر في هيئة النائم ولا يُرى عليه شيء من الاضطرابات ولا يصرخ فإذاً هو ليس في عذاب؛ فقد قال بعد الفقهاء : (( عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود )) فإذا نحن لم نرى الشيء بأعيننا فليس معناه أن هذا الشيء ليس موجوداً ؛ فكثير من الأمور أخفاها الله عنّا وبعضها يكشفها الله لبعض عباده .

تأكد عذاب القبر بسبب الغيبة وعدم الاستنـزاه من البول

روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن ابن عباس : مرّ رسول الله على قبرين فقال : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستـتر من البول )) ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين فغرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: (( لعله يخفف عنهما )) فهذا الحديث بعد كتاب الله حجّة في إثبات عذاب القبر ، الرسول مر على قبرين فقال : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم )) ثم قال : (( بلى)).

maher 02-02-2006 07:14 AM

إثبات عذاب القبر وعود الروح إلى الجسد

أي بحسب ما يرى الناس ليس ذنبهما شيئاً كبيراً لكنه في الحقيقة ذنب كبير لذلك قال : (( بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة )) وهي نقل الكلام بين اثنين للإفساد بينهما ، يقول لهذا فلان قال عنك كذا ويقول للآخر : فلان قال عنك كذا ليوقع بينهما الشحناء، وأما الآخر فكان لا يستنـزه من البول أي كان يتلوث بالبول وهذا من الكبائر فقد قال عليه الصلاة والسلام : (( استنـزهوا من البول فإنّ عامة عذاب القبر منه )) رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة .

ومعناه : تحفظوا من البول لئلا يلوثكم ، معناه لا تلوثوا ثيابكم وجلدكم به لأن أكثر عذاب القبر منه . هذان الأمران بحسب ما يراه الناس ليسا ذنباً كبيراً لكنهما في الحقيقة عند الله ذنب كبير ، فالرسول رءاهما بحالة شديدة وأنهما يُعذبان وليس من شرط العذاب أن تمسَّ جسده النار ، الله جعل عذاباً كثيراً غير النار في القبر، الرسول رأى ذلك وبعض المؤمنين الصالحين يرون ذلك ويرون النعيم والأدلة كثيرة نذكر منها حديث رواه ابن حبان أن التقي بعد سؤال منكر ونكير عليهما السلام قال الرسول : (( ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ذراعاً )).

والذراع الشرعي من رءوس الأصابع إلى المرفق ، حوالي نصف متر وينور له فيه ويقال له : نم كنوم العروس الذي لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ، كذلك التقي يشم من رائحة الجنة ويرى مقعده من الجنة الذي يتبوءه بعد الحساب وذلك أنّ روحه تؤخذ إلى مكان قرب الجنة فيرى مقعده فيعرف فضل الإسلام حين ذلك معرفة عيانية كما كان يعرف في الدنيا معرفة يقينية قلبية . وبعض المتقين يزيد في النعيم بأن يُوسَّع قبره مد البصر كما حصل للصاحبي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه الذي كان من أكابر الأولياء لما نبشوا قبره بعد دفنه في أرض مسبعة لينقلوه إلى مكان أخر وجدوا قبره يتلاطم بالأنوار ، كذلك من النعيم يأتيه من نسيم الجنة لما يُفتح له في قبره باب إلى الجنة كذلك يُملأ قبره خضرة أي يوضع في قبره من نبات الجنة الأخضر وهذا النعيم كله حقيقي ليس وهماً لكن الله يحجب ذلك عن أبصار الناس أي أكثرهم، أما أهل الخصوصية من عباد الله الكاملين فيشاهدون. والحكمة في إخفاء الله حقائق أمور القبر وأمور الآخرة ليكون إيمان العباد إيماناً بالغيب فيعظم ثوابهم وقد ورد في الحديث أن الرسول قال : (( ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه )) رواه الترمذي والحاكم.

وقد روي أن سفيان الثوري رحمه الله قال : ((من أكثر ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار )) وكان الربيع بن خيثم رحمه الله قد حفر قبراً في داره فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيه فاضطجع فيه ومكث ساعة ثم قال : ] ربّ ارجعونِ لعلي أعمل صالحاً فيما تركت [ ( سورة المؤمنون / ءاية 99-100 ). ثم قال : يا ربيع قد أرجعت فاعمل الآن قبل أن لا ترجع ، فرحم الله أولئك الرجال كم كانوا عظماء وكم كانوا خائفين من الله وكم كانوا عاملين للآخرة زاهدين في الدنيا راجين رحمة ربّهم خائفين عذابه رزقنا الله الاقتداء بهم ءامين .

عود الروح إلى الجسد في القبر

اعلم أنه ثبت في الأخبار الصحيحة عود الروح إلى الجسد في القبر كحديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي رواه الحاكم وأبو عوانه وصححه غير واحد وفيه ويعاد الروح إلى جسده . وأما حديث ابن عباس مرفوعاً : (( ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)) رواه ابن عبد البر وعبد الحق الإشبيلي وصححه . ونحن نؤمن بما ورد في هذا الحديث ولو لم نكن نسمع ردّ السلام من الميت لأن الله حجب عنا ذلك ويتأكد عود الحياة في القبر إلى الجسد مزيد التأكد في حق الأنبياء فإنه ورد من حديث أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام : (( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)) رواه البيهقي .

إثبات عود العقل إلى الميت في القبر

فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ذكر فتَّاني القبر فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أترد علينا عقولنا يا رسول الله قال : (( نعم كهيئتكم اليوم)) قال : فبفيه الحجر ، ومعنى الفتَّان الممتحن ، منكر ونكير سُمّيا بذلك لأنهما يمتحنان الناس ولأنهما مخوفان فقد ورد في الحديث الذي رواه ابن حبان أن الرسول قال : (( إذا قُبر الميت أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد )) ...

الحديث ، وقوله رضي الله عنه : أترد علينا عقولنا يعني السؤال فقال له الرسول : (( نعم كهيئتكم اليوم )) أي يكون الجواب من الجسم مع الروح فقال عمر : فبفيه الحجر ، أي ذاك الخبر الذي لم أكن أعرفه وسكت وانقطع عن الكلام معناه ليس له حُجّة على ما كان يظن ، هو كان يظن أنه لا ترد عليهم عقولهم فلما قال له الرسول بأنه تُرد عليهم عقولهم عرف خطأ ظنّه. واعلم يا عبد الله أنه بعد دفن الإنسان يأتيه ملكان أسودان أزرقان أي لونهما ليس من السواد الخالص بل من الأسود الممزوج بالزرقة وهذا أخوف ما يكون من الألوان حتى يفزع الكافر منهما، أما المؤمن التقي لا يخاف منهما ، الله تعالى يثبته يلهمه الثبات وهما لا ينظران إليه نظرة غضب .

أما الكافر يرتاع منهما وقد سميا منكراً ونكيراً لأن الذي يراهما يفزع منهما وهما اثنان أو يكون هناك جماعة كل واحد منهما يسمى منكراً وجماعة كل واحد منهما يسمى نكيراً ، فيأتي إلى كل ميت اثنان منهم واحد من هذا الفريق وواحد من الفريق الآخر . وليعلم أن مُنكِر سؤال الملكين منكر ونكير عناداً كافر . الله يثبتنا عند سؤال الملكين بجاه سيد الكونين سيدنا محمد وبجاه المرسلين والملائكة المقربين والأولياء والصالحين

maher 14-02-2006 08:47 AM

عذاب القبر ونعيمه

رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: "استعيذوا باللّه من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثاً - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال إلى الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من اللّه ورضوان - قال: فتخرج تسيل كما يسيل القطر في السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول اللّه عز وجلَّ: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي اللّه، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب اللّه فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له قبره مد البصر - قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول:رب أقم الساعة، رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من اللّه وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له - ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فيقول اللّه عزَّ وجلَّ: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً - ثم قرأ: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة.
وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فيقال لها ذلك، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها اللّه عزَّ وجلَّ، وإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان، فيقولون: لا مرحباً بالنفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لم يفتح لك أبواب السماء، فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن جرير واللفظ له).

maher 14-02-2006 08:50 AM

المنجيات من عذاب القبر


الذي ينجي المرء من عذاب القبر بإذن الله هو أن يكون مستعدا للموت مشمرا له ، حتى إذا فاجأه الموت لم يعض أصبع الندم ، ومن الاستعداد للموت الإسراع في التوبة ، وقضاء الحقوق ، والإكثار من الأعمال الصالحة ، فبالإيمان والصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وبر الوالدين وصلة الأرحام ، وذكر الله عز وجل وغيرها من الأعمال يحفظ الله عبده المؤمن ، وبها يجعل الله له من كل ضيق فرجا ، ومن كل هم مخرجا وقد أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأعمال الصالحة تحرس الإنسان في قبره ، يقول ابن تيمية ( في الحديث المشهور حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو حاتم في صحيحه ، وقد رواه الأئمة قال : ( إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه ، وكان الصيام عن يمينه ، وكانت الزكاة عن يساره ، وكان فعل الخيرات من الصدق والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه ، فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى عن يمينه ، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى عن يساره ، فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والإحسان إلى الناس : ما قبلي مدخل ، فيقال له : اجلس ، قد مثلت له الشمس وقد دنت للغروب ، فيقال له : ما هذا الرجل الذي كان فيكم ، ما تقول فيه ؟ فيقول : دعوني ، حتى أصلي ، فيقولون : إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه ، فقال : عم تسألوني ؟ فيقولون : ما تقول في هذا لرجل الذي كان فيكم ، ما تشهد به ؟ فيقول : أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله ، فيقال: على ذلك حييت ، وعلى ذلك مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله تعالى، ثم يفتح له بابا من أبواب الجنة ، فيقال له : ذلك مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها ، فيزداد غبطة وسرورا ، ثم يفتح له بابا من أبواب النار ، فيقال : ذلك مقعدك منها ، وما أعد الله لك فيها [ لو عصيت الله ] ، فيزداد غبطة وسرورا ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له فيه ، ويعاد جسده كما بدئ ، وتجعل نسمته في نسم الطيب ، وهي طير تعلق في شجر الجنة )
الاستعاذة بالله من عذاب القبر : لما كانت فتنة عذاب القبر من الأهوال الكبار ، والشدائد العظيمة ،
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من ذلك في صلاته وفي غير الصلاة ، وكان يأمر أصحابه بذلك. فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعوا فيقول : ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل والهرم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ) رواه أحمد وعن عائشة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ، ومن فتنة القبر ، وعذاب القبر .. ) ، عزاه الألباني في صحيح الجامع إلى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه ( تعوذوا من عذاب القبر ) ، فيقولون : ( نعوذ بالله من عذاب القبر ) رواه مسلم وكان يقول لهم: ( استجيروا بالله من عذاب القبر ، فإن عذاب القبر حق ) رواه الطبراني وكان يأمرهم أن يستعيذوا من أربع فيقول ( استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من جهنم ، استعيذوا بالله من فتنة المسيح الدجال ، استعيذوا بالله من فتنة المحيا والممات ) ، عزاه في صحيح الجامع إلى الترمذي والنسائي وكان يأمرهم بالاستعاذة في الصلاة بعد التشهد من عذاب القبر ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع . يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مجرد اطلالة 14-02-2006 10:22 AM

السلام عليكم

جزاك الله كل خييييييير اخي ماهر على هذه الموعظة والتذكرة الغالية ، والله انها لحقيقة نتناساها وهي وراءنا وموضوعك حرك القلووب وادمع العيون ووجلت الانفس.

