أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=52636)

maher 12-04-2006 01:59 AM

الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
 
السلام عليكم

من أجمل ما قرأت بحياتي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

و سأقوم بنقل بعض المقتطفات منه لكم



قصة الكتاب :
أشهر دواوين الأدب العربي وأضخمها، وأجلها وأقدمها. ضربت في جودة تأليفه الأمثال. قال صاحب كشف الظنون: (كتاب لم يؤلف مثله اتفاقاً). طبع لأول مرة ببولاق في القاهرة سنة (1285هـ) في (20) جزءاً، ثم أكمله (رودولف برونو) بطبعه الجزء (21) في ليدن بهولندا سنة 1306هـ 1888م. ووضع له المستشرق الإيطالي غويدي فهرساً أبجدياً مطولاً بالفرنسية سنة 1895م يعرف ب(جداول الأغاني الكبير) أحصى فيه أسماء (1150) شاعرا، ورد ذكرهم في الكتاب. وموضوعه الحديث عن الشعر العربي الذي غناه المغنون، منذ بدء الغناء العربي وحتى عصره، مع نسبة كل شعر إلى صاحبه، وذكر نبذ من طرائف أخباره، وتسمية واضع اللحن، وطرق الإيقاع، والأصبع الذي ينسب إليه، ولون الطريقة، ونوع الصوت، وكل ما يتصل بذلك، ثم ميز مائة صوت كانت قد جمعت لهارون الرشيد وعرفت بالمائة المختارة، وافتتح كتابه بالكلام عنها وعن ثلاث أغان اختيرت من المائة. وذكر من سبقه إلى التأليف في الأغاني، كيحيى المكي وإسحق الموصلي ودنانير وبذل. وترجم فيه ل(426) علماً من أعلام الشعر والغناء، أتى الحمودي وسلوم على ترتيبها وتنسيقها في كتابهما: (شخصيات كتاب الأغاني). وجمع د. حسن محسن الألفاظ التي فسرها أبو الفرج في كتاب: (معجم الألفاظ المفسرة في كتاب الأغاني). قال ابن خلدون: (وكتاب الأغاني ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال، ولا يعول به على كتاب في ذلك فيما نعلمه، فهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها، وأنى له بها). ونبه السيد أحمد صقر في مقدمة نشرته ل(مقاتل الطالبيين) إلى أن (الأغاني) لم يطبع كاملاً، بل سقطت من طبعته تراجم برمتها مثل ترجمة صريع الغواني وهي (34) صفحة، نقلها ناشر ديوانه عن الأغاني. (ليدن 1875م). ومما ألف فيه: (دراسة كتاب الأغاني) د. داود سلو، تضمن معلومات مهمة حول اختلاف نسخ الكتاب، كنسخة مكتبة غوتة بألمانيا، وفيها ترجمة لأبي نواس، خلافاً للنسخ المطبوعة. ولابن منظور صاحب اللسان كتاب " مختار الأغاني في الأخبار والتهاني" اختصر به كتاب " الأغاني" وقد طبع هذا المختصر في ثمانية أجزاء ، وفي الجزء الثالث منه ترجمة موسعة لأبي نواس ، تضمنت أخباراً وأشعاراً لأبي نواس ، لا تجدهما في الأصل، وذلك أن لابن منظور كتاباً مفرداً لأخبار أبي نواس ، وهو مطبوع . وانظر (دراسة الأغاني) للمرحوم شفيق جبري. و(صاحب الأغاني) د. خلف الله. و(السيف اليماني في نحر الأصفهاني) لوليد الأعظمي. و(مواطن الخلل والاضطراب في كتاب الأغاني) محمد خير شيخ موسى (التراث العربي س9 ع34 ص47). وانظر في مجلة العرب (السنة3 ص702 والسنة 4 ص64) بحثاً للأستاذ علي العُمير حول كلمة النوبختي: (كان أبو الفرج من أكذب الناس، وكان يدخل سوق الوراقيين وهي عامرة، والدكاكين مملوءة بالكتب، فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف، ويحملها إلى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها). وانظر في الفهرست لابن النديم ترجمة إسحاق الموصلي، والكلام على كتابه في (الأغاني) وهو غير كتاب (الأغاني الكبير) الذي صنف له. وفي الفهرست أيضاإشارة إلى كتب كثيرة مؤلفة في الأغاني في عصر أبي الفرج، ومنها كتاب قريص الجراحي، من أصحاب ابن الجراح صاحب (الورقة) توفي عام (324هـ) قال: وله من الكتب: (كتاب صناعة الغناء وأخبار المغنين، وذكر الأصوات التي غني فيها على الحروف) يقع في ألف ورقة.

maher 12-04-2006 02:02 AM

ذكر خبر عمر بن أبي ربعية ونسبه
 

نسب عمر بن أبي ربيعة
هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وقد تقدم باقي النسب في نسب أبي قطيفة. ويكنى عمر بن أبي ربيعة "أبا الخطاب". وكان أبو ربيعة جده يسمى "ذا الرمحين" سمي بذلك لطوله، كان يقال: كأنه يمشي على رمحين.
أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ومحمد بن الضحاك عن أبيه الضحاك عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي. وقيل: إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمي "ذا الرمحين" لذلك.
وأخبرني بذلك أيضاً علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب الزبيري والمدائني والمسيبي ومحمد بن سلام، قالوا: وفيه يقول عبد الله بن الزبعرى:

ألا لـلـه قــومٌ و** لدت أخت بني سهم
هشامٌ وأبـو عـبـد** منافٍ مدرة الخصم
وذو الرمحين أشبـاك** على القوة والحـزم
فهــــذان يذودان ** وذا من كثبٍ يرمي
أسودٌ تزدهي الأقـرا ** ن مناعون للهضـم
وهم يوم عـكـاظٍ م ** نعوا الناس من الهزم
وهم من ولدوا أشبوا ** بسر الحسب الضخم
فإن أحلف وبيت الل ** ه لا أحلف على إثم
لما من إخـوةٍ بـين ** قصور الشأم والردم
بأزكى من بني ريط ** ة أو أوزن في الحلم

أبو عبد مناف: الفاكه بن المغيرة. وريطة هذه التي عناها هي أم بني المغيرة، وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم، ولدت من المغيرة هشاماً وهاشماً ربيعة والفاكه.
وأخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا: حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشلٍ عن أبيه قال: قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وجئته أطلب منه مغرماً - يا خال، هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة وقل: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول: سمعت عائشة تنشدها فعلت. فقال: لا، إلا أن تقول: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فأبى علي وأبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلم عدة ليالٍ. فأرسل إلي فقال: قل أبياتاً تمدح بها هشاماً - يعني ابن المغيرة - وبني أمية. فقلت: سمهم لي، فسماهم وقال: اجعلها في عكاظ واجعلها لأبيك. فقلت: ألا لـلـه قــومٌ و لدت أخت بني سهم
قال: ثم جئت فقلت: هذه قالها أبي. فقال: لا، ولكن قل: قالها ابن الزبعري. قال: فهي إلى الآن منسوبةٌ في كتب الناس إلى ابن الزبعري.
قال الزبير: وأخبرني محمد بن الحسن المخزومي قال: أخبرني محمد بن طلحة أن عمر بن أبي ربيعة قائل هذه الأبيات:

ألا لـلـه قــوم و** لدت أخت بني سهم

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال حدثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشلٍ عن أبيه بمثل ما رواه الزبير عنه. وزاد فيه عمر بن شبة: قال محمد بن يحيى: و "أخت بني سهم التي عناها ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وهي أم بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهم: هشام وهاشمٌ وأبو ربيعة والفاكه، وعدةٌ غيرهم لم يعقبوا، وإياهم يعني أبو ذؤيب بقوله:

صخب الشوارب لا يزال كأنه ** عبدٌ لآل أبي ربيعة مسـبـع
ضرب بعزهم المثل. "قال": وكان اسم عبد الله بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيراً، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله، وكانت قريش تلقبه "العدل"، لأن قريشاً كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنةً، ويكسوها من ماله سنةً، فأرادوا بذلك أنه وحده عدلٌ لهم جميعاً في ذلك.
وفيه يقول ابن الزبعري: بحير بن ذي الرمحين قرب مجلسي وراح علي خيره غـير عـاتـم
وقد قيل: إن العدل هو الوليد بن المغيرة.
وكان عبد الله بن أبي ربيعة تاجراً موسراً، وكان متجره إلى اليمن، وكان من أكثرهم مالاً. وأمه أسماء بنت مخربة، وقيل: مخرمة، وكانت عطارة يأتيها العطر من اليمن. وقد تزوجها هشام بن المغيرة أيضاً، فولدت له أبا جهل والحارث ابني هشام، فهي أمهما وأم عبد الله وعياش ابني أبي ربيعة.
أخبرني الحرمي والطوسي قال: حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن الواقدي قال: كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة. فقالت الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية - وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتز رأسه عبد الله بن مسعود - وقيل: بل عبد الله بن مسعود هو الذي قتله - فذكرت أن أسماء بنت مخربة دخلت عليها وهي تبيع عطراً لها في نسوةٍ، قالت: فسألت عنا، فانتسبنا لها. فقالت: أأنت ابنة قاتل سيده؟ تعني أبا جهل. قلت: بل أنا بنت قاتل عبده. قالت: حرامٌ علي أن أبيعك من عطري شيئاً. قلت: وحرامٌ علي أن أشتري منه شيئاً، فما وجدت لعطرٍ نتناً غير عطرك، ثم قمت، ولا والله ما رأيت عطراً أطيب من عطرها، ولكني أردت أن أعيبه لأغيظها.
وكان لعبد الله بن أبي ربيعة عبيدٌ من الحبشة يتصرفون في جميع المهن، وكان عددهم كثيراً، فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى حنين: هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم؟ فقال: "لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا، وإن فيهم لخلتين حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس". واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ربيعة على الجند ومخلفيها، فلم يزل عاملاً عليها حتى قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. هذا من رواية الزبير عن عمه. قال: وحدثني ابن الماجشون عن عمه أن عثمان بن عفان - رحمه الله - استعمله أيضاً عليها.

صمت الكلام 12-04-2006 02:11 AM

شكرا لك اخي ماهر على هذا الموضوع الرائع


تحياتي
صمت الكلام

maher 12-04-2006 06:18 AM

عمر في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام

أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال: حدثنا ابن أبي ثابت، وحدثني به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلام، قالوا: قال أيوب بن سيار، وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال: بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناسٌ من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجر
حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس! إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترفٌ من مترفي قريش فينشدك: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيخزى وأما بالعشى فـيخـسـر
فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ فقال: قال: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشى فيخـصـر
فقال: ماأراك إلا وقد حفظت البيت! قال: أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها. قال فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبة: أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً. قال: وهذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قط. فقال: لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئاً قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: "أمن آل نعم..." فقال: إنا نستجيدها.
وقال الزبير في خبره عن عمه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيراً ما يقول: هل أحدث هذا المغيري شيئاً بعدنا؟ قال: وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة: فيضحى وأما بالعشي فيحضر
قال: لا، بل: فيخزى وأما بالعشي فيخسر
قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده: تشط غداً دار جيراننا
وسكت، فقال ابن عباس: وللدار بعد غدٍ أبعد
فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك الله - أفسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.

شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن إسحاق قال: كانت العرب تقر لقريشٍ بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقر لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضاً ولم تنازعها شيئاً.
قال الزبير: وسمعت عمي مصعباً يحدث عن جدي أنه قال مثل هذا القول. قال: وحدثني عدةٌ من أهل العلم أن النصيب قال: لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال.
قال المدائني قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحنا؟ قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء. قال: وكان ابن جريجٍ يقول: ما دخل على العواتق في حجالهن شيءٌ اضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة.
قال الزبير وحدثني عمي عن جدي - وذكره أيضاً إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني - قال قال هشام بن عروة: لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطاً، وأنشد: لقد أرسلت جـاريتـي وقلت لها خذي حذرك
وقولي في مـلاطـفةٍ لزينب: نولي عمرك
أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال: إني لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخٍ في الطواف، فقيل لي: هذا عمر بن أبي ربيعة. فقبضت على يده وقلت له: يابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أكل ما قتله في شعرك فعلته؟ قال: إليك عني. قلت: أسألك بالله! قال: نعم وأستغفر الله.
قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حمادٍ الراوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق المقشر.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال: سمع الفرزدق شيئاً من نسيب عمر فقال: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار، ووقع هذا عليه. قال: وكان بالكوفة رجلٌ من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم، فذكر يوماً شعر عمر بن أبي ربيعة فهجنه. فقالوا له: بمن ترضى؟ ومر بهم حمادٌ الراوية فقال: قد رضيت بهذا. فقالوا له: ما تقول فيمن يزعم أن عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئاً؟ فقال: أين هذا؟ اذهبوا بنا إليه. قالوا: نصنع به ماذا؟ قال: ننزو على أمه لعلها تأتي بمن هو أمثل من عمر.
قال إسحاق: وقال أبو المقوم الأنصاري: ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت وأنا شابٌ أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتني فتاتان مرةً فقالت لي إحداهما: أدن مني يابن أبي ربيعة أسر إليك شيئاً. فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضني، فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه.
قال إسحاق: وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلان الزهري - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد الله بن مسلمة بن أسلم قال: لقيت جريراً فقلت له: يا أبا حزرة، إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئاً. فقال: إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب، وإن أنسب الناس المخزومي. يعني ابن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيسٍ، وبنو أخيه معه وهم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، وقال: ورب هذه البنية ما قلت لامرأةٍ قط شيئاً لم تقله لي، وما كشفت ثوباً عن حرام قط. قال: ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعاً شديداً. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي، والله ما أعلم أني ركبت فاحشةً قط! فقال: ما كنت أشفق عليك إلا من ذلك، وقد سليت عني.
قال إسحاق: حدثني مصعبٌ الزبيري قال قال مصعب بن عروة بن الزبير: خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجين، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلي فيه، فإذا شيخٌ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له. فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال: من أنتما؟ فأخبرناه. فرحب بنا وقال: يا ابني أخي، إني موكل بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه، ثم قام، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة.
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال: عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنةً، ونسك أربعين سنة.
قال الزبير وحدثني إبراهيم عن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: حججت مع أبي وأنا غلامٌ وعلي جمة. فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، ويقول: واشباباه!. حتى فعل ذلك مراراً. ثم قال لي: يابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي وقلت لها، وكل مملوكٍ لي حرٌ إن كنت كشفت عن فرجٍ حرامٍ قط! فقمت وأنا متشككٌ في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أما في الحوك فله سبعون عبداً سوى غيرهم.

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: مررت بجدك عبد الله بن مصعب وأنا داخلةٌ منزله وهو بفنائه ومعي دفتر، فقال: ما هذا معك؟ ودعاني. فجئته وقلت: شعر عمر بن أبي ربيعة. فقال: ويحك! تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة! إن لشعره لموقعاً من القلوب ومدخلاً لطيفاً، لو كان شعرٌ يسحر لكان هو، فارجعي به. قالت: ففعلت.
"قال إسحاق": وأخبرني الهيثم بن عدي قال: قدمت امرأةٌ مكة وكانت من أجمل النساء. فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها. فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيامٍ عظيمة الحرمة. فألح عليها يكلمها، حتى خافت أن يشهرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: أخرج معي يا أخي فأرني المناسك، فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها. فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها، فتمثلت المرأة بقول النابغة:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له ** وتتقي صولةً المستأسد الحامـي


قال إسحاق: فحدثني السندي مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال -وقد حدث بهذا الخبر-: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث.
قال إسحاق: قال لي الأصمعي: عمر حجةٌ في العربية، ولم يؤخذ عليه إلا قوله: ثم قالوا تحبها قلـت بـهـراً عدد الرمل والحصى والتراب
وله في ذلك مخرجٌ، إذ قد أتى به على سبيل الإخبار. قال: ومن الناس من يزعم أنه إنما قال: قيل لي هل تحبها قلت بهرا
نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنى فيها المغنون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها
شعر عمر الذي غنى فيه المغنون
منها ما يغنى فيه من قوله:


أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فـمـبـكـر** غداة غـدٍ أم رائح فـمـهـجـر
لحاجة نفسٍ لم تقل في جـوابـهـا** فتبلغ عذراً والـمـقـالة تـعـذر
أشارت بمدراها وقالت لأخـتـهـا ** أهذا المغيري الذي كـان يذكـر؟
فقالت: نعم لا شـك غـير لـونـه ** سر الليل يطوي نصه والتهـجـر
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت** فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر
أخا سفرٍ جواب أرضٍ تـقـاذفـت ** به فلواتٌ فهو أشـعـث أغـبـر
وليلة ذي دوران جشمتني السـرى ** وقد يجشم الهول المحب المغـرر
فقلت: أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم ** وإما ينال السـيف ثـأراً فـيثـأر


هذه الأبيات جمعت على غير توالٍ؛ لأنه إنما ذكر منها ما فيه صنعةٌ. غنى في الأول والثاني من الأبيات ابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر عن أحمد بن المكي وذكر حبشٌ أن فيهما لمعبدٍ لحناً من الثقيل الأول بالبنصر.
وغنى ابن سريج في الثالث والرابع أيضاً خفيف ثقيلٍ بالوسطى، وذكر حبشٌ أن فيهما لحناً من الهزج بالوسطى لحكم. وغنى ابن سريج في الخامس والسادس لحناً من الرمل بالوسطى عن عمرو بن بانه. وذكر يونس أن في السابع والثامن لابن سريج لحناً ولم يذكر طريقته، وذكر حبشٌ أن فيهما لمالك لحناً من الثقيل الثاني بالبنصر.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي: أن عمر بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال: متعني الله بك! إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر ونازعتني إليه، وقد قلت منه شيئاً أحببت أن تسمعه وتستره علي. فقال: أنشدني، فأنشده: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر
فقال له: أنت شاعرٌ يا ابن أخي، فقل ما شئت. قال: وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري وهو راكبٌ، فوقف ومازال شانقاً ناقته حتى كتبت له.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني الحسين بن إسماعيل قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال: كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: هذا شعرٌ تهامي إذا أنجد وجد البرد، حتى أنشد قوله:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ** فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر

maher 12-04-2006 06:31 AM

عمر في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام

أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال: حدثنا ابن أبي ثابت، وحدثني به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلام، قالوا: قال أيوب بن سيار، وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال: بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناسٌ من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجر
حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس! إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترفٌ من مترفي قريش فينشدك: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيخزى وأما بالعشى فـيخـسـر
فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ فقال: قال: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشى فيخـصـر
فقال: ماأراك إلا وقد حفظت البيت! قال: أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها. قال فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبة: أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً. قال: وهذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قط. فقال: لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئاً قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: "أمن آل نعم..." فقال: إنا نستجيدها.
وقال الزبير في خبره عن عمه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيراً ما يقول: هل أحدث هذا المغيري شيئاً بعدنا؟ قال: وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة: فيضحى وأما بالعشي فيحضر
قال: لا، بل: فيخزى وأما بالعشي فيخسر
قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده: تشط غداً دار جيراننا
وسكت، فقال ابن عباس: وللدار بعد غدٍ أبعد
فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك الله - أفسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.

شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن إسحاق قال: كانت العرب تقر لقريشٍ بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقر لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضاً ولم تنازعها شيئاً.
قال الزبير: وسمعت عمي مصعباً يحدث عن جدي أنه قال مثل هذا القول. قال: وحدثني عدةٌ من أهل العلم أن النصيب قال: لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال.
قال المدائني قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحنا؟ قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء. قال: وكان ابن جريجٍ يقول: ما دخل على العواتق في حجالهن شيءٌ اضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة.
قال الزبير وحدثني عمي عن جدي - وذكره أيضاً إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني - قال قال هشام بن عروة: لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطاً، وأنشد: لقد أرسلت جـاريتـي وقلت لها خذي حذرك
وقولي في مـلاطـفةٍ لزينب: نولي عمرك
أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال: إني لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخٍ في الطواف، فقيل لي: هذا عمر بن أبي ربيعة. فقبضت على يده وقلت له: يابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أكل ما قتله في شعرك فعلته؟ قال: إليك عني. قلت: أسألك بالله! قال: نعم وأستغفر الله.
قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حمادٍ الراوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق المقشر.
قال إسحاق: وقال أبو المقوم الأنصاري: ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت وأنا شابٌ أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتني فتاتان مرةً فقالت لي إحداهما: أدن مني يابن أبي ربيعة أسر إليك شيئاً. فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضني، فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه.
قال إسحاق: وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلان الزهري - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد الله بن مسلمة بن أسلم قال: لقيت جريراً فقلت له: يا أبا حزرة، إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئاً. فقال: إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب، وإن أنسب الناس المخزومي. يعني ابن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيسٍ، وبنو أخيه معه وهم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، وقال: ورب هذه البنية ما قلت لامرأةٍ قط شيئاً لم تقله لي، وما كشفت ثوباً عن حرام قط. قال: ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعاً شديداً. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي، والله ما أعلم أني ركبت فاحشةً قط! فقال: ما كنت أشفق عليك إلا من ذلك، وقد سليت عني.
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال: عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنةً، ونسك أربعين سنة.
قال الزبير وحدثني إبراهيم عن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: حججت مع أبي وأنا غلامٌ وعلي جمة. فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، ويقول: واشباباه!. حتى فعل ذلك مراراً. ثم قال لي: يابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي وقلت لها، وكل مملوكٍ لي حرٌ إن كنت كشفت عن فرجٍ حرامٍ قط! فقمت وأنا متشككٌ في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أما في الحوك فله سبعون عبداً سوى غيرهم.

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: مررت بجدك عبد الله بن مصعب وأنا داخلةٌ منزله وهو بفنائه ومعي دفتر، فقال: ما هذا معك؟ ودعاني. فجئته وقلت: شعر عمر بن أبي ربيعة. فقال: ويحك! تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة! إن لشعره لموقعاً من القلوب ومدخلاً لطيفاً، لو كان شعرٌ يسحر لكان هو، فارجعي به. قالت: ففعلت.
"قال إسحاق": وأخبرني الهيثم بن عدي قال: قدمت امرأةٌ مكة وكانت من أجمل النساء. فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها. فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيامٍ عظيمة الحرمة. فألح عليها يكلمها، حتى خافت أن يشهرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: أخرج معي يا أخي فأرني المناسك، فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها. فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها، فتمثلت المرأة بقول النابغة:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له ** وتتقي صولةً المستأسد الحامـي


قال إسحاق: فحدثني السندي مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال -وقد حدث بهذا الخبر-: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث.
قال إسحاق: قال لي الأصمعي: عمر حجةٌ في العربية، ولم يؤخذ عليه إلا قوله: ثم قالوا تحبها قلـت بـهـراً عدد الرمل والحصى والتراب
وله في ذلك مخرجٌ، إذ قد أتى به على سبيل الإخبار. قال: ومن الناس من يزعم أنه إنما قال: قيل لي هل تحبها قلت بهرا
نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنى فيها المغنون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها
شعر عمر الذي غنى فيه المغنون
منها ما يغنى فيه من قوله:


أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فـمـبـكـر** غداة غـدٍ أم رائح فـمـهـجـر
لحاجة نفسٍ لم تقل في جـوابـهـا** فتبلغ عذراً والـمـقـالة تـعـذر
أشارت بمدراها وقالت لأخـتـهـا ** أهذا المغيري الذي كـان يذكـر؟
فقالت: نعم لا شـك غـير لـونـه ** سر الليل يطوي نصه والتهـجـر
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت** فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر
أخا سفرٍ جواب أرضٍ تـقـاذفـت ** به فلواتٌ فهو أشـعـث أغـبـر
وليلة ذي دوران جشمتني السـرى ** وقد يجشم الهول المحب المغـرر
فقلت: أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم ** وإما ينال السـيف ثـأراً فـيثـأر


أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي: أن عمر بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال: متعني الله بك! إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر ونازعتني إليه، وقد قلت منه شيئاً أحببت أن تسمعه وتستره علي. فقال: أنشدني، فأنشده: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر
فقال له: أنت شاعرٌ يا ابن أخي، فقل ما شئت. قال: وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري وهو راكبٌ، فوقف ومازال شانقاً ناقته حتى كتبت له.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني الحسين بن إسماعيل قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال: كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: هذا شعرٌ تهامي إذا أنجد وجد البرد، حتى أنشد قوله:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ** فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر

قليلاً على ظهر المطية ظـلـه** سوى ما نفى عنه الرداء المحبر
وأعجبها من عيشها ظل غـرفةٍ** وريان ملتف الحدائق أخضـر
ووالٍ كفاها كل شيء يهمـهـا ** فليست لشيءٍ آخر الليل تسهـر


فقال جرير: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.
أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد الله اليمامي قال حدثني الأصمعي قال: قال لي الرشيد: أنشدني أحسن ما قيل في رجل قد لوحه السفر، فأنشدته قول عمر بن أبي ربيعة:

رأت رجلاً إذا ما الشمس عارضت** فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر
أخا سفرٍ جواب أرضٍ تقـاذفـت** به فلوات فهو أشـعـث أغـبـر


... الأبيات كلها. قال: فقال لي الرشيد: أنا والله ذلك الرجل. قال: وهذا بعقب قدومه من بلاد الروم.
أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي: قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني شعيب بن صخر قال: كان بين عائشة بنت طلحة وبين زوجها عمر بن عبيد الله بن معمرٍ كلامٌ، فسهرت ليلةً فقالت: إن ابن أبي ربيعة لجاهلٌ بليلتي هذه حيث يقول:

ووالٍ كفاها كل شيءٍ يهمهـا ** فليست لشيءٍ آخر الليل تسهر

أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن المدائني قال: عرض يزيد بن معاوية جيش أهل الحرة، فمر به رجلٌ من أهل الشأم معه ترسٌ خلقٌ سمجٌ، فنظر إليه يزيد وضحك وقال له: ويحك! ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك. يريد قول عمر:

فكان مجني دون من كنت أتقي ** ثلاث شخوصٍ كاعبان ومعصر


صمت الكلام 12-04-2006 06:33 AM

اخي ماهر اعتذر عن الخطأ و التصحيح ماهر ...

بيلسان 12-04-2006 06:44 AM

مواضيعك دوما مميزه اخي ماهر....

شكرا لقلمك....

maher 12-04-2006 06:44 AM

المفاضلة بينه وبين جميل ابن معمر العذري
 
المفاضلة بينه وبين جميل ابن معمر العذري

أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة حدثنا عوانة بن الحكم وأبو يعقوب الثقعفي: أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال لأصحابه ذات ليلة: أي بيتٍ قالته العرب أغزل؟ فقال بعضهم: قول جميل:

يموت الهوى مني إذا ما لقيتها** ويحيا إذا فارقتهـا فـيعـود

وقال آخر: قول عمر بن أبي ربيعة:

كأنني حين أمسي لا تكلمنـي** ذو بغيةٍ يبتغي ما ليس موجودا

فقال الوليد: حسبك والله بهذا! أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد عن شيخ من أهله عن أبي الحارث مولى هشام بن الوليد بن المغيرة - قال: وهو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة: يا أبا الحارث قلبي طائرٌفأتمر أمر رشيدٍِ مؤتمن
قال: شهدت عمر بن أبي ربيعة، وجميل بن عبد الله بن معمر العذري، وقد اجتمعا بالأبطح، فأنشد جميلٌ قصيدته التي يقول فيها:

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي** بثينة أو أبدت لنا جانب الـبـخـل
يقولون مهلاً يا جـمـيل وإنـنـي ** لأقسم مالي عن بثينة من مـهـل


حتى أتى على آخرها، ثم قال لعمر: يا أبا الخطاب، هل قلت في هذا الروي شيئاً؟ قال نعم.
قال: فأنشدنيه، فأنشده قوله:

جرى ناصحٌ بالود بينـي وبـينـهـا** فقربني يوم الحصاب إلى قـتـلـي
فطارت بحد من فـؤادي وقـارنـت ** قرينتها حبل الصفاء إلى حـبـلـي
فلما تواقفنا عـرفـت الـذي بـهـا** كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعـل
فقلن لها هذا عـشـاءٌ وأهـلـهـا** قريب ألما تسأمي مركب البـغـل
فقالت فما شئتن قلن لهـا انـزلـي ** فللأرض خير من وقوفٍ على رحل
نجوم دراري تـكـنـفـن صـورةً ** من البدر وافت غير هوجٍ ولا عجل
فسلمت واستأنسـت خـيفة أن يرى** عدوٌ مقامي أو يرى كاشحٌ فعـلـي
فقالت وأرخت جانب الستـر إنـمـا ** معي فتكلم غير ذي رقبةٍ أهـلـي
فقلت لها ما بي لهم مـن تـرقـبٍ ** ولكن سري ليس يحملـه مـثـلـي
فلما اقتصرنا دونـهـن حـديثـنـا ** وهن طبيبات بحاجة ذي الـشـكـل
عرفن الذي تهوى فقلن ائذني لـنـا ** نطف ساعةً في برد ليلٍ وفي سهل
فقالت: فلا تلبثن قـلـن تـحـدثـي ** أتيناك، وانسبن انسياب مها الرمـل
وقمن وقد أفهمن ذا الـلـب أنـمـا ** أتين الذي يأتين من ذاك من أجلـي


فقال جميلٌ: هيهات يا أبا الخطاب! لا أقول والله مثل هذا سجيس الليالي، والله ما يخاطب النساء مخاطبتك أحدٌ. وقام مشمراً.
قال أبو عبد الله الزبير قال عمي مصعب: كان عمر يعارض جميلاً، فإذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها.
فيقال: إنه في الرائية والعينية أشعر من جميل، وإن جميلاً اشعر منه في اللامية، وكلاهما قد قال بيتاً نادراً ظريفاً، قال جميل:

خليلي فيما عشتما هل رأيتما ** قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي

وقال عمر:

فقالت وأرخت جانب الستر إنما** معي فتكلم غير ذي رقبةٍ أهلي

كلمة الفرزدق وقد سمع شعر عمر
أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن المدائني قال: سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله:

جرى ناصحٌ بالود بيني وبينهـا** فقربني يوم الحصاب إلى قتلي

ولما بلغ قوله:

فقمن وقد أفهمن ذا اللب أنـمـا ** أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي


صاح الفرزدق: هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته، وبكت على الديار.

إستحسان الناس شعر عمر وتفضيله على شعراء عصره

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: أدركت مشيخةً من قريش لا ينزون بعمر بن أبي ربيعة شاعراً من أهل دهره في النسيب، ويستحسنون منه ما كانوا يستقبحونه من غيره من مدح نفسه، والتحلي بمودته، والابتيار في شعره والابتيار: أن يفعل الإنسان الشيء فيذكره ويفخر به. والابتهار: أن يقول ما لم يفعل.

نقد ابن أبي عتيق أبيات عمر الرائية
أخبرني محمد بن خلف قال: أخبرني عبد الله بن عمر وغيره عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عبد العزيز بن عمران قال: قال ابن أبي عتيق لعمر وقد أنشده قوله:

بينما ينعتنني أبـصـرنـنـي ** دون قيد الميل يعدو بي الأغر
قالت الكبرى أتعرفن الفتـى ** قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتـهـا ** قد عرفناه وهل يخفى القمر


- الغناء في هذه الأبيات لابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر - فقال له ابن أبي عتيق: - وقد أنشدها - أنت لم تنسب بها، وإنما نسبت بنفسك، كان ينبغي أن تقول: قلت لها فقالت لي، فوضعت خدي فوطئت عليه.

عود إلى سيرته وخلقه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال: لم يذهب على أحدٍ من الرواة أن عمر كان عفيفاً يصف ولا يقف، ويحوم ولا يرد.
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن منصور عن ابن الأعرابي، وحدثني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن رجاله، قالوا: كان ابن أبي ربيعة قد حج في سنة من السنين. فلما انصرف من الحج ألفى الوليد بن عبد الملك وقد فرش له في ظهر الكعبة وجلس، فجاءه عمر فسلم عليه وجلس إليه. فقال له: أنشدني شيئاً من شعرك. فقال: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير وقد تركت الشعر، ولي غلامان هما عندي بمنزلة الولد، وهما يرويان كل ما قلت وهما لك. قال: ائتني بهما ففعل، فأنشداه قوله:

أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر

فطرب الوليد واهتز لذلك، فلم يزالا ينشدانه حتى قام، فأجزل صلته ورد الغلامين إليه.

