أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة الإسلامية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الرد على الكواشف الجلية ...!! (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=51309)

الوافـــــي 02-03-2006 04:22 PM

الرد على الكواشف الجلية ...!!
 
الرد على الكواشف الجلية



للكاتب / محمد الكليلى ( شبكة الرد )

********

الحلقة الأولى

الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإنه في أوائل العقد الثاني من القرن الخامسَ عشرَ الهجري صدر كتابٌ بعنوان
" الكواشفُ الجلية في كفر الدولة السعودية"
ولم يُكشَفْ فيه عن حقيقةِ مؤلفِه إلا بقوله تحت عنوان الكتاب «لأبي محمد المقدسي»، لكنه ذَكَرَ في ثنايا الكتابِ أنه نجديٌّ عربيٌّ أصيل !! هذا غاية ما عَرَّف به نفسَه !! وعلى كل حال فإن هذا الكتابَ في أول ظهورِه ومبدئه لم أكن قد اطلعتُ عليه، لكونهِ ممنوعاً من دخوله إلى البلادِ السعوديةِ، وَمَنْ يتلقفُه أو يقرأُه لا يعدو كونَهم نذراً يسيراً. فالاشتغالُ به والرَدُّ عليه في ذلك الوقت سببٌ في إبرازِ هذا الكتابِ ونشرِه لدى من لم تكن لديه معرفةٌ بهذا الكتابِ أصلاً. ولكن بعد ظهورِ وسائل الأعلامِ المتنوعة، وبالأخص شبكات الانترنت التي تأخذُ على عاتِقها نشرَ كلِّ ما هبَّ ودبَّ، نافعاً كان أو ضاراً، تلقَّفَ هذا الكتابَ بعض الإخوة المقبلين على الخيرِ والصلاح ولربما اغتروا ببعضِ ما فيه وصدَّقُوا أخبارَه وتحليلاتِه، بل خُدِعَ به صبيةٌ صغارٌ في العقدِ الثاني من أعمارهم، أحداثُ أسنان، سفهاءُ أحلام.. لم تنبُت شعورَهم بَعْدُ فأخذوا يخوضونَ في قضايا كبار بفكرٍ منحرف، كخوضِ هذا الكاتبِ في كتابِه، متأثرين بهذا الكتابِ وأحكامِه.

وفئةٌ أخرى من الملحدين المعادين لهذا البلاد لعداوتهم للدينِ وأهلِه، كالشيوعيين والشيعةِ والعلمانيين ونحوهِم وجدوا في الكتاب ضالَّتهم ويخدمُ أهدافهَم ومآربَهم فسارعوا في اقتنائه ونشرِه، ليس إلا بغضاً لحماةِ الدين وأهلِه ـ كما سيأتي بيان ذلك بالأدلة والبراهين ـ ولما استفحَل ضررُ هذا الكتابِ وطار شررُه شَمَّرْتُ عن ساعد الجدِ للردِّ على هذا الكتابِ .
فشرعتُ في النظرِ فيه داعياً الله تعالى أن أكونَ متجرداً منصفاً متذكراً ما كان يستفتحُ به النبي صلى الله عليه وسلم صلاتَه في قيام الليل: ( قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) .

وقد يسر اللهُ لي قراءتَه ـ عدةَ مرات ـ وفي كلِّ مَرَّةٍ كنتُ أقرأُه، يظهرُ لي من التناقضاتِ والأكاذيبِ والتلبيس ومخالفةِ الحسِّ والواقع مما جعلني أسارعُ في الردِّ على هذا الكتابِ بميزان العدل والإنصافِ إحقاقاً للحق ونصرةً لأهلِه وإزهاقاً للباطل ودحضاً لأهلِه محتسباً أَجْري على اللهِ وهو العالمُ وحدَهُ أني لم أَبْتَغِ بهذا الردِّ جزاءً ولا شكوراً من أحد، بل هو حقٌّ اعتقدته وأَدِينُ اللهَ به، مقتدياً في ذلك بمواقفِ عامة علماءِ أهل السنةِ والجماعةِ في شتَّى أنحاءِ المعمورة .

وقد جعلتُ هذا الردَّ في حلقاتٍ متسلسلةٍ ستنشرُ تباعاً في هذا الموقعِ المباركِ. واللهُ المسؤولُ أن ينصرَ دينَه ويعليَ كلمتَه إنه سميع مجيب والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

.. يتبع ..

الوافـــــي 02-03-2006 04:36 PM

الحلقة الثانية

وحاصل ما ذكره الكاتب في كتابه يتلخص في المسائل الآتية:

1ـ ذكر أن سبب تأليفه لهذا الكتاب أنه كثيراً ما جمعته مجالس مع رؤوس لدعوات وجماعات خاضوا فيها حول كل حكومة وطاغوت فإذا ما تعرض الحديث أو تطرق إلى هذه الدولة.. فتلك عندهم عقبة كؤود فبادر المذكور إلى المساهمة في إماطة اللثام عن وجه هذه الدولة الذميم ـ على حد زعمه ـ .

2ـ أن الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز دولة كافرة خائنة ملبسة مدلسة وكذابة وفاجرة، وعميلة للغرب وأنها نظام بريطاني أمريكي ماسوني كافر، يسعى لهدم الإسلام ونزعه من قلوب الناس ونشر مظاهر الكفر الصراح في مجتمعات المسلمين.

3ـ علماء السعودية عملاء للنظام عبدة الدرهم والدينار وجواسيس لا يخشون الله أو يخافونه، يزينون للنظام ما يهوى، ويبيعون الفتاوى ويصدورنها حسب الأهواء والرغبات وأنهم علماء للطاغوت وخراس للعقيدة .. الخ.

4ـ أن الدولة السعودية لا تحكم إلا بالقوانين الوضعية، وما يوجد لديها من تطبيق لبعض حدود الإسلام أو بعض الأعمال الخيرية كطباعة المصحف ومساعدة المسلمين والجهاد الأفغاني هو من باب التستر عن جرمها وذر الرماد في العيون وشراء ذمم قادة الجهاد الأفغاني.

5ـ إقراره بأن الذين طعنوا في الدولة السعودية وكتبوا عنها إما شيعة وإما رافضة أو شيوعيون ملاحدة حتى توهم كثير من السذج أو البسطاء أنه لا يعادي هذه الدولة أو يتبرأ منها إلا أعداء الشريعة والدين فهو يبرأ إلى الله من هؤلاء وهؤلاء حتى لا يفرح بكتابه الروافض والشيوعيون ويزعم أنه لم يكتب الكتاب لأجلهم أو لسواد عيونهم!

6 ـ زعم أن العقيدة التي ينطلق منها في منهجه هي عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وأنه سني موحد نجدي عربي أصيل.

7ـ تعرض إلى فتنة الإخوان وخلاف رؤوسهم (سلطان بن بجاد وفيصل الدويش، وظيدان بن حثلين ) مع الملك عبد العزيز وأنهم لم يخالفوه إلا من أجل الدين بسبب موالاة الملك عبد العزيز للإنكليز ضد الإخوان.

8ـ زعم أن شكسبير زعيم الإنكليز كان في جيش الملك عبد العزيز ضد ابن رشيد الموالي للدولة العثمانية وأنه قتل على أيديهم في وقعة جراب.

9ـ مصدره في هذه القضية عن من سماه بالشيخ الجليل ونقل عنه قصصاً وحكايات مفادها إدانة الملك عبد العزيز وتجريمه من موقفه من الإخوان وقادتهم، وزعم أن الشيخ الجليل كان من المقربين من الملك عبد العزيز ومن خواصه وأنه حدثه بهذه الوقائع وأنه حينما ظهر لهذا الشيخ الجليل أن الملك عبد العزيز موالي للإنكليز فزع منه وفر من مجلسه، ولم يفصح عن اسم هذا الشيخ الجليل!!

10ـ تعرض لحادث تقليد الملك فهد للقلادة التي عليها صليب في بريطانيا، وكذلك تبادله للهدايا مع الرئيس الأمريكي وزوجته وأن هذا يدل على ماسونيته وعمالته للغرب.

11ـ زعم أن الدولة السعودية تشرع في كثير من المجالات قوانين وضعية تحكم بها وتلزم الخلق بها لكنها لا تطلق عليها قوانين بل تسميها أنظمة ومراسيم وتعليمات وأوامر ولوائح تمشياً مع سياسة التلبيس التي تنتهجها.

12ـ زعم أن الدولة السعودية حينما تحكم بالشريعة الإسلامية هو من باب التمسح بها وهي لعبة من ألاعيبها ومخادعة السذج والعميان بإقامتها لبعض الحدود الشرعية على ضعفاء الخلق فيها لتوهم الناس بأنها تطبق الأحكام الإسلامية.

13ـ وهي بذلك لا تختلف عن باقي الدول العربية في تطبيقها لبعض الشريعة كالأحوال الشخصية وتحاكمها للقوانين الوضعية في الباقي.

.. يتبع ..

الوافـــــي 02-03-2006 04:37 PM

14ـ زعم أن مما يدل على تحاكمها للقوانين الوضعية ـ على المستوى الداخلي ـ سنها لكثير من الأنظمة كنظام مراقبة البنوك ونظام الجنسية العربية السعودية ونظام المطبوعات والنشر، ونظام الجمارك والجيش وغيرها، وذكر أمثلة في ذلك سيأتي تفصيلها في ثنايا الرد.

15ـ تعرض لموقف الشيخ محمد بن إبراهيم مما سماه التلاعب بالمحاكم الشرعية وسلب اختصاصاتها.

16ـ زعم أن مما يدل على تحاكمها للقوانين الوضعية على المستوى الخارجي انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومنظمة العمل الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي مع إقامتها الاتفاقيات التجارية والعسكرية مع أمريكا وغيرها.

17ـ زعم أن الاتفاق العسكري السعودي نموذج لتبديد ثروات المسلمين وذكر ضمن هذا التبويب تحليلات واستنتاجات وإحصائيات وقضايا كبيرة اشتملت على كثير من التناقضات ـ كما سيأتي بيانها ضمن الرد التفصيلي.

18ـ زعم أن إقامة روابط الحب والود والإخاء بين هذه الدولة وبين دول الخليج العربي عبر مجلس التعاون الخليجي المقرِّين بتحكيم الديمقراطية والقوانين الوضعية دليل على كفرها وكذلك الأمر عنده فيما يتعلق بالأخوة العربية عبر الجامعة العربية وأن مناصرة الجامعة العربية وتوليها هذا من قبيل تولي الكفار، ومن تولى الكفار فهو كافر!!

19ـ وكذلك الأمر عنده ينسحب على مؤتمرات القمة الإسلامية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وأنها مؤامرات على الإسلام، وليست قمة بل قمامة ! وشَنَّع على هذه الدولة استضافتها لزعماء الدول الإسلامية في رحاب الحرم المكي في الدورة الثالثة.

20ـ إقراره بأن جيهمان أخطأ وأن جريمته كانت في حمل السلاح في الحرم بالذات مما سبب سفكاً لدماء كثير من الأبرياء، ومراده بالأبرياء من قتل من الحجاج والمصلين وليس رجال الأمن ا لسعودي.

21ـ مع اعترافه بأن جريمة جيهمان جريمة عظيمة ودعا الله أن يغفرها له لتأوله، لكنها لا شيء بجانب جرائم الحكومة السعودية ومنها الصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر، وفتنة المسلمين في دينهم.

22ـ ثم تعرض لموقف الحكومة السعودية من القضية الأفغانية وأنها تحرص دوماً على أن تجعل من نفسها الوصي الشرعي على قضايا المسلمين ومنها قضية أفغانستان.

23ـ وأن السعودية دفعت الملايين للقضية الأفغانية ليس لله ولكن لإرضاء أمريكا.

24ـ طعن في الشيخ جميل الرحمن حاكم كُنَر لأنه على علاقة وطيدة بالسعودية وأنها أملت على الشيخ جميل عدة شروط لتلقى مجلته التي كان يصدرها الدعم عندهم ومن تلك الشروط عدم الطعن في اليهود والنصارى.

25ـ زعم أن المعسكرات التي يديرها العرب في أفغانستان لا يسمحون بالتدريب على المتفجرات بناء على أوامر من الحكومة السعودية.

26ـ زعم أن الحكومة السعودية دفعت لقادة الأحزاب على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الكثير من المساعدات المادية والعينية حتى اشترتهم وسيطرت عليهم سيطرة كاملة حقيقية، فكان لها ما تريد.

27ـ ثم يناقض نفسه بعد ذلك فيقول: السعودية دفعت أموالاً طائلة لقبائل الشيعة المتحكمة بالطرق الباكستانية المؤدية إلى معسكرات التدريب للتضييق على المجاهدين والمتدربين العرب ومنعهم من المرور فيها.

28ـ وذكر أن المخرج من هذه الدولة وأمثالها الهجرة والجهاد.

إلى غيرها من المسائل التي ذكرها في كتابه، وقد أشتمل كتابه على كثير من التحليلات الكاذبة والتناقضات الواضحة مع قلة البضاعة في الأدلة الشرعية وأصولها ومقاصدها.

.. يتبع ..

الوافـــــي 02-03-2006 04:39 PM


ولقد سلكت طريقتين في الرد عليه:

إحداهما طريقة إجمالية تشتمل على: تأسيس أصول ووضع مقدمات مهمة بين يدي الرد بمثابة اعتراضات كلية على هذا الكتاب

ومن ثم يعقبها الطريقة التفصيلة في الرد عليه بمنهج علمي مستمد من الكتاب والسنة أقوال أهل العلم المعتبرين.

