أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة السياسية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   تاريخ سياسي : ابن سعود يبني امبراطورية / جريسون ال كيري (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=52646)

لظاهر بيبرس 12-04-2006 09:03 AM

تاريخ سياسي : ابن سعود يبني امبراطورية / جريسون ال كيري
 
ابن سعود يبني إمبراطورية



اسمه عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، وغالبًا ما يختصره المراسلون - ليكون ملائمًا - إلى ابن سعود، ويعني المتحدر من سلالة الأسرة السعودية، ومع أنه الآن في الخامسة والخمسين من عمره، فإنه مؤسس الدولة السعودية الحديثة وسيّدها. وعلى وشك تحقيق ما لم يستطعه أي أمير عربي آخر - على الأقل في العصر الحاضر - وهو توحيد معظم شعوب الجزيرة العربية تحت نظام سياسي واحد. وتكاد سيرته في رومنسيتها وحيويتها أن تكون كما لو أنه قد خرج من صفحات ألف ليلة وليلة. وبغض النظر عن قيام المملكة أو سقوطها، فقد صار تقريبًا شخصية أسطورية ستشعِلُ مغامراته خيال الأجيال القادمة من رواة الحكايات. وسوف يكون ابن سعود شخصية تاريخية؛ لأن سيرته مزيج عربي للموضوع الشائق والشائع عن شاب طموح مصمّم، يصعدُ إلى المجد والقوة متحديًا العقبات الهائلة. فحينما ولد في سنة 1880م (1297هـ)
(1) كان ابنًا لوالدين يعيشان في المنفى ولا يملكان بيتًا ولا أرضًا. وما كان لأحد أنْ يراهن حتى ولو بتينة على مستقبله. وحتى حينما سيطر على إحدى المدن لم يؤخذ مأخذًا جديًا. ثم صار سلطانًا لنجد. ويجزم الخبراء في شؤون الشرق الأدنى أنه لن يتوسَع. إلا أن الخبراء الأجانب أخطؤوا، وكذلك أخطأ أعداؤه. فاليوم صار ابن سعود ملكًا على الجزيرة العربية الموحدة، بملايينها الخمسة ومساحتها التي تزيد على مساحات فرنسا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا ولكسمبورج مجتمعة. لقد كان طموحه دينيًا وسلاليًا، فهو مصلح تقليدي يؤججه حماس شديد استطاعت الحركة الوهابية
(2) بمعتقداتها الدينية الإفادة من مساندته لها، فارتقت من موقع الضئيل المضطهد إلى موقع القوي المُعتبر؛ مما أثار بعض المسلمين الذين يعارضون هذه المعتقدات الزاهدة، ومن المحتمل أن يستمروا في معارضتها، فالمعتقد الوهابي
(3) هو إيمان ابن سعود وشريعته. وربما لا تفلت رعية ابن سعود من العقوبة إن لم تشهد الصلاة، ولن تحج إلا إلى مكة والمدينة
(4)، فالوهابيون يكرهون عبادة أضرحة الأولياء تحديدًا
(5)، ويعدّونها طقوسًا وثنية. ولن يسمح لرعيته أن تنغمس في تدخين التبغ وتناول المشروبات الروحية مهما كان نوعها. كما تمنع الرعية من التزيّن بالمجوهرات
(6) والحُلي المصاغة من المعادن الثمينة. ومن ضمن المحرمات ارتداء الملابس المترفة وخاصة ما ينسج من الحرير، وكذلك يُحرم القمار وكل لعبة تقوم على عامل الحظ. فالشريعة المقدسة التي تنص على أن العين بالعين والسن بالسن ما زالت تتضمن أيضًا قطع يد السارق وقتل الزاني
(7). لقد رفض سكان المدن الإسلامية في شتى أنحاء العالم هذا المذهب الصارم إلا أنه رفض مرتبك؛ لأن القادة الدينيين الوهابيين يستشهدون بسور القرآن الكريم وآياته لدعم كل جزء من عقيدتهم؛ إذ يعتقدون أن الفترة النقية للدين الإسلامي قد حجبتها نعومة حياة المدن ومنكراتها، ولوثتها الأنظمة الغربية البغيضة، فاستِشراء هذا التآكل استنادًا إلى الوهابية يجب التخلص منه لاستعادة صفاء الدين الأول. إنه من الواضح أن في ذلك تكرارًا للقصة القديمة الدالة على كراهية بدو الصحراء الذين يعيشون حياة قاسية محفوفة بالمخاطر لمؤسسات سكان المدن وسلوكهم. ومن جهة أخرى فهي عقيدة تساعد على التحكم في البدو الذين يصعب إخضاعهم. لم تكن الصلة بين الأسرة السعودية والمعتقد الوهابي شيئًا جديدًا، فقد بدأت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك حينما لجأ محمد بن عبدالوهاب الذي كان الشيخ والمؤسس المضطهد للحركة الإصلاحية إلى حمى الأمير محمد بن سعود، الحاكم الصحراوي الثانوي للجزء الشمالي من وسط الجزيرة العربية، ولم يقتصر محمد بن سعود على منح اللجوء لابن عبدالوهاب، وإنما وضع قوته السياسية تحت تصرفه، وجاهد لإرغام القبائل المجاورة على قبول تعاليم ابن عبدالوهاب واتِّباعها. وبعد وفاة محمد بن سعود سنة 1765م (1179هـ) قاد ابنه ووريثه عبدالعزيز الأول حروبًا أدّت تدريجيًا إلى بسط نفوذه على مجمل وسط الجزيرة العربية، وخاصة منطقة شمر ونجد. ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي كان الحكم السعودي راسخًا إلى درجة أن سلطان تركيا - صاحب السيادة الاسمية على الجزيرة العربية - بحث عمن يستطيع أنْ يسحق هذا القادم الجديد، ووجد بغيته في شخص محمد علي - نائبه على حكم مصر - الذي ندب نفسه لسحق الوهابيين، وحيث إن السلطان يضمر كرهًا لمحمد علي وللوهابيين معًا فإنه سيكون المنتصر في كلتا الحالتين بغضّ النظر عن هزيمة أيّ منهما. وبعد صراع طويل انتصرت القوات المصرية، وقضي نهائيًا على القوة الدينية للأسرة السعودية، واستسلم عبدالله، الذي خَلَف والده عبدالعزيز

(8)، واقتيد مصفدًا بالسلاسل إلى إسطنبول حيث أُعدِم، وهرب أبناؤه الباقون مع عائلاتهم، إلا أن بعضهم وقع أسيرًا فنقل إلى مصر، بينما نجا البعض الآخر، واختفى - إلى حد ما - حكم الأسرة السعودية والمذهب الوهابي. وبدأ خسوف الحكم السعودي منذ سنة 1818م (1234هـ)، وهي سنة الكارثة، إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، كما لو كان خسوفًا دائمًا إلا أنه بين الحين والآخر يظهر أحد أفراد الأسرة السعودية ليحاول استعادة الحكم، فتبوء دائمًا محاولاتهم بالفشل. وخلال تلك الفترة ظهر قادة وعائلات مختلفة ذات أهمية سياسية، وكان أبرزها عائلة آل رشيد من قبيلة شمّر، التي كانت بارعة بما فيه الكفاية في عدم منازعة السيادة التركية، ولم يكن لدى هذه الأسرة معتقدات دينية تثير عداوة الآخرين، وصارت سلطة آل رشيد على وسط الجزيرة تقريبًا دون منازع خلال الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر. إلا أن أسلوب حكمهم القاسي نفَّر الناس منهم. وفي هذه الحالة اليائسة ولد عبدالعزيز الذي كان والده يعيش منفيًا في بلاط الشيخ مبارك - حاكم الكويت - تلك المنطقة الساحلية الصغيرة الواقعة بالقرب من نهاية الخليج العربي. وعاش الشاب عبدالعزيز بن سعود في هذا الجو خلال السنوات العشرين الأولى من عمره قبل أن يبدي أي علامة تدل على تصميمه على استعادة ملك أجداده المفقود. ومع نمو طموحه كان نادرًا ما يفكر في الحكم التركي البعيد، إذ إنّ جل اهتمامه كان منصبًا على مواجهة العقبة المباشرة المتمثلة في أسرة آل رشيد الحاكمة. تتيح أولى مغامرات ابن سعود التعرف جيدًا على شخصيته وإرادته، ففي سنة 1901م (1319هـ) حينما كان في الحادية والعشرين من عمره قاد حملة صغيرة تتكون من أربعين رجلاً في الصحراء، هدفها ظاهريًا الاشتباك مع أي قوة لآل رشيد، وحالما أوغل في الصحراء قاد حملته الصغيرة جدًا إلى الرياض، كبرى مدن نجد والعاصمة السابقة للأسرة السعودية، وأخفى ثلاثين رجلاً في حقول النخيل الواقعة في إحدى الواحات القريبة من مدينة الرياض، وتسلّل مع تسعة من مساعديه عبر أطلال الرياض المهجورة حتى وصلوا إلى مدخل أحد المنازل المقابلة للحصن الذي يقصده عادة نائب ابن رشيد على حكم الرياض ليلاً لأغراض أمنية، واقتحموا المنزل، وأمضوا ليلتهم في شرب القهوة وقراءة القرآن. وعند الفجر خرج الحاكم يصحبه حراس قليلون، فهجم العشرة عليهم، وقتلو الحاكم، واستولوا على الحصن، وأعلنوا لسكان المدينة المذهولين والبالغ عددهم (000.20) نسمة أن انقلابًا عسكريًا قد حدث. ونجح ابن سعود في الاستيلاء على أولى مدنه ولم يخسرها بعد ذلك

(9). ولكن الاستيلاء على مدينة واحدة - حتى وإن كان جريئًا - لم يكن كافيًا لضمان مستقبله. وكان وضعه خلال السنوات القليلة التالية متقلقلاً. وساعدت تركيا ابن رشيد الساخط، وبدا مستبعدًا أن يتمكن الشاب ابن سعود من الاحتفاظ بما استولى عليه. وبطريقة أو بأخرى نجح في الاحتفاظ بالمدينة. وفي آخر الأمر توقف الأتراك عن مساعدة ابن رشيد. وعلاوة على ذلك، نشب صراع مرير على السلطة بين آل رشيد، وأفاد ابن سعود من ارتباك أعدائه، واستخدم القوة والخدعة؛ ليحصل على ولاء البدو في المنطقة، ويعزّز موقعه، وفي سنة 1906م (1324هـ) صار ابن سعود الحاكم المعترف به على نجد والشخصية المعتبرة في أنحاء الجزيرة العربية الأخرى. تقاطرت سلالة العائلة السعودية المتناثرة إلى نجد، وحاول بعض المتحدرين مباشرة من سلالة عبدالعزيز الأول

(10) الاستئثار بالحكم، وحدث هذا الخطر الأخير من نوعه في سنة 1912م (1330هـ)، وحينما تم القضاء عليه عرض ابن سعود بحكمته على ابن عمه الذي قاد هذه المؤامرة أنْ يختار بين المنفى أو الانضواء في خدمته. فاختار ابن عمه الخيار الثاني. ومنذ ذلك الحين صار مؤيدًا متحمسًا للوضع القائم. كيف يمكن إنشاء دولة عربية دائمة مما هو متوافر ومماثل؟ شغل هذا السؤال ذهن ابن سعود. فقد كانت إحدى العقبات ذات صلة بطبيعة البدو، فالقبيلة هي الوحيدة القادرة على السيطرة على البدو الأقوياء. ومع أنه من المؤكد إقناعهم أن يتحدوا مؤقتًا لأغراض عسكرية بشرط أن تكون حصتهم من الغنيمة كبيرة بما فيه الكفاية، وأن يحقّق القائد هدفًا دينيًا عزيزًا عليهم وهذا من الممكن أن يوحّدهم مؤقتًا؛ فإن هذه الروابط لا تضمن حلاً دائمًا لدولة حديثة. ولذا فقد استنتج ابن سعود أنه على الرغم من أن شخصيته، وغنائم الأعداء والرغبة في نشر المعتقد الوهابي قادرة على توحيد البدو مؤقتًا، فإن تغيير العادات البدوية أمر ضروري؛ ليتمكن من إقامة أسس راسخة لدولته. تجبن الروح الأقل عزيمة حينما تواجهها خيارات كهذه، وقد تترك الأمور لمشيئة الله

لظاهر بيبرس 12-04-2006 09:05 AM

(11)، إلا أن ابن سعود لم يفعل ذلك، فقد قرّر أن يحاول دعم ما يُعرف بحركة الإخوان الذين يتحتم على المنتمين إليها أن يكونوا كالإخوة الأشقاء، وأن لا تعني لهم علاقات الدم والقبيلة شيئًا، فقوانين الشريعة الإسلامية تحكمهم، وحتّم عليهم التخلي عن حياة البدواة، وأن يستبدلوا بخيامهم الصحراوية منازل للسكنى الدائمة في قرى (هِجَر) يمكن أن تزرع فيها أشجار النخيل، وتُتعهد بالعناية. وتمنح هذه الهجر المساعدات الحكومية مجانًا، كما تساعد المعونات المالية من خزينة ابن سعود في بناء المساجد، ويحصل كل واحد من الإخوان على إمدادات مجانية من الأسلحة والذخيرة إذا التزموا الدفاع عن حاكمهم ابن سعود. ومنحت هذه الصفقة ابن سعود نواة لقواته العسكرية الموثوقة الدائمة، وازداد عدد الإخوان سريعًًا، ومع أنه لم ينتم إليها كل الناس، فإن هناك أكثر من سبعين هجرة، وبلغ عدد الإخوان مئة ألف نسمة. وحينما بدأت الحرب (العالمية الأولى) أظهر ابن سعود - الذي كان مُعترفًا به في ذلك الوقت سلطانًا على نجد - دهاءه المتوقع، ومع أنه لم تتح له الفرصة لدراسة السياسات العالميــة المعقــدة، فقــد كوّن منذ زمن بعيد سياسته الخارجية البسيطة التي خدمته جيدًا، وذلك بأن يتخذ قراراته المستقلة، ويناوئ الأتراك دائمًا، ويكون صديقًا لبريطانيا. والآن يدعم عدوه القديم ابن رشيد تركيا وحلفاءها؛ ولذا وافق ابن سعود على دعم بريطانيا وحلفائها؛ إلا أن هذا الدعم اقتصر على اتخاذ موقف محايد، فاعترف البريطانيون باستقلاله القائم فعلاً، وصبّوا في خزينته الفقيرة معونة سنوية مقدارها (000.60) ستون ألف جنيه إسترليني لمدة ست سنوات. إنها تجارة رابحة أن تكون صديقًا لدولة سخية في عطائها

(12). ثم حوّل المحسنون إلى ابن سعود - الذين كانوا مرتاحين لصفقتهم معه - نظرهم نحو غرب الجزيرة العربية حيث يوجد أمير آخر طموح لا يريد أن يستمع إلى رنين الذهب البريطاني هو الشريف حسين أمير منطقة الحجاز الواقعة على الساحل الضيق الممتد على البحر الأحمر، وتكتسب الحجاز أهميتها من المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وكان الأتراك يحكمون الحجاز فعليًا، وليس اسميًا، وكان الشريف حسين قد عُيّن أميرًا على الحجاز سنة 1908م (1326هـ) حينما كان في الستين من عمره، فأيقظ فيه هذا الشرف غير المتوقع طموحًا نائمًا منذ زمن طويل. لقد كان موظفو الحكومة البريطانية أسخياء في وعودهم لهذا الشيخ المبتهج. ومن المؤكد أن غموض التزاماتهم كان متعمدًا، مما فتح لهم الطريق للتنصّل؛ إذ استخدموا غموض التزاماتهم فيما بعد بصفاقة ووقاحة، فقد وعد البريطانيون إعطاء العرب جزيرة العرب، وظن حسين أن الحلفاء سيدعمون طموحه ليصير ملكًا. وبسبب هذه الوعود رفع علم الثورة ضد الحكم التركي، وقاد أبناؤه - الذين ساعدهم إلى حد كبير الجنرال النشيط تي إي لورنس - القوات المنتصرة نحو الشمال. وبالمقابل اعترفت بريطانيا بحسين ملكًا على الحجاز، ومنحته معونة ذهبية تساوي ستة ملايين جنيه إلى أن تم إيقافها فيما بعد. إن الثورة في الصحراء مربحة إلا بالنسبة لدافع الضرائب البريطاني. وبعد انتهاء الحرب (العالمية الأولى) لم يكن وضع ابن سعود مبشرًا بالأمل. فحسين - منافسه القديم - صار ملكًا مستقلاً. ونُصب أبناؤه في مواقع ربما تشكّل تهديدًا لابن سعود. ففي عام 1921م (1339هـ) صار عبدالله ملكًا على الأردن، ونُصب فيصل ملكًا على دولة العراق الجديدة. وأسوأ من ذلك أن ابن رشيد عدوه اللدود قد أعلن استقلاله، وينوي البريطانيون - الذين يرون حاجة ماسة إلى قيام دولة عازلة بين العراق ونجد - الموافقة على استقلال ابن رشيد. ولكن الخبراء أخطؤوا على نحو محزن، فإذا كانوا قد اعتقدوا كما حصل أن ابن سعود بسجلّه الحافل بالانتصارات السابقة لن يفعل شيئًا، ويترك أعداءه يتحصنون، فإنهم قد أساؤوا التقدير. وعلاوة على ذلك فقد كان الحظ بجانب ابن سعود، فقد خدمته الأحداث المتسارعة، واستطاع لمرة أخرى أن يستفيد من الفرصة السانحة. فمثلاً، كانت هناك حادثة الخرمة. فالحدود بين الحجاز ونجد لم تكن ثابتة، ويدّعي كلاهما ملكيته واحات عدة قيّمة. وقد حاول حسين الاستيلاء على الخرمة ثلاث مرات إلا أن محاولاته باءت بالفشل. وأخيرًا طلب المساعدة من لندن، وسمحت الحكومة البريطانية له بالاستيلاء على الخرمة، وحذّروا ابن سعود بأنهم سيقطعون المعونة عنه في حالة تدخله، وابتهج حسين بهذا الدعم المتميّز. فأرسل في الحال حملة عسكرية قوية للاستيلاء على واحة الخرمة، إلا أن ابن سعود لم يعبأ بالمعونة، وعدّ الخرمة من ممتلكاته، وزحف فرسانه الوهابيون في هدأة الليل على رجال حسين، وانتصروا عليهم. وبذلك وضع نهاية لقضية الخرمة إلى الأبد، ولم تُقطع المعونة! وما كاد غضب حسين بعد هذه الهزيمة يفثأ حتى أظهر ابن سعود مرة أخرى قوته في أثناء قتاله في حائل. فقد انتظر سنين عدة فرصة القضاء على أعدائه آل رشيد، وأخيرًا لاحت له الفرصة. ففي أثناء مسابقة في الرماية عقدت بالقرب من حائل، عاصمة منطقة شمر لم يصوب أحد الرماة نحو الهدف، وإنما باتجاه رأس حاكمه. وأتاح ارتباك آل رشيد بعد الاغتيال فرصة سانحة لابن سعود؛ فحشد قواته، وزحف في الحال إلى شمر، وأسر أقارب الأمير المقتول، وضمّ منطقة شمر إلى مملكته. وبهذا انتهى حكم آل رشيد نهاية مخزية، وانتقم السلطان الوهابي المراوغ لأسلافه، وفي الوقت نفسه دقّ إسفينًا (وتدًا) حادًا بين العراق والحجاز، ووحّد كل وسط الجزيرة العربية لأول مرة بعد أجيال عدة تحت حاكم واحد. وما زال القدر يمنح هداياه لابن سعود، فقد بدأ حسين الذي يناهز الآن سبعين عامًا في إزعاج حماته البريطانيين. فقد أغاظه الحلفاء حينما فشلوا في تنفيذ وعودهم والتزاماتهم في أثناء الحرب، فصار يتصرف معهم أحيانًا بعنجهية، وأحيانًا بوقاحة مشاكسة. وكان حكمه نزويًا، وإداريوه فاسدين جدًا، وتنقصهم الكفاءة العلمية. وربما أنّ أنينَ دافعي الضرائب وتذمرَ الحجاج من الضرائب الباهظة وتفجعَهم قد وصل إلى آذان لندن الصماء، ولكنها وجدت أذنًا صاغية عند ابن سعود. ومرة أخرى انتظر الوقت الملائم. ومع أن السخط الذي أثارته معاملة حسين للحجاج كان في صالح ابن سعود، إلا أنه لم يكن كافيًا للخطط القوية التي فكّر فيها، لقد كان ابن سعود في حاجة إلى ما هو أكبر من مجرد السخط، وجاء هذا الشيء الأكبر سريعًا ودونما توقع! فقد قرر مصطفى كمال ومستشاروه في أوائل عام 1924م (1342هـ) قطع الصلة بين حكومة الجمهورية التركية الجديدة والخلافة. فقد كان السلطان التركي هو الخليفة أو القائد الروحي للمسلمين في أيام الإمبراطورية الأخيرة. وحينما حاول الأتراك إقامة ترتيب تجريبي تقوم الحكومة فيه بتعيين خليفة لا يملك سلطة دنيوية لم يرق ذلك للجميع، وكانت النتيجة فصلاً تامًا بين الدين والدولة. يرى بعض الباحثين أن يد حسين الهرمة امتدت بلهفة للجائزة، بينما يرى البعض أن ابنه الأمير عبدالله قد أوحى إليه إعلان نفسه خليفة للمسلمين. ومهما يكن الأمر فقد أعلن حسين نفسه خليفة بعد ثلاثة أيام من قرار الحكومة التركية. وبالطبع فإن تحركًا كهذا قد سبّب ضجة في أرجاء العالم الإسلامي، فرضي البعض بالنظام الجديد مذعنًا، إلا أن سخط المصريين والهنود كان مريرًا، ولم يكن لغضب الوهابيين حدّ. وحدث بين حسين وابن سعود صدع لا يلتحم، وجعل قيام الحرب بينهما أمرًا محتومًا. والآن ليس ثمة تأثير مضاد لإرجاء أو تفادي الصراع، فقد قطع البريطانيون المعونة عن المتنافسين في شهر مارس 1924م (شعبان 1342هـ)، وليس هناك ما يخسره ابن سعود لو هجم على الحجاز. لذا قاد جيوشه إلى ميدان الحرب في أواخر أغسطس (صفر) بعد أن امتدح المسلمون الهنود موقفه. ولم يكن ثمة شك في نتائج المعركة، فقد حاول حسين بكل ما يستطيع إنقاذ العرش لعائلته؛ فتخلى في شهر أكتوبر (ربيع الأول) عن العرش لابنه علي، وفي الحال سيطر السعوديون على جميع الحجاز ما عدا ميناء جدة. وبعد سنة من عمليات الحصار المتقطع استسلمت المدينة، وهرب الملك علي ومساعدوه إلى المنفى، وبذلك انتهت الحرب. كان ابن سعود على معرفة بأن المسلمين في كل مكان يترقبون ما سيقوم به بعد ذلك. والآن، كما هو الحال من قبل، لم تُعمِهِ انتصاراته الحربية عن وضعه الحساس كقائد وبطل لأقلية تعتنق مذهبًا لا يقبله معظم أتباع الرسول [

(13). فقد تمهل خلال حصار جدة، وعمل على حماية الحجاج، وأجرى اتصالات مع الوفود الإيرانية والهندية المسلمة التي حضرت لمعرفة ما إذا كانت الروايات التي تصف الوهابيين بالتعصب، وهدم الأضرحة، وانتهاك الحرمات حقيقة أم كذبًا؟ فما كان منه إلا أن طمأن هذه الوفود عما يعتزمه من خطط، وأخبرهم أنه بمجرد انتهاء الحرب سوف يعقد مؤتمرًا يدعو إليه الشخصيات الإسلامية الرفيعة؛ لإطلاعهم على الأوضاع في المدينتين المقدستين. وفي بداية يناير 1926م (جمادى الآخرة 1344هـ) أعلن قراره بتولي السلطة في الحجاز

لظاهر بيبرس 12-04-2006 09:06 AM

(14). وبعد سنة استجاب لطلب شيوخ قبائل نجد بأن يغيّر لقبه الرسمي من سلطان إلى ملك. وبعد ذلك جمع كل ممتلكاته تحت اسم رسمي يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية. وحينما عقد المؤتمر الإسلامي لم يكن ثمة أمور مهمة يتم مناقشتها. فمسألة الخلافة أرجئ النظر فيها إلى مؤتمر قادم يقام في القاهرة، وقَبِلَ سكان المدينتين المقدستين ابن سعود حاكمًا جديدًا، وناقش المؤتمر أمورًا أخرى تهم الجميع، واتخذت حيالها الحلول المختلفة، ولم يتخذ أيّ إجراء يحد بأي شكل من الأشكال من سلطة ابن سعود. وفي الواقع فإن التحولات التي حدثت في الجزيرة العربية تعدّ أمورًا استثنائية. فقد طُهِّرت الإدارة الحجازية القديمة من معظم فسادها، وتقلصت حركات تمرد المواطنين بسبب نظام يجعل كل قبيلة مسؤولة عن المحافظة على السلام والأمن في منطقتها. وفي حالة فشل هذا النظام وعدت القبائل المجاورة أن تقوم بالمبادرة لمعاقبة المتمردين، وأن تقدّم تقريرًا لابن سعود عن طبيعة الجريمة المقترفة، والعقاب الذي أوقعوه بمرتكب الجريمة. وفي حالة فشلهم يصبح من حق ابن سعود أنْ يوجه جيشه لمعاقبتهم بشدة. وحافظ هذا التهديد على السلم والنظام بشكل جيّد. كما أديرت الشؤون الخارجية أيضًا ببراعة مماثلة، فقد قبلت بريطانيا العظمى الحكومة الجديدة بكل لباقة، ووقّعت معاهدة تعترف فيها باستقلال المملكة التام. وحتى الخلافات الصعبة مع العراق اتفق عليها أخيرًا، وأصبح الملك فيصل قبل موته على علاقة طيبة مع هازم أبيه. وآخر تهديد واجهته مملكة ابن سعود كان مع اليمن، فقد ظل ذلك البلد الصغير الواقع جنوب الحجاز على ساحل البحر الأحمر مصدر خطر محتمل. وكان قبل الحرب العالمية (الأولى) يخضع اسميًا لتركيا، ولم يعترف باستقلاله بعد الحرب سوى إيطاليا. ولليمن قيمته بسبب تربته الخصبة وثرواته المعدنية. وحينما بسط الملك ابن سعود حكمه على منطقة عسير المجاورة لليمن، كان الاستياء اليمني عظيمًا إلى درجة أنه يصعب تجنب صدام عسكري. وحينما حدث الصدام بينهما خلال الصيف الماضي (1353هـ) أجبر حاكم اليمن على توقيع معاهدة سلام، وتعهد بعدم إزعاج جاره في المستقبل مقابل اتفاقيات سخية، وتضمنت المعاهدة إقامة علاقات صداقة وتعاون حول القضايا ذات المصالح المشتركة. وهكذا وصل ابن سعود في سنة 1934م (1353هـ) إلى نهاية طريق طويل، فالذي كان متجولاً بلا وطن أصبح الآن حاكمًا لدولة عظيمة بناها بنفسه، وحقق الوحدة والسلام في منطقة بليت لوقت طويل بالفوضى السياسية. والزمن وحده سوف يخبر ما إذا كان سينجح في تنفيذ خطته القريبة إلى قلبه، وهي إقامة شعور صادق ودائم للقومية العربية(15).

http://www.aldarahmagazine.com/magz...25&article_no=6





تعريف بالمترجم والناشر :

الدارة ) في اللغة
الدارة كلمة عربية صحيحة الاستعمال، من معانيها اللغوية: «أنها كل أرض واسعة بين جبال»، وأيضًا: «ما أحاط بالشيء كالدائرة».
وهي تجمع على «دارات»، ودارات العرب معروفة قديمًا فقد تغنوا بها شعرًا، وأفاضوا في وصفها بأجمل الأوصاف؛ لكونها أراضي سهلة تنبت الطيب من الأزهار، والنافع من الأشجار، واليانع من الثمار.
تأسيس الدارة
أنشئت دارة الملك عبدالعزيز بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم ( م/ 45) في 5/8/1392هـ ( 1972م)، وذلك بهدف خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية بصفة خاصة، وتاريخ البلاد العربية والإسلامية بصفة عامة. والدارة هيئة علمية مستقلة يدير شؤونها مجلس إدارة يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ويضم نخبة من المتخصصين والمسؤولين وممثلي عدد من الوزارات والهيئات المعنية. ويأتي إطلاق اسم الملك عبدالعزيز على الدارة وفاءً بحق المؤسس على أمته وشعبه، وتقديرًا لإنجازه في توحيد وتأسيس المملكة العربية السعودية، وكذلك لأن توثيق سيرة الملك عبدالعزيز تعد في مقدمة اهتمامات الدارة.