مميزات شعره
حدثني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري الكاتب الملقب "كيلجة" قال حدثني أبو هفان قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه مصعب أنه قال: راق عمر بن أبي ربيعة الناس وفاق نظراءه وبرعهم بسهولة الشعر وشدة الأسر، وحسن الوصف، ودقة المعنى وصواب المصدر، والقصد للحاجة، واستنطاق الربع، وإنطاق القلب، وحسن العزاء، ومخاطبة النساء، وعفة المقال، وقلة الانتقال، وإثبات الحجة، وترجيح الشك في موضع اليقين، وطلاوة الاعتذار، وفتح الغزل، ونهج العلل، وعطف المساءة على العذال، وأحسن التفجع، وبخل المنازل، واختصر الخبر، وصدق الصفاء، إن قدح أورى، وإن اعتذر أبرا، وإن تشكى أشجى، وأقدم عن خبرة ولم يعتذر بغرة، وأسر النوم، وغم الطير، وأغد السير، وحير ماء الشباب، وسهل وقول، وقاس الهوى فأربى، وعصى وأخلى، وحالف بسمعه وطرفه، وأبرم نعت الرسل وحذر، وأعلن الحب وأسر، وبطن به وأظهر، وألح وأسف، وأنكح النوم، وجنى الحديث، وضرب ظهره لبطنه، وأذل صعبه، وقنع بالرجاء من الوفاء، وأعلى قاتله، واستبكى عاذله، ونفض النوم، وأغلق رهن مني وأهدر قتلاه، وكان بعد هذا كله فصيحاً.
فمن سهولة شعره وشدة أسره قوله

فلما تواقفنا وسلمت أشرقـت** وجوهٌ زهاها الحسن أن تتقنعا
تبالهن بالعرفان لما رأينـنـي ** وقلن امرؤٌ باغٍ أكل وأوضعا


ومن حسن وصفه قوله

لها من الريم عيناه وسـنـتـه** ونخوة السابق المختال إذ صهلا

ومن دقة معناه وصواب مصدره قوله

عوجا نحي الطلل المحولا ** والربع من أسماء والمنزلا
بسابغ البوبـاة لـم يعـده ** تقادم العهد بـأن يؤهـلا


ومن قصده للحاجة قوله

أيها المنكح الثريا سهيلاً ** عمرك الله كيف يلتقيان
هي شاميةٌ إذا ما استقلت ** وسهيلٌ إذا استقل يماني


ومن استنطاقه الربع قوله

سائلا الربع بالبلـي وقـولا ** هجت شوقاً لي الغداة طويلا
أين حي حلوك إذ أنت محفو ** فٌ بهم آهلٌ أراك جـمـيلا
قال ساروا فأمعنوا واستقلـوا ** وبرغمي لو قد وجدت سبيلا (وبكرهي لو استطعت سبيلا )
سئمونا وما سئمنا جواراً ** وأحبوا دمـاثةً وسـهـولا

ومن أنطاقه القلب قوله
قال لي فيها عتيقٌ مقـالاً ** فجرت مما يقول الدموع
قال لي ودع سليمى ودعها ** فأجاب القلب: لا أستطيع


ومن حسن عزائه قوله

أألحق إن دار الرباب تبـاعـدت ** أو أنبت حبلٌ أن قلـبـك طـائر
أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا ال** هوى واستمرت بالرجال المرائر
زع النفس واستبق الحياء فإنـمـا ** تباعد أو تدني الرباب المـقـادر
أمت حبها واجعل قديم وصالهـا ** وعشرتها كمثل من لا تعـاشـر
وهبها كشيءٍ لم يكن أو كنـازحٍ ** به الدار أو من غيبته المقـا
بـر

maher 12-04-2006 07:09 AM

قصته مع فاطمة بنت عبد الملك
 
قصته مع فاطمة بنت عبد الملك
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو علي الأسدي - وهو بشر ابن موسى بن صالح - قال حدثني أبي موسى بن صالح عن أبي بكر القرشي قال:
كان عمر بن أبي ربيعة جالساً بمنىً في فناء مضربه وغلمانه حوله، إذ أقبلت امرأةٌ برزةٌ عليها أثر النعمة فسلمت، فرد عليها عمر السلام، فقالت له: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ فقال لها: أنا هو، فما حاجتك؟ قالت له: حياك الله وقربك! هل لك في محادثة أحسن الناس وجهاً، وأتمهم خلقاً، وأكملهم أدباً، وأشرفهم حسباً؟ قال: ما أحب إلي ذلك! قالت: على شرطٍ. قال: قولي. قالت: تمكنني من عينيك حتى أشدهما وأقودك، حتى إذا توسطت الموضع الذي أريد حللت الشد، ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى أنتهي بك إلى مضربك. قال: شأنك، ففعلت ذلك به. قال عمر: فلما انتهت بي إلى المضرب الذي أرادت كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسي لم أر مثلها قط جمالاً وكمالاً، فسلمت وجلست. فقالت: أأنت عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: أنا عمر. قالت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: وما ذاك جعلني الله فداءك؟ قالت: ألست القائل:

قالت وعيش أخي ونعمة والـدي** لأنبهن الحي إن لـم تـخـرج
فخرجت خوف يمينها فتبسمـت ** فعلمت أن يمينها لـم تـحـرج
فتناولت رأسي لتعرف مـسـه ** بمخضب الأطراف غير مشنـج
فلثمت فاها آخذاً بـقـرونـهـا ** شرب النزيف ببرد ماء الحشرج


ثم قالت: قم فاخرج عني، ثم قامت من مجلسها. وجاءت المرأة فشدت عيني، ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي، وانصرفت وتركتني. فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله به أعلم. وبت ليلتي، فلما أصبحت إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ فقلت: شأنك، ففعلت بي مثل فعلها بالأمس، حتى انتهت بي إلى الموضع. فلما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسي. فقالت: إيه يا فضاح الحرائر! قلت: بماذا جعلني الله فداءك؟ قالت: بقولك:

وناهدة الثديين قلت لهـا اتـكـي** على الرمل من جبانةٍ لم توسـد
فقالت على اسم الله أمرك طاعةٌ ** وإن كنت قد كلفت ما لم أعـود
فلما دنا الإصباح قالت فضحتنـي ** فقم غير مطرودٍ وإن شئت فازدد


ثم قالت قم فاخرج عني، فقمت فخرجت ثم رددت. فقالت لي: لولا وشك الرحيل، وخوف الفوت، ومحبتي لمناجاتك والاستكثار من محادثتك، لأقصيتك، هات الآن كلمني وحدثني وأنشدني.
فكلمت آدب الناس وأعلمهم بكل شيء. ثم نهضت وأبطأت العجوز وخلا لي البيت، فأخذت أنظر، فإذا أنا بتور فيه خلوقٌ، فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني. وجاءت تلك العجوز فشدت عيني ونهضت بي تقودني، حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيكم يقفني على باب مضربٍ عليه خلوقٌ كأنه أثر كفٍّ فهو حرٌ وله خمسمائة درهم.
فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال: قم. فنهضت معه، فإذا أنا بالكف طرية، وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان. فأخذت في أهبة الرحيل، فلما نفرت نفرت معها، فبصرت في طريقها بقبابٍ ومضربٍ وهيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة، فساءها أمره وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له نشدتك الله والرحم أن لا تصحبني، ويحك! ما شأنك وما الذي تريد؟ انصرف ولا تفضحني وتشيط بدمك. فسارت العجوز فأدت إليه ما قالت لها فاطمة. فقال: لست بمنصرفٍ أو توجه إلي بقميصها الذي يلي جلدها، فأخبرتها ففعلت وجهت إليه بقميصٍ من ثيابها، فزاده ذلك شغفاً. ولم يزل يتبعهم لا يخالطهم، حتى إذا صاروا على أميالٍ من دمشق انصرف وقال في ذلك:

ضاق الغداة بحاجتي صدري** ويئست بعد تقارب الأمـر
وذكرت فاطمة التي علقتها ** عرضاً فيا لحوادث الدهـر


وفي هذه القصيدة مما يغنى فيه قوله:

ممكورةٌ ردع العبير بهـا ** جم العظام لطيفةٌ الخصر
وكأن فاها عند رقدتـهـا ** تجري عليه سلافة الخمر
فسبت فؤادي إذ عرضت لها** يوم الرحيل بساحة القصـر

بمزينٍ ودع الـعـبـير بـه ** حسن الترائب وضح النحـر
وبـجـيد آدم شـادنٍ خـرقٍ ** يرعى الرياض ببلدةٍ قـفـر
لما رأيت مطـيهـا حـزقـاً ** خفق الفؤاد وكنت ذا صبـر
وتبادرت عينـاي بـعـدهـم ** وانهل دمعهما على الصـدر
ولقد عصيت ذوي القرابة** فيكم طراً وأهل الود والصـهـر
حتى لقد قالوا ومـا كـذبـوا ** أجننت أم بك داخل السحـر


خوفه من التصريح باسمها
أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني إسحاق عن محمد بن أبان قال حدثني الوليد بن هشام القحذمي عن أبي معاذٍ القرشي قال: لما قدمت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان مكة جعل عمر بن أبي ربيعة يدورحولها ويقول فيها الشعر ولا يذكر باسمها فرقاً من عبد الملك بن مروان ومن الحجاج، لأنه كان كتب إليه يتوعده إن ذكرها أو عرض باسمها. فلما قضت حجها وارتحلت أنشأ يقول:
صوت
كدت يوم الرحيل أقضي حياتي** ليتني مت قبل يوم الـرحـيل
لا أطيق الكلام من شدة الخـو ** ف ودمعي يسيل كل مسـيل
ذرفت عينها وفاضت دموعي ** وكلانا يلقى بـلـبٍّ أصـيل
لو خلت خلتي أصبـت نـوالاً ** أو حديثاً يشفي من التـنـويل
ولظل الخلخال فوق الحشـايا ** مثل أثناء حـيةٍ مـقـتـول
فلقد قالت الـحـبـيبة لـولا ** كثرة الناس جدت بالتقـبـيل


أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني أبو علي الحسن بن الصباح عن محمد بن حبيب أنه أخبره: أن عمر بن أبي ربيعة قال في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان:

يا خليلي شفنـي الـذكـر ** وحمول الحي إذ صـدروا
ضربوا حمر القباب لـهـا ** وأديرت حولها الحـجـر
سلكا شعب النقـاب بـهـا ** زمراً تحتـثـهـا زمـر
وطرقت الحي مكتـتـمـاً ** ومعي عضبٌ بـه أثـر
وأخٌ لم أخـش نـبـوتـه ** بنواحي أمرهـم خـبـر
فإذا ريمٌ عـلـى فــرشٍ ** في حجال الخز مختـدر
حوله الأحراس تـرقـبـه ** نومٌ من طول ما سهـروا
شبه القتلى وما قـتـلـوا ** ذاك إلا أنهـم سـمـروا
فدعت بالويل، ثـم دعـت ** حرةً من شأنها الخـفـر
ثم قالت للتـي مـعـهـا ** ويح نفسي قد أتى عمـر
ماله قد جـاء يطـرقـنـا** ويرى الأعداء قد حضروا
لشقائي كـان عـلـقـنـا** ولحيني ساقـه الـقـدر
قلت عرضي دون عر** ضكم ولمن ناواكم الـحـجـر



عمر وعائشة بنت طلحة
وما قاله فيها من الشعر
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن رجل من قريش قال: بينا عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت، إذ رأى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وكانت من أجمل أهل دهرها، وهي تريد الركن تستلمه، فبهت لما رآها ورأته، وعلمت أنها قد وقعت في نفسه، فبعثت إليه بجارية لها وقالت: قولي له اتق الله ولا تقل هجراً، فإن هذا مقامٌ لابد فيه مما رأيت. فقال للجارية: أقرئيها السلام وقولي لها: ابن عمك لا يقول إلا خيراً. وقال فيها:


لعـائشة ابـنة الـتــيمـــي عـــنـــدي** حمىً فـي الـقـلـب مـا يرعـى حـمـاهـا
يذكـرنـي ابـنة الـتـيمـــي ظـــبـــيٌ ** يرود بـروضةٍ ســـهـــلٍ ربـــاهـــا
فقلت له وكاد يراع قلبي ** فلم أر قط كاليوم اشتباها
سوى حمشٍ بساقك مستبينٍ ** وأن شـواك لـم يشــبـــه شـــواهـــا
وأنـك عـاطـــلٌ عـــارٍ ولـــيســـت** بعـــاريةٍ ولا عـــطـــلٍ يداهـــــا
وأنـك غـير أفـرغ وهـــي تـــدلـــي **علـى الـمـتـنـين أسـحـم قـد كـسـاهــا
ولـو قـعـدت ولـم تـكـــلـــف بـــودٍّ ** سوى مـا قـد كـلـفـت بـه كـفــاهـــا
أظـل إذا أكـلــمـــهـــا كـــأنـــي ** أكـلـم حـيةً غـلــبـــت رقـــاهـــا
تبـيت إلـي بـعـد الـنــوم تـــســـري** وقـد أمـسـيت لا أخـشـى ســـراهـــا





maher 12-04-2006 07:22 AM

وفاة عمر بن أبي ربيعة
 
وفاة عمر بن أبي ربيعة

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن ثعلبة بن عبد الله بن صعير: أن عمر بن أبي ربيعة نظر في الطواف إلى امرأةٍ شريفةٍ، فرأى أحسن خلق الله صورةً، فذهب عقله عليها، وكلمها فلم تجبه، فقال فيها: الريح تسحب أذيالاً وتنشـرهـا يا ليتني كنت ممن تسحب الريح

كيما تجر بنا ذيلاً فتطـرحـنـا ** على التي دونها مغبـرةٌ سـوحٌ
أنى بقربكم أم كيف لـي بـكـم ** هيهات ذلك ما أمست لنـا روح
فليت ضعف الذي ألقى يكون بها** بل ليت ضعف الذي ألقى تباريح
إحدى بنيات عمي دون منزلهـا ** أرضٌ بقيعانها القيصوم والشيح


فبلغها شعره فجزعت منه. فقيل لها: اذكريه لزوجك، فإنه سينكر عليه قوله. فقالت: كلا والله لا أشكوه إلا إلى الله. ثم قالت: اللهم إن كان نوه باسمي ظالماً فاجعله طعاماً للريح. فضرب الدهر من ضربه، ثم إنه غدا يوماً على فرس فهبت ريحٌ فنزل فاستتر بسلمةٍ، فعصفت الريح فخدشه غضنٌ منها فدمي وورم به ومات من ذلك.

maher 12-04-2006 08:00 AM

أخبار مجنون بني عامر ونسبه
نسبه وتصحيح اسمه
هو - على ما يقوله من صحح نسبه وحديثه - قيسٌ، وقيل: مهدي، والصحيح أنه قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومن الدليل على أن اسمه قيسٌ قول ليلى صاحبته فيه:

ألا ليت شعري والخطوب كثيرةٌ** متى رحل قيس مستقلٌ فراجع

وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال: سمعت من لا أحصي يقول: اسم المجنون قيس بن الملوح.

قيل كانت به لوثة ولم يكن مجنوناً
وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي، وأخبرني الجوهري عن عمر بن شبة أنهما سمعا الأصمعي يقول - وقد سئل عنه -: لم يكن مجنوناً ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية النميري.

اختلاف الرواة في وجوده
وأخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبة عن الحزامي قال حدثني أيوب بن عباية قال: سألت بني عامرٍ بطناً بطناً عن مجنون بني عامر فما وجدت أحداً يعرفه.
وأخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن دأبٍ قال: قلت لرجل من بني عامر: أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئاً؟ قال: أو قد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين! إنهم لكثيرٌ! فقلت: ليس هؤلاء أعني، إنما أعني مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق، فقال: هيهات! بنو عامر أغلظ أكباداً من ذاك، إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضعاف قلوبها، السخيفة عقولها، الصعلة رؤوسها، فأما نزار فلا.
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي قال سمعت الأصمعي يقول: رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا بالاسم: مجنون بني عامر، وابن القرية، وإنما وضعهما الرواة.
وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن أبي سعد عن الحزامي قال: ولم أسمعه من الحزامي فكتبته عن ابن أبي سعد قال أحمد: وحدثنا به ابن أبي سعد عن الحزامي قال حدثنا عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحقٍ عن أبيه عن جده قال: سعيت على بني عامر فرأيت المجنون وأتيت به وأنشدني.
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني قال: المجنون المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر، ثم من بني عقيل، أحد بني نمير بن عامر بن عقيل، قال: ومنهم رجل آخر يقال له: مهدي بن الملوح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
قيل إن فتى من أمية نحله شعره وأخبرني عمي عن الكراني قال حدثنا ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال: حدثت أن حديث المجنون وشعره وضعه فتىً من بني أمية كان يهوى ابنة عم له، وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون وقال الأشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه.
أخبرني الحسين بن يحيى وأبو الحسن الأسدي قالا: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: اسم المجنون قيس بن معاذ أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
وأخبرني أبو سعد الحسن بن علي بن زكريا العدوي قال حدثنا حماد بن طالوت بن عباد: أنه سأل الأصمعي عنه، فقال: لم يكن مجنوناً، بل كانت به لوثةٌ أحدثها العشق فيه، كان يهوى امرأةً من قومه يقال لها ليلى، واسمه قيس بن معاذ.
وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن اسمه قيس بن معاذ.
وذكر شعيب بن السكن عن يونس النحوي أن اسمه قيس بن الملوح، قال أبو عمرو الشيباني: وحدثني رجل من أهل اليمن أنه رآه ولقيه وسأله عن اسمه ونسبه، فذكر أنه قيس بن الملوح.
وذكر هشام بن محمد الكلبي أنه قيس بن الملوح، وحدث أن أباه مات قبل اختلاطه، فعقر على قبره ناقته وقال في ذلك:

عقرت على قبر الملوح ناقـتـي ** بذي السرح لما أن جفاه الأقارب
وقلت لها كوني عقيراً فـإنـنـي ** غداً راجلٌ أمشي وبالأمس راكب
فلا يبعدنك اللـه يابـن مـزاحـمٍ ** فكلٌّ بكأس الموت لاشك شارب


وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي وأبو عبيدة معمر بن المثنى أن اسمه البحتري بن الجعد.
وذكر مصعب الزبيري والرياشي وأبو العالية أن اسمه الأقرع بن معاذ. وقال خالد بن كلثوم: اسمه مهدي ابن الملوح.
وأخبرني الأخفش عن السكري عن أبي زياد الكلابي، قال: ليلى صاحبة المجنون هي ليلى بنت سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
أخبرني محمد بن خلفٍ وكيعٌ، قال حدثنا أبو قلابة الرقاشي، قال حدثني عبد الصمد بن المعذل، قال: سمعت الأصمعي وقد تذاكرنا مجنون بني عامر يقول: لم يكن مجنوناً وإنما كانت به لوثةٌ، وهو القائل:

أخذت محاسن كـل مـا ** ضنت محاسنه بحسنـه
كاد الغزال يكـونـهـا ** لولا الشوى ونشوز قرنه


لقب بالمجنون كثيرٌ غيره
وكلهم كان يشبب بليلى
وأخبرني عمر بن عبد الله بن جميلٍ العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال: سألت أعرابياً من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامري فقال: عن أيهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعةٌ رموا بالجنون، فعن أيهم تسأل؟ فقلت: عن الذي كان يشبب بليلى، فقال: كلهم كان يشبب بليلى، قلت: فأنشدني لبعضهم، فأنشدني لمزاحم بن الحارث المجنون:

ألا أيها القلب الذي لج هائمـاً** بليلى وليداً لم تقطع تمائمـه
أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى** لك اليوم أن تلقى طبيباً تلائمه
أجدك لا تنسيك ليلى مـلـمةٌ ** تلم ولا عهدٌ يطول تقـادمـه


قلت: فأنشدني لغيره منهم، فأنشدني لمعاذ بن كليبٍ المجنون:

ألا طالما لاعبت ليلى وقـادنـي ** إلى اللهو قلبٌ للحسان تـبـوع
وطال امتراء الشوق عيني كلما ** نزفت دموعاً تستـجـد دمـوع
فقد طال إمساكي على الكبد التي ** بها من هوى ليلى الغداة صدوع


قلت: فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت، فأنشدني لمهدي بن الملوح:

لو أن لك الدنيا وما عدلت به** سواها وليلى بائنٌ عنك بينها
لكنت إلى ليلى فقيراً وإنمـا ** يقود إليها ود نفسك حينهـا


قلت له: فأنشدني لمن بقي من هؤلاء، فقال: حسبك! فوالله إن في واحد من هؤلاء لمن يوزن بعقلائكم اليوم.
أخبرني محمد بن خلفٍ وكيعٌ قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال قال ابن الأعرابي: كان معاذ بن كليب مجنوناً، وكان يحب ليلى، وشركه في حبها مزاحم بن الحارث العقيلي، فقال مزاحمٌ يوماً للمجنون:

كلانا يا معـاذ يحـب لـيلـى ** بفي وفيك من ليلى الـتـراب
شركتك في هوى من كان حظ** ي وحظك من مودتها الـعـذاب
لقد خبلت فـؤادك ثـم ثـنـت** بقلبي فهو مخبـولٌ مـصـاب

قال فيقال: إنه لما سمع هذه الأبيات التبس وخولط في عقله.
وذكر أبو عمرو الشيباني: أنه سمع في الليل هاتفاً يهتف بهذه الأبيات، فكانت سبب جنونه.
وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي عن أيوب بن عباية: أن فتى من بني مروان كان يهوى امرأةً منهم فيقول فيها الشعر وينسبه إلى المجنون، وأنه عمل له أخباراً وأضاف إليها ذلك الشعر، فحمله الناس وزادوا فيه.

إنكار وجوده والقول بأن شعره مولد عليه
وأخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن العتبي عن عوانة أنه قال: المجنون اسم مستعارٌ لا حقيقة له، وليس له في بني عامر أصلٌ ولا نسبٌ، فسئل من قال هذه الأشعار؟ فقال: فتى من بني أمية.
وقال الجاحظ: ما ترك الناس شعراً مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون، ولا شعراً هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح.
وأخبرني محمد بن خلفٍ وكيعٌ قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني الحكم بن صالح قال: قيل لرجل من بني عامر: هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتله العشق. فقال: هذا باطلٌ، إنما يقتل العشق هذه اليمانية الضعاف القلوب.
أخبرنا أحمد بن عمر بن موسى قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثني أيوب بن عبابة قال حدثني من سأل بني عامرٍ بطناً بطناً عن المجنون فما وجد فيهم أحداً يعرفه.
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا أحمد بن الحارث عن ابن الأعرابي أنه ذكر عن جماعة من بني عامر أنهم سئلوا عن المجنون فلم يعرفوه، وذكروا أن هذا الشعر كله مولد عليه.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن محمد ابن الحكم عن عوانة قال: ثلاثةٌ لم يكونوا قط ولا عرفوا: ابن أبي العقب صاحب قصيدة الملاحم، وابن القرية، ومجنون بني عامر.
أخبرني أبوالحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي قال سمعت الأصمعي يقول: الذي ألقي على المجنون من الشعر وأضيف إليه أكثر مما قاله هو.
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال: أنشدت أيوب بن عباية هذين البيتين:

وخبرتمانـي أن تـيمـاء مـنـزلٌ ** لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت** فما للنوى ترمي بليلى المـرامـيا


وسألته عن قائلهما، فقال: جميلٌ، فقلت له: إن الناس يروونهما للمجنون، فقال: ومن هو المجنون؟ فأخبرته، فقال: ما لهذا حقيقةٌ ولا سمعت به.
وأخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب بن هارون بن موسى الفروي قال: سألت أبا بكر العدوي عن هذين البيتين فقال: هما لجميل، ولم يعرف المجنون، فقلت: فهل معهما غيرهما؟ قال: نعم، وأنشدني:

وإني لأخشى أن أموت فـجـاءةً** وفي النفس حاجاتٌ إليك كما هي
وإني لينسيني لقـاؤك كـلـمـا ** لقيتك يوماً أن أبـثـك مـا بـيا
وقالوا بـه داءٌ عـياءٌ أصـابـه ** وقد علمت نفسي مـكـان دوائيا


وأنا أذكر مما وقع إلي من أخباره جملاً مستحسنةً، متبرئاً من العهدة فيها، فإن أكثر أشعاره المذكورة في أخباره ينسبها بعض الرواة إلى غيره وينسبها من حكيت عنه إليه، وإذا قدمت هذه الشريطة برئت من عيب طاعنٍ ومتتبع للعيوب.


maher 12-04-2006 08:20 AM

بدء تعشقه ليلى
أخبرني بخبره في شغفه بليلى جماعةٌ من الرواة، ونسخت ما لم أسمع من الروايات وجمعت ذلك في سياقه خبره ما اتسق ولم يختلف، فإذا اختلف نسبت كل رواية إلى راويها.
فممن أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي، قالا: حدثنا عمر بن شبة عن رجاله وإبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، ونسخت أخباره من رواية خالد بن كلثوم وأبي عمرو الشيباني وابن دأبٍ وهشام بن محمد الكلبي وإسحاق بن الجصاص وغيرهم من الرواة.
قال أبو عمرو الشيباني وأبو عبيدة: كان المجنون يهوى ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة ابن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وتكنى أم مالكٍ، وهما حينئذ صبيان، فعلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما، فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه، قال: ويدل على ذلك قوله:

تعلقت ليلـى وهـي ذات ذؤابةٍ** ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم


أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية ونسخت هذا الخبر بعينه من خط هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثني أبو عتاب البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: بينا ابن مليكة يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يغني من دار العاص بن وائل:

وعلقتـهـا غـراء ذات ذوائبٍ ** ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

قال فأراد أن يقول: حي على الصلاة فقال: حي على البهم، حتى سمعه أهل مكة فغدا يعتذر إليهم.
وقال ابن الكلبي: حدثني معروف المكي والمعلى بن هلال وإسحاق بن الجصاص قالوا: كان سبب عشق المجنون ليلى، أنه أقبل ذات يوم على ناقة له كريمةٍ وعليه حلتان من حلل الملوك، فمر بامرأة من قومه يقال لها: كريمة، وعندها جماعة نسوةٍ يتحدثن فيهن ليلى، فأعجبهن جماله وكماله، فدعونه إلى النزول والحديث، فنزل وجعل يحدثهن وأمر عبداً له كان معه فعقر لهن ناقته، وظل يحدثهن بقية يومه، فبينا هو كذلك، إذ طلع عليهم فتىً عليه بردةٌ من برد الأعراب يقال له: منازل يوسق معزى له، فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون، فغضب وخرج من عندهن وأنشأ يقول:

أأعقر من جـرا كـريمة نـاقـتـي ** ووصلي مفروشٌ لوصل مـنـازل
إذا جاء قعقعن الحـلـي ولـم أكـن ** إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل
متى ما انتضلنا بالسهام نـضـلـتـه ** وإن نرم رشقاً عندها فهو ناضـلـي


قال: فلما أصبح لبس حلته وركب ناقة له أخرى ومضى متعرضاً لهن، فألفى ليلى قاعدةً بفناء بيتها وقد علق حبه بقلبها وهويته، وعندها جويرياتٌ يتحدثن معها، فوقف بهن وسلم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازلٌ ولا غيره؟ فقال: إي لعمري، فنزل وفعل مثل ما فعله بالأمس، فأرادت أن تعلم، هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت تعرض عن حديثه ساعةً بعد ساعةٍ وتحدث غيره، وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفته واستملحها، فبينا هي تحدثه، إذ أقبل فتىً من الحي فدعته وسارته سراراً طويلاً، ثم قالت له: انصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وانتقع لونه وشق عليه فعلها، فأنشأت تقول:

كلانا مظهرٌ للناس بغضاً ** وكل عند صاحبه مكـين
تبلغنا العيون بمـا أردنـا ** وفي القلبين ثم هوىً دفين


فلما سمع البيتين شهق شهقةً شديدة وأغمي عليه، فمكث على ذلك ساعةً، ونضحوا الماء على وجهه "حتى أفاق" وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كل مبلغ.
خطبته لليلى واختيارها عليه وشعره في ذلك أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم عن هشام بن محمد بن موسى المكي عن محمد بن سعيد المخزومي عن أبي الهيثم العقيلي قال: لما شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقةً حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيلي وبذل لها عشراً من الإبل وراعيها، فقال أهلها: نحن مخيروها بينكما، فمن اختارت تزوجته، ودخلوا إليها فقالوا: والله لئن لم تختاري ورداً لنمثلن بك، فقال المجنون:

ألا يا ليل إن ملكت فـينـا ** خيارك فانظري لمن الخيار
ولا تستبدلـي مـنـي دنـياً ** ولا برماً إذا حب القـتـار
يهرول في الصغير إذا رآه** وتعجزه ملمـاتٌ كـبـار
فمثل تأيم مـنـه نـكـاحٌ ** ومثل تمؤلٍ منه افتـقـار


فاختارت ورداً فتزوجته على كرهٍ منها.

حكاية أبيه عن جنونه بليلى وأخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا: حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة بن حريم المري قال: خرجت إلى أرض بني عامر لألقى المجنون، فدللت عليه وعلى محلته، فلقيت أباه شيخاً كبيراً وحوله إخوةٌ للمجنون مع أبيهم رجالاً؛ فسألتهم عنه فبكوه، وقال الشيخ: أما والله لهو كان آثر عندي من هؤلاء جميعاً، وإنه عشق امرأةً من قومه والله ما كانت تطمع في مثله، فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما، فزوجها غيره، وكان أول ما كلف بها يجلس إليها في نفرٍ من قومها فيتحدثون كما يتحدث الفتيان، وكان أجملهم وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب، فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضةً، فتعرض عنه وتقبل على غيره، وقد وقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فظنت به ما هو عليه من حبها، فأقبلت عليه يوماً وقد خلت فقالت:

كلانا مظهرٌ للناس بغضـاً ** وكل عند صاحبه مـكـين
وأسرار الملاحظ ليس تخفي ** إذا نطقت بما تخفي العيون


غنت في الأول عريب خفيف رملٍ، وقيل: إن هذا الغناء لشارية، والبيت الأخير ليس من شعره - قال: فخر مغشياً عليه ثم أفاق فاقداً عقله، فكان لا يلبس ثوباً إلا خرقه ولا يمشي إلا عارياً ويلعب بالتراب ويجمع العظام حوله، فإذا ذكرت له ليلى أنشأ يحدث عنها عاقلاً ولا يخطىء حرفاً، وترك الصلاة، فإذا قيل له: ما لك لا تصلي! لم يرد حرفاً، وكنا نحبسه ونقيده، فيعض لسانه وشفته، حتى خشينا عليه فخلينا سبيله فهو يهيم.

قصته مع عمر بن عبد الرحمن بن عوف
قال الهيثم؛ فولى مروان بن الحكم عمر بن عبد الرحمن بن عوف صدقات بني كعب وقشير وجعدة، والحريش وحبيب وعبد الله، فنظر إلى المجنون قبل أن يستحكم جنونه فكلمه وأنشده فأعجب به، فسأله أن يخرج معه، فأجابه إلى ذلك، فلما أراد الرواح جاءه قومه فأخبروه خبره وخبر ليلى، وأن أهلها استعدوا السلطان عليه، فأهدر دمه إن أتاهم، فأضرب عما وعده وأمر له بقلائص، فلما علم بذلك وأتي بالقلائص ردها عليه وانصرف.

وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم عن جماعة من الرواة: أن المجنون هو الذي سأل عمر بن عبد الرحمن أن يخرج به، قال له: أكون معك في هذا الجمع الذي تجمعه غداً، فأرى في أصحابك، وأتجمل في عشيرتي بك، وأفخر بقربك، فجاءه رهطٌ من رهط ليلى وأخبروه بقصته، وأنه لا يريد التجمل به، وإنما يريد أن يدخل عليهم بيوتهم ويفضحهم في امرأة منهم يهواها، وأنهم قد شكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن دخل عليهم، فأعرض عما أجابه إليه من أخذه معه وأمر له بقلائص، فردها وقال :
رددت قلائص القرشي لما ** بدا لي النقض منه للعهود
وراحوا مقصرين وخلفوني ** إلى حزنٍ أعالجه شـديد


قال: ورجع آيساً فعاد إلى حاله الأولى، قال: فلم تزل تلك حاله، إلا أنه غير مستوحشٍ، إنما يكون في جنبات الحي منفرداً عارياً لا يلبس ثوباً إلا خرقه، ويهذي ويخطط في الأرض ويلعب بالتراب والحجارة، ولا يجيب أحداً سأله عن شيء، فإذا أحبوا أن يتكلم أو يثوب عقله ذكروا له ليلى، فيقول: بأبي هي وأمي، ثم يرجع إليه عقله فيخاطبونه ويجيبهم، ويأتيه أحداث الحي فيحدثونه عنها وينشدونه الشعر الغزل، فيجيبهم جواباً صحيحاً وينشدهم أشعاراً قالها، حتى سعى عليهم في السنة الثانية بعد عمر بن عبد الرحمن نوفل بن مساحق، فنزل مجمعاً من تلك المجامع فرآه يلعب بالتراب وهو عريان، فقال لغلام له: يا غلام، هات ثوباً، فأتاه به، فقال لبعضهم: خذ هذا الثوب فألقه على ذلك الرجل، فقال له: أتعرفه جعلت فداك؟ قال: لا، قال: هذا ابن سيد الحي، لا والله ما يلبس الثياب ولا يزيد على ما تراه يفعله الآن، وإذا طرح عليه شيء خرقه، ولو كان يلبس ثوباً لكان في مال أبيه ما يكفيه، وحدثه عن أمره، فدعا به وكلمه، فجعل لا يعقل شيئاً يكلمه به، فقال له قومه: إن أردت أن يجيبك جواباً صحيحاً فاذكر له ليلى، فذكرها له وسأله عن حبه إياها، فأقبل عليه يحدثه بحديثها ويشكو إليه حبه إياها وينشده شعره فيها، فقال له نوفل: الحب صيرك إلى ما أرى؟ قال نعم، وسينتهي بي إلى ما هو أشد مما ترى، فعجب منه وقال له: أتحب أن أزوجكها؟ قال: نعم، وهل إلى ذلك من سبيلٍ؟ قال: انطلق معي حتى أقدم على أهلها بك وأخطبها عليك وأرغبهم في المهر لها، قال: أتراك فاعلاً؟ قال: نعم، قال: انظر ما تقول! قال: لك علي أن أفعل بك ذلك، ودعا له بثياب فألبسه إياها، وراح معه المجنون كأصح أصحابه يحدثه وينشده، فبلغ ذلك رهطها فتلقوه في السلاح، وقالوا له: يابن مساحقٍ لا والله لا يدخل المجنون منازلنا أبداً أو يموت، فقد أهدر لنا السلطان دمه، فأقبل بهم وأدبر، فأبوا، فلما رأى ذلك قال للمجنون: انصرف، فقال له المجنون: والله ما وفيت لي بالعهد، قال له: انصرافك بعد أن آيسني القوم من إجابتك أصلح من سفك الدماء، فقال المجنون:

أيا ويح من أمسى تخلس عقلـه** فاصبح مذهوباً به كل مذهـب
خلياً من الخـلان إلا مـعـذراً ** يضاحكني من كان يهوى تجنبي
إذا ذكرت ليلى عقلـت وراجـعـت ** روائع عقلي من هوىً متـشـعـب
وقالوا صحيحٌ ما بـه طـيف جـنةٍ** ولا الهم إلا بافـتـراء الـتـكـذب
وشاهد وجدي دمع عيني وحـبـهـا ** برى اللحم عن أحناء عظمي ومنكبي
تجنبت ليلى أن يلج بك الـهـوى** وهيهات كان الحب قبل التجنـب
ألا إنمـا غـادرت يا أم مـالـكٍ ** صدىً أينما تذهب به الريح يذهب


ومما يغنى فيه منها قوله:

فلم أرى ليلى بعد موقـف سـاعةٍ ** بخيف منىً ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت بـه ** من البرد أطراف البنان المخضب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظـرٍ ** مع الصبح في أعقاب نجمٍ مغرب
ألا إنمـا غـادرت يا أم مـالـكٍ ** صدىً إينما تذهب به الريح يذهب

maher 12-04-2006 08:55 AM

حجه مع أبيه إلى مكة لسلوان ليلى ودعوته هو استزادة حبها ودوامه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: ذكر هشام بن الكلبي ووافقه في روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني علي ابن الصباح عن هشام ابن الكلبي عن أبيه: أن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم، وقالوا له: إن هذا الرجل لهالكٌ، وقبل ذلك ففي أقبح من الهلاك بذهاب عقله، وإنك فاجعٌ به أباه وأهله، فنشدناك الله والرحم أن تفعل ذلك، فوالله ما هي أشرف منه، ولا لك مثل مال أبيه، وقد حكمك في المهر، وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل، فأبى وحلف بالله وبطلاق أمها إنه لا يزوجه إياها أبداً، وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحدٌ من العرب، واسم ابنتي بميسم فضيحة فانصرفوا عنه، وخالفهم لوقته فزوجها رجلاً من قومها وأدخلها إليه، فما أمسى إلا وقد بنى بها، وبلغه الخبر فأيس منها حينئذٍ وزال عقله جملةً، فقال الحي لأبيه: أحجج به إلى مكة وادع الله عز وجل له، ومره أن يتعلق بأستار الكعبة، فيسأل الله يعافيه مما به ويبغضها إليه، فلعل الله أن يخلصه من هذا البلاء، فحج به أبوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحاً في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخةً ظنوا أن نفسه قد تلفت وسقط مغشياً عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل اللوان ذاهلاً، فأنشأ يقول:
صوت
عرضت على قلبي العزاء فقال لـي ** من الآن فاياس لا أعزك من صبـر
إذا بان من تهـوى وأصـبـح نـائياً ** فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منـىً ** فهيج أطراب الـفـؤاد ومـا يدري
دعا باسم ليلى غيرهـا فـكـأنـمـا ** أطار بليلى طائراً كان في صـدري
دعا باسم ليلى ظلل الـلـه سـعـيه ** وليلى بأرضٍ عنه نـازحةٍ قـفـر


الغناء لعريب خفيف ثقيلٍ - ثم قال له أبوه: تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى، فتعلق بأستار الكعبة. وقال: اللهم زدني لليلى حباً وبها كلفاً ولا تنسني ذكرها أبداً، فهام حينئذٍ واختلط فلم يضبط. قالوا: فكان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل إلا ما ينبت في البرية من بقل ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها، وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه، وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشأم، فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجدٍ، فيقال له: وأين أنت من نجد! قد شارفت الشأم! أنت في موضع كذا، فيقول: فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه وأن يكسوه فيأبى، فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه.
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي وأخبرنا حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن أبي مسكين قال:

خرج منا فتىً حتى إذا كان ببئر ميمونٍ إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال، وإذا معهم فتىً أبيض طوال جعد كأحسن من رأيت من الرجال على هزالٍ منه وصفرةٍ، وإذا هم متعلقون به، فسألته عنه، فقيل لي: هذا قيسٌ المجنون خرج به أبوه يستجير له بالبيت، وهو على أن يأتي به قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو له هناك لعله يكشف ما به، فإنه يصنع بنفسه صنيعاً يرحمه منه عدوه، يقول: أخرجوني لعلني أتنسم صبا نجدٍ، فيخرجونه فيتوجهون به نحو نجدٍ، ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي نفسه من الجبل، فإن شئت الأجر دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجدٍ، فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له: يا أبا المهدي، هذا الفتى أقبل من نجد، فتنفس تنفسةٍ ظننت أن كبده قد انصدعت، ثم جعل يسألني عن وادٍ وادٍ وموضعٍ موضعٍ، وأنا أخبره وهو يبكي أحر بكاءٍ وأوجعه للقلب، ثم أنشأ يقول:

ألا ليت شعري عن عوارضتي قناً** لطول الليالي هل تغيرتا بـعـدي
وهل جارتانا بالبتيل إلى الحـمـى ** على عهدنا أم لم تدوما على العهد
وعن علويات الـرياح إذا جـرت ** بريح الخزامى هل تهب على نجد
وعن أقحوان الرمل ما هو فاعـلٌ ** إذا هو أسرى ليلةً بثرىً جـعـد
وهل أنفضن الدهر أفنان لمـتـى ** على لاحق المتنين مندلق الوخـد
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمةٍ ** تحدر من نشزٍ خصيبٍ إلى وهـد


سؤاله زوج ليلى عن عشرته معها
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي والعتبي قالا: مر المجنون بزوج ليلى وهو جالسٌ يضطلي في يومٍ شاتٍ، وقد أتى ابن عم له في حي المجنون لحاجةٍ، فوقف عليه ثم أنشأ يقول:

بربك هل ضممت إليك ليلى** قبيل الصبح أو قبلت فاهـا
وهل رفت عليك قرون ليلى ** رفيف الأقحوانة في نداها


فقال: اللهم إذ حلفتني فنعم، قال: فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر، فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه، وسقط الجمر مع لحم راحتيه، وعض على شفته فقطعها، فقام زوج ليلى مغموماً بفعله متعجباً منه فمضى.