وهذا أوان الشروع في المقصود؛ والله حسبنا ونعم الوكيل

*************

المقدمة الأولى:

التعريف بالدولة السعودية

اعتاد من تناولوا التاريخ السعودي بالكتابة أن يقسموه إلى ثلاثة أدوار:

الدور الأول:

يبدأ الدور الأول بالمبايعة التي تمت بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود سنة 1157هـ، وينتهي باستسلام الإمام عبد الله بن سعود لإبراهيم باشا سنة 1233هـ.


الدور الثاني:

أما الدور الثاني فيبدأ عند أكثر الباحثين ـ بنجاح الإمام تركي بن عبد الله في إخراج بقية جنود الحاميات العسكرية التابعة لمحمد علي من نجد سنة 1240هـ، وينتهي بانتصار الأمير محمد بن رشيد على الإمام عبد الرحمن بن فيصل سنة 1309هـ.


الدور الثالث:

أما الدور الثالث فيبدأ باستيلاء عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ الملك عبد العزيز على الرياض سنة 1319هـ.

واعتاد من كتبوا عن تلك الأدوار أن يسموا كل دور منها دولة (تاريخ المملكة لابن عثيمين ص7) فالدولة السعودية نسبة إلى مؤسسها في الدور الأول وهو الإمام محمد بن سعود، ولقد ارتبط التاريخ الحديث لهذه الدولة ارتباطاً عميقاً بالحكم السعودي حتى أصبح اسمها المملكة العربية السعودية، مع أن هذه التسمية لم تحدث إلا في الدولة السعودية الثالثة.

ولقد استمر مؤسس الدور الثالث ـ الملك عبد العزيز ـ في الجهاد والحروب ضد خصومه قرابة نصف قرن حتى توحدت هذه الجزيرة وصارت تحت إمرته وقيادته وأصبح هو الحاكم الشرعي لهذه الجزيرة.

ومن القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة: أن من غلب الناس بسيفه وصارت له شوكة وقوة فتولى الحكم واستتب له فهو إمام تجب بيعته وطاعته وتحرم منازعته ومعصيته ، قال الإمام أحمد رحمه الله ـ في العقيدة التي رواها عنه عبدوس بن مالك العطار: (... ومن غلب عليهم ـ يعني: الولاة ـ بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجراً ) (طبقات الحنابلة 1/242، 246).

واحتج الإمام أحمد بما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه ـ أنه قال: (.. وأصلي وراء من غلب) (الأحكام السلطانية ص23).

وقد أخرج ابن سعد في (الطبقات 4/193) بسند جيد عن زيد بن أسلم أن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صَلَّى خلفه وأدَّى إليه زكاة مالهِ.

وفي صحيح البخاري ـ كتاب الأحكام، باب كيف يُبايع الإمام الناس ـ عن عبد الله بن دينار، قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك قال:

(كتب: إني أُقِرُّ بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وإن بني قد أقَرُّوا بمثل ذلك)

قوله: (حيث اجتمع الناس على عبد الملك):

يريد: ابن مروان بن الحكم.

والمراد بالاجتماع: اجتماع الكلمة، وكانت قبل ذلك مفرَّقة، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان، كُلٌّ منهما يُدْعَى لَهُ بالخلافة، وهما عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ. وكان ابن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك، فلما غلب عبد الملك واستقام الأمر بايعه.

وهذا الذي فعله ابن عمر من مبايعة المتغلب هو الذي عليه الأئمة، بل انعقد عليه الإجماع من الفقهاء.

.. يتبع ..

الوافـــــي 02-03-2006 04:41 PM


ففي (الاعتصام للشاطبي 2/626): (أن يحيى بن يحيى قيل له: البيعة مكروهة؟ قال: لا. قيل له: فإن كانوا أئمة جورٍ؟ فقال: قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذ الملك، أخبرني بذلك مالك عنه، أنه كتب إليه، وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه. قال يحيى بن يحيى: والبيعة خير من الفرقة) اهـ.

وروى البيهقي في (مناقب الشافعي 1/448) عن حرملة قال: (سمعت الشافعي يقول: كُلُّ من غَلَبَ عَلَى الخلافة بالسيف، حتى يُسمَّى خليفة، ويُجْمٍعَ الناس عَلَيه، فهو خليفة) انتهى.

وقد حكى الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في (الفتح) فقال:

(وقد أجمع الفقهاء عَلى وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء) انتهى.

وقد حكى الإجماع ـ أيضاً ـ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ فقال:

(الأئمة مجمعون من كل مذهب عَلَى أن من تغلب على بلد أو بُلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قَبْلَ الإمام أحمد إلى يؤمنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يَصح إلا بالإمام الأعظم) (الدرر السنية في الأجوبة النجدية 7/293) اهـ.

وقال العلامة الصنعاني ـ رحمه الله تعالى ـ ( سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام: 3/499) في شرح حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً: ( من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فَمِيتَتُهُ ميتَةٌ جَاهلية).

(قوله: "عن الطاعة" أي: طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه. وكان المراد خليفة أي قطر من الأقطار، إذ لم يُجْمِعِ الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية، بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم. إذ لو حُملَ الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الإسلام لقَلَّت فائدتُهُ.

وقوله: "وفارق الجماعة" أي: خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم، واجتمعت به كلِمَتُهُمْ، وحاطَهُم عن عدوهم) اهـ .

وقال العلامة الشوكاني ـ رحمه الله ـ (السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار 4/512) في شرح قول صاحب (الأزهار): ( ولا يصح إمامان):

(وأما بعد انتشار الإسلام، واتساع رُقْعَتِهِ، وتباعد أطرافه؛ فمعلوم أنه قد صار في كل قُطْرٍ أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان، وفي القُطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أَمْرٌ ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.

فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحدٍ منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامِرُهُ ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر.

فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته، وبايعه أهْلُهُ، كان الحكم فيه أن يُقْتَلَ إذا لم يتب.

ولا تجب على أهل القُطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته؛ لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سُلطانها، ولا يدري من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة والحال هذا تكليف بما لا يُطاق.

وهذا معلوم لكل من له إطلاع على أحوال العباد والبلاد...

فاعرف هذا فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لِمَا تدُلُ عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أَوَّل الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار.

ومن أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها) اهـ.

فهذه أقوال ثلاثة من علماء الأمة المجتهدين تقرر صحة تعدد الأئمة في بيعة الاضطرار. معوِّلُهَا على الأدلة الشرعية، والقواعد الْمَرعيَّة، والمصالح الكلية. وقد سبقهم إلى نحو هذا ثُلَّةٌ من العلماء المحققين.

من ذلك قول العلامة ابن الأزرق المالكي قاضي القدس: (إن شرط وحدة الإمام بحيث لا يكون هناك غيره لا يلزم مع تعذر الإمكان.

قال ابن عَرَفَة ـ فيما حكاه الأُبِّيُّ عنه ـ: فلو بعد موضع الإمام حتى لا ينفذ حكمه في بعض الأقطار البعيدة جاز نصب غيره في ذلك القطر.

وللشيخ علم الدين ـ من علماء العصر بالديار المصرية يجوز ذلك للضرورة ..) اهـ.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ ( مجموع الفتاوى:35/175ـ176):

(والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوّابه، فإذا ذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة؛ لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق...) اهـ.

.. يتبع ..

الوافـــــي 02-03-2006 04:42 PM

المقدمة الثانية:

عقيدة الدولة السعودية ومنهجها ودستورها

المبحث الأول:

عقيدة الملك عبد العزيز آل سعود (رحمه الله)

كان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ سلفي العقيدة، ينتهج عقيدة السلف الصالح لهذه الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهي العقيدة التي دعا إليها الكتاب والسنة، وكان عليها سلف الأمة، ومنهم الأئمة الأربعة رحمه الله تعالى عليهم جميعاً.

وكان ـ رحمه الله ـ من بيت ورث هذه العقيدة السلفية ونصرها ودعا إليها، فمؤسس الملك السعودي الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله تعالى ـ المتوفى 1179هـ هو الذي وقف مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ وأيده في دعوته لعقيدة السلف، ونصره بالسيف والسنان، حينما أتى الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى الدرعية سنة 1147هـ طالباً النصرة في دعوته، فقبل ذلك محمد بن سعود وحمل لواء الذب عن هذه الدعوة ثم من بعده ابنه عبد العزيز ثم ابنه سعود بن عبد العزيز، وببركة هذه الدعوة الإصلاحية ساد ملك آل سعود. وبعد أن كان ابن سعود يحكم قرية واحدة ساد ملكهم جميع أراضي شبه الجزيرة تقريباً.

واستمر آل سعود في الدفاع عن العقيدة السلفية، حتى بعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1206هـ، وهكذا نشأ الملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ على هذه العقيدة السلفية، المتضمنة لتوحيد الله تعالى وحده، ووجوب صرف العبادة له دون سواه، ووجوب إتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتحكيم شرع الله في كل الأمور، وتعلم العلم النافع، ومحبة الصحابة والتابعين، وأئمة الدين جميعاً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من مسائل عقيدة السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم جميعاً. وخطبه وكلامه ـ رحمه الله ـ في الحث على التمسك بالإسلام خير شاهد على صحة عقيدته، وسيأتي نماذج كثيرة منها في المبحث الثاني إن شاء الله تعالى، وكذلك فقد صرح ـ رحمه الله ـ بأنه سلفي العقيدة، يدعو إلى الكتاب والسنة ويحكمها، وحذر من مخالفتها، بل وحارب البدع المنافية للكتاب والسنة بكل طريقة ممكنة

ومن أقواله التي تبين سلفيته في العقيدة:

1ـ يقولون: إننا وهابية، والحقيقة أننا سلفيون محافظون على ديننا نتبع كتاب الله وسنة رسوله، وليس بيننا وبين المسلمين إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه).

وهذا الدفاع منه ـ رحمه الله ـ عن هذه العقيدة، ونفي نسبة نفسه إلى الوهابية خصوصاً، لكن إلى السلفية عموماً، يوضح أنه كان يرى أن دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ هي دعوة إلى عقيدة السلف الصالح نفسها، ولا ينبغي أن تسمى بالوهابية، فإن هذه التسمية إنما أطلقها أعداء العقيدة السلفية بقصد تنفير الناس منها.

2ـ و قال ـ رحمه الله تعالى ـ في خطابه الذي ألقاه بمكة المكرمة يوم الأربعاء 30/11/1351هـ قال: (يسموننا الوهابيين ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاسد نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثهاها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد وعقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وكلهم محترمون في نظرنا).

3ـ وقال ـ رحمه الله أيضاً ـ يبين عقيدته التي يدين بها والقائمة على توحيد الله عز وجل والنقية من البدع: (هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو لها، وهذه هي عقيدتنا وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شرك منزهة عن بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها).

4ـ وكذلك فإنه ـ رحمه الله ـ يرى أنه لا يجوز الفصل بين الكتاب والسنة، أو سب أحد من الصحابة أو تكفير المسلم بغير حق، ويرى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الناس وأنه صاحب الشفاعة المرجوة يوم القيامة، ويرى أن طلب الشفاعة هو دعاء الله تعالى بقبولها، ويرى أن المرء لا يسعه إلا إتباع مذهب السلف الصالح رحمهم الله تعالى، يقول ـ رحمه الله ـ مقرراً جميع ذلك في خطاب ألقاه في أعيان البيت الحرام:

(من الناس من يقول آمنا بالله، وبما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يسبون آل بيته، ويسبون عمر، وعثمان، وأصحابه، وكيف ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، ولا نستطيع أن نفعل ذلك إلا بإتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.

والذي نمشي عليه هو طريق السلف، ونحن لا نكفر أحداً إلا من كفره الله ورسوله، وليس لنا مذهب سوى مذهب السلف الصالح، ولا نؤيد بعض المذاهب على بعضها.

فأبو حنيفة، والشافعي، ومالك، وابن حنبل أئمتنا، فمن وجدنا الحديث الصحيح معه اتبعناه، فإن لم يكن هناك نص، فإنما هو الاجتهاد في الفروع، والأصل كتاب الله، وسنة رسوله لا نفضل أحداً على أحد، ولا كبيراً على صغير.

وهل يقبل العقل أن هناك من هو أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هناك قبيلة أعز من قبيلة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي قريش، ولكن النسب لا يغني عن الإنسان شيئاً.

والتقوى ليست مجرد السجود، ولكن بالتفرقة بين الحق والباطل...، ومن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ولم يقل: وأشهد أن محمداً رسول الله لا تقبل منه، وكل إنسان لا يصلى على الرسول فهو ضال، وكل من لا يرجو شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة، ومعنى طلب الشفاعة أن تقول: ( يا رب محمد شفع فينا رسولك محمداً).

.. يتبع ..

الوافـــــي 02-03-2006 04:44 PM


5ـ كما قال الملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ يبين أنه على عقيدة السلف والخلفاء الراشدين: (أنا داعية أدعو إلى عقيدة السلف الصالح ... وهي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء عن الخلفاء الراشدين).

يتبين مما ذكرناه من كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ أنه كان على عقيدة السلف الصالح رضي الله عنهم جميعاً، وهذا هو ما سعى إليه ونصره، ودعا إليه، وقاتل من أجله، وألزم جميع من تحت يديه به؛ فرحمه الله تعالى رحمه واسعة.