لظاهر بيبرس 13-04-2006 08:59 PM

تاريخ سياسي (2)أثر الحملات العثمانية المصرية على نفوذ الدولة السعوديةالاولى في عمان
 
أثر الحملات العثمانية المصرية على نفوذ الدولة السعودية الأولى في عمان

بلغ نفوذ الدولة السعودية الأولى في عمان قمته خلال عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز 1218-1229هـ/1803-1814م، لكن أواخر عهد ذلك الإمام شهد قيام محمد علي باشا والي مصر العثماني بشن الحملات ضد تلك الدولة والتي انتهت بالقضاء عليها. وهدف هذا البحث هو توضيح أثر الحملات العثمانية المصرية على النفوذ السعودي في عمان من ناحية، وعلى السياسة التي انتهجها السيد سعيد بن سلطان، حاكم مسقط وعمان تجاه ذلك الأثر من ناحية أخرى. نفوذ الدولة السعودية في عمان قبل عام 1226هـ/1811م: وصل نفوذ الدولة السعودية إلى شمال عمان حوالي عام 1212هـ/ 1797م، ثم أخذ يتزايد ويتوغل في عمق المناطق العمانية خلال السنوات التالية(1). وفي عام 1218هـ/1803م، خلف الإمام سعود بن عبدالعزيز أباه في حكم الدولة السعودية، ويعود الفضل إلى جهوده في امتداد نفوذ الدولة السعودية خارج وسط الجزيرة العربية، وفي العام التالي قتل السيد سلطان بن أحمد سلطان مسقط الذي يعود إليه الفضل في تطوير القوة البحرية والنشاط التجاري لحكومة مسقط، وتوسيع النفوذ السياسي لتلك الحكومة في نواحي الخليج وشرق أفريقيا(2). وقد استثمر الإمام سعود التنافس الذي أعقب مقتل السيد سلطان على الحكم بين أبنائه وإخوته وأبناء إخوته، لتوسيع نفوذ الدولة السعودية في عمان، وتمكن من إيصال مرشحه السيد بدر بن سيف إلى الحكم في مسقط، وأقام له حاميات في الباطنة(3). شعر الإمام سعود في عام 1221هـ/1806م بأن نفوذه قد ضعف كثيراً في عمان، حيث توصل سلطان بن صقر شيخ القواسم الموالي له إلى اتفاق مع حكومة الهند البريطانية في ذي القعدة 1220هـ/فبراير 1806م، دون الرجوع إليه(4)، كما قتل السيد بدر بن سيف حاكم مسقط الموالي له على يد السيد سعيد بن سلطان المعارض لتعاظم النفوذ السعودي في عمان في صيف عام 1221هـ/1806م(5). ولذلك عزم الإمام سعود في العام التالي على تقوية نفوذه في شمال عمان والباطنة ومسقط مفيدًا من الانقسامات القبلية داخل الاتحاد القاسمي، وصغر سن السيد سعيد بن سلطان وقلة خبرته وفقدانه ولاء كثير من الزعماء العمانيين بسبب عدم تقديره لهم، وبالتالي فقده السيطرة على بعض الأقاليم العمانية(6). أرسل الإمام سعود في خريف عام 1222هـ/ 1807م قائده المشهور مطلق المطيري على رأس حملة قوية إلى عمان، وزوده بصلاحيات واسعة لمساعدة الزعماء العمانيين المغاضبين للسيد سعيد والتعاون معهم لإعادة فرض النفوذ السعودي في عمان. وقد نجح المطيري في التحالف مع أبرز زعماء عمان، واجتاح بهم وبأتباعهم ساحل الباطنة، وأخذوا يستولون على بلدانها حتى اقتربوا من المصنعة، ودخلوا إلى وادي سمايل، مما اضطر السيد سعيد إلى طلب الصلح وإرسال وفد إلى الدرعية في نهاية عام 1223هـ/1808م(7). عزم المطيري أيضاً على تقوية سلطة الدولة السعودية في شمال عمان أو "عمان الصير" وإلغاء مفعول الاتفاق الذي توصل إليه الشيخ سلطان بن صقر مع البريطانيين عن طريق إضعاف سلطة الشيخ سلطان على الاتحاد القاسمي، فأخذ يعين على بلدان القواسم وموانئهم أمراء يرتبطون به، وليس بشيخ القواسم، فقد عيّن الشيخ حسين بن علي في الرمس، والشيخ محمد بن أحمد الطينجي في شناص، والشيخ راشد بن حميد النعيمي في عجمان(8). وفي أواخر عام 1223هـ/1808م عزل المطيري الشيخ سلطان بن صقر عن مشيخة القواسم، وعين الشيخ حسين بن علي شيخ الرمس وأحد زعماء الاتحاد القاسمي وكيلاً سعودياً في عمان الصير، وزاد في مقدار الزكاة التي يجب أن يرسلها الوكيل الجديد إلى الدرعية، وأمره بإقامة الجهاد في البحر(9). وفي العام التالي (1224هـ/1809م) استدعى الإمام سعود الشيخ سلطان بن صقر إلى الدرعية، وأمره بالإقامة فيها(10). أصبح زعيم القواسم الجديد أو الوكيل السعودي في عمان الصير أكثر انقياداً للحاكم السعودي، وأشد تحمساً لتنفيذ سياسته في المنطقة؛ لأن الفضل يعود إلى السعوديين في وصوله إلى السلطة، كما أن زعماء القواسم الآخريـن لا يدينــون له بمناصبهــم؛ لأن المطيري هو الذي ثبتهــم فيها. وفي حين كان مطلق المطيري وحلفاؤه العمانيون يهاجمون بلدان الباطنة ومناطق عمان الداخلية خلال عامي 1223-1224هـ/1808-1809م كان الشيخ حسين بن علي يرسل فرقاً من أسطوله البحري لمهاجمة المراكب العمانية والهندية والبريطانية في مياه الخليج وبحر العرب وسواحل الهند. بل إن الوكيل السعودي بلغ به أن طلب من حكومة بومبي دفع رسوم لقاء دخول مراكبها التجارية إلى الخليج العربي وحمايتها(11). وقد شجعت الحملات البرية والبحرية الناجحة التي كان يقوم بها قادة الإمام سعود في عمان والبحار ذلك الإمام لإخضاع جميع الأقاليم العمانية لحكمه المباشر، فأرسل إلى السيد سعيد يهدده بمهاجمة مدينة مسقط بنفسه، بعد عودته من حج عام 1224هـ/1809م إذا لم يقم بإرسال أسطوله لمهاجمة أعداء الدولة السعودية(12). عندما عاد الكابتن ديفد سيتون (David Seton) المقيم السياسي البريطاني في مسقط إلى مقر عمله في بداية عام 1224هـ/1809م ذهل من تعاظم النفوذ السعودي في عمان، فأخذ في كتابة التقارير إلى حكومة بومبي يشرح لها مدى ما وصلت إليه أوضاع عمان، وكيف أن حكومة مسقط وصلت إلى الغاية من عدم الاستقرار، وأن السيد سعيد فقد السيطرة على البلاد ما عدا المناطق الساحلية التي لم يتمكن من حمايتها من السعوديين إلا عن طريق الخضوع التام لهم، وأن أغلب سكان مسقط قد غادروها، وأن حكومة مسقط تطلب مساعدة البريطانيين، وأنه إذا لم تسارع حكومة الهند إلى التدخل، فإن السعوديين - حسب رأيه - سيستولون على مسقط، وسيقضون على تجارتها وتجارة الخليجين (الخليج العربي والبحر الأحمر)، وسيهاجمون تجارة سواحل الهند، وسيحولون العمانيين إلى قراصنة كما فعلوا مع القواسم(13). وكان الكابتن سيتون يرى أن حاكم مسقط لن يتمكن من الدفاع عن مناطقه إلا باستعادة موانئ شمال الباطنة، لكنه لن يتمكن من ذلك دون مساعدة عسكرية وبحرية من الهند(14). اقتنعت حكومة الهند البريطانية بآراء الكابتن سيتون، فكلفت حاكم بومبي بإعداد حملة بريطانية لضرب القواسم ومساعدة حاكم مسقط ضدهم، وعهدت بقيادة تلك الحملة إلى الكولونيل ليونيل سميث (Lionel Smith) والكابتن ج. وين رايت (J. Wain Wright). وحددت أهدافها بتدمير موانئ القواسم ومراكبهم، ومساعدة حاكم مسقط على طردهم من ساحل الشمالية، وفرض معاهدة على القواسم تلزمهم بوقف (القرصنة) وإقامة قاعدة في مدخل الخليج تكون مقراً لمقيمية بريطانية، يمكن منها مراقبة القواسم وغيرهم، وقد حذر حاكم عام الهند وحاكم بومبي قواد الحملة من القيام بأي عمليات عسكرية على البر، أو الاحتكاك بالسعوديين، أو استخدام الجنود والبحارة ضد أي قوات تابعة لهم(15). أبلغت حكومة بومبي السيد سعيد بأن الحملة قد أرسلت لتأديب القواسم ومساعدته ضدهم، وذلك بناء على طلبه، وطلبت منه الاشتراك معها في ذلك، وتقديم كل ما تحتاج من مساعدة ممكنة(16). وقد وصلت الحملة إلى مسقط في رمضان 1224هـ/ أكتوبر 1809م، وفي الشهر التالي بدأت في مهاجمة وتدمير مراكب وموانئ القواسم على الساحلين العربي والفارسي للخليج، ونجحت في ذلك، لكنها فشلت في طرد القواسم من ساحل الشمالية وحماية حاكم مسقط منهم، والتوصل إلى اتفاق معهم، وإقامة قاعدة بريطانية في مدخل الخليج، وتجنب استفزاز السعوديين(17). ظن الإمام سعود وقادته أن السيد سعيد هو الذي استدعى الحملة البريطانية وتعاون معها لضرب أتباعهم القواسم، فقرروا الانتقام منه بعد رحيل البريطانيين. تلقى المطيري قوات جديدة، وتقدم بحوالي ثمانية آلاف مقاتل في أواخر عام 1225هـ/1810م، وفرض حصاراً على بلدة صحار، ولما عجز عن اقتحامها تجاوزها، وشكل من جيشه ثلاث فرق، أسند قيادة إحداها لابنه، والثانية لحليفه العماني الشيخ محمد بن ناصر الجبري، وتولى هو قيادة الفرقة الثالثة، وتقدمت هذه الفرق باتجاه الباطنة ومسقط وداخل عمان. وقد سيطر الجبري على وادي سمايل، وتقدم من هناك إلى أزكى(18)، أما المطيري وابنه فقد استوليا على أغلب المناطق المحيطة بموانئ مطرح وبركة والسويق، وألحقا بالسيد سعيد هزيمة شديدة في وادي المعاول(19)، وأجبراه على الاحتماء بسور مدينة مسقط(20). وقد أكد لوريمر (Lorimer) أنه في عام 1810م (1225هـ) وبعد الحملة البريطانية على القواسم مباشرة أن قوة الدولة السعودية ونفوذها في الخليج وهيمنتها على شؤون المنطقة قد وصلت إلى أعلى درجاتها(21). أجبر هذا الامتداد السعودي لأقاليم عمان الداخلية السيد سعيد على الاستنجاد مرة أخرى بحاكم بومبي، جوناثان دنكن (Jonathan Duncan)، وطلب منه قوات لصد العدو المشترك، متذرعاً بأن تعاونه مع حلفائه البريطانيين في الحملة الأخيرة قد ورطه في حرب عنيدة مع السعوديين الذين كانوا في سلام معه قبل ذلك، وأنه رفض عروضًا عدة قدمها له السعوديون بسبب صداقته للبريطانيين(22). أغضبت هذه الحجج المسؤولين البريطانيين، واتضح لهم أن حاكم مسقط كان يرفض عروض السعوديين للسلام معتمداً على علاقته بحكومة الهند مظهراً أن تلك الحكومة القوية حليفة له في صراعه مع السعوديين، مما سيجرها إلى الصدام معهم، وهي لا تريد ذلك(23). فأصدر حاكم الهند العام تعليماته إلى حاكم بومبي بأن يبلغ السيد سعيد أنه ليس هناك أي داع لادعائه بأن الحكومة البريطانية طرف في حربه مع السعوديين، وأن تلك الحكومة لا يعنيها النـزاع بينه وبينهم، وأن على حاكم مسقط أن يجنح إلى السلم الذي طلبه السعوديون إذا لم تكن شروطه تتعارض مع شرف حكومته وأمنها، وأنه من الأفضل ألا يشير في رده على أي عرض من السعوديين إلى علاقته بالحكومة البريطانية التي تعد نفسها في حالة سلام معهم(24). لقد أدرك البريطانيون بعد حملة عام 1224هـ/1809م مدى قوة النفوذ السعودي على القواسم الذي حال دون تحقيق أهم أهداف تلك الحملة، كما أدركوا مدى ضعف قوة حاكم مسقط وعجزه عن خدمة أهدافهم في المنطقة، كالتصدي للقواسم والقضاء على (القرصنة) وحماية التجارة في الخليج، كما أدركوا أيضاً أن السيد سعيد يسعى إلى توسيع نفوذه في المنطقة معتمداً على حلفه مع حكومة الهند، وأنه يتفادى الوصول إلى تفاهم مع السعوديين والقواسم لإجبار تلك الحكومة على تقديم المساعدة العسكرية له ضدهم، مما سيورطها في حرب معهم. لذلك، قرر الحاكم العام الابتعاد بحكومته عن الارتباط بحكومة مسقط، فلم يعد فتح المقيمية البريطانية هناك، ورفضت حكومة بومبي بسرعة تقديم المساعدة ضد هجمات المطيري(25).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:01 PM

اضطر السيد سعيد نتيجة لتخلي حلفائه البريطانيين عنه إلى طلب المساعدة العسكرية من حاكم بلاد فارس فتح علي شاه(26)، الذي بعث إليه من شيراز حملة مكونة من (1500) جندي تصحبهم أربع بطاريات مدفعية خفيفة في آخر عام 1225هـ/ بداية 1811م، أضاف إليهم السيد سعيد (0004) من قواته، وأرسلهم لحرب القوات السعودية وحلفائها العمانيين. وبعد أن أحرز الفرس عدداً من الانتصارات تمكن المطيري وحلفاؤه من هزيمتهم في بلدة أزكى والاستيلاء على مدفعيتهم وطردهم إلى بلدة بركة(27). ويبدو أن هذه الانتصارات قد شجعت بعض أبناء الإمام سعود على الخروج إلى عمان في بداية عام 1226هـ/ 1811م أثناء وجود والدهم في الحجاز، دون إذنه، فانضم المطيري وحلفاؤه من زعمـاء عمــان وقبائلهــا إلى أبناء سعود، وقاموا بغزوة واسعة وصلت إلى بلدان بركة ومطرح في الباطنة، كما توغلوا في بلاد جعلان والشرقية حتى وصلوا إلى صور ورأس الحد، عادوا بعدها إلى البريمي(28). بلغ نفوذ الدولة السعودية في عمان خلال الفترة 1222 - 1226هـ/1807-1811م مرحلة متقدمة جداً بفضل سياسة الإمام سعود وجهود قائده القدير مطلق المطيري. فقد أخضعت تلك الجهود القواسم وشمال عمان لسلطة الدولة السعودية، كما أضعفت الحملات السعودية المتتابعة مقاومة السيد سعيد، وتوغلت تلك الحملات في أقاليم الباطنة والداخل والظاهرة والشرقية حتى وصلت إلى جعلان ورأس الحد في أقصى شرق عمان. ولم يتمكن السيد سعيد من الاحتفاظ بمسقط وبعض المناطق الداخلية إلا بدفع الزكاة السنوية إلى الدرعية(29). ولم يخلِّص مسقط والباطنة والمناطق الداخلية من عمان من المصير الذي آل إليه الصير وشمال عمان إلا تعرض الدولة السعودية لخطر خارجي جاء من الغرب، وهو وصول الحملة العثمانية المصرية إلى الحجاز في عام 1226هـ/1811م. أثر الحملة العثمانية المصرية الأولى على نفوذ الدولة السعودية في عمان: سبقت الإشارة إلى الحملة الواسعة التي قام بها أبناء الإمام سعود في عمان دون إذنه في بداية عام 1226هـ/1811م. ولما علم الإمام سعود بما قام به أبناؤه غضب غضباً شديداً، وأرسل فرقة من الجند لقبض حصن البريمي، ومنع أبنائه وأتباعهم من اللجوء إليه، كما أرسل إلى مطلق المطيري ومن معه من الجنود وأمرهم بالخروج من عمان(30). ويبدو أن الذي أثار غضب الإمام سعود ليس فقط مخالفة أبنائه لأوامره وقيامهم بأعمال غير مسؤولة في عمان، وإنما أغضبه أيضاً توقيت تلك الحملة. لقد بدأت تظهر في هذا الوقت (بداية عام 1226هـ/1811م) استعدادات محمد علي باشا - والي مصر - لإرسال حملة عسكرية إلى الحجاز لإخراج السعوديين منه(31). ويظهر أن الإمام سعود الذي كان في مكة لأداء مناسك الحج في ذلك العام قد علم من الحجاج القادمين عن طريق مصر بتلك الاستعدادات، وتوقع وصول القوات العثمانية المصرية إلى الحجاز خلال تلك السنة. وفي هذه الحال لم يكن من صالحه إشعال الحرب على الجبهة الشرقية وإثارة حفيظة حكام مسقط والقبائل العمانية في هذا الوقت. ويشير لوريمر إلى أن تحرك قوات محمد علي باشا ضد الدولة السعودية في الحجاز في عام 1811م (1226هـ) قد أحدث أثراً سريعاً حتى على الساحل الشرقي للجزيرة العربية(32). ويبدو أن السيد سعيد علم هو أيضاً بتلك الاستعدادات العثمانية المصرية لمهاجمة السعوديين في الحجاز، فبادر بإرسال حملة عسكرية لمهاجمة قطر والبحرين في عام 1226هـ/1811م بصحبة بعض زعماء أسرة آل خليفة المعارضين للنفوذ السعودي في تلك المنطقة، والذين لجؤوا إليه في مسقط وطلبوا مساعدته في أواخر العام السابق. وقد أحرقت ودمرت تلك الحملة بلدة الزبارة، واستولت على جزيرة البحرين، وطردت الحامية السعودية منها، وأخذت قائدها؛ فهد بن عفيصان وعدداً من رجاله رهائن. كما أخذ حاكم مسقط يعد العدة لمهاجمة رأس الخيمة ظاناً أن السعوديين سينشغلون عنه بمواجهة الأخطار في غرب الجزيرة العربية(33). والواقع أن الإمام سعود - الذي أدرك عزم والي مصر على مهاجمته في الحجاز - أخذ بعد عودته من الحج في بداية عام 1226هـ/1811م في وضع الترتيبات لتهدئة الجبهة الشرقية وتأمينها، فأطلق رؤساء آل خليفة؛ شيوخ البحرين المحتجزين لديه في الدرعية، وسمح لهم بالعودة إلى بلادهم بعد أن أخذ عليهم العهد بالسمع والطاعة وعدم المخالفة(34). كذلك أرسل الإمام سعود مبعوثاً إلى شيراز لمقابلة حاكم إقليم فارس، لتحسين العلاقات معه وضمان عدم إرسال ذلك الحاكم قواته مرة أخرى إلى عمان وسواحل الخليج، واستغلال انشغال القوات السعودية في الصراع المتوقع في الحجاز(35). وقد كلف الإمام سعود مبعوثه أيضاً بالمرور في طريقه إلى شيراز بميناء بوشهر لمقابلة المقيم البريطاني هناك، بهدف توثيق علاقات الصداقة والتفاهم مع حكومة الهند البريطانية(36). وصلت طلائع الحملة العثمانية المصرية الأولى إلى ميناء ينبع في رمضان عام 1226هـ/أكتوبر 1811م، واستولت عليه(37). وكان لابد أن يؤثر ذلك على نفوذ الدولة السعودية في عمان وجنوب الخليج العربي، ويشجع حاكم مسقط وغيره من شيوخ قبائل المنطقة على محاولة التخلص من ذلك النفوذ، كذلك شعرت قبائل شمال عمان والصير بضعف قبضة السعوديين في المنطقة نتيجة لاستدعاء الإمام سعود لقائده المطيري وقواته من عمان، وسحبه للحاميات السعودية الموجودة في الزبارة وقطر وخور حسن والأحساء والقطيف لتركيز قواته ضد الغزاة في الحجاز(38). وقد استغل السيد سعيد وشيخ بني ياس هذه الظروف للتخلص من النفوذ السعودي. فعندما أرسل الإمام سعود حوالي منتصف عام 1226هـ/1811م أمير الأحساء؛ عبدالعزيز بن غردقة لقيادة القوات السعودية في شمال عمان بدلاً من المطيري وإعادة القوة للنفوذ السعودي في الداخل اعترضته قبيلة بني ياس في الظفرة، وغدرت به، وقتلته مع عدد كبير من القوة المرافقة له(39). تابع السيد سعيد الرسائل والمبعوثين إلى حكومة بومبي خلال النصف الأخير من عام 1226هـ/1811م يطلب إمداده بالعساكر والأسلحة للاستعانة بها في مواجهة السعوديين والقبائل العمانية المتحالفة معهم. فقد تلقى جوناثان دنكن - حاكم بومبي - من حاكم مسقط رسالة في الثاني والعشرين من أكتوبر 1811م (4 شوال 1226هـ) يذكر فيها أنه سبق له أن طلب من الحكومة عن طريق وكيله "سرور" راجمة قنابل، وهو الآن يعيد الطلب ويأسف لتأخيره، ويطلب أيضاً شخصاً مدرباً لتشغيل الراجمة على أن يعيده بعد انتهاء مهمته(40). وعندما تولى جورج براون (George Brouwn) رئاسة حكومة بومبي في نوفمبر 1811م (شوال 1226هـ) أعاد السيد ماجد مبعوث السيد سعيد إلى حاكم بومبي وحاجي سرور بن ياقوت وكيله في بومبي عرض طلبات سيدهم على مسامع ذلك الحاكم. كتب براون حاكم بومبي رسالة مطولة إلى السيد سعيد مؤرخة في العشرين من نوفمبر 1811م (4 ذو القعدة 1226هـ) شرح له فيها موقف حكومة الهند من الحرب التي يريد حاكم مسقط الدخول فيها مع السعوديين ومن إرسال القوات العسكرية التي طلبها ذلك الحاكم لمساعدته في "إخضاع الوهابيين في عمان"، فذكره بسياسة حكومة الهند تجاه السعوديين التي سبق أن أبلغه بها حاكم بومبي السابق، جوناثان دنكن في 13 سبتمبر 1810م الموافق 13 شعبان 1225هـ، والتي تحضه على الاتفاق مع السعوديين مما يمكنه من خدمة مصالحه دون ذكر للحكومة البريطانية التي لم تتعرض إلى الآن لأي عمل عدواني من طرفهم. ولذلك فإن الحكومة البريطانية ترى أنه من واجبها النـزوع إلى دواعي العدل التي تحكم علاقات الدول بإظهار التفاهم مع بعضها البعض والابتعاد عما يمكن أن يفسر بأنه نقض لمبادئ الحياد. وأضاف براون بأن حاكم عام الهند ما زال يسير على هذه السياسة، وأنه إذا حدث وأن قرر ذلك الحاكم تقديم المساعدة لحاكم مسقط، وأرسل إليه قوات عسكرية فإن جميع نفقاتهم يجب أن يتحملها السيد سعيد كاملة. وفيما يتعلق بطلب راجمة القنابل والخبير الذي يشغلها فقد اعتذر حاكم بومبي للسيد ماجد والحاجي سرور بأنه لم يجد من يقبل بمهمة العمل في مسقط بسبب سوء المناخ في تلك البلدة الذي أودى بحياة كثير من الأوربيين، وأنه لا يستطيع أن يجبر أحداً على ذلك لأنه كالموت الحتمي لهم(41). حين علم السيد سعيد بتعيين السير إيفان نبيان (Evan Nepean) حاكماً جديداً لبومبي في أواخر عام 1226هـ/1811م عاوده الأمل في الحصول على مساعدة حكومة الهند ضد الدولة السعودية. فأرسل مبعوثاً جديداً إلى بومبي يطلب من حاكمها إرسال ألفي جندي لمساعدته في وقف تقدم السعوديين والحيلولة دون وقوع مدينة مسقط ومينائها في أيديهم. وقد وصل هذا المبعوث إلى بومبي في شهر يونية 1812م/ جمادى الآخرة 1227هـ، لكنه لم يتمكن من إقناع نبيان بإرسال أي قوة عسكرية إلى عمان(42). ومن ناحية أخرى كان السيد سعيد يبعث رسائل إلى وكيله في بومبي؛ حاجي سرور يطلب منه التقدم إلى الشركة الإنجليزية بطلبات لشراء أسلحة وذخيرة مثل: المدافع والقنابل والبنادق والبارود وغيره من الذخيرة، ويطلب منه إرسال ذلك على وجه السرعة في مراكب إنجليزية أو عربية وذلك "لاستخدامه ضد رأس الخيمة خلال هذا الموسم". وقد تضمنت سجلات حكومة بومبي نصوص رسائل من هذا النوع مؤرخة في شهور: صفر وربيع الأول وشعبان من عام 1227هـ، الموافقة لشهور: فبراير وأبريل وسبتمبر من عام 1812م(43). وكان حاكم عام الهند - بعد عرض هذه الطلبات عليه - يوافق في العادة على تلبيتها في حالة وجود كميات منها في مخازن الشركة ويمكن الاستغناء عنها في ذلك الوقت على أن تباع بالسعر المعتاد(44). لم تكن الحاميات السعودية في عمان قوية في هذا الوقت، كما لم يتعرض حاكم مسقط لأي ضغط سعودي بعد استدعاء مطلق المطيري وقواته إلى نجد ومقتل ابن غردقة وجنوده حتى قبل أن يصلوا إلى شمال عمان بعد ذلك، مما يضطره إلى الإلحاح في طلب مساعدة عسكرية كبيرة من حكومة الهند. ويظهر أن السيد سعيد أراد أن يحصل على هذا الدعم العسكري من البريطانيين في هذا الوقت، لكي يتمكن بوساطته من القيام بهجوم شامل على موانئ القواسم مستغلاً ضعف وجود السعوديين في عمان وانشغالهم في مواجهة الجيوش العثمانية المصرية في الحجاز. تمكنت الحملة العثمانية المصرية من الاستيلاء على المدينة المنورة في شهر ذي القعدة عام 1227هـ/ نوفمبر 1812م. وفي بداية العام التالي دخل قسم من تلك الحملة مكة وجدة والطائف بتواطئ من الشريف غالب بن مساعد أمير مكة. وفي صيف ذلك العام (1228هـ/1813م) وصل محمد علي باشا إلى الحجاز للإشراف بنفسه على سير المعارك هناك(45).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:03 PM