مروره بجبلي نعمان وشعره في ذلك
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال قال محمد بن الحكم عن عوانة: إنه حدثه ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا: إن أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادي القرى قبل توحشه ليمتاروا خوفاً عليه "من" أن يضيع أو يهلك، فمروا في طريقهم بجبلي نعمان، فقال له بعض فتيان الحي: هذان جبلا نعمان، وقد كانت ليلى تنزل بهما، قال: فأي الرياح يأتي من ناحيتهما؟ قالوا: الصبا، قال: فوالله لا أريم هذا الموضع حتى تهب الصبا، فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم، ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلاثة أيام حتى هبت الصبا، ثم انطلق معهم فأنشأ يقول:

أيا جبلي نعمان بـالـلـه خـلـيا ** سبيل الصبا يخلص إلي نسيمهـا
أجد بردها أو تشف مني حـرارةً ** على كبدٍ لم يبق إلا صميمـهـا
فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنسـمـت ** على نفس محزونٍ تجلت همومها


ارتحال أهل ليلى وما قاله في ذلك
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسين بن الحرون قال حدثني الكسروي عن جماعةٍ من الرواة قال: لما منع أبو ليلى المجنون وعشيرته من تزويجه بها، كان لا يزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم، فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه لهم، فأخبروه بذلك فلم يرعه وقال: الموت أروح لي فليتهم قتلوني، فلما علموا بذلك وعرفوا أنه لا يزال يطلب غرةً منهم حتى إذا تفرقوا دخل دورهم، فارتحلوا عنها وأبعدوا، وجاء المجنون عشيةً فأشرف على دورهم فإذا هي منهم بلاقع، فقصد منزل ليلى الذي كان بيتها فيه، فألصق صدره به وجعل يمرغ خديه على ترابه "ويبكي"، ثم أنشأ يقول، - وذكر هذه الأبيات ابن حبيب وأبو نصر له "بغير خبر" -:

أيا حرجات الحي حيث تحملوا** بذي سلمٍ لا جادكـن ربـيع
وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى** بلين بلىً لم تبـلـن ربـوع

ندمت على ما كان مني نـدامةً** كما يندم المغبـون حـين يبـيع
فقدتك من نفسٍ شعاعٍ فإنـنـي ** نهيتك عن هذا وأنت جـمـيع
فقربت لي غير القريب وأشرفت ** إليك ثنايا ما لـهـن طـلـوع


حديثه مع نسوة فيهن ليلى
وذكر خالد بن جميل وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته قبل أن يختلط أن تستزيره ليلةً إذا وجدت فرصةً لذلك، فمكث مدةً يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوفه، فأتى أهلها ذات يوم والحي خلوفٌ، فجلس إلى نسوة من أهلها حجرةً منها بحيث تسمع كلامه، فحادثهنّ طويلاً ثم قال: ألا أنشدكن أبياتاً أحدثها في هذه الأيام؟ قلن: بلى، فأنشدهن:

يا للرجال لهـم بـات يعـرونـي ** مستطرفٍ وقديمٍ كـاد يبـلـينـي
من عاذري من غريم غير ذي** عسرٍ يأبى فيمطلنـي دينـي ويلـوينـي
لا يبعد النقد من حقي فـينـكـره ** ولا يحدثني أن سوف يقضـينـي
وما كشكرى شكرٌ لو يوافـقـنـي ** ولا مناي سـواه لـو يوافـينـي
أطعته وعصيت النـاس كـلـهـم ** في أمره وهواه وهو يعصـينـي


قال: فقلن له: ما أنصفك هذا الغريم الذي ذكرته! وجعلن يتضاحكن وهو يبكي، فاستحيت ليلى منهن ورقت له حتى بكت، وقامت فدخلت بيتها وانصرف هو.
- في الثلاثة الأبيات الأولى من هذه الأبيات هزجٌ طنبوري للمسدود - قالا في خبرهما هذا: وكان للمجنون ابنا عم يأتيانه فيحدثانه ويسليانه ويؤانسانه، فوقف عليهما يوماً وهما جالسان، فقالا له: يا أبا المهدي ألا تجلس؟ قال: لا، بل أمضي إلى منزل ليلى فاترسمه وأرى آثارها فيه، فأشفي بعض ما في صدري بها، فقالا له: فنحن معك، فقال: إذا فعلتما أكرمتما وأحسنتما، فقاما معه حتى أتى دار ليلى، فوقف بها طويلاً يتتبع آثارها ويبكي ويقف في موضعٍ موضعٍ منها ويبكي ثم قال:

يا صاحبي ألما بـي بـمـنـزلة ** قد مر حينٌ عليهـا إيمـا حـين
إني أرى رجعات الحب تقتلـنـي ** وكان في بدئها ما كان يكفـينـي
لا خير في الحب ليست فيه قارعةٌ ** كأن صاحبها في نزع مـوتـون
إن قال عذاله مهلاً فـلان لـهـم ** قال الهوى غير هذا القول يعنيني
ألقى من اليأس تاراتٍ فتقتلـنـي ** وللرجاء بشاشاتٌ فـتـحـيينـي


الغناء لإبراهيم خفيف ثقيلٍ من جامع غنائه وقال هشام بن الكلبي عن أبي مسكين: إن جماعة من بني عامر حدثوه قالوا: كان رجل من بني عامر ابن عقيلٍ يقال له: قيس بن معاذ، وكان يدعى المجنون، وكان صاحب غزلٍ ومجالسةٍ للنساء، فخرج على ناقة له يسير، فمر بامرأة من بني عقيلٍ يقال لها: كريمة، وكانت جميلةً عاقلةً، معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى النزول والحديث، وعليه حلتان له فاخرتان وطيلسانٌ وقلنسوةٌ، فنزل فظل يحدثهن وينشدهن وهن أعجب شيءٍ به فيما يرى، فلما أعجبه ذلك منهن عقر لهن ناقته، وقمن إليها فجعلن يشوين ويأكلن إلى أن أمسى، فأقبل غلامٌ شابٌ حسن الوجه من حيهن فجلس إليهن، فأقبلن عليه بوجوههن يقلن له: كيف ظللت يا منازل اليوم؟ فلما رأى ذلك من فعلهن غضب، فقام وتركهن وهو يقول:

أأعقر من جـرا كـريمة نـاقـتـي** ووصلي مفروشٌ لوصل مـنـازل
إذا جاء قعقن الحـلـي ولـم أكـن ** إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل

قال: فقال له الفتى: هلم نتصارع أو نتناضل، فقال له: إن شئت ذلك فقم إلى حيث لا تراهن ولا يرينك، ثم ما شئت فافعل، وقال:

إذا ما انتضلنا في الخلاء نضلتـه ** وإن يرم رشقاً عندها فهو ناضلي

وقال ابن الكلبي في هذا الخبر: فلما أصبح لبس حلته وركب ناقته ومضى متعرضاً لهن، فالفى ليلى جالسةً بفناء بيتها، وكانت معهن يومئذٍ جالسةً، وقد علق بقلبها وهويته، وعندها جويرياتٌ يحدثنها، فوقف بهن وسلم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ قال: إي لعمري، فنزل وفعل فعلته بالأمس، فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت تعرض عن حديثه ساعةً بعد ساعةٍ وتحدث غيره، وقد كان علق حبها بقلبه وشغفه واستملحها، فبينا هي تحدثه إذ أقبل فتى من الحي فدعته فسارته سراراً طويلاً ثم قالت له انصرف، فانصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وامتقع وشق عليه ما فعلت، فأنشأت تقول:

كلانا مظهرٌ للناس بغضاً** وكلٌ عند صاحبه مكـين
تبلغنا العيون مقالـتـينـا ** وفي القلبين ثم هوىً دفين


قد نسبت هذا الشعر متقدماً فلما سمع هذين البيتين شهق شهقةً عظيمةً وأغمي عليه فمكث "كذلك" ساعةً، ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق، وتمكن حب كل واحدٍ منهما في قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ.
حدثني عمي عن عبد الله بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال حدثنا أبو العالية عن أبي ثمامة الجعدي قال: لا يعرف فينا مجنونٌ إلا قيس بن الملوح.

على رسلك 13-04-2006 02:21 AM

وإني لأخشى أن أموت فـجـاءةً** وفي النفس حاجاتٌ إليك كما هي
وإني لينسيني لقـاؤك كـلـمـا ** لقيتك يوماً أن أبـثـك مـا بـيا
وقالوا بـه داءٌ عـياءٌ أصـابـه ** وقد علمت نفسي مـكـان دوائيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ


اخي ماهر .موضوع رائع فعلا وجميل .اعجبتني الاشعار الموجوده فيه ..

شكرا لك .استمتعت كثيرا به ..

maher 13-04-2006 06:21 AM

أخواتي الفاضلات
صمت الكلام
بيلسان
على رسلك


أشكر لكن مروركن الجميل و أرجو أن ينال الآتي إعجابكن أيضا

و سأورد هنا أشهر الشعراء فقط و أشعرهم

أخي محمد مشكور على المرور و أرجو أن يكون الموضوع أعجبك

maher 13-04-2006 06:33 AM

حديث اتصاله بليلى في صباه
قال: وحدثني بعض العشيرة قال: قلت لقيس بن الملوح قبل أن يخالط: ما أعجب شيء أصابك في وجدك بليلى؟ قال: طرقنا ذات ليلةٍ أضيافٌ ولم يكن عندنا لهم أدمٌ، فبعثني أبي منزل أبي ليلى وقال لي: اطلب لنا وقال لي: اطلب لنا منه أدماً، فأتيته فوقفت على خبائه فصحت به، فقال: ما تشاء؟ فقلت: طرقنا ضيفان ولا أدم عندنا لهم فأرسلني أبي نطلب منك أدماً، فقال: يا ليلى، أخرجي إليك ذلك النحي، فاملئن له إناءه من السمن، فأخرجته ومعي قعبٌ، فجعلت تصب السمن فيه ونتحدث، فألهانا الحديث وهي تصب السمن وقد امتلأ القعب ولا نعلم جميعاً، وهو يسيل استنقعت أرجلنا في السمن، قال: فأتيتهم ليلةً ثانيةً أطلب ناراً، وأنا متلفعٌ ببردٍ لي، فأخرجت لي ناراً في عطبةٍ فأعطتنيها ووقفنا نتحدث، فلما احترقت العطبة خرقت من بردي خرقةً وجعلت النار فيها، فكلما احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبق علي من البرد إلا ما وارى عورتي، وما أعقل ما أصنع، وأنشدني:

أمستقبلي نفح الصبا ثم شـائقـي** ببردٍ ثنـايا أم حـسـان شـائق
كأن على أنيابها الخمر شجـهـا ** بماء الندى من آخر الليل عاتق
وما شمته إلا بعيني تـفـرسـاً ** كما شيم في أعلى السحابة بارق


ومن الناس من يروي هذه الأبيات لنصيبٍ، ولكن هكذا روي في هذا الخبر.

حدث الأصمعي أنه لم يكن مجنوناً
أخبرنا محمد بن خلف وكيعٌ عن عبد الملك بن محمد الرقاشي عن عبد الصمد بن المعذل قال: سمعت الأصمعي يقول - و"قد" تذاكرنا مجنون بني عامر - قال: هو قيس ابن معاذ العقيلي، ثم قال: لم يكن مجنوناً إنما كانت به لوثةٌ، وهو القائل:

أخذت محاسن كـل مـا ** ضنت محاسنه بحسنـه
كاد الغزال يكـونـهـا ** لولا الشوى ونشوز قرنه


قال: وهو القائل:

ولم أر ليلى بعد مـوقـف سـاعةٍ ** بخيف منىً ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت بـه ** من البرد أطراف البنان المخصب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظـرٍ ** مع الصبح في أعقاب نجمٍ مغرب
ألا إنمـا غـادرت يا أم مـالـكٍ صدىً** إينما تذهب به الريح يذهب


أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني إبراهيم بن سعد الزهري قال: أتاني رجل من عذرة لحاجة، فجرى ذكر العشق والعشاق، فقلت له: أنتم أرق قلوباً أم بنو عامرٍ؟ إنا لأرق الناس قلوباً، ولكن غلبتنا بنو عامرٍ بمجنونها.

شيء من أوصافه
أخبرني أحمد بن عمر بن موسى بن زكويه القطان إجازةً قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال أخبرني عبد الجبار بن سليمان بن نوفل بن مساحقٍ عن أبيه عن جده قال: أنا رأيت مجنون بني عامر، وكان جميل الوجه أبيض اللون قد علاه شحوبٌ، واستنشدته فأنشدني قصيدته التي يقول فيها: تذكرت ليلى والسنين الخوالـيا وأيام لا أعدي على اللهو عادياً
أخبرني محمد بن الحسن الكندي خطيب مسجد القادسية قال حدثنا الرياشي قال: سمعت أبا عثمان المازني يقول: سمعت معاذاً وبشر بن المفضل جميعاً ينشدان هذين البيتين وينسبانهما لمجنون بني عامر:

طمعت بليلى أن تريع وإنمـا ** تقطع أعناق الرجال المطامع
ودانيت ليلى في خلاءٍ ولم يكن ** شهودٌ على ليلى عدولٌ مقانع


وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو خليفة "الفضل بن الحباب" عن ابن سلام قال: قضى عبيد الله الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري على رجل من قومه قضيةً أوجبها الحكم عليه، وظن العنبري أنه تحامل عليه وانصرف مغضباً، ثم لقيه في طريق، فأخذ بلجام بغلته وكان شديداً أيداً، ثم قال له: إيه يا عبيد الله! طمعت بليلى أن تريع وإنمـا تقطع أعناق الرجل المطامع
فقال عبيد الله:
وبايعت ليلى في خلاءٍ ولم يكن ** شهودٌ عدولٌ عند ليلى مقانـع

خل عن البغلة. قال الصولي في خبره هذا: والبيتان للبعيث هكذا، قال: فلا أدري أمن قوله هو أم حكاية عن أبي خليفة!.

زيارة ليلى له وحديثه معها
أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري عن عبد الله بن خلف الدلال قال حدثنا زكريا بن موسى عن شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال: لما اختلط عقل قيس بن الملوح وترك الطعام والشراب، مضت أمه إلى ليلى فقالت لها: إن قيساً قد ذهب حبك بعقله، وترك الطعام والشراب، فلو جئته وقتاً لرجوت أن يثوب إليه "بعض" عقله، فقالت ليلى: أما نهاراً فلا لأنني لا آمن قومي على نفسي ولكن ليلاً، فأتته ليلاً فقالت له: يا قيس، إن أمك تزعم أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب، فاتق الله وأبق على نفسك، فبكى وأنشأ يقول:

قالت جننت على أيشٍ فقلت لها ** الحب أعظم مما بالمـجـانـين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبـه ** وإنما يصرع المجنون في الحين


قال: فبكت معه، وتحدثا حتى كاد الصبح أن يسفر، ثم ودته وانصرفت، فكان آخر عهده بها.

سبب جنونه بيت شعر قاله
أخبرنا ابن المرزبان قال قال القحذمي: لما قال المجنون:

قضاها لغيري وابتلاني بحبها ** فهلا بشيءٍ غير ليلى ابتلانيا

سلب عقله. الغناء لحكم ثقيلٌ أول، وقيل إنه لابن الهربذ. وفيه لمتيم خفيف ثقيلٍ أول من جامع أغانيها. وحدثني جحظة بهذا الخبر عن ميمون بن هارون أنه بلغه أنه لما قال هذا البيت برص.

سبب تسميته المجنون واختلاف الرواة في ذلك
أخبرني الحسن بن علي "قال حدثنا محمد بن طاهر" القرشي عن ابن عائشة قال: إنما سمي المجنون بقوله:
ما بال قلبك يا مجنون قد خـلـعـا ** في حب من لا ترى في نيله طمعا
الحب والود نيطا بالـفـؤاد لـهـا ** فأصبحا في فؤادي ثابتـين مـعـا


حدثنا وكيعٌ عن ابن يونس قال قال الأصمعي: لم يكن المجنون، إنما جننه العشق، وأنشد له:

يسمونني المجنون حين يرونني** نعم بي من ليلى الغداة جنـون
ليالي يزهى بي شبابٌ وشـرةٌ ** وإذ بي من خفض المعيشة لين


أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحاق بن محمد بن أبان قال حدثني علي بن سهل عن المدائني: أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال: لم يكن مجنوناً، وإنما قيل له المجنون بقوله:

وإني لمجنونٌ بلـيلـى مـوكـلٌ ** ولست عزوفاً عن هواها ولا جلدا
إذا ذكرت ليلى بكـيت صـبـابةً ** لتذكارها حتى يبل البكا الـخـدا



أخبرني عمر بن جميلٍ العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عون بن عبد الله العامري أنه قال: ما كان والله المجنون الذي تعزونه إلينا مجنوناً، إنما كانت به لوثةٌ وسهوٌ أحدثهما به حب ليلى، وأنشد له: وبي من هوى ليلى الذي لو أبـثـه جماعة أعدائي بكت لي عيونـهـا
أرى النفس عن ليلى أبت أن تطيعني فقد جن من وجدي بليلى جنونـهـا
أخبرني ابن المرزبان قال قال العتبي: إنما سمي المجنون بقوله:

يقول أناسٌ عل مجنـون عـامـرٍ** يروم سلواً قلت أنى لـمـا بـيا
وقد لامني في حب ليلى أقاربـي ** أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا
يقولون ليلى أهـل بـيت عـداوةٍ ** بنفسي ليلى من عـدو ومـالـيا
ولو كان في ليلى شذاً من خصومةٍ** للويت أعناق المطي الـمـلاويا


أخبرني هاشم "بن محمد" الخزاعي عن عيسى بن إسماعيل قال قال ابن سلام: لو حلفت أن مجنون بني عامرٍ لم يكن مجنوناً لصدقت، ولكن توله لما زوجت ليلى وأيقن اليأس منها، ألم تسمع إلى قوله:

أيا ويح من أمسى تخلس عقل** ـه فأصبح مذهوباً به كل مذهـب
خليعاً من الخلان إلا مجـامـلا ** يساعدني من كان يهوى تجنبي
إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ** عوزاب قلبي من هوىً متشعب


خبرني به الحسن بن علي عن دينار بن عامر التغلبي عن مسعود بن سعد عن ابن سلام ونحوه.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني صالح بن سعيد قال أنشدني يعقوب بن السكيت للمجنون.
يسمونني المجنون حين يرونني ** نعم بي من ليلى الغداة جنون

قال: وأنشدنا له أيضاً:

وشغلت عن فهم الحديث سوى** ما كان فيك فإنه شـغـلـي
وأديم لحظ محـدثـي لـيرى ** أن قد فهمت وعندكم عقلـي


الحديث عن تكنيته ليلى بأم مالك
أخبرني ابن المرزبان عن محمد بن الحسن دينار الأحول عن علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة: أن صاحبة مجنون بني عامر التي كلف بها ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي "بن ربيعة" بن الحريش، وكنيتها أم مالكٍ، وقد ذكر هذه الكنية المجنون في شعره فقال:

تكاد بلاد الله يا أم مـالـكٍ ** بما رحبت يوماً علي تضيق

وقال أيضاً:

فإن الذي أملت من أم مـالـكٍ ** أشاب قذالي واستهـام فـؤاديا
خليلي إن دارت على أم مالـكٍ ** صروف الليالي فابغيا لي ناعيا

maher 13-04-2006 06:46 AM

وقال أبو عمرو الشيباني: علق المجنون ليلى بنت مهدي بن سعد من بني الحريش، وكنيتها أم مالكٍ، فشهر بها وعرف خبره فحجبت عنه، فشق عليه فخطبها إلى أبيها فرده وأبى أن يزوجه إياها، فاشتد به الأمر حتى جن وقيل له: "مجنون بني عامر" فكان على حاله يجلس في نادي قومه فلا يفهم ما يحدث به ولا يعقله إلا إذا ذكرت ليلى. وأنشد له أبو عمرو:
الرائية

ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعـي ** بليلٍ ولا يجـري بـذلـك طـائر
بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت** بليلى ولكن ليس للطـير زاجـر
أزالت عن العهد الذي كان بينـنـا ** بذي الأثل أم قد غيرتها المـقـادر
فوالله ما في القرب لي منك راحةٌ ** ولا البعد يسليني ولا أنا صـابـر
ووالـلـه مـا أدري بـأية حـيلةٍ ** وأي مرامٍ أو خطـارٍ أخـاطـر
وتالله إن الدهر في ذات بـينـنـا ** علي لها في كل حـالٍ لـجـائر
فلو كنت إذ أزمعت هجري تركتني ** جميع القوى والعقل منـي وافـر
ولكن أيامي بـحـقـل عـنـيزةٍ ** وبالرضم أيامٌ جناها الـتـجـاور
وقد أصبح الود الذي كان بـينـنـا** أماني نفسٍ والـمـؤمـل حـائر
لعمري لقد رنقـت يا أم مـالـكٍ ** حياتي وساقتني إليك الـمـقـادر


قال أبو عمرو: وأخبرني بعض الشأميين قال: دخلت أرض بني عامر، فسألت عن المجنون الذي قتله الحب، فخبروني عنه أنه كان عاشقاً لجارية منهم يقال لها ليلى، ربا معها ثم حجبت عنه، فاشتد عليه وذهب عقله، فأتاه إخوانٌ من إخوانه يلومونه على ما يصنع بنفسه، فقال:

يا صاحبي ألما بي بمـنـزلةٍ ** قد مر حينٌ عليها أيما حـين
في كل منزلةٍ ديوان معـرفةٍ ** لم يبق باقيةٍ ذكـر الـدواوين
إني أرى رجعات الحب تقتلني ** وكان في بدئها ما كان يكفيني


جنونه بليلى وهيامه على وجهه من أجلها
أخبرني هاشمٌ الخزاعي عن "العباس بن الفرج" الرياشي قال: ذكر العتبي عن أبيه قال: كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى ويألفها ويأنس بها ثم غيبت عن ناظره، فكان أهله يعزونه عنها ويقولون: نزوجك أنفس جاريةٍ في عشيرتك، فيأبى إلا ليلى ويهذي بها ويذكرها "فكان ربما استراح إلى أمانيهم وركن إلى قولهم"، وكان ربما هاج عليه الحزن والهم فلا يملك مما هو فيه أن يهيم على وجهه، وذلك قبل أن يتوحش مع البهائم في القفار، فكان قومه يلومونه ويعذلونه، فأكثروا عليه في الملامة والعذل يوماً فقال:

يا للرجال لهـمٍّ بـت يعـرونـي ** مستطرفٍ وقديمٍ كان يعـنـينـي
على غريم مليء غـير ذي عـدم ** يأبى فيمطلني دينـي ويلـوينـي
لا يذكر البعض من ديني فينكـره ** ولا يحدثني أن سوف يقضـينـي
وما كشكري شكرٌ لو يوافـقـنـي ** ولا منىً كمـنـاه إذ يمـنـينـي
أطعته وعصيت النـاس كـلـهـم ** في أمره ثم يأبى فهو يعصـينـي
خيري لمن يبتغي خيري ويأمـلـه ** من دون شري وشري غير مأمون
وما أشارك في رأيي أخاً ضعـفٍ ** ولا أقول أخي مـن لا يواتـينـي


وقال أبو عمرو الشيباني: حدثني رباح العامري قال: كان المجنون أول ما علق ليلى كثير الذكر لها والإتيان بالليل إليها، والعرب ترى ذلك غير منكرٍ أن يتحدث الفتيان إلى الفتيات، فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدموا إليه، فذهب لذلك عقله ويئس منه قومه واعتنوا بأمره، واجتمعوا إليه ولاموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه، وقالوا: والله ما هي لك بهذه الحال، فلو تناسيتها رجونا أن تسلو قليلاً، فقال لما سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء:

فواكبدا من حب من لا يحبنـي ** ومن زفراتٍ ما لهـن فـنـاء
أريتك إن لم أعطك الحب عن يدٍ ** ولم يك عنـدي إذ أبـيت إبـاء
أتاركتي للموت أنـت فـمـيتٌ ** وما للنفوس الخائفـات بـقـاء


ثم أقبل على القوم فقال: إن الذي بي ليس بهينٍ، فاقلوا من ملامكم فلست بسامعٍ فيها ولا مطيعٍ لقول قائلٍ.
قصة حبه ليلى برواية رباح العامري
أخبرني عمي ومحمد بن حبيب وابن المرزبان عن عبد الله بن أبي سعد عن عبد العزيز صالح عن أبيه عن ابن دأبٍ عن رباح بن حبيب العامري: أنه سأله عن حال المجنون وليلى، فقال: كانت ليلى من بني الحريش وهي بنت مهدي بن سعيد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش، وكانت من أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن جسماً وعقلاً وأفضلهن أدباً وأملحهن شكلاً، وكان المجنون كلفاً بمحادثة النساء صباً بهن، فبلغه خبرها ونعتت له، فصبا إليها وعزم على زيارتها، فتأهب لذلك ولبس أفضل ثيابه ورجل جمته ومس طيباً كان عنده، وارتحل ناقةً له كريمةً برحلٍ حسنٍ وتقلد سيفه وأتاها، فسلم فردت عليه السلام وتحفت في المسئلة، وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا، وكل واحد منهما مقبلٌ على صاحبه معجبٌ به، فلم يزالا كذلك حتى أمسيا، فانصرف إلى أهله فبات بأطول ليلةٍ شوقاً إليها، حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، ثم انصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الأولى واجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك، فأنشأ يقول:

نهاري نهار الناس حتى إذا بـدا ** لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ** ويجمعني والهم بالليل جامـع
لقد ثبتت في القلب منك محـبةٌ ** كما ثبتت في الراحتين الأصابع


قال: وأدام زيارتها وترك من يأتيه فيتحدث إليه غيرها، وكان يأتيها في كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى انصرف، فخرج ذات يومٍ يريد زيارتها فلما قرب من منزلها لقيته جاريةٌ عسراء فتطير منها، وأنشأ يقول:

وكيف يرجى وصل ليلى وقد جـرى ** بجد القوى والوصل أعسر حاسـر
صديع العصا صعب المرام إذا انتحى ** لوصل امرىءٍ جدت عليه الأواصر


ثم سار إليها في غدٍ فحدثها بقصته وطيرته ممن لقيه، وأنه يخاف تغير عهدها وانتكاثه وبكى، فقالت: لا ترع، حاش لله من تغير عهدي، لا يكون والله ذلك أبداً إن شاء الله، فلم يزل عندها يحادثها بقية يومه، ووقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فجاءها يوماً كما كان يجيء، وأقبل يحدثها فأعرضت عنه، وأقبلت على غيره بحديثها، تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه، فلما رأى ذلك جزع جزعاً شديداً حتى بان في وجهه وعرف فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت: كلانا مظهرٌ للناس بغضنا وكل عند صاحبه مكين
فسري عنه وعلم ما في قلبها، فقالت له: إنما أردت أن أمتحنك والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأعطي الله عهداً إن جالست بعد يومي هذا رجلاً سواك حتى أذوق الموت إلا أن أكره على ذلك، قال: فانصرفت عنه وهو من أشد الناس سروراً وأقرهم عيناً، وقال:

أظن هواها تاركي بـمـضـلةٍ ** من الأرض لا مالٌ لدي ولا أهل
ولا أحدٌ أفضي إلـيه وصـيتـي ** ولا صاحبٌ إلا المطية والرحل
محا حبها حب الألى كن قبلـهـا ** وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل


شعره بعد أن تزوجت وأيس منها أخبرني جعفر بن قدامة عن أبي العيناء عن العتبي قال: لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعةٌ فلم يرضهم أهلها، وخطبها رجل من ثقيف موسرٌ فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون ثم نمي إليه طرفٌ منه لم يتحققه، فقال:

دعوت إلهي دعوةً ما جهلتـهـا ** وربي بما تخفي الصدور بصير
لئن كنت تهدي برد أنيابها العـلا ** لأفقر مني إنـنـي لـفـقـيرٌ
فقد شاعت الأخبار أن قد تزوجت ** فهل يأتيني بالطـلاق بـشـير


وقال أيضاً:

ألا تلك ليلى العامرية أصبـحـت ** تقطع إلا من ثقيفٍ حـبـالـهـا
هم حبسوها محبس البدن وابتغـى ** بها المال أقوامٌ ألا قل مـالـهـا
إذا التفتت والعيس صعرٌ من البرى ** بنخلة جلت عبرة العين حالـهـا


قال: وجعل يمر بيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليه، ويقول إذا جاوزه:

ألا أيها البيت الـذي لا أزوره ** وإن حله شخصٌ إلي حبـيب
هجرتك إشفاقاً وزرتك خائفـاً ** وفيك علي الدهر منك رقيب
سأستعتب الأيام فيك لعلـهـا ** بيوم سرورٍ في الزمان تؤوب


قال: وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال:

كأن القلب ليلة قيل يغدى** بليلى العامرية أو يراح
قطاةٌ عزها شركٌ فباتت ** تجاذبه وقد علق الجناح


فلما نقلت "ليلى" إلى الثقفي قال قصيدته العينية

طربت وشاقتك الحمول الـدوافـع ** غداة دعا بالبـين أسـفـع نـازع
شحا فاه نعباً بـالـفـراق كـأنـه ** حريبٌ سليبٌ نازح الـدار جـازع
فقلت ألا قد بين الأمر فانـصـرف ** فقد راعنا بالبـين قـبـلـك رائع
سقيت سموماً من غراب فأنـنـي ** تبينت ما خبرت مـذ أنـت واقـع
ألم تر أنـي لا مـحـب ألـومـه ** ولا ببديلٍ بعـدهـم أنـا قـانـع
ألم تر دار الحي في رونق الضحى ** بحيث انحنت للهضبتين الأجـارع
وقد يتناءى الإلف من بـعـد ألـفةٍ ** ويصدع ما بين الخليطـين صـادع
وكم من هوى أو جيرةٍ قد ألفتـهـم ** زماناً فلم يمنعهم الـبـين مـانـع
كأني غداة الـبـين مـيت جـوبةٍ ** أخو ظمأ سدت عليه المـشـارع
تخلس من أوشـال مـاءٍ صـبـابةً ** فلا الشرب مبذولٌ ولا هو نـاقـع
وبيضٍ تطلى بالعـبـير كـأنـهـا ** نعاج الملا جيبت عليها البـراقـع
تحملن من وادي الأراك فأومضـت ** لهن بأطراف العيون الـمـدامـع
فما رمن ربع الدار حتى تشابهـت ** هجائنها والجون منها الخـواضـع
وحتى حلمن الحور من كل جانـب ** وخاضت سدول الرقم منها الأكارع
فلما استوت تحت الخدور وقد جرى ** عبيرٌ ومسكٌ بالـعـرانـين رادع
أشرن بأن حثوا الجمال فـقـد بـدا ** من الصيف يومٌ لافحٌ الحر ماتـع
فلما لحقنا بالحمـول تـبـاشـرت ** بنا مقصراتٌ غاب عنها المطامـع
يعرضن بالدل الـمـلـيح وإن يرد ** جناهن مشغوفٌ فهـن مـوانـع
فقلت لأصحابي ودمعي مـسـبـلٌ ** وقد صدع الشمل المشتت صـادع
أليلى بأبواب الخدور تـعـرضـت ** لعيني أم قرنٌ من الشمس طالـع



هيامه إلى نواحي الشأم وما يقوله من الشعر عند عوده ورؤبة التوباد
أخبرني "محمد بن مزيد" بن أبي الأزهر عن الزبير عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني عمي عن "عبد الله" بن شبيب عن "هارون بن موسى" الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني ابن المرزبان عن ابن الهيثم عن العمري عن العتبي قالوا جميعاً: كان المجنون وليلى وهما صبيان يرعيان غنماً لأهلها عند جبلٍ في بلادهما يقال له التوباد، فلما ذهب عقله وتوحش، كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به، فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديداً واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم، فإذا ثاب إليه عقله رأى بلداً لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم: بأبي أنتم، أين التوباد من أرض بني عامر؟ فيقال له: وأين أنت من أرض بني عامر! أنت بالشأم عليك بنجم كذا فأمه، فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن، فيرى بلاداً ينكرها وقوماً لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر، فيقولون: وأين أنت من أرض بني عامر! عليك بنجم كذا وكذا، فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد، فإذا رآه قال في ذلك: أبياته التي يصف فيها انصباب الدمع

وأجهشت للتوباد حـين رأيتـه ** وكبر للرحمـن حـين رآنـي
وأذريت دمع العين لما عرفتـه ** ونادى بأعلى صوته فدعـانـي
فقلت له قد كان حولـك جـيرةٌ ** وعهدي بذاك الصرم منذ زمان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم ** ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
وإني لأبكي اليوم من حذري غداً ** فراقك والحيان مجتـمـعـان
سجالاً وتهتـانـا ووبـلاً وديمةً ** وسحاً وتسجاماً إلى هـمـلان

maher 13-04-2006 06:49 AM


مروره على حمامة تهدل وما قال في ذلك من الشعر
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الهيثم بن فراسٍ قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي: أن أبا المجنون حج به ليدعو الله عز وجل في الموقف أن يعافيه، فسار ومعه ابن عمه زياد بن كعب بن مزاحم، فمر بحمامة تدعو على أيكة فوقف يبكي، فقال له زياد: أي شيء هذا؟ ما يبكيك أيضاً؟ سر بنا نلحق الرفقة، فقال:

أأن هتفـت يومـاً بـوادٍ حـمـامةٌ ** بكيت ولم يعذرك بالجهـل عـاذر
دعت ساق حرٍّ بعد ما علت الضحى** فهاج لك الأحزان أن نـاح طـائر
تغني الضحى والصبح في مرجحنةٍ ** كثاف الأعالي تحتها المـاء حـائر
كأن لم يكن بالغيل أو بـطـن أيكةٍ ** أو الجزع من تول الأشاءة حاضـر
يقول زيادٌ إذ رأى الحي هـجـروا ** أرى الحي قد ساروا فهل أنت سائر
وإني وإن غال التقـادم حـاجـتـي ** ملمٌ على أوطان ليلـى فـنـاظـر


maher 13-04-2006 06:59 AM

ندم أبي ليلى على عدم تزويجه بها

قال الهيثم: فحدثني جماعةٌ من بني عامر: أنه لم تبق فتاةٌ من بني جعدة ولا بني الحريش إلا خرجت حاسرةً صارخةً عليه تندبه؛ واجتمع فتيان الحي يبكون عليه أحر بكاء، وينشجون عليه أشد نشيج، وحضرهم حي ليلى معزين وأبوها معهم فكان أشد القوم جزعاً وبكاءً عليه، وجعل يقول: ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا، ولكني كنت امرأ عربياً أخاف من العار وقبح الأحدوثة ما يخافه مثلي، فزوجتها وخرجت عن يدي، ولو علمت أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده ولا احتملت ما كان علي في ذلك. قال: فما رئي يومٌ كان أكثر باكيةً وباكياً على ميتٍ من يومئذٍ.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني منها الصوت الذي أوله:

ألا يا غراب البين ويحك نبني ** بعلمك في لبنى وأنت خبير

الغناء لابن محرز ثقيلٌ أول بالوسطى عن الهشامي، وذكر إبراهيم أن فيه لحناً لحكمٍ. وفي رواية ابن الأعرابي أنه أنشده مكان: ألا يا عراب البين ويحك نبني بعلمك في لبنى وأنت خبير

ألا يا غراب البين هل أنت مخبـري** بخيرٍ كما خبرت بالنـأي والـشـر
وخبرت أن قد جد بـينٌ وقـربـوا ** جمالاً لبينٍ مثقلاتٍ مـن الـغـدر
وهجت قذى عينٍ بلبنـى مـريضةٍ ** إذا ذكرت فاضت مدامعها تجـري
وقلت كذاك الدهر مازال فاجـعـاً ** صدقت وهل شيءٌ بباقٍ على الدهر


الشعر لقيس بن ذريح، والغناء لابن جامع، ثقيلٌ أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لبحرٍ ثقيلٌ أول بالوسطى عن عمرو. وفيه لدحمان ثاني ثقيل عن الهشامي وعبد الله بن موسى.
ومنها الصوت الذي أوله.
كأن القلب ليلة قيل يغدى ** بليلي العامرية أو يراح

بكاء أبي ليلى على المجنون وشعر وجد بعد موت المجنون في خرقة
أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا الفضل الربعي عن محمد بن حبيب قال: لما مات مجنون بني عامر وجد أرض خشنةٍ بين حجارةٍ سودٍ، فحضر أهله وحضر "معهم" أبو ليلى - المرأة التي كان يهواها - وهو متذمم من اهله، فلما رآه ميتاً بكى واسترجع وعلم أنه قد شرك في هلاكه، فبينما هم يقلبونه إذ وجدوا خرقةً فيها مكتوبٌ:

ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضـى ** شقيت ولا هنيت من عيشك الغضا
شقيت كما أشقيتني وتركـتـنـي ** أهيم مع الهلاك لا أطعم الغمضا
كأن فؤادي في مخالـب طـائرٍ ** إذا ذكرت ليلى يشد بها قبضـا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتـمٍ ** علي فما تزداد طولاً ولا عرضا


عوتب على التغني بالشعر فقال
أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب قال حدثني بعض القشيريين عن أبيه قال: مررت بالمجنون وهو مشرفٌ على وادٍ في أيام الربيع، وذاك قبل أن يختلط، وهو يتغنى بشعر لم أفهمه، فصحت به: يا قيس، أما تشغلك ليلى عن الغناء والطرب! فتنفس تنفساً ظننت أن حيازيمه قد انقدت، ثم قال:

وما أشرف الأيفاع إلا صـبـابةً ** ولا أنشد الأشعـار إلا تـداويا
وقد يجمع الله الشتيتين بعـد مـا ** يظنان جهد الظن أن لا تلاقـيا
لحي الله أقواماً يقولون إنـنـي ** وجدت طوال الدهر للحب شافيا


التقاؤه بقيس بن ذريح وطلبه منه إبلاغ سلامه لليلى

أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: اجتاز قيس بن ذريح بالمجنون وهو جالسٌ وحده في نادي قومه، وكان كل واحد منهما مشتاقاً إلى لقاء الآخر، وكان المجنون قبل توحشه لا يجلس إلا منفرداً ولا يحدث أحداً ولا يرد على متكلم جواباً ولا على مسلم سلاماً، فسلم عليه قيس بن ذريح فلم يرد عليه السلام؛ فقال له: يا أخي أنا قيس بن ذريح فوثب إليه فعانقه وقال: مرحباً بك يا أخي، أنا والله مذهوبٌ "بي" مشترك اللب فلا تلمني، فتحدثا ساعة وتشاكيا وبكيا، ثم قال له المجنون: يا أخي، إن حي ليلى منا قريبٌ، فهل لك أن تمضي إليها فتبلغها عني السلام؟ فقال له: أفعل. فمضى قيس بن ذريح حتى أتى ليلى فسلم وانتسب؛ فقالت له: حياك الله، ألك حاجة؟ قال: نعم، ابن عمك أرسلني إليك بالسلام؛ فأطرقت ثم قالت ما كنت أهلاً للتحية لو علمت أنك رسوله، قل له عني: أرأيت قولك:

أبت ليلةٌ بالـغـيل يا أم مـالـكٍ ** لكم غير حب صادقٍ ليس يكذب
ألا إنمـا أبـقـيت يا أم مـالـكٍ ** صدىً أينما تذهب به الريح يذهب


أخبرني عن ليلة الغيل، أي ليلة هي؟ وهل خلوت معك في الغيل أو غيره ليلاً أو نهاراً؟ فقال لها قيس: يابنة عم، إن الناس تأولوا كلامه على غير ما أراد، فلا تكوني مثلهم، إنما أخبر أنه رآك ليلة الغيل فذهبت بقلبه، لا أنه عناك بسوء؛ قال: فأطرقت طويلاً ودموعها تجري وهي تكفكفها، ثم انتحبت حتى قلت تقطعت حيازيمها، ثم قال: اقرأ على ابن عمي السلام، وقل له: بنفسي أنت! والله إن وجدي بك لفوق ما تجد، ولكن لا حيلة لي فيك؛ فانصرف قيسٌ إليه ليخبره فلم يجده.