قال الأستاذ عبد الرحمن الرويشد: " أحيا الملك عبد العزيز تقليداً قديماً في بلاط آل سعود. وهو حلقة الدرس التي تقام بحضور الملك.

ذلك التقليد يقوم على قراءة بعض الكتب في تفسير القرآن الكريم، وشرح السنة النبوية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكتب التاريخ والأخبار أمام الملك وحاشيته في المجلس العام.

ومن الكتب التي عرفت واستمع الناس إليها في مجالس الملك عبد العزيز: تفسير ابن كثير، وسيرة ابن هشام، والبداية والنهاية في التاريخ لابن كثير، وسيرة الخلفاء للسيوطي، وسراج الملوك، ومقدمة ابن خلدون، وفتح المجيد في شرح كتاب التوحيد، وكتاب الترغيب والترهيب، وكتاب الكبائر للذهبي.

وقد أشار الزركلي: إلى أنه سمع في مجلس الملك عبد العزيز ثلاثة كتب من التراث وهي: تفسير القرطبي، وكتاب البداية والنهاية لابن كثير، وكتاب الآداب الشرعية لابن مفلح.

وقد سأل الزركلي الأمير عبد الله بن عبد الرحمن ـ وهو أحد علماء آل سعود المعدودين ـ عن عادة الدرس هذه، فقال الأمير عبد الله: إنها عادة قديمة تناقلناها عن أسلافنا. اهـ

ولم يدخر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وسعاً، ولم يترك مناسبة تمر إلا واغتنمها في سبيل حث الناس من حوله ـ بل وجميع المسلمين عموماً ـ على التمسك بالكتاب والسنة، وعقيدة السلف الصالح، ونبذ جميع ما خالفها من بدع وخرافات، والأخذ بالإسلام نقياً كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

وقد استفاضت أقواله وخطبه في هذا المجال، حتى بلغت القاصي والداني، وسجلت في كل محفل، وتناقلها الناس عنه، وسجلتها الصحف والكتب التي ترجمت له، فمن ذلك:

1ـ قوله لوفد من المسؤولين في بعض البلاد المسلمة حين وفدوا إلى مكة المكرمة وعلى رأسهم ملك أفغانستان موضحاً لهم أن الأخذ بالإسلام واجب، وأنه سبب القوة والظفر، ومنكراً على المقلدين للكفار: ( إن المسلمين لا ينقذهم مما هم عليه من تأخر وانحطاط إلا الاعتصام بحبل الله وبكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقة الاعتصام بحبل الله هي توحيد الله جل شأنه وحده دون أحد من الكائنات.. التوحيد الخالص من الشرك والبدع.. يقولون إن المسلمين في تأخر، وبحثوا ليجدوا طريقة لتقدم المسلمين فما وجدوا أمامهم إلا أن يقلدوا الأوربيين، ولكنهم لم يقلدوا الأوروبيين فيما كان سبب قوتهم ومنعتهم، بل قلدوهم فيما لا يسوغ في دينهم، فقد مضى على هؤلاء الذي يدعون الإسلام عشرات السنين وهم يدعون الناس بالسر والعلانية بالقول والعمل لتقليد الأوروبيين، ولكن من منهم عمل إلى اليوم إبرة أو صنع طيارة أو عمل بندقاً أو مدفعاً..؟ لقد قلدوهم ولكن في غير ما يعود عليهم بالنفع.. قلدوهم فيما يخالف ما ينتسب إليه المسلم؛ فقلدوا ملاحدتهم في الإعراض عن دين الله، ثم هم بعد ذلك يدعون أنهم مسلمون [لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ] (المجادلة: 22).

إن الإسلام هو الوسيلة لسعادة الدنيا والآخرة [ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ] (البقرة: 201).

لقد أوذينا في سبيل الدعوة إلى الله، وقوتلنا قتالاً شديداً، ولكنا صبرنا وصمدنا ... لقد دعونا إلى الله من قبل وندعو من بعد المواسم وفي سائر المواقف، حتى نقوم بالواجب المفروض علينا كما هو مفروض على كل مسلم من الدعوة إلى الله.

إني أدعو المسلمين جميعاً في هذا الموقف إلى دعوة الله وحده، والرجوع للعمل بما كان عليه السلف الصالح؛ لأنه لا نجاة للمسلمين إلا بهذا.

يقول ـ رحمه الله ـ مبيناً أن العز والفخار هو طاعة الله وإتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتمسك بأهداب الدين الإسلامي الحنيف: (إن بعض الأمراء يفتشون على المناصب والمراتب، وبعض العلماء يعملون على نيل المآرب، ولكن هؤلاء وأولئك قد ضلوا الطريق. فإن لعز ليس هذا طريقه، والطريق القويم لنيل العز، والفخار هو إتباع كتاب الله وسنة رسوله، والتمسك بالدين. إنني أفخر بمن خدم الإسلام والمسلمين، وأعتز بهم بل أخدمهم، وأعطيهم، وأساعدهم، وإنني أمقت كل من يحاول الدس على الدين، وعلى المسلمين، ولو كان من أسمى الناس مقاماً، وأعلاهم مكانة.

كما قال ـ رحمه الله ـ تعالى في بيان شدة اعتزازه بكلمة التوحيد، واستعداده للتضحية من أجلها: (عندي أمران لا أتهاون في شيء منهما، ولا أتوانى في القضاء على من يحاول النيل منها، ولو بشعرة. الأول: كلمة التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله" اللهم صلى وسلم، وبارك عليه. إني والله وبالله وتالله أقدِّم دمي، ودم أولادي، وكل آل سعود فداء لهذه الكلمة ولا أضن بها ... إلخ).

كما قال ـ رحمه الله ـ في خطابه ووصيته لولي عهده الملك سعود، يبين له أن سبب العز هو الأخذ بكلمة التوحيد، ونصرتها، وأنها سبب لهذا الملك، وموصياً له بالمحافظة على هذا المنهج: (واعلم أننا نحن آل سعود ما أخذنا هذا الأمر بحولنا وقوتنا وإنما من به الله علينا بسبب كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله .

وقال ـ رحمه الله ـ في رسالة عامة للمسلمين يحثهم فيما على التمسك بالكتاب والسنة والأمر بتقوى الله تعالى: من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل إلى من يراه من إخواننا المسلمين وفقنا الله وإياهم لفعل الخيرات وترك المنكرات والإقلاع عن الذنوب والسيئات آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: فالموجب لهذا هو النصيحة لكم والشفقة عليكم لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى. والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين. قال تعالى: [ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله] (النساء: 131) والتقوى كلمة جامعة لكل خير لأن الخير بحذافيره فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه ومما أمرنا الله به وحضنا عليه إتباع كتابه وسنة نبيه قال تعالى: [اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون] (الأعراف: 3) وقال تعالى: [ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا] (الحشر: 7)، فالواجب على من أراد نصح نفسه وأراد نجاتها أن يتقي الله في سره وعلانيته وأن يحاسب نفسه هل قام بما أوجبه الله وامتثل ما أمر الله به ورسوله ووقف عند حدوده فلم يتجاوزها؟ أم هو منقاد مع شهواته وهواه قد أعطى نفسه هواها ولم ينهها عن ارتكاب المحرمات. فلو علم أنه موقوف ومسؤول عن جميع أعماله وأقواله وأحواله لخلا بنفسه وحاسبها واتقى الله سبحانه وبحمده. فيا خسارة من حاله حال البطالين والغافلين المعرضين.

قال ـ رحمه الله ـ في حفلة الديوان العالي بأجياد، في يوم الاثنين 8 ذي القعدة 1345هـ يحث على التمسك بالدين وفعل الحسنات وعدم الاغترار بالدنيا: (تكاثرت ولله الحمد النعم، وهي ليست من عمل المخلوق، وإنما من نعم الله جل وعلا... وقد قال في كتابه الكريم: [وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى] (الأنفال: 17). يجب أن نتعظ بالماضي، لأن الإنسان الذي لا يتعظ بالماضي لا يكون التوفيق حليفة في المستقبل، فكم من قبيلة وعشيرة أرسل الله إليها الرسل كعاد وثمود ولكنها لم تتعظ فأبادها الله، والرسل من أفضل البشر كعاد وقد جعلهم الله حجة على بني الإنسان.

كلنا ـ نحن المجتمعين ـ لنا أموال وصناعات ولا نعطي هذه إلا لمن يحرص عليها، وهي من نعيم الدنيا زائلة لا محالة، ولكن هناك نعمة حقيقية لا تزول، وخزينة لا ينضب معينها هي: الاعتقادات بأنه لا إله إلا الله وهذه النعمة مشروعة في كل مكان ولكنها لهذه البقعة المباركة ألزم، لأن الحسنات والسيئات تتضاعف فيها، ولأن الله اختارها لتكون مهبطاً للوحي، وجعل زيارة حرمها من أركان الإسلام وإنا نحمد الله على جمع الشمل، وعلى جعل الحكم في هذه الديار بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم] ( الرعد: 11)، فتغيير ما بأنفسنا يعود علينا بالضرر وهذا الضرر هو أعظم من الجهل والفساد والجرائم فالواجب عليكم هو معرفة الله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وترك البدع والخرافات والتأدب بآداب الشريعة السمحة وتوثيق عرى الألفة وأواصر النصيحة والإخلاص.

.. يتبع ..

الوافـــــي 02-03-2006 04:46 PM


وقد كان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ يغتنم مواسم الحج في الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح والأخذ بالكتاب والسنة، وتنقية التوحيد من الشوائب، وأدران الشرك والخرافات، فكان له ـ رحمه الله ـ مأدبة كبرى يلتقي فيها بعلماء الدول والحجاج فيدعوهم إلى الله وإخلاص العبودية له. خطب ـ رحمه الله ـ في جمع غفير من ضيوف الرحمن فقال: (المسلم لا يكون إسلامه صحيحاً إلا إذا أخلص العبادة لله وحده يجب أن يتدبر المسلمون معنى (لا إله إلا الله) يجب على الإنسان ألا يشرك مع الله في عبادته نبياً مرسلاً ولا ملكاً مقرباً. يجب أن يتبع المسلمون القول بالعمل أما القول المجرد فلا يفيد. ما فائدة رجل يقول: لا إله إلا الله ولكن يشرك ما دون الله في عبادته.

إن الإشراك مع عبادة الله كفر وليس بعد الكفر ذنب. إن دين الله ظاهر كالشمس لا لبس فيه ولا تعقيد.

ثم أضاف ـ رحمه الله ـ: (إن من أعظم الأوامر توحيد الله جل وعلا توحيداً منزهاً عن الشرك.

وخطب ـ رحمه الله ـ في حجاج الهند فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (إن أول ما يلزمنا من الإسلام هي كلمة الشهادتين ومعنى الشهادة لا إله إلا الله أنه تفيد إثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى.

لا يوجد إنسان غير مذنب لأن العصمة لله وحده. ولكن الذنوب على درجات منها ما لا يمكن معه صفح أو غفران وهو الشرك بالله).

ويقول ـ رحمه الله تعالى ـ مبيناً وجوب صرف العبادة لله وحده، موضحاً أن توحيد الله وعبادته، هو الغاية من خلق الناس، فيقول: (أما العبادة فلا تصرف إلا لله وحده لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا تخفى عليكم الآية الكريمة [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون] (الذاريات: 56) ومعنى يعبدون يوحدون، فالتوحيد خاص بالله تعالى، والعبادة لا تصرف إلا إليه، والرجاء والخوف والأمل كله بالله ولله، وما بعث محمد ولا أرسل الرسل ولا جاهد المجاهدون إلا لتوحيد الله تعالى).

ويقول ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان حرصه على إتباع الكتاب والسنة وعبادة الله وحده والحث على ذلك: (إني أفضل أن أكون على رأس جبل أكل من عشب الأرض، أعبد الله وحده، على أن أكون ملكاً على سائر الدنيا وهي على حالتها من الكفر والضلال. اللهم إنك تعلم أني أحب من تحب وأبغض من تبغض.

إننا لا تهمنا الأسماء ولا الألقاب وإنما يهمنا القيام بحق واجب كلمة التوحيد).

كما قال ـ رحمه الله ـ في الحث على الاجتماع على كلمة التوحيد، والعمل بالكتاب والسنة وبيان أن ذلك سبب الوحدة وجمع الشمل: (إن الذي يجمع شملنا ويوحد بيننا هو: الالتفاف حول كلمة التوحيد والعمل بما أمر الله به ورسوله).

وخطب ـ رحمه الله ـ في حفل أمانة العاصمة بمكة المكرمة في التاسع عشر من صفر سنة 1356هـ في الحث على الأخذ بالكتاب والسنة ووجوب أن تكون الحياة كلها وفق منهج الله عز وجل، ووجوب إعداد القوة، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يسرني دائماً الاجتماع بكم والتحدث إليكم. لما في الاجتماع من فوائد ولأن في الاجتماع أكبر المصالح.

إن أشد ما يؤلمني ما كان فيه أقل ضرر على شعبي وبلادي فإذا كلفنا عليكم اليوم فلا نقصد بهذا إلا التناصح والنظر فيما فيه مصلحة الأمة والبلاد.

إن الحياة المجردة عن الدين، والزاخرة بأنواع القوة ليست حياة، كذلك عظمة الملك وجبروته ليست بالحياة، وإنما الحياة الدين والتمسك به وإقامة حدود الله، فالحياة التي تسير على أساس الدين هي القوة، أما الحياة التي تسير على غير الدين فهي كالمطر الذي يقع على السبخة فلا يجدي ولا يثمر.