واذا سمحت اخي اضيف الى ما اسردت هذه الاضافة البسيطة ووقانا الله واياكم من عذاب القبر اميييييييين يارب العالمييييييييييين :


خرج عمر بن عبدالعزيز في جنازة بعض أهله ، فلما أسلمه للديدان ودسه في التراب ، التفت إلى الناس :فقال أيها الناس :- إن القبر ناداني من خلفي ! أفلا أخبركم بما قال لي ؟
قالوا : بلى
قال : إن القبر قد ناداني فقال : يا عمر بن عبدالعزيز ألا تسألني ما صنعت بالأحبة ؟ قلت : بلى ....
قال : خرقت الأكفان ومزقت الأبدان ومصصت الدماء وأكلت اللحم .....
ألا تسألني ما صنعت بالأوصال ؟ قلت : بلى .....
قال : نزعت الكفين من الذراعين والذراعين من العضدين والعضدين من الكتفين
والوركين من الفخذين والفخذين من الركبتين والركبتين من الساقين والساقين من القدمين ......
ثم بكى عمر فقال : ألا إن الدنيا بقاؤها قليل ... وعزيزها ذليل ... وشبابها يهرم ...
وحيها يموت ... فالمغرور من اغتر بها ... أين سكانها الذين بنوا مدائنها ؟ ...
ما صنع التراب بأبدانهم ؟ والديـــدان بعظامهــم وأوصالهــم ؟ ... كانوا في الدنيا :
على أسرة ممهدة وفرش منضدة ....
بين خدم يخدمون وأهل يكرمون ....
فإذا مررت : فنادهم إن كنت مناديــا وادعهم إن كنت داعيا ...
أين سكانها الذين بنوا مدائنها ؟ ....
وانظر إلى تقارب قبورهم من منازلهم ...
وسل غنيهم ، ما بقي من غناه ؟ ....
وسل فقيرهم ، ما بقي من فقره ؟ ....
سلهم : عن الألسن ، التي كانوا بها يتكلمون وعن الأعين ، التي كانوا بها إلى اللذات ينظرون ... : وسلهم عن الجلود الرقيقة ... والوجوه الحسنة ... والأجساد الناعمة ...
ما صنع بها الديدان ؟ ... محت الألوان وأكلت اللحمان وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت القفا وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء
أين خدمهم وعبيدهم ؟ ...
أين جمعهم ومكنوزهم ؟ ...
والله ما زودوهم فرشا ... ولا وضعوا لهم متكئا ... أليسوا في منازل الخلوات ؟ ...
وتحت أطباق الثرى في الفلوات ؟ ... أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ ...
قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة والأهل ... قد تزوج نساؤهم وأهملت في الطرقات أبناؤهم وتوازعت القرابات ديارهم وتراثهم ... فمنهم والله الموسع له في قبره الغض الناظر فيه المتنعم بلذته ...
ثم بكى عمر فقال :يا ساكن القبر غدا ... مالذي غرك من الدنيا ؟ ...
أين رقاق ثيابك؟ ... أين طيبك ؟ ... أين بخورك ؟ ... كيف أنت على خشونة الثرى ؟ ...
ليت شعري : بأي خدّ يبدأ الدود والبلى ؟ ...
ليت شعري : ما الــذي يلقانــي به مــلك الموت عند خروجي من الدنيا ؟ ...
وما الذي يأتيني به من رسالة ربي ؟ ...
ثم بكى بكاء شديدا حتى ثقل الكـــلام علــيه ، ثم انصرف ...

************************************************** ***************

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا
اللهم إنّا نعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم
ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال
اللهم امين

maher 09-03-2006 03:58 AM

شكرا أختي مجرد إطلالة على المرور و الإضافة المؤثرة
 
قال تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون [المؤمنون:99-100].

هذه قولة الكافر عند الاحتضار ثم ما يقوله في قبره في لهفة أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحا، يقول قتادة رحمه الله: إن الكافر لن يطلب أن يعود إلى مال أو أهل أو ولد إنما يتمنى أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحا، فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر عندما يرى العذاب، والبرزخ الحاجز بين الدنيا والآخرة، وهي القبور حيث يُنعم المؤمنون ويُعذب الكافرون والعاصون.

فما القبر؟ وما صفته؟ وهل للقبر عذاب؟ وما أسبابه؟ وكيف النجاة منه؟

القبر: أول منازل الآخرة، يكرم فيه المؤمن تهيئة لما ينتظره في الجنة ويعذب فيه الكافر والعاصي تهيئة لما ينتظره في جهنم.

وينبغي أن تعلم:

أن الموت كأس وكل الناس شاربه قال تعالى: كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن :26-27]. كل نفس ذائقة الموت [آل عمران:185]. كل شيء هالك إلا وجهه [القصص:88]. فلا منجى ولا مهرب.

إن زيارة القبور مستحبة لقوله : ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة))([1]).

لما فيها من التذكر والاعتبار وكان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته فسئل عن ذلك وقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفت على قبر؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: ((إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعد أشد))([2]).

يقول ابن القيم رحمه الله: كان النبي إذا زار القبور يزورها للدعاء لأهلها والترحم عليهم والاستغفار لهم ومر يوما بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر))([3]).

كان الربيع بن خثيم قد حفر في داره قبر فكان إذا وجد في قلبه قسوة دخل فيه فاضطجع ثم يصرخ (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) ثم يرد على نفسه: يا ربيع قد رجعت فاعمل، ووقفة على القبور تريك الأعمار المتفاوتة، ومآلك إلى هذه الحفرة الضيقة، فناء هذه الأبدان التي أوليتها اهتمامك، تركك وحيدا فلا زوجة ولا ولد.

وأما صفة القبر: فاعلم أن للقبر:

أ- كلام: للحديث: ((إن الميت يقعد وهو يسمع خطو مشيعيه فلا يكلمه شيء إلا قبره ويقول: ويحك ابن آدم أليس قد حذرتني وحذرت ضيقي ونتني ودودي فماذا أعددت لي؟))([4]).

ب- ضمة: للحديث: ((للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ)) وفي رواية: ((هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهد له سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه))([5]).

ج- فتنة: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسئل بعد موته قبر أم لم يقبر فلو أكلته السباع أو صار رمادا لسئل عن أعماله وجزي بالخير خيرا وبالشر شرا: للحديث: ((إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع خفق نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله قال: فيقول: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، وأما الكافر والمنافق فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة فيسمعها من عليها غير الثقلين))([6]).

وأما هل للقبر عذاب؟: فإن عذاب القبر ثابت في الكتاب والسنة.

من الكتاب

1- قال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون [السجدة:21]. قال ابن عباس: جزء منه في الدنيا والنصيب الأكبر منه في القبر والعذاب الأكبر هو عذاب جهنم، قال مجاهد: يعني به عذاب القبر.

2- قوله تعالى: وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر:45-46].

قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبر([7]). حيث أثبت سبحانه لآل فرعون عذابا في الليل والنهار ويوم تقوم الساعة ينتقلون إلى العذاب الأكبر في جهنم.

قوله تعالى: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون [الأنعام:93]. فالأمر لا يتأخر إلى انقضاء الدنيا فهم يعذبون قبل قيام الساعة الكبرى وهو عذاب القبر.

ب- ومن الحديث:

حديث: ((القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار))([8]).

((لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يريكم عذاب القبر فقالت أم بشر: وهل للقبر عذاب؟ فقال: : إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم))([9]).

ومن دعائه وبعد التشهد الأخير: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال))([10]).

ما هي أسباب عذاب القبر:

1- التهاون في الطهارة وسوء الخلق: للحديث: ((إن النبي مر على قبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة))([11]).

النميمة نقل الكلام للإفساد بين الناس والتنزه هو الاستبراء والتطهر للحديث: ((تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه))([12]).

2- التهاون في الوضوء وتركه نصرة أخيه المظلوم للحديث: ((أمر بعبد من عبيد الله أن يجلد في قبره مائة جلدة فما زال يسأل الله عز وجل حتى صارت جلده فلما ضرب اشتعل عليه قبره نارا فلما أفاق قال: علام جلدتموني؟، فقيل له: إنك صليت صلاة من غير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره))([13]).

وأمة الإسلام واقعة في هذا الإثم فكم من مستصرخ أو مستنجد تستباح أرضهم وأعراضهم وأمة الإسلام لاهية سادرة في عبثها ولهوها.

3- أو جريمة كالسرقة: كان رجل يقال له كركرة على متاع رسوله فمات فقال النبي : ((هو في النار وإن الشملة تشتعل عليه نارا في قبره)) فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها))([14]). والغلول: السرقة من الغنيمة. والشملة: هي الكساء من الصوف يتغطى به.

يقول ابن القيم رحمه الله: فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات([15]).

وأما أسباب النجاة من عذاب القبر:

1- أعظم أسباب النجاة من عذاب القبر هي الشهادة في سبيل الله فنسأل الله أن يبلغنا إياها بمنه وكرمه أمين.

سئل رسول الله : ((ما بال الشهداء لا يفتنون في قبورهم؟ فقال: كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة))([16]).ويقول: ((إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا و ما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه))([17]).

2- المداومة على قراءة سورة تبارك للحديث: ((إن في القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له))([18]).

3- الأعمال الصالحة الخالصة: للحديث: ((إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين يولوا مدبرين فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتي عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل))([19]).