كان لهذه التطورات أثر بعيد على الموقف العسكري السعودي، حيث أرسل الإمام سعود في أواخر شهر رجب عام 1228هـ (يولية 1813م) مبعوثاً يدعى إبراهيم بن عبدالكريم لمقابلة حاكم إقليم فارس، الأمير حسين علي ميرزا والمقيم البريطاني في بوشهر، الملازم وليم بروس (William Bruce)؛ وذلك للتوصل إلى تفاهم واتفاق مع كل من المسؤولين الفارسي والبريطاني، وقد أبلغ المقيم بروس إيفان نبيان، حاكم بومبي في رسالة مؤرخة في الثاني عشر من أغسطس 1813م (14 شعبان 1228هـ)، بأن المبعوث السعودي كان يهدف إلى التوصل إلى معاهدة مع حاكم فارس الذي كان يشاع أنه سيرسل حملة إلى الخليج. كما أفاد المقيم حاكم بومبي أن هذه الإشاعة لا أساس لها، لعدم قدرة حاكم فارس على إرسال حملة عسكرية عبر البحر، ولأن بعضاً من سكان الساحل الفارسي للخليج يدين بالولاء لسعود. وقد ذكر المقيم أيضاً بأن ابن عبدالكريم عاد من شيراز بهدايا لسعود، وقابل المقيم نفسه في بوشهر مساء الحادي عشر من أغسطس (13 شعبان)، وأبلغه رغبة الإمام سعود في التوصل مع البريطانيين إلى تفاهم وصداقة واتفاق لفائدة الطرفين(46). تقدمت الإشارة إلى عزل الإمام سعود للشيخ سلطان بن صقر عن مشيخة القواسم واستدعائه إلى الدرعية واحتجازه فيها عام 1224هـ/1809م. وقد تمكن الشيخ سلطان في نهاية عام 1227هـ/2181م من الفرار من الدرعية مستغلاً موسم الحج، والاتصال بطوسون باشا وقادة الحملة العثمانية المصرية في الحجاز. وقد وجد فيه محمد علي باشا وسيلة للضغط على الدولة السعودية من الشرق، فبعثه إلى حاكم مسقط بعرض للتحالف بين الباشا وذلك الحاكم ضد السعوديين. وصل الشيخ سلطان إلى مسقط في بداية عام 1228هـ/1813م، ووضع نفسه تحت حماية السيد سعيد بن سلطان وطلب منه المساعدة للعودة إلى مشيخة القواسم في مقابل تحالفه مع حاكم مسقط وقبوله بسيادته وامتناعه هو وقبيلته عن مهاجمة المناطق والمراكب العمانية(47). وقد رحب السيد سعيد بالتحالف مع المصريين وبدأ يكاتب طوسون باشا في الحجاز ويعده بالمساعدة وتعهد له بأن يعيد شيخ القواسم المعزول إلى منصبه في قبيلته، وأرسل إلى جدة مركباً محملاً بالمؤن والعتاد(48). كان التنافس والخصومة بين القواسم وحكام مسقط من أهم العوامل التي أدت إلى امتداد النفوذ السعودي وتقويته في عمان(49). وقد أيقن محمد علي باشا أنه إذا ما تمكن الشيخ سلطان بن صقر من العودة إلى مشيخة القواسم، وعاد القواسم إلى مهادنة حكومة مسقط والتعاون معها، فإن ذلك سيشكل جبهة ضغط قوية ضد الدولة السعودية في الشرق، وبالتالي تخفيف المقاومة على جبهة الحجاز. لذلك طلب والي مصر من السيد سعيد مساعدة الشيخ سلطان للعودة إلى مشيخته. وقد وجد السيد سعيد في تحقيق طلب الباشا والتعاون معه وسيلة للخلاص من نفوذ السعوديين وهجماتهم وهجمات القواسم على بلاده ومراكبه. أراد السيد سعيد الاستعانة بحلفائه البريطانيين، فكتب إليهم يخبرهم بعودة الشيخ سلطان بن صقر، ورغبة ذلك الشيخ في التحالف معه ومعهم، وترك (القرصنة)، كما أبلغهم بعزمه على مهاجمة رأس الخيمة ومساعدة الشيخ سلطان بن صقر على العودة إلى مشيخة القواسم والتوصل إلى اتفاق معه بعد ذلك، يتعهد الشيخ سلطان بموجبه بالامتناع عمَّا أسمته بريطانيا بـ (القرصنة). وطلب حاكم مسقط من حكومة بومبي أن يصحبه مقيمها في الخليج العربي الملازم وليم بروس بطراد حربي أو اثنين لدعمه معنويا وعسكريا، وليشهد على توقيع الاتفاق(50). وقد أعاد السيد سعيد هذه المقترحات على مسامع المقيم بروس حين زار مسقط في آخر شهر مايو عام 1813م (جمادى الأولى 1228هـ). وذكر بروس في رسالة إلى فرانسيس واردن ((Francis Warden رئيس سكرتارية حكومة بومبي مؤرخة في الرابع من يونية 1813 (4 جمادى الثانية 1228هـ) أنه حين وصل إلى مسقط وجــد (الإمام) السيد سعيد يستعد لمهاجمة رأس الخيمة لمساعدة الشيخ سلطان بن صقر على العودة إلى مشيخة القواسم، وأضاف بروس أن حاكم مسقط أكد له أن الشيخ سلطان وعده بأنه سيكون تابعاً له وأنه سيمنع قومه من الحملات البحرية. وطلب السيد سعيد من المقيم أن يصحبه في هذه الحملة لكي يشهد على اتفاقه مع الشيخ سلطان، ولكي يعقد معاهدة بريطانية جديدة مع القواسم. وقد لحظ المقيم شدة حماس حاكم مسقط وثقته بنجاح حملته وما ستعود به على مسقط وعلى البريطانيين من مصالح. وقد أبلغ المقيم حكومة بومبي بأنه يؤيد هذه المقترحات وطلب توجيهاتها له بهذا الخصوص(51). رأت حكومة بومبي في عودة الشيخ سلطان بن صقر إلى مشيخة القواسم والتقارب العماني القاسمي المحتمل مصلحة كبيرة لها، وربما رأت في ذلك نهاية (للقرصنة) وخاصة أن القواسم عادوا خلال عام 1227هـ/1812م للتعرض للمراكب التجارية ونهبها. أمرت حكومة بومبي المقيم بروس الذي أصبح الآن مسؤولاً عن رعاية المصالح البريطانية في جميع نواحي الخليج العربي بما في ذلك مسقط بمرافقة السيد سعيد على طراد حربي واحد، وتقديم الدعم اللازم له، وتجديد اتفاق الكابتن سيتون مع القواسم لعام 1220هـ/1806م وعقد اتفاقيات مماثلة مع شيوخ الخليج الآخرين(52). اجتمع المقيم بروس بالسيد سعيد في جزيرة قشم عند مدخل الخليج، حيث كان حاكم مسقط يتواصل مع الشيخ سلطان بن صقر الذي كان يقيم على الساحل الفارسي. ومن هناك أبحر السيد سعيد والمقيم بروس إلى أبو ظبي التي وصلا إليها في التاسع والعشرين من يونية 1813م (30 جمادى الثانية 1228هـ)، حيث اجتمع السيد سعيد بشيخ بني ياس(53)، وتمكن من إقناعه بالاشتراك في الحملة ضد رأس الخيمة على رأس ألفي مقاتل من قبيلته. كذلك تلقى السيد سعيد تعهداً من شيخ البحرين عبدالله بن خليفة بالتعاون معه في تلك الحملة وتقديم ألفي مقاتل يحملهم ما بين (15-20) مركباً بحرياً. وقبل أن يغادر حاكم مسقط أبو ظبي تلقى خبراً من الشيخ سلطان بن صقر الذي كان يجمع المقاتلين على الساحل الفارسي، يبلغه فيه بأنه قد انضم إليه عدد من الزعماء العرب هناك، وأن قواته الآن تكفي لإنجاز المهمة؛ لأنها تتكون من حوالي خمسة آلاف رجل محمولين على ما يتراوح بين أربعين وثمانين مركباً. وقد أبلغ السيد سعيد المقيم البريطاني بأن هذه القوات ستنضم إليه في دبي شرق أبو ظبي(54). أبلغ المقيم بروس رؤساءه في بومبي بما عبر عنه كل من السيد سعيد والشيخ سلطان بن صقر من امتنان للمساعدة التي قدمها ذلك المقيم لهما، وأكد الزعيمان أن الشيوخ العرب لم يكونوا ليجتمعوا لولا وجوده، كما أكد الشيخ سلطان بشكل خاص بأنه سيكون مديناً بعودته إلى مشيخة القواسم للبريطانيين، أما المقيم بروس نفسه فقد أكد أنه إذا كانت الحكومة البريطانية تريد عقد معاهدة مع القواسم (أو تجديد المعاهدة القديمة)، فإنه ليس هناك وقت أفضل من هذا(55).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:04 PM

لكن بروس تفادى حضور الهجوم على رأس الخيمة، وعاد إلى بوشهر. وليس في المصادر ما يؤكد حضور عتوب البحرين للاشتراك في ذلك الهجوم كما وعدوا. أما الشيخ سلطان بن صقر فقد التحق بالسيد سعيد في دبي على رأس مئة وخمسين مركباً، واستعد الجميع للهجوم على رأس الخيمة، لكن هذا الهجوم فشل بسبب تخلي شيخ بني ياس عن الاشتراك فيه، حيث اضطر السيد سعيد إلى العودة بغاية الإحباط إلى مسقط(56). لا تتضح الأسباب التي دفعت شيخ بني ياس إلى التخلي عن السيد سعيد في مثل هذا الوقت الحرج. وربما يكون أحد هذه الأسباب أو بعضها تخوف شيخ بني ياس من تزايد طموحات حاكم مسقط وقوته في حالة انتصاره على رأس الخيمة، وتخوفه من نتائج عودة زعيم قوي مثل الشيخ سلطان بن صقر إلى مشيخة القواسم المجاورة، أو تخوفه من انتقام محتمل من قبل الدولة السعودية التي ما تزال قوية في وسط جزيرة العرب وشرقها، وقد يكون شيخ بني ياس قد رضخ لضغوط من قبل شيخ رأس الخيمة والوكيل السعودي الموجود هناك في ذلك الوقت. والراجح أنه كان للانقسام الذي كانت تعاني منه قبيلة بني ياس في هذا الوقت أثره على مواقف شيوخها من كل من حاكم مسقط والسعوديين؛ فقد كانت القبيلة منقسمة قسمين: يتزعم أحدهما الشيخ شخبوط بن ذياب، في حين يتزعم القسم الآخر الشيخ هزاع بن زايد. وتذكر المصادر البريطانية أن مكان اجتماع القوات المتحالفة كان في "دبي ديرة عرب هزاع"، كما يذكر المقيم بروس بأن مفاوضات حاكم مسقط كانت مع الشيخ بطي الذي يسميه "شيخ بني ياس"(57). غضب الإمام سعود من محاولة السيد سعيد إعادة الشيخ سلطان بن صقر إلى مشيخة القواسم ورأس الخيمة، وطرد شيخها المعين من قبله، واستعانته بالبريطانيين وأهل البحرين وبني ياس لتحقيق ذلك. لهذا أعاد سعود قائده الشهير مطلق المطيري إلى عمان حوالي منتصف عام 1228هـ/1813م، وكلفه بمعاقبة السيد سعيد. جمع المطيري أعداداً كبيرة من قبائل الظاهرة والشمال الموالين للدولة السعودية، مثل: بني ياس والنعيم والظواهر وبني قتب وبني كعب وكليب والشوامس والشيخ حميد بن ناصر الغافري والشيخ محمد بن ناصر الجبري وقومهما وتوجه بهم لمهاجمة الباطنة(58). وقد اضطر السيد عزان بن قيس حاكم صحار وغيره من حكام بلدان الباطنة إلى مصالحته لعجزهم عن المقاومة. وأخذ المطيري يتقدم بجيشه في الباطنة حتى وصل إلى بلدة المصنعة، عندها أدرك السيد سعيد عدم مقدرته على المقاومة، فقرر مقابلة المطيري في المصنعة والتوصل معه إلى اتفاق، دفع السيد سعيد بموجبه للمطيري مبلغ أربعين ألف ريال(59)، مقابل إيقاف الهجوم - كما ينص ابن رزيق - على "رعيتي [رعية السيد سعيد] ورعية عمي؛ محمد ابن الإمام، ورعية ابن عمي عزان بن قيس، ورعية عمي؛ سعيد ابن الإمام"(60). لم يرض الإمام سعود عن إيقاف المطيري لحملته بتلك السرعة، كما لم ير المطيري نفسه أن اتفاقه مع السيد سعيد يشمل من المناطق العمانية غير الباطنة ومسقط وما جاورها. لذلك أعاد الإمام سعود المطيري إلى عمان مرة أخرى في أواخر عام 1228هـ/1813م لمواصلة الضغط على السيد سعيد، وقد وجد القائد السعودي هذه المرة صعوبة في جمع الأتباع والمقاتلين من أهل عمان، وخاصة قبائل الشمال. توجه المطيري بمن اجتمع معه من أهل الظاهرة إلى الشرقية. ولما وصل إلى بلاد الحجريين من بلاد الشرقية فرق جيشه للإغارة على بلدانهم. انتهز الحجريون قلة من بقي معه من أتباعه فهاجموه في قرية الواصل من بدية، وأرداه أحدهم برصاصة من بندقيته في شهر ذي القعدة عام 1228هـ (نوفمبر 1813م)، تفرق بعدها أتباعه، وعادوا إلى البريمي(61). لما علم الإمام سعود بمقتل المطيري أرسل إلى البريمي قائداً آخر يدعى عبدالله بن مزروع، لكنه لم يكن يتمتع بكفاءة وخبرة وهيبة المطيري، كما أن ظروف الدولة السعودية في ذلك الوقت لم تكن تساعد على تحقيق أهداف الحاكم السعودي في عمان. فلما علم السيد سعيد بخروج ابن مزروع بأتباعه من البريمي لمعاقبة الحجريين جمع المقاتلين من قبائل الشرقية، وتقدم إلى بلدة نزوى. وحين وصل ابن مزروع إلى بلدة بهلا، أخبره حلفاؤه العمانيون بموضع حشود حاكم مسقط، ونصحوه بعدم التقدم(62). تأثر نفوذ الدولة السعودية في عمان وجنوب الخليج العربي كثيراً مع بداية عام 1229هـ/1814م، فبالإضافة إلى فقد تلك الدولة لمدن الحجاز ومقتل قائدها الشهير مطلق المطيري، وضعف حامياتها في عمان، شكلت عودة الشيخ سلطان بن صقر وتحالفه مع حاكم مسقط ومحاولاتهما بالتعاون مع البريطانيين وبعض قبائل جنوب الخليج للاستيلاء على رأس الخيمة ومشيخة القواسم تهديداً خطيراً لنفوذها في المنطقة بصفة عامة، ونفوذها على القواسم بصفة خاصة. فقد كان الشيخ سلطان بن صقر ما يزال يتمتع بمكانة خاصة بين القواسم، ولابد أن يكون للدعم الذي حظي به من السيد سعيد والبريطانيين والمصريين والضغوط التي كانت تواجهها الدولة السعودية في غرب الجزيرة العربية أثر في ترجيح ودعم مطالبته بزعامة القواسم، وخاصة أن الشيخ حسين بن علي الوكيل السعودي في بلاد القواسم لا ينتمي إلى بيت المشيخة التقليدي في الاتحاد القاسمي، ولم يكن من أهل رأس الخيمة. وقد تمكن الشيخ سلطان بالفعل في هذه السنة بمساعدة أتباعه وحلفائه من السيطرة على بلدة الشارقة، ثاني أهم الموانئ القاسمية. كذلك، تلقى قواسم رأس الخيمة في هذا الوقت هزيمة على يد جيرانهم بني ياس بعد مناوشات حادة بين الطرفين، خسر فيها القواسم حوالي ثلاثمئة قتيل وحوالي أربعمئة من الإبل(63). عمد الإمام سعود إزاء هذه التطورات في عمان إلى إعادة زعامة القواسم إلى بيت المشيخة القديم، فعين الشيخ حسن بن رحمة ابن عم الشيخ سلطان بن صقر شيخاً للقواسم في بداية عام 1229هـ/1814م(64). وقد هدف الحاكم السعودي من وراء هذه الخطوة - على ما يبدو - إلى إفشال مخططات كل من السيد سعيد والشيخ سلطان بن صقر والبريطانيين للاستيلاء على رأس الخيمة، ومن ثم إخراج القواسم عن سلطة السعوديين وتوقيع معاهدة معهم. كذلك هدف الحاكم السعودي من وراء تعيين الشيخ حسن بن رحمة - سليل بيت المشيخة القاسمية - إلى إيجاد منافس قوي للشيخ سلطان على مشيخة القواسم وحكم رأس الخيمة من ناحية، والمحافظة على تماسك الاتحاد القاسمي وولائه للدولة السعودية من ناحية أخرى(65).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:05 PM

أما في مسقط فقد أرسل الإمام سعود إلى هناك مبعوثاً يدعى محمد بن سلامة في مهمة للتوصل إلى تسوية مع السيد سعيد، كما كلف ذلك المبعوث أيضاً بالاتصال من هناك بحكومة بومبي للتوصل معها إلى تفاهم وصداقة. وقد وصل محمد بن سلامة إلى مسقط في الأول من شهر ربيع الأول 1229هـ/21 فبراير 1814م، وبدأ مفاوضات طويلة مع حاكم مسقط، كما بعث برسالة إلى السير إيفان نبيان، حاكم بومبي، أبلغه فيها بأنه وصل إلى مسقط "للمفاوضة مع السيد سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد، لتسوية الأمور بينه وبين الإمام سعود"(66). وقد كتب الوكيل المحلي لشركة الهند الشرقية في مسقط؛ كوسي غولاب (Cossee Gholab) رسالة إلى حاكم بومبي نفسه، مؤرخة في 13 ربيع الأول 1229هـ/5 مارس 1814م، يذكر فيها وصول محمد بن سلامة إلى مسقط لمفاوضات سلام مع السيد سعيد، وأن تلك المفاوضات استمرت لفترة طويلة ولكن الأمور ما تزال كما هي، ولم يتم التوصل إلى حل للمشكلات. وأضاف الوكيل غولاب أنه أثناء سير المفاوضات وصل خبر يفيد بأن سعود بن عبدالعزيز قد مات، وأن ابنه قد خلفه. وأكد غولاب بأن هذه الظروف قد حالت دون التوصل إلى سلام، لأن كلا من الطرفين كان ينتظر التأكد من صحة الخبر، وأنه إذا صح هذا الخبر فإنه لن يكون هناك اتفاق(67). أبلغ السيد سعيد المقيم البريطاني بروس بنتائج مفاوضاته مع مبعوث الإمام سعود، وأكد له أنه لم يتوصل معه إلى شيء. وقد نقل المقيم بروس مضمون رسالة السيد سعيد إلى السيد واردن رئيس سكرتارية حكومة بومبي في رسالة مؤرخة في 8 يونية 1814م (20 جمادى الآخرة 1229هـ) ذكر فيها أن حاكم مسقط لم يتوصل مع محمد بن سلامة، مبعوث سعود إلى أي شيء لأمور لم يمكنه قبولها، لكنه لم يذكر تلك الأمور، وأضاف المقيم بأن وكيل الشركة في مسقط بعث إليه برسالة يذكر فيها تلك الأمور، وهي أن محمد بن سلامة طلب تضمين الاتفاق شرطاً سرياً مفاده أن يزود السيد سعيد الوهابيين عند اللزوم بمراكب لمهاجمة ساحل مليبار، ولذلك اضطر السيد سعيد إلى طرد المبعوث السعودي من بلاده، وذلك ما حدث في الرابع والعشرين من أبريل (الرابع من جمادى الأولى)، وعلق المقيم على ذلك قائلاً: إن هذا العمل يصعب فهمه، وهو يوضح مدى افتقار الوهابيين للإخلاص، ومدى ضعف الاعتماد على تعهداتهم(68). يتضح مما تقدم أن الإمام سعود كان حريصاً - قبيل وفاته - على التوصل إلى سلام واتفاق مع حاكم مسقط. فلم يكتف بإرسال مبعوث خاص لهذه المهمة ظل يتفاوض مع ذلك الحاكم أكثر من شهر لكي يتوصل إلى اتفاق معه، بل كلف ذلك المبعوث أيضاً بالاتصال بحكومة الهند لإبلاغها برغبته في الوصول إلى تفاهم وصداقة معها وسلام واتفاق مع حاكم مسقط، لعلمه بأن تلك الحكومة حليفة لحاكم مسقط وحريصة على حمايته. لكن وفاة الإمام سعود أثناء سير المفاوضات، ومقتل قائده القدير مطلق المطيري قبل ذلك، وهما اللذان أوصلا النفوذ السعودي في عمان إلى قمته، أوقف تلك المفاوضات، وأحيا بقوة الآمال لدى السيد سعيد، ليس في التخلص من ذلك النفوذ فقط، وإنما في توسيع نفوذ مسقط في جنوب الخليج على حساب تراجع النفوذ السعودي. أوقف السيد سعيد المفاوضات مع محمد بن سلامة عند وصول الخبر بوفاة الإمام سعود، وحين تأكد من صحة ذلك الخبر طرده من مسقط، وأبلغ البريطانيين الذين كانوا يحضونه على التوصل إلى تفاهم وسلام مع السعوديين بأنه لم يستطع التوصل مع المبعوث السعودي إلى أي شيء؛ لأن الأخير كان يشترط عليه تقديم المراكب اللازمة لغزو سواحل الهند. ولا تخفى هنا محاولة السيد سعيد تبرير عدم توصله إلى سلام مع السعوديين من ناحية، والتزلف إلى البريطانيين من ناحية أخرى. إن من الملفت للنظر أن السيد سعيد لم يبلغ البريطانيين بالأسباب التي حالت دون توصله إلى اتفاق مع المبعوث السعودي محمد بن سلامة بنفسه بالرغم من شدة علاقة تلك الأسباب بالبريطانيين والهند. وبدلاً من ذلك ترك تلك المهمة للوكيل المحلي للشركة الإنجليزية في مسقط، لكي لا يظهر ذلك بأنه محاولة منه للتهرب من التوصل إلى تفاهم مع السعوديين - وهو ما كانوا يدفعونه إليه - أو محاولة منه للتزلف إليهم. وقد نجح السيد سعيد بهذه الطريقة في استثارة المقيم البريطاني بروس وحكومة بومبي ضد السعوديين، حيث وصفهم بروس والسيد واردن بعدم الإخلاص وعدم الوفاء بالعهود(69). إن الأسباب التي قيل: إنها حالت دون توصل حاكم مسقط إلى سلام مع المبعوث السعودي محمد بن سلامة، تتناقض مع الحرص الشديد الذي أبداه ذلك المبعوث على التوصل إلى تفاهم وصداقة مع البريطانيين في رسالته إلى حاكم بومبي(70). ومن هنا، فإنه من المستبعد أن يعمل الإمام سعود على تحسين علاقته مع حكومة الهند - كما هو واضح من رسالة مبعوثه إليها - وفي هذه الظروف الصعبة التي تواجهها دولته في الغرب، وفي الوقت نفسه يقوم بوضع الترتيبات لمهاجمة سواحل الهند. شعر السيد سعيد بعد مقتل المطيري وضعف الحاميات السعودية في عمان ووفاة الإمام سعود واشتداد ضغط القوات العثمانية المصرية على السعوديين في الحجاز، بأن الوقت أصبح مناسباً لإعادة الكرة على رأس الخيمة لإعادة الشيخ سلطان بن صقر إلى مشيختها ومشيخة القواسم. فكتب إلى المقيم بروس في منتصف شهر مايو 1814م (حوالي 24 جمادى الأولى 1229هـ) يخبره بأنه عازم على مهاجمة رأس الخيمة مرة أخرى وأن الشيخ سلطان بن صقر وشيخ بني ياس وشيوخ قبائل آخرين يتوسلون إليه؛ لينضم إليهم في مهاجمة رأس الخيمة، ويؤكدون له إخلاصهم، وبذل كل ما يستطيعون لنصرته، وعدم تكرار ما حدث في العام السابق(71). وقد حرص حاكم مسقط - كعادته - قبل القيام بحملته على رأس الخيمة على الحصول على مساعدة الحكومة البريطانية، فكلف وكيله في بومبي بأن يطلب من حاكمها تقديم سفينتين حربيتين وقوة من الجند عوناً له، مستنداً في طلبه على معاهدتي عام 1213هـ/ 1798م وعام 1214هـ/1800م بين حكومة مسقط وحكومة الهند. لكن البريطانيين لم يقبلوا بزعمه أن هاتين المعاهدتين تنصان على حلف دفاعي هجومي، أو أنهما تضعان أية التزامات على أي من الطرفين بالمعاونة في حروب الطرف الآخر. إلا أن المسؤولين في حكومة بومبي وافقوا على مرافقة المقيم بروس للحملة الثانية ضد رأس الخيمة بدعوى المطالبة هناك بالتعويض عن الاعتداءات الأخيرة التي ارتكبها القواسم، وأن يعقد المقيم إذا أمكنه ذلك اتفاقاً جديداً مع تلك القبيلة(72). كما حدث في العام السابق، كانت الثقة معدومة بين حاكم مسقط وحلفائه، حيث كان كل طرف يعتقد أن الأطراف الأخرى على اتصالات سرية مع رأس الخيمة، ولهذا تعذر القيام بالهجوم عليها. فقد ذكر المقيم بروس في رسالة إلى حكومة بومبي مؤرخة في 16 يولية 1814م (28 رجب 1229هـ)، أن السيد سعيد توصل إلى معاهدة سريعة مع القواسم، وعاد إلى هرمز، وأن هذه المعاهدة نصت على أن يكون هناك سلام بين سكان الموانئ الواقعة بين كانكون والبحرين في الشمال وبين رأس الحد وجوادر في الجنوب(73)، وأن يعيد القواسم الغنائم التي استولت عليها مراكبهم التي كانت في عرض البحر في ذلك الوقت، والاعتراف بالشيخ سلطان بن صقر شيخاً في الشارقة. وأضاف المقيم أن حاكم مسقط قد توصل إلى هذه المعاهدة العاجلة بسبب تخلي شيخ بني ياس عنه، حيث غيب بنو ياس مراكبهم، وحين طلب منهم السيد سعيد مهاجمة رأس الخيمة براً في حين يهاجمها هو بحراً رفضوا ذلك، وأكد المقيم أنه قد تلقى رسائل من بعض الشيوخ تفيد أن هذه المعاهدة لن تستمر؛ لأن الشيخ سلطان بن صقر والشيخ بطي شيخ بني ياس غير راضيين عنها، وأن بروداً أصبح يشوب علاقتهما بالسيد سعيد، وأن حاكم مسقط سارع إلى التوصل إلى اتفاق مع رأس الخيمة؛ لأنه كان يعتقد أن حلفاءه كانوا على اتفاق سري مع القواسم، وأن أولئك الحلفاء كانوا يعتقدون أن السيد سعيد لن ينتصر في هذه الحرب(74). ترتب على فشل الهجوم على رأس الخيمة فشل الاتفاق الهش الذي جاء نتيجة له. فقد حرص السيد سعيد على أن يكون أكبر المستفيدين من التسوية التي توصل إليها مع أهل رأس الخيمة، فعدل عن هدفه السابق الرامي إلى إعادة سلطان بن صقر إلى مشيخة رأس الخيمة، وقرر أن يبقى حسن بن رحمة في مشيخة تلك البلدة، على أن يحتفظ حاكم مسقط بنفوذ فيها، وأجبر الشيخ سلطان على القبول بذلك الوضع والاكتفاء بمشيخة الشارقة. وهكذا خرج الشيخ سلطان بن صقر وشيخ بني ياس من هذه الحملة وما أعقبها من تسوية ساخطين على السيد سعيد(75).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:06 PM

كما أن المقيم البريطاني لم يتمكن من التدخل في المفاوضات أو عقد أي اتفاق مع القواسم بسبب ضعف التحالف والنتيجة غير الحاسمة للحملة والتدابير التي اتخذها السيد سعيد مع القواسم(76). لقد سارع حاكم مسقط إلى شق وحدة القواسم وإضعاف قوتهم والاحتفاظ بنفوذ له عليهم ومن ثم عزلهم عن السعوديين بمجرد أن سنحت له الفرصة، متجاهلاً بذلك مصالح جميع حلفائه الذين اشتركوا معه في الحملة. لكن قواسم رأس الخيمة نقضوا اتفاقهم معه بمجرد أن ابتعد أسطوله عن بلدتهم، وأخذوا يهاجمون مراكبه والمراكب التي تتردد على موانئه(77). يبدو واضحاً أن الشيخ حسن بن رحمة وكثيراً من أتباعه وممثلي الدولة السعودية في رأس الخيمة لم يكونوا حريصين على تنفيذ ذلك الاتفاق، أو راضين بشروط السيد سعيد التي تقيد نشاطهم البحري. وقد قبلوا بالاتفاق معه لتصديع الحلف العسكري المحاصر لهم وضمان ابتعاد الأسطول المسقطي عن بلدتهم فقط. كما يبدو أيضاً أن عدم تمكن حاكم مسقط من النجاح في تكوين حلف قوي ومتماسك ضد قواسم رأس الخيمة في المرتين، الأولى والثانية، ونقض شيوخ تلك البلدة السريع لاتفاقهم معه يعود إلى عدم وضوح الوضع الحقيقي الذي كانت تمر به الدولة السعودية في نظر قبائل عمان وجنوب الخليج العربي في هذا الوقت؛ ففي حين كان السيد سعيد والشيخ سلطان بن صقر والبريطانيون واثقين من تحرج وضع السعوديين في الحجاز ومن إمكانية استغلال ذلك لصالحهم لم يكن كثير من قبائل عمان وجنوب الخليج، بما في ذلك القواسم متأكدين من ذلك. سياسة الإمام عبدالله بن سعود تجاه القواسم وحكومة مسقط: توفي الإمام سعود - الذي كان له الفضل في فرض النفوذ السعودي في عمان - في جمادى الأولى عام 1229هـ/مايو 1814م، وتولى بعده ابنه الإمام عبدالله. وبالإضافة إلى هذه الخسارة الفادحة للسعوديين تمكن محمد علي باشا الذي قدم إلى الحجاز لإدارة المعارك هناك بنفسه ضد الدولة السعودية من إلحاق هزيمة حاسمة بالقوات السعودية في بِسل شرقي الطائف في المحرم عام 1230هـ/ يناير 1815م، استطاع بعدها السيطرة على شرقي الحجاز وجنوبه وبيشة وعسير، وحرمان السعوديين من بعض أهم أقاليمهم وأشد أتباعهم ولاء لهم. وخلال الفترة نفسها أخذ ابنه طوسون باشا يتقدم بجيشه من المدينة المنورة في اتجاه نجد حتى وصل بعد منتصف ذلك العام إلى بلدة الرس الواقعة على بعد أكثر من (005 كم) إلى الشرق من المدينة(78). لقد كان لحاكم مسقط إسهام في إحراز الباشا لتلك الانتصارات فقد واجه محمد علي باشا حينما وصل إلى الحجاز في أواخر عام 1228هـ/1813م مشكلة كبيرة في نقل جنوده وعتاده ومؤنه من الموانئ المصرية إلى جدة وينبع، ومن هذين الميناءين إلى معسكراته في داخل البلاد. وقد تمكن الباشا من التغلب على مشكلة النقل هذه بين الموانئ المصرية والموانئ الحجازية عن طريق التعاقد مع حاكم مسقط على تقديم عشرين سفينة في العام؛ لتقوم بالمساعدة في نقل الجند والعتاد والمؤن واستيعاب حركة النقل الكبيرة في ميناءي جدة وينبع(79). وفي المقابل لم ينجح الباشا في التغلب على مشكلة النقل هذه بين مدن جدة ومكة والطائف حيث فقد جيشه منذ وصوله إلى الحجاز (1811م) حتى وصول محمد علي نفسه إلى هناك حوالي ثلاثين ألف بعير، ولم يستطع الباشا إقناع قبائل الحجاز بالتعاون معه للتغلب على هذه المشكلة التي شلت حركة جيشه(80). لقد أظهر الإمام عبدالله بن سعود خلال هذه الفترة تردداً شديداً في مواجهة القوات العثمانية المصرية، حيث ترك محمد علي باشا يجتاح شرق الحجاز وجنوبه وعسير دون أن يدعم أتباعه هناك، كما أنه لم يقدم على مواجهة قوات طوسون باشا في القصيم بالرغم من تفوقه على عدوه من الناحية العددية والإستراتيجية. وفي النهاية قبل الدخول في مشروع صلح غير مضمون مع طوسون باشا مكن الأخير من الانسحاب بسلام والتخلص من الوضع الخطير الذي تورط فيه في قلب الصحراء(81). وكان ضمن جيش الإمام عبدالله أثناء منازلته لقوات طوسون باشا في القصيم مقاتلون من أهل عمان(82). ولابد أنهم لحظوا الموقف الضعيف الذي آلت إليه الدولة السعودية في مواجهة القوات العثمانية المصرية في ذلك الوقت. لم يكن بإمكان الإمام عبدالله القيام بأعمال تأديبية ضد حاكم مسقط لمهاجمته رأس الخيمة للمرة الثانية في عام 1229هـ/1814م - كما فعل أبوه في العام السابق - وبدلاً من ذلك اتخذ الحاكم السعودي الجديد موقفاً توفيقياً أكثر من ذي قبل تجاه السيد سعيد، فبعث إلى مسقط وكيلاً جديداً، وزوده بتعليمات تهدف إلى استمالة الحاكم العماني والتوصل معه إلى سلام دائم(83). لكن ذلك الوكيل لم ينجح في مهمته بسبب استعصاء مشكلة رأس الخيمة. لقد كان السيد سعيد على علم بالانتصارات التي أحرزها محمد علي باشا وابنه في الحجاز وعسير والقصيم، ولذلك أصر على التخلص مما تبقى من مظاهر النفوذ السعودي في مسقط ومد نفوذه إلى رأس الخيمة. وقد كتب إلى حاكم بومبي يخبره بعدم توصله إلى أي اتفاق مع السعوديين؛ لأن الوكيل السعودي الجديد ظل يبحث عن وسائل للتقدم بدعاوى جديدة، وفرض عددا من المطالب التي لا يمكن قبولها فحسب، بل تتعارض أيضاً مع السلام، وأن السعوديين عادوا للنزاع معه عندما لم يوافق على مطالبهم، وأنه لم يعد لديه خيار سوى بذل قصارى جهده للاستيلاء على رأس الخيمة؛ لأنه إذا ما استمر وضع هذه البلدة كما هو فإن السعوديين لن يميلوا إلى السلام أبداً. وقد ختم السيد سعيد رسالته إلى حاكم بومبي بطلب دعمه بعدد من السفن الحربية(84). يظهر أن طموحات السيد سعيد التي أحيتها الضغوط العسكرية العثمانية المصرية على السعوديين لم تقتصر على مد سيطرته على رأس الخيمة وغيرها من موانئ سواحل عمان الشمالية، بل تعدت تلك الطموحات إلى جزر البحرين، فعندما سمع حاكم مسقط برغبة الفرس في طلب سفن من البريطانيين لاستخدامها في الاستيلاء على البحرين كتب إلى حاكم بومبي في 6 شوال 1228هـ/ 2 أكتوبر 1813م يستفسر منه عن ذلك، ويبلغه أن البحرين تابعة له، وأنه قد أخذها من السعوديين، وأن أهلها رعية له، وأن أملاكهم أملاك له، ثم ذكره بالصداقة والتحالف الذي يربط بينهما، وطلب منه عدم مساعدة الفرس(85).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:07 PM