إن الدين الإسلامي الصحيح في نظري هو أساس الرقي، ومن اعترضنا في ديننا أو وطننا قاتلناه ولو كان أهل الأرض، وإن الإسلام ملك علينا قلوبنا وملك جوارحنا، وليس معنى هذا أن المتمسكين بالدين يجب عليهم عدم الأخذ بأسباب القوة.. لا .. إن القوة واجبة قال تعالى: [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم] (الأنفال: 60).

وقال ـ رحمه الله تعالى ـ داعياً إلى أن يكون الإيمان بالله هو منطلق المسلمين نحو الأخذ بأسباب القوة، وأن ذلك أعظم هذه الأسباب: (إذا أراد المسلمون والعرب قتال أعدائهم فإن أعدوا آلة من آلات الحرب أعد أعداؤهم مئات بل ألوفاً، ولكن قوة واحدة إذا أعدها المسلمون لم يتمكن أعداؤهم أن يأتوا بمثلها وهي إيمانهم بالله وثقتهم به).

ويقول في بيان أن واجب المسلم الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ والسعي في الأرض بالإصلاح: (الإسلام عزيز عليّ ورهبته في قلوب أعدائه كبيرة، فواجب المسلم أن يقوم بالدعوة إلى الله عبادة خالصة وأن يسعى لإصلاح شؤون المسلمين إصلاحاً حقيقاً لا نظرياً).

ومع الدعوة إلى العقيدة في داخل هذه البلاد من مؤسسها الملك عبد العزيز فهو حريص على أن يدعو المسلمين في كل مكان من أرجاء العالم إلى الاهتمام بالعقيدة والعمل بها والدعوة إلهيا لأنها سبب الفوز والنجاة يقول: (إنني أدعو المسلمين جميعاً إلى عبادة وحدة والرجوع للعمل بما كان عليه السلف الصالح لأنه لا نجاة للمسلمين إلا بهذا).

وأخيراً فإنه ـ رحمه الله ـ يبين مدى حبه للدين وحرصه على الدعوة إليه ووصيته كل مسلم بهذه الدعوة إلى الإسلام: (الإسلام عزيز عليّ ورهبته في قلوب أعدائه كبيرة. فواجب المسلم أن يقوم بالدعوة إلى عبادة خالصة).

فهذه نماذج يسيرة تبين عقيدة الملك عبد العزيز ومنهجه.

.. يتبع ..

الوافـــــي 03-03-2006 11:07 AM

الحلقة الثالثة

موقف علماء أهل السنة والحديث من الدولة السعودية

يقول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ... الآية}، ويقول عليه الصلاة والسلام (أنتم شهداء الله في خلقه)، فأمة الإسلام وسط بين سائر الملل، وأهل السنة والحديث وسط بين سائر الفرق، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)، فأهل السنة والحديث هم أولى الناس بهذه الأوصاف لأنهم يتبعون الكتاب والسنة ولا يخرجون عنهما، فهم أصدق الناس لهجة، وأحسنهم حديثاً، وأفضلهم طريقاً وأقومهم سبيلاً، خير الناس للناس، لا يشهدون الزور ولا يقرون الكذب والفجور يقولون الحق ويشهدون به.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في أهل الحديث: (فهم أكمل الناس عقلاً، وأعدلهم قياساً، وأصوبهم رأياً، وأسدهم كلاماً وأصحهم نظراً، وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلاً، وأتمهم فراسة، وأصدقهم إلهاماً، وأحدهم بصراً ومكاشفة، وأصوبهم سمعاً ومخاطبة، وأعظمهم وأحسنهم وجداً وذوقاً. وهذا هو للمسلمين بالنسبة لسائر الأمم، ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل.

فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحد وأسد عقلاً، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك متمتعين. وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه، قال تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى} وقال: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لأتيناهم من لدنا أجراً عظيماً؛ ولهديناهم صراطاً مستقيماً}.

وهذا يعلم تارة بموارد النزاع بينهم وبين غيرهم، فلا تجد مسألة خولفوا فيها إلا وقد تبين أن الحق معهم. وتارة بإقرار مخالفيهم ورجوعهم إليهم دون رجوعهم إلى غيرهم، أو بشهادتهم على مخالفيهم بالضلال والجهل. وتارة بشهادة المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض، وتارة بأن كل طائفة تعتصم بهم فيما خالفت فيه الأخرى، وتشهد بالضلال على كل من خالفها أعظم مما تشهد به عليهم.

فأما شهادة المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض: فهذا أمر ظاهر معلوم بالحس والتواتر لكل من سمع كلام المسلمين، لا تجد في الأمة عظم أحد تعظيماً أعظم مما عظموا به، ولا تجد غيرهم يعظم إلا بقدر ما وافقهم فيه، كما لا ينقص إلا بقدر ما خالفهم).

ومما لا شك فيه أنه لما قامت الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز لم تكن الأرض خالية من علماء أهل السنة الحديث، الذين عاصروا قيام هذه الدولة وشاهدوها وعرفوها عن كثب ممن كان داخل الجزيرة العربية أو في الشام ومصر والعراق واليمن أو المغرب الأقصى أو في شبه القارة الهندية أو غيرها من البلدان فلنر موقف هؤلاء العلماء والشهود من هذه الدولة ولنبدأ بالأبعد إقليماً قطعاً لشبهة المجاملة والتصنع!! وهم علماء أهل الحديث في شبه القارة الهندية ولنر موقفهم من هذه الدولة على ضوء كتبهم ورسائلهم ومجلاتهم وأنشطتهم الدعوية.

.. يتبع ..

الوافـــــي 03-03-2006 11:09 AM


نبذة عن تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية:

يرجع تاريخ أهل الحديث في شبه القارة الهندية بعد فترة الخمول الطويلة ـ إلى عصر الإمام المحدث الشاه ولي الله الدهلوي (المتوفى سنة 1176هـ) الذي عني عناية بالغة بعلوم الكتاب والسنة، وتبعه على ذلك حفيده الإمام الشاه محمد إسماعيل الدهلوي (المتوفى سنة 1246هـ) الذي قام بدعوة فعالة عظيمة إلى الكتاب والسنة، وبعد مقتله تحولت دعوته إلى جماعة لها أهداف وأصول ومناهج وتحمل رجالها مسئولية نشر الدعوة السلفية، إلى أن جاء الإمام المحدث الشيخ: نذير حسين الدهلوي (المتوفى 1320هـ) فلعبت دوراً بارزاً في نشر علوم الكتاب والسنة وتدريس الحديث النبوي على طريقة الأئمة المحدثين، واستمر في تدريس علوم الشريعة وخاصة الحديث النبوي قرابة ستين عاماً وتخرج على يديه تلامذة كثيرون جداً من داخل الهند وخارجها كنجد والحجاز وبلاد فارس وغيرها نهجوا منهجه في الاعتصام بالكتاب والسنة وهؤلاء التلاميذ عاصروا قيام الدولة السعودية وجهود الملك عبد العزيز في ذلك وسأذكر على سبيل المثال بعض مواقف هؤلاء من هذه الدولة خصوصاً عندماً دخل الملك عبد العزيز الحجاز حصلت اجتماعات مكثفة ضده من قبل كثير من الجمعيات والمؤسسات في شبه القارة الهندية تنشر الدعايات المكذوبة عليه وعلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب واتباعه والطعن فيهم عبر الصحف والمجلات والنشرات، ومن أبرز تلك الاجتماعات: (مؤتمر الحجاز الإسلامي) المعقود في 25 ـ 26 سبتمبر 1926م تحت إشراف [جمعية خدام الحرمين] بلكناو اتخذ في هذا المؤتمر قراراً يهدف إلى القيام بالإجراءات الموحدة من أجل تحرير مكة من يد الملك عبد العزيز آل سعود ومنع المسلمين منعاً باتاً من أداء فريضة الحج حتى ينتهي دوره على الحجاز وطالبوا الحكومة الإيرانية بإنجاز هذا الاقتراح والقيام بتطبيقه.

كما عقد في لكناو مؤتمراً كبيراً في نهاية عام 1926م واتخذوا فه قرارات ضد الملك عبد العزيز وطالبوا من الحكومة البريطانية أن تتدخل في شئوون الحجاز وتستخدم نفوذها السياسي ضد الملك عبد العزيز نيابة عن المسلمين والهنود.

.. يتبع ..

الوافـــــي 03-03-2006 11:11 AM

كل هذه الأحداث والوقائع لا بد أن تتمخض عنها مواقف صريحة لعلماء أهل الحديث من الحكومة السعودية وهذا ما سنبينه بشيء من البسط:أعود فأقول أن من ..

أبرز علماء أهل الحديث الذين عاصروا الملك عبد العزيز:

1ـ الشيخان الجليلان المحدثان عبد الرحيم الغزنوي وعبد الواحد الغزنوي: ابنا الشيخ عبد الله بن محمد بن شريف الغزنوي أحد كبار علماء أهل الحديث بالهند ومن تلاميذ الشيخ السيد نذير حسين المحدث الدهلوي، والمذكوران سارا على طريقته وكانا يشتغلان بالتجارة وفي سفرهما إلى الكويت اجتمعا بالأمير عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وابنه الملك عبد العزيز فتأثر الأميران بالشيخين جداً وتوطدت العلاقات بين الطرفين وحينما رجع الملك عبد العزيز إلى الرياض فاتحاً وجه إليهما الدعوة للإقامة في عاصمة نجد فرحبا بالدعوة وجاءا إلى الرياض وأقاما خمس سنوات في نجد يستفيد من علومهما رجال من آل سعود وأهل نجد.

2ـ الشيخ محمد بن إبراهيم الجوناكري : (المتوفى 1942م) أحد مشاهير علماء أهل الحديث الذي نذر نفسه لخدمة الكتاب والسنة ونشر التوحيد الخالص والرد على القبورية وألف عدة مؤلفات في نصرة الملك عبد العزيز وعقيدته ومن ذلك رسالة: (مملكت محمدي) ألفها عام 1926م وهي تتضمن الرد على الشقيقين (شوكت علي و محمد علي) وغيرهما من الزعماء السياسين الذين قاموا بحركة تدعو إلى تعطيل الحج وتأجيله حتى ينتهي دور آل سعود ويتم إبعادهم عن الحجاز وقد حرضوا المسلمين على ذلك، واستخدموا له أنواعاً من الوسائل والدعايات ومنها قولهم: إن الملك عبد العزيز ىل سعود مال عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طريقة قيصر وكسرى ومن الجمهورية إلى الملكية، وقد رد على ذلك الشيخ محمد الجوناكري في مقالة مفصلة له، نشرها أولاً في صحيفة (أخبار محمدي) في عددها 1 اكتوبر 1926م ثم طبعها في رسالة مستقلة وقد ذكر فيها الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية وجواز الملكية، ثم رد على المشاغبين الذين قاموا بحركة تأجيل الحج، وللشيخ الجوناكري رسائل أخرى في هذا الباب لا نريد إطالة الكلام بذكرها لحصول المقصود بما أوردنا.


3ـ الشيخ ثناء الله الأمر تسري : (المتوفي 1367هـ) أبو الوفاء ثناء الله بن محمد خضري الأمر تسري الملقب بـ (شيخ الإسلام) قرأ عامة العلوم، وكان له براعة فائقة في الرد على الفرق الضالة، وكان عالي الكعب في المناظرة، وناظر الميرزا غلام أحمد القادياني فأفحمه وقد تحداه القادياني بأن الكاذب منهما يموت في حياة الصادق، فمات القادياني بعد فترة قليلة، وعاش الشيخ ثناء الله الأمرتسرى ـ رحمه الله ـ أربعين عاماً.

وقد ألف المذكور عدة رسائل في نصرة الملك عبد العزيز وعقيدته ومن ذلك رسالة (نظرة على مسألة الحجاز) عام 1925م، رد فيها على الافتراءات التي ألصقتها (جمعية حزب الأفاق) لاهور بالملك عبد العزيز.. ثم تلكم بكلام علمي حول مسألة الحجاز من الناحية الدينية والسياسية، وأثبت من خلال بحثه العلمي: أن الخادم الحالي للحجاز الملك عبد العزيز آل سعود هو الأحق بخدمتها من سواه وذلك من الناحية الدينية والسياسية، والجدير بالذكر أن المؤلف قام بتوزيع هذه الرسالة مجاناً بين المسلمين تعميماً للفائدة وبياناً للحق.

وله رسائل أخرى في هذا المعنى منها رسالة (موقف علي أخوان ومؤتمر الخلافة من الملك عبد العزيز ) دافع فيها عن الملك عبد العزيز.

.. يتبع ..

الوافـــــي 03-03-2006 11:13 AM


لطيفة:

لقد حصل نزاع بين الشيخ أبي الوفاء ثناء الله الأمر تسري وبين الغزنوية في مسألة تتعلق بالصفات ( ويأتي بيانها) ومن أحداث هذه القضية أن الملك عبد العزيز كتب رسالة إلى الشيخ الأمر تسري في 10 ذي القعدة لعام 1345هـ رداً على مكتوب له في 18 شوال المكرم لعام 1345هـ وفيما يلي نص المكتوب السامي:




بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل

إلى جناب المكرم الأفخم الشيخ أبو الوفاء ثناء الله ـ سلمه الله ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

... وعن أخبار طرقنا فهي من فضل الله على غاية ما يرام فهذا ولا شك أن مقامكم عندنا عزيز وأما مسألة النزاع الذي صار بينكم وبين الغزنوية فالحقيقة أنها كثيراً كدرتني، ولا والله اطلعت عليها إلا بعدما طبعت، فليثبت عندكم أن مقامكم عندنا عزيز، وأن اجتهادكم عظيم في الحجاز وعندكم، ونرجو الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير، هذا ما لزم بيانه...