4- أن يموت يوم الجمعة أو ليلتها: للحديث: ((من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء))([20]).

5- المرابط في سبيل الله: للحديث: ((رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان))([21]).

6- أن يحاسب العبد نفسه ويجدد توبته قبل النوم، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ثم يجدد له توبة نصوحا، ويفعل هذا كل ليلة فإن مات من ليلته تلك مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخر أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته([22]).

ولا سيما إذا أعقب ذلك استعمال السنن عند النوم.

7- الدعاء للميت والاستغفار والصدقة عنه ووفاء ديونه وقضاء ما قصر فيه من حج فإنه له نفع للأحاديث: ((كان النبي إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل))([23]).

أن رجلا أتى النبي فقال: ((يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها (فاجأها الموت) ولم توص واظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم))([24]).

وأما موقف المسلم:

الإيمان المطلق والتصديق الذي لا شك فيه فالله ربنا ونحن عبيده، ورسول الله نبينا ونحن أتباعه وصدق الله العظيم: ومن أصدق من الله حديثا [النساء:87]. وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [النجم:3-4].

إن عذب القبر ونعيمه غيب كما أن الجنة والنار والملائكة غيب ومن سمات المؤمنين قال تعالى: الذين يؤمنون بالغيب [البقرة:3].

إن للنفس أربع دور كل دار أعظم من التي قبلها.
الأولى (في بطن الأم) حيث يتخلق فيه وتنفخ فيه الروح.
الثانية (دار الدنيا) وفيها يكتسب العبد الحسنات والسيئات.
الثالثة (دار البرزخ) وهي أوسع ونسبتها إليه كنسبة هذه الدار إلى الأولى.
الرابعة (دار القرار) وهي الجنة أو النار فلا دار بعدها: فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون:14].




([1])أحمد ومسلم . ([2])الترمذي وحسنة وابن ماجة . ([3])رواه الترمذي . ([4])ابن أبي الدنيا ورجاله ثقات . ([5])رواه النسائي . ([6])رواه الشيخان . ([7])ابن كثير مجلد3 ص246. ([8]) الترمذي . ([9])رواه مسلم . ([10])رواه مسلم . ([11])البخاري . ([12]) الدارقطني . ([13])الطبراني . ([14])البخاري ومالك . ([15])الروح ص112-113. ([16])النسائي . ([17])أحمد والطبراني . ([18])أبو داود والترمذي . ([19])الطبراني في الأوسط وابن حيان في صحيحه . ([20])رواه أحمد والترمذي . ([21])رواه مسلم . ([22])الروح / ابن القيم ص 115. ([23])أبو داود وقال الحاكم صحيح الإسناد . ([24])رواه الشيخان

هاشم محمدعلي المشهداني

دايم العلو 09-03-2006 04:46 AM

بارك الله فيك أخي الكريم ماهر
واسال الله أن يكون قبري وقبرك روضة من رياض الجنة
وأن يحسن لن الختام والفوز بالجنان
تذكرة وموعظة لأولي الألباب
وجهد تشكر عليه

الوردة الندية 09-03-2006 12:27 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة دايم العلو
بارك الله فيك أخي الكريم ماهر
واسال الله أن يكون قبري وقبرك روضة من رياض الجنة
وأن يحسن لن الختام والفوز بالجنان
تذكرة وموعظة لأولي الألباب
وجهد تشكر عليه


أمين
دام لنا عطائك أخي ماهر
ليكن موضوعك وقفة مع النفس دائما ..
بارك الله فيك

maher 30-03-2006 06:35 AM

أخواي العزيزين دايم و ورد

بارك الله فيكما على دعائكما الطيب و أسأل الله أن يغفر لكما ذنوبكما و ينقيكما كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس و يغسلكما بالماء و الثلج و البرد و يعصمكما من فتنة القبور و يشربكما من حوض المصطفى صلى الله عليه و سلم و يدخلكما جناته جنات الخلد

اللهم آمين


المنجيات من عذاب القبر

الذي ينجي المرء من عذاب القبر بإذن الله هو أن يكون مستعدا للموت مشمرا له ، حتى إذا فاجأه الموت لم يعض أصبع الندم ، ومن الاستعداد للموت الإسراع في التوبة ، وقضاء الحقوق ، والإكثار من الأعمال الصالحة ، فبالإيمان والصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وبر الوالدين وصلة الأرحام ، وذكر الله عز وجل وغيرها من الأعمال يحفظ الله عبده المؤمن ، وبها يجعل الله له من كل ضيق فرجا ، ومن كل هم مخرجا وقد أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأعمال الصالحة تحرس الإنسان في قبره ، يقول ابن تيمية ( في الحديث المشهور حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو حاتم في صحيحه ، وقد رواه الأئمة قال : ( إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه ، وكان الصيام عن يمينه ، وكانت الزكاة عن يساره ، وكان فعل الخيرات من الصدق والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه ، فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى عن يمينه ، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى عن يساره ، فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والإحسان إلى الناس : ما قبلي مدخل ، فيقال له : اجلس ، قد مثلت له الشمس وقد دنت للغروب ، فيقال له : ما هذا الرجل الذي كان فيكم ، ما تقول فيه ؟ فيقول : دعوني ، حتى أصلي ، فيقولون : إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه ، فقال : عم تسألوني ؟ فيقولون : ما تقول في هذا لرجل الذي كان فيكم ، ما تشهد به ؟ فيقول : أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله ، فيقال: على ذلك حييت ، وعلى ذلك مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله تعالى، ثم يفتح له بابا من أبواب الجنة ، فيقال له : ذلك مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها ، فيزداد غبطة وسرورا ، ثم يفتح له بابا من أبواب النار ، فيقال : ذلك مقعدك منها ، وما أعد الله لك فيها [ لو عصيت الله ] ، فيزداد غبطة وسرورا ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له فيه ، ويعاد جسده كما بدئ ، وتجعل نسمته في نسم الطيب ، وهي طير تعلق في شجر الجنة )
الاستعاذة بالله من عذاب القبر : لما كانت فتنة عذاب القبر من الأهوال الكبار ، والشدائد العظيمة ،
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من ذلك في صلاته وفي غير الصلاة ، وكان يأمر أصحابه بذلك. فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعوا فيقول : ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل والهرم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ) رواه أحمد وعن عائشة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ، ومن فتنة القبر ، وعذاب القبر .. ) ، عزاه الألباني في صحيح الجامع إلى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه ( تعوذوا من عذاب القبر ) ، فيقولون : ( نعوذ بالله من عذاب القبر ) رواه مسلم وكان يقول لهم: ( استجيروا بالله من عذاب القبر ، فإن عذاب القبر حق ) رواه الطبراني وكان يأمرهم أن يستعيذوا من أربع فيقول ( استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من جهنم ، استعيذوا بالله من فتنة المسيح الدجال ، استعيذوا بالله من فتنة المحيا والممات ) ، عزاه في صحيح الجامع إلى الترمذي والنسائي وكان يأمرهم بالاستعاذة في الصلاة بعد التشهد من عذاب القبر ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع . يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم

***

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

maher 30-03-2006 06:54 AM

محاضرة حول المنجيات من عذاب القبر للأستاذ مسعد أنور

MP3

http://audio.islamweb.net/Lecturs/mo...nwar/28448.mp3

الحجم ( MB 4.31 )


RM

http://216.176.57.210:8080/Lecturs/m...anwar/28448.rm

الحجم ( MB 3.08 )

maher 07-06-2006 02:19 AM

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على من أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد:


أسباب عذاب القبر

أورد ابن القيم رحمه الله سؤالاً حول عذاب القبر وأجاب عليه، في كتابه "الروح".

قال ـ رحمه الله تعالى ـ يقول السائل: ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟ وجواب ذلك من وجهين: مجمل، ومفصل:

أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم معاصيه، فلا يعذب الله روحاً عرفته وأحبته وامتثلت أمره واجتنبت نهيه، ولا بدناً كانت فيه أبداً، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب.

وأما الجواب المفصل: فقد أخبر النبي عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول، فهذا ترك الطهارة الواجبة وذلك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان صادقاً، وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب والزور والبهتان أعظم عذاباً، كما أن في ترك الصلاة التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها فهو أشد عذاباً. وأخبر عليه الصلاة والسلام - كما في رواية - أن أحد هذين اللذين يعذبان كان يأكل لحوم الناس، فهو مغتاب، وذلك نمام.

وجاء عنه { أن رجلاً ضرب في قبره سوطاً فامتلأ القبر عليه ناراً؛ لكونه صلى صلاة واحدة بغير طهور، ومر على مظلوم فلم ينصره }

وأخبر كما في حديث سمرة بن جندب الذي رواه البخاري عن تعذيب من يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وعن تعذيب من يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به في النهار، وعن تعذيب الزناة والزواني، وعن تعذيب آكل الربا، أخبر عنهم كما شاهدهم في البرزخ.

وفي حديث آخر أخبر عن رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة، وعن الذين يسرحون بين الضريع والزقوم لتركهم زكاة أموالهم، وعن الذين يأكلون اللحم المنتن الخبيث لزناهم، والذين تقرض شفاههم بمقارض من حديد لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب.

وجاء في حديث رواه أبو سعيد عنه ذكر أرباب بعض الجرائم وعقوباتهم: فمنهم من بطونهم أمثال البيوت وهم على سابلة آل فرعون، وهم أكلة الربا، ومنهم من تفتح أفواههم فيلقمون الجمر حتى يخرج من أسافلهم، وهم أكلة أموال اليتامى، ومنهم من تقطع جنوبهم ويطعمون لحومهم، وهم المغتابون، ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم، وهم الذين يمزقون أعراض الناس.

وأخبر النبي عن صاحب الشملة التي غلها من المغنم؛ أنها تشتعل عليه ناراً في قبره، هذا وله فيها حق، فكيف بمن ظلم غيره ما لا حق فيه؟!