وفي صيف عام 1229هـ/1814م شكا شيخ البحرين للمقيم بروس من أطماع حاكم مسقط في الاستيلاء على البحرين بمساعدة خصمه؛ رحمة بن جابر الجلاهمة، كما أبلغه أيضاً أن السيد سعيد كتب رسالة إلى الحاكم السعودي سراً يطلب منه المساعدة على مهاجمة البحرين، وأن ذلك الحاكم أطلعه على تلك الرسالة(86). إن من الملفت للنظر هنا أن ادعاء شيخ البحرين بأن حاكم مسقط يراسل الحاكم السعودي ويطلب منه التعاون معه لمهاجمة البحرين - وأن ذلك الحاكم رفض العرض - يناقض مزاعم حاكم مسقط التي ظل يرددها على مسامع البريطانيين مدعياً بأنه لم يستطع التوصل إلى اتفاق مع السعوديين بسبب مطالبهم التي تتعارض مع السلام. عمد الإمام عبدالله أيضاً إلى متابعة سياسة الاستمالة والتقارب التي بدأها أبوه تجاه البريطانيين، فعندما أرسل المقيم بروس في جمادى الأولى عام 1229هـ/ مايو 1814م احتجاجاً إلى كل من حسن بن رحمة شيخ القواسم والحاكم السعودي على مهاجمة القواسم لبعض المراكب بالقرب من سواحل الهند استدعى الإمام عبدالله الشيخ حسن بن رحمة إلى الدرعية، وحذره من استثارة البريطانيين والتعدي على المراكب والسفن التابعة لهم(87). كذلك كتب الحاكم السعودي رسالة إلى المقيم البريطاني في رمضان 1229هـ/ أغسطس 1814م، أكد فيها أنه لم يأمر القواسم ولا غيرهم باعتراض المراكب البريطانية، وأنه أمر شيخ القواسم بإعادة أي ممتلكات يثبت أن القواسم أخذوها من البريطانيين، وأنه إذا وجد أنهم قد أخذوا شيئاً من ذلك فسيجبرهم على إعادته(88). لقد هدف الحاكم السعودي من وراء هذه التعهدات للبريطانيين إلى إقناعهم بصدق نواياه السلمية تجاههم وعدم رغبة السعوديين والقواسم في إلحاق الأذى بهم، وبالتالي دفعهم إلى عدم ضرب أتباعه القواسم أو تقديم المساعدة العسكرية لحاكم مسقط ضدهم أو ضد مناطقه. حين يئس الإمام عبدالله من التوصل إلى اتفاق مع السيد سعيد وتزايدت ضده ضغوط القوات العثمانية المصرية في الحجاز وعسير والقصيم، وانشغل هو بمواجهة الأخطار في الغرب، في الوقت الذي لم تعد هناك أي حامية سعودية في عمان، ولم يعد بمقدوره إرسال حملة للضغط على السيد سعيد(89) أصبح قواسم رأس الخيمة هم أداة الضغط الوحيدة على حاكم مسقط لإجباره على ترك تصلبه والتوصل إلى سلام مع السعوديين. لذلك ترك الحاكم السعودي - على ما يبدو - أمر معالجة شؤون عمان والعلاقات مع البريطانيين لأتباعه القواسم. ومن هنا أرسل الشيخ حسن بن رحمة في شوال 1229هـ/ أكتوبر 1814م مبعوثاً يدعى حسن بن محمد بن غيث إلى بوشهر يحمل رسالتين؛ إحداهما من شيخ القواسم نفسه، والأخرى من الحاكم السعودي إلى المقيم البريطاني السيد بروس، وكلفه بمهمة التفاوض مع المقيم والتوصل إلى معاهدة بين القواسم وحكومة الهند. وقد نجح ابن غيث في التوصل إلى اتفاق مبدئي مع المقيم البريطاني. لكن هذا الاتفاق لم يلبث أن انهار بسبب شدة التناقض بين البريطانيين من جهة والقواسم والسعوديين من جهة أخرى(90). أما بخصوص السيد سعيد وعمان فقد بادر القواسم إلى نقض اتفاق صيف عام 1229هـ/1814م مع حاكم مسقط فوراً - كما تقدمت الإشارة إلى ذلك - واستأنفوا هجماتهم على مراكب عمان وسواحلها. وكان أشد تلك الهجمات محاولتهم الهجوم على بلدة مطرح القريبة من مسقط في صيف عام 1230هـ/1815م، ثم اشتباكهم مع أسطول عماني كان يقوده السيد سعيد بنفسه، حيث كادوا أن يستولوا على سفينة القيادة كارولاين (Caroline) ذات الأربعين مدفعاً بالقرب من رأس قريات، وأجبروه على الانسحاب إلى مسقط بعد إصابته برصاصة من بندقية(91). أثر الحملة العثمانية المصرية الثانية على نفوذ الدولة السعودية في عمان: لم يكتف محمد علي باشا باسترداد الحرمين الشريفين والحجاز وعسير من يد الدولة السعودية، بل قرر القضاء على تلك الدولة نفسها في نجد، فأعد حملة جديدة أسند قيادتها إلى ابنه وأشهر قواده إبراهيم باشا الذي وصل إلى ينبع في ذي القعدة 1231هـ/ سبتمبر 1816م(92). أخذ إبراهيم باشا يتقدم بحذر من المدينة المنورة في اتجاه القصيم. وقد ألحقت فرقة من جيشه بالإمام عبدالله هزيمة شديدة في ماوية، على بعد حوالي (002 كم) إلى الشرق من المدينة في جمادى الآخرة 1232هـ/ مايو 1817م(93). تقدم الباشا بقواته بعد ذلك إلى القصيم، وفرض حصاراً طويلاً على بلدة الرس. كان الإمام عبدالله قد أمر بأن يجتمع المقاتلون من مناطق شمال نجد ويتمركزوا في القصيم منذ بداية عام 1232هـ/ أواخر 1816م، ثم توجه بنفسه مع بقية قواته إلى هناك، وأخذ يتجول بقواته بين غرب القصيم وعالية نجد دون أن يشتبك مع القوات الغازية. وخلال الفترة التي كان الباشا يحاصر فيها بلدة الرس كان الإمام عبدالله يقيم في بلدة عنيزة القريبة(94). ولما تصالح الباشا مع أهل الرس وتوجه منها إلى عنيزة في منتصف ذي الحجة 1232هـ/ آخر أكتوبر 1817م رحل الإمام عبدالله بقواته إلى بلدة بريدة ومنها إلى الدرعية. وقد سهل ذلك لإبراهيم باشا الاستيلاء على بلدان القصيم والوشم وسدير والتقدم إلى الدرعية وفرض الحصار عليها في جمادى الأولى 1233هـ/ أبريل 1818م(95).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:08 PM

لقد أدرك السيد سعيد ما يمكن أن يحدثه توغل حملة إبراهيم باشا في نجد من أثر على الدولة السعودية وعلى نفوذها في عمان ونواحي الخليج الأخرى، حيث سيوجه السعوديون جميع جهودهم وقواتهم ضد القوات الغازية لهم في عقر دارهم، مما سيتيح له العمل من جديد على تحقيق طموحاته المتعثرة في المنطقة. وليس من المستبعد أن تكون هناك اتصالات بين محمد علي باشا أو ابنه إبراهيم وحاكم مسقط خلال هذه الفترة التي قرر فيها الباشا القضاء على الدولة السعودية في نجد وشرق جزيرة العرب كما حدث خلال الحملة الأولى في الحجاز. والواقع أن التعاون بين والي مصر وحاكم مسقط في هذه المرحلة أصبح أشد ضرورة من المرحلة السابقة، لصعوبة هذه المرحلة واقتراب ميادين معاركها إلى عمان والخليج. لم يكن الإمام عبدالله في هذه المرحلة في حاجة إلى كل مقاتل من أهل الأقاليم التابعة له في نجد والأحساء فحسب، بل كان أيضاً في حاجة حلفائه وأتباعه في جنوب الخليج وخاصة القواسم. لقد اضطر الحاكم السعودي إلى سحب جميع من تبقى من جنوده في عمان وجنوب الخليج، كما طلب مساعدة الموالين والمخلصين له من أهل تلك البلاد، فتقاطر إلى نجد أعداد من المنتمين إلى القبائل العدنانية من أهل الظاهرة للاشتراك في المعارك ضد القوات العثمانية المصرية(96). وقد أخبر الإمام عبدالله المقيم البريطاني وليم بروس الذي كتب إليه بخصوص تعويضات يطالب بها القواسم، في ربيع الأول 1232هـ/ فبراير 1817م، بأن أتباعه (القواسم) كانوا غائبين عن البحر بسبب انشغالهم في حرب الأتراك(97). وفي أواخر عام 1233هـ/1818م وصلت قوات كبيرة من ساحل عمان إلى ساحل الأحساء محمولة على سبعة عشر مركباً لإنجاد السعوديين ضد القوات الغازية المحاصرة للدرعية، لكن وصولها كان متأخراً فعادت إلى بلادها عن طريق البحرين(98). وحين وصلت قوات إبراهيم باشا إلى القطيف في نهاية تلك السنة وجدت في تلك البلدة حامية من القواسم سمح لها الأتراك بمغادرة الميناء إلى البحرين التي كان فيها سبع مراكب أخرى للقواسم(99). بادر السيد سعيد إلى انتهاز توغل قوات إبراهيم باشا في نجد وانشغال السعوديين في مواجهتها وتوجه بعض أتباعهم العمانيين إلى نجد لمساعدتهم إلى ضرب قواسم رأس الخيمة وإخضاعهم لسلطته ومد نفوذه إلى مناطق أخرى في الخليج على حساب انحسار النفوذ السعودي. ففي بداية عام 1231هـ/1816م طلب حاكم مسقط مساعدة حكومة بومبي للعمل معه ضد القواسم. وبالرغم من أنه لم يحصل على تلك المساعدة، فقد قرر فرض حصار على رأس الخيمة استمر حوالي أربعة أشهر، لكن ذلك الحصار انتهى دون نتيجة(100).

لظاهر بيبرس 13-04-2006 09:08 PM

وخلال صيف ذلك العام قاد السيد سعيد حملة بحرية رافقه فيها جماعات من عرب الموانئ الفارسية للاستيلاء على جزر البحرين، ولكنه مني بهزيمة قاسية على يد العتوب. وحين أراد حاكم مسقط إعادة الكرة ضد البحرين بمساعدة ألف وأربعمئة من رماة البنادق والخيالة الذين تعهد بإرسالهم له أمير إقليم فارس، اكتشف أن الحكومة الفارسية تخطط للقبض عليه وأخذه أسيراً إلى شيراز، مما اضطره إلى إلغاء الهجوم على البحرين(101). لم تقتصر النكسات التي واجهها حاكم مسقط على ذلك فقط، بل إن القواسم تمكنوا في عام 1232هـ/1817م من الاستيلاء على ميناء خورفكان على ساحل الشمالية. وعندما قاد السيد سعيد قواته لاسترداد ذلك الميناء منهـم مني بهزيمة أخرى على أيديهم(102). وحتى حينما أصبحت قوات إبراهيم باشا تضغط بشدة على الدولة السعودية في أواخر عام 1232هـ/1817م، ونجحت في فرض حصار طويل على الدرعية خلال العام التالي، كان قواسم رأس الخيمة ما يزالون يمارسون هجماتهم ضد الموانئ والسواحل التابعة لحكومة مسقط أو المتحالفــة معهــا، والمراكب والسفن المملوكة لها، أو تلك التي تتردد علــى موانئهــا ســواء كانت مــراكـب محلــية أو هنديــة أو أوربية(103). وقد ظهر بوضوح للمقيم البريطاني بروس أن حاكم مسقط كان عاجزاً عن التصدي لقوة القواسم، أو وضع حد لهجماتهم على مراكبه وسواحله دون مساعدة البريطانيين، وأنه متلهف جداً للحصـول على تلك المساعدة، وسيكون سعيداً بالتنازل عن أي ميناء أو جزيرة تابعة له في جنوب الخليج في مقابل الحصول عليها(104). وبذلك حال القواسم دون تحقيق السيد سعيد لطموحاته العريضة الرامية إلى فرض سلطته على شمال عمان وموانئ القواسم وبلاد الصير ومد نفوذه إلى جزر البحرين، وهي الطموحات التي ظل يبذل في سبيل تحقيقها جهوداً مضنية منذ أن وصلت الحملة العثمانية المصرية الأولى إلى الحجاز. لقد رحب حاكم مسقط بوصول الحملات العثمانية المصرية إلى الحجاز واستيلائها عليه، ثم توغلها بعد ذلك في نجد، وأبدى استعداده للتعاون مع والي مصر ضد الدولة السعودية؛ لأن تلك الحملات قد خففت من الضغوط العسكرية السعودية على عمان، وأدت إلى انسحاب القوات السعودية من هناك في النهاية وإضعاف قوة القواسم تبعاً لذلك، لكن استيلاء القوات العثمانية المصرية على الدرعية وقضائها على الدولة السعودية ووصول تلك القوات إلى الأحساء والقطيف قد أثار مخاوف السيد سعيد على نفوذه في جنوب الخليج وطموحاته في جزر البحرين، فحين وصل الكابتن سادلير (Captain G. F. Sadlier) إلى مسقط في ربيع عام 1819م (1234هـ) مبعوثاً من حكومة الهند البريطانية لتهنئة إبراهيم باشا على انتصاراته على السعوديين، وعرض على السيد سعيد تعاون كل من البريطانيين والعمانيين مع قوات إبراهيم باشا ضد أعدائه القواسم عبر حاكم مسقط عن استعداده للتعاون مع البريطانيين، لكنه أبدى ارتيابه بنوايا الباشا، ورفض أن تشترك قواته في الحرب ضد القواسم(105). ويبدو أن الذي غير موقف السيد سعيد من القوات العثمانية المصرية في المرحلة الأخيرة من حربها للسعوديين هو ما أوضحه هو نفسه للكابتن سادلير من قسوة إبراهيم باشا في معاملته للعرب بعد سقوط الدرعية وعدم إجابته على استفسارات السيد سعيد بخصوص نواياه تجاه جزر البحرين(106). لقد أدرك كل من والي مصر العثماني وحاكم مسقط ما يمكن أن تفعله القوات العثمانية المصرية في الحجاز ضد السعوديين لتخفيف الضغوط العسكرية على حدود عمان، وما يمكن أن يفعله حاكم مسقط على الجبهة الشرقية للدولة السعودية لإشغال القوات السعودية عن الحجاز، ولذلك حاول الطرفان التعاون ضد العدو المشترك. لكن النجاح الذي أحرزته القوات العثمانية المصرية - والذي لم يتوقعه السيد سعيد على ما يبدو - ووصولها إلى سواحل الخليج العربي واقترابها من حدوده ومنافستها له على جزر البحرين أثار مخاوفه، فرفض التعاون معها ضد أعدائه التقليديين (القواسم). الخاتمــة وصل نفوذ الدولة السعودية الأولى في عمان وجنوب الخليج العربي إلى قمته خلال عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز، حيث فرض ذلك الإمام سلطته على القواسم في شمال عمان، ومد نفوذه إلى أقاليم الظاهرة والباطنة ومسقط، وأقام حاميات له في الباطنة. وقد عزم الإمام سعود على فرض سلطته في مسقط والأقاليم العمانية الأخرى كما فعل في شمال عمان، لكن السنوات الأخيرة من عهده شهدت أيضاً وصول أولى الحملات العثمانية المصرية التي شنها محمد علي باشا والي مصر العثماني لاسترداد الحجاز من السعوديين، التي لم تتمخض عن انحسار النفوذ السعودي من عمان فحسب، بل أدت إلى القضاء على الدولة السعودية نفسها. كان السيد سعيد بن سلطان - حاكم مسقط - رجلاً طموحاً بالرغم من صغر سنه وقلة خبرته، فأدرك مدى ما يمكن أن تحدثه تلك الحملات من أثر على الدولة السعودية وعلى نفوذها في عمان وجنوب الخليج، ومدى ما يمكن أن يساعده ذلك في التخلص من ذلك النفوذ وفي توسيع نفوذ حكومة مسقط على حساب السعوديين. ولذلك بدأ أعماله العسكرية ضد أتباع الدولة السعودية في الخليج منذ أن سمع بعزم والي مصر على حرب تلك الدولة في بداية عام 1226هـ/1811م. وقد حرص السيد سعيد على الحصول على الدعم العسكري والسياسي من البريطانيين في الهند ومن حاكم إقليم فارس ومن بعض الشيوخ العرب في الخليج، وتراسل مع محمد علي باشا وقواده في الحجاز، وقدم لهم بعض المساعدة. وقد ألح في طلب ذلك الدعم من البريطانيين بحجة ارتباطه معهم بمعاهدة تحالف، وبدعوى القضاء على ما يسمى بـ (القرصنة) التي كان يمارسها القواسم في ظل سيادة السعوديين ضد تجارة الهند. لكن البريطانيين حرصوا من جانبهم على عدم إظهار دعمهم العسكري لحاكم مسقط؛ لئلا يستثيروا القواسم والسعوديين ضدهم، ولأنهم أدركوا أن السيد سعيد كان يهدف إلى استخدام الدعم البريطاني في تحقيق طموحاته التوسعية. شن حاكم مسقط عدداً من الحملات العسكرية على القواسم وغيرهم من أتباع الدولة السعودية، وكان يقوم بتلك الحملات كلما شعر بتعرض السعوديين لهزيمة أو تراجع أو ضغوط شديدة على يد القوات العثمانية المصرية، لكن أغلب تلك الحملات فشلت في تحقيق أهدافها، ولم يتمكن السيد سعيد إلا من استعادة سلطته في الباطنة والظاهرة حين اضطر السعوديون إلى سحب حامياتهم ومقاتليهم من هناك لمواجهة القوات العثمانية المصرية في الغرب. لا يعود فشل السيد سعيد في تحقيق طموحاته العريضة في جنوب الخليج إلى بقاء النفوذ السعودي قوياً هناك حتى توغل حملة إبراهيم باشا في نجد فحسب، وإنما يعود ذلك أيضاً إلى الغيرة والحذر وانعدام الثقة بين حاكم مسقط وحلفائه، وتعارض مصالحه مع مصالح أولئك الحلفاء، ورفض القواسم والعتوب بشكل خاص لهيمنة حكومة مسقط عليهم ومنافستها التجارية لهم، وكان السعوديون يدركون هذه الأمور، ولذلك فإنهم لما وجدوا أنهم قد انشغلوا عن التصدي لحملات حاكم مسقط، لجؤوا إلى منح أتباعهم في الخليج سلطات واسعة، وأوكلوا إليهم مهمة التصدي لحملات حاكم مسقط وأعماله التوسعية، وقد نجح القواسم في وقف توسع ذلك الحاكم وإحباط طموحاته، واستمروا في التصدي لحملاته العسكرية ومهاجمة سواحله ومراكبه ومراكب حلفائه حتى بعد سقوط الدرعية. والواقع أنه في حين كانت القوات العثمانية المصرية تسدد الضربات الأخيرة للدولة السعودية وتدمر عاصمتها، كان قواسم رأس الخيمة يرفعون لواءها عالياً في شمال عمان ومياه الخليج والبحار الشرقية. لقد اضطر الحكام السعوديون منذ عام 1226هـ/1811م، إلى إرسال مبعوثين إلى شيراز وبوشهر للتفاوض مع الفرس والبريطانيين من أجل تحسين العلاقات معهم والتوصل إلى اتفاقات تجارية وسياسية وإقناعهم بعدم تقديم المساعدة العسكرية لحاكم مسقط حيث انشغلوا بمواجهة الجيوش العثمانية. ويبدو أن السعوديين أرادوا الاستفادة من التنافس بين الفرس والبريطانيين من جهة والعثمانيين من جهة أخرى في حوض الخليج والعراق. كذلك حرص السعوديون على التوصل إلى اتفاق سلام مع حاكم مسقط، لكي يتفرغوا للتصدي لحملات والي مصر، فأرسلوا مبعوثين إلى مسقط للتفاوض مع السيد سعيد والتوصل معه إلى سلام، لكن حاكم مسقط كان متأكداً من تحرج الموقف العسكري السعودي ومن إمكانية استغلاله لصالحه، فاستمر في تفادي التوصل إلى أي اتفاق مع السعوديين بالرغم من نصائح حلفائه البريطانيين التي تحثه على التوصل إلى سلام معهم. لقد دأبت الدولة السعودية على تحقيق أهدافها وحماية مصالحها قبل وصول الحملات العثمانية المصرية لحربها منذ عام 1226هـ/1181م عن طريق القوة العسكرية، لكن وصول تلك الحملات أجبر تلك الدولة على اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية والمفاوضات لحماية تلك المصالح؛ مما يدل على حدوث تطور في السياسة السعودية خلال تلك الفترة وشعور بالحاجة إلى توثيق العلاقات مع القوى المجاورة.