أما حقيقة النزاع في المسألة المشار إليها فقد ذكرها الأمرتسري في رسالة (إصلاح الإخوان على يد السلطان): ألفها وطبعها عام 1347هـ وهي تشتمل على ذكر المصالحة التي حصلت بينه وبين الأسرة الغزنوية حول مسألة تأويل بعض الآيات في الأسماء والصفات، سماها بهذا الاسم لأن المصالحة كانت عن طريق الملك عبد العزيز آل سعود حيث كان يُعرف في بلاد الهند باسم (السلطان ابن سعود) وكان للمك ـ رحمه الله ـ جهود مشكورة في هذه المصالحة وذلك انطلاقاً من اهتمامه بشؤون علماء أهل الحديث في بلاد الهند.

وفيما يلي نص المصالحة مأخوذاً من تفسير القرآن بكلام الرحمن يقول الشيخ ثناء الله الأمرتسري رحمه الله : (لما طبع تفسير القرآن بكلام الرحمن أول مرة تعاقب بعض معاصري العلماء الغزنوية الأمر تسرية على أربعين مقاماً في التفسير المذكور بلسان الأردو وسموها الأربعين فدفعتها بكتاب مسمى بالكلام المبين، ثم لما ذهبت لأداء فريضة الحج سنة 1344هـ عربوا الأربعين وطبعوها مرة ثانية وأشاعوها في الحرمين، فبلغ الخبر جلالة الملك عبد العزيز ابن سعود أيده الله فدعا كلاً من الفريقين لا على طريقة الحكومة بل كما يدعو الأب أبناءه ليصلح بينهم، وكان في المحضر الضافي عبد الله بن بليهد والشيخ السيد رشيد رضا صاحب المنار المصري والشيخ محمد بن عبد اللطيف والشيخ عبد الله بن حسن والشيخ بهجت البيطار والشيخ أبو زيد المصري وغيرهم سلمهم الله وعافاهم فدار الكلام ببين الفريقين فبعد ختم المكالمة أمر جلالة الملك القاضي ابن بليهد أن يكتب مسود الفصل فكتب .
وهذا نصها بحروفها:




بسم الله الرحمن الرحيم

(في المجلس الشريف المعقود على يد الإمام عبد العزيز بن سعود قد حضر الشيخ مولوي ثناء الله وحضر الشيخ عبد الواحد الغزنوي فطلب كل منهما إلى الإمام ـ أيده الله ـ أن ينظر فيما كان بينهما من النزاع بحضرة جماعة من العلماء وقد حصل الاتفاق بعد النظر فيما قالوه على أن الشيخ ثناء الله قد رجع عما كتبه في تفسيره عن تأويل الاستواء وما في معنى ذلك من آيات الصفات الذي تبع فيه المتكلمين، واتبع ما قاله السلف في هذا الباب وأقر بأنه هو الحق بلا ريب، والتزم أن يكتب ذلك في تفسيره، وأما الشيخ عبد الواحد الغزنوي ومن معه ممن كان قد تكلم في حق الشيخ ثناء الله مما يوجب الطعن عليه، فإنهم يرجعون عنه وأن يحرقوا الأربعين التي كتبوها في حقه، ويرجع كل منهما إلى تجديد عقد الأخوة واجتناب ما ينافي ذلك.

حصل القرار على ذلك وتبايعوا عليه على يد الإمام والعلماء الموقعين عليه والحمد الله عل التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.





فهذه نماذج مختصرة تبين موقف علماء أهل الحديث في القارة الهندية..

.. يتبع ..

الوافـــــي 04-03-2006 04:39 PM

الحلقة الرابعة

ومن العلماء المعتبرين في القارة الهندية من أهل الحديث
الذين عاصروا قيام الدولة السعودية:


4 ـ الشيخ أبو مسعود خان قمر البنارسي : من تلاميذ الشيخ عبدالمجيد البنارسي والمحدث أحمد الله والعلامة الشيخ عبدالله الغازيفوري وغيرهم، وهو ممن عاصرقيام الدولة السعودية على يد الملك عبدالعزيز.

وكان للشيخ المذكور دور فعال في عقد الاجتماعات واتخاذ القرارات تأييداً لموحدي نجد وللدولة السعودية والقائمين عليها ، وفي أعقاب مؤتمر الشيعة المنعقد في مدينة ((دلهي)) عاصمة الهند عام 1933م كتب الشيخ المذكور مقالة مفصلة نشرها في صحيفة أهل الحديث طلب فيها من كافة جمعيات أهل الحديث وغيرها أن يقوم مسؤولوها باتخاذ قرارات ترد على المؤتمر المذكور وقراراته.

5 ـ الشيخ محمد أبو القاسم سيف البنارسي : المتوفى 1369هـ الملقب بالسيف البنارسي هو وأبوه من تلاميذ السيد نذير حسين المحدث الدهلوي ومن مشاهير علماء الحديث في شبه القارة الهندية وهو من المعاصرين لقيام الدولة السعودية على يد الملك عبدالعزيز، كان له دور فعال في إخماد حركة تأجيل الحج التي تبناها الأخوان شوكت علي ومحمد علي من منبر الخلافة تأجيل الحج بعد وصول الملك عبدالعزيز إلى الحرمين الشريفين وبسط سلطانه على الحجاز وقام الشيخ البنارسي مثل علماء أهل الحديث الآخرين بشجب واستنكار هذه الحركة المضادة للإسلام ورد مزاعم الصادين عن سبيل الله وذلك عن طريق خطبه في الجمعة والاجتماعات العامة التي عقدت في مدينة (( بنارس )) وغيرها من المدن في شمال الهند ، وكان من آثار هذه المجهودات الطيبة أن خرج المسلمون وفوداً إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج

6 ـ محمد إسماعيل الغزنوي : المتوفى 1960م ، كانت له علاقة طيبة بالملك عبدالعزيز ودولته، وكان يحج كل عام ويلتقي بالمشايخ، وكان له دور بارز في التعريف بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وفي رد الافتراءات التي ألصقت به وبأتباعه، فمن أعماله التي قام بها في هذا الباب:

(1) رسالة " استقلال الحجاز"
(2) رسالة " اصلاحات الحجاز"
(3) رسالة " التحفة الوهابية"
(4) رسالة " جلالة الملك ابن سعود وخدمة الحرمين الشريفين" .


اشتملت هذه الرسائل على بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وموافقتها لمنهج السلف الصالح وبيان حقيقة الدولة السعودية وانجازاتها ورد الافتراءات المزعومة على الملك عبدالعزيز من ظلم الرعية وإكراههم على البيعة وما إلى ذلك من الافتراءات التي رد عليه المؤلف.

كما ألقى الضوء على ما وجد في عهد الملك عبدالعزيز من حسن تنظيم البلاد وبسط الأمن والسلام والعناية الخاصة بأمورالعقيدة والعلم، فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوفير أسباب الراحة للحجاج والزائرين لبيت الله الحرام.

.. يتبع ..

الوافـــــي 04-03-2006 04:41 PM


7 ـ الشيخ محمد داود الغزنوي : المتوفى عام 1963م ، من أسرة عريقة في العلم أخذ عن كثير من علماء بلده وغيرهم وأبرزهم الشيخ المحدث الحافظ : عبدالله الغازيفوري، وكان له دور بارز ضد الاستعمار الإنجليزي وهو الذي قام بتأسيس الجامعة السلفية بمدينة فيصل آباد بباكستان.

وكان له دور عظيم في الدفاع عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودولة الملك عبدالعزيز وقد ألف في ذلك رسالة " تحفة نجد" رد فيها على الافتراءات التي ألصقها الأعداء بالملك عبدالعزيز آل سعود وبأهل نجد في معتقداتهم وبين الحق في ذلك.

كما ذكر المؤلف في هذه الرسالة بعد ما أجمل ذكر أحوال الحجاز السيئة في عهد الشريف حسين ـ الإصلاحات التي قام بها الملك عبدالعزيز آل سعود في الحجاز والعوائق التي واجهته في ذلك، وقد صرح المؤلف قائلاً: إن ما قام به الملك عبدالعزيز في الحجاز من الاصلاحات والتحسينات ليس لها نظير في الأدوار الماضية على الأقل والتي لن ينساها المسلمون أبداً.

كما أن للشيخ محمد داود الغزنوي مواقف مشرفة لنصرة دعوة التوحيد عن طريق جمعية أهل الحديث التي أسسها وعن طريق مجلة التوحيد الاسبوعية التي كان يصدرها تحت إشرافه ـ رحمه الله ـ .

هذه بعض مواقف علماء أهل الحديث والسنة في شبه القارة الهندية من الملك عبدالعزيز والدولة السعودية ، ولم يقتصر نشاطهم على مجرد التأليف في ذلك بل أسهموا إسهامات أخرى عظيمة عبر إنشاء بعض الصحف والمجلات التي تبين حقيقة الدولة السعودية والملك عبدالعزيز وإبراز جهودهم في نصرة الكتاب والسنة والقضاء على صور الشرك والوثنية، ورد الافتراءات التي ألصقت بهم.. ومن أبرز تلك الصحف:

ـ صحيفة " أهل الحديث الأسبوعية الصادرة من بلدة ( أمر تسر ) برئاسة مؤسسها الشيخ ثناء الله الأمر تسري الأمين العام لجمعية أهل الحديث لعموم الهند في عصره وصحيفة ( أخبار محمدي )النصف شهرية الصادرة في دلهي برئاسة تحريرها الشيخ محمد الجوناكري ومجلة مسلم أهل حديث كزت الشهرية الصادرة في دلهي لصاحبها الشيخ أبي الفضل عبدالحنان.

وليس من الممكن أن نقدم جميع ما قامت الصحف والجرائد بنشره من مقالات وأخبار في هذا الموضوع لأنها أكثر من أن يحاط بها أو تورد بكاملها في هذا المبحث، وإنما نذكر بعض العناوين التي نشرت في تلك الحقبة:

1ـ عزائم الملك ابن سعود .

2ـ الملك عبدالعزيز ومنهجه في الحكومة .

3ـ ترجمة أردية لخطبة للملك عبدالعزيز ابن سعود .

4ـ أحوال الملك عبدالعزيز ابن سعود .

5ـ الملك عبدالعزيز ابن سعود وخدمة توفير أسباب الراحة في أيام الحج .

6ـ اهتمام جلالة الملك ابن سعود بتوحيد جزيرة العرب .

7ـ افتراء على الملك ابن سعود .

8ـ عدد خاص لجريدة ( أخبار محمدي ) حول أحوال الحجاز في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ يحتوي على معلومات مفيدة حول ما قام به الملك من الإصلاحيات في أرض الحرمين الشريفين والعناية بأمور التعليم والتربية وتوفير أسباب الراحة لحجاج بيت الله الحرام وبسط الأمن والسلام في كافة أنحاء البلاد وهو عدد 15 أغسطس لعام 1926م .

9ـ هذا افتراء على الملك ابن سعود .

10ـ الملك ابن سعود وعهده الميمون .

.. يتبع ..

الوافـــــي 04-03-2006 04:41 PM

تابع العناوين التي نشرت في تلك الحقبة

11ـ عظمة السلطان جلالة الملك ابن سعود .

12ـ مقتبسات لبعض خطب الملك ابن سعود .

13ـ بركات ابن سعود .

14ـ فضائل ابن سعود في ضوء الأحاديث .

15ـ رد بعض الافتراءات على الملك ابن سعود .

16ـ الملك ابن سعود وطبيعته الميالة إلى الحق .

17ـ حامل راية استقلال جزيرة العرب: الملك عبدالعزيز ابن سعود أيده الله بنصر مزيد .

18ـ دولة الحجاز وإحياء سنة الخلفاء الراشدين .

19ـ بطل جزيرة العرب عبدالعزيز بن سعود .

20ـ تطبيق الحدود الشرعية في الحجاز .

وحول العنوان المذكور أعلاه ذكر الشيخ محمد الجوناكري قصة سرقة وقعت أيام الحج لعام 1352هـ فأمرت الدولة السعودية بقطع يد السارق تطبيقاً للحدود الشرعية في الدولة، وعملاً بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما دعا الشيخ الجوناكري للقائمين على الدولة بالبركة والثبات على الحق وإقامة حدود الله في الأرض.

وأختم هذه المواقف الحسنة من علماء أهل الحديث في شبه القارة الهندية بمقولة الشيخ العلامة: ثناء الله الأمر قسري التي سطرها في جريدته: ( إن الدعاء على الدولة ـ السعودية ـ وأهلها من خصال الحساد، لا سمح الله أن يتقبل دعاءهم، فإن الحكومة السعودية هي الحكومة الوحيدة في العالم، التي تقوم بتنفيذ حدود الشريعة وأحكامها ) .

نكتفي بهذا القدر من الإيراد في بيان حقيقة موقف علماء أهل الحديث والسنة في شبه القارة الهندية، وإلى حلقة قادمة في بيان موقف علماء أهل السنة في البلاد المصرية إن شاء الله تعالى .