رأى ليلى فبكى ثم قال شعراً
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عمي عن ابن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال: مر المجنون بعد اختلاطه بليلى "وهي" تمشي في ظاهر البيوت بعد فقدٍ لها طويل، فلما رآها بكى حتى سقط على وجهه مغشياً عليه، فانصرفت خوفاً من أهلها أن يلقوها عنده، فمكث كذلك مليا ثم أفاق وأنشأ يقول: بكى فرحاً بلـيلـى إذ رآهـا محب لا يرى حسناً سواهـا
لقد ظفرت يداه ونال ملكاً ** لئن كانت تراه كمـا يراهـا

maher 13-04-2006 07:11 AM

أخبار عروة بن الورد ونسبه
 
أخبار عروة بن الورد ونسبه

نسبه، شاعر جاهلي فارس جواد مشهور
عروة بن الورد بن زيد، وقيل: ابن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لديم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد ين قيس بن عيلان بن مضر بن نزار، شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها وصعلوك من صعاليكها المعدودين المقدمين الأجواد.

كان يلقب بعروة الصعاليك وسبب ذلك
وكان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ولا مغزى، وقيل: بل لقب عروة الصعاليك لقوله:

لحي الله صعلوكاً إذا جن ليلـه** مصافي المشاش آلفاً كل مجزر
يعد الغنى من دهره كـل لـيلة ** أصاب قراها من صديق ميسر
ولله صعلوك صفيحة وجـهـه ** كضوء شهاب القابس المتنـور


شرف نسبه وتمنى الخلفاء أن يصاهروه أو ينتسبوا إليه:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال بلغني أن معاوية قال:
لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم.
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي، وحدثنا إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قلا جميعاً: قال عبد الملك بن مروان: ما يسرني أن أحداً من العرب ولدني ممن لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله:

إني امرؤ عافي إنـائي شـركة ** وأنت امرؤ عافي إنائك واحـد
أتهزأ مني أن سمنت وأن تـرى ** بجسمي مس الحق والحق جاهد
أفرق جسمي في جسوم كثـيرة ** وأحسوا قراح الماء والماء بارد


قال الحطيئة لعمر بن الخطاب
كنا نأتم في الحرب بشعره:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف حازم، قال: وكيف؟ قال: كان فينا قيس بن زهير وكان حازماً وكنا لا نعصيه، وكنا نقدم إقدام عنترة، ونأتم بشعر عروة بن الورد، وننقاد لأمر الربيع بن زياد.

قال عبد الملك إنه أجود من حاتم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال ويقال: إن عبد الملك قال: من زعم أن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد.
منع عبد الله بن جعفر معلم ولده من أن يرويهم قصيدة له يحث فيها على الاغتراب: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا معن بن عيسى قال: سمعت أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال لمعلم ولده: لا تروهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها:
دعيني للغنى أسعى فإنـي ** رأيت الناس شرهم الفقير

ويقول: إن هذا يدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم
خبر عروة مع سلمى
سببته وفداء أهلها بها:
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران الزهري عن عامر بن جابر قال: أغار عروة بن الورد على مزينة فأصاب منهم امرأة" من كنانة ناكحاً، فاستاقها ورجع وهو يقول:

تبغ عدياً حيث حـلـت ديارهـا ** وأبناء عوف في القرون الأوائل
فإلا أنل أوساً فإني حسـبـهـا ** بمنبطح الأدغال من ذي السلائل


ثم أقبل سائراً حتى نزل ببني النضير، فلما رأوها أعجبتهم فسقوه الخمر، ثم استوهبوها منه قوهبها لهم، وكان لا يمس النساء، فلما أصبح وصحا ندم فقال:
سقوني الخمر ثم تكنفوني

الأبيات
قال: وجلاها النبي صلى الله عليه وسلم مع من جلا من بني النضير

وذكر أبو عمرو الشيباني من خبر عروة بن الورد وسلمى هذه أنه أصاب امرأة" من بني كنانة بكراً يقال لها أنها أرغب الناس فيه، وهب تقول له: لو حججت بي فأمر على أهلي وأراهم! فحج بها، فأتى مكة ثم أتى المدينة، وكان يخالط من أهل يثرب بني النضير فيقرضونه إن احتاج ويبايعهم إذا غنم، وكان قومها يخالطون بني النضير، فأتوهم وهو عندهم؛ فقالت لهم سلمى: إنه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام، فتعالوا إليه وأخبروه أنكم تستحيون أن نكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحته سبية وافتدوني منه فإنه لا يرى أني أفارقه ولا أختار عليه أحداً، فأتوه فسقوه الشراب، فلما ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا فإنها وسيطة النسب فينا معروفة، وإن علينا سبة أن تكون سبية، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها إلينا فإننا ننكحك؛ فقال لهم: ذاك لكم، ولكن لي الشرط فيها أن تخيروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها وإن اختارتكم انطلقتم بها؛ قالوا: ذاك لك؛ قال: دعوني أله بها الليلة وأفادها غداً، فلما كان الغد جاءوه فامتنع من فدائها؛ فقالوا له: قد فاديتنا بها منذ البارحة، وشهد عليه بذلك جماعة ممن حضر، فلم يقدر على الامتناع وفاداها، فلما فادوه بها خيروها فاختارت أهلها، ثم أقبلت عليه فقالت: ياعروة أما إني أقول فيك وإن فارقتك الحق: والله ماأعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خيرٍ منك وأغض طرفاً وأقل فحشاً وأجود يداً وأحمى لحقيقة؛ وما مر علي يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك، لأني لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته؛ ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبداً، فارجع راشداً إلى ولدك وأحسن إليهم. فقال عروة في ذلك: سقوني الخمر ثم كنفوني
وأولها:

أرقت وصحبتي بمضيق عميق** لبرق من تهامة مستـطـير
سقى سلمى وأين ديار سلمـى ** إذا كانت مجاورة الـسـرير
إذا حلت بأرض بني عـلـي ** وأهلي بـين إمـرة وكـير
ذكرت منازلاً مـن أم وهـب ** محل الحي أسفل من نـقـير
وأحدث معهد مـن أم وهـب ** معرسنا بدار نبي بني النضير
وقالوا ما تشاء فقلت ألـهـو ** إلى الأصباح آثـر ذي أثـير
بآنسة الحديث رضاب فـيهـا ** بعيد النوم كالعنب العـصـير


وأخبرني علي بن سليمان الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي بهذه الحكاية كما ذكر أبو عمرو، وقال فيها: إن قومها أغلوا بها الفداء، وكان معه طلق وجبار أخوه وابن عمه، فقالا له: والله لئن قبلت ما أعطوك لا تفتقر أبداً، وأنت على النساء قادر متى شئت، وكان قد سكر فأجاب إلى فدائها، فلما صحا ندم فشهدوا عليه بالفداء فلم يقدر على الامتناع. وجاءت سلمى تثني عليه فقالت: والله إنك ما علمت لضحوك مقبلاً كسوب مدبراً خفيف على متن الفرس ثقيل على العدو طويل العماد كثير الرماد راضي الأهل والجانب، فاستوص ببنيك خيراً، ثم فارقته. فتزوجها رجل من بني عمها، فقال لها يوماً من الأيام: يا سلمى، أثني علي كما أثنيت على عروة -وقد كان قولها فيه شهر-فقالت له: لا تكلفني ذلك فإني إن قلت الحق غضبت ولا واللات والعزى لا أكذب؛ فقال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنين علي بما تعلمين، وخرج فجلس في ندي القوم، وأقبلت فرماها القوم والله إن شملتك لإلتحاف، وإن شربك لاستفاف، وإنك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب، ثم انصرفت. فلامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذا القول منها.

كان يجمع الصعاليك ويكرمهم ويغير بهم
أخبرني الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال حدثني أبو فقعس قال:

كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سني شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدة ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف عليهم الكنف ويكسبهم، ومن قوي منهم-إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوته-خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيباً، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة ألحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمةٍ إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سمي عروة الصعاليك، فقال في ذلك بعض السنين وقد ضاقت حاله: لعل ارتيادي في البلاد وبغيتي وشدي حيازيم المطية بالرحل
سيدفعني يوماً إلى رب هجمةٍ يدافع عنها بالعقوق وبالبخل

أغار مع جماعة من قومه على رجل
فأخذ إبله وامرأته ثم اختلف معهم فهجاهم:
فزعموا أن الله عز وجل قيض له وهو مع قوم من هلاك عشيرته في شتاءٍ شديد ناقتين دهماوين، فنحر لهم إحداهما وحمل متاعهم وضعفاءهم على الأخرى، وجعل ينتقل بهم من مكان إلى مكان، وكان بين النقرة والربذة فنزل بهم مابينهما بموضع يقال له: ماوان. ثم إن الله عز وج قيض له رجلاً صاحب مائةٍ من الإبل قد فر بها من حقوق قومه- وذلك أول ما ألبن الناس-فقتله وأخذ إبله وامرأته، وكانت من أحسن النساء، فأتى بالإبل أصحاب الكنيف فحلبها لهم وحملهم عليها، حتى إذا دنوا من عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم وأخذ مثل نصيب أحدهم، فقالوا: لا واللات والعزى لا نرضى حتى نجعل المرأة نصيباً فمن شاء أخذها، فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع الإبل منهم، ثم يذكر أنهم صنيعته وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع، فأفكر طويلاً ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله، فأبوا ذلك عليه، حتى انتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه؛ فقال عروة في ذلك قصيدته التي أولها:

ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم ** كما الناس لما أمرعوا وتمولوا
وإني لمدفـوع إلـي ولاؤهـم ** بماوان إذ نمشي وإذ نتملمـل
وإني وإياهم كذي الأم أرهنت** له ماء عينيها تفدي وتحمـل
فباتت بحد المرفقين كليهـمـا ** توحوح مما نالها وتـولـول
تخير من أمرين ليسا بغبـطة ** هو الثكل إلا أنها قد تجـمـل


سبي ليلى بنت شعواء ثم اختارت أهلها فقال شعراً: وقال ابن الأعرابي في هذه الرواية أيضاً: كان عروة قد سبى امرأة من بني هلال بن عامر بن صعصعة يقال لها: ليلى بنت شعواء، فمكثت عنده زماناً وهي معجبة له تريه أنها تحبه، ثم استزارته أهلها فحملها حتى أتاهم بها، فلما أراد الرجوع أبت أن ترجع معه، وتوعده قومها بالقتل فانصرف عنهم، وأقبل عليها فقال لها: يا ليلى، خبري صواحبك عني كيف أنا؛ فقالت: ما أرى لك عقلاً! أتراني قد اخترت عليك وتقول: خبري عني! فقال في ذلك:

تحن إلى ليلى بجـو بـلادهـا ** وأنت عليها بالملا كنت أقـدر
وكيف ترجيها وقد حيل دونهـا ** وقد جاوزت حياً بتيماء منكرا
لعلك يوماً أن تسـري نـدامة ** علي بما جشمتني يوم غضورا


وهي طويلة. قال: ثم إن بني عامر أخذوا امرأة من بني عبس ثم من بني سكين يقال لها أسماء، فما لبثت عندهم إلا يوماً حتى استنقذها قومها؛ فبلغ عروة أن عامر بن الطفيل فخر بذلك وذكر أخذه إياها، فقال عروة يعيرهم بأخذه ليلى بنت شعواء الهلالية:

إن تأخذوا أسماء موقـف سـاعةٍ ** فمأخذ ليلى وهي عذراء أعجب
لبسنا زماناً حسنها وشـبـابـهـا ** وردت إلى شعواء والرأس أشيب
كمأخذنا حسناء كرهاً ودمعـهـا ** غداة اللوي معصوية يتصـبـب

maher 13-04-2006 07:23 AM

خرج ليغير فمنعته امرأته فعصاها وقال في ذلك شعراً: إغاثته لعبس في مجاعتهم وقال ابن الأعرابي:
أجدب ناس من بين عبس في سنة أصابتهم فأهلكت أموالهم وأصابهم جوع شديد وبؤس، فأتوا عروة بن الورد فجلسوا أمام بيته، فلما بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصعاليك، أغثنا؛ فرق لهم وخرج ليغزو بهم ويصيب معاشاً، فنهته امرأته عن ذلك لما تخوفت عليه من الهلاك، فعصاها وخرج غازياً، فمر بمالك بن حمار الفزاري ثم الشمخي؛ فسأله: أين يريد؟ فأخبره، فأمر له بجزور فنحرها فأكلوا منها؛ وأشار عليه مالك أن يرجع، فعصاه ومضى حتى انتهى إلى بلاد بين القين، فأغار عليهم فأصاب هجمة عاد بها على نفسه وأصحابه؛ وقال في ذلك:

أرى أم حسان الغداة تلومـنـي ** تخوفني الأعداء والنفس أخوف
تقول سليمى لو أقمت لسـرنـا ** ولم تدر أنى للمقـام أطـوف
لعل الذي خوفتنا من أمامـنـا ** يصادفه في أهله المتخـلـف


وهي طويلة: وقال في ذلك أيضاً:

أليس ورائي أن أدب على العصا ** فيشمت أعدائي ويسأمني أهلي
رهينة قعر البيت كل عـشـية ** يطيف بي الولدان أهدح كالرأل
أقيموا بين لبني صدور ركابكـم** فكل منايا النفس خير من الهزل
فإنكم لن تبلغوا كل هـمـتـي ** ولاأربى حتى تروا منبت الأثل
لعل ارتيادي في البلاد وحيلتـي ** وشدي حيازيم المطية بالرحـل
سيدفعني يوماً إلى رب هجـمةٍ ** يدافع عنها بالعقوق وبالبـخـل



قصته مع هزلي أغار على فرسه

نسخت من "كتاب أحمد بن القاسم بن يوسف" قال حدثني حر بن قطن أن ثمامة بن الوليد دخل على المنصور؛ فقال: يا ثمامة، أتحفظ حديث ابن عمك عروة الصعاليك بن الورد العبسي؟ فقال: أي حديثه يا أمير المؤمنين؟ فقد كان كثير الحديث حسنه؛ قال: حديثه مع الهذلي الذي أخذ فرسه؛ قال: ما يحضرني ذلك فأرويه يا أمير المؤمنين؛ فقال المنصور: خرج عروة حتى دنا من منازل هذيل فكان منها على نحو ميلين وقد جاع فإذا هو بأرنب فرماها ثم أورى ناراً فشواها وأكلها ودفن النار على مقدار ثلاث أذرع وقد ذهب الليل وغارت النجوم، ثم أتى سرحة فصعدها وتخوف الطلب، فلما تغيب فيها إذ الخيل قد جاءت وتخوفوا البيات. قال: فجاءت جماعة منهم ومعهم رجل على فرس فجاء حتى ركز رمحه في موضع النار وقال: لقد رأيت النار هاهنا؛ فنزل رجل فحفر قدر ذراع فلم يجد شيئاً، فأكب القوم على الرجل يعذلونه ويعيبون أمره ويقولون: عنيتنا في مثل هذه الليلة القرة وزعمت لنا شيئاً كذبت فيه؛ فقال: ما كذبت، ولقد رأيت النار في موضع رمحي؛ فقالوا: ما رأيت شيئاً ولكن تحذلقك وتدهيك هو الذي حملك على هذا، وما نعجب إلا لأنفسنا حين أطعنا أمرك واتبعناك؛ ولم يزالوا بالرجل حتى رجع عن قوله لهم. واتبعهم عروة، حتى إذا وردوا منازلهم جاء عروة فتمكن في كسر بيت؛ وجاء الرجل إلى امرأته وقد خالفه إليها عبد أسود، وعرة ينظر، فأتاها العبد بعلبة فيها لبن فقال: اشربي؛ فقالت لا، أو تبدأ، فبدأ الأسود فشرب؛ فقالت للرجل حين جاء: لعن الله صلفك! عنيت قومك منذ الليلة؛ قال: لقد رأيت ناراً، ثم دعا بالعلبة ليشرب، فقال حين ذهب ليكرع: ريح رجل ورب الكعبة! فقالت امرأته: وهذه أخرى، أي ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك! ثم صاحت، فجاء قومها فأخبرتهم خبره، فقالت: يتهمني ويظن بي الظنون! فأقبلوا عليه باللوم حتى رجع عن قوله؛ فقال عروة: هذه ثانية. قال ثم أوى الرجل إلى فراشه، فوثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به، فضرب الفرس بيده وتحرك، فرجع عروة إلى موضعه، ووثب الرجل فقال: ما كنت لتكذبيني فمالك؟ فأقبلت عليه امرأته لوماً وعدلاً. قال: فصنع عروة ذلك ثلاثاً وصنعه الرجل، ثم أوى الرجل إلى فراشه وضجر من كثرة ما يقوم، فقال: لا أقوم إليك الليلة؛ وأتاه عروة فحال في متنه وخرج ركضاً، وركب الرجل فرساً عنده أنثى. قال عروة: فجعلت أسمعه خلفي يقول: الحقي فإنك من نسله. فلما انقطع عن البيوت، قال له عروة قال له عروة بن الورد: أيها الرجل قف، فإنك لو عرفتني لم تقدم علي، أنا عروة بن الورد، وقد رأيت الليلة منك عجباً، فأخبرني به وأرد إليك فرسك؛ قال: وما هو؟ قال: جئت مع قومك حتى ركزت رمحك في موضع نارٍ قد كنت أوقدتها فثنوك عن ذلك فانثنيت وقد صدقت، ثم اتبعتك حتى أتيت منزلك وبينك وبين النار ميلان فأبصرتها منهما، ثم شممت رائحة رجل في إنائك، وقد رأيت الرجل حين آثرته زوجتك بالإناء، وهو عبدك الأسود وأظن أن بينهما مالا تحب، فقلت: ريح رجل؛ فلم تزل تثنيك عن ذلك حتى انثنيت، ثم خرجت إلى فرسك فأردته فاضطرب وتحرك فخرجت إليه، ثم خرجت وخرجت، ثم أضربت عنه، فرأيتك في هذه الخصال أكمل الناس ولكنك تنثني وترجع؛ فضحك وقال: ذلك لأخوال السوء، والذي رأيت من صرامتي فمن قبل أعمامي وهم هذيل، وما رأيت من كعاعتي فمن قبل أخوالي وهم بطن من خزاعة والمرأة التي رأيت عندي امرأة منهم وأنا نازل فيهم، فذلك التي رأيت عندي امرأة منهم وأنا نازل فيهم، فذلك الذي يثنيني عن أشياء كثيرة، وأنا لاحق بقومي وخارج عن أخوالي هؤلاء ومخل سبيل المرأة، ولولا ما رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأة قومي أحد من العرب. فقال عروة: خذ فرسك راشداً؛ قال: ما كنت لآخذه منك وعندي من نسله جماعة مثله، فخذه مباركاً لك فيه. قال ثمامة: إن له عندنا أحاديث كثيرة ما سمعنا له بحديث هو أظرف من هذا.
قصة غزوان لماوان وحديثه مع غلام تبين بعد أنه ابنه: قال المنصور: أفلا أحدثك له بحديث هو أظرف من هذا؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، فإن الحديث إذا جاء منك كان له فضل على غيره؛ قال: خرج عروة وأصحابه حتى أتى ماوان فنزل أصحابه وكنف عليهم كنيفاً من الشجر، وهم أصحاب الكنيف الذي سمعته قال فيهم:

ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم** كما الناس لما أمرعوا وتمولوا

وفي هذه الغزاة يقول عروة:
أقول لقوم في الكنيف تروحوا ** عشية قلنا حول ماوان رزح

وفي هذه القصيدة يقول:
ليبلغ عذراً أو يصيب غنـيمة** وملغ نفسٍ عذرها مثل منجح

ثم مضى يبتغي لهم شيئاً وقد جهدوا، فإذا هو بأبيات شعرٍ وبامرأة قد خلا من سنها وشيخ كبير كالحقاء الملقى، فكمن في كسر بيت منها، وقد أجدب الناس وهلكت الماشية، فإذا هو في البيت بسحور ثلاثة مشوية - فقال ثمامة: ومالسحور؟ قال: الحلقوم بما فيه- والبيت خال فأكلها، وقد مكث قبل ذلك يومين لا يأكل شيئاً فأشبعته وقوي، فقال: لا أبالي من لقيت بعد هذا. ونظرت المرأة فظنت أن الكلب أكلها فقالت للكلب: أفعلتها ياخبيث! وطردته. فإنه لكذلك إذا هو عند المساء بإبل قد ملأت الأفق وإذا هي تلتفت فرقاً، فعلم أن راعيها جلد شديد الضرب لها، فلما أتت المناخ بركت، ومكث الراعي قليلاً ثم أتى ناقة منها فمرى أخلاقها، ثم وضع العلبة على ركبتيه وحلب حتى ملأها، ثم أتى الشيخ فسقاه، ثم أتى ناقة أخرى ففعل بها ذلك وسقى العجوز، ثم أتى أخرى ففعل بها كذلك فشرب هو، ثم التفع بثوب واضطجع ناحيةٍ، فقال الشيخ للمرأة وأعجبه ذلك: كيف ترين ابني؟ فقالت: ليس بابنك! قال: فابن من ويلك؟ قالت: ابن عروة بن الورد، قال: ومن أين؟ قالت: أتذكر يوم مر بنا يريد سوق ذي المجاز فقلت: هذا عروة بن الورد، ووصفته لي بجلد فإني استطرفته. قال: فسكت، حتى إذا نوم وثب عروة وصاح بالإبل فاقتطع منها نحواً من النصف ومضى ورجا ألا يتبعه الغلام- وهو غلام حين بدا شاربه-فاتبعه. قال: فاتخذا وعالجه، قال: فضرب به الأرض فيقع قائماً، فتخوفه على نفسه، ثم واثبه فضرب به وبادره، فقال: إني عروة بن الورد، وهو يريد أن يعجزه عن نفسه. قال: فارتدع، ثم قال مالك ويلك! لست ينهاك عن شيء، قال: الذي بقي من عمر الشيخ قليل، وأنا مقيم معه مابقي، فإن له حقاً وذماماً، فإذا هلك فما أسرعني إليك، وخذ من هذا الإبل بعيراً؛ قلت: لا يكفيني، إن معي أصحابي قد خلفتهم؛ قال: فثانياً، قلت لا؛ قال: فثالثاً، والله لازدتك على ذلك. فأخذها ومضى إلى أصحابه، ثم إن الغلام لحق به بعد هلاك الشيخ. قال: والله يا أمير المؤمنين لقد زينته عندنا وعظمته في قلوبنا؛ قال: فهل أعقب عنكم؟ قال لا، ولقد كنا نتشاءم بأبيه، لأنه هو الذي وقع الحرب بين عبس وفزاره بمراهنته حذيفة، ولقد بلغني أنه كان له ابن أسن من عروة فكان يؤثره على عروة فيما يعطيه ويقربه، فقيل له: أتؤثر الأكبر مع غناه عنك على الأصغر مع ضعفه! قال: أترون هذا الأصغر! لئن بقي مع ما رأى من شدة نفسه ليصبرن الأكير عيالاً عليه.

maher 13-04-2006 07:35 AM

أخبار بشار بن برد ونسبه
 
أخبار بشار بن برد ونسبه
نسبه وكنيته وطبقته في الشعراء
هو، فيما ذكره الحسن بن علي عن محمد بن القاسم بن مهروية عن غيلان الشعوبي، بشار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن بن أزدكرد بن حسيس بن مهران بن خسروان بن أخشين بن شهر داد بن نبوذ بن ماخرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكر بن أدريوس بن يستاسب" بن لهراسف". قال: وكان يرجوخ من طخارستان من سبى المهلب بن أبي صفرة. ويكنى بشار أبا معاذ. ومحله في الشعر وتقدمه طبقات المحدثين فيه بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محله. وهو من مخضرمي شعراء الدولتين العباسية والأموية، قد شهر فيهما ومدح وهجا وأخذ سني الجوائز مع الشعراء.
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال قال حميد بن سعيد.
كان بشار من شعب أدريوس بن يستاسب الملك بن لهراسف الملك. قال: وهو بشار بن برد بن بهمن بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز. قال: وكان يكنى أبا معاذ.
ولاؤه لبني عقيل: وأخبرني يحيى بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي وغيرهما عن الحسن بن عليل العنزي عن خالد بن يزيد بن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال: كان بشار بن برد بن يرجوخ وأبوه برد من قن خيرة القشيرية امرأة المهلب بن أبي صفرة، وكان مقيماً لها في ضيعتها بالبصرة المعروفة " بخيرتان" مع عبيد لها وإماء، فوهبت براداً بعد أن زوجته لامرأة من بني عقيل كانت متصلة بها، فولدت له امرأته وهو في ملكها بشاراً فأعتقته العقيلية وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان برد أبو بشار مولى أم الظباء العقيلية السدوسية، فادعى بشار أنه مولى بني عقيل لنزوله فيهم.
وأخبرني امد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثني رجل من ولد بشار يقال له حمدان كان قصارا بالبصرة، قال: ولاؤنا لبني عقيل؛ فقلت لأيهم؟ فقال: لبني ربيعة بن عقيل وأخبرني وكيع قال حدثني سليمان المدني قال قال أحمد بن معاوية الباهلي: كان بشار وأمه لرجل من الأزد، فتزوج امراة من بني عقيل، فساق إليها بشاراً وأمه في صداقها، وكان بشار ولد مكفوفاً فأعتقته العقيلية.
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثني محمد بن الحجاج قال:
باعت أم بشار بشاراً على أم الظباء السدوسية بدينارين فأعتقته. وأم الظباء امراة أوس بن ثعلبة أحد بن تيم اللات بن ثعلبة، وهو صاحب قصر أوس بالبصرة؛ وكان أوس أحد فرسان بكر بن وائل بن بخراسان
كان أبوه طساناً
وقد هجاه بذلك حماد عجرد: أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن زيد العجلي قال أخبرني بدر بن مزاحم: أن برداً أبا بشار كان طياناً يضرب اللبن، وأراني أبي بيتين" لناً فقال لي: لبن هذين البيتين من ضرب برد أبي بشارٍ. فسمع هذه الحكاية حماد عجردٍ فهجاه فقال:

يابن برد إخسأ إليك فمثـل ال** كلب في الناس أنت لا الإنسان
بل لعمري لأنت شر من الكل ** ب وأولى منه بكـل هـوان
ولريح الخنزير أهون من ري** حك يابن الطيان ذي التـبـان


أنشد للمهدي شعراً في أنه عجمي
بحضور أبي دلامة:
أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن أبي الصلت البصري عن أبي عدنان قال حدثني يحيى بن الجون العبدي رواية بشار قال: قال: لما دخلت على المهدي قال لي: فيمن تعتذ يابشار؟ فقلت: اما اللسان والزي فعربيان، وأما الأصل فعجمي، كما قلت في شعري ياأمير المؤمنين:

ونبئت قـومـاً بـهـم جـنة** يقولون من ذا وكنت العـلـم
ألا أيها السـائلـي جـاهـداً ** ليعرفني أنا أنـف الـكـرم
نمت في الكرام بني عـامـر** فروعي وأصلي قريش العجم
فإني لأغني مقـام الـفـتـى ** وأصبي الفتاة فما تعتـصـم


قال: وكان أبو دلامة حاضراً فقال: كلا! لوجهك أقبح من ذلك ووجهي مع وجهك؛ فقلت: كلا! والله مارأيت رجلاً أصدق على نفسه وأكذب على جليسه منك، والله إني لطويل القامة عظيم الهامة تام الألواح أسحج الخدين، ولرب مسترخي المذورين للعين فيه مراد قد جلس من الفتاة حجرة وجلست منها حيث أريد، فأنت مثلي يامرضعان! "قال": فسكت عني، ثم قال لي المهدي: فمن أي العجم أصلك؟ فقلت: من أكثرها في الفرسان، وأشدها على الأقران، أهل طخازستان؛ فقال بعض القوم: أولئك الصغد؛ فقلت: لا، الصغد تجار؛ فقال بعض القوم: اولئك الصغد؛ فقلت: لا الصغد تجار؛ فلم يردد ذلك المهدي
كان كثير التلون في ولائه للعرب مرة وللعجم أخرى:
وكان بشار كثير التلون في ولائه، شديد الشغب والتعصب للعجم، مرة يقول يفتخر بولائه في قيس:

أمنت مضرة الفحشـاء أنـى ** أرى قيساً تضر ولاتـضـار
كأن الناس حين تغيب عنـهـم ** نبات الأرض أخطأه القطـار
وقد كانت بتذمر خـيل قـيس ** فكان لتدمـر فـيهـا دمـار
بحي من بني عـيلان شـوس ** يسير الموت حيث يقال ساروا
ومانلـقـاهـم إلا صـدرنـا ** بري منـهـم وهـم حـرار


ورمة يتبرأ من ولاء العرب فيقول

أصبحت مولى ذي الجلال وبعضهم ** مولى العريب فخذ بفضلك فافخر
مولاك أكرم من تمـيم كـلـهـا ** أهل الفعال ومن قريش المشعـر
فارجع إلى مولاك غير مـدافـع ** سبحان مولاك الأجـل الأكـبـر


وقال يفتخر بولاء بني عقيل: إنني من بني عقيل بن كـعـب موضع السيف من طلى الأعناق

كان يلقب بالمرعث
ويكنى أبا بشار أبا معاذ، ويلقب بالمرعث.
أخبرني عمي ويحيى بن علي قالا حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني محم بن سلام قال: بشار المرعث هو بشار بن برد، وإما سمي المرعث بقوله:
ريم مـرعــث ساح**ر الطرف والنظر
لست والـلـه نـائلـي ** قلت أو يغلب القـدر
أنت إن رمت وصلنـا** فانج، هل تدرك القمر

قال أبو أيوب: وقال لنا ابن سلام مرة أخرى: إنما سمي بشار المرعث، لأنهه كان لقميصه جيبان: جيب عن يمينه وجيب عن شماله، فإذا أراد لبسه ضمه عليه من غير أن يدخل رأسه فيه، وإذا أراد نزعه حل أزاره وخرج منه، فشبهت تلك الجيوب بالرعاث لاسترسالها وتدليلها، وسمي من أجلها المرعث.
أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي قال حدثني أبو حانم قال قال لي أبو عبيدة:

رأي الأصمعي فيه وفي ابن أبي حفصة
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني الرياشي قال: سئل الأصمعي عن بشار ومروان أيهما أشعر؟ فقال: بشار؛ فسئل عن السبب في ذلك، فقال: لأن مروان سلك طريقاً كثر من يسلكه فلم يلحق من تقدمه، وشركه فيه من كان في عصره، ويشار سلك طريقاً لم يسلك وأحسن فيه وتفرد به، وهو أكثر تصرفاً وفنون شعر وأغزر وأوسع بديعا، ومروان لم يتجاوز مذاهب الأوائل أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني العنزي عن أبي حاتم قال سمعت الأصمعي وقد عاد إلى البصرة من بغداد فسأله رجل عن مروان بن أبي حفصة، فقال: وجد أهل بغداد قد ختموا به الشعراء وبشار أحق بأن يختموهم به من مروان؛ فقيل له: ولم؟ فقال: وكيف لايكون كذلك وملكان مروان في حياة بشار يقول شعراًحتى يصلحه له بشار ويقومه! وهذا سلم الخاسر من طبقة مروان يزاحمه بين أيدي الخلفاء بالشعر ةيساويه في الجوائز، وسلم معتوف بأنه تبع لبشار.

مقارنته بامرىء القيس والقطامي
أخبرني جحظة قال سمعت علي بن يحيى المنجم يقول: سمعت من لاأحصي من الواة يقولون: أحسن الناس ابتداء في الجاهلية امرؤ القيس حيث يقول:

ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البالي
وحيث يقول:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وفي الإسلام القطامي حيث يقول:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل

ومن المحدثين بشار حيث يقول:

أبى طلل بالجزع أن يتكلما** وماذا عليه لو أجاب متيما
وبالفرع آثار بقين وباللوى** ملاعب لايعرفن إلا توهما


مقارنة بينه وبين مروان بن أبي حفصة
أخبرني عمي عن الكرني عن أبي حاتم قال: كان الأصمعي يعجب بشعر بشار لكثرة فنونه وسعة تصرفه، ويقول: كان مطبوعاً لايكلف طبعه شيئاً متعذراً لاكمن يقول البيت ويحككه أياماً. زكان يشبه بشاراً بالأعشى والنابغة الذبياني، ويشبه مروان بزهير والحطيئة، ويقول: هو متكلف قال الكراني: قال أبو حاتم: وقلت لأبي زيد: أيما أشعر بشار أم مروان؟ فقال: بشار أشعر، ومروان أكفر. قال أبو حاتم: وسألت أبا زيد مرة أخرى عنهما فقال: مروان أجد وبشار أهزل؛ فحدثت الأصمعي بذلك؛ فقال: بشار يصلح للجد والهزل، ومروان لايصلح إلا لأحدهما.

كان شعره سياراً يتناشده الناس
نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثنا نجم بن النطاح قال: عهدي بالبصرة وليس فيها غزل ولاغزلة إلا يروي من شعر بشار، ولانائحة ولامغنية إلا لتكسب به، ولا ذو شرفٍ إلا وهو يهابه ويخاف معرة لسانه.
لم يأت في شعره بلفظ مستنكر: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أحمد بن المبارك قال حدثني أبي قال:

قلت لبشار: ليس لأحد من شعراء العرب شعر إلا وقد قال فيه شيئاً استنكرته العرب من ألفاظهم وشك فيه، وإنه ليس في شعرك مايشك؛ قال: ومن أين يأتيني الخطأ! ولدت هاهنا ونشأت في حجورثمانين شيخاً من فصحاء بني عقيل مافيهم احد يعرف كلمة من الخطأ، وإن دخلت إلى نسائهم فنساؤهم أفصح منهم، وأيفعت فأبديت إلى أن أدركت، فمن أين يأتيني الخطأ أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز ويحيى بن علي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال: كان الأصمعي يقول: إن بشاراً خاتمة الشعراء، والله لولا ظأن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم.