فعذاب القبر من معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله: فالنمام، والكذاب، والمغتاب، وشاهد الزور، وقاذف المحصن، والموضع في الفتنة، والداعي إلى البدعة، والقائل على الله ورسوله ما لا علم له به، والمجازف في كلامه، وآكل الربا، وآكل أموال اليتامى، وآكل السحت من الرشوة وغيرها، وآكل مال أخيه المسلم بغير حق، أو مال المعاهد، وشارب المسكر، والزاني، واللوطي، والسارق، والخائن، والغادر، والمخادع، والماكر، وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمحلل والمحلل له، والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه، ومؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم، والحاكم بغير ما أنزل الله، والمفتي بغير ما شرع الله، والمعين على الإثم والعدوان، وقاتل النفس التي حرم الله، والملحد في حرم الله، والمعطل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحد فيها، والمقدم رأيه وذوقه وسياسته على سنة رسول الله ، والنائحة والمستمع إليها، ونواحو جهنم، وهم المغنون الغناء الذي حرمه الله ورسوله، والمستمع إليهم والذين يبنون المساجد على القبور، ويوقدون عليها القناديل والسُرج، والمطففون في استيفاء ما لهم إذا أخذوه، وهضم ما عليهم إذا بذلوه، والجبارون، والمتكبرون، والمراءون، والهمازون واللمازون، والطاعنون على السلف، والذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصدقونهم، وأعوان الظلمة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، والذي خوفته بالله وذكرته به فلم يرعوِ ولم ينزجر، فإذا خوفته بمخلوق مثله خاف وارعوى وكف عما هو فيه، والذي يهدي بكلام الله ورسوله فلا يهتدي، ولا يرفع به رأساً، فإذا بلغه عمن يحسن به الظن ممن يصيب ويخطئ عض عليه بالنواجذ ولم يخالفه، والذي يقرأ القرآن فلا يؤثر فيه، وربما اشتغل به، فإذا سمع قرآن الشيطان ورقية الزنا ومادة النفاق طاب سره وتواجد وهاج من قلبه دواعي الطرب، وود أن المغني لا يسكت، والذي يحلف بالله ويكذب، فإذا حلف بالولي أو برأس شيخه أو أبيه أو حياة من يحبه ويعظمه من المخلوقين لم يكذب ولو هدد وعوقب، والذي يفتخر بالمعصية ويتكثر بها بين أقرانه، وهو المجاهر، والذي لا تأمنه على مالك وحرمتك، والفاحش اللسان الذي تركه الخلق اتقاء شره وفحشه، والذي يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وينقرها ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ولا يؤدي زكاة ماله طيبة بها نفسه، ولا يحج مع قدرته على الحج، ولا يؤدي ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها، ولا يتورع من لحظِة ونظره ولا من لفظه ولا أكله ولا خطوِه، ولا يبالي بما حصل من المال من حلال أو حرام، ولا يصل رحمه، ولا يرحم المسكين ولا الأرملة ولا اليتيم، ولا يرحم الحيوان البهيم، بل يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، ويرائي للعالمين، ويمنع الماعون، ويشتغل بعيوب الناس عن عيبه، وبذنوبهم عن ذنبه.

فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم، بحسب كثرتها وقلتها، وصغرها وكبرها. ما لم يغفر الله لهم ويتجاوز عنهم بتوبة أو رحمة منه تعالى.

ولما كان أكثر الناس كذلك، كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حِيل بينها وبين شهواتها وأمانيها.

تالله لقد وعظت فما تركت لواعظ مقالاً، ونادت: يا عُمار الدنيا، لقد عمرتم داراً موشكة بكم زوالاً، وخربتم داراً أنتم مسرعون إليها انتقالاً، عمرتم بيوتاً لغيركم منافعها وسكناها، وخربتم بيوتاً ليس لكم مساكن سواها، هذه دار الاستباق، ومستودع الأعمال وبذر الزرع، وهذه محل للعبر، رياض من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.

أصلح الله لنا ولكم العاقبة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


maher 07-06-2006 02:21 AM


كيفية النجاة

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في هذا السياق: إن الأسباب المنجية من عذاب القبر من وجهين: مجمل، ومفصل.

أما المجمل فهو: تجنب الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، ومن أنفع أسباب تجنب عذاب القبر: أن يجلس الإنسان عندما يريد النوم لله ساعةً يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحاً بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، ويعزم على ألا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلاً للعمل مسروراً بتأخير أجله، حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه النومة، ولا سيما إذا عقب ذلك بذكر الله واستعمال السنن التي وردت عن رسول الله عند النوم، حتى يغلبه النوم، فمن أراد الله به خيراً وفقه لذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأما الجواب المفصل: فنذكر أحاديث عن رسول الله فيما ينجي من عذاب القبر:

فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله يقول: { رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان }.

ومعنى الرباط: الإقامة بالثغر مقوياً للمسلمين على الكفار، والثغر: كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم. والرباط فضله عظيم وأجره كبير، وأفضله ما كان في أشد الثغور خوفاً.

ومما ينجي من عذاب القبر ما دل عليه ما رواه النسائي عن رجل من أصحاب النبي أن رجلاً قال: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: { كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة }.

وروى الترمذي وابن ماجه وغيرهما بسند صحيح عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، عن رسول الله قال: { للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه }، وهذا لفظ ابن ماجه وعند الترمذي: { ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجه من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه }. وهذا بعض فضل الجهاد في سبيل الله والاستشهاد فيه.

ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما ثبت عند أبي داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى غفر له }. فدل هذا الحديث وما جاء في معناه من الآثار على أن من حافظ على قراءة سورة الملك وداوم على ذلك وعمل بما دلت عليه؛ فإنها تنجيه من عذاب القبر.

ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما صح عن النبي أنه قال: { من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره } [رواه الترمذي] وهذا يحمل من أصيب بداء البطن أن يصبر ولا يجزع، ويحتسب الأجر عند الله، وأن يحتسبه أهله كذلك.

ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما رواه الإمام أحمد وغيره أن رسول الله قال: { ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر }. وهذا محض فضل الله وتوفيقه لحسن الخاتمة.

ومما يستأنس به في هذا الباب: ما رواه ابن حبان في صحيحه وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل. فيقال له: اجلس، فيجلس، وقد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل. أخبرنا عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد، أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تُبعث إن شاء الله، ثم يُفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: هذا مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسروراً، ثم يُفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسروراً، ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويعاد الجسد لما بدأ منه، فتجعل نسمته في النسم الطيب، وهي طير يعلق في شجر الجنة }، قال: فذلك قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ إلى آخر الآية [إبراهيم:27]، ثم ذكر تمام الحديث.

وقد دل على ذلك أن تلك الأعمال من الصلاة والزكاة والصيام وفعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس من أسباب النجاة من عذاب القبر وكربه وفتنه.

والجامع في ذلك تحقيق التقوى لله تعالى، كما قاله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13].

اللهم اجعل قبورنا وإخواننا المسلمين رياضاً من رياض الجنة، وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، يا كريم، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

maher 18-10-2006 05:52 AM

هاشم محمدعلي المشهداني
 

عذاب القبر


ملخص الخطبة

1- القبر أول منازل الآخرة. 2- مشروعية زيارة القبور. 3- ماذا يكون في القبر. 4- عذاب القبر في الكتاب والسنة. 5- أسباب عذاب القبر. 6- أسباب النجاة من عذاب القبر. 7- موقف المسلم من عذاب القبر.


الخطبة الأولى

قال تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون [المؤمنون:99-100].

هذه قولة الكافر عند الاحتضار ثم ما يقوله في قبره في لهفة أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحا، يقول قتادة رحمه الله: إن الكافر لن يطلب أن يعود إلى مال أو أهل أو ولد إنما يتمنى أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحا، فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر عندما يرى العذاب، والبرزخ الحاجز بين الدنيا والآخرة، وهي القبور حيث يُنعم المؤمنون ويُعذب الكافرون والعاصون.

فما القبر؟ وما صفته؟ وهل للقبر عذاب؟ وما أسبابه؟ وكيف النجاة منه؟

القبر: أول منازل الآخرة، يكرم فيه المؤمن تهيئة لما ينتظره في الجنة ويعذب فيه الكافر والعاصي تهيئة لما ينتظره في جهنم.

وينبغي أن تعلم:
أن الموت كأس وكل الناس شاربه قال تعالى: كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن :26-27]. كل نفس ذائقة الموت [آل عمران:185]. كل شيء هالك إلا وجهه [القصص:88]. فلا منجى ولا مهرب.

إن زيارة القبور مستحبة لقوله : ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة))([1]).

لما فيها من التذكر والاعتبار وكان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته فسئل عن ذلك وقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفت على قبر؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: ((إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعد أشد))([2]).

يقول ابن القيم رحمه الله: كان النبي إذا زار القبور يزورها للدعاء لأهلها والترحم عليهم والاستغفار لهم ومر يوما بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر))([3]).

كان الربيع بن خثيم قد حفر في داره قبر فكان إذا وجد في قلبه قسوة دخل فيه فاضطجع ثم يصرخ (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) ثم يرد على نفسه: يا ربيع قد رجعت فاعمل، ووقفة على القبور تريك الأعمار المتفاوتة، ومآلك إلى هذه الحفرة الضيقة، فناء هذه الأبدان التي أوليتها اهتمامك، تركك وحيدا فلا زوجة ولا ولد.

وأما صفة القبر: فاعلم أن للقبر:

أ- كلام: للحديث: ((إن الميت يقعد وهو يسمع خطو مشيعيه فلا يكلمه شيء إلا قبره ويقول: ويحك ابن آدم أليس قد حذرتني وحذرت ضيقي ونتني ودودي فماذا أعددت لي؟))([4]).

ب- ضمة: للحديث: ((للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ)) وفي رواية: ((هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهد له سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه))([5]).

ج- فتنة: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسئل بعد موته قبر أم لم يقبر فلو أكلته السباع أو صار رمادا لسئل عن أعماله وجزي بالخير خيرا وبالشر شرا: للحديث: ((إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع خفق نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله قال: فيقول: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، وأما الكافر والمنافق فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة فيسمعها من عليها غير الثقلين))([6]).

وأما هل للقبر عذاب؟: فإن عذاب القبر ثابت في الكتاب والسنة.

من الكتاب

1- قال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون [السجدة:21]. قال ابن عباس: جزء منه في الدنيا والنصيب الأكبر منه في القبر والعذاب الأكبر هو عذاب جهنم، قال مجاهد: يعني به عذاب القبر.

2- قوله تعالى: وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر:45-46].

قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبر([7]). حيث أثبت سبحانه لآل فرعون عذابا في الليل والنهار ويوم تقوم الساعة ينتقلون إلى العذاب الأكبر في جهنم.

قوله تعالى: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون [الأنعام:93]. فالأمر لا يتأخر إلى انقضاء الدنيا فهم يعذبون قبل قيام الساعة الكبرى وهو عذاب القبر.