.. يتبع ..

الوافـــــي 06-03-2006 01:19 PM

الحلقة الخامسة

نزولاً عند رغبة كثير من القراء في عدم الاختصار في ذكر بيان موقف علماء أهل السنة في البلاد المصرية من الدولة السعودية حين قيامها.

وتمشياً مع رغبتهم في الاقتصار على نموذج أو نموذجين لأنه على حد قولهم. من لم تقنعه الحجة عن عالم معتبر منهم فلا حيلة فيه ولو بألف حجة!!

لهذا اقتصرت على موقفين اثنين لعالمين فاضلين من علماء أهل السنة والحديث في الديار المصرية وهما ممن عاصرا قيام الدولة السعودية الثالثة ومؤسسها الملك عبد العزيز وهما ممن التقيا به وتعاملا معه عن قرب وصارت بينهما علاقة وطيدة مع ما عرفا به من قوة في الحق والدفاع عن أهله وعدم المجاملة في الدين وممالاة أعدائه ومداهنتهم فيه، ناهيك عن موقفهم من علماء زمانهم وحثهم وتشجيعهم على قول كلمة الحق وعدم المجاملة فيه، وتحذيرهم من السلوك من مسلك علماء السلطان والدرهم والدينار كما تشهد بذلك كتبهم ومؤلفاتهم ومقالاتهم ومواقفهم التي لم تكن تأخذهم في الله لومة لائم، وهما ممن كانا لهم الفضل الأكبر بعد الله في نشر عقيدة التوحيد ومحاربة البدع والخرافات ومظاهر الجاهلية في البلاد المصرية من التبرج والسفور وتحكم القوانين الوضعية وغير ذلك. وهما:

أولاً : فضيلة الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر :

المحدث المشهور محققا لمسند وتفسير ابن جرير ومؤلف (عمدة التفسير) و(كلمة الحق) وغيرها من الكتب، صاحب المواقف المشرفة في نصرة السنة وأهلها، ولا أدل على ذلك من مؤلفاته التي بلغت القاصي والداني، وكان الشيخ أحمد شاكر على علاقة وطيدة بالملك عبد العزيز وقد بين هذه العلاقة في عدد من تحقيقاته ومؤلفاته ومن ذلك ما سطره في مقدمة تحقيقه للمسند حيث يقول في ذلك:

[ وطالما فكرت في نشر المسند بين الناس على النحو الذي صنفت ووصفت شغفاً بخدمة السنة وأهلها، وحرصاً على إذاعة فائدة هذا الكتاب الذي جعله مؤلفه للناس إماماً، وخشية أن يضيع هذا العمل الذي لم أسبق إليه، والذي أعتقد أنه سيكون إن شاء الله من أكبر المرغبات لأهل هذا العصر في دراسة الحديث، وأنه سيكون مفتاحاً لجميع كتب السنة لمن وفقه الله وسعيت في سبيل ذلك جهدي سنين كثيرة، حتى كدت أيأس من طبعه، إلى أن وفقت إلى الاتفاق مع (دار المعارف) على طبعه، وهي من أكبر دور النشر في القاهرة، وأوثقها وأشدها إتقاناً.

وصادف ذلك أن كانت الزيارة الرسمية التي شرف فيها مصر بزيارته، أسد الجزيرة، حامي حمى السنة، رجل العلم والعمل، والسيف والقلم الإمام العادل، (الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود) أطال الله بقاءه، وكانت هذه الزيارة المباركة من يوم الخميس 6 صفر الخير من هذا العام 1365هـ إلى يوم الثلاثاء 18 منه، فما أن رفع إلى جلالته شأن هذا الكتاب حتى أصدر أمره الكريم إلى حكومته السنية بالاشتراك في عدد كبير من نسخه. من أوله إلى آخره. إجلالاً لشأن الإمام الكبير، وعطفاً على شخصي الضعيف.

بارك الله في جلالته، وحفظه مؤيداً منصوراً، وذخراً للإسلام والمسلمين وناشراً للواء العرب ومجدداً لمجدهم.

وأقر عينه بأنجاله الأشبال الكرام، السادة النجب، قادة العرب وقدوتهم وموئل عزهم، الأمراء (سعود) و (فيصل) وإخوتهما ].

وقال أيضاً: [ وكان من توفيق الله ورعايته أن تشرفت هذا العام ـ 1368هـ ـ بزيارة حضرة صاحب الجلالة الملك العادل، ناصر السنة وحامي حماها، مولاي الإمام (عبد العزيز آل سعود) في الرياض الزاهرة، وعرضت على مسامعه الكريمة حاجة العلماء والطلاب إلى اقتناء المسند بقيمة ميسرة لهم، فصدر أمره الكريم بطبع عدد آخر على ورق أقل قليلاً من الورق الأول ليباع لهم بثمن أقل كثيراً من الثمن الأول...]

إلى أن قال: [ ثم تفضل حفظه الله وأيده فأصدر أمره بإعادة طبع الأجزاء الستة الأولى على هذا الوضع أيضاً, وها هو ذا الجزء الأول، تتلوه الأجزاء الباقية من فيض مولاي الملك الإمام وواسع كرمه، إن شاء الله أطال الله بقاءه مؤيداً منصوراً، موقداً للخير والعمل الصالح ].

هذه نماذج يسيرة تبين عمق علاقة الشيخ أحمد شاكر بالملك عبد العزيز والدولة السعودية وموالاته لها وثنائه عليها ومدى ارتباطه بها.

.. يتبع ..

الوافـــــي 06-03-2006 01:20 PM

والعالم الآخر هو :
فضيلة الشيخ العلامة / محمد حامد الفقي ـ رحمه الله ـ


مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر والذي شهد له القاصي والداني بصدقه وحسن سيرته ومنهجه ونصرته لمنهج السلف وعقيدتهم ومجابهته لأهل الشرك والبدع والخرافات وغير ذلك مما يطول وصفه.

والشيخ الفقي له كلمات كثيرة تبين مدى علاقته بالملك عبد العزيز والدولة السعودية، ولعلي أقتصر بنقل واحد يبين فيه موقفه من هذه الدولة وقادتها حيث يقول:

(.. ثم قام من بعد ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تلاميذ لهما وأتباع في كل عصر ومصر، استضاءوا بمشكاة الكتاب والسنة، وجاهدوا في الله حق جهاده، حتى كان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ـ 1115 ـ 1206 ـ فقام يجدد للناس أمر دينهم، وما زال يتنقل في البلاد مجاهداً، وداعياً صادقاً محتسباً أجره على الله فيما يلقاه من أذى سدنة القبور والمتجرين بها، وكلما حاولوا إطفاء نور الله ردّ الله كيدهم في نحورهم، حتى كانت النعمة التامة فضم الله إليه سيف آل سعود، وشدّ بهم أزره، فأعلى الله كلمته بلسان الشيخ محمد، وعلى ظُبى سيوف آل سعود الأمجاد، وأيد الله قوة اللسان الصادق ببأس الحديد الشديد، وأعز كلمة العلم بسواعد السعوديين الأشداء. فتمت كلمة الله ونعمته على الجزيرة، وأشرقت عليها من جديد شمس الإسلام، وعز التوحيد وذل الشرك، وجاء الحق وزهق الباطل.

ولقد بارك الله في آل الشيخ وذريته، وفي آل سعود، فلا يزال الجميع إلى اليوم ألسنة صدق وسيوف عز للإسلام والتوحيد، خصوصاً منهم الإمام العادل الذي جدد للتوحيد ثوبه القشيب وأعاد للجزيرة أمنها ورخاءها: جلالة الملك عبد العزيز المتوفى في ربيع الأول من سنة 1373 رحمه الله رحمة واسعة. وأسبغ على قبره شآبيب الغفران. وأطال عمر خليفته سعود بن عبد العزيز، وأدام رايته مرفوعة، وأيده بعزيز نصره وتأييده..).

وإلى حلقة قادمة إن شاء الله تعالى

الوافـــــي 08-03-2006 04:31 PM

الحلقة السادسة

حال الجزيرة العربية قبل الدولة السعودية وبعدها

كانت النية في أن تكون هذه الحلقة في بيان موقف علماء الجزيرة العربية من الملك عبد العزيز ودولة السعودية ولكني ارتأيت إرجاء بيان موقفهم وعرضه خلال الرد المفصل إن شاء الله تعالى: وجعلت هذه الحلقة في الشروع في المقدمة الخامسة وهي: (حال الجزيرة العربية قبل الدولة السعودية وبعدها) أعني بيان حال الجزيرة العربية قبل أن تدخل تحت حكم الملك عبد العزيز ومن ثم عرض حال الجزيرة بعد استيلائه عليها لنعرف مدى الفرق بين الأرضين.

إن الناظر بعين العدل والتجرد والإنصاف يظهر له جلياً بأن الملك عبد العزيز قد بذل جهوداً كبيرة عملية في محاربة الشرك بالله والبدع والمنكرات والفساد إضافة إلى تحذيره منها في خطبه ومؤتمراته ـ كما سبق بيان شيء من ذلك ـ فمن هذه الجهود العملية:

1 ـ حرصه على القضاء على كل مظاهر الشرك والبدع:

وذلك من خلال اهتمامه الشديد بهدم الأضرحة والقباب المقامة على القبور، وذلك باعتبارها مظهراً من مظاهر الشرك وذريعة له، ومظهراً يتنافى مع العقيدة الصحيحة وإخلاص الدين لله تعالى، ولما فيها من التعلق بغير الله واللجوء إليها وكانت هذه القباب موجودة في مقابر بعض الصحابة والصالحين في البقيع بالمدينة النبوية، وفي عدة نواحٍ في البلاد، كانت مقصداً للناس يتبركون بها ويطلبون عندها قضاء الحوائج.
وكل هذا من البدع المفضية إلى الشرك، بل إن فيه كثيراً من مظاهر الشرك.

وقد حرمها الإسلام، كما في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألاَّ تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها). وحرَّم إيقاد السرج عند القبور والبناء عليها والكتابة عليها، وغير ذلك من مظاهر الغلو التي تفضي إلى الإشراك بالله عز وجل.

وقد قال جابر رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه بناء). وعنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها).

فمما حرص عليه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ بعد دخوله مكة المكرمة أن قام بهدم القباب المبنية على بعض القبور والتي كان البعض يقصدونها تبركاً وتعظيماً وطلباً لقضاء الحوائج، فمن ذلك القبة التي كانت على قبر خديجة ـ رضي الله عنها ـ في الحجون، وقبة قبر ميمونة ـ رضي الله عنها ـ في طريق النورية، وقبر الرشيد في الزيمة، وقبر المستسقي في الحلقة القديمة، وغير ذلك كثير تم كله بأمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ، ثم أقيمت مكتبة مكان البيت الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك دار السيدة خديجة، وكذلك هدم بيت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ في زقاق الصواغة، وكل هذا حرصاً على حماية جناب التوحيد مما يصادمه ويناقضه من الغلو في هذه الأماكن.

وكذلك لما دخل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ جدة هدم ما يسمى قبة حواء. قال الأستاذ محمد مغربي: [ أدركت قبر السيدة حواء أم البشر بمدينة جدة في أوائل الأربعينات من القرن الهجري الماضي تتوسطه قبة عظيمة ومن أمام القبة وخلفها ممر طويل، ويدخل الناس والحجاج خاصة لزيارة أمنا حواء في الحجرة التي تعلوها هذه القبة وقد زينت هذه الحجرة بالستائر، وأطلق فيها البخور، ويتولى أحد المشائخ وكان في ذلك العهد من بيت القاضي بجدة إدخال الحجاج، وتلقينهم الدعاء للزيارة، ويتقاضى الشيخ المذكور من الزائرين النقود التي يدفعونها مكافأة له، وحينما استولت الحكومة السعودية على الحجاز ودخل الملك عبد العزيز مدينة جدة سنة 1344هـ كان من أوائل الأعمال التي قامت بها الدولة السعودية هدم ما يسمى قبة حواء وقفل الزوايا المنسوبة إلى الطرق الصوفية، وإبطال البدع التي كانت سائدة في ذلك الزمان، والتي كان يتقرب بها الناس ـ كما يظنون ـ إلى الله تعالى، ولقد سبق للدولة السعودية الأولى أن أزالت قبة حواء ثم أعيد بناؤها في العهد العثماني في ولاية الحاج عثمان باشا القرملي الذي أسندت إليه ولاية الحجاز سنة 1257 هـ وبقي في الولاية إلى سنة 1261هـ].

.. يتبع ..

الوافـــــي 08-03-2006 04:33 PM

وكذلك القبور المعظمة وما عليها من القباب كقبر الشيخ العلوية وهو قريب من باب مكة، وقبر الشيخ أبو سرير وضريحه بزواية معروفة في آخر سوق النداء، وقبر الشيخ أبو حنة، ومقام الشيخ أبو عنبة، وقبر الإمام الشهير المعروف بالمظلوم، وأقفل الزوايا المنسوبة إلى الطرق الصوفية.