هو أول الشعراء في جملة من اغراض الشعر
أخبرنا يحيى بن علي قال حدثني أبو الفضل المروزي قال حدثني بن المحرز الباهلي قال قال الأصمعي: لقي أبو عمرو بن العلاء بعض الرواة فقال له: يا أبا عمرو، من أبدع الناسبيتاً؟ قال: الذي يقول:
لم يطل ليلي ولكن لـم أنـم ** ونفى عني الكرى طيف ألم
روحي عني قليلا واعلمـي ** أنني ياعبد من لـحـم ودم


قال: فمن أمدح الناس؟ قال: الذي يقول:

لمست بكفي كفه أبتغي الغنـى ** ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ماأفاد ذوو الغـنـى ** أفدت وأعداني فأتلفت ماعنـدي


قال: فمن أهجى الناس؟ قال: الذي يقول:

رأيت السهيلين استوى الجود فيهما ** على بعد ذا من ذاك في حكم حاكم
سهيلبن عثمـان يجـود بـمـابـه ** كما جاد بالوجعا سهيل بن سـالـم


قال: وهذه الأبيات كلها لبشار نسبة مافي هذا الخبر من الأشعار التي يغني فيها

لم يطل ليلي ولكن بـم أنـم ** ونفى عني الكرى طيف ألم
وإذا قلت لها جـودي لـنـا ** خرجت بالصمت عن لاونعم
نفسي ياعبد عني واعلـمـي ** أنني ياعبد من لـحـم ودم
إن في بردى جسماً نـاحـلاً ** لو تركأت علـيه لأنـهـدم
حتم الحب لها في عنـقـي ** موضع الخاتم من أهل الذمم

فأما الأبيات التي ذكر أبو عمرو أنه فيها أمدح الناس وأولها: لمست بكفي كفه أبتغي الغنى فإنه ذكر لبشار. وذكر الزبير بن بكار أنها لابن الخياط في المهدي، وذكر له فيها معه خبراً طويلاً قد ذكرته في أخبار ابن الخياط في هذا الكتاب.

maher 13-04-2006 07:52 AM

ترك جواب رجل عاب شعره للؤمه
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال: وقف على بشار بعض المجان وهو ينشد شعراً؛ قال له: استر شعرك كما تستر عورتك؛ فصفق بشار بيديه وغضب وقال له: قال: أنا أعزك الله رجل من باهلة، وأخوالي"من" سلول، وأصهاري عكل، واسمي كلب، ومولدي بأضاخ، ومنزلي بنهر بلال، فضحك بشار ثم قال: اذهب ويلك! فأنت عتيق لؤمك، قد علم الله أنك استترت مني بحصون من حديد
وصف قاص قصراً كبيراً في الجنة فعاب
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني الفضل بن سعيد قال حدثني أبي قال: مر بشار بقاص بالبصرة فسمعه يقول في قصصه: من صام رجباً وشعبان ورمضان بنى الله له قصراً في الجنة صحنه ألف فرسخ في مثلها وعله ألف فرسخ وكل باب من أبواب بيوته ومقاصره عشرة فراسخ في مثلها، قال: فالتفت بشار إلى قائده. فقال: بئست والله الدار هذه في كانون الثاني.

سمع صخباً في الجيران فقال
كأن القيامة قامت:
قال الفصل بن سعيد وحدثني رجل من أهل البصرة ممن كان يتزوج بالنهاريات قال: تزوجت امرأة منهن فاجتمعت معها في علو بيت وبشار تحتنا، أو كنا في أسفل البيت وبشار في علوه مع امرأة، فنهق حمار في الطريق فأجابه حمار في الجيران وحمار في الدار فارتجت الناحية بنهيقها، وضرب الحمار الذي في الددار الأرض برجله وجعل يدقها بها دقاً شديداً فسمعت بشاراً يقول للمرأة: نفخ -يعلم الله-في الصور وقامت القيامة أماتسمعين كيف يدق أهل القبور حتى يخرجوا منها! قال: ولم يلبث أن فزعت شاة كانت في السطح فقطعت حبلها وعدت فألقت طبقاً وغضارة إلى الدار فانكسرا، وتطاير حمام ودجاج كن في الدار لصوت الغضارة وبكى صبي في الدار؛ فقال بشار: صح والله الخبر ونشر أهل القبور من قبورهم أزفت-يشهد الله-الآزفة وزلزلت الأرض زلزالها؛ فعجبت من كلامه وغاظني؛ فسألت من المتكلم؟ فقيل لي: بشار، فقلت: قد علمت أنه لايتكلم بمثل هذا غيربشار.

نكتة له مع رجل رمحته بغلة فشكرالله
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن محمد جدار قال حدثني قدامة بن نوح قال: مربشار برجل قد رمحته بغلة وهو يقولك الحمد لله شكراً، فقال له بشار: استزده يزدك. قال: ومر به قوم يحملون جنازة وهم يشرعون المشي بها، فقال: مالهم مسرعين! أتراهم سرقوه فهم يخافون أن يلحقوا فيؤخذ منهم!.

مات ابن له فرثاه
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن عافية بن شبيب، وأخبرني به وكيع عن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الملك عن الحسن بن جمهور، قالا: توفي ابن لبشار فجزع عليه؛ فقيل له: أجر قدمته، وفرط افترطته، وذخر أحرزته، فقال: ولد دفنته، وثكل تعجلته، وغيب وعدته فانتظرته؛ والله لئن لم أجزع للنقص لاأفرح للزيادة. وقال يرثيه: أجارتنا لاتجـزعـي وأنـيبـي أتاني من الموت المطل نصيبي
بني على رغمي وسخطي رزئته** وبدل أحجـار وجـال قـلـيب
وكان كريحان الغصون تخـالـه ** ذوي بعد إشارق يسر وطـيب
أصيب بني حين أورق غصنـه ** وألقى علي الهم كـل قـريب
عجبت إسراع المنـية نـحـوه ** وماكان لومليتـه بـعـجـيب


نوادره
أخبرني يحيى بن علي قالذكر عافية بن شبيب عن أبي عثمان الليثي، وحدثني به الحسن بن علي عن ابن مهروية عن أبي مسلم، قلا: رفع غلام بشار إليه في حساب نفقته جلاء مرآة عشرة دراهم، فصاح به بشار وقال: والله مافي الدنيا أعجب من جلاء مرآة أعمى بعشرة دراهم، والله لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة مابلغت أجره من يجلوها عشرة دراهم.

أغضبه أعرابي عند مجزأة فهجاه
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني الحسن بن عليل قال حدثني علي بن منصور أبو الحسن الباهلي قال حدثني أبو عبد الله المقرىء الجحدري الذي كان يقرأ في المسجد الجامع بالبصرة، قال: دخل أعرابي على مجزأة بن ثور السدوسي وبشار عنده وعليه بزة الشعراء، فقال الأعرابي: من الرجل؟ فقالوا: رجل شاعر؛ فقال: أمولى هو أم عربي؟ قالوا: بل مولى؛ فقال الأعرابي: وما للموالي وللشعر? فغضب بشار وسكت هنيهة، ثم قال: أتأذن لي أبا ثورٍ؟ قال: قل ما شئت يا أبامعاذ؛ فأنشأ بشار يقول:

خليلي لاأنام على اقـتـسـار ** ولاآبى على مولـى وجـار
سأخبر فاخر الأعراب عنـي ** وعنه حين تأذن بالـفـخـار
أحيس كسيت بعد العري خـزا ** ونادمت الكرام على العقـار
تفاخـر ياابـن راعـيةٍ وراع ** بني الأحرار حسبك منخسـار
وكنت إذا طمئت إلـى قـراح ** شركت الكلب في ولغ الإطار
تريغ بخطبةٍ كسر المـوانـي ** وينسيك المكارم صـيد فـار
وتغدو للقـنـافـذ تـدريهـا ** ولم تعـقـل بـدراج الـديار
وتتشح الشمال لـلابـسـيهـا ** وترعى الضأن بالبلد القفـار
مقامك بيننا دنـس عـلـينـا ** فليتك غائب فـي حـر نـار
وفخرك بين خنزير وكـلـب ** على مثلي من الحدث الكبـار


فقال مجزأة للأعرابي: قبحك الله? فأنت كسبت هذا الشر لنفسك ولأمثالك?.


توفي ابن له فتمثل بقول جرير
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي عن محمد بن سلام عن بعض أصحابه قال: حضرنا جنازة ابن لبشارة توفي، فجزع عليه جزعاً شديداً، وجعلنا نعزيه ونسليه فما يغني ذلك شيئاً، ثم التفت إلينا وقال: لله در جرير حيث يقول وقد عزي بسوادة ابنه:

قالوا نصيبك منأجر فقلـت لـهـم** كيف العزاء وقد فارقت أشبالـي
ودعتني حين كف الدهر من بصري** وحين صرت كعظم الرمة البالـي
أودى سوادة يجلو مقلـتـي لـحـم ** بازٍ يصرصر فوق المربأ العالـي
إلا تكـن لـك بـالـديرين نـائحة** فرب نائحة بالـرمـل مـعـوال



صدق ظنه في تقدير جوائز الشعر
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا سليان بن أيوب المدائني قال: قال مروان بن أبي حفصة: قدمت البصرة فأنشدت بشاراً قصيدة لي واستنصحته فيها، فقال لي: ماأجودها! تقدم بغداد فتعطى عشرة آلاف درهم؛ فجزعت من ذلك وقلت: قتلتني! فقال: هو ماأقول لك؛ وقدمت بغداد فأعطيت عليها عشرة آلاف درهم؛ ثم قدمت عليه قدمة أخرى فأنشدته قصيدتي: فقال: تعطى عليها مائة ألف درهم؛ فقدمت فأعطيت مائة ألف درهم، فعدت إلى البصرة فأخبرته بحالي في المرتين، وقلت له: مارأيت أعجب من حدسك! فقال: يابني، أما علمت أنه لم يبق أحد أعلم بالغيب من عمك!. أخبرنا بهذا الخبر محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا يزيد ين محمد المهلبي عن محمد بن عبد الله بن أبي عيينة عن مروان أنه قدم على بشار فأنشده قوله: طرقتك زائة فحي خيالها
فقال له: يعطونك عليها عشرة آلاف درهم، ثم قدم عليه فأنشده قوله:

أنى يكون وليس ذاك بكائن ** لبني البنات وراثة الأعمام

فقال: يعطونك عليها مائة ألف درهم، وذكر باقي الخبر مثل الذي قبله.

امتحن في صلاته فوجد لايصلي
أخبرني عيسى قال حدثنا سليمان قال: قال بعض أصحاب بشار: كنا نكون عنده فإذا حضرت الصلاة قمنا إليها ونجعل حول ثيابه تراباً حتى ننظر هل يقوم يصلي، فنعود والتراب بحاله و ماصلى.

جعل الحب قاضيا بين المحبين بأمر المهدي
اخبرني عيسى قال حدثنا سليمان قال: قال أبو عمرو: بعث المهدي إلى بشار فقال له: قل في الحب شعراً ولاتطل واجعل الحب قاضياً بين المحبين ولاتسم أحداً؛ فقال:

اجعل الحب بين حبـي وبـينـي** قاضياً إنني بـه الـيوم راضـي
فاجتمعنا فقلت ياحـب نـفـسـي ** إن عيني قـلـيلة الإغـمـاض
أنت عذبتني وأنحلت جـسـمـي ** فارحـم الـيوم دائم الأمـراض
قال لي لايحل حكمـي عـلـيهـا ** أنت أولى بالسقـم والإحـراض
قلت لما أجـابـنـي بـهـواهـا ** شمل الجور في الهوى كل قاضي


فبعث إليه المهدي: حكمت علينا ووافقنا ذلك، فامر له بألف دينار
نسب إليه بعضهم أنه
أخذ معنى في شعره من أشعب فرد عليه:
أخبرني عيسى قال حدثني سليمان المدني قال حدثني الفضل بن إسحاق الهاشمي قال: أنشد بشار قوله:
يروعه السرار بكل أرض** مخافة أن يكون به السرار
فقال له رجل: أظنك أخذت هذا من قول أشعب: مارأيت اثنين يتساران إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء؛ فقال: إن كنت أخذت هذا من قول أشعب فإنك ثقل الروح والمقت من الناس جميعا فانفردت به دونهم، ثم قام فدخل وتركنا. وأخذ أبو نواس هذ المعنى بعينه من بشار فقال فيه:

تركتني الوشاة نصب المسري** ن وأحدوثة بكـل مـكـان
ماأرى حاليين في السـر **ألا قلت مايخلوان إلا لشـانـي


اشتنشد هجوه في حماد عجرد
وعمرو الظالمي فأنشد:
أخبرني عمي قال حدثني سليمان قال قال لي أبو عدنان حدثني سعيد جليس كان لأبي زيد قال: أتاني أعشى سليم وأبو حنش فقالا لي: انطلق معنا إلى بشار فتسأله أن ينشدك شيئاً من هجائه في حماد عجرد أو في عمرو الظالمي فإنه إن عرفنا لم ينشدنا، فمضيت معهما حتى دخلت على بشار فاستنشدته فأنشد قصيدة" له على الجال فجعل يخرج من واد في الهجاء إلى واد آخر وهما يستمعان وبشار لايعرفهما، فلما خرجا قال أحدهما للآخر: أما تعجب مما جاء به هذا الأعمى؟ فقال أبو حنش: أماأنا فلا أعرض-والله- والدي أبداً؛ وكانا قد جاءا يزورانه، وأحسبهما أرادا أن يتعرضا لمهاجاته.

maher 13-04-2006 08:28 AM

أخبار حسّان بن ثابت ونسبه
 
أخبار حسّان بن ثابت ونسبه
نسبه من قبل أبويه وكنيته

هو حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك بن النّجّار، واسمه تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة، وهو العنقاء بن عمرو؛ وإنما سمّي العنقاء لطول عنقه. وعمرو هو مزيقياء بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد، وهو ذري - وقيل: ذراء ممدود - بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
قال مصعبٌ الزّبيريّ فيما أخبرنا " به " الحسن بن عليّ عن أحمد بن زهير عمّه قال: بنو عديّ بن عمرو بن مالك " بن " النجّار يسمّون بني معالة. ومعالة أمّه، وهي امرأةٌ من القين وإليها كانوا ينسبون. وأمّ حسّان بن ثابت بن المنذر، الفريعة بنت خالد بن قيس بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج. وقيل: إنّ اسم النجّار تيّم اللاّت؛ وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت:
وأمّ ضرارٍ تنشد النّاس والهاً ** أما لابن تيم الله ماذا أضلّت

يعني ضرار بن عبد المطّلب، وكان ضلّ فنشدته أمّه. وإنما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم تيم الله؛ لأنّ الأنصار كانت تنسب إليه، فكره أن يكون في أنسابها ذكر اللاّت.
ويكنى حسّان بن ثابت أبا الوليد. وهو فحلٌ من فحول الشعراء. وقد قيل: إنّه أشعر أهل المدر. وكان أحد المعمّرين من المخضرمين، عمّر مائةً وعشرين سنةً: ستّين في الجاهليّة وستّين في الإسلام.

عاش حسان مائة وعشرين سنة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أبي عبيدة قال: عاش ثابت بن المنذر مائةً وخمسين سنةً، وعاش حسّان مائةً وعشرين سنة. ومما يحقّق ذلك ما أخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني الزّبير بن بكار قال حدّثني محمد بن حسين عن إبراهيم بن محمد عن صالح بن إبراهيم عن يحيى بن عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة عن حسّان بن ثابت قال: إنّي لغلامٌ يفعةٌ ابن سبع سنين أو ثمانٍ، إذا بيهوديّ بيثرب يصرخ ذات غداةٍ: يا معشر يهود؛ فلما اجتمعوا إليه قالوا: ويلك! مالك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه الليلة. قال: ثم أدركه اليهوديّ ولم يؤمن به. فهذا يدلّ على مدّة عمره في الجاهليّة؛ لأنه ذكر أنه أدرك ليلة ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وله يومئذ ثمان سنين، والنبيّ صلى الله عليه وسلم بعث وله أربعون سنةً، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنةً، فقدم المدينة ولحسّان يومئذ، على ما ذكره، ستّون سنةً أو إحدى وستون سنة، وحينئذ أسلم.
أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عبد الرحمن بن عبد الله قال حدّثني ابن أبي الزّناد قال: عمّر حسّان بن ثابت عشرين ومائة سنةٍ: ستّين في الجاهليّة وستّين في الإسلام.
قال أخبرني الحسن بن عليٍّ قال أخبرني أحمد بن زهير قال حدّث سليمان بن حرب عن حمّاد بن زيد عن يزيد بن حازمٍ عن سليمان بن يسار قال: رأيت حسّان بن ثابت وله ناصيةٌ قد سدلها بين عينيه.

كان يخضب شاربه وعنفقته بالحناء
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفلي عن أبيه قال: كان حسّان بن ثابت يخضب شاربه وعنفقته بالحنّاء، ولا يخضب سائر لحيته. فقال له ابنه عبد الرحمن: يا أبت، لم تفعل هذا؟ قال: لأكون كأنّي أسدٌ والغ في دمٍ.

فضل الشعراء بثلاث
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: فضل حسّان الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهليّة، وشاعر النبيّ صلى الله عليه وسلم في النبوّة، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام.
أجمعت العرب على أنه أشعر أهل المدر قال أبو عبيدة: وأجمعت العرب على أنّ حسّان أشعر أهل المدر. أخبرنا بذلك أيضاً أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن أبي عبيدة قال: اتّفقت العرب على أنّ أشعر أهل المدر أهل يثرب، ثم عبد القيس ثم ثقيفٌ؛ وعلى أنّ أشعر أهل يثرب حسّان بن ثابت.

سأل أبا هريرة عن حديث في شأنه فأجابه
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عفّان قال حدّثنا عبد الواحد بن زياد قال حدّثنا معمر عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب قال.
جاء حسّان إلى نفرٍ فيهم أبو هريرة، فقال: أنشدك الله: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أجب عنّي " ثم قال: " اللّهمّ أيّده بروح القدس "؟ قال أبو هريرة: اللّهمّ نعم.

كان أحد ثلاثة عارضوا شعراء قريش
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا وهب بن جرير قال حدّثنا أبي قال سمعت محمد بن سيرين، قال أبو زيد وحدّثنا هوذة بن خليفة قال حدّثنا عوف بن محمد بن سيرين قال: كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة رهطٍ من قريش: عبد الله بن الزّبعري، وأبو سفّيان بن الحارث بن عبد المطّلب، وعمرو بن العاصي؛ فقال قائل لعليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه: اهج عنّا القوم الذين قد هجونا. فقال عليٌّ رضي الله عنه: إن أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلت. فقال رجلٌ: يا رسول الله، ائذن لعليّ كي يهجو عنّا هؤلاء القوم الذين قد هجونا. قال " ليس هناك " أو " ليس عنده ذلك "؛ ثم قال للأنصار: " ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟ ". فقال حسّان بن ثابت: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه وقال: والله ما يسرّني به مقولٌ بين بصرى وصنعاء. فقال: " كيف تهجوهم وأنا منهم "؟ فقال: إنّي أسلّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قال: فكان يهجوهم ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. فكان حسّان وكعبٌ يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع والأيّام والمآثر ويعيّرانهم بالمثالب، وكان عبد اله بن رواحة يعيّرهم بالكفر. قال: فكان في ذلك الزمان أشد القول عليهم قول حسان وكعب، وأهون القول عليهم قول ابن رواحة. فلمّا أسلموا وفقهوا الإسلام، كان أشدّ القول عليهم قول ابن رواحة.

استأذن النبيّ في هجو قريش
فأمره أن يأخذ أنسابهم عن أبي بكر:
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عبد الله بن بكر بن حبيب السّهميّ قال حدّثنا أبو يونس القشيريّ وهو حاتم بن أبي صغيرة قال حدّثنا سماك بن حرب قال: قام حسّان أبو الحسام فقال: يا رسول الله، ائذن لي فيه، وأخرج لساناً له أسود، فقال: يا رسول الله، لو شئت لفريت به المزاد، ائذن لي فيه. فقال: " اذهب ألى أبي بكر فليحدّثك حديث القوم وأيّامهم وأحسابهم ثم أهجهم وجبريل معك ". قال أبو زبد قال ابن وهب وحدّثنا بهذا الحديث حاتم عن السّدّيّ عن البراء بن عازبٍ وعن سماك بن حرب - فأنا أشك: أهو عن أحدهما أم عنهما جميعاً - قال أبو زيد: وحدّثنا عليّ بن عاصم قال حدّثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حربٍ بنحوه، وزاد فيه: فأخرج لسانه أسود، فوضعه على طرف أرنبته، وقال: يا رسول الله، لو شئت لفريت به المزاد؛ فقال: " يا حسّان وكيف وهو منّي وأنا منه "؟ قال: والله لأسلنّه منك كما يسلّ الشّعر من العجين! قال: " يا حسّان فأت أبا بكر فإنّه أعلم بأنساب القوم منك ". فأتى أبا بكر فأعلمه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: كفّ عن فلانة واذكر فلانة. فقال:

هجوت محمداً فأجبت عنه** وعند الله في ذاك الجزاء
فإنّ أبي ووالده وعرضي** لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكـفءٍ ** فشرّكما لخيركما الفـداء


لما بلغ قريشاً شعره اتهموا أبا بكر أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أحمد بن سليمان عن الأصمعيّ عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال: لمّا أنشدت قريشٌ شعر حسّان قالت: إنّ هذا الشّتم ما غاب عنه ابن أبي قحافة.
قال الزّبير: وحدّثني محمد بن يحيى عن يعقوب بن إسحاق بن مجمّع عن رجلٍ من بني العجلان قال: لما بلغ أهل مكة شعر حسّان ولم يكونوا علموا أنّه قوله، جعلوا يقولون: لقد قال أبو بكر الشّعر بعدنا.

خبره مع ابن الزبعري وضرار

قال الزّبير: وحدّثني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن فضالة عن أبيه عن خالد بن محمد بن فضالة عن أبيه عن خالد بن محمد بن ثابت بن قيس بن شمّاس قال: نهى عمر بن الخطّاب الناس أن ينشدوا شيئاً من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحيّ بالميّت، وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهليّة بما جاء من الإسلام. فقدم المدينة عبد الله بن الزّبعري السّهميّ وضرار بن الخطّاب الفهريّ ثم المحاربيّ، فنزلا على أبي أحمد بن جحش، وقالا له: نحبّ أن ترسل إلى حسّان بن ثابت حتّى يأتيك، فننشده، وينشدنا مما قلنا له وقال لنا. فأرسل إليه فجاءه؛ فقال له: يا أبا الوليد، هذان أخواك ابن الزّبعري وضرار قد جاءا أن يسمعاك وتسمعهما ما قالا لك وقلت لهما. فقال ابن الزّبعري وضرارٌ: نعم يا أبا الوليد، إن شعرك كان يحتمل في الإسلام ولا يحتمل شعرنا، وقد أحببنا أن نسمعك وتسمعنا؟ فقال حسّان: أفتبدآن أم أبدأ؟ قالا: نبدأ نحن. قال: ابتدئا؛ فأنشداه حتى فار فصار كالمّرجل غضباً، ثم استويا على راحلتيهما يريدان مكة؛ فخرج حسّان حتى دخل على عمر بن الخطّاب فقصّ عليه قصّتهما وقصّته؟ فقال له عمر: لن يذهبا عنك بشيء إن شاء الله، وأرسل من يردّهما، وقال له عمر: لو لم تدركهما إلاّ بمكة فارددهما عليّ. وخرجا فلمّا كانا بالرّوحاء رجع ضرار إلى صاحبه بكرهٍ، فقال له يابن الزّبعري: أنا أعرف عمر وذبّه عن الإسلام وأهله، وأعرف حسّان وقلّة صبره على ما فعلنا به، وكأنّي به قد جاء وشكا إليه ما فعلنا، فأرسل في آثارنا وقال لرسوله: أن لم تلحقهما إلاّ بمكة فارددهما عليّ؛ فاربح بنا ترك العناء وأقم بنا مكاننا؛ فإن كان الذي ظننت فالرجوع من الرّوحاء أسهل منه من أبعد منها، وإن أخطأ ظنّي فذلك الذي نحبّ ونحن من وراء المضيّ. فقال ابن الزّبعري: نعم ما رأيت. قال: فأقاما بالرّوحاء، فما كان إلا كمرّ الطائر حتّى وافاهما رسول عمر فردّهما إليه؛ فدعا لهما بحسّان، وعمر في جماعةٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لحسّان: أنشدهما مما قلت لهما؛ فأنشدهما حتّى فرغ مما قال لهما فوقف. فقال له عمر: أفرغت؟ قال: نعم. فقال له: أنشداك في الخلاء وأنشدتهما في الملا. وقال لهما عمر: إن شئتما فأقيما، وإن شئتما فانصرفا. وقال لمن حضره: إنّي قد كنت نهيتكم أن تذكروا مما كان بين المسلمين والمشركين شيئاً دفعاً للتضاغن عنكم وبثّ القبيح فيما بينكم، فأمّا إذ أبو فاكتبوه، واحتفظوا به. فدوّنوا ذلك عندهم. قال خلاّد بن محمد: فأدركته والله وإنّ الأنصار لتجدّده عندها إذا خافت بلاه.
شعر له في هجو أبي سفيان بن الحارث أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عفّان بن مسلم قال حدّثنا عمران بن زيد قال: سمعت أبا إسحاق قال في قصة حسّان وأبي سفيان بن الحارث نحو ما ذكره مما قدّمنا ذكره، وزاد فيه: فقال حسّان فيه:

وإنّ سنام المجد مـن آل هـاشـمٍ** بنو بنت مخزومٍ، ووالدك العـبـد
ومن ولدت أبناء زهرة مـنـكـم **كرامٌ ولم يلحق عجائزك المـجـد
وإنّ امرأً كـانـت سـمـيّة أمّـه ** وسمراء مغلوبٌ إذا بلغ الجـهـد
وأنت هجين نيط فـي آل هـاشـمٍ ** كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد


فقال العبّاس: وما لي وما لحسّان! يعني ذكره نتيلة، فقال فيها:

ولست كعبّاسٍ ولا كابـن أمّـه** ولكن هجينٌ ليس يورى له زند



maher 13-04-2006 08:38 AM

أعانه جبريل في مديح النبي
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا القعنبيّ قال حدّثنا مروان بن معاوية قال حدّثنا إياس السّلميّ عن ابن بريدة قال: أعان جبريل عليه السلام حسّان بن ثابت في مديح النبيّ صلى الله عليه وسلم بسبعين بيتاً.
مدحه النبي وكعباً وابن رواحة أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا محمد بم منصور قال حدّثنا سعيد بن عامر قال حدّثني جويرية بن أسماء قال: بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسّان بن ثابت فشفى واشتفى ".

أخبره النبيّ أن روح القدس يؤيده
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا أحمد بن عيسى قال حدّثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان ويعلى بن شدّاد بن أوس عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسّان بن ثابت الشاعر: " إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك ما كافحت عن الله عز وجل وعن رسول الله " صلى الله عليه وسلم.
استنشده النبيّ وجعل يصغي إليه أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا هوذة بن خليفة قال حدّثنا عوف بن محمد قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلةً وهو في سفرٍ: " أين حسّان بن ثابت "؟ فقال حسّان: لبّيك يا رسول الله وسعديك. قال: " أحد "، فجعل ينشد ويصغي إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ويستمع، فما زال يستمع إليه وهو سائقٌ راحلته حتّى كان رأس الراحلة يمسّ الورك حتّى فرغ من نشيده. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لهذا أشدّ عليهم من وقع النّبل ".

انتهره عمر لإنشاده في مسجد الرسول
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا أبو عاصم النبيل قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرنا زياد بن أبي سهل قال حدّثني سعيد بن المسيّب: أنّ عمر مرّ بحسّان بن ثابت وهو ينشد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهره عمر؛ فقال حسّان: قد أنشدت فيه من هو خيرٌ منك؛ فانطلق عمر.

مدحه الزبير
حدّثنا محمد بن جرير الطبريّ والحرميّ بن أبي العلاء وعبد العزيز بن أحمد عمّ أبي وجماعةٌ غيرهم قالوا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا أبو غزيّة محمد بن موسى قال حدّثني عبد الله بن مصعب عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن جدّتها أسماء بنت أبي بكر قالت: مرّ الزّبير بن العوّام بمجلسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسّان بن ثابت ينشدهم من شعره وهم غير نشاطٍ لما يسمعون منه، فجلس معهم الزّبير فقال: ما لي أراكم غير آذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة! فلقد كان يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسن استماعه ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه بشيء. فقال حسّان:

أقام على عهد الـنـبـيّ وهـديه ** حواريّه والقول بالفـعـل يعـدل
أقام على منهـاجـه وطـريقـه ** يوالي وليّ الحقّ والحـقّ أعـدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي** يصول إذا ما كان يومٌ محـجّـل
إذا كشفت عن ساقها الحرب حشّها ** بأبيض سباقٍ إلى المـوت يرقـل
وإنّ امرأً كانـت صـفـية أمّـه ** ومن أسدٍ في بيتهـا لـمـرفّـل
له من رسول الله قربـى قـريبةٌ ** ومن نضرة الإسلام نصرٌ مؤثّـل
فكم كربةٍ ذبّ الزّبـير بـسـيفـه ** عن المصطفى والله يعطي فيجزل
فما مثله فيهم و لا كـان قـبـلـه ** وليس يكون الدّهر مـا دام يذبـل
ثناؤك خيرٌ من فعال مـعـاشـرٍ ** وفعلك يابن الهاشمـيّة أفـضـل


تقدم هو وكعب وابن رواحة فاختاره النبيّ
أخبرني أحمد بن عيسى العجليّ قال حدّثنا واصل بن عبد الأعلى قال حدّثنا ابن فضيل عن مجالد عن الشّعبيّ قال: لما كان عام الأحزاب وردّهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " من يحمي أعراض المسلمين "؟ فقال كعب: أنا يا رسول الله، وقال عبد الله بن رواحة: أنا يا رسول الله، وقال حسّان بن ثابت: أنا يا رسول الله؛ فقال: " نعم اهجهم أنت فإنّه سيعينك عليهم روح القدس ".

قدم وفد تميم فأمره النبيّ أن يجيب شاعرهم
أخبرنا أحمد قال حدّثنا عمر قال حدّثنا عبد الله بن عمرو وشريح بن النّعمان قالا حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لمّا قدم وفد بني تميم وضع النبيّ صلى الله عليه وسلم لحسّان منبراً وأجلسه عليه، وقال: " إنّ الله ليؤيّد حسّان بروح القدس ما كافح عن نبيّه " صلى الله عليه وسلم. هكذا روى أبو زيد هذا الخبر مختصراً. وأتينا به على تمامه ها هنا؛ لأنّ ذلك حسنٌ فيه: أخبرنا به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن الضّحاك عن أبيه قال: قدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم وفد بني تميم وهم سبعون أو ثمانون رجلاً، فيهم الأقرع بن حابس، والزّبرقان بن بدر، وعطارد بن حاجب، وقيس بن عاصم، وعمرو بن الأهتم، وانطلق معهم عيينة بن حصنٍ، فقدموا المدينة، فدخلوا المسجد، فوقفوا عند الحجرات، فنادوا بصوتٍ عالٍ جافٍ: اخرج إلينا يا محمد؛ فقد جئنا لنفاخرك، وقد جئنا بشاعرنا وخطيبنا. فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس. فقام الأقرع بن حابس فقال: والله إنّ مدحي لزين، وإن ذمّي لشين. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ذلك الله ". فقالوا: إنّا أكرم العرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكرم منكم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ". فقالوا: ايذن لشاعرنا وخطيبنا. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وجلس معه الناس، فقام عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا وهو أهله، الذي جعلنا ملوكاً وجعلنا أعزّ أهل المشرق، وآتانا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف، ليس في الناس مثلنا؛ ألسنا برؤوس النّاس وذوي فضلهم! فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، ولو نشاء لأكثرنا، ولكنّا نستحي من الإكثار فيما خوّلنا الله وأعطانا. أقول هذا، فأتوا بقولٍ أفضل من قولنا، أو أمرٍ أبين من أمرنا. ثم جلس.
فقام ثابت بن قيس بن شمّاس فقال: الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره ووسع كرسيّه علمه، ولم يقض شيئاً إلاّ من فضله وقدرته؛ فكان من قدرته أن اصطفى من خلقه لنا رسولاً أكرمهم حسباً وأصدقهم حديثاً وأحسنهم رأياً، فأنزل عليه كتأبا، وأتمنه على خلقه، وكان خيرة الله من العالمين. ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان، فأجابه من قومه وذوي رحمه المهاجرون أكرم الناس أنسأبا، وأصبح الناس وجوهاً، وأفضل الناس فعالاً. ثم كان أوّل من اتّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب واستجاب له نحن معشر الأنصار؛ فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا ويقولوا: لا إله إلاّ الله. فمن آمن بالله ورسوله منع منّا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في الله، وكان جهاده يسيراً. أقول قولي هذا، وأستغفرالله للمؤمنين والمؤمنات.
فقام الزّبرقان فقال:

نحن الملوك فلا حيٌّ يقاربـنـا ** منّا الملوك وفينا يؤخذ الرّبـع
تلك المكارم حزناها مقـارعةً ** إذا الكرام على أمثالها اقترعوا
كم قد نشدنا من الأحياء كلّـهـم ** عند النّهاب وفضل العزّ يتّبـع
وننحر الكوم عبطاً في منازلنـا ** للنازلين إذا ما استطعموا شبعوا
ونحن نطعم عند المحل ما أكلوا ** من العبيط إذا لم يظهر الفزع
وننصر الناس تأتينا سراتـهـم ** من كلّ أوبٍ فتمضي ثم تتّبـع


فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسّان بن ثابت فجاء، فأمره أن يجيبه.
فقال حسان:

إنّ الـذوائب مــن فـــهـــرٍ وإخـــوتـــهـــم ** قد بـيّنـوا سـنّةً لـــلـــنّـــاس تـــتّـــبـــع
يرضـى بـهـا كـلّ مـن كــانـــت ســـريرتـــه ** تقـوى الإلـه وبــالأمـــر الـــذي شـــرعـــوا
قومٌ إذا حـــاربـــوا ضـــرّوا عـــدوّهــــــم ** أو حـاولـوا الـنّـفـع فـي أشـياعـهـم نـفــعـــوا
سجـيّةٌ تـلـك مـنـــهـــم غـــير مـــحـــدثةٍ ** إنّ الـخـلائق فـاعـلـم شـــرّهـــا الـــبـــدع
لا يرقـع الـنّـاس مــا أوهـــت أكـــفّـــهـــم ** عنـد الـدّفــاع ولا يوهـــون مـــا رقـــعـــوا
إن كـان فـي الـنـاس سـبّـاقــون بـــعـــدهـــم ** فكـلّ سـبـقٍ لأدنـى سـبــقـــهـــم تـــبـــع
أعـفّةٌ ذكـرت فـي الـوحــي عـــفّـــتـــهـــم ** لا يطـمـعــون ولا يزري بـــهـــم طـــمـــع
ولا يضـنّـون عـن جـارٍ بــفـــضـــلـــهـــم ** ولا يمـسّـهـم مـن مـــطـــمـــعٍ طـــبـــع
يسـمـون لـلـحـرب تـبــدو وهـــي كـــاحـــلةٌ ** إذا الـزّعـانـف مـن أظـفـارهـا خـــشـــعـــوا
لا يفـــرحـــون إذا نـــالـــوا عـــدوّهــــم ** وإن أصـــيبـــوا فـــلا خـــورٌ ولا جـــــزع
كأنّـهـم فـي الـوغـى والـمـوت مـكـــتـــنـــعٌ ** أسـود بــيشة فـــي أرســـاغـــهـــا فـــدع
خذ مـنـهـم مـا أتـى عـفــواً وإن مـــنـــعـــوا ** فلا يكـن هـمّـك الأمـر الـــذي مـــنـــعـــوا
فإنّ في حربهم فاترك عداوتهمسمًّا يخاض عليه الصّاب والسّلع
أكرم بقومٍ رسول الله قائدهم ** إذا تـــفـــرّقـــت الأهـــواء والـــشّــــيع
أهـدى لــهـــم مـــدحـــي قـــلـــبٌ يؤازره** فيمـــا أراد لـــســـانٌ حـــائكٌ صـــنــــع
فإنّـهـم أفـــضـــل الأحـــياء كـــلّـــهـــم ** إن جـدّ بـالـنـاس جـدّ الـقـول أو شــمـــعـــوا


فقام عطارد بن حاجب فقال:

أتيناك كيما يعلم الناس فضـلـنـا ** إذا اجتمعوا وقت احتضار المواسم
بأنّا فروع الناس في كلّ مـوطـنٍ ** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم


فقام حسّان بن ثـابـت فـقـال:

منعنا رسول اله من غضبٍ له ** على أنف راضٍ من معدٍّ وراغـم
هل المجد إلاّ السّؤدد العود والنّدى ** وجاه الملوك واحتمال العـظـائم


إسلام وفد تميم وإكرام النبيّ لهم

قال: فقال الأقرع بن حابس: والله إنّ هذا الرجل لمؤتًّى له! والله لشاعره أشعر من شاعرنا، ولخطيبه أخطب " من خطيبنا "، ولأصواتهم أرفع من أصواتنا! أعطني يا محمد فأعطاه. فقال: زدني فزاده. فقال: اللّهمّ إنّه سيد العرب. فنزلت فيهم: " إنّ اللّذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ". ثم إنّ القوم أسلموا، وقاموا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم يتعلّمون القرآن، ويتفقّهون في الدّين. ثم أرادوا الخروج إلى قومهم، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم، وقال: " أما بقي منكم أحدٌ؟ "، وكان عمرو بن الأهتم في ركابهم، فقال قيس بن عاصم، وهو من رهطه وكان مشاحناً له، لم يبق منّا أحدٌ إلاّ غلامٌ حديث السنّ في ركابنا؛ فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم.