ب- ومن الحديث:

حديث: ((القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار))([8]).

((لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يريكم عذاب القبر فقالت أم بشر: وهل للقبر عذاب؟ فقال: : إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم))([9]).

ومن دعائه وبعد التشهد الأخير: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال))([10]).

ما هي أسباب عذاب القبر:

1- التهاون في الطهارة وسوء الخلق: للحديث: ((إن النبي مر على قبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة))([11]).

النميمة نقل الكلام للإفساد بين الناس والتنزه هو الاستبراء والتطهر للحديث: ((تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه))([12]).

2- التهاون في الوضوء وتركه نصرة أخيه المظلوم للحديث: ((أمر بعبد من عبيد الله أن يجلد في قبره مائة جلدة فما زال يسأل الله عز وجل حتى صارت جلده فلما ضرب اشتعل عليه قبره نارا فلما أفاق قال: علام جلدتموني؟، فقيل له: إنك صليت صلاة من غير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره))([13]).

وأمة الإسلام واقعة في هذا الإثم فكم من مستصرخ أو مستنجد تستباح أرضهم وأعراضهم وأمة الإسلام لاهية سادرة في عبثها ولهوها.

3- أو جريمة كالسرقة: كان رجل يقال له كركرة على متاع رسوله فمات فقال النبي : ((هو في النار وإن الشملة تشتعل عليه نارا في قبره)) فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها))([14]). والغلول: السرقة من الغنيمة. والشملة: هي الكساء من الصوف يتغطى به.

يقول ابن القيم رحمه الله: فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات([15]).

وأما أسباب النجاة من عذاب القبر:

1- أعظم أسباب النجاة من عذاب القبر هي الشهادة في سبيل الله فنسأل الله أن يبلغنا إياها بمنه وكرمه أمين.

سئل رسول الله : ((ما بال الشهداء لا يفتنون في قبورهم؟ فقال: كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة))([16]).ويقول: ((إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا و ما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه))([17]).

2- المداومة على قراءة سورة تبارك للحديث: ((إن في القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له))([18]).

3- الأعمال الصالحة الخالصة: للحديث: ((إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين يولوا مدبرين فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتي عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل))([19]).

4- أن يموت يوم الجمعة أو ليلتها: للحديث: ((من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء))([20]).

5- المرابط في سبيل الله: للحديث: ((رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان))([21]).

6- أن يحاسب العبد نفسه ويجدد توبته قبل النوم، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ثم يجدد له توبة نصوحا، ويفعل هذا كل ليلة فإن مات من ليلته تلك مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخر أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته([22]).

ولا سيما إذا أعقب ذلك استعمال السنن عند النوم.

7- الدعاء للميت والاستغفار والصدقة عنه ووفاء ديونه وقضاء ما قصر فيه من حج فإنه له نفع للأحاديث: ((كان النبي إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل))([23]).

أن رجلا أتى النبي فقال: ((يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها (فاجأها الموت) ولم توص واظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم))([24]).

وأما موقف المسلم:

الإيمان المطلق والتصديق الذي لا شك فيه فالله ربنا ونحن عبيده، ورسول الله نبينا ونحن أتباعه وصدق الله العظيم: ومن أصدق من الله حديثا [النساء:87]. وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [النجم:3-4].

إن عذب القبر ونعيمه غيب كما أن الجنة والنار والملائكة غيب ومن سمات المؤمنين قال تعالى: الذين يؤمنون بالغيب [البقرة:3].

إن للنفس أربع دور كل دار أعظم من التي قبلها.

الأولى (في بطن الأم) حيث يتخلق فيه وتنفخ فيه الروح.

الثانية (دار الدنيا) وفيها يكتسب العبد الحسنات والسيئات.

الثالثة (دار البرزخ) وهي أوسع ونسبتها إليه كنسبة هذه الدار إلى الأولى.

الرابعة (دار القرار) وهي الجنة أو النار فلا دار بعدها

فتبارك الله أحسن الخالقين
[المؤمنون:14].


--------------------------------------------------------------------------------

([1])أحمد ومسلم . ([2])الترمذي وحسنة وابن ماجة . ([3])رواه الترمذي . ([4])ابن أبي الدنيا ورجاله ثقات . ([5])رواه النسائي . ([6])رواه الشيخان . ([7])ابن كثير مجلد3 ص246. ([8]) الترمذي . ([9])رواه مسلم . ([10])رواه مسلم . ([11])البخاري . ([12]) الدار قطني . ([13])الطبراني . ([14])البخاري ومالك . ([15])الروح ص112-113. ([16])النسائي . ([17])أحمد والطبراني . ([18])أبو داود والترمذي . ([19])الطبراني في الأوسط وابن حيان في صحيحه . ([20])رواه أحمد والترمذي . ([21])رواه مسلم . ([22])الروح / ابن القيم ص 115. ([23])أبو داود وقال الحاكم صحيح الإسناد . ([24])رواه الشيخان .

maher 03-05-2007 03:40 AM

اغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات قبل هجوم هادم اللذات ومشتت الشمل ومفرق الجماعات


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد، الساعي بالنصح للقريب والبعيد، المحذر للعصاة من نار تلظى بدوام الوقيد، المبشر للمؤمنين بدار لا ينفذ نعيمها ولا يبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة لا تزال على كرر الجد يدين في تجديد، وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد فإن الله جل جلاله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه، ويخافوه خوف الإجلال والتعظيم.
وذكر جل وعلا شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن نبذ أمره وعصاه ليتقوه بصالح الأعمال.
ودعا عباده إلى خشيته وتقواه والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه وياباه.
وبعد فقد عزمت إن شاء الله تعالى أن أجمع من كلام الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، ومن كلام رسوله ومن كلام أهل العلم، ما يحثني وإخواني المسلمين على التأهب والاستعداد لما أمامنا، من الكروب والشدائد والأهوال والأمور العظائم والمزعجات المقلقات الصعاب.
وسميت هذا الكتاب "اغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات قبل هجوم هادم اللذات ومشتت الشمل ومفرق الجماعات".
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا به وإخواننا المسلمين إنه القادر على ذلك وصلى الله على محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.


(فصل)
تكلم أحد العلماء في صفة يوم القيامة ودواهيه وأساميه فقال: فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت، والكواكب قد انتثرت، والبحار قد سجرت، والنجوم قد انكدرت، والشمس قد كورت، والجبال قد سيرت، والعشار قد عطلت، والوحوش قد حشرت، والنفوس قد زوجت، والجحيم قد سعرت، والجنة قد أزلفت، والجبال قد نسفت، والأرض قد مدت.
يوم ترى الأرض فيه قد زلزلت زلزالها، يوم فيه تخرج الأرض أثقالها، وتحدث أخبارها يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم، يوم تحمل الأرض والجبال فدكتا دكةً واحدة.
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ.
يومٌ فيه تسير الجبال وترى الأرض بارزة، يوم ترج فيه الأرض رجًا، وتبس فيه الجبال بسًا، فكانت هباءًا منبثًا، يوم يكون فيه الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المفنوش.
يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حملٍ حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار.
يوم تنسف الجبال فيه نسفًا فتترك قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، يوم ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، يوم تنشق فيه السماء فتكون وردةً كالدهان، فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جان يوم فيه يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام، يوم تعلم فيه كل نفسٍ ما أحضرت، يوم تنطق فيه الجوارح.
يوم شيب ذكره سيد المرسلين إذا قال له الصديق أراك قد شبت يا رسول الله : "شيبتني هود وأخواتها" وهي الواقعة والمرسلات وعم يتسألون، وإذا الشمس كورت.

قال ابن القيم رحمه الله في ذكر بعض أهوال يوم القيامة:
وَتَحَدِّثُ الأرضُ التِيْ كُنَّا بهَا ** وتَظلُ تَشْهَدُ وهْيَ عَدْلٌ بالذي
وتُمَدُّ أيضًا مِثْلُ مَدِّ أدِيْمِنَا ** وَتَقْيءُ يومَ العَرضِ مِن أكبادِهَا
كلُ يَراهُ بعَيْنِهِ وعِيَانِهِ ** وكذا الجِبالُ تُفَتُ فَتًا مُحْكَمًا
وتَكُونُ كالعِهْنِ الذي ألوانُهُ ** وتُبَسُ بَسًا مِثْلَ ذاكَ فَتَنْثَنِي
وكَذَا البِحَارُ فإنَّها مَسْجُورةٌ ** وكَذَا لِكِ القَمَرَان يَأْذَنُ ربُنَا
هَذِيْ مُكَوَّرةٌ وَهَذا خَاسِفٌ ** وكَوَاكِب الأَفْلاكِ تُنْثَرُ كُلُّهَا
وكَذَا السَّمَاءُ تُشَقُ شَقًا ظاهِرًا ** أخْبَارَهَا في الحَشْرِ لِلرَّحمنِ
مِن فَوقِها قد أحَدَثَ الثَّقلانِ ** مِن غيرِ أوْدِيةٍ ولا كُثْبَانِ
كالأصْطِوَانِ نَفَائِسَ الأثْمَانِ ** ما لامِرْئٍ بالأخذِ منه يَدَانِ
فَتَعُودُ مِثْلَ الرَّمْلِ ذِي الكُثْبَانِ ** وصِبَاغُه مِن سَائِر الألْوَانِ
مِثْلَ الهَبَاءِ لِنَاظِرِ الإِنْسانِ ** قد فُجرتْ تَفْجِيرَ ذِي السُلطَانِ
لَهُمَا فَيَجْتَمِعَانِ يَلْتَقِيَانِ ** وكِلاَهُمَا في النَارِ مطْرُوحَانِ
كَلالِئٍ نُثِرَتْ عَلى مَيْدَانِ ** وتَمُورُ أيضًا أَيَّمَا مَوَرَانِ