قال الأستاذ محمد بن علي المغربي: [ كانت هذه الزوايا قائمة في مدينة جدة وكان أصحاب هذه الفرق يمارسون ما يسمونه بـ(الذكر) بأسلوب لا يتفق وصفاء العقيدة الصحيحة، ولقد أدركت بعض المنتسبين إلى هذه الطرق الصوفية في أواخر العهد الهاشمي يؤدون ما يصفونه بالذكر ويخرجون جماعات إلى الطرقات يسبقهم الطبل والزمر وهم يغنون ويرقصون ويأتون بحركات لا تتفق ووقار الذكر وخشوعه، ويقيمون الولائم في أعياد خاصة بهم، ويحيون الليالي في احتفالات صاخبة، وحينما دانت البلاد لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ أبطلت هذه الطرق الصوفية وانتهت تلك البدع السائدة، وإني لأذكر وأنا صغير السن في العاشرة أنني نظرت مرة إلى مسبحة كبيرة حباتها أكبر من حجم البيضة الكبيرة وهي تملأ جدار الزاوية فأدركت بعقلي الصغير في ذلك الزمان أن هذه المسبحة العظيمة بحجمها الكبير والتي تنسب إلى السيد البدوي، أدركت أنها أكذوبة كبيرة يتسلط بها القائمون على الزاوية على عقول السذج والبلهاء، ونحمد الله أن أزيلت هذه البدع وانتهت هذه الترهات، وعادت العقيدة إلى صفائها ونقائها والحمد لله رب العالمين]ا.هـ.

وقال كذلك: " وقد أخبرني ـ يعني عبد الرؤوف الصبان ـ أنه كان من أصدقاء الشيخ محمد حسين نصيف وكان يقضي الأماسيَّ في مجلسه بدار نصيف، وكان هو والشيخ محمد حسين نصيف يتعرضون للمواكب الخاصة بمشايخ الطرق ومريديهم فيسفهون آراءهم ويحصبونهم بالحجارة وكان هذا في أواخر العهد العثماني ثم في العهد الهاشمي؛ لأن العهد السعودي قضى على كل هذه البدع والخرافات من اليوم الأول لتسلمه زمام الأمور، وإني لأذكر أنه كان في محلة المظلوم قرب سوق الجامع زواية السيد البدوي وكانت تعلق فيها سبحة من الخشب كبيرة، حجم حباتها مثل حجم البيضة وكان يدعي أنها المسبحة التي كان يستعملها السيد البدوي للذكر، كما كان هناك جبة خضراء وعمامة عظيمة وغيرها وكنت وأنا صغير السن أتسلق الشباك لأرى المسبحة والعمامة وكان عقلي الصغير لا يسلم بصحة ما أرى لأن المبالغة فيها والتهويل واضحان بجلاء.

كما كان في حارة المظلوم زاوية أخرى للطريقة القادرية، وفي حارة الشام زاوية للطريقة الجيلانية وفي العيدروس قريباً من مستشفى جدة الحكومي العام زاوية العيدروس، وكانت الزوايا كثيرة والطرق عديدة وكانت لهم احتفالات كثيرة، ومتعددة، فهم يحتفلون مثلاً بالمواسم التي اعتاد الناس الاحتفال بها في ذلك الزمان، مثل: ليلة النصف من شعبان، وليلة القدر وغيرها، علاوة على أيام خاصة بالطرق نفسها وكانت لهذه الاحتفالات شنة ورنة تذبح فيها الذبائح وتمد فيها موائد الطعام الكثيرة وتوزع فيها الحلوى ويمارس فيها شيخ الطريقة وأتباعه أسلوب طريقتهم وتتخللها الأغاني التي ينشدها المنشدون وتسير فيها مواكب كبيرة يتقدمها شيخ الطريقة وأتباعه، ويشترك فيها الدهماء، والأطفال، وهم يغنُّون ما يعتبرونه ذكراً، وفي مثل هذه التجمعات قد يحدث من المساوىء ما يبرأ منه الذكر الصحيح، وما لا يرضاه الخلق القويم وهي في جملتها من البدع السيئة التي نحمد الله تعالى على تخلُّص البلاد منها فهي منافية للدين ومضيعة للمال والوقت وملهية للناس عن الصالح من الأعمال).

كما أنه حرص على هدم القباب المبنية على مقابر بعض الصحابة وغيرهم في البقيع بالمدينة المنورة، وكذا القبة المبنية على قبر عبد الله بن السامر في نجران.

كما أمر بهدم صنم الخلصة في منطقة تبالة قرب بيشة حيث هدم بواسطة عامل الملك عبد العزيز على تلك الناحية عبد العزيز بن إبراهيم ونكَّل بسدنتها وتوعدهم بالقتل إذا عادوا لبنائها.

كما أمر بمنع من يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره أو يطوف به أو يقبل القبة والحوائط.

ذكر صاحب مجلة المنار أن الملك عبد العزيز أرسل برقية إلى الحكومة المصرية جاء فيها: [ إنهم لا يمنعون أحداً من زيارة القبور، ولكنهم لا يسمحون بالغلو في ذلك مثل التمسح وتقبيل القبة والحوائط فإن الطواف لا يكون إلا ببيت الله الحرام (أي الكعبة) وقد نهى الأئمة والسلف الصالح عن الطواف بالقبور ].

قال الأستاذ محمد علي مغربي: [كان السذج من الناس يزورون هذه القبور التي ذكرها الحضراوي والتي كانت منتشرة بمدن الحجاز كلها، وينذرون لها النذور، وهذه كلها من البدع الضالة المضلة التي دخلت على المسلمين، واستغل القائمون على هذه القبور سذاجة الناس وغفلتهم وجهلهم بالدين الصحيح فأقاموا القباب على هذه القبور، واستولوا على ما يَرِدُ لها من أموال النذور، وكل هذا ليس من الدين الصحيح في شيء بل هو مدعاة للانحدار إلى هاوية الشرك والعياذ بالله تعالى، فالله تعالى هو الضار وهو النافع، والدعاء يجب أن يكون له وحده تعالى دون وسيط أو شريك، وقد أزيلت هذه القبور وما عليها من القباب، وانتهت تلك البدع الضالة المضلة حينما قامت الحكومة السعودية بعد انضمام الحجاز إليها بإزالة تلك القبور والقباب فسلمت للناس عقائدهم من الشوائب والانحرافات].

.. يتبع ..

الوافـــــي 08-03-2006 04:34 PM

2 ـ منع الذكر الجماعي بعد الصلوات الخمس:

حيث كان الناس قد اعتادوا على الذكر بشكل جماعي بعد الصلاة المكتوبة وبشكل يتنافى مع السنة النبوية الثابتة فقام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ بمحاربة هذه البدعة حتى اندرست واختفت من المساجد، ومما يدل على بدعية هذا الذكر الجماعي أن عبد الله بن مسعود حُدِّث: أن أناساً بالكوفة يسبحون بالحصا في المسجد، فأتاهم وقد كوَّم كل رجل منهم بين يديه كومة حصا، قال: فلم يزل يحصبهم بالحصا حتى أخرجهم من المسجد، ويقول: لقد أحدثتم بدعة ظلماً أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً صلى الله عليه وسلم. رواه ابن وضاح بإسناد رجاله ثقات.


3 ـ منع سب الصحابة على المنابر وفي المحافل العامة:

كذلك كان هناك بدعة منتشرة في بعض المناطق التي تنتشر فيها البدع ومخالفة منهج أهل السنة، وهي سب الصحابة وذلك على الرغم من حرمة سب الصحابة حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه). وقد تقدم قول الملك عبد العزيز في بيان أن هناك طائفة من الناس يسبون بيت النبي صلى الله عليه وسلم محمد ويسبون أبا بكر وعمر وعثمان وأصحابه، وبين أنهم خارجون عن السنة، ومنحرفون عنها، وأن من أراد التمسك بالسنة فليس له وسيلة إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.

.. يتبع ..

الوافـــــي 08-03-2006 04:34 PM

4 ـ منع تعدد الجماعات في المسجد الواحد:

فقد كانت بدعة التعصب المذهبي ضاربة بجذورها في المجتمع حتى وصل الأمر إلى أنه كان يقام في المسجد الواحد (كالحرمين الشريفين) أربع جماعات في الصلاة، لكل أهل مذهب جماعة وإمام، مما كان له أكبر الأثر في تفريق كلمة المسلمين والتحريش بينهم، فقام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالقضاء على هذه البدعة الخطيرة، وأعاد للمسلمين وحدة جماعتهم في الصلاة.

ومما يدل على ذلك قول الشيخ محمد سلطان المعصومي ـ رحمه الله تعالى: لما تشرفت بمكة المكرمة سنة 1353هـ انشرح قلبي برؤية الكعبة المشرفة ـ زادها الله تشريفاً وتعظيماً ـ ولما شهدت توحيد الجماعة في الصلوات الخمس زادني سروراً على سرور لاضمحلال بدعة تعدد الجماعات في هذا المسجد الشريف، وكذا هدم قباب القبور التي كانت من أضر الأشياء على عقيدة المسلمين.

قال الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ: [بل قد بلغنا أن هذا المنكر ـ أي تعدد جماعات المذاهب الأربعة في المسجد الواحد ـ كان في الحرم المكي، وأنه كان يصلي فيه أئمة أربعة، يزعمونهم للمذاهب الأربعة، ولكنا لم نر ذلك، إذ أننا لم ندرك هذا العهد بمكة، وإنما حججنا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل السعود حفظه الله، وسمعنا أنه أبطل هذه البدعة، وجمع الناس في الحرم على إمام واحد راتب، ونرجو أن يوفق الله علماء الإسلام لإبطال هذه البدعة من جميع المساجد في البلدان، بفضل الله وعونه، إنه سميع الدعاء].


5 ـ إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وذلك لمحاربة المنكرات ومنع وقوعها، ومكافحة الرذائل، ومواجهة البدع، وجعل لها سلطات لمنع المنكرات، ومعاقبة مرتكبيها، والتنكيل بهم، وذلك حفاظاً على أخلاقيات المجتمع وأفراده، وصيانةً لدين الناس.

وإلى حلقة قادمة إن شاء الله تعالى

moataz 09-03-2006 01:37 AM

مشكور اخى الوافى على جهدك المبذور فى تقديم هذه الحلقات الرائعه لنا
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

غــيــث 18-03-2006 10:08 AM

بارك الله فيك أخي الوافي

ونسأل الله أن يرشد هذه الأمة لدرب النجاة ويجنبها مهالك الفتن

منتظرين بقية الحلقات

الوافـــــي 20-03-2006 04:29 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة moataz
مشكور اخى الوافى على جهدك المبذور فى تقديم هذه الحلقات الرائعه لنا


شكرا لمرورك الكريم أخي / معتز من هذا الموضوع
وثق بأنه أسعدني جدا ، وتشرفت به

تحياتي

:)

الوافـــــي 20-03-2006 04:32 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة غيث
بارك الله فيك أخي الوافي

ونسأل الله أن يرشد هذه الأمة لدرب النجاة ويجنبها مهالك الفتن

منتظرين بقية الحلقات


جزاك الله خيرا أخي الكريم / غيث
وأسأل الله أن ينفعنا بما علمنا إنه جواد كريم
ولا أملك إلا أن ( أؤمن ) على دعائك
فاللهم آمين

تحياتي

:)

الوافـــــي 20-03-2006 04:42 PM

الحلقة السابعة

إن مسألة التكفير مسألة جليلة القدر عظيمة الخطر قد زلت فيها أقدام وضلت فيها أفهام، وتضافرت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحذير من إطلاق التكفير بغير حق ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه). رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك، إلا حار عليه). متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما). رواه البخاري.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أكْفَرَ رجُلٌ رجلاً إلا باء أحدهما بها إن كان كافراً، وإلا كَفَرَ بتكفيره). رواه ابن حبان في صحيحه.

وعن أبي قلابة رضي الله عنه أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً، فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة، وليس على رجُلٍ نذرٌ فيما لا يملك، ولَعْنُ المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله، ومن ذبح نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة) متفق عليه.

ورواه أبو داود والنسائي باختصار، والترمذي وصححه، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المرء نذرٌ فيما لا يملك، ولاعِنُ المؤمن كقاتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله، ومن قتل نفسه بشيء عُذب بما قَتَلَ به نفسه يوم القيامة).

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فهو كقتله). رواه البزار (الكشف 2034)، ورواته ثقات.

.. يتبع ..

الوافـــــي 20-03-2006 04:44 PM

ولهذا لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يتكلم في هذه المسألة أو يخوض فيها إلا بعد تحقيق للعلم الشرعي الموروث عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها، وذلك لما يترتب على إطلاقه من عدد من الآثار الكثيرة في الدنيا والآخرة قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (اعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة، وغير ذلك في الدار الدنيا، فإن الله سبحانه وتعالى أوجب الجنة للمؤمنين وحرم الجنة على الكافرين وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان) [مجموع الفتاوى 12/251 ]

وقد كثر خوض الناس في هذه المسائل ـ ليس في زمننا هذا فحسب ـ بل من قديم، منذ عهد الصدر الأول حينما كثر القتل والهرج فتنازع الناس في هذه المسائل بل عد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أن أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة الوعيد) مجموع الفتاوى 3/ 147

ويقول أيضاً: (وكلام الناس في هذا الاسم ومسماه كثير، لأنه قطب الدين الذي يدور عليه وليس في القول اسم علق به السعادة والشقاء، والمدح والذم والثواب والعقاب أعظم من اسم الإيمان والكفر، لذا سمي هذا الأصل مسائل الأسماء والأحكام) مجموع الفتاوى 13/ 34.