مناقضة عمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم
فبلغ عمراً ما قال قيس؛ فقال عمرو بن الأهتم لقيس:

ظللت مفترش الهلباء تشتمـنـي ** عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
إن تبغضونا فإنّ الرّوم أصلـكـم ** والروم لا تملك البغضاء للعـرب
فإنّ سؤددنـا عـودٌ وسـؤددكـم ** مؤخّرٌ عند أصل العجب والذّنـب


فقال له قيس:

لولا دفاعي كنتم أعـبـدّاً ** داركم الحيرة والسّيلحون

محمد العاني 13-04-2006 01:37 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة maher
أخواتي الفاضلات
صمت الكلام
بيلسان
على رسلك


أشكر لكن مروركن الجميل و أرجو أن ينال الآتي إعجابكن أيضا

و سأورد هنا أشهر الشعراء فقط و أشعرهم

أخي محمد مشكور على المرور و أرجو أن يكون الموضوع أعجبك


أخي الحبيب ماهر..
أظن أننا تجاوزنا سؤال أن يُعجبني موضوع لك أو لا..
فمواضيعك كلها جميلة..و ذوقك راقٍ في اختيار الأروع..
تحيّة قلبية حارة لك أخي..



أخوك
محمد

maher 14-04-2006 02:13 AM

شعر حسان الذي يقرر به إيمانه بالرسل
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عمر بن عليّ بن مقدّم عن يحيى بن سعيد عن أبي حيّان التّيميّ عن حبيب بن أبي ثابت، قال أبو زيد وحدّثنا محمد بن عبد الله بن الزّبير قال حدّثنا مسعرٌ عن سعد بن إبراهيم، قالوا: قال حسّان: ثابت للنبيّ صلى الله عليه وسلم:

شهدت بإذن الـلـه أنّ مـحـمـداً ** رسول الذي فوق السماوات من عل
وأنّ أخا الأحقـاف إذ يعـذلـونـه ** يقوم بدين اللـه فـيهـم فـيعـدل
وأنّ أبا يحيى ويحـيى كـلاهـمـا ** له عملٌ فـي دينـه مـتـقـبّـل
وأنّ الذي عادى اليهـود ابـن مـريمٍ** رسولٌ أتى من عند ذي العرش مرسل
وأنّ الذي بالجزع من بطـن نـخـلةٍ ** ومن دونها فلٌّ من الخـير مـعـزل


فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أنا أشهد معك ".

أخبر بوقعة صفين قبل وقوعها
أخبرنا محمد بن خلفٍ وكيع قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثنا ابن أبي أويس قال حدّثني أبي ومالك بن الربيع بن مالك حدّثاني جميعاً عن الرّبيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه قال: بينا نحن جلوسٌ عند حسّان بن ثابت، وحسّان مضطجعٌ مسندٌ رجليه إلى فارعٍ قد رفعهما عليه، إذ قال: مه! أما رأيتم ما مرّ بكم الساعة؟ قال مالك: قلنا: لا والله، وما هو؟ فقال حسّان: فاختةٌ مرّت الساعة بيني وبين فارع فصدمتني، أو قال: فزحمتني. قال: قلنا: وما هي؟ قال:
ستأتيكم غدواً أحاديث جـمّةٌ ** فأصغوا لها آذانكم وتسمّعوا

قال مالك بن أبي عامر: فصبحنا من الغد حديث صفّين.

سمعه المغيرة ينشد شعراً فبعث إليه بمال
أخبرنا وكيع قال حدّثنا اللّيث بن محمد عن الحنظليّ عن أبي عبدة عن العلاء بن جزء العنبري قال: بينا حسّان بن ثابت بالخيف وهو مكفوفٌ، إذ زفر زفرةً ثم قال:

وكأنّ حافرها بكـلّ خـمـيلةٍ** صاعٌ يكيل به شحيحٌ مـعـدم
عاري الأشاجع من ثقيفٍ أصله ** عبدٌ ويزعم أنّـه مـن يقـدم


قال: والمغيرة بن شعبة جالسٌ قريباً منه يسمع ما يقول، فبعث إليه بخمسة آلاف درهم. فقال: من بعث بهذا؟ قال: المغيرة بن شعبة سمع ما قلت. قال: واسوءتاه! وقبلها.

استجار الحارث بن عوف من شعره بالنبي
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني الأصمعيّ قال: جاء الحارث بن عوف بن أبي حارثة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أجرني من شعر حسّان، فلو مزج البحر بشعره لمزجه. قال: وكان السبب في ذلك - فيما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة عن الأصمعيّ، وأخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب -أنّ الحارث بن عوف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابعث معي من يدعو إلى دينك وأنا له جار. فأرسل معه رجلاً من الأنصار. فغدرت بالحارث عشيرته فقتلوا الأنصاريّ، فقدم الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام لا يؤنّب أحداً في وجهه، فقال: " ادعوا لي حسّان "، فدعي له، فلمّا رأى الحارث أنشده:

يا حار من يغدر بـذمّة جـاره ** منكم فإنّ محمـداً لـم يغـدر
إن تغدروا فالغدر منكم شـيمةٌ ** والغدر ينبت في أصول السّخبر


فقال الحارث: اكففه عنّي يا محمد، وأؤدّي إليك دية الخفارة، فأدّى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم سبعين عشراء، وكذلك دية الخفارة، وقال: يا محمد، أنا عائذٌ بك من شرّه، فلو مزج البحر بشعره مزجه.

أنشد شعراً بلغ النبي فآلمه
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إبراهيم بن المنذر قال حدّثنا عبد الله بن وهب قال أخبرنا العطّاف بن خالد قال: كان حسّان بن ثابت يجلس إلى أطمه فارعٍ، ويجلس معه أصحابٌ له ويضع لهم بساطاً يجلسون عليه؛ فقال يوماً، وهو يرى كثرة من يأتي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من العرب فيسلمون:

أرى الجلأبيب قد عزّوا وقد كثروا ** وابن الفريعة أمسى بيضة البلـد

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " من لي بأصحاب البساط بفارع؟ ". فقال صفوان بن المعطّل: أنا لك يا رسول الله منهم؛ فخرج إليهم فاخترط سيفه، فلمّا راوه عرفوا الشرّ بوجهه ففرّوا وتبدّدوا، وأدرك حسّان داخلاً بيته، فضرب وفلق أليته. قال: فبلغنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عوّضه وأعطاه حائطاً، فباعه من معاوية بعد ذلك بمالٍ كثير، فبناه معاوية قصراً، وهو الذي يقال له: " قصر الدّارين ". وقد قيل: إنّ صفوان بن المعطّل إنما ضرب حسّان لما قاله فيه وفي عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم من الإفك؛ لأن صفوان هو الذي رمى أهل الإفك عائشة به.
وأخبرنا محمد بن جرير قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة قال: اعترض صفوان بن المعطّل حسّان بن ثابت بالسّيف لما قذفه به من الإفك حين بلغه ما قاله. وقد كان حسّان قال شعراً يعرّض بابن المعطّل وبمن أسلم من العرب من مضر فقال:

أمسى الجلأبيب قد عزّوا وقد كثروا ** وابن الفريعة أمسى بيضة البـلـد
قد ثكلت أمّه من كنت صـاحـبـه ** أو كان منتشباً في بـرثـن الأسـد
ما للقتـيل الـذي أعـدو فـآخـذه ** من ديةٍ فيه أعـطـيهـا ولا قـود
ما البحر حين تهبّ الريح شـامـيةً ** فيغطئلّ ويرمي العبـر بـالـزّبـد
يوماً بأغلب منّي حين تبـصـرنـي ** بالسيف أفري كفري العارض البرد


فاعترضه صفوان بن المعطّل بالسيف فضربه وقال:

تلقّ ذباب السّيف عنّي فإنّنـي ** غلامٌ إذا هوجيت لست بشاعر

قبض ثابت بن قيس على ابن المعطل لضربه له، ثم انتهى الأمر إلى النبي فاسترضاه: وحدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا " ابن " حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ: أنّ ثابت بن قيس بن الشّمّاس أخا بلحارث بن الخزرج وثب على صفوان بن المعطّل في ضربه حسّان فجمع يديه على عنقه، فانطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج، فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا؟ فقال: ألا أعجّبك! ضرب حسّان بالسيف! والله ما أراه إلاّ قد قتله. فقال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ من هذا؟ قال: لا والله. قال: لقد اجترأت! أطلق الرجل، فأطلقه. ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فدعا حسّان صفوان بن المعطّل؛ فقال ابن المعطّل: يا رسول الله، آذاني وهجاني فضربته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسّان: " يا حسّان أتعيب على قومي أن هداهم الله عزّ وجلّ للإسلام! "، ثم قال: " أحسن يا حسّان في الذي أصابك ". قال: هي لك يا رسول الله.

إيراد ما تقدم برواية أخرى مفصلة
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني المدائنيّ قال حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدّثنا محمد بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن يسارٍ عن بعض رجال بني النجّار بمثل ذلك، وزاد في الشعر الذي قاله حسان زيادةً ووافقه عليها مصعب الزّبيريّ، فيما أخبرنا به الحسن بن عليّ، قال قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمي مصعب في القصّة، فذكر أنّ فتيةً من المهاجرين والأنصار تنازعوا على الماء وهم يسقون خيولهم، فغضب من ذلك حسّان فقال هذا الشعر.
وذكر الزّهريّ، فيما أخبرنا أحمد بن يحيى بن الجعد، قال حدّثنا محمد بن إسحاق المسيّببي قال حدّثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزّهريّ أنّ هذا الخبر كان بعد غزوة النبيّ صلى الله عليه وسلم بني المصطلق.
قال: وكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ يقال له: سنان، ورجل من بني غفار يقال له: جهجاه؛ فخرج جهجاهٌ بفرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرسٍ له يومئذ يسقيهما، فأوردهما الماء، فوجد على الماء فتيةً من الأنصار، فتنازعوا فاقتتلوا؛ فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: هذا ما جزونا به، آويناهم ثم هم يقاتلوننا! وبلغ حسّان بن ثابت الذي بين جهجاه وبين الفتية الأنصار، فقال وهو يريد المهاجرين من القبائل الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام - وهذا الشعر من رواية مصعب دون الزّهريّ -:

أمسى الجلأبيب قد عزّوا وقد كثـروا ** وابن الفريعة أمسى بيضة الـبـلـد
يمشون بالقول سرًّا فـي مـهـادنةٍ ** تهدّداً لي كأنّي لـسـت مـن أحـد
قد ثكلت أمّه من كنـت صـاحـبـه ** أو كان منتشباً في بـرثـن الأسـد
ما للقتيل الذي أسمـوا فـأقـتـلـه** من ديةٍ فيه أعـطـيهـا ولا قـود
ما البحر حين تهبّ الـريح شـامـيةً** فيغطئلّ ويرمي العبـر بـالـزّبـد
يوماً بأغلب منيّ حين تبـصـرنـي ** أفري من الغيظ فري العارض البرد
أمّا قريشٌ فإنّي لسـت تـاركـهـم ** حتى ينيبوا من الغـيّات بـالـرّشـد
ويتركوا اللاّت والعزّى بـمـعـزلةٍ ** ويسجدوا كلّهم للواحـد الـصّـمـد
ويشهدوا أنّ ما قال الرسـول لـهـم ** حقٌّ ويوفوا بعهد الـلـه فـي سـدد
أبلغ بنيّ بأنّي قـد تـركـت لـهـم ** من خير ما ترك الأبـاء لـلـولـد
الدّار واسطةٌ والـنـخـل شـارعةٌ ** والبيض يرفلن في القسّيّ كالـبـرد


قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا حسان نفست عليّ إسلام قومي " وأغضبه كلامه. فغدا صفوان بن المعطّل السّلميّ على حسّان فضربه بالسيف. وقال صفوان:

تلقّ ذباب السّيف عنّي فإننـي ** غلامٌ إذا هوجيت لست بشاعر

فوثب قومه على صفوان فحبسوه، ثم جاؤوا سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وهو مقبلٌ على ناضحه بين القربتين، فذكروا له ما فعل حسّان وما فعلوا؛ فقال: أشاورتم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا لا. فقعد إلى الأرض. وقال: وانقطاع ظهراه! أتأخذون بأيديكم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيكم! ودعا بصفوان فأتي به، فكساه وخلاّه. فجاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كساك كساه الله ". وقال حسّان لأصحابه: احملوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أترضّاه ففعلوا؛ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردّوه. ثم سألهم فحملوه إليه الثانية؛ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانصرفوا به. ثم قال لهم: عودوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا له: قد جئنا بك مرّتين كلّ ذلك يعرض فلا نبرمه بك. فقال: احملوني إليه هذه المرّة وحدها، ففعلوا. فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي! احفظ قولي:

هجوت محمداً فأجبت عنه** وعند الله في ذاك الجزاء
فإنّ أبى ووالده وعرضي ** لعرض محمدٍ منكم وقاء


فرضي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووهب له سيرين أخت مارية أمّ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم. هذه رواية مصعب. وأما الزّهريّ فإنّه ذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا بلغه ضرب السّلميّ حسّان قال لهم: " خذوه فإن هلك حسّان فاقتلوه ". فأخذوه فأسروه وأوثقوه؛ فبلغ ذلك سعد بن عبادة فخرج في قومه إليهم فقال: أرسلوا الرجل، فأبوا عليه؛ فقال: أعمدتم إلى قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤذونهم وتشتمونهم وقد زعمتم أنّكم نصرتموهم! أرسلوا الرجل؛ فأبوا عليه حتى كاد يكون قتالٌ، ثم أرسلوه. فخرج به سعدٌ إلى أهله فكساه حلّةً، ثم أرسله سعدٌ إلى أهله. فبلغنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ليصلّي فيه، فقال: " من كساك كساه الله من ثياب الجنّة ". فقال: كساني سعد بن عبادة. وذكر باقي الخبر نحوه.


maher 14-04-2006 02:27 AM

مدح عائشة والاعتذار عما رماها به
وحدّثني محمد بن جرير الطبريّ قال حدّثني ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث:
أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضاً منها بيرحاء، وهي قصر بني حديلة اليوم بالمدينة، كانت مالاً لأبي طلحة بن سهلٍ تصدّق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه حسّان في ضربته، وأعطاه سيرين " أمة قبطيّة " فولدت له عبد الرحمن بن حسّان. قال: وكانت عائشة تقول: لقد سئل عن صفوان بن المعطّل، فإذا هو حصورٌ " لا يأتي النساء "؛ قتل بعد ذلك شهيداً. قال ابن إسحاق في روايته عن يعقوب بن عتبة: فقال حسّان يعتذر من الذي قال في عائشة:

حصانٌ رزانٌ ما تـزنّ بـريبةٍ ** وتصبح غرثى من لحومٍ الغوافل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم ** فلا رفعت سوطي إليّ أناملـي
وكيف وودّي من قديمٍ ونصرتي ** لآل رسول الله زين المحـافـل
فإنّ الّذي قد قيل لـيس بـلائطٍ ** ولكنّه قول امرئٍ بي مـا حـل


هجاه رجل بما فعل به ابن المعطل
قال الزبير وحدّثني محمد بن الضحّاك: أنّ رجلاً هجا حسّان بن ثابت بما فعل به ابن المعطّل فقال:

وإنّ ابن المعطّل من سليمٍ ** أذلّ قياد رأسك بالخطام

سبه أناس فدافعت عنه عائشة
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرنا أبو عاصمٍ قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني محمد بن السائب عن أمّه: أنّها طافت مع عائشة ومعها أمّ حكيم وعاتكة: " امرأتان من بني مخزوم ". قالت: فابتدرنا حسّان نشتمه وهو يطوف؛ فقالت: أبن الفريعة تسببن! قلن: قد قال فيك فبرّأك الله. قالت: فأين قوله:

هجوت محمداً فأجبت عنه ** وعند الله في ذاك الجزاء
فإنّ أبي ووالده وعرضي ** لعرض محمدٍ منكم وقاء


أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني إبراهيم بن المنذر عن سفيان بن عيينة عن محمد بن السائب بن بركة عن أمّه بنحو ذلك، وزاد فيه: إني لأرجو أن يدخله الله الجنّة بقوله.
أخبرني الحسن قال حدّثنا الزّبير عن عبد العزيز بن عمران عن سفيان بن عيينة وسلم بن خالد عن يوسف بن ماهك عن أمّه قالت: كنت أطوف مع عائشة بالبيت، فذكرت حسّان فسببته؛ فقالت: بئس ما قلت! أتسبّينه وهو الذي يقول: فإنّ أبي ووالده وعرضي لعرض محمدٍ منكم وقاء
فقلت: أليس ممن لعن الله في الدنيا وفي الآخرة بما قال فيك؟ قالت: لم يقل شيئاً، ولكنه الذي يقول:
حصانٌ رزانٌ ما تـزنّ بـريبةٍ **وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فإن كان ما قد جاء عنّي قلـتـه** فلا رفعت سوطي إليّ أناملـي



فخره بلسانه
أخبرني الحسن قال حدّثنا أحمد قال حدّثني أحمد بن سلمان عن سليمان بن حرب قال حدّثنا حمّاد بن زيد عن أيّوب عن محمد بن سيرين: أن حسّان أخذ يوماً بطرف لسانه وقال: يا رسول الله، ما يسرّني أنّ لي به مقولاً بين صنعاء وبصرى، ثم قال: لساني مغولٌ لا عيب فيه وبحري ما تكدّره الدّلاء

خبره يوم الخندق
أخبرنا محمد بن جرير قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة قال حدّثني محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير عن أبيه قال:
كانت صفيّة بنت عبد المطّلب في فارعٍ " حصن حسّان بن ثابت "، يعني يوم الخندق. قالت: وكان حسّان معنا فيه والنساء والصّبيان. قالت: فمرّ بنا رجلٌ من يهود فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيننا وبينهم أحدٌ يدفع عنّا، ورسول الله والمسلمون في نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم، إذ أتانا آتٍ. قالت: فقلت: يا حسّان، إنّ هذا اليهوديّ كما ترى يطيف بالحصن، وإنّي والله ما آمنه أن يدلّ على عوراتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله؛ فقال: يغفر الله لك يا ابنة عبد المطّلب! لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلمّا قال ذلك ولم أر عنده شيئاً احتجزت ثم أخذت عموداً ثم نزلت إليه من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته، فلمّا فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسّان، انزل إليه فاسلبه؛ فإنّه لم يمنعني من سلبه إلاّ أنّه رجلٌ. قال: ما لي بسلبه من حاجةٍ يا بنت عبد المطّلب.
حديث ابن الزبير عن يوم الخندق وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عليّ بن صالح عن جدّي عبد الله بن مصعب عن أبيه قال: كان ابن الزّبير يحدّث أنه كان في فارعٍ " أطم حسّان بن ثابت " مع النساء يوم الخندق ومعهم عمر بن أبي سلمة. قال ابن الزّبير: ومعنا حسّان بن ثابت ضارباً وتداً في آخر الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين حمل على الوتد فضربه بالسيف؛ وإذا أقبل المشركون انحاز عن الوتد حتّى كأنه يقاتل قرناً، يتشبّه بهم كأنّه يري أنّه مجاهدٌ حين جبن. وإنّي لأظلم ابن أبي سلمة وهو أكبر منّي بسنتين فأقول له: تحملني على عنقك حتّى أنظر، فإنّي أحملك إذا نزلت. قال: فإذا حملني ثم سألني أن يركب قلت له: هذه المرّة أيضاً. قال: وإنّي لأنظر إلى أبي معلماً بصفرةٍ، فأخبرتها أبى بعد؛ فقال: " أين كنت حينئذ؟ فقلت: على عنق ابن أبي سلمة يحملني. فقال ": أما والّذي نفسي بيده إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجمع لي أبويه.
قال ابن الزّبير: وجاء يهوديٌّ يرتقي إلى الحصن. فقالت صفيّة له: أعطني السيف، فأعطاها. فلمّا ارتقى اليهوديّ ضربته حتّى قتلته، ثم احتزّت رأسه فأعطته حسّان فقالت: طوّح به؛ فإنّ الرجل أقوى وأشدّ رميةً من المرأة. تريد أن ترعب به أصحابه.
كان حسان مقطوع الأكحل قال الزّبير: وحدّثني عمّي عن الواقديّ قال: كان أكحل حسّان قد قطع فلم يكن يضرب بيده.
أنشد النبي شعراً في شجاعته فضحك قال الزّبير وحدّثني عليّ بن صالح عن جدّي أنّه سمع أن حسّان بن ثابت أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لقد غدوت أمام القوم منتطـقـاً ** بصارمٍ مثل لون الملح قطّـاع
يحفز عنّي نجاد السيف سابـغةٌ ** فضفاضةٌ مثل لون النّهي بالقاع


قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فظنّ حسّان أنه ضحك من صفته نفسه مع جبنه.

قال النابغة إنه شاعر والخنساء بكاءة
قال الزّبير وحدّثني محمد بن الحسن قال: قال حسّان بن ثابت: جئت نابغة بني ذبيان، فوجدت الخنساء بنت عمرو حين قامت من عنده، فأنشدته؛ فقال: إنّك لشاعرٌ، وإنّ أخت بني سليم لبكّاءة.

مع الحطيئة
قال الزّبير وحدّثني يحيى بن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق قال أخبرني غير واحدٍ من مشايخي: أنّ الحطيئة وقف على حسّان بن ثابت وحسّان ينشد من شعره؛ فقال له حسّان وهو لا يعرفه: كيف تسمع هذا الشعر يا أعرأبي؟ قال الحطيئة: لا أرى به بأساً. فغضب حسّان وقال: اسمعوا إلى كلام هذا الأعرأبي! ما كنيتك؟ قال: أبو مليكة. قال: ما كنت قطّ أهون عليّ منك حين كنّيت بامرأةٍ، فما اسمك؟ فال: الحطيئة فقال حسّان: امض بسلام.

اتهمه أعشى بكر عند خمار بالبخل فاشترى كل الخمر وأراقها:
أخبرني محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني محمد بن الحسن بن مسعود الزّرقيّ قال حدّثنا عبد الله بن شبيب قال حدّثني الزّبير، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني الزّبير قال حدّثني بعض القرشيين قال:
دخل حسّان بن ثابت في الجاهليّة بيت خمّارٍ بالشّأم ومعه أعشى بكر بن وائل، فاشتريا خمراً وشربا، فنام حسّان ثم انتبه، فسمع الأعشى يقول للخمّار: كره الشيخ الغرم. فتركه حسّان حتّى نام، ثم اشترى خمر الخمّار كلّها. ثم سكبها في البيت حتّى سالت تحت الأعشى؛ فعلم أنّه سمع كلامه فاعتذر إليه؛ فقال حسّان:

ولسنا بشربٍ فوقهـم ظـلّ بـردةٍ ** يعدّون للخمّار تيساً ومـفـصـدا
ولكنّنا شربٌ كـرامٌ إذا انـتـشـوا ** أهانوا الصّريح والسّديف المسرهدا
كأنّهـم مـاتـوا زمـان حـلـيمةٍ ** فإن تأتهم تحمد ندامـتـهـم غـدا
وإن جئتهم ألفيت حول بـيوتـهـم ** من المسك والجادي فتيتاً مـبـدّدا
ترى حول أثناء الزّرأبي ساقـطـاً ** نعالاً وقسّوباً وريطـاً مـنـضّـدا
وذا نمرقٍ يسعى وملصـق خـدّه ** بديباجةٍ تكفـافـهـا قـد تـقـدّدا


تعييره الحارث بن هشام بفراره
وهذه القصيدة يقولها حسّان بن ثابت في وقعة بدرٍ يفخر بها ويعيّر الحارث بن هشام بفراره عن أخيه أبي جهل بن هشام. وفيها يقول:

إن كنت كاذبة الذي حدّثـتـنـي** فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبّة أن يقاتـل دونـهـم ** ونجا برأس طمـرّةٍ ولـجـام


فأجاب الحارث بن هشام، وهو مشرك يومئذٍ، فقال:

الله يعلم ما تركت قـتـالـهـم ** حتّى رموا فرسي بأشقر مزبد
وعلمت أنّي إن أقاتـل واحـداً ** أقتل ولا يضرر عدوّي مشهدي
ففررت منهم والأحبّة فـيهـم ** طمعاً لهم بعقاب يوم مرصـد


تمثل رتبيل بشعر حسان
أخبرنا محمد بن خلفٍ وكيعٌ قال حدّثني سليمان بن أيّوب قال حدّثنا محمد بن سلاّم عن يونس قال: لمّا صار ابن الأشعث إلى رتبيل، تمثّل رتبيل بقول حسّان بن ثابت في الحارث بن هشام:

ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ** ونجا برأس طمرّةٍ ولجام

فقال له ابن الأشعث: أو ما سمعت ما ردّ عليه الحارث بن هشام؟ قال: وما هو؟ فقال قال: الله

يعلم ما تركت قـتـالـهـم ** حتى رموا فرسي بأشقر مزبد
وعلمت أنّي إن أقاتـل واحـداً ** أقتل ولا يضرر عدوّي مشهدي
فصددت عنهم والأحبّة فـيهـم ** طمعاً لهم بعقاب يوم مرصـد


فقال رتبيل: يا معشر العرب، حسّنتم كلّ شيء حتى حسّنتم الفرار.


maher 14-04-2006 03:10 AM

جرير: أشعر الشعراء
 
نسب جرير وأخباره
نسبه من قبل أبويه: جرير بن عطية بن الخطفى. والخطفى لقبٌ، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار. ويكنى أبا حزرة. ولقب الخطفى لقوله:

يرفعن لليل إذا ما أسدفا ** أعناق جنانٍ وهاماً رجفا
وعنقاً بعد الكلل خيطفا


ويروى: خطفى.

وهو والفرزدق والأخطل المقدمون على شعراء الإسلام الذين لم يدركوا الجاهلية جميعاً. ومختلفٌ في أيهم المتقدم، ولم يبق أحد من شعراء عصرهم إلا تعرض لهم فافتضح وسقط وبقوا يتصاولون، على أن الأخطل إنما دخل بين جرير والفرزدق في آخره أمرهما وقد أسن ونفد أكثر عمره. وهو وإن كان له فضله وتقدمه فليس نجره من نجار هذين في شيء، وله أخبار مفردة عنهما ستذكر بعد هذا مع ما يغنى من شعره.
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي، وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب وأبي غسان دماذ وإبراهيم بن سعدان عن أبيه جميعاً عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، بنسب جرير على ما ذكرته وسائر ما أذكره في الكتاب من أخباره فأحكيه عن أبي عبيدة أو عن محمد بن سلام. قالوا جميعاً: وأم جرير أم قيس بنت معيد بن عمير بن مسعود بن حارثة بن عوف بن كليب بن يربوع. وأم عطية النوار بنت يزيد بن عبد العزى بن مسعود بن حارثة بن عوف بن كليب.

قال أبو عبيدة ومحمد بن سلام ووافقهما الأصمعي فيما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عنه: اتفقت العرب على أن أشعر أهل الإسلام ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، واختلفوا في تقديم بعضهم على بعض. قال محمد بن سلام: والراعي معهم في طبقتهم ولكنه آخرهم، والمخالف في ذلك قليل. وقد سمعت يونس يقول: ما شهدت مشهداً قط ذكر فيه جرير والفرزدق فاجتمع أهل المجلس على أحدهما. وكان يونس فرزدقياً.
قال ابن سلام: وقال ابن دأب: الفرزدق أشعر عامةً وجرير أشعر خاصةً. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو يشبه جريراً بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة، قال أبو عبيدة: يحتج من قدم جريراً بأنه كان أكثرهم فنون شعر، وأسهلهم ألفاظاً، وأقلهم تكلفاً، وأرقهم نسيباً، وكان ديناً عفيفاً. وقال عامر بن عبد الملك: جرير كان أشبههما وأنسبهما.
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني: قال خالد بن كلثوم: ما رأيت أشعر من جرير والفرزدق، قال الفرزدق بيتاً مدح فيه قبيلتين وهجا قبيلتين، قال:

عجبت لعجلٍ إذ تهاجي عبيدها ** كما آل يربوعٍ هجوا آل دارم

يعني بعبيدها بني حنيفة. وقال جرير بيتاً هجا فيه أربعة:

إن الفرزدق والبعيث وأمه ** وأبا البعيث لشر ما إستار

قال: وقال جرير: لقد هجوت التيم في ثلاث كلمات ما هجا فيهن شاعر شاعراً قبلي، قلت:

من الأصلاب ينزل لؤم تيمٍ ** وفي الأرحام يخلق والمشيم

جرير وطبقته من الشعراء: وقال محمد بن سلام: قال العلاء بن جرير العنبري وكان شيخاً قد جالس الناس: إذا لم يجيء الأخطل سابقاً فهو سكيتٌ، والفرزدق لا يجيء سابقاً ولا سكيتاً، وجرير يجيى سابقاً ومصلياً وسكيتاً. قال محمد بن سلام: ورأيت أعرابياً من بني أسد أعجبني ظرفه وروايته، فقلت له: أيهما عندكم أشعر؟ قال: بيوت الشعر أربعة: فخرٌ ومديح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير، قال في الفخر:

إذا غضبت عليك بنو تميمٍ ** حسبت الناس كلهم غضابا

والمديح:

ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

والهجاء:

فغض الطرف إنك من نميرٍ** فلا كعباً بلغت ولا كلابـا

والنسب:

إن العيون التي في طرفها حور** قتلننا ثم لم يحـيين قـتـلانـا

قال أبو عبد الله محمد بن سلام: وبيت النسيب عندي:

فلما التقى الحيان ألقيت العصـا ** ومات الهوى لما أصيبت مقاتله

قال كيسان: أما والله لقد أوجعكم يعني في الهجاء. فقال: يا أحمق! أو ذاك يمنعه أن يكون شاعراً! تفضيله عبيدة بن هلال على الفرزدق: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة، وأخبرنا أبو خليفة قال حدثني محمد بن سلام الجمحي قال حدثني أبان بن عثمان البلخي قال: تنازع في جرير والفرزدق رجلان في عسكر المهلب، فارتفعا إليه وسألاه، فقال: لا أقول بينهما شيئاً ولكني أدلكما على من يهون عليه سخطهما: عبيدة بن هلال اليشكري وكان بإزائه مع قطري وبينهما نهر. وقال عمر بن شبة: في هؤلاء الخوارج من تهون عليه سبال كل واحد منهما فأما أنا فما كنت لأعرض نفسي لهما. فخرج أحد الرجلين وقد تراضيا بحكم الخوارج، فبدر من الصف ثم دع بعبيدة بن هلال للمبارزة فخرج إليه.
فقال: إني أسألك عن شيء تحاكمنا إليك فيه، فقال: وما هو؟ عليكما لعنة الله. قال: فأي الرجلين عندك أشعر: أجرير أم الفرزدق؟ فقال: لعنكما الله ولعن جريراً والفرزدق! أمثلى يسأل عن هذين الكلبين! قالا: لا بد من حكمك. قال: فإني سائلكم قبل ذلك عن ثلاث. قالوا: سل. قال: ما تقولون في إمامكم إذا فجر؟ قالوا: نطيعه وإن عصى الله عز وجل. قال: قبحكم الله! فما تقولون في كتاب الله وأحكامه قالوا: ننبذه وراء ظهورنا ونعطل أحكامه. قال: لعنكم الله إذاً! فما تقولون في اليتيم؟ قالوا: نأكل ماله وننيك أمه. قال: أخزاكم الله إذاً! والله لقد زدتموني فيكم بصيرةً. ثم ذهب لينصرف، فقالوا له: إن الوفاء يلزمك، وقد سألتنا فأخبرناك ولم تخبرنا، فرجع فقال: من الذي يقول:

إنا لنذعر يا قفـير عـدونـا ** بالخيل لاحقة الأياطل قـودا
وتحوط حوزتنا وتحمي سرحنا** جردٌ ترى لمغارها أخـدودا

أجرى قلائدها وقدد لحـمـهـا ** ألا يذقن مع الشـكـائم عـوداً
وطوى القياد مع الطراد متونها ** طي التجار بحضر موت برودا


قالا: جريرٌ، فهو ذاك، فانصرفا.
حديث الأصمعي وغيره عنه: أخبرني عم أبي عبد العزيز بن أحمد قال حدثنا الرياشي قال قال الأصمعي وذكر جريراً فقال: كان ينهشه ثلاثة أوربعون شاعراً فينبذهم وراء ظهره ويرمي بهم واحداً واحداً، ومنهم من كان ينفحه فيرمي به، وثبت له الفرزدق والأخطل. وقال جرير: والله ما يهجوني الأخطل وحده وإنه ليهجوني معه خمسون شاعراً كلهم عزيزٌ ليس بدون الأخطل، وذلك أنه كان إذا أراد هجائي جمعهم على شراب، فيقول هذا بيتاً وهذا بيتاً، وينتحل هو القصيدة بعد أن يتمموها.
قال ابن سلام: وحدثني أبو البيداء الرياحي قال قال الفرزدق: إني وإياه لنغترف من بحر واحد وتضطرب دلاؤه عند طول النهر.
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني زيرك بن هبيرة المناني قال: كان جريرٌ ميدان الشعر، من لم يجر فيه لم يرو شيئاً، وكان من هاجى جريراً فغلبه جرير أرجح عندهم ممن هاجى شاعراً آخر غير جرير فغلب.
أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: تذاكروا جريراً والفرزدق في حلقة يونس بن معاوية بن أبي عمر بن العلاء وخلف الأحمر ومسمع وعامر ابنا عبد الملك المسمعيان، فسمعت عامراً وهو شيخ بكر بن وائل يقول: كان جرير والله أنسبهما وأسبهما وأشبههما.
سمع الراعي شعره فأقر بأنه جدير بالسبق: قال ابن سلام: وحدثني أبو البيداء قال: مر راكبٌ بالراعي وهو يغني بيتين لجرير، وهما:

وعاو عوى من غير شيء رميته ** بقارعةٍ أنفاذها تقطر الـدمـا
خروجٍ بأفواه الرواة كـأنـهـا قرا** هندوانيٍّ إذ هز صمـمـا


فأتبعه الراعي رسولاً يسأله لمن البيتان؟ قال: لجرير. قال: لو اجتمع على هذا جميع الجن والإنس ما أغنوا فيه شيئاً. ثم قال لمن حضر: ويحكم أألام على أن يغلبني مثل هذا!.
رأي بشار فيه وفي صاحبيه ورثاؤه ابنه: قال ابن سلام: وسألت بشاراً المرعث: إي الثلاثة أشعر؟ فقال: لم يكن الأخطل مثلهما ولكن ربيعة تعصبت له وأفرطت فيه. قلت: فهذان؟ قال: كانت لجرير ضروبٌ من الشعر لا يحسنها الفرزدق، ولقد ماتت النوار فقاموا ينوحون عليها بشعر جرير. فقلت لبشار: وأي شيء لجريرٍ من المراثي إلا التي رثى بها امرأته! فأنشدني لجرير يرثي ابنه سوادة ومات بالشأم:

قالوا نصيبـك مـن أجـرٍ لـهـم ** كيف العزاء وقد فارقت أشبـالـي
فارقتني حين كف الدهر من بصري ** وحين صرت كعظم الرمة البالـي
أمس سوادة يجلو مقلـتـي لـحـمٍ ** بازٍ يصرصر فوق المربأ العالـي
قد كنت أعرفه مني إذا غـلـقـت ** رهن الجياد ومد الغاية الـغـالـي
إن الثوي بذي الزيتون فاحتسـبـي ** قد أسرع اليوم في عقلي وفي حالي
إلا تكن لـك بـالـديرين مـعـولةٌ ** فرب باكيةٍ بـالـرمـل مـعـوال
كأم بوٍّ عجـولٍ عـنـد مـعـهـده ** حنت إلى جلـدٍ مـنـه وأوصـال
حتى إذا عرفـت أن لا حـياة بـه ** ردت هماهم حرى الجوف مثكـال
زادت على وجدها وجداً وإن رجعت** في الصدر منها خطوبٌ ذات بلبال