وتصير بعد الانشقاق كمثل هذا المهل أو تكُ وردةً كالدهان

وقال القحطاني رحمه الله:
يَوْمُ القِيَامَةِ لَوْ عَلِمْتَ بِهَوْلِهِ ** يَوْمٌ تَشَقَّقَتِ السَّمَاءُ لِهَولِهِ
يَوْمٌ عَبُوْسٌ قَمْطَريْرٌ شَرُهُ ** يَوْمَ يَجِيءُ المُتَقُونَ لِرَبهم
ويَجِيءُ فِيه المُجْرِمُونَ إِلى لَظَى ** لَفَرَرْتَ مِن أهْلٍ ومِن أوْطَانِ
وتشيبُ مِنه مَفَارِقُ الوِلَدَانِ ** في الخَلْقِ مُنْتَشِرٌ عَظِيْم الشَّأنِ
وَفْدًا عَلَى نُجُبٍ مِن العِقْيَانِ ** يَتَلَمَّظُونَ تَلَمُظَ العَطْشَانِ

maher 03-05-2007 03:42 AM


"موعظة"
فيا أيها المهملون الغافلون تيقظوا فإليكم يوجه الخطاب ويا أيها النائمون انتبهوا قبل أن تناخ للرحيل الركاب قبل هجوم هادم اللذات ومفرق الجماعات ومذل الرقاب، ومشتت الأحباب، فيا له من زائر لا يعوقه عائق ولا يضرب دونه حجاب، ويا له من نازل لا يستأذن على الملوك ولا يلج من الأبواب، ولا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا ولا يخاف عظيمًا ولا يهاب ألا وإن بعده ما هو أعظم منه من السؤال والجواب، ووراءه هول البعث والحشر وأحواله الصعاب من طول المقام والازدحام في الأجسام والميزان والصراط والحساب والجنة أو النار.
اللهم انظمنا في سلك الفائزين برضوانك، واجعلنا من المتقين الذين أعددت لهم فسيح جناتك، وأدخلنا برحمتك في دار أمانك، وعافنا يا مولانا في الدنيا والآخرة من جميع البلايا، وأجزل لنا من مواهب فضلك وهباتك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

maher 03-05-2007 03:50 AM

اعلم وفقنا الله وإياك أن الموت أعاننا الله وإياك وجميع المسلمين على شدائده وسكراته وغمومه هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع.
وإنه الحادث الهائل العظيم، الهادم للذات، والأقطع للراحات، والأجلب للكريهات، وإن أمرًا يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويفتت أعضادك، ويهدد أركانك، لهو الأمر العظيم، والخطب الجسيم، وإن يومه لهو اليوم العقيم.
وما ظنك رحمك الله بنازل ينزل بك، فيذهب رونقك وبهاءك، ويغير منظرك وحسنك ويمحو صورة جمالك، ويمنعك من اجتماعك واتصالك.
ويردك بعد النعمة والنظرة والسطوة والقدرة والنخوة والعزة إلى حالة يبادر أحب الناس لك وأرحمهم بك وأعطفهم عليك فيقذفك في حفرة من الأرض قريبة أنحاؤها مظلمة أرجاؤها محكم عليك طينها وأحجارها متحكم فيك هوامها وديدانها.
ثم بعد ذلك يتمكن منك الإعدام، وتختلط بالرغام، وتصير ترابا توطؤ بالأقدام، وربما ضرب منك إناء فخار أو أحكم منك بناء جدار أو طلي منك محبس ماء أمو موقد نار.
أو نحو ذلك.
لَعَلَّ إِنَاءً مِنْهُ يُصْنَعُ مِرَّةً ** ويُنقَل مِن أرَضٍ لأخْرى وما دَرى
فَيَكْلُ مِنْ أَرَادَ ويُشرَبُ ** فواهَا لَهُ بَعْدَ البلا يَتَغَرَّبُ


ثم اعلم وفقنا الله وإياك للاستعداد لما أمامنا من الأهوال والشدائد والكروب والأمور المزعجات.
أنه جدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده.
أن لا يكون له فكر إلا في الموت، ولا ذكر إلا له، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا تطلع إلا إليه، ولا تأهب إلا له، ولا تعريج إلا عليه، ولا اهتمام إلا به، ولا انتظار ولا تربص إلا له.
وحقيق بالعاقل أن يعد نفسه من الموتى ويراها من أصحاب القبور، فإن كل ما هو آت قريب قال الله جل وعلا: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ وقال تبارك وتعالى: أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ وقال صلى الله عليه و سلم : "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" الحديث.
واعلم أنه لو لم يكن في الموت إلا الإعدام وانحلال الأجسام ونسيانك أخرى الليالي والأيام، لكان والله لأهل اللذات مكدرًا، ولأصحاب النعيم منغصًا ومغيرًا، ولأرباب العقول الراجحة عن الرغبة في هذه الدار زاجرًا ومنفرًا، وللمنهمك في الدنيا وزخارفها منذرًا ومزعجا ومخدرًا.
قال مطرف بن الشخير: إن هذا الموت نغص على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيما لا موت فيه، فكيف ووراءه يوم يعد فيه الجواب وتدهش فيه الألباب، وتفنى في شرحه الأقلام والكتاب.

وَلَمْ يَمْرُرْ بِهِ يَوْمٌ فَظِيْعٌ ** ويَوْمُ الحَشْرِ أفْظَعُ منهُ هَوْلاً
فكَمْ مِنْ ظَالمٍ يَبْقَى ذَلْيلاً ** وشخْصٍ كانَ في الدُّنْيَا فَقْيرًا
وعَفْوُ اللهِ أوْسَعُ كُلِّ شيءٍ ** أَشَدَّ عَلَيهِ مِنْ يَوْمِ الحِمَامِ
إذا وَقَفَ الخلائق بالمَقَامِ ** ومَظْلُومٍ تَشَمَّرَ لِلْخِصَامِ
تَبَوَّأَ مَنْزِلَ النُّجْبِ الكِرَامِ ** تَعَالَى اللهُ خَلاقُ الأَنَامِ


ومن كلام بعضهم يا ابن آدم لو رأيت ما حل بك وما أحاط بأرجائك لبقيت مصروعًا لما بك، مذهولاً عن أهلك وأصحابك.
يا ابن آدم أما علمت أن بين يديك يومًا يصم سماعه الآذان، ويشيب لروعه الولدان، ويترك فيه ما عز وما هان، ويهجر له الأهلون والأوطان.
يا ابن آدم أما ترى مسير الأيام بجسمك، وذهابها بعمرك، وإخراجها لك من سعة قصرك إلى مضيق قبرك، وبعد ذلك ما لذكر بعضه تتصدع القلوب، وتنضج له الجوانح وتذوب، ويفر المرء على وجهه فلا يرجع ولا يؤوب، ويود الرجعة وأنى له المطلوب.


قال الله جل وعلا وتقدس: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وقال تبارك وتعالى: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)‏ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وقال تبارك وتعالى: هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وقال عز من قائل: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ، وقال:أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ وقال: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)‏ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي، وقال تبارك وتعالى: فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى، وقال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا، وقال تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ، وقال جل وعلا:وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ، وقال تبارك وتعالى:وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ.


لأَمْرِ ما تَصَدَّعَتِ القُلُوبُ ** وَبَاتَتْ في الجَوانِحِ نَارُ ذِكْرَى
وَمَا خَفَّ اللَّبِيْبُ لِغَيْر شيءٍ ** ذَرَاهُ لائِمَاهُ فَلا تَلُوْمَا
رَأَىَ الأيَّامَ قَدْ مَرَّتْ عَلَيهِ ** وَمَا نَفَسٌ يَمُرُّ عَلَيه إِلا
وَبَيْنَ يَدَيْهَ لَوْ يَدْرِي مَقَامٌ ** وَهَذَا الموتُ يِدُنِيْهِ إِليٍهِ
مَقَامٌ تُسْتَلذُ بِهِ المنَايَا ** وماذا الوَصْفُ بَالِغُهُ ولَكِنْ
وَبَاحَ بِسِرِّهَا دَمْعٌ سَكِيْبُ ** لَهَا مِن خَارِجٍ أَثَرٌ عَجِيْبُ
ولا أَعْيَا بِمَنْطِقِهِ الأرِيْبُ ** فَرُبَّتَ لأئِمٍ فِيْهِ يَحُوْبُ
مُرُوْرَ الرِيْحِ يَدْفَعُهَا الهَبُوْبُ ** ومِنْ جُتْمانِهِ فِيْهِ نَصِيْبُ
بِهِ الِولْدَانُ مِنْ رَوْعِ تَشِيْبُ ** كَمَا يُدْني إِلَى الهَرَمِ المشَيْبُ
وتُدْعَى فِيْهِ لَوْ كَانَتْ تُجِيْبُ ** هِيَ الأمَثالُ يَفْهَمُهَا اللَّبِيْبُ


اللهم ألهمنا ذكرك ووفقنا للقيام بحقك وبارك لنا في الحلال من رزقك ولا فتضحنا بين خلقك يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج يا قاضي الحاجات ومجيب الدعوات هب لنا ما سألناه وحقق رجاءنا فيما تمنيناه يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ما في ضمائر الصامتين أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

maher 03-05-2007 03:55 AM

موعظة
الحمد لله المستحق لغاية التحميد، المتوحد في كبريائه وعظمته الولي الحميد، الغني المغني المبدئ المعيد، المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه ولا يبيد، المانع فلا معطي لما منع ولا راد لما يريد.
خلق الخلائق وأوضح لهم أحسن طريق، وهداهم إلى الأمر الرشيد، وصورهم فأحسن صورهم، وبشر من أطاعه بالجنة والنعيم والتخليد، وحذر من عصاه من العذاب الشديد.
وحثهم على ذكره وحمده وشكره ووعدهم بالمزيد، فقال جل وعلا وهو أصدق القائلين وأوفى الواعدين: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.
وحكم على خلقة بالفناء فما لأحد عنه محيص ولا محيد، فكم أبكي الموت خليلاً بفراق خليله، وكم أيتم طفلاً فشغله ببكائه وعويله.
أوحش المنازل من أقمارها، ونفر الطيور من أوكارها، وعوضهم من لذة العيش بالتنغيص والتنكيد.
فالملك والمملوك والغني والصعلوك والقوي والضعيف، تساوت قبورهم في القفر والبيد.
فسبحانه من إله أذل بالموت كل جبارٍ عنيد، وكسر به من الأكاسرة كل جبارٍ صنديد، وأخرجوا من سعة القصور إلى ضيق القبور، وقطع حبل أمدهم المديد.
أخذ به الأباء والجدود والأطفال من المهود، وأسكنهم بعد اللين والسعة والرفاهية مضيق اللحود، وعفر وجوههم في التراب بعد لين الوسائد والفرش الناعمة والتمهيد وبقوا في تحت الأرض إلى يوم الوعيد.
فيا بؤس للدنيا شد ما عن ثديها فطمتهم ومن سمها أطعمتهم وبيدها الباطشة لطمتهم، وفي ظلمات الأرض وغيابات الثرى طرحتهم، فقلبت قائم تلك الأعيان، وطمست تلك الوجوه الحسان.
وأعمت تلك الأبصار، وأصمت تلك الآذان، وأسالت الحدق على الخدود والوجنات، وغسلت بالصديد جميل القسمات، وملأت بالتراب اللهازم واللهوات.
وكسرت تلك الضواحك والربعيات، وعبثت الديدان بجسوم أولئك الفتيان والفتيات، لطالما أغربوا ضاحكين، وتقلبوا فاكهين، وباتوا على سررهم مطمئنين آمنين.
فكم بها من لسانٍ فصيح، طالما ما أنشد وخطب، وأرهب وأرغب، ومدح وأطنب، وكم من فصيح لسان وعظيم بيان أخرسه الحدثان، وتحكمت في جسده الهوام والديدان.