http://www.aldarahmagazine.com/magz...25&article_no=1

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:32 PM

تاريخ سياسي (5) حقائق عن القهر السعودي .ناصر السعيد
 
تاريخ سياسي (5) حقائق عن القهر السعودي .ناصر السعيد

-----------------------------------------------------------------

حقائق عن القهر السعودي

تأليف ناصر السعيد

اهداء

إلى المناضل ناصر السعيد الذي ضحّى بنفسه من أجل إسعاد وطنه وشعبه

تقديم المناضل ناصر السعيد

حياته ونضاله

المتتبع لأحوال الجزيرة العربية يدرك أن تاريخها حافل بالجهاد والنضال ومقاومة آل سعود، والمعارضة الإسلامية بالذات كانت بدايتها من العقد الثالث الماضي وهي معارضة (الاخوان).. كما أن أصواتاً حرة انطلقت مدوية هنا وهناك تعلن رفضها للامتهان والظلم، فكان مصيرها الاعدام أو التشريد أو السجن، وهو أضعف الإيمان.. ناصر السعيد هو أحد أولئك الأبطال الذين تصدوا للحكم السعودي على مختلف مستوياته وأدواره (عبد العزيز ـ سعود فيصل ـ خالد) ولأِكثر من أربعين عاماً..ولم يعطه فهد الفرصة ليبقى معارضاً له..ولد هذا المناضل في مدينة حائل بعد احتلالها بعام من قبل آل سعود يقول ناصر في كتابه (تاريخ آل سعود): (وكانت بداية احتلال في يوم مشؤوم هو يوم 29 صفر 1340هـ الموافق 2 نوفمبر 1922م، وقد ولدت بعد هذا العام بعام واحد، ونظر لي أهلي كما ينظرون أهل حائل (لمواليد السقوط) سقوط حائل.. نظرة عدم إستحسان، وكأنهم يريدون أن لا تلد النساء أحداً بعد سقوط حائل بيد الأعداء‍).
وقد تربى هذا المناضل كغيره من أطفال حائل في جو ثوري، فإضافة إلى أن الكثير من أهله قد قتلوا دفاعاً عن الوطن من أعمامه وأخواله وحتى عماته وخالاته أهنّ واعتدي عليهن، إلى ذلك فإن جدته كان لها الفضل الأكبر في نشأته الثورية، فقد تعلم منها الكثير من آيات الصمود والمعارضة، وقد اعتقل وعمره سبع سنوات مع جدته هذه في حادثة مع أحد جلاوزة الملك عبد العزيز..وحين شب عن الطوق توجه للعمل في آبار النفط فانضم لشركة (أرامكو) الأمريكية فرأى حالة العمال المزرية وقاد نضالها سنيناً طويلة..ففي عام 1947م وبالتحديد في ضحى يوم (17 / 9 / 1947م) أطلق المناضل ورفاقه على هذا اليوم (يوم فلسطين) وقام بمظاهرة في مدينة (رحيمة) رافضة لتقسيم فلسطين ومطالبة بقطع النفط عن أميركا وبريطانيا، وجاء أمير رأس تنورة ليقنعهم بأن النفط بيد الأمريكيين ولا أحد يستطيع قطعه(!!) وأن قطع النفط يعني اكتنازه في الأرض، وبما أن اسمه الذهب الأسود فاكتنازه حرام(!!)، وسبب ثالث ذكره الأمير (تركي بن عطيشان): هو من الذي سيدفع معاشاتنا ومعاشاتكم؟! ولكن ناصر السعيد والمتظاهرين ثاروا بوجهه فاعتقلوا وأرسلوا في سيارة شحن لجزار المنطقة الشرقية سعود بن جلوي، وكان ناصر يتوقع. وعلى حد قوله ـ (القتل أو على الأقل قطع يد ورجل من خلاف)، ولكن زوجة الأمير تدخلت لأن المعتلقين (صغار) فأطلق سراحهم..وقبل عامين من هذا التايخ قاد ناصر إضراب العمال في (الظهران وبقيق ورأس تنورة) عام 1945م، وطالب بتحسين الأجور والسكن، ومع أن الحكومة بعثت بقواتها القمعية لمواجهة الانتفاضة بقيادة المقدم طه الاحسائي، إلاّ أنّها فشلت في إخمادها، ورضخت آرامكو للمطالب. وفي عام 1953م وقبل موت الملك عبد العزيز قاد مرة أخرى إنتفاضة العمال ضد سياسة الحكومة ومن أجل فلسطين فاعتقل مع مجموعة وأرسل إلى سجن العبيد بالأحساء وكاد ينفذ فيه حكم الاعدام لولا الضغط الشعبي العارم، فأخذ عليه تعهد بالإقامة الجبرية في بلده حائل، وفي طريق عودته لحائل عام 1953م سمع نبأ صوت الطاغية عبد العزيز.. وما أن وصل إلى مدينة حائل حتى علم باستعداد الإمارة لاستقبال الملك الجديد (سعود) الذي سيأتي لأخذ البيعة (هكذا) من المواطنين فنظم مسرحية حول الجهل والفقر والمرض عرضها أما الملك، كما ألقى كلمة أمامه في إحتفال في المدرسة الثانوية، خرج على أثرها وهو غاضب مقتم، وقال: (الاحتفال زن لكن أين السعيد خرّبه!!).
وظل ناصر المناضل يقود التحرك الثوري ويتحرك هنا وهناك حتى صدر أمر بإعدامه عام 1956م، فأخبره العقيد الذيب المكلف بالأمر وهرب إلى الخارج لقيادة النضال.. وقد اغتيل العقيد الذيب فيما بعد بحقنة سامة في ألمانيا الغربية! وفي عام 1958م بذلت السعودية أموالاً ضخمة لاغتياله، وحينها قابل الرئيس جمال عبد الناصر، وسافر إلى القاهرة وأشرف على برنامج (أعداء الله) الذي تبثه إذاعة صوت العرب.. وحين اشتعلت ثورة اليمن عام 1962م إنتقل إليها في العام التالي وإفتتح مكتباً للمعارضة، وأشرف على برنامج إذاعي تحت إسم (أولياء الشيطان)، كما قاد الكفاح المسلح من الحدود اليمنية.. وجاءت هزيمة 1967م لتنهي نشاطه السياسي المعادي للأسرة السعودية من مصر وقبلها من اليمن، وظل متخفياً ينتقل من بلد إلى بلد (العراق ـ سوريا ـ مصر ـ اليمن الجنوبي ـ ليبيا) محارباً بلسانه وقلمه بعد أن اقفلت الاذاعات التقدمية جداً!! أبوابها بوجهه إلى عام 1975م، حيث توفى الملك فيصل برصاصات ابن أخيه الأمير فيصل أبن مساعد، وحينها أعلن الحاكم الجديد حالة العفو العام عن السجناء السياسيين في الخارج، فهرع الكثير من أدعياء الثورة إلى النظام وقبلوا يديه واستلموا (الخرجية)، وهو اللفظ الذي كثيراً ما يستخدمه ناصر.. الذي رفض الركوع والعودة للتمسح على أبواب السلطات رغم المغريات الكثيرة والترهيب القاتل، حيث جرت له عدة محاولات اغتيال أخرى في الخارج.. واندلعت انتفاضتي الحرم في مكة المكرمة والمنطقة الشرقية في نوفمبر 1979م، فترك مقر سكنه في دمشف وذهب إلى بيروت ليرفع صوت شعبه ويسمع نضالاته للعالم، فأجرى مقابلات عديدة مع الصحف والمجلات وكالات الأنباء، وأوضح لهم حقيقة ما يجري في البلاد.. وفي وضح النهار نفذت الحكومة السعودية ما عجزت عنه خلال أربعين سنة قضاها ناصر السعيد في نضال مستمر ودؤوب إذ اختطفته في وضح النهار من بيروت بتاريخ 17 / 12 / 1979م.. وذلك بتدبير من السفير السعودي في بيروت علي الشاعر وبعض المجموعات المدعية للنضال والثورة التي نفذت العملية، ولا أحد يدري أين هو الآن؟!
البعض يقول أن طائرة سعودية خاصة كانت تنتظره في مطار بيروت فأقلته للسعودية، والبعض الآخر يقول إن المناضل قضي عليه في بيروت ذاتها.. وحين سئل سلطان وزير الدفاع السعودي في إحدى المقابلات عن التهمة التي توجه إليه ولأخوته من أنهم وراء إختطاف ناصر السعيد، أجاب بأننا: (لسنا بحاجة إلى استخدام هذا الاسلوب) وأضاف: أن ناصر السعيد اختطف من بيروت الغربية التي تسكنها أغلبية مسلمة، وألمح إلى أن المسلمين متعاطفين مع الحكومة السعودية وهم الذي قضوا عليه أو إختطفوه!. وأجرت مجلة "السبوع العربي" في عددها الصادر بتاريخ 11/5/1987، مقابلة مع أبو الزعيم الذي كان مسؤولاً عن المخابرات الفلسطينية أكثر من عشر سنوات، ورجل الملك حسين في منظمة التحرير الفلسطينية. وقد طرحت (الاسبوع العربي) على أبو الزعيم عدداً من الاسئلة، جاء من بينها سؤال عن المناضل ناصر السعيد الذي اختطفته أجهزة أبو الزعيم في وضح النهار في بيروت بتاريخ 17 / 12 / 1979 أبّان قيام انتفاضة الحرم والمنطقة الشرقية.. وذلك بالتنسيق مع علي الشاعر ـ ـ وزير الأعلام السعودي الحالي ـ وسفير آل سعود آنئذ في بيروت. سألت "الأسبوع العربي" أبو الزعيم: (قيل على لسانك في إحدى الندوات أو ربما الجلسات الخاصة، أنّك اتهمت بعض قيادات فتح بمسؤولياتها عن تسليم ناصر السعيد؟).. أجاب أبو الزعيم: (لم يحدث هذا إطلاقاً، وكان هناك من أشار زوراً إلى أن أبو الزعيم مسؤولاً عن هذا الموضوع، وفي حينه بالذات شكلنا لجنة تحقيق للبحث عن الرجل، ولهذا فانني اتحدى كل الجهات الفلسطينية واللبنانية أنذاك أن تقول غير ذلك، شكلنا لجنة تحقيق مكونة مني ومن صلاح خلف وأبو الهول وتوفيق سلطان من الحزب التقدمي الإشتراكي، ومحسن إبراهيم وأبو ماهر اليماني وسمير صباغ "المرابطون"، لاستقصاء مصير الرجل، وقادنا التحقيق جميعاً إلى الاشتباه بأحد الأجهزة وعندها توقف كل شيء، واتحدى أياً كان أن يبرز أو يقدم معلومات غير هذا الكلام)..
ونحن هنا نقول لأبي الزعيم، ان الذي اختطف ناصر السعيد هو جهاز مخابرات فتح الذي كنت تشرف عليه.. واننا نعلم بأن أوامر الخطف جاءتك من أعلى.. ونعلم أيضاً أن اللجنة التي شكلت كانت للتمويه، وأن الذي حملك مسؤولية اختطافه هم بعض أعضاء اللجنة التي كنت واحداً منها.. وأما تحميلك "أحد الأجهزة" التي لم تعرّفها فما ذلك إلاّ مراوغة إن لم يكن ذلك الجهاز هو جهاز آل سعود.. فناصر السعيد لا مصلحة مباشرة لنظام عربي في التعرض له سوى نظام آل سعود. لقد اراد ناصر السعيد أن يعلن للعالم عن انتفاضة شعبه، فسافر من دمشق ـ محل اقامته ـ إلى بيروت من أجل ذلك، وأجرى العديد من المقابلات مع وكالات الأنباء الأجنبية والصحف والمجلات العربية، فأراد آل سعود ان يسكتوا ذلك الصوت، متصورين أن ناصر ضالع في عملية الحرم بشكل مباشر.. لذا لم يكن امامهم سوى التوجه إلى استخبارات فتح، فآل سعود أعجز وأحقر من أن يمارسوا ذلك العمل الجبان بأنفسهم، وهكذا تم اختطاف ناصر السعيد، المناضل الذي عارض آل سعود طيلة حياته. وانه لمن المؤسف أن تتحول منظمة التحرير ـ التي كانت تسطير فعلياً على بيروت آنئذ ـ من حركة ثورية تدعم الثوار، إلى مخلب لأنظمة القمع والارهاب والرجعية الخليجية، ومقابل بعض الدولارات التي يتقاسمها الكبار، ويشترون بها قصوراً هنا وهناك. وانه لمن المؤسف أيضاً أن يعلن قادة المنظمة دعمهم ومساندتهم لأنظمة عفنة نتنة تتحمّل وزر عشرات الآلاف من الضحايا، الذين قضوا نحبهم مدافعين عن كرامة هذه الأمة ومقدساتها


___________________


حقائق عن القهر السعودي

تأليف ناصر السعيد

تقديم

الفصل الأول: ناصر السعيد يتحدث عن احتلال آل سعود لمدينة حائل
بداية نهاية سعود آل رشيد
اللجوء إلى العدو الحقيقي
تحفز آل سعود و(صحابتهم) لدخول حائل
الفصل الثاني: ناصر السعيد يتحدث عن نفسه وثورات شعبه
مواليد السقوط
حينما دخل عبد العزيز وكوكس وفيلبي حائل
فلسطين في عيني
بعض الاسماء من آلاف الشهداء
وخان عبد العزيز آل سعود عهد ومعاهداته
وفجر عبد العزيز بقسمه ونقض اتفاقيته مع أهل حائل
ثورة غريب العفري
كلمة الشعب
غضب الملك وافتى باعدامي
الفصل الثالث: رسالة المناضل ناصر السعيد إلى الملك سعود
الشعب لم يبايعك يا سعود
اخطار إلى الطاغوت سعود
من ناصر السعيد إلى الملك سعود
سنقاومك بسيوفنا يا سعود
عفو غير شرعي
الجأ إلى الشعب
مجلس الامراء والشورى
خنت الله والشعب
الخطر الشيوعي ـ أم الخطر الأمريكي؟
شاهد من أهلك
ارامكو والاستعمار الامريكي
دستور اتحاد ابناء الجزيرة العربية

الختام

المؤلف

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:38 PM

الفصل الأول

ناصر السعيد يتحدث عن احتلال آل سعود لمدينته (حائل)

صرح الشيخ نايف بن مزيد الدويش ـ من شيوخ قبيلة مطير، وأحد الذين ساهموا في بناء الحكم السعودي بأرواحهم، وكان جزاؤهم القتل من آل سعود قائلاً: (لقد كنا نحتل جبل طي المطل على حائل؛ وكنا نثق بكل ما يقوله مشايخ الدين السعودي لاعتقادنا أنهم واسطتنا عند الله!؛ وما علمنا أنهم واسطتنا عند الانكليز إلاّ أخيراً حينما أفتوا ونحن في الجبل بما لم نكن نشك فيه "إن الجنة مضمونة لكل من يقتل واحداً من أحل حائل الكفرة المشركين"!..لكننا عدنا وكذبنا الفتاوى تلك؛ في تلك الليلة عندما سمعنا أصوات المؤذنين في حائل تردد ذكر الله عالية جهرة: الله أكبر الله أكبر.. وحاولنا ترك حائل عندما تأكد لنا ايمان أهلها بالله ورسوله!.. لكن عبد العزيز بن سعود والانكليز الذين أظهروا إسلامهم معه، ومشايخ الدين السعودي، طلبوا منا البقاء في موقعنا لمدة يومين فقط.. ولم نكن ننوي القتال بعد ذلك لو لم يكونوا على صلة مع بعض أصدقائهم في حائل الذين أدخلوهم حائل خدعة من جهتها الجنوبية). هذا هو بعض ما تحدث به الشيخ نايف بن مزيد الدويش.. أما ما قيل عن أصدقاء ابن سعود في حائل، فمنهم الشيخ إبراهيم السالم السبهان، والشيخ حمود الحسين الشغدلي(1)، والشيخ صالح السالم الصالح، والشيخ عبد الرحمن الملق، وسعود العارض، وابنه سالم السعودي، وحسن بن سلالم النزهة المعروف باسم الحساوي "والحساوي هو الاسم الحركي السعودي له!"، وعبيد المسلماني، ومحمد السّراي الزويمل، وغيرهم.. وأنا هنا اجزم أن نية بعض هؤلاء لم تكن "خيانة بلادهم" أبداً، بقدر ما كانت "نية خير وسلام لحقن الدماء!"، خاصة وقد أصبح ابن سعود قوياً بقوات الانكليز، وقد خدعهم أيضاً كما خدع غيرهم بالكذب باسم "الإسلام والإنسانية والحكم العادل القويم"، ومما شجعهم على الاتصال بابن سعود ومما ساعد إبن سعود على الوصول إلى حائل، قيام تلك الفتن بين آل الرشيد أنفسهم، وكان لعملاء آل سعود والانكليز دوراً في إثارها، فأمعن آل رشيد في قتل بعضهم بعضاً، وأصبحت البلاد في حالة يرثى لها من عدم الاستقرار لا لهدف إلا للصراع على الحكم، حتى تزعزعت ثقة الشعب والقبائل بما تبقى من آل رشيد. وسئمت قبائل شمر هذا النوع المزري من الحياة، فنزحوا عن حائل، وساعد على ابتعادهم ما لاقوه من إهانات من بعض حكام آل رشيد، وبذلك خلا الجو للإنكليز ليجدوا من يروج ويصدق خداعهم وكذبهم باسم الدين السعودي الانكليزي، والأموال المزيفة والمغريات ووعود آل سعود الكاذبة (بالجنة وأنهار العسل واللبن والرباب الذي فيها)، وكانت تلك وعود مغرية جداً يبذلها آل سعود القبائل.. فما دام أن هناك جنة ولبن ورباب وحور وعسل في الآخرة، وفي الدنيا ذهب وريالات وخيل ونساء وبنادق، فليقاتلوا في سبيلها.. وليقتل الأخ أخاه والابن أمه أو أباه. وليكن شعار المقاتلين: (هبّي هبوب الجنة وينك يا باغيها.. وخيّال الخيل وأنا أخو من أطاع الله). فبدأ دين الدجل يسري في حائل من جهتها الجنوبية في قرية إسمها (الروضة)، حيث برزت مخلوقات تسمى (عذال ومغليث.. وناصر الهواوي، الذي نصب نفسه قاض شرعي ومفتي للديار) وأخذ يفتي بتكفير قبائل شمر وشعب حائل، وأفتى (بأن يقتل كل ذي قربى قريبه، الذي يريد البقاء في عهد الجاهلية ويرفض الدخول في الإسلام)، ومن المضحك المحزن أن لا يتم (دخول الإسلام) المقصود إلا باتباع الإنكليز وآل سعود.. أما عهد الجاهلية عندهم فهو (عهد ما قبل الاحتلال الانكلو سعودي).ولهذا أفتى قاضي الروضة ـ ناصر الهواوي ـ بأن يتولى (شلاش الهديرس) تقطيع أوصال ابنه ناصر الهديرس وهو على قيد الحياة، ويقطعه وصلة وصلة حتى يلفظ الابن أنفاسه لأنه من "الكافرين"، فحاول الأب اقناع إبنه بدخول الدين السعودي الإنكليزي الجديد لكن الابن، بكل إباء وشرف، رفض طاعة والده والتنازل عن شرفه ووطنيته. وما كان من الوالد المدعو شلاش الهديرس إلا أن قام بتقييد يدي أبنه ناصر الهديرس أمام جمع من سكان (الروضة) وطفق يضرب إبنه بالسيف بكل ما أوتي من قوّة حتى أخذ اللحم يتساقط من جسم الابن والدم يتدفق بغزارة والعظام تتكسر، والابن يصرخ ويركض هرباً من وجه أبيه المتوحش ليحتمي بالحاضرين، بينما الحاضرون يتبرأون منه. كل هذا والمفتي المزيف يقف ويصرخ بالوالد ويفتي: (مثل بهذا الكافر.. اقطع يده اليمني.. اقطع يده اليسرى.. اقطع ساقه اليمنى.. إقطع اليسرى.. اضرب ظهره طولاً وعرضاً لتدخل الجنة بلا حساب.. ابقر بطنة لترزق بأبناء عليّين من الحور العين.. اقتل ابنك انه ليس ابنك). وهكذا الحال حتى مزق الاب جسم ابنه الوحيد بسيفه قطعة قطعة.. وبعد ذلك صافحة "المفتي الدجال المأجور" والحاضرون مهنئين، بعد أن قذفوا أوصال الأبن الشهيد في العراء.. ولم تكن قيمة كل هذه الفتاوى التي أصدرها المفتي المزيف (الهواوي،) تتجاوز المائة جنيه ذهباً، أرسلها له المستر كوكس عضو المكتب الهندي للمخابرات الانكليزية، فباع ضميره المتعفن لكوكس.. وقد وزع الإنكليز في قرية الروضة وحدها عشرة آلاف جنيه ذهب.، سلمت لكبار الدجالين البريء منهم شعبنا في الروضة..

لكنه ما أن بلغ هذا للشعب في حائل، حتى حمل السلاح مسرعاً نحو قرية الروضة، فكانت مذبحة ويا للأسف قتل فيها عذال ومغليث والقاضي الداشر ناصر الهواوي، وسيق الأب الذي قتل ابنه إلى محمد بن طلال حاكم حائل، فسأله إبن طلال: (ألم تعلم أننا سنثأر لابنك الشهيد؟ لماذا تقتله وأنت تعلم أنه مؤمن ويعترف بوجود الله، ويشهد برسالة محمد ويقيم الفروض ويسلك كل مسلك شريف؟…) فأجاب الأب القاتل: (أن كل ما تقوله حقيقة ولكنهم خدعوني بالذهب والمذهب عليهم اللعنة)، فأمر ابن طلال بقتله، وانتهى بذلك دور قرية الروضة، لكن الطيبين من أبناء شعبنا في الروضة تكبدوا خسائر فادحة من جراء ما جره عليهم هؤلاء الأفراد الدجالين السعوديين الذين خانوا الشعب كله، واندحرت خطة الانكليز تلك المرة، لكنهم لم ييأسوا.. اذ ذهبوا للاتصال بقبائل شمر وشيوخها، ولم يجدوا استجابة إلا ممن أغراهم الكذب ونعيم المغريات، أو خدعوا كما خدع غيرهم بالدين السعودي الباطل والذهب، واستبدلوا الخير بالشر والأمانة بالخيانة، وهم من أمثال "المرحوم" ملبس بن جبرين، الذي خدعه آل سعود بكذبهم، وكذلك ندى بن نهّير، وعياد نهير الذي قال له أخوه ندى مرة متسائلاً وهو يرد على نفسه بنفسه: (من هو الاصلح؟ ابن سعود وإلا ابن رشيد؟ ابن سعود يدفع لنا في السنة "خرجية" قدرها 400 جنيه ذهب، أما ابن رشيد فيدفع 40 جنيه ذهب في السنة. لا شك أن ابن سعود أصلح من سواه). وهكذا ينظر بعضهم للدين على أنه "جهاد" من أجل المال فقط، وزيادة في دفع الذهب ومن يدفع أكثر فله الضمير. وكذلك هبكان الصليطي، وفريح النبص، وجريذي السحيمي، وخمسة غيرهم غرروا ببعض أفراد عشيرتهم، (وعمّموا) بسراويلهم النجسة رؤوسهم الخسيسة وقادوا مع من قاد جيش الانكليز السعودي إلى (امهم) حائل. وكان أول ما بدأوا به هو الهجوم على قريتي (بيضاء نثيل) و (الشيعة) وذلك في ليلة 27 رمضان، حيث هجموا على المواطنين القرويين الآمنين في المسجد أثناء أداء صلاة الفجر، وقتلوهم آمنين عزل، ولم يكن بيدهم من سلاح سوى القرآن، رغم أنه لم يكن لهاتين القريتين من أهمية استراتيجية في المعركة، أو أي فائدة مادية لهم أو ضر عليهم، ولم يكن لأهل القريتين أي دور معروف في القتال، بالاضافة إلى أن الدين الحقيقي ينص على عدم الغدر أو التمثيل لا بالإنسان ولا بالحيوان ولا حتى بالشجر.. وأكثر من هذا فقد قتلوهم وهم يصلون الصبح في المسجد صائمين رمضان وبيدهم القرآن، واعتدوا على أعراض نساءهم.. فهل هؤلاء "كفرة" كما يقول عبيد الانكليز والصهيونية؟. وكذلك قرية ـ الجليدة ـ قتلوا كل رجالها وذلك بقيادة ملبس بن جبريل "الشمري"، الذي غرر به هو الآخر وشردوا نساء شمر إلى الكويت، فارغموا بعضهن على ممارسة أخس أنواع المعيشةـ البغاء ـ بعد أن هتك السعوديون الخونة أعراضهم في تلك المذبحة، وذبحوا رجالهن وأطفالهن يقودهم بعض الخونة من أبناء عمومتهن ـ ويا للاسف ـ باعوا ضمائرهم بالذهب للانكليز والشيطان الرجيم وآل سعود اليهود.. واستمروا بهذه الطريقة يقودون أمثالهم من الجنود المرتزقة والمخدوعين والضالين حتى أدخلوهم إلى الجبل.. الجبل المحرم دخوله على كل كائن والذي لا يعرف مسالكه إلا ابناءه فقط ـ جبل شمر. جبل حاتم الطائي ـ جبل طي ـ جبل أجأ واخته سلمى ـ الجبل الشامخ الاشم المطل على مدينة حائل ـ الحاني عليها المحتضن لها بكل شفقة وإباء من شمالها إلى غربها وشرقها فجنوبها، اذ وجدوا في هذا الجبل أربعة أشخاص من المرابين الذين أخذوا يتعاونون معهم. وأول فاتحة لهم كانت قتل الفلاحين الآمنين في قرية ـ عقدة ـ وبقية قرى هذا الجبل الأشم، الذي لم يتصور أبناءه أن يأتي نفر ممن شربوا من ماء هذا الجبل القراح السلسبيل، ومن أبناء عمهم بالذات، فيقود الأعداء لتلويث قمم ونقوب هذا الجبل باقدامهم الآثمة. ان الفواحش التي ارتكبها السعوديون في هذه القرى الواقعة في جوف هذا الجبل التاريخي العظيم كثيرة، ومنذ أن استولوا على هذه المواقع الجبلية الاستراتيجية الهامة بدأ يلوح لهم النجاح، ومن جبل طي انتقلت الخيانة والتآمر إلى قلب حائل، حيث قام عشرة أشخاص ممن يسمون أنفسهم "أهل الرأي"، أو كبار الجماعة، بمراسلة عبد العزيز بن سعود استمراراً لاتصالهم السابق به.. ونظراً لقربه من حائل فقد بدأت المساومة على دخولها بلا ثمن، فرتبوا معه خطة بأن يعملوا طريقة لنقل المقاتلين المخلصين من حائل إلى شمالها، ويكون ذلك في قريتي (النيصية ـ والجثامية)، ليخلوا لهم الجو فيدخل ابن سعود لاحتلال البلاد، وحدث هذا فعلاً، اذ حدثت مناوشات في النيصية والوقيد والجثامية والصفيح، فاتفق (كبار الجماعة) مع الحاكم إبن طلال على نقل كل الأهالي، إلا القليل منهم، إلى مسافة تبعد قرابة خمسين كيلومتراً شمالاً عن حائل ـ في النيصية ـ والجثامية والصفيح لمدة اسبوعين، ثم قطعوا التموين والذخيرة عنهم، فأحس الشعب المقاتل بالخيانة تطعن ظهره، فطلب المقاتلون المبعدون في النيصية والجثامية والصفيح أن يعودوا إلى حائل ليتمكنوا من الدفاع عن العاصمة التي يحيط بجبالها الأعداء، لأن ابتعادهم عنها سيعرضها ويعرضهم معها للهلاك في هذا المعزل.. ولكن ابن طلال الحاكم لم يستجب لأن كبار الجماعة القابعين في مرابعهم قد خدعوه، بينما هم يراسلون الأعداء ويرون ما لا يراه الشعب.

مثلما اتضحت قصة اغتيال الأمير عبد العزيز المتعب الرشيد في روضة مهنا بتخطيط من الكابتن جون فيلبي، القائد الأعلى للحركة السعودية، وكذلك قصة اغتيال خليفته ابنه متعب العبد العزيز وبقية اخوته الأطفال على أيدي أخوالهم بايحاء من فيلبي و"السلطان" عبد العزيز آل سعود كذلك تمت قصة اغتيال ابنه الأخير سعود بن عبد العزيز المتعب آل رشيد برصاص ابن عمه عبد الله آل رشيد، الذي لم يكن دافع عبد الله الطلال لارتكابها أطماعه في الحكم وحدها، بقدر ما كان دافعه "نزول الوحي الانكليزي السعودي الخفي" والموجه عن طريق مجموعة معروفة من العملاء السعوديين "الطابور الخامس" في حائل.. خاصة بعد أن رفض الأمير سعود العبد العزيز المتعب الرشيد طلبات "المس بل" في التبعية للانكليز والتعاون مع ابن سعود..

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:41 PM

"والمس بل" هذه عضوة "المكتب العربي" مكتب المخابرات الانكليزية في القاهرة، التي سبق لها أن شكلت ما سمتها المخابرات باسم "رابطة أنصار الحرية في مصر" فخدعت بها بعض المصريين، وضمت إليها عدداً آخراً من المخدوعين، ومن ثم انتقلت للعمل في فرع آخر للمخابرات البريطانية هو ما عرف باسم "المكتب الهندي".

هذه "المس بل" جاءت إلى حائل بعد اغتيال عبد العزيز المتعب آل رشيد الذي رفض التعاون مع الانكليز وابن سعود، واتصلت ـ بخليفته وابنه ـ الأمير سعود آل رشيد وقالت له: (أن الانكليز سيمدونك بالمساعدات وسنلبي لك ما تريد في حال موافقتك على عقد معاهدة صداقة مع الانكليز، واعترافك بأحقية حكم الأمير عبد العزيز بن سعود على نجد".. فرفض الأمير سعود آل رشيد هذا المطلب الانكليزي، وكان في رفضه ذلك صدمة جديدة للانكليز وعميلهم عبد العزيز آل سعود، كما كان في رفضه.

ولم يكن لعبد الله الطلال آل رشيد الذي اغتاله آل سعود فيما بعد، يد مباشرة مع الإنكليز أبداً، ولكنه كان ضحية ايحاءات غير مباشرة من الانكليز كما قلنا. وكان هناك من سكان حائل ومن قبيلة شمر من اتصل مع الانكليز بواسطة عبد العزيز آل سعود وتآمر وحرض للتخلص من سعود العبد العزيز الرشيد، نظراً لأن سعود الرشيد كان مجال الثقة والتقدير من أهل حائل وقبيلة شمر القوية، وقد عرف عنه الحزم والشجاعة وطيبة القلب وحسن الإدارة بالرغم من حداثة سنة..


بداية نهاية سعود آل رشيد

بدأ المحرضون لعبد الله الطلال آل رشيد ضد ابن عمه سعود العبد العزيز آل رشيد لاغتياله والحلول محله، دون أن يدر عبد الله الطلال ان وراء هذا التحريض أيدي خفية انكليزية سعودية، تريد الاطاحة بهذه العقبة (سعود الرشيد) ومن ثم تفريق قبيلة شمر، وذات يوم خرج سعود العبد العزيز آل رشيد بعد الظهر إلى جبال حائل في مكان إسمه "الغبران" وكان صائماً، واصطحب معه عدد من مرافقيه وهم: سليمان العنبر، ودرعان الدرعان، وراشد الحسين، والذعيت، وسلامة القريح، ومهدي "أبو شرّين" بالإضافة إلى ابن عمه الفتى عبد الله المتعب آل رشيد البالغ من العمر 12 سنة (والذي اغتاله آل سعود فيما بعد عام 1946 في الرياض).. فعرف عبد الله الطلال آل رشيد بخروج ابن عمه سعود فصمم على اغتياله، فلحق به في طريق الرحلة ورافقه حتى المكان المقصود وهو "الغبران" في جبل طيء، وكان يرافق ابن طلال خادمه ابراهيم المهوّس، وكانا مسلحين، أما الأمير سعود آل رشيد فلم يكن معه وبعض رفاقه سوى سلاح الصيد، وكان الجميع خيالة..

ووصل الجميع الى الغبران، وجلس الأمير سعود متكأ على صخرة بسفح الجبل وبالقرب منه الذعيت الذي قام يتمشى، وكذلك عبد الله المتعب الرشيد، وعن يمينه سليمان العنبر، وعن يساره عبد الله الطلال، الذي تأخر خلفه مسافة مترين، وبجانب الطلال ابراهيم المهوس، وقد تفرق بقية المرافقين للتدرج بعيداً عن المكان غير مدركين لما سيحدث خلال دقائق!.