أخبرني عبد الواحد بن عبيد عن قعنب بن المحرز الباهلي عن المغيرة بن حجناء وعمارة بن عقيل قالا: خرج جرير إلى دمشق يؤم الوليد، فمرض ابن له يقال له سوادة، وكان به معجباً، فمات بالشأم، فجزع عليه ورثاه جرير فقال:

أودى سوادة يجلو مقلتي لـحـمٍ ** بازٍ يصرصر فوق المربأ العالي

حديث الفرزدق عنه: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية قال حدثني رجل من أصحاب الحديث يقال له الحسن قال حدثني أبو نصر اليشكري عن مولى لبني هاشم قال: إمترى أهل المجلس في جرير والفرزدق أيهما أشعر، فدخلت على الفرزدق فما سألني عن شيء حتى قال:
يا نوار، أدركت برنيتك؟ قالت: قد فعلت أو كادت. قال: فابثعي بدرهم فاشتري لحماً، ففعلت وجعلت تشرحه وتلقيه على النار ويأكل. ثم قال: هاتي برنيتك، فشرب قدحاً ثم ناولني، وشرب آخر ثم ناولني. ثم قال: هات حاجتك يا بن أخي، فأخبرته، قال: أعن ابن الخطفى تسألني! ثم تنفس حتى قلت: انشقت حيازيمه، ثم قال: قاتله الله! فما أخشن ناحيته وأشرد قافيته! والله لو تركوه لأبكى العجوز على شبابها، والشابة على أحبابها، ولكنهم هروه فوجدوه عند الهراش نابجا وعند الجراء قارحاً، وقد قال بيتاً لأن أكون قلته أحب إلى مما طلعت عليه الشمس:

إذا غضبت عليك بنو تميم ** حسبت الناس كلهم غضابا

أثنى عليه الفرزدق أمام الأحوص: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة، قالا: نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة. فقال الأحوص: ما تشتهي؟ قال: شواء وطلاء وغناء. قال: ذلك لك، ومضى به إلى قينة بالمدينة، فغنته:

صوت ألا حي الديار بسـعـد** إنـي أحب لحب فاطـمة الـديارا
إذا ما حل أهلك يا سلـيمـى ** بدارة صلصلٍ شحطوا مزارا
أراد الظاعنون ليحزنـونـي ** فهاجوا صدع قلبي فاستطار


فقال الفرزدق: ما أرق أشعاركم يأهل الحجاز وأملحها! قال: أو ما تدري لمن هذا الشعر؟ قال: لا والله. قال: فهو والله لجريرٍ يهجوك به. فقال: ويل ابن المراغة! ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، وأحوجني مع شهواتي إلى رقة شعره!.


maher 15-05-2006 02:45 AM

قال رجل من بني دارم للفرزدق وهو بالبصرة: يا أبا فراس، هل تعلم اليوم أحداً يرمي معك؟ فقال: لا! والله ما أعرف نابحاً إلا وقد استكان ولا ناهشاً إلا وقد انجحر إلا القائل:

فإن لم أجد في القرب والبعد** حاجتي تشأمت أو حولت وجهي يمـانـيا
فردي جمال الحي ثم تحمـلـنـي ** فما لك فيهم من مـقـامٍ ولا لـيا
فإني لمغرورٌ أعلـل بـالـمـنـى ** ليالي أرجـو أن مـالـك مـالـيا
وقائلةٍ والدمع يحـدر كـحـلـهـا** أبعد جرير تكرمـون الـمـوالـيا
بأي نجادٍ تحمل السيف بـعـد مـا ** قطعت القوى من محملٍ كان باقيا
بأي سنانٍ تطعن القـرم بـعـدمـا** نزعت سناناً من قناتـك مـاضـيا
لساني وسيفي صارمان كلاهـمـا** وللسيف أشوى وقعةً من لسـانـيا


قال: وهذا الشعر لجرير.
وفد على يزيد بن معاوية وأخذ جائزته: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد بن عمارة بن عقيل عن أبيه قال: قال جرير: وفدت إلى يزيد بن معاوية وأنا شابٌ يومئذ، فاستؤذن لي عليه في جملة الشعراء، فخرج الحاجب إلي وقال: يقول لك أمير المؤمنين: إنه لا يصل إلينا شاعر لا نعرفه ولا نسمع بشيءٍ من شعره، وما سمعنا لك بشيء فنأذن لك على بصيرة. فقلت له: تقول لأمير المؤمنين: أنا القائل:

وإني لعف الفقر مشترك الغنـى ** سريعٌ إذا لم أرض داري انتقاليا
جريء الجنان لا أهاب من الردى ** إذا ما جعلت السيف قبض بنانيا
وليس لسيفي في العظام بـقـيةٌ ** وللسيف أشوى وقعةً من لسانـيا


فدخل الحاجب عليه فأنشده الأبيات، ثم خرج إلي وأذن لي، فدخلت وأنشدته وأخذت الجائزة مع الشعراء، فكانت أول جائزة أخذتها من الخليفة، وقال لي: لقد فارق أبي الدنيا وما يظن أبياتك التي توسلت بها إلي إلا لي.
موازنة حماد الراوية بينه وبين الفرزدق: أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال: أتيت الفرزدق فأنشدني، ثم قال لي: هل أتيت الكلب جريراً؟ قلت نعم. قال: فأنا أشعر أو هو؟ فقلت: أنت في بعض الأمر وهو في بعض. فقال: لم تناصحني. فقلت: هو أشعر إذا أرخى من خناقه، وأنت أشعر منه إذا خفت أو رجوت. فقال: وهل الشعر إلا في الخوف والرجاء وعند الخير والشر!.
حكم له بشر بن مروان وقد تفاخر هو والفرزدق بحضرته: أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن يحيى بن عنبسة القرشي وعوانة بن الحكم: أن جريراً والفرزدق اجتمعا عند بشر بن مروان، فقال لهما بشر: إنكما قد تقارضتما الأشعار وتطالبتما الآثار وتقاولتما الفخر وتهاجيتما. فأما الهجاء فليست بي إليه حاجة، فجددا بين يدي فخراً ودعاني مما مضى.

فقال الفرزدق: نحن السنام والمناسـم غـيرنـا ** فمن ذا يساوي بالسنام المناسما!
فقال جرير: على موضع الأستاه أنتم زعمتم ** وكل سنامٍ تابعٌ للـغـلاصـم
فقال الفرزدق: على محرثٍ للفرث أنتم زعمتـم ** ألا إن فوق الغلصمات الجماجما
فقال جرير: وأنبأتمونا أنكم هام قومكم ** ولا هام إلا تابعٌ للخراطم
فقال الفرزدق: فنحن الزمام القائد المقتدى بـه ** من الناس ما زلنا ولسنا لهازما
فقال جرير: فنحن بني زيد قطعنا زمامـهـا ** فتاهت كسارٍ طائش الرأس عارم

فقال بشر: غلبته يا جرير بقطعك الزمام وذهابك بالناقة. وأحسن الجائزة لهما وفضل جريراً.

جرير وسكينة بنت الحسين:
قال المدائني وحدثني عوانة بن الحكم قال: جاء جرير إلى باب سكينة بنت الحسين عليه السلام يستأذن عليها فلم تأذن له، وخرجت إليه جارية لها فقالت: تقول لك سيدتي: أنت القائل:

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا** حين الزيارة فارجعي بسـلام

قال نعم. قالت: فألا أخذت بيدها فرحبت به وأدنيت مجلسها وقلت لها ما يقال لمثلها! أنت عفيفٌ وفيك ضعف، فخذ هذين الألفي الدرهم فالحق بأهلك.

تفضيل سكينة بنت الحسين له على الفرزدق:
قال المدائني في خبره هذا وحدثني أبو يعقوب الثقفي عن الشعبي: أن الفرزدق خرج حاجاً، فلما قصى حجه عدل إلى المدينة فدخل إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام فسلم. فقالت له: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قلت: كذبت! أشعر منك الذي قال:

بنفسي من تجنبـه عـزيزٌ ** علي ومن زيارته لمـام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ** ويطرقني إذا هجع النيام


فقال: والله لو أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. قالت: أقيموه فأخرج ثم عاد إليها من الغد فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس. قال: أنا. قالت: كذبت! صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:

لولا الحياء لعادني استعـبـار ** ولزرت قبرك والحبيب يزار
كانت إذا هجر الضجيع فراشها ** كتم الحديث وعفت الأسـرار
لا يلبث القرناء أن يتفـرقـوا ** ليلٌ يكر علـيهـم ونـهـار


فقال: والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه، فأمرت به فأخرج. ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولداتٌ لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها وبهت ينظر إليها. فقالت له سكينة: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت! صاحبك أشعر منك حيث يقول:

إن العيون التي في طرفها مرضٌ ** قتلننا ثم لـم يحـيين قـتـلانـا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به** وهن أضعف خلق الله أركـانـا
أتبعتهم مقلةً إنسـانـهـا غـرق ** هل ما ترى تاركٌ للعين إنسانـا


حضر أعرابي مائدة عبد الملك بن مروان ووصف له طعاماً أشهى من طعامه ثم سأله عن أحسن الشعر فأجاب من شعر جرير.
صنع عبد الملك بن مروان طعاماً فأكثر وأطاب ودعا إليه الناس فأكلوا. فقال بعضهم: ما أطيب هذا الطعام! ما نرى أن أحداً رأى أكثر منه ولا أكل أطيب منه. فقال أعرابي من ناحية القوم: أما أكثر فلا، وأما أطيب فقد والله أكلت أطيب منه، فطفقوا يضحكون من قوله. فأشار إليه عبد الملك فأدني منه، فقال: ما أنت بمحقٍّ فيما تقول إلا أن تخبرني بما يبين به صدقك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، بينا أنا بهجر في برثٍ أحمر في أقصى حجر، إذ توفي أبي وترك كلاًّ وعيالاً، وكان له نخل، فكانت فيه نحلةٌ لم ينظر الناظرون إلى مثلها، كأن تمرها أخفاف الرباع لم ير تمرٌ قد أغلظ ولا أصلب ولا أصغر نوًى ولا أحلى حلاوةً منه. وكانت تطرقها أتانٌ وحشيةٌ قد ألفتها تأوي الليل تحتها، فكانت تثبت رجليها في أصلها وترفع يديها وتعطو بفيها فلا تترك فيها إلا النبيذ والمتفرق، فأعظمني ذلك ووقع مني كل موقع، فانطلقت بقوسي وأسهمي وأنا أظن أني أرجع من ساعتي، فمكثت يوماً وليلةً لا أراها، حتى إذا كان السحر أقبلت، فتهيأت لها فرشقتها فأصبتها وأجهزت عليها، ثم عمدت إلى سرتها فاقتددتها، ثم عمدت إلى حطب جزل فجمعته إلى رضفٍ وعمدت إلى زندي فقدحت وأضرمت النار في ذلك الحطب، وألقيت سرتها فيها، وأدركني نوم الشباب فلم يوقظني إلا حر الشمس في ظهري، فانطلقت إليها فكشفتها وألقيت ما عليها من قذًى وسواد ورماد، ثم قلبت منها مثل الملاءة البيضاء، فألقيت عليها من رطب تلك النخلة المجزعة والمنصفة، فسمعت لها أطيطاً كتداعي عامرٍ وغطفان، ثم أقبلت أتناول الشحمة واللحمة فأضعها بين التمرتين وأهوي إلى فمي، فيما أحلف إني ما أكلت طعاماً مثله قط. فقال له عبد الملك : لقد أكلت طعاماً طيباً، فمن أنت؟ قال: أنا رجل جانبتني عنعنة تميمٍ وأسدٍ وكشكشة ربيعة وحوشي أهل اليمن وإن كنت منهم. فقال: من أيهم أنت؟ قال: من أخوالك من عذرة. قال: أولئك فصحاء الناس، فهل لك علمٌ بالشعر؟ قال: سلني عما بدا لك يا أمير المؤمنين. قال: أي بيتٍ قالته العرب أمدح؟ قال: قول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

قال: وكان جرير في القوم، فرفع رأسه وتطاول لها. ثم قال: فأي بيتٍ قالته العرب أفخر؟ قال:

قول جرير: إذا غضبت عليك بنو تميم ** حسبت الناس كلهم غضابا

قال: فتحرك لها جرير. ثم قال له: فأي بيتٍ أهجى؟ قال:

قول جرير: فغض الطرف إنك من نميرٍ** فلا كعباً بلغت ولا كلابـا

قال: فاستشرف لها جريرٌ. قال: فأي بيتٍ أغزل؟ قال:

قول جرير: إن العيون التي في طرفها مرضٌ ** قتلننا ثم لـم يحـيين قـتـلانـا

قال: فاهتز جرير وطرب. ثم قال له: فأي بيتٍ قالته العرب أحسن تشبيهاً؟ قال:

قول جرير: سرى نحوهم ليلٌ كأن نجومه ** قناديل فيهن الذبالى المفتـل

فقال جرير: جائزتي للعذري يا أمير المؤمنين. فقال له عبد الملك: وله مثلها من بيت المال، ولك جائزتك يا جرير لا تنتقص منها شيئاً. وكانت جائزة جريرٍ آلاف درهم وتوابعها من الحملان والكسوة. فخرج العذري وفي يده اليمنى ثمانية آلاف درهم وفي اليسرى رزمة ثياب.

maher 15-05-2006 02:58 AM

قصته مع عمر بن عبد العزيز حين وفد عليه: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو الهيثم بدر بن سعيد العطار قال حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه الشعراء فجعلوا لا يصلون إليه، فجاء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعليه عمامةٌ قد أرخى طرفيها فدخل، فصاح به جرير:

يأيها القارىء المرخى عمامـتـه ** هذا زمانك إني قد مضى زمنـي
أبلغ خليفتـنـا إن كـنـت لاقـيه ** أني لدى الباب كالمصفود في قرن


قال: فدخل على عمر فاستأذن له، فأدخله عليه. وقد كان هيأ له شعراً، فلما دخل عليه غيره وقال:

إنا لنرجو إذا ما الغيث أخـلـفـنـا ** من الخليفة ما نرجو من المـطـر
نال الخلافة إذ كـانـت لـه قـدراً ** كما أتى ربه موسى عـلـى قـدر
أأذكر الجهد والبلوى التـي نـزلـت ** أم تكتفي بالذي بلغت من خـبـري
ما زلت بعدك في دارٍ تعـرفـنـي ** قد طال بعدك إصعادي ومنحـدري
لا ينفع الحاضر المجـهـود بـادينـا ** ولا يجود لنا بادٍ عـلـى حـضـر
كم بالمواسم من شـعـثـاء أرمـلةٍ ** ومن يتيمٍ ضعيف الصوت والبصـر
يدعوك دعوة ملـهـوفٍ كـأن بـه ** خبلاً من الجن أو مساً من النـشـر
ممن يعدك تـكـفـي فـقـد والـده ** كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر


قال: فبكى عمر ثم قال: يا بن الخطفى، أمن أبناء المهاجرين أنت فنعرف لك حقهم، أم من أبناء الأنصار فيجب لك ما يجب لهم، أم من فقراء المسلمين فنأمر صاحب صدقات قومك فيصلك بمثل ما يصل به قومك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنا بواحدٍ من هؤلاء، وإني لمن أكثر قومي مالاً، وأحسنهم حالاً، ولكني أسألك ما عودتنيه الخلفاء: أربعة آلاف درهم وما يتبعها من كسوةٍ وحملانٍ. فقال له عمر: كل امرىء يلقى فعله، وأما أنا فما أرى لك في مال الله حقاً، ولكن انتظر، يخرج عطائي، فأنظر ما يكفي عيالي سنةً منه فأدخره لهم، ثم إن فضل فضلٌ صرفنها إليك. فقال جرير: لا، بل يوفر أمير المؤمنين ويحمد وأخرج راضياً، قال: فذلك أحب إلي، فخرج. فلما ولى قال عمر: إن شر هذا ليتقى، ردوه إلي، فردوه فقال: إن عندي أربعين ديناراً وخلعتين إذا غسلت إحداهما لبست الأخرى، وأنا مقاسمك ذلك، على أن الله جل وعز يعلم أن عمر أحوج إلى ذلك منك. فقال له: قد وفرك الله يا أمير المؤمنين وأنا والله راض. قال: أما وقد حفلت فإن ما وفرته علي ولم تضيق به معيشتنا آثر في نفسي من المدح، فامض مصاحباً، فخرج. فقال له أصحابه وفيهم الفرزدق: ما صنع بك أمير المؤمنين يا أبا حزرة؟ قال: خرجت من عند رجل يقرب الفقراء ويباعد الشعراء وأنا مع ذلك عنه راضٍ ثم وضع رجله في غرز راحلته وأتى قومه. فقالوا له: ما صنع بك يا أمير المؤمنين أبا حزرة؟ فقال:

تركت لكم بالشأم حبل جـمـاعةٍ ** أمين القوى مستحصد العقد باقيا
وجدت رقى الشيطان لا تستفزه ** وقد كان شيطاني من الجن راقيا


هذه رواية عمر بن شبة. وأما اليزيدي فإنه قال في خبره: فقال له جريرٌ يا أمير المؤمنين، فإني ابن سبيل. قال: لك ما لأنباء السبيل، زادك ونفقةٌ تبلغك وتبدل راحلتك إن لم تحملك. فألح عليه، فقالت له بنو أمية: يا أبا حزرة، مهلاً عن أمير المؤمنين، ونحن نرضيك من أموالنا عنه، فخرج. وجمعت له بنو أمية مالاً عظيماً، فما خرج من عند خليفةٍ بأكثر مما خرج من عند عمر.


رؤيا أمه وهي حامل به: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال: رأت أم جريرٍ وهي حاملٌ به كأنها ولدت حبلاً من شعرٍ أسود، فلما سقط منها جعل ينزو فيقع في عنق هذا فيخنقه حتى فعل ذلك برجالٍ كثيرٍ، فانتبهت فزعةً فأولت الرؤيا فقيل لها: تلدين غلاماً شاعراً ذا شرٍّ وشدة شكيمة وبلاءٍ على الناس. فلما ولدته جريراً باسم الحبل الذي رأت أنه خرج منها. قال: والجرير: الحبل.
قال إنه أشعر الناس لأنه فاخر بأبيه وهو دنيء: قال إسحاق وقال الأصمعي حدثني بلال بن جرير - أو حدثت عنه - أن رجلاً قال لجرير: من أشعر الناس؟ قال له: قم حتى أعرفك الجواب، فأخذ بيده وجاء به إلى أبيه عطية وقد أخذ عنزاً له فاعتقلها وجعل يمص ضرعها، فصاح به: اخرج يا أبت، فخرج شيخٌ دميمٌ رث الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته، فقال: ألا ترى هذا؟ قال نعم. قال: أو تعرفه؟ قال لا. هذا أبي، أفتدري لم كان يشرب من ضرع العنز؟ قلت لا. قال: مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه لبن. ثم قال: أشعر الناس من فاخر بمثل هذا الأب ثمانين شاعراً وقارعهم به فغلبهم جميعاً.
:New2: :New2:


جرير والأخطل في حضرة عبد الملك بن مروان: أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن عبد الله بن آدم بن جشم عن عمارة بن عقيل عن أبيه قال: وقف جريرٌ على باب عبد الملك بن مروان والأخطل داخلٌ عنده، وقد كانا تهاجيا ولم ير أحد منهما صاحبه، فلما استأذنوا عليه لجرير أذن له فدخل فسلم ثم جلس وقد عرفه الأخطل، فطمح طرف جرير إلى الأخطل وقد رآه ينظر إليه نظراً شديداً فقال له: من أنت؟ فقال: أنا الذي منعت نومك وتهضمت قومك. فقال له جرير: ذلك أشقى لك كائناً من كنت. ثم أقبل على عبد الملك بن مروان فقال: من هذا يا أمير المؤمنين؟ جعلني الله فداك! فضحك ثم قال: هذا الأخطل يا أبا حزرة. فرد عليه بصره ثم قال: فلا حياك الله يا بن النصرانية! أما منعك نومي فلو نمت عندك لكان خيراً لك. وأما تهضمك قومي فكيف تهضمهم وأنت ممن ضربت عليه الذلة وباء بغضبٍ من الله وأدى الجزية عن يدٍ وهو صاغر. وكيف تتهضم لا أم لك فيهم النبوة والخلافة وأنت لهم عبدٌ مأمور ومحكومٌ عليه لا حاكم. ثم أقبل على عبد الملك فقال: ائذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النصرانية، فقال لا يجوز أن يكون ذلك بحضرتي.
تحاكم هو وبنو حمان إلى إبراهيم بن عدي في بئر فحكم له: أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني أبو يحيى الضبي قال: نازع جرير بني حمان في ركية لهم، فصاروا إلى إبراهيم بن عدي باليمامة يتحاكمون إليه؛ فقال جرير:

أعوذ بالأمير غير الجـبـار *** من ظلم حمان وتحويل الدار
ما كان قبل حفرنا من محـفـار ** وضربي المنقار بعد المنـقـار
في جبـل أصـم غـير خـوار ** يصيح بالجب صياح الـصـرار
له صهيل كصـهـيل الأمـهـار ** فاسأل بني صحبٍ ورهط الجرار
والسلميين العـظـام الأخـطـار** والجار قد يخبر عن دار الجـار


فقال الحماني:

ما لكليبٍ من حمـى ولا دار ** غير مـقـام أتـنٍ وأعـيار
قعس الظهور داميات الأثفار


قال فقال جرير: فعن مقامهن، جعلت فداك، أجادل. فقال ابن عدي للحماني: لقد أقررت لخصمك، وحكم بها لجرير.

maher 10-05-2007 05:17 AM

ذكر الأخطل وأخباره ونسبه

هو غياث بن غوث بن الصلت بن الطارقة، ويقال ابن سيحان بن عمرو بن الفدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمر بن غنم بن تغلب. ويكنى أبا مالك. وقال المدائني: هو غياث بن غوث بن سلمة بن طارقة، قال: ويقال لسلمة سلمة اللحام. قال: وبعث النعمان بن المنذر بأربعة أرماح لفرسان العرب، فأخذ أبو براء عامر بن مالك رمحا، وسلمة بن طارقة اللحام رمحا وهو جد الأخطل، وأنس بن مدرك رمحا، وعمرو بن معد يكرب رمحا.
والأخطل لقب غلب عليه. ذكر هارون بن الزيات عن ابن النطاح عن أبي عبيدة أن السبب فيه أنه هجا رجلا من قومه، فقال له: يا غلام، إنك لأخطل، فغلبت عليه. وذكر يعقوب بن السكيت أن عتبة بن الزعل بن عبد الله بن عمر بن عمرو بن حبيب بن الهجرس بن تيم بن سعد بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب حمل حمالة، فأتى قومه يسأل فيها، فجعل الأخطل يتكلم وهو يومئذ غلام. فقال عتبة: من هذا الغلام الأخطل? فلقب به.
قال يعقوب وقال غير أبي عبيدة: إن كعب بن جعيل كان شاعر تغلب، وكان لا يأتي منهم قوما إلا أكرموه وضربوا له قبة، حتى إنه كان تمد له حبال بين وتدين فتملأ له غنما. فأتى في مالك بن جشم ففعلوا ذلك به، فجاء الأخطل وهو غلام فأخرج الغنم وطردها، فسبه عتبة ورد الغنم إلى مواضعها، فعاد وأخرجها وكعب ينظر إليه، فقال: إن غلامكم هذا لأخطل - والأخطل: السفيه - فغلب عليه. ولج الهجاء بينهما، فقال الأخطل فيه:
سميت كعبا بشر العـظـام *** وكان أبوك يسمى الجعـل

فقال كعب: قد كنت أقول لا يقهرني إلا رجل له ذكر ونبأ، ولقد أعددت هذين البيين لأن أهجى بهما منذ كذا وكذا، فغلب عليهما هذا الغلام.

وكان نصرانيا من أهل الجزيرة. ومحله في الشعر أكبر من أن يحتاج إلى وصف. وهو وجرير والفرزدق طبقة واحدة، فجعلها ابن سلام أول طبقات الإسلام. ولم يقع إجماع على أحدهم أنه أفضل، ولكل واحد منهم طبقة تفضله عن الجماعة.

أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن أبي عبيدة قال: جاء رجل إلى يونس فقال له: من أشعر الثلاثة? قال: الأخطل. قلنا: من الثلاثة? قال: أي ثلاثة ذكروا فهو أشعرهم. قلنا: عمن تروي هذا? قال: عن عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق الحضرمي وأبي عمرو بن العلاء وعنبسة الفيل وميمون الأقرن الذين ماشوا الكلام وطرقوه. أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز قال قال أبو عبيدة عن يونس، فذكر مثله وزاد فيه: لا كأصحابك هؤلاء لا بدويون ولا نحويون. فقلت للرجل: سله وبأي شيء فضلوه? قال: بأنه كان أكثرهم عدد طوال جياد ليس فيها سقط ولا فحش وأشدهم تهذيبا للشعر. فقال أبو وهب الدقاق: أما إن حماد وجنادا كانا لا يفضلانه. فقال: وما حماد وجناد لا نحويان ولا بدويان ولا يبصران الكسور ولا يفصحان، وأنا أحدثك عن أبناء تسعين أو كثر أدوا إلى أمثالهم ماشوا الكلام وطرقوه حتى وضعوا أبنيته فلم تشذ عنهم زنة كلمة، وألحقوا السليم بالسليم والمضاعف بالمضاعف والمعتل بالمعتل والأجوف بالأجوف وبنات الياء بالياء وبنات الواو بالواو، فلم تخف عليهم كلمة عربية، وما علم حماد وجناد.

قال هارون حدثني القاسم بن يوسف عن الأصمعي: أن الأخطل كان يقول تسعين بيتا ثم يختار منها ثلاثين فيطيرها.

أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال أخبرنا محمد بن سلام قال سمعت سلمة بن عياش وذكر أهل المجلس جريرا والفرزدق والأخطل ففضله سلمة عليهما. قال: وكان إذا ذكر الأخطل يقول: ومن مثل الأخطل وله في كل بيت، شعر بيتان ثم ينشد قوله:
ولقد علمت إذا العشار تروحت*** هدج الرئال تكبهن شـمـالا
أنا نعجل بالعبيط لضـيفـنـا *** قبل العيال ونضرب الأبطالا


ثم يقول ولو قال:
ولقد علمت إذا العشـا *** ر تروحت هدج الرئال
كان شعرا، وإذا زدت فيه تكبهن شمالا، كان أيضا شعرا من روي آخر.

أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني أبو يحيى الضبي قال: كعب بن جعيل لقبه الأخطل، سمعه ينشد هجاء فقال: يا غلام إنك لأخطل اللسان، فلزمته.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري فال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية قال حدثنا بعض أصحابنا عن رجل من بني سعد قال:
كنت مع نوح بن جرير في ظل شجرة، فقلت له: قبحك الله وقبح أباك أما أبوك فأفنى عمره في مديح عبد ثقيف يعني الحجاج. وأما أنت فامتدحت قثم بن العباس فلم تهتد لمناقبه ومناقب آبائه حتى امتدحته بقصر بناه. فقال: والله لئن سؤتني في هذا الموضع لقد سؤت فيه أبي: بينا أنا آكل معه يوما وفي فيه لقمة وفي يده أخرى، فقلت: يا أبت، أنت أشعر أم الأخطل? فجرض باللقمة التي في فيه ورمى بالتي في يده وقال: يا بني، لقد سررتني وسؤتني. فأما سرورك إياي فلتعهدك لي مثل هذا وسؤالك عنه. وأما ما سؤتني به فلذكرك رجلا قد مات. يا بني أدركت الأخطل وله ناب واحد، ولو أدركته وله ناب آخر لأكلني به، ولكني أعانتني عليه خصلتان: كبر سن، وخبث دين.

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد وقال: سئل حماد الراوية عن الأخطل، فقال: ما تسألوني عن رجل قد حبب شعره إلى النصرانية قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة قال قال أبو عمرو: لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهلية ما قدمت عليه أحدا.

قال إسحاق وحدثني الأصمعي أن أبا عمرو أنشد بيت شعر، فاستجاده وقال: لو كان للأخطل ما زاد.
وذكر يعقوب بن السكيت عن الأصمعي عن أبي عمرو: أن جريرا سئل أي الثلاثة أشعر? فقال: أما الفرزدق فتكلف مني ما لا يطيق. وأما الأخطل فأشدنا اجتراء وأرمانا للفرائض. وأما أنا فمدينة الشعر.

وقال ابن النطاح حدثني الأصمعي قال: إنما أدرك جرير الأخطل وهو شيخ قد تحطم. وكان الأخطل أسن من جرير، وكان جرير يقول: أدركته وله ناب واحد، ولو أدركت له نابين لأكلني. قال: وكان أبو عمرو يقول: لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهلية ما فضلت عليه أحدا.

أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: قال العلاء بن جرير: إذا لم يجيء الأخطل سابقا فهو سكيت، والفرزدق لا يجيء سابقا ولا سكيتا، وجرير يجيى سابقا ومصليا وسكيتا.
وقال يعقوب بن السكيت قال الأصمعي: قيل لجرير: ما تقول في الأخطل? قال: كان أشدنا اجتراء بالقليل وأنعتنا للحمر والخمر.

وروى إسماعيل عن عبيد الله عن مؤرج عن شعبة عن سماك بن حرب: أن الفرزدق دخل الكوفة، فلقيه ضوء بن اللجلاج، فقال له: من أمدح أهل الإسلام? فقال له: وما تريد إلى ذلك? قال: تمارينا فيه. قال: الأخطل أمدح العرب.
وقال هارون بن الزيات حدثني هارون بن مسلم عن حفص بن عمر قال: سمعت شيخا كان يجلس إلى يونس كان يكنى أبا حفص، فحدثه أنه سأل جريرا عن الأخطل فقال: أمدح الناس لكريم وأوصفه للخمر. قال: وكان أبو عبيدة يقول: شعراء الإسلام الأخطل ثم جرير ثم الفرزدق. قال أبو عبيدة: وكان أبو عمرو يشبه الأخطل بالنابغة لصحة شعره.

وقال ابن النطاح حدثني عبد الله بن رؤبة بن العجاج قال: كان أبو عمرو يفضل الأخطل.
وقال ابن النطاح حدثني عبد الرحمن بن برزج قال: كان حماد يفضل الأخطل على جرير والفرزدق. فقال له الفرزدق: إنما تفضله لأنه فاسق مثلك. فقال: لو فضلته بالفسق لفضلتك.
قال ابن النطاح قال لي إسحاق بن مرار الشيباني: الأخطل عندنا أشعر الثلاثة. فقلت: يقال إنه أمدحهم فقال: لا والله ولكن أهجاهم. من منهما يحسن أن يقول:
ونحن رفعنا عن سلول رماحنـا *** وعمدا رغبنا عن دماء بني نصر

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى عن أحمد بن الحارث عن المدائني قال: قال الأخطل: أشعر الناس قبيلة بنو قيس بن ثعلبة، وأشعر الناس بيتا آل أبي سلمى وأشعر الناس رجل في قميصي.
أخبرني الحسن قال حدثني محمد قال حدثني الخراز عن المدائني عن علي بن حماد - هكذا قال، وأظنه علي بن مجاهد - قال: قال الأخطل لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، زعم ابن المراغة أنه يبلغ مدحتك في ثلاثة أيام وقد أقمت في مدحتك: خف القطين فراحوا منك أو بكروا سنة فما بلغت كل ما أردت. فقال عبد الملك: فأسمعناها يا أخطل، فأنشده إياها، فجعلت أرى عبد الملك يتطاول لها، ثم قال: ويحك يا أخطل أتريد أن أكتب إلى الآفاق أنك أشعر العرب? قال: أكتفي بقول أمير المؤمنين. وأمر له بجفنة كانت بين يديه فملئت دراهم وألقى عليه خلعا، وخرج به مولى لعبد الملك على الناس يقول: هذا شاعر أمير المؤمنين، هذا أشعر العرب.

وقال ابن الزيات حدثني جعفر بن محمد بن عيينة بن المنهال عن هشام عن عوانة قال: أنشد عبد الملك قول كثير فيه:
فما تركوها عنوة عن مودة *** ولكن بحد المشرفي استقالها

فأعجب به. فقال له الأخطل: ما قلت لك والله يا أمير المؤمنين أحسن منه. قال: وما قلت? قال قلت:
أهلوا من الشهر الحرام فأصبحوا *** موالي ملك لا طريف ولا غصب
جعلته لك حقا وجعلك أخذته غصبا، قال: صدقت.

قال أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال أخبرنا عمر بن شبة قال أخبرنا أبو دقاقة الشامي مولى قريش عن شيخ من قريش قال: رأيت الأخطل خارجا من عند عبد الملك، فلما انحدر دنوت منه فقلت: يا أبا مالك، من أشعر العرب? قال: هذان الكلبان المتعاقران من بني تميم. فقلت: فأين أنت منهما? قال: أنا واللات أشعر منهما. قال: فحلف باللات هزؤا واستخفافا بدينه.
وروى هذا الخبر أبو أيوب المديني عن المدائني عن عاصم بن شنل الجرمي أنه سأل الأخطل عن هذا، فذكر نحوه، وقال: واللات والعزى.

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال ذكر الحرمازي: أن رجلا من بني شيبان جاء إلى الأخطل فقال له: يا أبا مالك، إنا، وإن كنا بحيث تعلم من افتراق العشيرة واتصال الحرب والعداوة، تجمعنا ربيعة، وإن لك عندي نصحا. فقال: هاته، فما كذبت. فقلت: إنك قد هجوت جريرا ودخلت بينه وبين الفرزدق وأنت غني عن ذلك ولا سيما أنه يبسط لسانه بما ينقبض عنه لسانك ويسب ربيعة سبا لا تقدر على سب مضر بمثله والملك فيهم والنبوة قبله، فلو شئت أمسكت عن مشارته ومهارته. فقال: صدقت في نصحك وعرفت مرادك، وصلتك رحم فو الصليب والقربان لأتخلصن إلى كليب خاصة دون مضر بما يلبسهم خزيه ويشملهم عاره. ثم اعلم أن العالم بالشعر لا يبالي وحق الصليب إذا مر به البيت المعاير السائر الجيد، أمسلم قاله أم نصراني.

وقال هارون بن الزيات حدثني طائع عن الأصمعي قال: أنشد أبو حية النميري يوما أبا عمرو:
يا لمعد ويا للناس كلـهـم *** ويا لغائبهم يوما ومن شهدا
كأنه معجب بهذا البيت، فجعل أبو عمرو يقول له: إنك لتعجب بنفسك كأنك الأخطل.


maher 10-05-2007 05:18 AM

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الغلابي عن عبد الرحمن التيمي عن هشام بن سليمان المخزومي: أن الأخطل قدم على عبد الملك، فنزل على ابن سرحون كاتبه. فقال عبد الملك: على من نزلت? قال: على فلان. قال: قاتلك الله ما أعلمك بصالح المنازل فما تريد أن ينزلك? قال: درمك من درمككم هذا ولحم وخمر من بيت رأس. فضحك عبد الملك ثم قال له: ويلك وعلى أي شيء اقتتلنا إلا على هذا. ثم قال: ألا تسلم فنفرض لك في الفيء ونعطيك عشرة آلاف? قال: فكيف بالخمر? فال: وما تصنع بها وإن أولها لمر وإن آخرها لسكر فقال: أما إذ قلت ذلك فإن فيما بين هاتين لمنزلة ما ملكك فيها إلا كعلقة ماء من الفرات بالإصبع. فضحك ثم قال: ألا تزور الحجاج فإنه كتب يستزيرك. فقال: أطائع أم كاره? قال: بل طائع. قال: ما كنت لأختار نواله على نوالك ولا قربه على قربك، إنني إذا لكما فال الشاعر:
كمبتاع ليركبه حـمـارا *** تخيره من الفرس الكبير

فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمره بمدح الحجاج? فمدحه بقوله:
صرمت حبالك زينب ورعوم *** وبدا المجمجم منهما المكتوم

ووجه بالقصيدة مع ابنه إليه وليست من جيد شعره.
وقال هارون بن الزيات حدثني محمد بن إسماعيل عن أبي غسان قال: ذكروا الفرزدق وجريرا في حلقة المدائني، فقلت لصباح بن خاقان: أنشدك بيتين للأخطل وتجيء لجرير والفرزدق بمثلهما? قال: هات، فأنشدته:
ألم يأتها أن الأراقـم فـلـقـت *** جماجم قيس بين راذان والحضر
جماجم قوم لم يعافـوا ظـلامة *** ولم يعرفوا أين الوفاء من الغدر
قال: فسكت.

قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة أن يونس سئل عن جرير والفرزدق والأخطل: أيهم أشعر? قال: أجمعت العلماء على الأخطل. فقلت لرجل إلى جنبه: سله ومن هم? فقال: من شئت، ابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وعنبسة الفيل وميمون الأقرن، هؤلاء طرقوا الكلام وماشوه لا كمن تحكمون عنه لا بدويين ولا نحويين. فقلت لرجل: سله: وبأي شيء فضل على هؤلاء? قال: بأنه كان أكثرهم عدد قصائد طوال جياد ليس فيها فحش ولا سفط. قال أبو عبيدة: فنظرنا في ذلك فوجدنا للأخطل عشرا بهذه الصفة وإلى جانبها عشرا إن لم تكن مثلها فليست بدونها، ووجدنا لجرير بهذه الصفة ثلاثا. قال إسحاق: فسألت أبا عبيدة عن العشر فقال:
عفا واسط من آل رضوى فنبتل
وتأبد الربع من سلمى بأحفار
وخف القطين فراحوا منك وابتكروا
وكذبتك عينك أم رأيت بواسط
ودع المعمر لا تسأل بمصرعه
ولمن الديار بحائل فوعال

قال إسحاق: ولم أحفظ بقية العشر. قال: وقصائد جرير:
حي الهدملة من ذات المواعيس
وألا طرقتك وأهلي هجود
وأهوى أراك برامتين وقودا

قال وقال أبو عبيدة: الأخطل أشبه بالجاهلية وأشدهم أسر شعر وأقلهم سقطا وأخبرنا الجوهري عن عمر بن شبة عن أبي عبيدة مثله. وفي بعض هذه القصائد التي ذكرت للأخطل أغان هذا موضع ذكرها.
منها:
تأبد الربع من سلمى بأحـفـار *** وأقفرت من سليمى دمنة الدار
وقد تحل بها سلمى تجاذبـنـي *** تساقط الحلي حاجاتي وأسراري


خف القطين فراحوا منك وابتكروا *** وأزعجتهم نوى في صرفها غير
كأنني شارب يوم استـبـد بـهـم *** من قهوة ضمنتها حمص أو جدر
جادت بها من ذوات القار مترعة *** كلفاء ينحت عن خرطومها المدر






وقال هارون بن الزيات حدثني ابن النطاح عن أبي عمرو الشيباني عن رجل من كلب يقال له مهوش عن أبيه: أن عمر بن الوليد بن عبد الملك سأل الأخطل عن أشعر الناس، قال: الذي كان إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع. قال: ومن هو? قال: الأعشى. قال: ثم من? قال: ابن العشرين يعني طرفة. قال: ثم من? قال: أنا.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو بكر العليمي قال حدثنا أبو قحافة المري عن أبيه قال: دخل الأخطل على بشر بن مروان وعنده الراعي، فقال له بشر: أنت أشعر أم هذا? قال: أنا أشعر منه وأكرم.
فقال للراعي: ما تقول قال: أما أشعر مني فعسى، وأما أكرم فإن كان في أمهاته من ولدت مثل الأمير فنعم. فلما خرج الأخطل قال له رجل: أتقول لخال الأمير أنا أكرم منك. قال: ويلك إن أبا نسطوس وضع في رأسي كؤسا ثلاثا، فوالله ما أعقل معها.

قال: ودخل الأخطل على عبد الملك بن مروان، فاستنشده، فقال: قد يبس حلقي، فمر من يسقيني. فقال: اسقوه ماء. فقال: شراب الحمار، وهو عندنا كثير. قال: فاسقوه لبنا. قال: عن اللبن فطمت. قال: فاسقوه عسلا. قال: شراب المريض. قال: فتريد ماذا? قال: خمرا يا أمير المؤمنين. قال: أو عهدتني أسقي الخمر لا أم لك لولا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت. فخرج فلقي فراشا لعبد الملك فقال: ويلك إن أمير المؤمنين استنشدني وقد صحل صوتي، فاسقني شربة خمر فسقاه، فقال: اعدله بآخر فسقاه آخر. فقال: تركتهما يعتركان في بطني، إسقني ثالثا فسقاه ثالثا. فقال: تركتني أمشي على واحدة، إعدل ميلي برابع فسقاه رابعا، فدخل على عبد الملك فأنشده:
خف القطين فراحوا منك وابتكروا *** وأزعجتهم نوى في صرفها غير
فقال عبد الملك: خذ بيده يا غلام فأخرجه، ثم ألق عليه من الخلع ما يغمره، وأحسن جائزته، وقال: إن لكل قوم شاعرا وإن شاعر بني أمية الأخطل.

أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال قال أبان بن عثمان حدثني سماك بن حرب عن ضوء بن اللجلاج قال: دخلت حماما بالكوفة وفيه الأخطل، قال فقال: ممن الرجل? قلت: من بني ذهل. قال: أتروي للفرزدق شيئا? قلت نعم. قال: ما أشعر خليلي على أنه ما أسرع ما رجع في هبته. قلت: وما ذاك? قال قوله:
أبنى غدانة إنني حررتـكـم *** فوهبتكم لعطية بن جـعـال
لولا عطية لاجتدعت أنوفكم *** من بين ألام آنف وسـبـال
وهبهم في الأول ورجع في الآخر. فقلت: لو أنكر الناس كلهم هذا ما كان ينبغي أن تنكره أنت. قال: كيف? قلت: هجوت زفر بن الحارث ثم خوفت الخليفة منه فقلت:
بني أمية إني ناصح لـكـم *** فلا يبيتن فيكم آمنـا زفـر
مفترشا كافتراش الليث كلكله *** لوقعة كائن فيها له جـزر

ومدحت عكرمة بن ربعي فقلت:
قد كنت أحسبه قينا وأخبـره *** فاليوم طير عن أثوابه الشرر
قال: لو أردت المبالغة في هجائه ما زدت على هذا. فقال له الأخطل: والله لولا أنك من قوم سبق لي منهم ما سبق لهجوتك هجاء يدخل معك قبرك. ثم قال:
ما كنت هاجي قوم بعد مدحهم *** ولا تكدر نعمى بعد ما تجب
أخرج عني.

maher 10-05-2007 05:19 AM

وقال هارون بن الزيات حدثني أحمد بن إسماعيل الفهري عن أحمد بن عبد العزيز بن علي بن ميمون عن معن بن خلاد عن أبيه قال: لما استنزل عبد الملك زفر بن الحارث الكلابي من قرقيسيا، أقعده معه على سريره، فدخل عليه ابن ذي الكلاع. فلما نظر إليه مع عبد الملك على السرير بكى. فقال له: ما يبكيك? فقال: يا أمير المؤمنين، كيف لا أبكي وسيف هذا يقطر من دماء قومي في طاعتهم لك وخلافه عليك، ثم هو معك على السرير وأنا على الأرض قال: إني لم أجلسه معي أن يكون أكرم علي منك، ولكن لسانه لساني وحديثه يعجبني. فبلغت الأخطل وهو يشرب فقال: أما والله لأقومن في ذلك مقاما لم يقمه ابن ذي الكلاع ثم خرج حتى دخل على عبد الملك. فلما ملأ عينه منه قال:
وكأس مثل عين الديك صرف *** تنسي الشاربين لها العقـولا
إذا شرب الفتى منها ثـلاثـا *** بغير الماء حاول أن يطـولا
مشى قرشية لا شك فـيهـا *** وأرخى من مآزره الفضولا


فقال له عبد الملك: ما أخرج هذا منك يا أبا مالك إلا خطة في رأسك. قال: أجل والله يا أمير المؤمنين حين تجلس عدو الله هذا معك على السرير وهو القائل بالأمس:
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى *** وتبقى حزازات النفوس كما هـيا

قال: فقبض عبد الملك رجله ثم ضرب بها صدر زفر فقلبه عن السرير وقال: أذهب الله حزازات تلك الصدور. فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين والعهد الذي أعطيتني. فكان زفر يقول: ما أيقنت بالموت قط إلا تلك الساعة حين قال الأخطل ما قال.
وقال هارون بن الزيات حدثني هارون بن مسلم عن سعيد بن الحارث عن عبد الخالق بن حنظلة الشيباني قال: قال الأخطل: فضلت الشعراء في المديح والهجاء والنسيب بما لا يلحق بي فيه. فأما النسيب فقولي:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بـدر *** وإن كان حيانا عدى آخر الدهـر
من الخفرات البيض أما وشاحهـا *** فيجري وأما القلب منها فلا يجري


وقولي في المديح:
نفسي فداء أمير المؤمنـين إذا *** أبدى النواجذ يوما عارم ذكـر
الخائض الغمرة الميمون طائره *** خليفة الله يستسقى به المطـر


وقولي في الهجاء:
وكنت إذا لقيت عبـيد تـيم *** وتيما قلت أيهم العـبـيد
لئيم العالمين يسود تـيمـا *** وسيدهم وإن كرهوا مسود


قال عبد الخالق: وصدق لعمري، لقد فضلهم.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة عن أحمد بن معاوية عن محمد بن داود قال: طلق أعرابي امرأته فتزوجها الأخطل، وكان الأخطل قد طلق امرأته قبل ذلك. فبينا هي معه إذ ذكرت زوجها الأول فتنفست، فقال الأخطل:
كلانا على هم يبيت كـأنـمـا *** بجنبيه من مس الفراش قروح
على زوجها الماضي تنوح وإنني *** على زوجتي الأخرى كذلك أنوح


أخبرني الحسن بن علي قال أخبرنا أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش: أن الأخطل قال لعبد الملك بن المهلب: ما نازعتني نفسي قط إلى مدح أحد ما نازعتني إلى مدحكم، فأعطني عطية تبسط بها لساني، فوالله لأردينكم أردية لا يذهب صقالها إلى يوم القيامة. فقال: أعلم والله يا أبا مالك أنك بذلك ملىء، ولكني أخاف أن يبلغ أمير المؤمنين أني أسأل في غرم وأعطى الشعراء فأهلك ويظن ذلك مني حيلة. فلما قدم على إخوته لاموه كل اللوم فيما فعله. فقال: قد أخبرته بعذري.

أخبرني عمي عن الكراني عن دماذ عن أبي عبيدة قال: قال رجل لأبي عمرو: يا عجبا للأخطل نصراني كافر يهجو المسلمين. فقال أبو عمرو: يالكع لقد كان الأخطل يجيء وعليه جبة خز وحرز خز، في عنقه سلسلة ذهب فيها صليب ذهب تنفض لحيته خمرا حتى يدخل على عبد الملك بن مروان بغير إذن.

وقال هارون حدثني أحمد بن إسماعيل الفهري عن أحمد بن عبد الله بن علي الدوسي عن معقل بن فلان عن أبيه عن أبي العسكر قال: كنا بباب مسلمة بن عبد الملك، فتذاكرنا الشعراء الثلاثة، فقال أصحابي: حكمناك وتراضينا بك. فقلت: نعم، هم عندي كأفراس ثلاثة أرسلتهن في رهان، فأحدها سابق الدهر كله، وأحدها مصل، وأحدها يجيء أحيانا سابق الريح وأحيانا سكيتا وأحيانا متخلفا. فأما السابق في كل حالاته فالأخطل. وأما المصلى في كل حالاته فالفرزدق. وأما الذي يسبق الريح أحيانا ويتخلف أحيانا فجرير، ثم أنشد له:
سرى لهم ليل كأن نجومه *** قناديل فيهن الذبال المفتل

وقال: أحسن في هذا وسبق. ثم أنشد:
التغلبية مهرها فلسـان *** والتغلبي جنازة الشيطان

وقال: تخلف في هذه. فخرجنا من عنده على هذا.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو يعلى قال حدثني عبد السلام بن حرب قال: نزل الفرزدق على الأخطل ليلا وهو لا يعرفه، فجاءه بعشاء ثم قال له: إني نصراني وأنت حنيف، فأي الشراب أحب إليك? قال: شرابك. ثم جعل الأخطل لا ينشد بيتا إلا أتم الفرزدق القصيدة. فقال الأخطل: لقد نزل بي الليلة شر، من أنت? قال: الفرزدق بن غالب. قال: فسجد لي وسجدت له. فقيل للفرزدق في ذلك، فقال: كرهت أن يفضلني. فنادى الأخطل: يا بني تغلب هذا الفرزدق. فجمعوا له إبلا كثيرة. فلما أصبح فرقها ثم شخص.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال: كان مما يقدم به الأخطل أنه كان أخبثهم هجاء في عفاف عن الفحش. وقال الأخطل: ما هجوت أحدا قط بما تستحي العذراء أن تنشده أباها.
أخبرني أحمد وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا بن شبة قال حدثني محمد بن عباد الموصلي قال: خرج يزيد بن معاوية معه عام حج بالأخطل. فاشتاق يزيد أهله فقال:
بكى كل ذي شجو من الشأم شاقه *** تهام فأنى يلتقـي الـشـجـيان
أجز يا أخطل، فقال:
يغور الذي بالشأم أو ينجد الذي *** بغور تهامات فـيلـتـقـيان

أخبرني أحمد وحبيب قالا حدثنا عمر بن شبة قال: قيل لأبي العباس أمير المؤمنين: إن رجلا شاعرا قد مدحك، فتسمع شعره? قال: وما عسى أن يقول في بعد قول ابن النصرانية في بني أمية:
شمس العداوة حتى يستقاد لهـم *** وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا

قال هارون وحدثني هارون بن سليمان عن الحسن بن مروان التميمي عن أبي بردة الفزاري عن رجل من تغلب قال: لحظ الأخطل شكوة لأمه فيها لبن وجرابا فيه تمر وزبيب، وكان جائعا وكان يضيق عليه، فقال لها: يا أمه، آل فلان يزورونك ويقضون حقك وأنت لا تأتينهم وعندهم عليل، فلو أتيتهم لكان أجمل وأولى بك. قالت: جزيت خيرا يا بني لقد نبهت على مكرمة. وقامت فلبست ثيابها ومضت إليهم. فمضى الأخطل إلى الشكوة ففرغ ما فيها وإلى الجراب فأكل التمر والزبيب كله. وجاءت فلحظت موضعها فرأته فارغا، فعلمت أنه قد دهاها، وعمدت إلى خشبة لتضربه بها، فهرب وقال:
ألم على عنبات العجوز *** وشكوتها من غياث لمم
فظلت تنادي ألا ويلهـا *** وتلعن واللعن منها أمم


وذكر يعقوب بن السكيت هذه القصة، فحكى أنها كانت مع امرأة لأبيه لها منه بنون، فكانت تؤثرهم باللبن والتمر والزبيب وتبعث به يرعى أعنزا لها. وسائر القصة والشعر متفق. وقال في خبره: وهذا أول شعر قاله الأخطل.
أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن علي بن فيروز عن الأصمعي عن أمامة ورعوم اللتين قال فيهما الأخطل:
صرمت أمامة حبلها ورعوم ورعوم وأمامة بنتا سعيد بن إياس بن هانىء بن قبيصة، وكان الأخطل نزل عليه فأطعمه وسقاه خمرا وخرجتا وهما جويريتان فخدمتاه. ثم نزل عليه ثانية وقد كبرتا فحجبتا عنه، فسأل عنهما وقال: فأين ابنتاي? فأخبر بكبرهما، فنسب بهما. قال: والرعوم هي التي كانت عند قتيبة بن مسلم وكان يقال لها أم الأخماس، تزوجت في أخماس البصرة محمد بن المهلب وعامر بن مسمع وعباد بن الحصين وقتيبة بن مسلم، وكان يقال لها الجارود.
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخراز عن المدائني قال قال أبو عبد الملك: كانت بكر بن وائل إذا تشاجرت في شيء رضيت بالأخطل، وكان يدخل المسجد فيقدمون إليه. قال: فرأيته بالجزيرة وقد شكي إلى القس وقد أخذ بلحيته وضربه بعصاه وهو يصيء كما يصيء الفرخ. فقلت له: أين هذا مما كنت فيه بالكوفة? فقال: يا بن أخي، إذا جاء الدين ذللنا.
وقال يعقوب بن السكيت زعم غيلان عن يحيى بن بلال عن عمر بن عبد الله عن داود بن المساور قال: دخلت إلى الأخطل فسلمت عليه، فنسبني فانتسبت، واستنشدته فقال: أنشدك حبة قلبي، ثم أنشدني:
لعمري لقد أسريت لا لـيل عـاجـز *** بسلهبة الخـدين ضـاوية الـقـرب
إليك أمير المؤمـنـين رحـلـتـهـا *** على الطائر الميمون والمنزل الرحب


فقلت: من أشعر الناس? قال: الأعشى. قلت: ثم من? قال: ثم أنا.



maher 10-05-2007 05:20 AM

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن أبي أيوب المديني عن المدائني قال: إمتدح الأخطل هشاما فأعطاه خمسمائة درهم، فلم يرضها وخرج فاشترى بها تفاحا وفرقه على الصبيان. فبلغ ذلك هشاما فقال: قبحه الله ما ضر إلا نفسه.
وقال يعقوب بن السكيت حدثني سلمة النميري - وتوفي وله مائة وأربعون سنة - أنه حضر هشاما وله يومئذ تسع عشرة سنة وحضر جرير والفرزدق والأخطل عنده، فأحضر هشام ناقة له فقال متمثلا:
أنيخها ما بدا لي ثم أرحلها
ثم قال: أيكم أتم البيت كما أريد فهي له. فقال جرير:
كأنها نقنق يعدو بصحراء
فقال: لم تصنع شيئا. فقال الفرزدق:
كأنها كاسر بالدو فتخاء
فقال: لم تغن شيئا. فقال الأخطل:
ترخي المشافر واللحيين إرخاء
فقال: اركبها لا حملك الله.

وقال هارون بن الزيات حدثني الخراز عن المدائني قال: هجت الأخطل جارية من قومه، فقال لأبيها: يا أبا الدلماء، إن ابنتك تعرضت لي فاكففها. فقال له: هي امرأة مالكة لأمرها. فقال الأخطل.
ألا أبلغ أبا الدلماء عـنـي *** بأن سنان شاعركم قصير
فإن يطعن فليس بذي غناء *** وإن يطعن فمطعنه يسير
متى ما ألقه ومعي سلاحي *** يخر على قفاه فلا يحـير


فمشى أبوها في رجال من قومه إلى الأخطل فكلموه، فقال: أما ما مضى فقد مضى ولا أزيد.
أخبرنا أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال: لما حضرت الأخطل الوفاة قيل له: يا أبا مالك، ألا توصي? فقال:
أوصي الفرزدق عند الممات *** بأم جـرير وأعـيارهــا
وزار القبور أبـو مـالـك *** برغم العـداة وأوتـارهـا


أخبرنا أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال قال لي معاوية بن أبي عمرو بن العلاء: أي البيتين عندك أجود: قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح
أم قول الأخطل:
شمس العداوة حتى يستفاد لهـم *** وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
فقلت: بيت جرير أحلى وأسير، وبيت الأخطل أجزل وأرزن. فقال: صدقت، وهكذا كانا في أنفسهما عند الخاصة والعامة.

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الحلبي وجعفر بن سعيد أن رجلا سأل حمادا الراوية عن الأخطل فقال: ويحكم ما أقول في شعر رجل قد والله حبب إلي شعره النصرانية.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو عثمان الأشنانداني عن أبي عبيدة قال: كان يونس بن حبيب وعيسى بن عمر وأبو عمرو يفضلون الأخطل على الثلاثة.
وقال هارون بن الزيات حدثني أبو عثمان المازني عن العتبي عن أبيه: أن سليمان بن عبد الملك سأل عمر بن عبد العزيز: أجرير أشعر أم الأخطل? فقال له: أعفني. قال: لا والله لا أعفيك. قال: إن الأخطل ضيق عليه كفره القول، وإن جريرا وسع عليه إسلامه قوله، وقد بلغ الأخطل منه حيث رأيت. فقال له سليمان: فضلت والله الأخطل.
قال هارون وحدثني أبو عثمان عن الأصمعي عن خالد بن كلثوم قال: قال عبد الملك للفرزدق: من أشعر الناس في الإسلام? قال: كفاك بابن النصرانية إذا مدح.
أخبرنا أحمد وحبيب قالا حدثنا عمر بن شبة قال: حدثت أن الحجاج بن يوسف أوفد وفدا إلى عبد الملك وفيهم جرير. فجلس لهم ثم أمر بالأخطل فدعي له، فلما دخل عليه قال له: يا أخطل، هذا سبك - يعني جريرا - وجرير جالس- فأقبل عليه جرير فقال: أين تركت خنازير أمك? قال: راعية مع أعيار أمك، وإن أتيتنا قريناك منها. فأقبل جرير على عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، إن رائحة الخمر لتفوح منه. قال: صدق يا أمير المؤمنين، وما اعتذاري من ذلك.

تعيب الخمر وهي شراب كسرى *** ويشرب قومك العجب العجيبـا
مني العبد عـبـد أبـي سـواج *** أحق من المدامة أن تـعـيبـا


فقال عبد الملك: دعوا هذا، وأنشدني يا جرير، فأنشده ثلاث قصائد كلها في الحجاج يمدحه بها، فأحفظ عبد الملك، وقال له: يا جرير، إن الله لم ينصر الحجاج وإنما نصر خليفته ودينه. ثم أقبل على الأخطل فقال:
شمس العداوة حتى يستقاد لهـم *** وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا

فقال عبد الملك: هذه المزمرة، والله لو وضعت على زبر الحديد لأذابتها. ثم أمر له بخلع فخلعت عليه حتى غاب فيها، وجعل يقول: إن لكل قوم شاعرا، وإن الأخطل شاعر بني أمية

أخبرنا اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب عن الهيثم بن عدي قال: كانت امرأة الأخطل حاملا، وكان متمسكا بدينه. فمر به الأسقف يوما. فقال لها: الحقيه فتمسحي به؛ فعدت فلم تلحق إلا ذ نب حماره فتمسحت به ورجعت. فقال لها: هو وذنب حماره سواء.
أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال حدثني يونس قال قال أبو الغراف. سمع هشام بن عبد الملك الأخطل وهو يقول:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد *** ذخرا يكون كصالح الأعمـال

فقال: هنيئا لك أبا مالك هذا الإسلام. فقال له: يا أمير المؤمنين ، مازلت مسلما في ديني.

أخبرني أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال حدثني يونس وعبد الملك وأبو الغراف فألفت ما قالوا، قالوا: أتى الأخطل الكوفة، فأتى الغضبان بن القبعثري الشيباني فسأله في حمالة، فقال: إن شئت أعطيتك ألفين، وإن شئت أعطيتك درهمين. قال: وما بال الألفين وما بال الدرهمين? قال: إن أعطيتك ألفين لم يعطكها إلا قليل، وإن أعطيتك درهمين لم يبق في الكوفة بكري إلا أعطاك درهمين؛ وكتبنا إلى إخواننا بالبصرة فلم يبق بكري بها إلا أعطاك درهمين، فخفت عليهم المئونة وكثر لك النيل. فقال: فهذه إذا. فقال: نقسمها لك على أن ترد علينا. فكتب بالبصرة إلى سويد بن منجوف السدوسي فقدم البصرة - فقال يونس في حديثه - فنزل على آل الصلت بن حريث الحنفي فأخبر من سمعه يقول : والله لا أزال أفعل ذلك. ثم رجع الحديث الأول: فأتى سويدا فأخبره بحاجته. فقال نعم وأقبل على قومه فقال: هذا أبو مالك قد أتاكم يسألكم أن تجمعوا له، وهو الذي يقول:
إذا ما قلت قد صالحت بكرا *** أبى البغضاء والنسب البعيد
وأيام لنـاولـهـم طـوال *** يعض الهام فيهن الحـديد
ومهراق الدماء بـواردات *** تبيد المخزيات ولا تـبـيد
هما أخوان يصطليان نـارا*** رداء الحرب بينهما جـديد

فقالوا: فلا والله لا نعطيه شيئا. فقال الأخطل:
فإن تبخل سدوس بدرهميها *** فإن الريح طـيبة قـبـول
تواكلني بنو العلات منهـم *** وغالت مالكا ويزيد غـول
صريعا وائل هلكا جميعـا *** كأن الأرض بعدهما محول

وقال في سويد بن منجوف - وكان رجلا ليس بذي منظر -:
وما جذع سوء خرب السوس أصله *** لما حملـتـه وائل بـمـطـيق

maher 10-05-2007 05:20 AM

أخبرنا أبو خليفة قال قال محمد بن سلام: كان الأخطل مع مهارته وشعره يسقط أحيانا: كان مدح سماكا الأسدي، وهو سماك الهالكي من بني عمرو بن أسد، وبنو عمرو يلقبون القيون، ومسجد سماك بالكوفة معروف، وكان من أهلها؛ فخرج أيام علي هاربا فلحق بالجزيرة، فمدحه الأخطل فقال:
نعم المجير سماك من بني أسد *** بالقاع إذ قتلت جيرانها مضـر
قد كنت أحسبه قينا وأخـبـره *** فاليوم طيرعن أثوابه الشـرر
إن سماكا بني مجدا لأسـرتـه *** حتى الممات وفعل الخير يبتدر

فقال سماك: يا أخطل: أردت مدحي فهجوتني، كان الناس يقولون قولا فحققته. فلما هجا سويدا قال له سويد: والله يا أبا مالك، ما تحسن تهجو ولا تمدح؛ لقد أردت مدح الأسدي فهجوته- يعني قوله:
قد كنت أحسبه قينـا وأنـبـؤه *** فاليوم طير عن أثوابه الشـرر
إن سماكا بني مجدا لأسـرتـه *** حتى الممات وفعل الخير يبتدر

- وأردت هجائي فمدحتني، جعلت وائلا حملتني أمورها، وما طمعت في بني تغلب فضلا عن بكر.

أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبان البجلي قال: مر الأخطل بالكوفة في بني رؤاس ومؤذنهم ينادي بالصلاة. فقال له بعض فتيانهم: ألا تدخل يا أبا مالك فتصلي? فقال:
أصلي حيث تدركني صلاتي *** وليس البر عند بني رؤاس

أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبو الحصين الأموي قال: بينا الأخطل قد خلا بخميرة له في نزهة مع صاحب له، وطرأ عليهما طارىء لا يعرفانه ولا يستخفانه، فشرب شرابهما وثقل عليهما. فقال الأخطل في ذلك:
وليس القذى بالعود يسقط في الإنـا *** ولا بذباب خطبـه أيسـر الأمـر
ولكن شخصا لا نسـر بـقـربـه *** رمتنا به الغيظان من حيث لا ندري

يروي: ولكن قذاها زائر لا نحبه

حدثنا الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال: بينا الأخطل جالس عند امرأة من قومه، وكان أهل البدو إذ ذاك يتحدث رجالهم إلى النساء لا يرون بذلك بأسا، وبين يديه باطية شراب والمرأة تحدثه وهو يشرب، إذ دخل رجل فجلس، فثقل على الأخطل وكره أن يقول له قم استحياء منه. وأطال الرجل الجلوس إلى أن أقبل ذباب فوقع في الباطية في شرابه؛ فقال الرجل: يا أبا مالك، الذباب في شرابك. فقال:
وليس القذى بالعود يسقط في الخمر *** ولا بذباب نزعـه أيسـر الأمـر
ولكن قـذاهـا زائر لا نـحـبـه *** رمتنا به الغيطان من حيث لا ندري

قال: فقام الرجل فانصرف.

أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال قال أبان بن عثمان حدثني أبي قال: دعا الأخطل شاب من شباب أهل الكوفة إلى منزله. فقال له: يا بن أخي، أنت لا تحتمل المئونة وليس عندك معتمد؛ فلم يزل به حتى انتجعه، فأتى الباب فقال: يا شقراء، فخرجت إليه امرأة، فقال لأمه: هذا أبو مالك قد أتاني؛ فباعت غزلا لها واشترت له لحما ونبيذا و ريحانا. فدخل خصا لها فأكل معه وشرب، وقال في ذلك:
وبيت كظهر الفيل جل متاعـه *** أباريقه و الشارب المتقـطـر
ترى فيه أثلام الأصيص كأنهـا *** إذا بال فيها الشيخ جفر معـور
لعمرك ما لاقيت يوم مـعـيشة *** من الدهر إلا يوم شقراء أقصر
حوارية لا يدخل الذم بـيتـهـا *** مطهرة يأوي إليها مـطـهـر


وذكر هارون بن الزيات هذا الخبر عن حماد عن أبيه أنه كان نازلا على عكرمة الفياض وأنه خرج من عنده يوما، فمر بفتيان يشربون ومعهم قينة يقال لها شقراء. وذكر الخبر مثل ما قبله، وزاد فيه: فأقام عندهم أربعة أيام. وظن عكرمة أنه غضب فانصرف عنه. فلما أتاه أخبره بخبره، فبعث إلى الفتيان بألف درهم وأعطاه خمسة آلاف، فمضى بها إليهم وقال: إستعينوا بهذه على أمركم. ولم يزل ينادمهم حتى رحل.
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبو يحيى الضبي قال: اجتمع الفرزدق وجرير والأخطل عند بشر بن مروان، وكان بشر يغري بين الشعراء. فقال للأخطل: أحكم بين الفرزدق وجرير. فقال: أعفني أيها الأمير. قال: أحكم بينهما، فاستعفاه بجهده فأبى إلا أن يقول؛ فقال: هذا حكم مشئوم؛ ثم قال: الفرزدق ينحت من صخر، وجرير يغرف من بحر. فلم يرض بذلك جرير، وكان سبب الهجاء بينهما. فقال جرير في حكومته:
يا ذا الغباوة إن بشرا قد قضى *** ألا تجوز حكومة النـشـوان
فدعوا الحكومة لستم من أهلها *** إن الحكومة في بني شيبـان
قتلوا كليبكم بلقحة جـارهـم *** يا خزر تغلب لستم بهجـان

فقال الأخطل يرد على جرير:
ولقد تناسبتم إلى أحـسـابـكـم *** وجعلتم حكما من السلـطـان
فإذا كليب لا تـسـاوي دارمـا *** حتى يساوي حـزرم بـأبـان
و إذا جعلت أباك في ميزانهـم *** رجحوا وشال أبوك في الميزان
وإذا وردت الماء كـان لـدارم *** عفواته و سهولة الأعـطـان

ثم استطارا في الهجاء.
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا أبو الغراف فال: لما قال جرير:
إذا أخذت قيس عليك وخنـدف *** بأقطارها لم تدر من أين تسرح
قال الأخطل. لا أين سد والله علي الدنيا. فلما أنشد قوله:
فما لك في نجد حصاة تعدهـا *** وما لك من غوري تهامة أبطح
قال الأخطل: لا أبالي والله ألا يكون فتح لي والصليب القول؛ ثم قال:
ولكن لنا بر الـعـراق و بـحـره *** وحيث ترى القرقور في الماء يسبح

أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني محمد بن الحجاج الأسيدي قال: خرجت إلى الصائفة فنزلت منزلا ببني تغلب فلم أجد به طعاما و لا شرابا ولا علفا لدوابي شرى ولا قرى و لم أجد ظلا؛ فقتل لرجل منهم: ما في داركم هذه مسجد يستظل فيه? فقال: ممن أنت? قلت: من بني تميم. قال: ما كنت أرى عمك جريرا إلا قد أخبرك حين قال:
فينا المساجد و الإمام ولا ترى *** في آل تغلب مسجدا معمورا

أخبرني أبو خليفة قال أنبأنا محمد بن سلام قال حدثني شيخ من ضبيعة قال: خرج جرير إلى الشام فنزل منزلا ببني تغلب فخرج متلثما عليه ثياب سفره، فلقيه رجل لا يعرفه. فقال: ممن الرجل? قال: من بني تميم. قال: أما سمعت ما قلت لغاوي بني تميم? فأنشده مما قال لجرير. فقال: أما سمعت ما قال لك غاوي بني تميم? فأنشده. ثم عاد الأخطل وعاد جرير في نقضه حتى كثر ذلك بينهما. فقال التغلبي: من أنت? لا حياك الله والله لكأنك جرير. قال: فأنا جرير. قال: وأنا الأخطل.
أخبرني عمي قال أنبأنا الكراني قال أنبأنا أبو عبد الرحمن عن المدائني قال: دخل الأخطل على عبد الملك وقد شرب، فكلمه فخلط في كلامه. فقال له: ما هذا? فقال:
إذا شرب الفتى منها ثـلاثـا *** بغير الماء حاول أن يطـولا
مشى قرشية لا عيب فـيهـا *** وأررخى من مآزره الفضولا


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال أخبرني إسماعيل بن أبي محمد اليزيدي قال أخبرني أبو محمد اليزيدي قال: خرج الفرزدق يؤم بعض الملوك من بني أمية، فرفع له في طريقه بيت أحمر من أدم، فدنا منه وسأل فقيل له: بيت الأخطل. فأتاه فقال: انزل. فلما نزل قام إليه الأخطل وهو لا يعرفه إلا أنه ضيف؛ فقعدا يتحدثان. فقال له الأخطل: ممن الرجل? قال: من بني تميم. قال: فإنك إذا من رهط أخي الفرزدق. فقال: تحفظ من شعره شيئا? قال: نعم كثيرا. فما زالا يتناشدان ويتعجب الأخطل من حفظه شعر الفرزدق إلى أن عمل فيه الشراب،- وقد كان الأخطل قال له قبل ذلك: أنتم معشر الحنفية لا ترون أن تشربوا من شرابنا. فقال له الفرزدق: خفض قليلا وهات من شرابك فاسقنا. فلما عملت الراح في أبي فراس قال: أنا والله الذي أقول في جرير فأنشده. فقام إليه الأخطل فقبل رأسه وقال: لا جزاك الله عني خيرا لم كتمتني نفسك منذ اليوم وأخذا في شرابهما وتناشدهما، إلى أن قال له الأخطل: والله إنك وإياي لأشعر منه ولكنه أوتي من سير الشعر ما لم نؤته؛ قلت أنا بيتا ما أعلم أن أحدا قال أهجى منه، قلت:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم بولي على النار
فلم يروه إلا حكماء أهل الشعر.
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال قال المدائني: كان للأخطل الشاعر دار ضيافة، فمر به عكرمة الفياض وهو لا يعرفه، فقيل له: هذا رجل شريف قد نزل بنا. فلما أمسى بعث إليه فتعشى معه، ثم قال له: أتصيب من الشراب شيئا? قال: نعم. قال: أيه? قال: كله إلا شرابك. فدعا له بشراب يوافقه، وإذا عنده قينتان هما خلفه وبينه وبينهما ستر، وإذا الأخطل أشهب اللحية له ضفيرتان؛ فغمز الستر بقضيب في يده وقال: غنياني بأردية الشعر، فغنتاه بقول عمرو بن شأس:
وبيض تطلى بالعبير كـأنـمـا *** يطأن وإن أعنقن في جدد وحلا
لهونا بها يوما و يوما بشـارب *** إذا قلت مغلوبا وجدت له عقلا


فأما السبب في مدح الأخطل عكرمة بن ربعي الفياض فأخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: قدم الأخطل الكوفة فأتى حوشب بن رويم الشيباني، فقال: إني تحملت حمالتين لأحقن بهما دماء قومي فنهره، فأتى سيار بن البزيعة، فسأله فاعتذر إليه، فأتى عكرمة الفياض، وكان كاتبا لبشر بن مروان، فسأله وأخبره بما أراد عليه الرجلان؛ فقال: أما إني لا أنهرك ولا أعتذر إليك، ولكني أعطيك إحداهما عينا والأخرى عرضا. قال: وحدث أمر بالكوفة فاجتمع له الناس في المسجد، فقيل له: إن أردت أن تكافىء عكرمة يوما فاليوم. فلبس جبة خز وركب فرسا وتقلد صليبا من ذهب وأتى باب المسجد ونزل عن فرسه. فلما رآه حوشب وسيار نفسا عليه ذلك وقال له عكرمة: يا أبا مالك، فجاء فوقف وابتدأ ينشد قصيدته:
لمن الديار بحائل فوعال حتى انتهى إلى قوله:
إن ابن ربعي كفانـي سـيبـه *** ضغن العدو وغدرة المحتـال
أغليت حين تواكلتـنـي وائل *** إن المكارم عنـد ذاك غـوال
ولقد مننت على ربيعة كلـهـا *** وكفيت كل مـواكـل خـذال
كابن البزيعة أو كآخر مثـلـه *** أولى لك ابن مسيمة الأجمال
إن اللئيم إذا سألت بـهـرتـه *** وترى الكريم يراح كالمختال
وإذا عدلت به رجالا لم تـجـد *** فيض الفرات كراشح الأوشال

قال: فجعل عكرمة يبتهج ويقول: هذه والله أحب إلي من حمر النعم. ومما في شعر الأخطل من الأصوات المختارة:
أراعك بالخابور نوق وأجمال *** ودار عفتها الريح بعدي بأذيال
ومبنى قباب المالكية حولـنـا *** وجرد تغادى بين سهل وأجبال

السيد عبد الرازق 10-05-2007 07:31 AM

أخي الفاضل الأستاذ ماهر
مررت من هنا .
أحتاج الي قارب ومجدافين حتي أستطيع أن أبحر
في عالم الأدب الرفيع لأبي الفرج الأصفهاني.
موضوعك طيب ومهم ويستحق التثبيت من السادة المشرفين.
وتحياتي للأخ محمد العاني وهنيئا عودته لنا وللخيمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.