وَلَو كَشَفَ الأجْدَاثَ مُعْتَبِرًا لَهُمْ ** لَشَاهَدَ أحْدَاقًا تَسِيْل وَأوْجُهًا
غَدَتْ تَحْتَ أَطْبَاق الثّرَى مُكْفَهِرَّةً ** فَلَمْ يُعْرَفِ المَوْلَى مِنَ العَبْدِ فِيْهِم
وَأَنَّى لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ بَعْدَمَا ** رَأَى مَا يَسُوءُ الطّرْفَ مِنْهُمْ وَطَالَمَا
رَأَى أَعْظُمًا لا تَسْتَطِيْعُ تَمَاسُكًا ** مُجَرَّدَةً مِنْ لَحْمِهَا فَهِيَ عِبْرَةٌ
تَخَوَّنَها مَرُّ اللَّيَالِي فَأَصْبَحَتْ ** أُزِيْلَتْ عَنِ الأَعْنَاقِ فَهِيَ نَوَاكِسٌ
عَلاهَا ظَلامٌ لِلْبِلَى وَلَطَالَمَا ** كَأنَ لَمْ يَكُنْ يَوْمًا عَلا مَفْرقًا لَهَا
تَبَاعَدَ عَنْهُمْ وَحْشَةً كُلُّ وَامِقٍ ** وَقَاطَعَهُمْ مَنْ كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ
يُبَكِّيْهِمْ الاًعْدَاءُ مِنْ سُوءِ حَالِهِمْ ** فَقُلْ لِلّذِي قَدْ غَرَّهُ طُوْلُ عُمْرِهِ
أَفِقْ وَانْظُرِ الدُّنْيَا بِعَيْنِ بَصِيْرَةٍ ** فَأَيْنَ المُلُوكُ الصَّيْدُ قِدْمًا وَمَنْ حَوَى
حَوَاهُ ضَرِيْح مِنْ فَضَاءِ بسِيْطِهَا ** فَكَمْ مَلِكٍ أَضْحَى بِهَاذَا مَذَلَّةٍ
يَقُودُ عَلَى الخَيْلِ العِتَاقِ فَوَارِسًا ** فَأصْبَحَ مِنْ بَعْدِ التَّنَعُّمِ في ثَرَى
بَعِيْدًا عَلَى قُرْبِ المَزَارِ إِيابُهُ ** غَرِيْبًا عَنِ الأَحْبَابِ والأَهْلِ ثَاوِيًا
تُلِحُّ عَلَيْهِ السّافِيَاتُ بِمَنْزِلٍ ** رَهِيْنًا بِهِ لا يَمْلِكُ الدّهْرَ رَجْعَةً
تَوَسَّدَ فِيْهِ التُّرْبَ مِنْ بَعْدِ مَا اغْتَدَى ** كَذَلِكَ حُكْمُ الله في الخَلْقِ لَنْ تَرَى
لِيَنْظُرَ آثارَ البلا كَيْفَ يَصْنَعُ ** مُعَفَّرَةً في التُّرْبِ شُوْهًا تُفَزعُ
عَبُوْسًا وَقَدْ كَانَتْ مِنَ الِبَشْرِ تَلْمَعُ ** وَلا خَامِلاً مِنَ نَابِهٍ يَتَرَفَّعُ
تَبَيّنَ مِنْهُمْ مَا لَهُ العَيْنُ تَدْمَعُ ** رَأى مَا يَسُرُّ النّاظِرِيْنَ وَيُمْتِعُ
تَهَافَتَ مِنْ أَوْصَالِهَا وَتَقَطَّعُ ** لِذِيْ فِكْرَةٍ فِيْمَا لَهُ يَتَوقَّعُ
أَنَابِيْبَ مِنْ أَجْوَافِهَا الرِّيْحُ تُسْمَعُ ** عَلى التُّرْبِ مِنْ بَعدْ الوَسَائِدِ تُرْفَعُ
غَدَا نُورُهَا في حِنْدِسِ الظُّلْمِ يَلْمَعُ ** نَفَائِسُ تِيْجَانٍ وُدُرٍ مُرَصَّعُ
وَعَافَهُمُ الأَهْلُونَ والنَّاسُ أَجْمَعُ ** بِوَصْلِهِمُ وِجْدًا بِهِمْ لَيْسَ يطْمَعُ
وَيَرْحَمَهُمْ مَنْ كَانَ ضِدًا وَيَجْزَعُ ** وَمَا قَدْ حَوَاهُ مِنْ زَخَارِفَ تَخْدَعُ
تَجِدْ كُلَّ مَا فِيْهَا وَدَائِعَ تَرْجِعُ ** مِنَ الأَرْضِ مَا كَانَتْ بِهِ الشَّمْسُ تَطْلَعُ
يُقَصِّرُ عَنْ جُثْمَانِهِ حِيْنَ يُذْرَعُ ** وَقَدْ كَانَ حَيًَّا لِلْمَهَابَةِ يُتْبَعُ
يَسُدُّ بِهَا رَحْبَ الفَيَافِي وَيُتْرِعُ ** تُوَرِي عِظَامًا مِنْهُ بَهْمَاءُ بَلْقَعُ
فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى القِيَامَة مَرْجِعُ ** بأقْصَى فَلاةٍ خَرْقُهُ لَيْسَ يُرْقَعُ
جَدِيْبٍ وَقَدْ كَانَتْ بِهِ الأرْضُ تُمْرِعُ ** وَلا يَسْتَطِيْعَنَّ الكَلامَ فَيسْمَعُ
زمَانًا عَلَى فُرُشٍ مِنَ الخَزِّ يُرْفَعُ ** مِنَ النَّاسِ حَيًّا شَمْلهُ لَيْسَ يُصْدَعُ

اللهم انهج بنا مناهج المفلحين وألبسنا خلع الإيمان واليقين، وخصنا منك بالتوفيق المبين، ووفقنا لقول الحق وإتباعه وخلصنا من الباطل وابتداعه، وكن لنا مؤيدًا ولا تجعل لفاجر علينا يدًا واجعل لنا عيشًا رغدًا ولا تشمت بنا عدوًا ولا حاسدًا، وارزقنا علمًا نافعًا وعملاً متقبلاً، وفهمًا ذكيًا وطبعًا صفيًا وشفعًا من كل داء، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم آمين
اللهم آمين
اللهم آمين



يتبع إن شاء الله

maher 07-06-2007 06:56 AM

وقال رحمه الله:
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن كثرة ذكر الموت تردع عن المعاصي وتلين القلب القاسي، وتذهب الفرح بالدنيا وزينتها وزخارفها ولذاتها.
وتحثك على الجد والاجتهاد في الطاعات وإصلاح أحوالك وشؤنك والتنسخ من حقوق الله وحقوق خلقه، وتنفيذ الوصايا وأداء الأمانات والديون.
قال بعضهم فضح الدنيا والله هذا الموت فلم يترك فيها لذي عقلٍ فرحًا.
وقال آخر ما رأيت عاقلاً قط إلا وجدته حذرًا من الموت حزينًا من أجله.
وقال آخر من ذكر الموت هانت عليه مصائب الدنيا.
وقال آخر: من لم يخفه في هذه الدار ربما تمناه في الآخرة فلا يؤتاه.
وقال آخر يوصي أخًا له: يا أخي احذر الموت في هذه الدار من قبل أن تصير إلى دارٍ تتمنى بها الموت فلا يوجد.
وقال آخر: وأما ذكر الموت والتفكر فيه، فإنه وإن كان أمرًا مقدرًا مفروغًا منه، فإنه يكسبك بتوفيق الله التجافي عن دار الغرور، والاستعداد والإنابة إلى دار الخلود، والتفكر والنظر فيما تقدم عليه وفيما يصير أمرك إليه.
ويهون عليك مصائب الدنيا ويصغر عندك نوائبها، فإن كان سبب موتك سهلاً وأمره قريبا فهو ذاك، وإن كانت الأخرى كنت مأجورًا مع النية الصالحة فيما تقاسيه، مثابًا على ما تتحمله من المشاق.
واعلم أن ذكر الموت وغيره من الأذكار إنما يكون بالقلب وإقبالك على ما تذكره. قال الله جل جلاله وتقدست أسماؤه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ فأي فائدةٍ لك رحمك الله في تحريك لسانك إذا لم يخطر بقلبك.
وإنما مثل الذكر الذي يعقب التنبيه، ويكون معه النفع والإيقاظ من الغفلة والنوم أن تحضر المذكور قلبك وتجمع له ذهنك وتجعله نصب عينيك ومثالاً خاطرًا بين يديك، وأن تنظر إلى كل ما تحبه من الدنيا من ولد أو أهل أو مال أو غير ذلك، فتعلم علما لا يشوبه شك أنك مفارقه إما في الحياة أو في الممات، وهذه سنة الله الجارية في خلقه وحكمه المطرد.
وتشعر هذا قلبك وتفرغ له نفسك فتمنعها بذلك عن الميل إلى ذلك المحبوب والتعلق به والهلكة بسببه.