وفي تلك اللحظات أخرج عبد الله الطلال برتقالة كانت معه، ثم استأذن ابن عمه الأمير ليضعها هدفاً للرمي، فوافق الأمير سعود آل رشيد، فصوب سعوداً بندقيته نحو الهدف فأصابه بدقة،فوضعوا غيره فاستأذن ابن طلال لرمي الهدف! فرمى الهدف وأصابه بدقة.. وما أن صوب الأمير سعود آل رشيد بندقيته ثانية نحو الهدف حتى صوب عبد الله الطلال بندقيته من خلفه نحو الهدف سعود الرشيد، وحالما رمى سعود الرشيد الهدف ثانية أطلق عبد الله الطلال من بندقيته نحو هدفه!… وكان هدفه هو: رأس ابن عمه الأمير سعود الرشيد، فسقط سعود في عبّ سليمان العنبر الذي ضمه وهو يردد: خير!.. ظنّاً منه أن بندقيته رفسته!.. ولكنه ما أن رفعه حتى رأى الدم يتفجر من رأسه ومن عنقه!، وفي تلك اللحظة أمطر ابن طلال سليمان العنبر بست رصاصات أصابت ثلاث منها جنبه وثلاث منها قدمه، فتظاهر ـ العنبر ـ بالموت وارتمى فوق ـ الفتى ـ عبد الله المنعب الرشيد خوفاً من أن يقتله ابن طلال، وحينها قفز القاتل إلى صهوة حصانه، كما وثب خادمه ـ المهوّس ـ إلى ظهر فرسه وأخذا يغيران في سباق مع الريح نحو حائل ـ بغية الاستيلاء على الحكم.. لقد سمع بقية المرافقين أصوات الرصاص، لكنهم حاروا في أمرها، فالهدف ما يزال قائماً في مكانه لم يصب، وصعد الذعيت الريوة للتأكد وإذا به يرى عمه سعوداً ملقى وبجانبه سليمان العنبر، فأسرع الذعيت ليستفسر، فرفع سليمان العنبر رأسه وصاح فيه: (قتلوا عمك سعود، الحق ابن طلال واقتله.. اقتله). فلحق به، ووصل في نفس اللحظة مهدي أبو شرين، فأطلق الرصاص على إبن طلال وأصابه بقدمه فسقط من جواده، فأسرع عليه الذعيت وأجهز عليه، ووجه مهدي فوهة بندقيته إلى المهوس ـ مرافق بن طلال ـ فأرداه قتيلاً… واجتمع سليمان العنبر، والذعيت، ومهدي، ودرعان وسلمة الفريح، ومعهم ابن متعب وأتوا بسعود وبكوا عليه، فنهض سليمان وكان صاحب الكلمة فيهم وقال: ـ أترون البكاء مجدياً الآن؟. لقد قتلتم المجرمين المعتدين، فأنظروا في مستقبلنا ومستقبل حائل..

فقال الذعيت: ما رأيك أنت؟

قال سليمان: أخشى أن يكون عمل ابن طلال نتيجة مؤامرة خطيرة لقلب الحكم في حائل، فشقيقه محمد بن طلال بالبلد، ولعله احتل قصر الإمارة وأخذ البيعة، وأرى أن يمضي أحدكم إلى المدينة سراً ويكشف الأمر، فإن كان ابن طلال قد انتزع الحكم هربنا من وجهه بابن متعب، حتى إذا قوي ساعدنا إلى حائل لنسترد الإمارة، وإلا كفى الله المؤمنين شر القتال.. ووافق الجميع على رأي سليمان وانتدبوا الذعيت، ولبثوا مكانهم منتظرين يتدبرون الأمر حتى رجع إليهم وأخبرهم ألاّ شيء في البلد، والناس لا يعلمون عن الحادث شيئاً.

فرجعوا إلى حائل يشيعون جنازة القتيل، ونصبوا عبد الله بن متعب العبد العزيز الرشيد أميراً عليهم. وكان قتل سعود في سنة 1338 هـ (1920م).

عاش الفتى عبد الله المتعب وعمره (12 سنة) في مأساة الحكم الذي أخذ يسيّره العبيد، ورغم ذلك فان سيرة عبد الله ومظاهر حياته ونفسيته تشبه عمه سعود، وكان لين الجانب بالنسبة إلى أفراد آل رشيد وما فطروا عليه من الصرامة والعراك والقوة.

أشار عليه بعض المتنفذين بارسال رسالة إلى ابن سعود يخبره بما حدث، ويقترح عليه حقناً للدماء توقيع معاهدة بينه وبينه، ورغم أن مجرد أرسال رسالة من هذا النوع لخصمه تعتبر مظهر ضعف منه، إلا أن المتنفذين رأوا بهذه الرسالة إتاحة الفرصة له لتجميع جهوده المبعثرة.. فارتأى ابن سعود قبول الصلح، ليتسنى له هو الآخر إنجاز الطبخة، إنما بشروط مجحفة اشترطها على ابن رشيد لما زعمه أنه من أجل سلامة البلاد النجدية واستقلالها عن الأجانب أو المنتسبين إلى الأجانب وبغيرها لا يمكن القضاء على نفوذ كل أجنبي! والشروط كتبها جون فيلبي وهي:

1 ـ بقاء آل الرشيد في الحكم.

2 ـ استقلالهم التام في جميع الشؤون الداخلية المتعلقة بشمر وحائل فقط.

3 ـ عدم السماح لهم بمعاملة دولة أجنبية أو عقد معاهدة أو الاتصال بها بحال من الأحوال!

4 ـ أن يرجعوا إلى حكومة الرياض فيما يتعلق بالشؤون الخارجية جميعها.

5 ـ تتعهد حكومة الرياض ضمان سلامة حكومة حائل والقيام بالدفاع عنها إذا ما هوجمت من المعتدين!

ولكن. قصر الإمارة رأى في الشرط قيوداً وسدوداً تقيّد حائل وتقيد الحاضرين والقادمين من حكامها، وأقل ما يقال فيها انحطاط بكرامة من يقبل لها، لكونها الإقرار الواضح بالاستعمار السعودي الإنكليزي، وليست الشروط الثلاثة الأخيرة إلاّ قيوداً توضع في قدم حكومة حائل، فرفض القصر بكبرياء وصلف، وأجاب في لهجة قاسية: أن حريته في إدارة شؤون الحكومة والبلاد لن يتنازل عنها مثقال ذرة لأحد مهما كان، وسيدبر نفسه بنفسه، ويسير على النهج الذي يرتضيه والسياسة التي ترضيه. فأشار جون فيلبي الذي كتب تلك الشروط الآنفة الذكر، أشار بمهاجمة حائل، فجمع حوالي عشرة آلاف محارب، وتقدم هذا الجمع اسماً تحت قيادة عبد العزيز آل سعود، أما الحقيقة فانه تحت قيادة جون قيلبي، فسار بهذا العدد الضخم في الصحراء حتى وصل القصيم ونزل بها، وسيّر منها قوتين: إحداهما بقيادة محمد بن عبد الرحمن آل سعود، ووجهتها إلى حائل وأمره بمهاجمتها وتطويقها وحصارها وقطع كل اتصال لها بالمدن والقرى ليسهل عليه احتلال المدينة، والثانية أمر عليها ابنه سعوداً، وأمره أن يمضي إلى شمر ويتخير وقتاً ملائماً للهجوم غرة حتى لا يترك لها فرصة للتعبئة!.

أما عبد العزيز آل سعود فقد بقي ومعه مخططه ومستشاره جون قيلبي في القصيم بانتظار الغنيمة أو الهزيمة والهرب.. فمضى ابنه سعود إلى شمر يقاتلها، وزحف محمد بجيشه الكثيف وطوق حائلاً وحاصرها حصاراً شديداً، وسلط عليها النيران كقطع الليل من أفواء المدافق والبنادق وشاغلهم بها ليل نهار.. فاحتار الفتى عبد الله المتعب وجاء بعض المرجفين من الطابور الخامس في حائل إلى الأمير ابن متعب يطلبون إليه أن يعمل ما فيه خلاصهم!، ليبعث إلى ابن سعود يجيبه إلى ما طلب سابقاً ويعلمه قبول الصلح على الشروط التي اشترطها، وفشل عملاء آل سعود في حائل الذين كانوا قد كاتبوا ابن سعود ليقوم بحصار المدينة.

فشلوا في جعل عبد الله المتعب يرضخ لأوامر ابن سعود، وأخيراً استطاع هؤلاء اقناع عبد الله المتعب بإرسال كتاب لابن سعود يطلب الصلح، هنالك رأى ابن سعود أن ابن رشيد لم يرضخ لمطالبه إلا تحت تأثير الضغط، ومتى زال عاد يعلن العداء، فلم يقبل منه وخيره بين الحرب أو التسليم، فلا قيد ولا شرط.. فجمع الشعب في حائل وعرض عليهم الأمر فاختاروا الحرب ورفض التسليم بإباء، فبقيت الجيوش السعودية بقيادة محمد آل سعود محاصرة حائل، ثم توحدت القيادة العامة وأصبحت في يد سعود بن عبد العزيز بن سعود، وانتقل محمد إلى شقيقه عبد العزيز في القصيم، ورغم شدة الحصار والمجاعة، فقد صمم أهل حائل الأبطال على الدفاع والقتال حتى الموت، وعدم تسليم بلادهم للعدو ما دام فيهم نفس يتردد..

وطفق الأمير ابن متعب ينظم الأمور استعداداً للقتال، وفيما هو كذلك إذ قدم من الجوف ابن عمه محمد بن طلال، زاعماً أنه قادم إلى حائل للدفاع عنها وعن أمته ويشارك ابن عمه الجهاد، وأظهر له الود كما تظاهر أمامه بالخضوع والإستكانة، فأرجف المرجفون بعبد الله المتعب وقالوا له: إن قدوم ابن طلال إلى حائل في هذه الظروف لا يقصد منه إلا تولي الحكم، وسوف لن يوفر دمك، وسيفعل بك ما فعله أخوه عبد الله بن طلال، قاتل سعود بن عبد العزيز بن رشيد، فاحتاط للأمر ووضع الحراس من مماليكه الذين يثق بهم، لكن شبح ابن عمه يتراءى له في منامه فهو يريد قتله.. والعدو أمامه يحاصر المدينة، وابن عمه محمد بن طلال عدو آخر أشد فتكاً من الأول، لمعرفته المقتل ولن يخطئه عندما ينتهز غفلته فيقتله، أما العدو المحاصر فبينه وبينه شعب يقاتل وأسوار وأبراج لا يستطيع تخطيها. وأما ابن عمه فكيف السبيل إلى اتقائه وهو داخل المدينة ومنزله قرب منزله، وربما غافل الحراس وفتك به أو سلط عليه أناساً غيره. هكذا رأى من الأصلح أن يسجن ابن طلال، فسجنه إلا أن العبيد أطلقوه! وأحضروا كبار رجال حائل وقربوا ما بينه وبينه، وتعاهدوا على الدفاع عن البلاد، فمضى ابن طلال يجمع قبيلة شمر استعداداً للمعارك القادمة! فازدادت شكوك عبد الله المتعب بابن عمه محمد الطلال وكان وراء هذه الشكوك من يذكيها..

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:44 PM

اللجوء إلى العدو الحقيقي

غير أن عبد الله بن متعب رأى من الخير لنفسه أن يلتجئ إلى العدو الحقيقي (ابن سعود) ويسلم نفسه وحدها إليه، ويدع مدينة حائل إلى أهلها يحمونها ولا يسلمها براً بقسمه؛ إذ آلى على نفسه أنه لن يسلمها وفيه نفس يتردد وسيجد عند عدوه السلام والغنم إذا ذهب إليه طائعاً! أما إذا مكث في المدينة فلا بد أن يعتدي عليه ابن عمه ويقتله. هذا ما ظنه فحار في أمره، ولم يدر ما يصنع، فنادى سليمان العنبر، وخلا الاثنان ليلاً فقال ابن متعب:

ـ يا سليمان، الحال مثلما ترى وأنا بين عدوين فلا أستطيع قتل ابن عمي لمجرد الظن ولا أستطيع انتظاره حتى يقتلني!.. وأردف أبن متعب يقول: لقد انتقض بعض الناس علينا، وكتب بعضهم إلى ابن سعود، وأخش من ابن طلال، فما ترى؟ فرد عليه سليمان العنبر يقول: والله يا عم لو طلبت أن أخوض معك البحر لما تأخرت، فأفصح عن قصدك فأنا طوع بنانك!.

ويقال أن عبد الله المتعب قال للعنبر أرى أن تمضي إلى ابن سعود ونسلمه أنفسنا ونترك البلد ينعى من بناه.. فقال له العنبر: كما ترى!

ـ قال عبد الله المتعب:ـ أعد أمرك، فسنغادر المدينة في الفجر والملتقى في خارجها… فقال له العنبر:ـ كما ترى، وليوفقنا الله…

فمضى سليمان إلى داره كاسفاً مشغول الفكر ونادى ابنه "غاطي" وقال له:

يا بني سنمضي غداً إلى ابن سعود..

فأجاب غاطي: أتستشيرني يا أبي.

قال: لا إنما أخبرك بالأمر الذي نويناه على كل حال، فاستعد.

قال غاطي: والأمير؟!

فأجاب سليمان: معنا!.. فقال غاطي: صحيح؟!.

قال سليمان: نعم.. فتمتم غاطي.. ثم قال: الله يكتب الذي فيه خير!.

والتقى الأمير عبد الله المتعب وبعض رجاله وهم: درعان، والذعيت، وعبد الله آل بجاد، وصقيه (مملوك الأمير) بسليمان العنبر وابنه في الموعد فجراً، ومشوا يريدون ابن سعود، وكلهم يمشي على قدميه، وعلم أهل حائل في الضحى بأمر الهاربين فقرروا اللحاق بهم وردهم إلى المدينة، ولكنهم تركوهم أخيراً وكتبوا إلى محمد بن طلال الذي كان في البر يجمع قبيلة شمر لقتال ابن سعود، فتوجه أبن طلال إلى حائل ودخلها وتولى الإمارة وقد سعت إليه من نفسها.

لم يكن مع الهاربين زاد ولا ماء، فاشتد بهم العطش وأظلم الطريق، والشائع أن هناك خطة سعودية لتهريب أمير حائل عبد الله المتعب، ويقود هذه الخطة سليمان العنبر، وأنهم ركبوا الإبل من حائل حتى وصلوا مخيم آل سعود، لكن هناك حكاية يرويها آل سعود وقد نشرها أحمد عطار في كتابه، "صقر الجزيرة" الذي طبعه على نفقة الملك عبد العزيز آل سعود، تقول هذه الرواية السعودية (أنه حينما اشتد العطش بعبد الله المتعب وصحبه، قال أحدهم ـ وكان يعرف هذه الأماكن ـ إن هنا بئر خلف تلك التلول، فمشوا حتى أتوا ووجدوا عليها بدواً كثيراً من جيوش ابن سعودي يسقون، وسألهم عن مقر "أميرهم" فدلهم أحدهم عليه وما كانوا يعلمون أن هؤلاء آل الرشيد وأشياعهم، ولو علموا لفتكوا بهم، فهؤلاء بدو أجلاف غلاظ دأبهم الفتك والضراوة، وأهون ما عليهم سفك الدم.. واستقبلهم الأمير خير استقبال وأنزلهم في خير موضع، وبعث إلى الأمير آل سعود بن عبد العزيز السعود وكان القائد العام للجيوش السعودية يبشره بوصول ابن متعب ورجاله فبعث إليه أن أكرمهم وبلغهم التحية، فإن رغبوا السعي إليه من توهم فليركبهم وإلا فليأخذ رأيهم، وألا يقصر في إرضائهم وتكريمهم..

ورأى ابن متعب ومن معه أن يبيتوا ليلتهم بموضعهم، فهم في حالة لغوب وتعب وقرروا أن يمضوا إلى سعود صباحاً.. وزادت ضجة البدو واجتمعوا حول خيمة آل الرشيد يرددون صيحات الضراوة يريدون أن يفتكوا بهم، فخرج إليهم أميرهم ووبخهم وطردهم وأفهمهم أنهم "مسلمون" يوحدو الله، وأنهم أصبحوا صبيان التوحيد، اخوان من أطاع الله ودخلوا في طاعة ابن سعود!) هكذا تقول رواية آل سعود الأشرار في كتاب العطار… اخوان من أطاع الله!!.

ومضوا من الفجر إلى الأمير سعود بن آل سعود، وكان نازلاً بقعاء فاستقبلهم استقبالاً فخماً، وبعد أن أقاموا أياماً رجع بهم سعود كأسرى إلى الرياض، واستقبلهم والده.. والحقيقة أن آل سعود قد استفادوا من تهريب عبد الله المتعب، فأخذوا معلومات كافية عن الأوضاع في حائل خدمتهم.. إلا أن محمد الطلال أخذ يقاوم ابن سعود، وينقل العطار عن ابن سعود قوله: (والحق أن محمد بن طلال كان حازماً قوياً بعيد المرمى، شجاعاً مقداماً شديد الأيد والصلابة، فيه صفات من عبد العزيز بن متعب بن رشيد القتيل بروضة مهنا، وليس في أمراء آل الرشيد الذين جلسوا على دست الحكم من يشبه هذين الأميرين في الشجاعة والقوة النفسية والبطولة ـ وهما عبد العزيز المتعب الرشيد ومحمد الطلال آل رشيد ـ وكان محمد بن طلال أعقل وأحصف، ولكن:

ما حيلة الرامي إذا التقت العدى وأراد رمي السهم فانقطع الوتر!

هكذا كان الحال مع ابن طلال، فقد تولى محمد بن طلال والأمر مدبر جد الإدبار، والبناء واهي الأساس محطوم الجدار، ولا يطيق الثقل الذي عليه، ولا يستطيع تداركه قبل الإنهيار، ويحتاج إلى زمن طويل لإعادة البناء كما كان، وخصمه لا يعطيه الفرصة ولا يمكنه من البناء.. وبالرغم من كل هذا فلم يفت في عضد محمد بن طلال بل وقف يدافع عن إمارته بكل ما وهب من قوة وجلد حتى أخذ. ولو تولى الامر والحال هادئ والبلاد منظمة لكان لها شأن كبير في الانشاء والتجديد).. ومع ذلك فان شمر وأهل حائل استطاعوا بالقيادة الصلبة لمحمد الطلال اكتساح الجنود السعوديين بعيداً وهزيمتهم وبادر إلى تجنيد الجيش وقاد جحفلاً عظيماً يسترد بعض ما اقتطع من بلاده ويؤدب الخونة، ووضع عصا الترحال في الجثامية ـ وهي على بعد 40 كم من حائل ـ ونزلها بجيشه وعسكر بها يتجهز من جديد لحرب جديدة مع آل سعود.

ولقد ترامت أنباؤه إلى ابن سعود فبعث فيصل الدويش، أحد شجعان العرب الأشداء، على رأس سرية قوية ليحارب حتى يأتيه بنفسه على رأس جنده!

ومضى فيصل والتقى يا بن طلال في الجثمانية، وتقاتلا قتالاً شديداً لم ينتصر فيه فريق على الآخر وتعادلت كفتا الخصمين واستمرت المناوشات مدة.

وعلى حين فجأة لم يشعر فيصل الدويش إلاّ بابن طلال ينسحب إلى النيصية يتحصن بها ولم يكن إنسحابه عن هزيمة، إنما فكر في الأمر دقيقاً فوجد أن التحصن أجدر به، فقد أنبأته عيونه أن جيشاً قادم من الرياض يتجه صوب الشمال وعليه عبد العزيز نفسه وبرسي كوكس وجون فيلبي فخشي أن يقف سداً بينه وبين عاصمته ويقطع عليه خط الرجعة إليها. إلا أن ابن سعود فاجأ ابن طلال في أول المحرم سنة 1340هـ بأسلحة انكليزية هائلة وجنود من البدو والحضر قوامهم / 30000 / مقاتل، واضطر ابن طلال من أجل ذلك إلى التقهقر والتحصن بجبل" أجا" ثم التراجع إلى حائل، في حين أن ابن سعود تقدم بجيشه وحاصر حائلاً وضواحيها وحصونها الخارجية ووحد القيادة تحت أمرة السير برسي كوكس الذي كان يقود (جيش الأخوان) بنفسه، يرافقه جون فيلبي وعدد من ضباط الإنكليز، وأصدر "تعليماته" إلى قواد الجيش بتطويق حائل من جميع جهاتها، وقطع الطرق عنها لئلا تتلقى المدد من الميرة والذخيرة، فيسهل الإستيلاء عليها نهائياً تحت تأثير هذا الضغط الشديد والتجويع..

فركز جون فيلبي مدافع على تل مرتفع تخويفاً، وأخذ يطلق قذائفها على السور أحياناً، ثم رتب قواته وجهزها ليهاجم البلدة هجوماً عنيفاً، وأحاط جميع جوانبها بالمدافع لهدم السور وضرب المدينة، وبدا الذين كانوا يراسلون ابن سعود ممن كانوا يسمون أنفسهم "أكابر الجماعة" بدأوا يرجفون في المدينة، وذهبوا إلى ابن طلال يشرحون له الأمر. ملمحين إليه بالتنازل لابن سعود!. فلم يرض أن يتنازل لخصمه، وأصر على الكفاح، فاشتد غضب العملاء عليه حين رأوا إصراره ونفروا منه ولكن لا حول لهم ولا قوة، وقد أمر البطل باعتقال بعضهم، وقبض على الأمر بيد من حديد، وأخذ يقاتل مع الشعب.

والحقيقة أن حصار حائل قد كشف للإخوان "البدو" كذب الدعاية الإنكليزية السعودية التي تقول ان (شمر وأهل حائل كفرة لا يؤمنون بالله!)، وذلك حينما رأى البدو المآذن، وسمعوا أصوات المؤذنين يرددون نداء الصلاة (الله أكبر الله أكبر)، فثاروا على ابن سعود والسير برسي كوكس وفيلبي، لكنهم وعدوهم بالانتظار يومين فقط! لأن أصحابهم في داخل حائل وعدوا بإدخالهم دون معرفة أبن طلال وأهل البلاد..

ويقول أحمد عبد الغفور عطار في كتابه السعودي (صقر الجزيرة) الذي أخذ عبد العزيز آل سعود يمليه عليه طيلة سنة يقعد ـ العطار ـ تحت قدمي الملك ليدون ما يقوله، يقول في الصفحة 327 (ولقد حاول السيربرسي كوكس أثناء حصار حائل التوسط بين ابن طلال وابن سعود، لكن ابن طلال رفض وساطة السير برسي كوكس في الصلح بينهما) وصمم ابن طلال على مقاومة آل سعود والإنكليز، وقال لبرسي كوكس (أيها الانكليز إنكم تكفروننا وأنتم كفرة.. ولولا سلاحكم وقيادتكم فلن يصل عبيدكم آل سعود إلى حدود حائل.. إننا إذا سلمنا من الخونة في الداخل، فسننجح في هزيمتكم أو نموت بكرامة).

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:46 PM

والخونة الذين يقصدهم ابن طلال، هم الذين كانوا يراسلون الإنكليز وابن سعود، وهم الذين اقتادوا جيوش ابن سعود والإنكليز من النيصية إلى الوسيطاء بين جبل طي وحائل غرباً ليسهل دخوله من الجبهة الغربية الجنوبية.. ومرة أخرى، تقدم عدد من "كبار الجماعة" وفي مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر ونصحوا ابن طلال (بأن ينقذ نفسه وعاصمته ورعيته من البلاء المحدق وأن يستسلم ويسلم البلاد لآل سعود).. فرفض البطل محمد الطلال بكل شهامة ـ رغم كل الظروف ـ رفض أن يستسلم!.. فخرج إبراهيم السالم وحمد الشويعر وعدد آخر سيأتي ذكرهم ممن كانوا على صلة قديمة مع ابن سعود (وكان يعدهم ويمنيهم ويغريهم بتسليمهم حكم البلاد وأكبر المناصب في سلطنته بعد سقوط حائل بيده) خرج إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر ومن معهما من عند ابن طلال وكتبوا رسالة لعبد العزيز آل سعود يقولان فيها: (ان ابن طلال في حالة نفسية غريبة لا يجدي معها التفاهم، وهو عازم على قتالك ومعه من يفضلون الموت على دخولك للبلاد، وفي حال نجاحه وفشلك سوف يكون مصيرنا الموت.. سيقتلنا لأنه اكتشفنا جميعاً إننا معك وهو يعد الآن سيفه لرقابنا، وما عليكم إلا أن ترسلوا لنا قوة من جهة الزبارة(2) لتنطق من هذا المكان لفتح حائل واستلامها)..

وما أن استلم عبد العزيز آل سعود رسالة إبراهيم السالم وحمد الشويعر المرسلة له مع عبيد المسلماني، وهو يقيم في الوسيطا وأطلع عليها برسي كوكس وجون فيلبي وبقية "الخبراء" العرب، حتى أقروا إرسال قوة مكوّنة من ألفي رجل تحت قيادة عبد العزيز بن تركي وسعود الكبير ـ ابن عم أبن سعود ـ وسلطان بن بجاد. فاستقبلها مندوبون عن إبراهيم السالم وحمد الشويعر في الزبارة لتتسلل داخل مدينة حائل، فتحدث بتسللها الضغط الأخير على ابن طلال..

وفي هذا الاثناء تقدم عبد العزيز بن ابراهيم ـ وهو عميل سعودي اشتهر بالإجرام ـ وكان يظهر الصداقة لابن طلال بينما هو يعمل لحساب آل سعود، تقدم "ينصح" ابن طلال بالإستسلام، فدار بينهما نقاش حاد انتهى بإقناع ابن طلال ـ كما يزعم ابن إبراهيم ـ بقوله (قال لي ابن طلال اكتب خطاباً إلى ابن سعود بما تريد وأنا أوقعه).. ويقول العميل ابن إبراهيم ـ (انني قلت لابن طلال:ـ ومع من تبعث بالخطاب؟.. فقال: معك)ـ فقال ابن إبراهيم ـ (قلت له ان كنت أنا الرسول فلا حاجة إلى الخطاب!. إنما أعطني خاتمك المنقوش عليه اسمك ليكون شاهداً على التفويض فأعطاني الخاتم، ونصحته بأن يثبت على كلامه وأن لا يستسلم "للمفسدين" الذين يريدون حرب ابن سعود!).. وفي الحال غادره ابن ابراهيم ليقابل الطابور الثاني إبراهيم السالم وحمد الشويعر فأخبرهما فاستبشرا!!.. ومن ثم تحرك ابن ابراهيم لمقابلة عبد العزيز آل سعود والسير برسي كوكس وجون فيلبي في ضاحية حائل بالوسيطا، فعرض عليهم خاتم ابن طلال، ووافق عبد العزيز آل سعود وكوكس وفيلبي على شروط ابن طلال وقد اتفقت هذه الشروط مع ما سبق أن اتفق عليه عبد العزيز آل سعود والذين راسلوه من "الوجهاء" وفي مقدمتهم إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر وهي كما يلي:

1 ـ أن لا يولى على حائل أحد من غير أهل حائل يعرفونه ويرتضونه، ويكون لهم الخيار باستبداله بغيره حينما يرون منه ما يوجب تغييره.

2 ـ أن لا يخرج الحاكم عن حدود الشريعة السمحاء.

3 ـ أن يقوم أهل البلد بتشكيل مجلس شورى من أعيان البلد.

4 ت أن لا تصار أراضي حائل وشمر والرعية للأسرة السعودية أو لأي فرد من أتباعها.

5 ـ أن لا يحدث أي سوء لمحمد الطلال وجميع أفراد أسرته وأصحابه وأهل حائل وشمر كافة أفراد رعيته وأتباعه ـ والمماليك ـ وكل خصم أو صديق في معيتهم وكل محارب وغير محارب، وأن يترك ما مضى وألا يلتفت إلى الوراء، وأن يعيش أبن طلال وأسرته بعد استسلامهم معززين مكرمين وفي حالة يرضونها.فنقل عبد العزيز بن إبراهيم ومعه عبد العزيز بن مساعد الجلوي هذه الإتفاقية الموقعة من عبد العزيز آل سعود، إلى محمد الطلال، وإلى ابراهيم السالم، وحمد الشويعر، وجمعوا جمعاً كبيراً من الناس وقرأوها عليهم للتهدئة.. وبعد هذا سلم ابن طلال نفسه وأسرته إلى ابن مساعد واتجه بهم إلى حيث يقيم عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي، وجموع حراسه وجنوده الذين قالوا: (انهم كانوا يتوقعون الفشل في دخول حائل لو لم يمكنهم من الدخول جماعة من أهل حائل وفي مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر)..

وفي رأيي: انه لا إبراهيم السالم ولا حمد الشويعر ولا غيرهما يتسطيع منع انهيار حكم حائل، فالحكم بطبيعته قد انهار، وحينما ينهار أي جسم من الاجسام فلا محالة من أن يأكله الدود أو آل سعود واليهود..


تحفز آل سعود (وصحابتهم) لدخلو حائل


وبدأ عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي وقادة "الإخوان" يتحفزون للدخول إلى حائل، والخوف والترقب ظاهر على وجوههم، لأنهم حتى ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن كل ما جرى مجرد خدعة من ابن طلال للإيقاع بهم. وقال ناصر الدوخي أحد المقاتلين مع ابن سعود: (لقد كنا نستعد للرحيل عن ضواحي حائل، وان عبد العزيز بن سعود كان يتوقع تطويقه، ولو أن هناك مقاومة حدثت في اليومين السابقين لدخول ابن سعود إلى حائل لهربنا، لكن جميع "المناظر" مراكز الحراسة والدفاع عن حائل، قطعت عنها المؤن والذخيرة من الداخل، واستدعي كل من فيها من قبل الذين كانوا يتعاملون مع ابن سعود في حائل).. ويقول فهد المشاري أحد المسؤولين عن مراكز الحراسة في حائل: (لقد خلصت ذخيرتي وجماعتي فطلب مني إبراهيم السالم السبهان ـ بصفته المسؤول عنا ـ التوجه إلى مدينة حائل ومقابلته لاستلام ذخيرة، وحينما دخلت بيته وجدت ـ سعود العرافة آل سعود ـ في بيته، فقلت هذه خيانة كبرى: كيف تدخلون سعود العرافة، في حائل ونحن ما زلنا نقاتل هؤلاء الأعداء؟. فقال: "إنها ليست خيانة انها حقن دماء"! قلت: والله لو أن في بطن بندقيتي "أم خمس" رصاص، لأفرغته في رؤوسكم، ولكن لا شيء فيها!..).. قد تكون غلطة من هؤلاء لا خيانة، وان ما فعلوه في مراسلة ابن سعود ما هو إلا مجرد "اجتهاد منهم" وانها ليست خيانة في نظرهم، لكن الخيانة وليدة الأخطاء، وخطأ واحد يمهد الطريق إلى خيانة كبرى، خاصة فيما يتعلق بمصائر الأوطان..