والناس في هذا الباب طرفان ووسط، طرف فرط فيه وهم المرجئة، وطرف آخر على النقيض من ذلك حيث أفرط فيه وهم الخوارج، والفريق الثالث توسط بين المذهبين فلا إفراط ولا تفريط وهم أهل السنة والجماعة الذين ساروا على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، وهدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

ولعظم هذا الباب وخطورته اهتموا به فألفوا كتباً في بيان نواقض الإسلام وحكم مرتكب الكبيرة التي هي دون تلك النواقض من أجل درأ الخطر عن هذه الأمة، وبيان الحق من الباطل في هذا الباب كي لا يتكلم فيه من لا يحسنه أو يدخل فيه من لا يتقن ضوابطه وأصوله أو يتساهل في شأنه من ليس عنده غيرة على دين الله فتتسرب العقائد الفاسدة والنحل الضالة إلى دين الله فيلتبس الحق بالباطل، ويحسب على الأمة من ليس منها ويدخل في الدين ما ليس منه.

.. يتبع ..

الوافـــــي 20-03-2006 04:45 PM

فيجب على المسلم أن يتعلم قبل أن يتكلم وأن لا يتكلم إلا عن علم، وإلا فإنه إذا كفر مسلماً يكون قد ارتكب جريمتين عظيمتين:-

إحداهما أعظم من الأخرى وهي: أنه قال على الله بغير علم وقد قال سبحانه وتعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) وقال سبحانه وتعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ).

فجعل القول على الله بغير علم أشد من الشرك لأنه ذكره بعد الشرك وقال سبحانه: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) فحينئذ لا بد أن يتعلم الإنسان قبل أن يتكلم والعلم قبل القول والعمل، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) فدل أن العلم يكون قبل القول والعمل، فالقول الذي لا ينبني على علم خصوصاً في أمور الدين وخصوصاً في أمور العقيدة.. قول باطل وكذب على الله سبحانه وتعالى، هذه هي الجريمة الأولى الخطيرة وهي القول على الله بلا علم.

الجريمة الثانية: أنه جنى على هذه المسلم فحكم عليه بالكفر وأخرجه من الإسلام وهذا يترتب عليه أحكام: يترتب عليه أنه زوجته تفارقه فلا تجلس معه، ويترتب عليه أنه لا يرث، ولا يورث، ويترتب عليه أنه إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدعى له ولا يدفن في مقابر المسلمين وهذا كله في حق الأفراد فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالحكومات والدول ؟!

.. يتبع ..

الوافـــــي 20-03-2006 04:45 PM

فالذي حكم على ( أي شخص ) بالكفر بغير حق يتحمل هذه الأمور كلها، لأنها تنبني على كلامه، وعلى قوله فلا بد من أن يتعلم الإنسان ما هي الأشياء التي تقتضي الكفر والردة، لا بد أن يتعلم ولا يتكلم بجهل، أو يرى أن كل من خالفه في رأيه يكفر، مع أنه لا يكفر إلا من قام الدليل على تكفيره من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين، والعلم بهذا من أين يؤخذ ؟

هل يؤخذ العلم من الكتب ؟ ومن المطالعات ومن حفظ النصوص ؟ ... لا

العلم (إنما) يؤخذ عن أهل العلم الراسخين وعن العلماء الربانيين الراسخين في العلم، لا يؤخذ العلم عن الكتب قراءة أو مطالعة ولا يؤخذ من حفظ النصوص وإن كثرت النصوص المحفوظة فليس كل من حفظ النصوص بأن حفظ القرآن، وحفظ كثيراً من الأحاديث يكون عالماً، لا يكون بذلك عالماً، إنما العلم هو العقيدة والعلم هو الفقه في دين الله عز وجل، وهذا لا يكون إلا بالتعلم والتلقي عن الفقهاء وعن أهل العلم الذين يبينون له معنى هذه النصوص التي حفظها وطالعها وقد يكون فهم فهماً بعيداً لا علاقة له بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو رجع لأهل العلم لتبين له أنه قد أساء الفهم وغلط في العقيدة، إذ كان يجب عليه الرجوع إلى أهل العلم وتلقي العلم النافع عنهم حتى يكون الإنسان على بصيرة بما يقول وبما يعمل وبما يحكم به، ثم أيضاً إذا تعلم وفقه في دين الله، وعرف نواقض الإسلام وما هي الأشياء التي تخرج عن الإسلام فلا بد أن يتثبت في حق الشخص قبل أن يحكم عليه ويصدر عليه الحكم بالكفر أو بالشرك أو بالخروج من الدين.

وقد خرج جماعة من الصحابة في بعض الأسفار فمر عليهم رجل يسوق غنماً فقال: السلام عليكم، فبادروه بالقتل على ظنهم أنه كافر، وأخذوا غنمه، فتسرعوا في ذلك فأنزل الله عز وجل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فلامهم سبحانه وتعالى وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا تسرعوا، فالواجب التثبت وعدم التسرع في الحكم على الناس إلا عن بصيرة وروية.

.. يتبع ..

الوافـــــي 20-03-2006 04:46 PM

وكانت جماعة من الصحابة في غزوة من الغزوات وفيهم أسامة بن زيد رضي الله عنه وعن أبيه حب رسول الله وابن حبه، فحصلت المعركة بينهم وبين المشركين وهرب رجل من المشركين فلحق به أسامة ورجل من الأنصار ـ يريدون قتله
ولما أدركوه قال: لا إله إلا الله.
فلما قال: لا إله إلا الله كف عنه الأنصاري
لكن أسامة رضي الله عنه ظن أنه ما قالها إلا ليتقي بها القتل فقتله ظناً منه أنه إنما قالها ليتقي بها السيف ولم يقلها صادقاً
فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له عليه الصلاة والسلام: ( أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ ) ثم رد عليه: ( أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟) ثم رد عليه الثالثة: ( أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ )
قال أسامة رضي الله عنه: إنما قالها ليعوذ بها من السيف
قال: هلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه قالها تعوذاً ؟ ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟
قال أسامة رضي الله عنه: فتمنيت أني لم أُسْلِم قبل ذلك ) رواه البخاري.

وذلك من شدة ما رآى من إنكار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه، فدل على وجوب التثبت في الأمور وعدم التسرع في الحكم على الناس. لا بد أن يكون الحكم عن علم ولا بد أن يحصل التثبت في حال الشخص، فمن أظهر الإسلام ونطق بالشهادتين وجب الكف عنه كما تدل عليه هذه القصة العظيمة حتى يحصل منه ما يناقض الإسلام، كأن يشرك بالله أو يدعو غير الله أو يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام المعروفة عند أهل العلم فحينئذ يحكم عليه بالردة.

وما دام لم يظهر منه شيء يخالف الإسلام فإنه يُحسن به الظن ويُحكم بإسلامه ولو حصل منه بعض المخالفات التي هي دون الشرك ودون الكفر كما لو حصل منه ذنب أو معصية فإنه لا يحكم بكفره حتى يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام المعروفة عند أهل العلم ولا يكون له عذر، فقد يكون جاهلاً، وقد يكون حديث عهد بإسلام، ولم يعرف أن هذا الشيء كفر.

.. يتبع ..

الوافـــــي 20-03-2006 04:47 PM

ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حنين بعد فتح مكة خرج مع أناس من أهل مكة حدثاء عهد بالإسلام منهم أبو واقد الليثي ـ رضي الله عنه ـ يعني أسلموا قريباً ـ فرأوا المشركين اتخذوا سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم ـ يقال لها: ذات أنواط ـ يتبركون بها ويعكفون عندها، اعتقاداً أن فيها بركة ويعلقون بها أسلحتهم يتبركون بها، فقال هؤلاء النفر ـ الذين هم حدثاء عهد بالإسلام: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحكم عليهم بالكفر لجهلهم، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون.

فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم وبين أن مقالتهم هذه مثل مقالة بني إسرائيل لموسى ولكن لما كانوا لا يعرفون الحكم بين لهم ذلك وأنه من الشرك، لكن نظراً لكونهم جهالاً عذرهم بالجهل ولم يحكم عليهم بالكفر، وكل من كان حديث عهد بالإسلام ولم تتح له الفرصة ليتعلم أحكام الإسلام وحصل منه ما حصل فإنه يبين له ويشرح له الإسلام ويبين نواقضه، فإن أصر ولم يترك هذا الشيء حكم بكفره.

فهذه الأمور يجب التثبت فيها لأنه ربما يكون الذي يصدر الحكم بالكفر جاهلاً يصدِّر الأحكام على الناس عن جهل، وربما يكون المحكوم عليه جاهلاً لا يستحق هذا الحكم حتى يبين له الأمور، لا بد فيها من تثبت ولا بد فيها من رويَّة ورجوع إلى أهل العلم، وسؤال أهل العلم عن هذا الشيء وعن هذا الشخص كيف يحكم عليه.

وليس من حق كل أحد من الطلبة المبتدئين والقراء أن يكفروا ويخرجوا الناس من الدين وهم لا يعرفون نواقضه، فالأمر خطير جداً.

فالأمور تحتاج إلى تفصيل وتحتاج إلى فقه في الدين، ولأن تقتل شخصاً ـ مع أن القتل بغير حق جريمة عظمى ـ أخف من أن تحكم عليه بالكفر، وقتل المؤمن عمداً فيه الوعيد الشديد (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)

هذه حرمة الدم، وحرمة الدين أعظم، فكونك تخرجه من الدين وتخرجه من الإسلام أشد من قتله عند الله سبحانه وتعالى.

وإلى حلقة قادمة إن شاء الله تعالى....

الوافـــــي 09-11-2006 02:42 AM

الحلقة الثامنة


إذا علمت أمر الكفر وخطورته ومنـزلته وما يترتب عليه من أحكام ومن الذي يخول له أن يتكلم فيه.
فاعلم وفقني الله وإياك:

أن الكفر معصية عظيمة ولكن ليست كل معصية كفراً، لأن المعاصي أنواع كثيرة.

فمنها ما هو كبيرة من كبائر الذنوب وتعتبر كفراً مخرجاً من الملة بذاتها كالشرك بالله والسجود للصنم ونحو ذلك.
ومنها ما هو كبيرة من كبائر الذنوب ولكنها ليست كفراً مخرجاً من الملة بذاتها، ولا يكفر مرتكبها إلا باستحلالها.
ومنها ما هو صغيرة من صغائر الذنوب يفسق مرتكبها بالإصرار عليها.

وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: أي الصحابة: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور وشهادة الزور..) متفق عليه. فقد أدرج الشرك بالله من الكبائر، وكذلك عقوق الوالدين، وشهادة الزور.

وقد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية على أن الشرك نوعان:

شرك أكبر مخرج من الملة، كما قال تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
وشرك أصغر لا يخرج من الملة: وهو كل ما ورد في النصوص تسميته شركاً ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر مثل ما يجري على اللسان من الحلف بغير الله وقول: ما شاء الله وشئت ونحو ذلك، ومنه يسير الرياء كما في المسند بإسناد جيد من حديث محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال: الرياء...) الحديث.

.. يتبع ..

الوافـــــي 09-11-2006 02:43 AM

وأما الكبائر الأخرى المذكورة في هذا الحديث وغيره من الأحاديث المستفيضة في هذا الباب فإن مرتكبها لا يكفر بها ما دام أنه معتقد حرمتها لكنه فعلها على سبيل الشهوة أو النفرة من الحق. لمجيء النصوص الأخرى المحكمة والمبينة أن أصحاب الكبائر لا يكفرون بمجرد ارتكاب الكبائر ما لم يستحلوها، كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق. ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر).

قال شارح الطحاوية:

[... إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج، إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة لكان مرتداً يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر ! وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام. ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين، كما قالت المعتزلة .
فإن قولهم باطل أيضاً، إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) إلى أن قال: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) .
فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخاً لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب .
وقال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) ،إلى أن قال: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) .
ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل ، بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم ، قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، إن كان له عمل صالح أحذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ، ثم ألقي في النار . أخرجاه في الصحيحين .
فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه .

.. يتبع ..

الوافـــــي 09-11-2006 02:44 AM

وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا: المفلس فينا من لا له درهم ولا دينار، قال: المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال، فيأتي وقد شتم هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا، فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار . رواه مسلم .

وقد قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) . فدل ذلك على أنه في حال إساءته يعمل حسنات تمحو سيئاته . وهذا مبسوط في موضعه .

والمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لكن قالت الخوارج. نسميه كافراً
وقالت المعتزلة: نسميه فاسقاً، فالخلاف بينهم لفظي فقط.
وأهل السنة أيضاً متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب، كما وردت به النصوص. لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر طاعة !
وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة - تبين لك فساد القولين ! ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فسادَ مذهب الطائفة الأخرى].أ.هـ.

فالخوارج مذهبهم واضح وصريح في تكفير أصحاب الكبائر.
أما خوارج اليوم من أصحاب الفكر التكفيري فإن غالبهم يأنف أن يُنسب إليه القول بتكفير مرتكب الكبيرة وربما يصرح بعضهم ببراءته من هذا القول لكنهم لبسوا لبوساً آخر في تبني هذا القول حيث إنهم يكفرون أصنافاً من أصحاب الكبائر:
كالمجاهر بالكبيرة
أو المصر عليها
أو المستخف بها
أو المرخص لها
وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية بينهم وبين مخالفيهم.

وستأتي مناقشة هذا المذهب الجديد وبيان فساده ومخالفته لمذهب السلف في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ...

تحياتي

:)

ابودجانه المصري 09-11-2006 05:00 AM

جزاك الله خيراً وبارك فيك


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.