فَعُقْبَى كُلِّ شيءٍ نَحْنُ فيهِ *** وَمَا حُزْنَاهُ مِن حِلٍّ وَحُرْمٍ
وفِيْمَنْ لَمِ نُؤَهِّلْهُمْ بِفَلسٍ *** وتَنْسَانا الأَحِبَّةُ بَعْدَ عَشْرٍ
كَأنّالَمْ نُعَاشِرْهُمْ بِوُدٍّ *** مِن الجَمْعِ الكثيِف إِلَى شَتَاتِ
يُوَزَّعُ في البَنِيْنِ وفي البَنَاتِ *** وقِيْمَةِ حَبّةٍٍ قَبْلَ المَمَاتِ
وَقَدْ صِرْنا عِظامًا بَالَياتِ *** ولَمْ يَكُ فيهِمُ خِلٌّ مُؤاتِ


واعلم رحمك الله أن مما يعينك على الفكرة في الموت ويفرغك له ويكثر اشتغال فكرك به تذكر من مضى من إخوانك وخلانك وأصحابك وأقرانك وزملائك وأساتذتك ومشايختك الذين مضوا قبلك وتقدموا أمامك.
كانوا يحرصون حرصك ويسعون سعيك، ويأملون أملك، ويعملون في هذه الدنيا عملك وقصت المنون أعناقهم وقصمت ظهورهم وأصلابهم، وفجعت فيهم أهليهم وأحباءهم وأقرباءهم وجيرانهم فأصبحوا آية للمتوسمين وعبرة للمعتبرين.
ويتذكر أيضا ما كانوا عليه من الاعتناء بالملابس ونضافتها ونضرة بشرتهم، وما كانوا يسحبونه من أردية الشباب وأنهم كانوا في نعيم يتقلبون، وعلى الأسرة يتكئون، وبما شاؤا من محابهم يتنعمون.
وفي أمانيهم يقومون ويقعدون، لا يفكرون بالزوال، ولا يهمون بانتقال، ولا يخطر الموت لهم على بال، قد خدعتهم الدنيا بزخارفها، وخلبتهم وخدعتهم برونقها، وحدثتهم بأحاديثها الكاذبة، ووعدتهم بمواعيدها المخلفة الغرارة.
فلم تزل تقرب لهم بعيدًا، وترفع لهم مشيدها، وتلبسهم غضها وجديدها، حتى إذا تمكنت منهم علائقها، وتحكمت فيهم رواشقها، وتكشفت لهم حقائقها، ورمقتهم المنية روامقها.
فوثبت عليهم وثبة الحنق وأغصتهم غصة الشرق، وقتلتهم قتلة المختنق، فكم عليهم من عيونٍ باكية، ودموعٍ جارية، وخدودٍ دامية، وقلوبٍ من الفرح والسرور لفقدهم خالية. وأنشدوا في هذا المعنى:

ورَيَّانَ مِن مَاء الشَّبَابِ إذا مَشَى *** عَلَّقَ مِن دُنْيَاهُ إذْ عَرَضَتْ لَهْ
فأصْبَحَ منها في حَصِيْدٍ وقائِم *** خَلا بالأمانِي واسْتَطَابَ حَدِيْثَها
وأدْنَتْ لَهُ الأشَيَاءَ وَهْيَ بَعَيْدةُ *** أُتِيْحَتْ لَهُ مِن جَانِب الموتِ رَمْيَةٌ
وصَارَ هَشِيْمًا بَعدَمَا كانَ يانِعًا *** كأَنْ لَمْ يَنَلْ يَوْمًا مَن الدَّهْرِ لَذَّةً
تَبَارَكَ مَن يُجْرِيْ عَلى الخَلْقِ حُكْمَهُ *** يَمِيْدُ عَلَى حُكْم الصِّبَا ويَمِيْدُ
خَلُوبًا لأَلْبابِ الرجال تَصِيْدُ *** ولِلْمَرْءِ منها قائمٌ وحَصِيْدُ
فَيَنْقُصُ مِن أطْماعِهِ ويَزِيْدُ *** وتَفْعَلُ تُدْنِي الشيءَ وهْوَ بَعْيدُ
فَرَاحَ بها المَغْرُوْرُ وهْوَ حَصِيْدُ *** وعَادَ حَدِيْثًا يَقْضِيْ وَيَبِيْدُ
ولا طَلَعَتْ فيه عَلَيْه سُعُوْدُ *** فَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ عنه مَحِيْدُ


اللهم وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا من جميع الأهوال، وأمنا من الفزع الأكبر يوم الرجف والزلزال، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.


maher 07-06-2007 07:02 AM

واعلموا رحمكم الله أن الناس في ذكر الموت على أقسام فمنهم المنهمك في لذاته المثابر على شهواته، المضيع فيها ما لا يرجع من أوقاته، لا يخطر الموت له على بال، ولا يحدث نفسه بزوال، واتخذ إلهه هواه، فأصمه وأعماه وأهلكه وأرداه.
فإن ذكر له الموت نفر وشرد، وإن وعظ أنف وبعد، وقام في أمره الأول وقعد، قد حاد عن سواء نهجه، ونكب عن الطريق الصحيح، وأقبل على بطنه وفرجه، تبت يداه وخاب مسعاه.
وكأنه لم يسمع قول الله جل جلاله: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ
وهذا وأمثاله إن ذكر له الموت تصامم عن ذكره كأن لم يسمع ولم يمكنه من فكره رجاء أن يبلغ ما أمل أو يدرك بعض ما تخيل فعمره ينقص، وحرصه يزيد، وجسمه يخلق ويضعف، وأمله جديد، وحتفه قريب.
يحرص حرص مقيم ويسير إلى الآخرة سير مجد كأن الدنيا عنده حق اليقين والآخرة ظن من الظنون.

أَتَحْرِصُ يَا ابْنَ آدَمَ حِرْصَ باقٍ *** وتَعْمَلُ طُوْلَ دَهْرِكَ في ظُنُونٍ
وأنْتَ تَسِيْرُ وَيْحَكَ كُلَّ حِيْنِ *** وأنْتَ مِن المنُونِ على يَقِيْ
نِ

وقسم آخر وقليل ما هم من أزيل عن عينيه قذاها، وكشف عن بصيرته عماها، وعرضت عليه الحقيقة فرآها، وأبصر نفسه وهواها، فزجرها ونهاها وأبغضها وقلاها.
فلبى المنادي، وأجاب الداعي، وشمر لتلافي ما فات، والنظر فيما هو آت، وتأهب لهجوم هادت اللذات، ومفرق الجماعات، واستعد لحلول الشتات والانتقال إلى محلة الأموات.
ومع هذا فهو يكره أن يشهد وقائعه أو يرى طلائعه وليس يكره الموت لذاته ولا لأنه هادم للذاته، ولكنه يخاف أن يقطعه عن الاستعداد ليوم المعاد، والاكتساب ليوم الحساب.
ويكره أن تطوى صحيفة عمله قبل بلوغ أمله، وأن يبادر بأجله قبل إصلاح خلله، وتدارك ذلـله، فهو يريد البقاء في هذه الدار لقضاء هذه الأوطار والإقامة بهذه المحلة بسبب هذه العلة.

أهْون بِدَارِكم الدُنْيَا وأهْلِيْهَا *** اللهُ يَعْلَمُ أني لَسْتُ أَعْشقُهَا
لَكِنْ تَمَرَّغْتُ في أدْنَاسِهَا حُقُبًا *** أيامَ أسْحَبُ ذَيْلي في مَلاعِبِهَا
وكم تَحَمَّلْتُ فيها غَيْرَ مُكْتَرِثٍ *** فَقُلْتُ أبْقَى لَعَلِّي أهْدِمُ مَا
ومِنْ وَرَاءه عِقَابٌ لَسْتُ أقْطَعُهَا *** يا وَيْلَتِيْ وَبِحَارُ العَفو زَاخِرةٌ
واضرِبْ بِهَا صَفَحاتٍ مِنَ مُحِبْيِهَا *** وَلا أرِيْدُ بَقَاءً سَاعَةً فِيْهَا
وبِتُّ أنْشُرُهَا حِيْنًا وأطْوِيْهَا *** جَهْلاً وأهْدِمُ مِن دِيْني وأبْنِيْهَا
مِن شَامِخَاتِ ذُنوب لَسْتُ أحْصِيُهَا *** بَنَيْتُ مِنْهَا وأدْنَاسِيْ أُنَقِيْهَا
حَتَّى أُخَفِّفَ أَحْمَالِيً وألْقِيْهَا *** إنْ لَمْ تُصِبْنِيْ بِرشٍ في تَثَنِّيْهَ
ا

هذل لله دره يرجى له المغفرة من الله والسرور والحبور لتوبيخه نفسه واستعظامه لذنوبه ورجائه المغفرة.
وقال ابن السمالك إن الموتى لم يبكوا من الموت ولكنهم يبكون من حسرة الفوات فاتتهم والله دارٌ لم يتزودوا منها، ودخلوا دارًا لم يتزودوا لها.
فأية ساعةٍ مرت على من مضى وأية ساعةٍ بقيت علينا والله إن المتفكر في هذا لجدير أن يترك الأوطان، ويهجر الخلان، ويدع ما عز وما هان.
وقال إبراهيم النخعي كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أيامًا كأن فيهم الفكرة في الموت، وفي حال الميت.
وقال مطرف بن عبد الله ابن الشخير عن أبيه أنه كان يلقى الرجل من خاصة إخوانه قد بعد عهده به فلا يزيده على السلام حتى يظن الرجل في صدره عليه موجدة، أي غضب كل ذلك لانشغال فكره بالجنازة وتفكره فيها وفي مصيرها حتى إذا فرغوا منها لقيه وسأله عن حاله ولاطفه وكان منه على أحسن ما عهد وقال الأعمش كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين وإنما بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت.

ماذا تُؤمِّلُ والأيَّامُ ذَاهِبَةٌ *** وصَيْحَةٍ لِهُجْومِ المَوْتِ مُنْكَرةٌ
وغُصَّةٍ بِكُؤوْسِ أَنْتَ شاربُهَا *** يا غَافِلاً وهْوَ مَطْلُوبٌ ومُتَّبَعٌ
خُذْهَا إليْكَ طِعَانًا فِيْكَ نَافِذةً *** إنَّ المنِيَّةَ لَوْ تُلْقَى عَلَى جَبَلٍ
ومِنْ وَرَائِكَ للأيَّامِ قُطِّاعُ *** صُمَّتْ لِوَقْعَتِهَا الشَنْعَاءِ أَسْمَاعُ
لَهَا بقَلْبِكَ آلامُ وَأَوْجَاعُ *** أَتَاكَ سَيْلٌ مَن الفُرْسَانِ دَفَّاعُ
تَعْدِى الجَلَيْسَ وأمْرُ لَيْسَ يُسْطَاعُ *** لأَصْبَحَ الصَّخْرُ منْهُ وَهْوَ ميَّاعُ


اللهم يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة أيقظنا من نوم الغفلة ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ووفقنا لمصالحنا واعصمنا من قبائحنا وذنوبنا ولا تؤاخدنا بما انطوت عليه ضمائرنا وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح والمعائب التي تعلمها منا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.