الهوامش:

1 ـ لا يفوتني أن أسجّل بكل تقدير للشيخ حمود الحسين مواقفه الوطنية الكثيرة وخاصة عام 1962 في سبيل بلاده ضد جرائم جزّار حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي الذي قاطعه الشعب مراراً طالباً ابعاده.. ناصر.

2 ـ الزبارة، نخيل يقع في جنوب حائل يملك القسم الأكبر منه ابراهيم السالم وقد أطلق عليه اسم جيله، وهناك قسم من النخيل يملكه الشويعر وهو محاذ للزبارة. وفي هذه الأماكن عسكر جنود ابن السعود باتفاق مع المترفين أو ما يعرف باسم البرجوازية الآن.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:50 PM

الفصل الثاني



ناصر السعيد يتحدث عن نفسه وثورات شعبه

ودخل ابن سعود "وصحابته" برسي كوكس وجون فيلبي وقد لبسوا "العبي العربية.. وأسدل الستار السعودي على ـ حائل ـ، وكانت أوخم "دخلة" لنهاية كفاح دام مئات السنين، وكانت بداية احتلال في يوم مشؤوم هو يوم 29 صفر 1340هـ الموافق 2 نوفمبر 1922م. وقد ولدت بعد الاحتلال بعام واحد، ونظر لي أهلي كما ينظرون أهل حائل "لمواليد السقوط" سقوط حائل.. نظرة عدم استحسان، وكأنهم يريدون أن لا تلد بطون النساء أحداً بعد سقوط حائل بيد الأعداء!.


مواليد السقوط


مواليد السقوط
ولذلك نرى الشيوخ من أهالي حائل يؤرخون مواليد ما قبل هذا اليوم المشؤوم "يوم سقوط حائل" بيوم السقوط، وما قبل السقوط، وما بعد السقوط، فالذين ولدوا ما قبل سقوط حائل ينظر لهم نظرة استحسان وهم الذين كان لهم شرف الدفاع اللهم إلا أولئك الذين تعاملوا مع ابن سعود".. أما الذين ولدوا بعد السقوط فهم في نظر الشيوخ أقل شأناً مهما يجب… وعندما يعيب الشيوخ أي عمل أو قول من أعمال أو أقوال الشباب فانه يزدرونه بقولهم (أو.. لا يلام هذا الفتى لأنه من مواليد السقوط)!، أي أنه لم يقدم لموطنه شيئاً من التضحيات ولا غرابة منه إذً أن يقول أو يفعل ما لا يرضى عنه!!.. كما نرى أن كبار السن من أهالي حائل يتشاءمون من شهر (صفر) من بدايته إلى نهايته لكونه شهر الإحتلال السعودي.. وكانت جدتي (حسنا السعيد) تجمع معظم نساء حيّنا يوم كل خميس، وخاصة النساء اللاتي قتل آل سعود أولادهن وذويهن، وتلقي فيهن محاضرات، أذكر منها قولها: (أنحس الاشهر الملعونة هو شهر صفر، في هذا الشهر تقوم القيامة ويفنى العالم في هذا الشهر!.. في هذا الشهر سالت الدماء غزيرة من أهلنا وأحباب قلوبنا.. في هذا الشهر تولى بلادنا اليهود آل سعود!).. ثم تختتم جدتي كل محاضرة من محاضراتها مهما اختلفت بدعوة النساء إلى رفع أيديهن إلى السماء والدعاء على آل سعود بالدعاء التالي: (اللهم انصرنا على اليهود آل سعود.. اللهم لا تجعلنا نموت قبل أن نرى يوم ذهابهم آمين يا رب العالمين!..).. وهناك عماتي ـ رقية وسلمي ولطفية ـ وقد قتل آل سعود اخوتهن: عبد الله وسليمان وعيسى السعيد في معركة النيصية، فلا تقل احداهن شأناً "في الدعاء" وإثارة الناس ضد آل سعود!.

وأول مرة دخلت السجن السعودي كنت مع جدتي وعمري سبع سنوات ووقتها كنت أتأثر بكل ما تقوله جدتي من حكايات عن جرائم آل سعود، وكانت جدتي جريئة في مقارعة خدم الحكم السعودي، وكانت جرأتها وثباتها على المبدأ في مقارعة خدم الحكم السعودي، وكانت جرأتها وثباتها على المبدأ في مقارعة الرجعية أكثر بكثير من معظم الرجال.. فلا زلت أذكر ما فعلته جدتي بخادم الملك عبد العزيز آل سعود، رغم كونها تحت حكمه وفي اوج جبروته، وكان عمري لا يتجاوز سن السابعة ـ حسب ظني(1) ـ، حينما طرق بابنا بشدة دلت على أن الطارق من خدم "الشيوخ" ـ أي الحكومة ـ. فلخدم الحكومة طرقات يعرفون بها تحدث من صوتها الرعب للناس، وتدل على فظاظة الحكم وعنجهيته، ومن تلك الطرقات عرفت جدتي أن الطاق هو خادم "الحكومة" لكنها لم تشأ قطع صلاتها، فتلك الصلاة كانت زائدة عن الصلوات الخمس مخصصة للدعاء بزوال حكم آل سعود، وصب جام اللعنات ضدهم أثناء الصلاة.

ولم تستعجل جدتي بل أنهت صلاة (الدعاء) المعتادة تلك، وكان الباب لا زال يقرع بشدة، ففتحت الباب وإذا بها أمام وجه (ابن مصيبح) خادم الملك، بيده السيف وباليد الأخرى زنبيل (قفة) يحتوي على قرابة الخمس كيلات من القمح "تصدق" الملك عبد العزيز علينا، كما تصدق بمثلها لغيرها بمناسبة زيارته "المقدسة" لحائل..

وقدم الخادم تلك القفة لجدتي بسخرية قال فيها (لماذا لا تفتحي الباب؟..)، قالت (انني أصلي).. قال الخادم (لماذا هذه الصلاة والوقت ليس وقت صلاة؟!) قلت جدتي هي صلاة الضحى، وهي مخصصة للدعاء عليكم وعلى حكمكم بالزوال، الذي قاتلنا بتهمة "أننا كفرة مشركين ولا نعرف الصلاة"، والآن تمنعنا عن الصلاة!). فرد الخادم وقال: (لولا أن عمرك أكثر من ستين سنة كنت قطعت رأسك!).. قالت جدتي: (يا كلب اليهود.. ايش تبغي الآن؟!).. قال الخادم بغضب شديد: (خذي هذه الصدقة من طويل العمر، وادعي له بالف وطول العمر، بدل ما تدعي عليه وهو الذي ما نسي أحداً فيكم رغم أنكم أعداء الله ورسوله!).. قالت جدتي بسخرية غاضبة: (طويل عمر!. أدعي لطويل العمر؟!.. وما زلنا أعداء الله ورسوله؟ ـ)، ثم تراجعت جدتي إلى الوراء قليلاً وأمسكت بعروتي القفة وفتلتها، وأومأت بها بشدة وسرعة وقذفت بها وجه (ابن مصيبح) خادم الاحتلال السعودي، فضربته ضربة جعلت خادم "الشيوخ" يدور حول نفسه ويسقط سيفه على الأرض. وكانت تلك الضربة قوية رغم كبر سن جدتي، فتطاير القمح بحيث لم تلتق حبة واختها في نفس الطريق!.

بهت الخادم من تلك المفاجأة غير المتوقعة من تلك العجوز التي لم تكتف "بالدعاء" والضرب بل مسكت بسيفه لتضربه به، لو لم يستخلصه منها وهي تصرخ ممسكة بثيابه تمزقها وتصب جام لعناتها المتواصلة عليه وعلى سيده الملك عبد العزيز ووكيله في حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي، متسائلة بعد ذلك بقولها: (هل تريد يا خادم الظلم مني أخذ هذا القمح كصدقة من سارق كبير؟. أم أخذه كدية لدماء عبد الله العيسى وعيسى السعيد وابني الذي قطعتم رجله في معركة النيصية، مع بقية الأهل والجيران، وأبناء بلادي الذين قتلتموهم بتهمة الكفر والالحاد لأنهم دافعوا عن الوطن؟ أم آخذها كفدية لإحتلالكم الوسخ للوطن؟.. اذهب فما زالت دماء الآلاف في النيصية والجثامية والوقيد والصفيح وسلمى وأجا باقية لم تنس تلعنكم، اذهب وقل لسيدك الطاغوت عبد العزيز ان حسناء ورقية وسلمى وبقية عجائز حائل ونساء حائل، أكثر ذاكرة من بعض الرجال الذين باعوا وطنهم بينما استمات رجالنا دفاعاً عنه وماتوا دونه)..

قال لها الخادم: (ألا تخافي من عقبى كلامك هذا؟)، فازدادت حنقاً وهي تهتف باصقة بوجهه: (ماذا بقي لنا حتى نخافكم يا مجرمين؟ رح راحت روحك وروح من أرسلك يا عبيد جون كوكس) تقصد (جون فيلبي وبرسي كوكس).. ثم أطبقت الباب بوجهه.. وبعد ساعتين من ذهاب خادم الإحتلال السعودي، عاد ومعه خمسة خدم أجلاف مثله، فاقتادوا جدتي وأنا معها إلى قصر أبن مساعد حيث أمطرها بأقصى المسبات. ثم أمر بسحبها وأنا معها، فدخلنا السجن وهو عبارة عن غرفة نتنة قذرة فيها (حطبة) مصيدة توضع بها أقدام السجناء، إلا أنه في المساء أفرج عنا بواسطة بعض الجماعة، ثم أعادونا مرة ثانية إلى أبن مساعد ليودعنا بلعناته القذرة وتهديداته لجدتي، حيث اتهمنا هذه المرة بتهمة خطيرة وهي (تحريض الله سبحانه وتعالى على ولاة الأمور الصالحين!).

فردت جدتي عليه بقولها: (ان لعناتك ترجع عليك.. ونحن ندرك أنكم تملكون الموت والحياة، لكنه لا فرق بين الموت والحياة عندنا فالموت أفضل لنا من وجوهكم بعد ما حل بنا ـ بعد ذهاب أعز أهالينا.. وأنا العجوز لا أملك غير دعوات رب العالمين بزوالكم).. فدفعها الخدم وأنا معها من الدرج، وذهبنا حتى وصلنا بيتنا فوجدناه مليء بالرجال والنسا ينتظرون عودتنا بالإكبار والتقدير.. وكانت كلماتها تلك دروسي الأولى لمقاومة آل سعود، فتطورت تلك الدروس إلى وعي أشمل لمشاكل الشعب كله والوطن وآلامه والإنسانية التي لا ننفصل عنها.

ومن يتلقى أول دروسه من امرأة لن ينساها، خاصة إن كانت تلك المرأة أماً أو جدة، فللأم والجدة من قوة التأثير ما ليس للمعلم.. والام والجدة أن صلحتا صلح النسل وإن فسدتا فسد النسل.. ومواقف جدتي تلك التي كانت أشرف من مواقف جامعة الدول العربية في محاربة الرجعية والاستعمار، تذكرني بما قرأته عن الشعب الأسبرطي الذي عاش قبل ميلاد السيد المسيح وكانت له بطولات عظيمة مدهشة، ولم يكن خلف تلك العظمة والبطولات غير النساء.. كان وراء تلك البطولات تربية (أمهات) أولائك الرجال، وقوة تأثيرهن في تلك الأمة.. مما دفع حكامهم حينما عرفوا ما للأم من قوة تأثير إلى سن ذلك القانون الفريد من نوعه حيث نص القانون على (أن كل مرتكب ذنب لا يعاقب. بل تعاقب والدته)، إلى حد أن نصّ هذا القانون: (على جلب والدة المذنب إلى الساحة العامة للمدينة وجلدها أمام الناس جزاء لسوء تربيتها لابنها أو ابنتها)، مما زاد حرص كل أم مهملة لتحسين تربية أطفالها وجعل كل ـ أبن أمرأة ـ يحسب ألف حساب لتمتدح أمه ولكيلا تجلد أمام ـ أم خطيبته ـ وحبيبته وأصحابه فيسجل التاريخ عار أمه التي تساهلت في تربية ابنها وطنياً فتساهل هو في حقوق شعبه وأمته. وبذلك أصبح الجميع أبطالاً..

لا شك أن في ذلك القانون من الاجحاف ما يتنافى وعصرنا هذا فيما لو أراد أي حاكم تطبيقه، على أن ما أتمناه هو أن تكون هنالك قوة شعبية تتمكن من تطبيق هذا القانون بأمهات الحكام العرب، لعلنا نجد منهم من لا يهادن الرجعية، كما لم تهادنها جدتي التي كانت أكثر شجاعة من معظم الحكام، حيث لم تهادن جدتي الرجعية ولو مرة، ولم تقبل من الرجعية أي عون، ورغم تأييدي لنظريات جدتي في آل سعود وفي معظم الحكام، إلا أنني لا أؤيد ظنها بأن ما وقع في حائل وقراها من مجارز سعودية يقع لسواها.. فما من منطقة في بلادنا قد نجت من مظالم الطغيان. وهناك مظالم ومجازر سعودية أخرى ارتكبها حكم الطغيان في أماكن أخرى كثيرة من الجزيرة العربية، إلا أن ما وقع في حائل شيء رهيب يحتاج وحده إلى كتب كثيرة، وما نكتبه الآن ما هو إلا أمثلة تذكرنا بسقوط حائل، وتذكرنا بمظالم آل سعود في حائل، وتذكرنا بمشاريع آل سعود في حائل!، تلك المشاريع "العظيمة" التي قد أولاها آل سعود بالغ اهتمامهم تمشياً بوصية والدهم في السلب والنهب والقتل، ووالدهم عبد العزيز هو صاحب مشروع (أخذناها بالسيف) بل صاحب أول مشروع طبقه في أول يوم لسقوط حائل حيث لم يخلو بيت من البيوت إلا وفقد منه ستة أشخاص أو ثلاثة أو واحد على الأقل..


حينما دخل عبد العزيز وكوكس وفيلبي حائل


في اليوم الذي دخل فيه عبد العزيز آل سعود "وصحابته" حائل تقدم عبد العزيز آل سعود المنحلّ "بمشروع حيوي جداً!!".. فما هذا المشروع؟.. المشروع كان زواجه ـ اكراهاً وشبيه بالاكراه ـ بمجموعة من النساء من ضمنها بعض نساء آل رشيد، وبالطريقة السعودية المعروفة.. وهي الاغتصاب باسم الكتاب والسنة!، تعبيراً عن فرحته في يوم كان كله حزن ومصيبة بسقوط القتلى، وسقوط الوطن وسقوط الكرامة، وكانت تلك أول صدمة لمن تآمروا مع ابن سعود وأحلوه في حائل خلسة وغدراً. لكن واحدة من النساء التي أراد اغتصابهن لم تتحمل أن يوجه لها هذا الحيوان السعودي المتوحش تلك الاهانة، ولم تقبل بمرور لحظات سروره الماجن دون الثأر لكرامتها وكرامة شعبها ولو بأي طريقة من الطرق وحسب المستطاع.. فزفّت إليه العروس اغتصاباً، وكانت قد أخفت مخرزاً بيدها، وما أن حاول الحيوان السعودي الاقتراب منها حتى أغمدت مخرزها في عينه وهي تصرخ: "لن تقرب مني أيها الملعون".. وهكذا فقد عبد العزيز آل سعود عينه.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:54 PM

فلسطين في عيني!

وهي العين التي أشار باصبعه عليها عندما جاءه وفد فلسطين عام 1947 طالباً قطع البترول عن الغرب والصهاينة للضغط على أمريكا!، وقال عبد العزيز قولته المشهورة (انني أحافظ على فلسطين في عيني.. ولن تضيع فلسطين إلاّ إذا ضاعت عيني هذه!) وضاعت فلسطين كما ضاعت عين عبد العزيز.. وعندما قيل لعبد العزيز بعد ضياع فلسطين، لقد ضاعت فلسطين التي تعهدتها بعينك، قال: لن أكون أول من أضاع فلسطين ولا آخرهم.. أما عن المرأة الشمرية التي أضاعت عين الطاغية عبد العزيز، فلم يجرؤ هذا الطاغية على أن يمسسها بسوء لشعوره بالذنب والجريمة ولخشيته من تسرب الخبر. وقد اعتبرها إهانة له في هذا اليوم "من امرأة عربية شمرية" أرادت الأخذ بثأر رجالها عندما خانهم بعض الرجال بقصد ساذج أو خبيث، بل أشاع هذا الطاغية ان ما حدث لعينه لم يكن إلا (نظرة من عين حسود أصابته بعينه لهذا الإنتصار!!)، فسرح المرأة فوراً ولا أقول طلقها لأنه ليس بينه وبينها عقد زواج كما هو الحال في كل زيجات آل سعود (ألا يجوز أن يقال أنهم بهذا اولاد زنا؟)..

أما عن أهمية سقوط حائل بيد الاحتلال الانكلو سعودي، فقد قال السير برسي كوكس (لقد انتهى عهد الرعب وشغلنا الشاغل، انتهت حائل وقبائل اسمها شمر لم نحس قبل سقوطها بالإطمئنان.. حقاً لقد كان عبد العزيز المتعب الرشيد مستهتراً حينما قال له بعض أصدقائه بعد أن استولى ابن سعود على القصيم: دعنا نقاتل ابن سعود ونهاجمه فنحن قوة وابن سعود لا زال ضعيفاً قبل أن يمده الإنكليز ويصبح في عيونهم شيئاً. فكان رد عبد العزيز ابن رشيد ساخراً من الناصحين بقوله ـ ابن سعود رنب مجحره ـ ابن سعود لا يمكن أن يفلت من يدي أي ان ابن سعود أرنب في جحرها، وما دامت الارنب في جحرها، فهي مضمونة للصياد وسأصطادها متى شئت!.. وكان قد اصطاده ابن سعود)..


بعض الاسماء من آلاف الشهداء



وها هي الآن أسماء بعض الآلاف الذين استشهدوا في مجازر النيصيّة والجثمانية والصفيح والوقيد وضواحي حائل وسهالها، وراحوا ضحية الواجب الوطني والغدر الإنكليزي السعودي الآثم، ومنهم: الشهيد فهد سليمان العيسى، والشهيد فهد العبده، والشهيد صالح العيد، والشهيد عبد الله العيسى السعيد، وعيسى العيسى السعيد (رصاصة حطمت فخذه وتوفي منها فيما بعد بالعراق)، والشهيد حمد العلي السعيد، وسليمان السعيد، وعنبر العنبر، وسليمان النودلي، ومجول العيد الزويميل، وشائغ الملق وعبده الفائز، ودعسان الهمزاني، وسعود المطيلق، ومرجان بلال المرجان (أشعلوا فيه النار هو وسبعين شخصاً معه)، وصالح الضبعان (ورفاقه ثلاثون شخصاً مثلوا بهم) ومهدي البلال، (والعودي وأولاده ـ وجماعته وعددهم 47 شهيداً جمعوه وأحرقوهم بالنار)، والشهداء دعيع وطاهر، ومهدي أبو شرين، وسلامة وشقيقه ناصر العنبر، وجابر الشعلان، وحماد الشعلان، وعثمان المشاري، ومسفر المتعب، ومنديل المهوس، وفهيد المنيع، وفالح الحيص،وعامر وغانم الكوش، ومرشد المسلط، وعبد المحسن الشومر (وجماعته مائة وستون أحرقوهم بالنار أحياء) وإبراهيم العريفي (ومائتان وثلاثة وأربعون معه قتلوهم وسرقوا ثيابهم وأحرقوهم). هؤلاء ممن استشهدوا في مجزرة النيصية، أما الذين استشهدوا في مجزرة الجثامية فمنهم الشهداء: عارف الغلث، وفرج السعود، وساطي المسيعيد،وثاري البجيدي، وعلي العايد، وفهد السعيد، وسلام الطالب، وفهد الهشال، وجروان الأحمد، وسليمان المهدوس، وفرج الجيش، وإبراهيم السهيل، وعلي الجميعة، وإبراهيم الصلحاني، وخلف النعيم، وعبد الله البريط، وغيرهم من اللاف الذين سيكتب الشعب أسماءهم العربية في سجل الصديقين والخلود مع (400 ألف شهيد) من أبنائه في كافة أنحاء الجزيرة العربية، قتلهم الآثمون السعوديون والإنكليز في معارك تربة والطائف والجوف والحفر والحجاز ونجد ومن معظم القبائل..


كما شردوا من شعب الجزيرة العربية ما يزيد عن المليون ونصف مليون مواطن إلى أنحاء آسيا وافريقيا وكافة البلاد العربية، وهناك بطولة استشهاد لا ينساها شعبنا، تلك هي بطولة استشهاد القائد البطل ضاري بن طواله رئيس عشيرة (الأسلم) من قبيلة شمر.. لقد نزح ضاري بن طوالة مع من نزحوا من عشائر شمر عن حائر لخلاف بينه وبين سعود آل رشيد، ولكن ضاري بن طوالة ما أن علم بحصار حائل من قبل السعوديين حتى توجه من الكويت إلى حائل رغم ما بينه وبين آل رشيد من خلاف، جعل ابن الرشيد يهدد ضاري بن طوالة بالقتل.. توجه البطل ضاري بن طوالة ليدافع عن حائل، وأخذ واخوته يحارب كل من في طريقة من السعوديين وأتباعهم حتى وصل إلى ياطب (30 كم تقريباً شرقي حائل) وهو يقاتل الخونة بشدة. وفي ياطب أطلق عليه أحد عملاء الإنكليز السعوديين الذي رافقوه رصاصة غادرة أردته قتيلاً.. ولم ينس حتى وهو يلفظ أنفاسه الطاهرة أن يوصي قومه بمواصلة القتال في سبيل الوطن..

وكانت آخر كلمات هتف بها البطل واختلطت بحشرجات روحه الطاهرة قوله المأثور: (هذا هو عذري منك يا حائل. هل تقبلين بهذا العذر؟ إنني مت دفاعاً عنك ولم أخونك ولم أتركك وحيدة، ولو لم يقتلني هذا الشقي اليوم في حماك لكتب لي الموت غداً في جوفك، فوالله لن أقف على قدم من بعد سقوطك، ولن أحيا بعد أن يتسلمك الأعداء، وإن تركتك غضباً على حاكمك فلم أتركك غضباً عليك) فلتعش يا ضاري بن طوالة البطل مع الشهداء والصديقين خالداً شهيداً..

ولم تكن قصة هذا البطل هي الفريدة من نوعها على أبناء شعبنا، فكم من جندي باسل شجاع استشهد.. أما من نجا من المجاهدين في حائل، فلم يستسلموا للطغيان السعودي، بل ذهبوا إلى الحجاز ليشاركوا شعبنا هناك شرف الجهاد، ونذكر منهم البطل الشهيد صالح السعد الله، الذي لم يستسلم للسعوديين فهرب من حائل إلى الحجاز، ليشن هجمات فدائية على مخيمات ومدافع الإنكليز وابن سعود في الرغامة بجدة، حتى استشهد البطل هناك بعد أن شن هجمة من هجماته المتعددة على مخيم ابن سعود نهاراً، حينما ألقى القنيلة من يده على شخص اسمه صالح الذعيت، كان زميلاً لصالح السعد الله في الجهاد وهرب مع الأمير عبد الله المتعب الرشيد قبل سقوط حائل، فبقي مع ابن سعود وقد اتهمه صالح العبد الله أن الذعيت قد أصبح يحارب مع ابن سعود ضد شعبنا في الحجاز، رغم أن الذعيت هو الذي سبق له قطع رأس الكابتن شكسبير قائد جيش الأخوان السعوديين..

فهجم صالح السعد الله على صالح الذعيت مقتحماً تحصينات الإنكليز وابن سعود، وتحدث مع الذعيت وجهاً لوجه بقوله: (أنا صالح السعد الله يا لذعيت: هل تذكر جهادك الأول، هل تذكر أنك أنت الذي هجمت بسيفك على مدفع الإنكليزي شكسبير قائد جيش ابن سعود وذبحته في معركة جراب التي هزمنا فيها جيش العدو الإنكليزي عبد العزيز بن سعود؟.. أخس يا لذعيت يا بياع بلاده.. ولكن خذها ثمناً لخيانتك يا لذعيت)، فألقى عليه قنبلة مزقت أحشاءه، ثم راح البطل صالح السعد الله يهرول ويحمي مؤخرته بعض رفاقه، ولكن رصاصة سعودية غادرة لحقت به من الخلف فأردته قتيلاً، واستشهد البطل ولم ترفع جثته من الارض التي سقطت عليها مدة تزيد على شهر، حتى أنها تيبست دون أن تدور أو تلحق بها عفونة.. أما قبائل شمر المجاهدة فقد هاجر منها قرابة الخمسين ألفاً إلى العراق وسوريا والأردن.. وأما ابن سعود فقد خان كل عهوده ومواثيقه "ولحس" تلك المعاهدة التي وقعها هو والمتآمرين معه بقصد أو غير قصد.. ولكنه وضع الشيخ إبراهيم السالم السبهان حاكماً على حائل إلى حين.


وخان عبد العزيز آل سعود عهده ومعاهداته


بعد أن قال عبد العزيز آل سعود في كلمة ألقاها في حشد من أهل حائل: (أنا لا أريد أن أنصب عليكم من لا ترضونه ـ يا أهل حائل وشمر ـ وقد قال لي البعض نصب علينا أحد أفراد أسرتك، لكني أقسمت أن لا يحكمكم أحد من أفراد أسرتي، لأنني غير آمن أن أولي عليكم أحداً منا، والسبب قد لا تستطيعون شكواه إلينا فيما لو ظلمكم وأخل بهذه الشروط بيننا وبينكم، أو ارتكب أي ذنب لأننا ندّعي أننا أخذناكم بالسيف، فالحقيقة أنه لو ما تفاهم عقلاؤكم لطالت الحرب بيننا وبينكم، وربما ننجح بدخول حائل وربما لا ننجح، ولكن هذه إرادة الله!.. وقد وافقنا على كل طلباتكم وهذا هو إبراهيم السالم منكم وفيكم، اطلبوا منه ما تريدون وما ترونه نافع وهو سيوصل الأمر إلينا)! الخ، فلا تعجب لهذه الحيل والخداع السعودي، فالاحتلال السعودي ما قام إلاّ على الحيل والخداع وما زال الخداع شريعته.
وفجر عبد العزيز بقسمه ونقض اتفاقيته مع أهل حائل وتبعته ذريته من بعده
وما هي إلا مدة قصيرة جداً حتى عزل ـ ابن سعود ـ "صاحبه الحائلي" ابراهيم السالم السبهان واستبدله بابن عمه جزار منطقة حائل الشهير عبد العزيز بن مساعد الجلوي، الذي أخذ يسوم الشعب وقبائل شمر والمواطنين سوء العذاب والارهاب، ويسرق خيرات الأرض وحقوق الفلاحين والبادية والمواطنين ويعتبر أن الأرض كلها ملكه قد أقطعه إياها ابن عمه عبد العزيز آل سعود، وكذلك البراري كلها حماه لا ترعى بها إلاّ أغنامه وإبله وخيوله التي صادرها من القبائل والمواطنين، والويل لمن يمر من البشر في هذه الأرض التي سماها "حماه".. وخابت آمال الذين ادخلوا ابن سعود إلى حائل ظانين انه سيورثهم الأرض ومن عليها!.. وقد نلتمس العذر لهؤلاء "الرجال" الذين سلموا "أمهم" حائل لابن سعود وعلوجه بغفلة من أهل حائل. وقد زعم هؤلاء الذين "قادوا" ابن سعود (انه سيبدل صحاريها بجنات تجري من تحتها الانهار..)، ولكن حائل لا زالت كما كانت عليه من ظلم وتأخر وأمراض وابن مساعد وآل سعود. وقد أثبت التاريخ أنّ الشعب في حائل لم يرضخ لطغيان عائلة آل سعود، فكم مرة ثار وثارت قبائله ثورات هزمت قوائم عرش الظلم رغم أنه لم يكتب لها النجاح، لأنها لم تتجاوب معها بقية الأقاليم والقبائل.



ثورة غريب العفري
من هذه الثورات، ثورة الشهيد البطل غريب العفري الشمري، الذي أعجز الطغيان السعودي، وجزاره عبد العزيز مساعد الجلوي مدة من الزمن، رغم أنه لم يكن مع هذا البطل إلا شقيقه ذغيليب وخمسة من ثوار شمر الأحرار، وقد وقع في كمين نصبه له عدد كبير من خدم ابن مساعد فشدوا وثاقه وساروا به ليلاً حتى شارفوا على مدينة حائل، وعندها اطمأنوا فناموا وتركوا البطل الذي لم ينم، وبينما هم يغطون في نومهم لحق بهم شقيقه ذغيليب العفري الذي كان يرقبهم، ويتتبع خطاهم، وقطع قيد أخيه وقاما معه بتجميع سلاح خدم ابن مساعد، ولما انتهيا من تجميع السلاح كله صرخ فيهم "غريب" قائلاً: (أنتم تنامون لأنكم لا تذكرون لكم بلداً يحتلها آل سعود.. وتنامون لأنكم خدم للمعتدين آل سعود.. أما أنا فلا أنام، وإن نمت أحلم ببلادي وأفيق على هذا الحلم الذي يفزعني، ولهذا أصبحت شجاعاً أستطيع أخذ أسلحتكم منكم بالإيمان القوي، أما أنتم فلا تستطيعون استعادة أسلحتكم مني وأنتم جمع غفير لأنكم خدم الأعداء كما قلت، خدم الطغاة الذين يركضون بلا هدف خلف ثائر مثلي لتسلميه لأسيادهم مقابل أجر تافه يدفعه لهم الطغاة. لهذا تنامون وان غتم فلا حلم لكم إلاّ ((بالشرهة)) والاجرة التي سيدفعها لكم ابن مساعد مقابل القائكم القبض على ثائر شريف. لكني لن أترككم تقبضون أجركم كثمن لرأسي الثمين ولن أقتلكم رغم أنكم تريدون قتلي، فاذهبوا إلى سيدكم وأخبروه.. أذهبوا بلا سلاح وبلا ابل تركبونها..).

بعد ذلك ساقهم بعيداً بعد أن طلب من كل واحد أن يربط يدي زميله إلى ظهره وتركهم.. وراح هو وشقيقه في سبيلهما الثوري.. أما الخدم فراحوا إلى الجلاد ابن مساعد الذي حلق ذقونهم، وسود وجوههم كعقاب لهم، وجلدهم وأعادهم لمطاردة الثائر مرة أخرى، مع عدد أكبر منهم بقيادة ناصر بن دوخي، ومع ذلك فلم يتمكنوا من اصطياد البطل، رغم أنهم طوقوه من كل جانب إلا بعد أن انتهى ما معه وشقيقه من ذخيرة، حيث أصيب شقيقه ذغيليب وتمكن من الهرب، أما غريب فقد أقتادوه الزبانية إلى جزار حائل ابن مساعد.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:56 PM

فأرسله مكبلاً باسلاسل إلى ساحة السوق، وكان البطل يسير بين المواطنين وهو يدرك أنه يتجه للقاء الموت، لكنه كان يبتسم بكل شجاعة وإيمان، فالتفت إلى الخدم الذين ضايقوه وقال (لا تفرحوا يا خدم المجرمين فان لي جماعة سيأخذون بثأري)!.. وكان يعني "بجماعته" جموع الشعب التي كانت تنظر له باعجاب بينما هو مقيد بالحديد!، وكنت آنذاك صغير السن، أقف بين ذلك الجمع الكبير الذي شاهد إطلاق الرصاص في رأس هذا البطل، لكننا ماذا نملك غير ترديد اللعنات على آل سعود بأصوات عالية مع كل رصاصة تنطلق صوب رأسه وصدره الشجاع، وراح البطل غريّب العفري شهيد شعبه، هذا الشعب ـ الشهيد ـ الذي قدم الآلاف من أمثال غريب العفري، ممن خلقوا في نفوسنا ثورة منذ سني الرّضاع الأولى، لن تنطفئ نارها حتى تحرق الظالمين.
والشعب في حائل لا يكن لعهد الحريم أي احترام، فعندما توفي الطاغية عبد العزيز، واستورث ابنه سعود الشعب والأرض والعرش من بعده، وأخذ يدور على كل المناطق مخادعاً الشعب بطلب "البيعة" منه، لم يبايعه الشعب، وإنما بايعه نوع معين من المتزلفين..

ولم أنس تبرم الشعب في حائل عام 1373 ـ 1954 بمثل هذه "البيعة" التي جاء سعود يطلبها منهم، وكنت وقتهاً منفياً من الظهران إلى حائل، بعد أن قام العمال باضرابهم الشهير بتاريخ 17 اكتوبر عام 1953، مطالبين بإخراجنا من سجن العبيد، حيث لم يرجع العمال إلى العمل، ولم يتوقفوا على الاضراب إلاّ بعد الإفراج عنا.. وبعد ن أفرج عنا، أخذت علينا تعهدات بأمر الملك سعود بواسطة ـ عبد الله بن عيسى وكيل الأمن العام الذي أخذ هذا التعهّد علي ـ ونصه: (أنا الموقع فلان.. أتعهد للدولة بأنني لن أخرج من خلف سور حائل، وإن خرجت من منفاي هذا فإنما أهدر دمي وأحل للحكومة قتلي)!

..فأمرني وكيل الأمن العالم في الظهران بتوقيع هذا التعهد، والحديد ما زال بيديّ، والقيد برجلي، كما وقعه بقية الأخوة؛ فوقعته وضحكت وقلت: ان هذا التوقيع أو عدمه سوف لن يمنع العصابة السعودية من قتلي إذا أرادت، وإنما هو احتياط شكلي اتخذ للإفراج عنا والتخلص منا بعد موقف العمال الأبطال، والذي أضحكني هو ما ذكر بهذا التعهد السعودي: "سور" حائل، فرجال هذه العصابة لم يعرفوا أن هذا السور قد هدم منذ أول يوم للإحتلال السعودي المشؤوم.. وقد أخبرت وكيل الأمن العام عبد الله بن عيسى بذلك وقلت له: (أن هذه الدولة التي أخذت علينا تعهد الموت جاهلة في بلادنا وخبرتها عتيقة!)..

ووصلت إلى حائل مقيد اليدين بتاريخ 10 نوفمبر عام 1953، وفي الطريق بلغنا نبأ وفاة الطاغية عبد العزيز من الإذاعة في ضحى 9 نوفمبر 1953. ولم أخف سروري بهذا النبأ، ولم أترحّم على الطاغية طبعاً، وإنّما جهرت باللعنات عليه أمام جمع من شعبنا احتشد في مدينة بريدة حول السيارة التي نقلتنا إلى حائل..

وبلغنا أن الملك سعود سيقدم إلى حائل لاخذ "البيعة" له بعد والده، ورأى بعض الأخوة أن أعدّ كلمة البلاد ـ أي كلمة الشعب ـ لإلقائها أمام الملك، وأعددت الكلمة. وعلم حاكم حائل، جزار الشعب عبد العزيز بن مساعد الجلوي بذلك، فاستدعاني لمقابلته، وقابتله في قصره وطلب مني أن أعراض الكلمة عليه، فعرضت كلمة موجزة لم يفهم منها شيئاً، لأنه لا يفهم (أي شيء) غير القتل والارهاب وتجميع صفائح الذهب وممارسة النكاح، وامتلاك الجواري والعبدات فقال لي: (يجب أن تحذف منها كلمات الفقر والجهل والظلم والمرض) وأردف يقول: (ولا تلقها باسم الشعب والعمال وأهالي حائل، وإنما باسم الأمير ابن مساعد والإمارة، ويكون إلقاؤها في قصر الإمارة عندما يزورنا الملك في القصر، فهذه كلمة زينة!).

قلت له: لا ـ طال عمرك بعض أبناء الشعب طلبوا مني إلقاء الكلمة بإسم الشعب، وسوف ألقيها باسمه، أما كلمة الإمارة فهناك من يلقيها غيري.. ولما رآى الطاغية ابن مساعد اصراري، رد علي وهو يهز رأسه غير معجب بمعصيتي له بقوله: (بهواك بكيفك). قلت: هذا هو كيفي، وانسحبت منه.

وفي يوم 10 / 12 / 1953 وصل ركب الملك سعود إلى حائل، وشيد له السرادق في جنوب حائل في مكان اسمه "نقرة قفار"، فألقيت كلمة أمامه لم ينتبه لما جاء فيها نظراً لكثرة الضوضاء وازدحام الخدم حوله، وعدم وجود مكبر للصوت، ونظراً لقلقه وخوفه، ولأنه "متعب" كما يقول.. وتحرك ركبه حيث ضربت الخيام لخدمه وأتباعه في مكان اسمه "الوسيطاء" غربي حائل، وأصدر أوامره باحضار عدد من الحريم إلى قصره المتنقل معه أينما حل وارتحل، والمسمى باسم "الصالون) وأحياناً باسم (الحمام).. وتزوج تلك اليلة بثلاث من النساء على الطريقة السعودية المعروفة.

وفي يوم 11 / 12 / 1953 وجهت له دعوة من قبل مدرسة حائل، وقمت باعداد تمثيلية بعنوان: الفقر والجهل والمرض، لتمثيلها أمامه، غير أن الأوامر أتت قبيل وصوله بالغاء هذه التمثيلية.. وفي الساعة الواحدة ظهراً وصل الملك إلى المدرسة المذكورة وحضر جمع غفير من أبناء حائل، بالإضافة إلى من حضر معه من أخوته وجزاريه وخدمه، ومنهم عبد العزيز بن مساعد.

فألقى الزملاء بعض كلمات الترحيب أمامه، وما أن جاء دوري في الكلام، حتى أمر خدمه بإيقاف ما تبقى، لأن "جلالته" كما يقولون "متعب" ويريد إنهاء هذا الحفل، وحاولت أن ألقيها ولكنني منعت من قبل العقيد المرحوم محمد الذيب ياوره الخاص، فدفعت الذيب بيدي وتقدمت للملك وقلت: أن لديّ "كلة يا طويل العمر"، وقد منعني حرسك من القائها بحجة أنك متعب، وشعبنا في حائل يعلم أنك لم تأت هنا للسياحة وشم الهواء، وإنما جئت لأخذ البيعة، وفي هذه الكلمة التي منعت من القائها أشياء مهمة عن البيعة يجب سماعها، لأنك كنت متعب يوم المجيء ولم تسمعها.. وكأن الملك قد أعطى الأوامر لقيامه، وتحرك بالفعل من مقعده لترك المكان، ولكنه عاد للقعود ثانية وقال (تفضل تفضل ألقها) وهذا نصها:

كلمة الشعب

(باسم الله الحق، باسم العمال المعذبين، باسم الفلاحين الذين أصبحوا فريسة للمرابين، باسم الجنود الظافرين، باسم البدو المشردين، باسم الشعب العظيم، الشعب الذي حرم من نور العلم طويلاً يا طويل العمر!!:

يا سعود بن عبد العزيز.. دعني أناديك باسمك المجرد من الجلال والجلالة (فزخرف القول غروراً)، والذي لا يجلّه شعبه لا تجله الألقاب الزائفة، بل ولا يجله الله أبداً!!.. أن رضى الشعب هو رضى الله، ولن يرضى الله سبحانه على من لا يرضى عنه شعبه، لذا أقول لك.. يا سعود؟.. هل تجشّمت مصاعب الطرقات الخربة الوعرة ذاهباً إلى الحجاز وعسير وتهامة جنوباً، عائداً إلى الجوف وحائل في أقصى الشمال، متجهاً إلى القصيم ونجد، والاحساء والقطيف والجبيل في سواحل الخليج العربي شرقاً. أقول: هل تجشّمت هذه المصاعب والطرقات الوعرة الخربة "يا وريث الملك من أبيه" بقص الدعاية لنفسك، أم الترفيه عن نفسك؟، إذ ليس في مئات المدن والقرى والصحارى التي مررت بها إلا الفقراء الذين رأيتهم ـ يمدون أيديهم المقطوعة والموشكة على القطع ـ يمدونها إليك ضارعين من الفقر والجوع والمرض والجهل اللعين..

وكان بامكانك أن تقطع هذه المسافات بالطائرات، لكنك قطعتها بالسيارات.. ولهذا نحاول اقناع أنفسنا: بأنك جئت حسب الظن بقصد الإطلاع على ما يلاقيه شعبنا في كل أنحاء بلادنا المنكوبة المرزوءة بالظلم والعراء والمرض والشقاء والفقر. والبطالة وخراب الديار، وعرفت أنت بنفسك بعد أن تكسر العديد من سياراتك بهذه الرحلة، أنه لا يوجد طريق واحد معبد في البلاد، كما تعرف أنت أنه لا يوجد علاج ولا معالج ولا ماء نظيف صحي ولا دواء ولا عمل ولا مساكن تليق بالإنسان وكرامة الإنسان.

وهذا ما جعلك تسكن في الخيام في كل مدينة تحل بها بما فيها حائل، لعدم وجود ما يصلح لسكناك كملك من مساكن شعبنا الحقيرة.. وكنت قد أعددت مع أخوة لي من الطلاب تمثيلية بعنوان: "فقر وظلم وجهل ومرض"، لأعرض أمامك بطرق تمثيلية هذه المهازل والجرائم التي يلاقيها كل شعبنا، حضره وباديته الكريمة من جراء الأدواء الأربعة اللعينة.. الجهل والمرض والفقر والظلم، والحكم الباطل الذي خلق الأربعة وغيرها، وفي النهاية أعرض كيف يكون القضاء على هذه الأدواء وأسبابها، وأبيّن أخيراً أنه لا طريقة للقضاء على هذه الأمراض اللعينة ومسببيها إلا السيف، أي الثورة على هذه الأدواء.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 02:57 PM

وأدعوك يا سعود إن شئت، إلى أن (تقوم بهذه الثورة أنت)، رغم علمي اليقين أن الثورة بحاجة إلى رجال ثوار قد صارعوا الأدواء وذاقوا آلامها، إذ يصعب على من لا يعيش الألم تحقيق الأمل.. كنت أريد أن أعرض عليك يا سعود هذا في تمثيلية الفقر والجهل والمرض والظلم، لعلك تضحك فتتذكر فتبكي، ولكن التمثيلية ألغيت في آخر لحظة لأنك مرهق ـ كما قيل لي ـ، بالإضافة إلى عرض هذه عليك علانية وبهذه الجدية، فصديقك من صدقك..

بالأمس الأول كنت قد ألقيت كلمة البلاد وقلت فيها بعض ما أقوله الآن، وكان مطلعها موجه: باسم حائل قراها وباديتها.. باسم العمال المشردين.. باسم الشعب العظيم، غير أنك لم تسمعها جيداً لكثرة ضوضاء المكان.. ولقد عجبت عندما نودي علي يوم أمس في قصر الإمارة ليدفع لي مبلغ 500 ريال سعودي، ويدفع للخطباء الآخرين 200 ريال، ولما سألت عن السبب لدفع هذه المبالغ، قيل لي أنها ثمن الخطب!..

أما أنا فرضتها بالطبع رفضاً لا عودة فيه، وقلت: أن كلام الشعب لا يباع ولا يشترى، وإنما ينفذ بالقول والعمل، ولو أردنا الدراهم لعشنا كما يعيش أصحاب الملايين بما عرض علينا من مقاولات في شركة أرامكو، لكننا كنا ننفق مرتباتنا كلها على الحركة ولمصلحة العمال، وكنا نبقى بلا طعام إلاّ ما يتفضل به اخوتنا العمال علينا باطعامنا مما يأكلون، وهذا فقد شردنا وعذبنا وسرحنا من العمل، وقيدت أيدينا وأرجلنا وأعناقنا في مقبرة سجن العبيد، وصدر أمركم باعدامنا ـ كما بلغنا ذلك من وكيل الأمن العالم في الظهران ـ لو لم تحدث معجزة الافراج عنا نتيجة اضراب العمال الذين لم يجعلوا لهم من مطلب سوى إخراجنا من السجن.

حتى أن العمال قد سجنوا سجناً جماعياً خلف الأسلاك الشائكة في وهج الشمس المحرقة، وقطع عنهم الماء ومنع الطعام، ثم سمح لهم أخيراً بالطعام ـ ولكنه طعام السم يا سعود ـ هل لا تصدق؟. لقد وضع لهم السم في طعام ذل المطعم المسمى (مطعم أبو ربع ريال)، ومات سبعة عشر من العمال، وقد أسعف الباقون بغسيل بطونهم، وادعت شركة أرامكو الاستعمارية أنه حدث لهم تسمم غير مقصود، لأن قدور الأكل غير نظيفة!، ولكنه تأكد من أقوال أحد الأطباء العرب الفلسطينيين الذين يعملون لدى شركة أرامكو نفسها وكشفوا، ضمن الأطباء الذين كشفوا على حالة العمال المتسممين، أن التسمم حادث عن سمّ حقيقي عثروا على بقيته، وثبت هذا وأنا على أتم استعداد لأن أثبت لكم كل ما أقول..

ولا غرابة، فهذا جزء مما يلاقيه عصب الحياة وأشرف خلق الله: العمال.. العمال الذين هم الشعب كله.. العمال الذين أخرجوا هذا البترول وما يتبع البترول من نعيم لينعم به غيرهم، أما هم فلهم السم الزعاف. أنني أحدثك يا سعود بما حدث وما سيحدث اذا استمرت الحال كما هي عليه الآن.. لقد انتهى عهد والدكم عبد العزيز المظلم وجاء عهدكم الزاهر كما يقال!.. كان كل من يرفع يده أو رجله باشرة عدل، أو يحرك لسانه أو طرفه بشهادة حق، يفقد رأسه أو يده أو رجله أو لسانه أو عينه، إما بمغريات المال وأما بالسيف المميت.. وإذا حدثت لكم "المبايعة" مكان والدكم فلا يعني ان هذه المبايعة" هي: استبدال عهد مظلم بعهد مظلم.. ولهذا نرجو أن يكون عهدكم الجديد زاهراً ـ كما يقولون ـ، لأنه ما من أحد من زار بلدان العالم أكثر منكم، ولعلكم بهذه الزيارات قد عرفتم أو سمعتم أو رأيتم كيف تحكم بلدان هذا العالم وتساس.. بل ان هناك بلداناً أخذت استقلالها قريباً أو أنشئت من عدم، فأصبحت أكثر من بلادنا تقدماً وازدهاراً وتحرراً وحرية وإسلاماً!.. ولهذا نريد من عهدكم أن يكون زاهراً!!.. ولا يمكن لأي عهد أن يزدهر ما لم يقر بحقوق الشعب كافة، ويتسلم الشعب إدارة بلاده. بنفسه وعقله وأيدي أبنائه المخلصين، ولمن يحقق هذه المطالب.. يمنح شعبنا الثقة لا ـ البيعة ـ، فالبيعة عادة لا تأتي إلا عن طريق البيع والشراء.. والبيع والشراء لا يذكر إلا ويذكر إلى جانبه العبيد ـ والمال.. والمال خراب الذمم.. أما الثقة فتمنح بناء على ما يلي:

1 ـ شهادة حسن السيرة والسلوك القويم للشخص الذي يمنحه الشعب ثقته ليكون لها أهلاً..

2 ـ ايمان من يمنح الثقة بالمثل العالية والمبادئ الإنسانية العادلة التي جاء بها الرسل والأنبياء.

وبعد هذا نطرح فيما يلي: مطالب شعبنا التي بموجبها يمنح الثقة لمن هو أهلها، ليكون الشعب وحده هو المسؤول عن حكم نفسه بنفسه..

1 ـ اقامة مجلس للشعب، أي "برلمان" حر، ينتخب الشعب أعضاءه انتخاباً حراً ممن رضي الشعب عنهم.

2 ـ يضع أعضاء هذا البرلمان الحر بعد انتخابهم، دستوراً للبلاد تحكم البلاد بموجبه، ولن يشذ هذا الدستور عما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وروح العدل الذي دعا بها رسل الحرية والإنسانية…

3 ـ يسن هذا البرلمان الشعبي كل القوانين والمراسيم والتشريعات، التي ستلغى بموجبها جريمة بيع وشراء الإنسان للإنسان، جريمة تجارة الرقيق الذي لا يوجد في أي بلد من بلدان العالم، كما يوجد في بلاد كان شعبها فيما مضى قد حرر الإنسان من عبودية الأوباش في ثلاثة أرباع العالم. انها بلادنا وشعبنا يا طويل العمر؟.

4 ـ يسن ممثلو الشعب في مجلس الشعب، قانوناً يحرم جريمة قطع الأيدي والأرجل، فهذه الجريمة لا تطبق إلا بحق العمال والفلاحين والجنود، والعاطلين عن العمل من أبناء البادية المعذبين، ومن لا يجدون لقمة العيش، والمضحك أن من يطبقها هم الذين ينص القرآن الكريم على أن تطبق بحقهم. أنهم اللصوص الكبار الذين أصبحوا حكاماً.

5 ـ تلغى عقوبة جلد المواطنين بالطرقات وغير الطرقات وتستبدل بالأعمال والتعليم والتهذيب مكان التعذيب، وتحال السجون إلى مدارس لا يدخلها إلا من تثبت تهمته بعد مذكرة توقيف عدلية، وبعد التأكدات اللازمة والتحقيق النزيه بأنه يستحق حكم القضاء.

6 ـ يصدر قانون عمالي ينص بانتخاب نقابات عمالية نزيهة، يجمعها اتحاد عمالي واحد نزيه، يكون هو المسؤول أمام الحكومة، ويتولى الدفاع عن حقوق العمال المهدورة التي ستبقى مهدورة بدونه إلى الأبد.

7 ـ الغاء اتفاقية قاعدة الظهران الذرية، والاستغناء عن الجيوش الأمريكية الأجنبية بجيش عربي قوي، مسلح بأقوى وأحدث أنواع الأسلحة، يحمي البلاد التي لا يمكن أن تحميها قوى الأجانب والاعداء، الذين باعوا وأضاعوا فلسطين العربية، والتي لا يمكن لها أن تعود إلاّ بقوة العرب ووحدة سلاحهم وأرواحهم.

8 ـ انشاء صناعة خفيفة وثقيلة في كل أنحاء البلاد، والبحث عن المعادن وإدخال أبناء البادية في هذه المصانع. فأبناء البادية يكوّنون 60 بالمائة من مجموع الشعب كله، ويلاقون من العذاب أقسى ألوانه.

9 ـ انشاء بنوك زراعية لاستصلاح الاراضي البور، وإقامة المزارع وتسليمها لجموع الفلاحين الذين هم واقعون تحت أنياب الوحوش وتجار الربا، وتوطين قسم من أبناء البادية المعذبون في هذه الأراضي ليفلحوها.. أما القسم الآخر فيصبحون في المصانع عمالاً.

10 ـ اصدار قانون يفرض التجنيد الإجباري فرضاً على كل مواطن (ولا أقول كل مواطن ومواطنة لأن هذا القول سابق لأوانه في مثل وضعنا الحاضر) ليصبح الشعب كله مسلح أمام الأعداء، وليس في هذا ما يخالف تعاليم النبي العربي محمد بن عبد الله كما يفتي البعض، وهذا ما فرضه علينا الدين.

11 ـ اصدار قانون يفرض التعليم الاجباري على كل ذكر وانثى في كل مراحل التعليم، فهذا ما فرضه النبي محمد علينا فرضاً: (طلب العلم فرض على كل مسلم ومسلمة).

12 ـ اصدار قانون ينص على اطلاق الحريات الديمقراطية، ومنها حرية الصحافة والإجتماع والتعبير ومنع العدوان على حريات الآخرين.

13 ـ اعادة العمال المسرحين إلى أعمالهم ونحن منهم، وعدم تسريح أحد من العمال لكيلا يكون عالة على هذا المجتمع.. وعدم نفي أحد أو اسقاط الجنسية عن أحد.

وعلى مثل هذه الأسس المشروعة في الشرائع العادلة، ووثيقة حقوق الإنسان، يمنح الشعب ثقة الشعب ـ لا يبيعها ـ للحاكم الذي يحافظ على هذه الثقة ولا يبيعها هو أيضاً.

هذا هو الرأي الآني للعمال المشردين يا سعود، رأي الفلاحين المعذبين ورأي الجنود، وراي سكان الصحراء من أبناء البادية الذين سبق لبعضهم أن قاتل إلى جانب هذ الحكم السعودي، ولا زال يطحنهم ظلمه البغيض، وأخيراً، مرحباً بك في بلد الكرام المضايف ـ حائل الجميلة العظيمة ـ حائل بلد الشجعان، حائل الجزء الذي يلاقي ما يلاقيه غيره من بقية أجزاء الوطن، من مظالم وفقر وجهل ومرض، عمّ انحاء الجزيرة العربية كلها، ولا قضاء عليه إلا بحدوث معجزة.. زلزلة تزلزل الماضي والحاضر. فيحيا من يحيى عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وتبنى البلاد من جديد لتعيش في جنة المستقبل.. جنة المساواة.. جنة الكفاية والعدل. جنة يتساوى فيها الناس في خيرات بلادهم، في كل ما في باطن الأرض وما عليها لكيلا يعيش من لا يعمل عالة على من يعمل، بينما العدل هو أن لا يعيش من يعيش عالة على كدّ الآخرين.. كما تقول الآية: {وان ليس للإنسان إلاّ ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى}.. والسلام على من أتّبع الهدى.

(11 / 12 / 1953م) الساعة السادسة عصراً بالتوقيت المحلي.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:04 PM

غضب الملك وافتى باعدامي


كان هذا هو النص الحرفي لكلمة الشعب التي ألقيتها أمام الملك سعود في حفل مدرسة حائل، ولا داعي لإعادة نشر الخطاب الأول الذي ألقيته قبل هذا بيوم واحد، وهو يوم وصول الملك سعود لحائل، نظراً لما بين هذا وذلك من تشابه، وهذا الخطاب كان سبب تعرفي بالضابط الحر محمد الذيب رئيس حرس الملك الخاص، الذي اغتاله ـ آل فهد ـ عام 1959 في ألمانيا الغربية بحقنة لم تكن الأولى من نوعها، وإنما سبقتها محاولات أخرى كان قد أطلعني الشهيد الذيب عليها، وقد التقينا في الظهران مراراً، وفي الرياض، ومنها ثلاث مرات في بيت الشهيد الحر عبد الرحمن الشمراني، وكان الذيب هو الذي ابلغني بالأمر الملكي الصادر بقتلي ليلة 11 / 6 / 1956، واختفيت من غرفتي بينما واصلت الاتصالات بالعمال حتى اضطررت لمغادرة البلاد يوم 18 / 6 / 1956، فاعود الآن إلى يوم 11 / 12 / 1953 وموقف الملك سعود من تلك الكلمة سالفة الذكر.

لم يتركني الملك أتممها.. بل أخذ يصرخ بقوله (كف كفى، أنتم مجرمين أنتم مجرمين أنتم مفسدين)، وتلا الآية القرآنية كإيذان بقتلي: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلال أو ينفوا من الأرض}، ولكنني لم ألق له بالاً، فقد استمريت في قراءة كلمتي رافعاً صوتي إلى أعلى موجاته، متجاهلاً قول الملك رغم سماعي له جيداً، لحرصي على إكمال كلمتي إلى النهاية، لأنني لو توقفت فسأعطي الملك فرصة لمغادرة المكان ومقاطعته للكلمة، وقد بلغت بي الأحاسيس وقتها أن الملك سيقتلني فأردت أن أبيّن للناس: على أي شيء يقتل مثلي، وبذلك اكشف لبعض المخدوعين عن جنون ملوك آل سعود وغدرهم، وكيف أن أحدهم حين يستولي على الملك اغتصاباً، ويعتبره إرثاً لأخوته، ثم يأتي الملك المغتصب الجديد ليضحك على السذج طالباً منهم البيعة! وأي بيعه هذه؟.. وقد قلتها له، قلت: (لا بيعة ولا شراء.. بل ثقة الشعب يمنحها لمن يخدم الشعب لا لمن يخدمه الشعب)!..

وبلغ بي شعور اللامبالاة حينما اشرأبت أعناق الحاضرين تتوقع ما يحدث لي من الملك، فأعطاني بعضهم اشارات بالسكوت!، فتماديت ليعرف الناس ما فعلت وما قلت، ولكي لا أعطي فرصة للملك أن يزيّف ما قلته بالدجل السعودي المعروف، حينما ألقيت الخطاب أمام الملك في حضور الجموع المجتمعة في مدرسة حائل، وكنت قد رفضت مشورة واحد من أقرب حراس الملك المقربين، عندما عرف الحارس بكلمتي قبل أن ألقيها، نصحني بعدم القاء الكلمة في مكان عام وقال: "أنه سيهيء لي فرصة الاجتماع بالملك في مخيمه ـ بالوسيطا ـ، فألقي الكلمة أمام الملك بحيث لا يحضر إلا الوسيط، وعدد قليل من الحرس، وطلب مني أن أخفف اللهجة واستبدل الشدة بتأييدنا للملك وطلب عفوه، وإعادتنا إلى العمل في الظهران والسماح لنا بمغادرة المنفى، وأن لا أعرض في كلمتي مثل هذه المطالب العامة".

ولكني قلت للأخ الحارس المقرب (صالح علي السالم): لا يا عزيزي.. انه سيأمر بقتلي لو تكلمت معه في خلوته، ويلفق أي تهمة يراها ضدي ولهذا سأقولها في أي ميدان أجده أوسع جمهرة من غيره.. وبالفعل وجدت الفرصة سانحة في مدرسة حائل، وربما لم يستطع قتلي لأن الناس قد عرفوا ما أريد.. أو لانه رغم ظلمه وطيشه كان أعقل وأعدل أخوته الذين تبعوه وما زالوا يتوارثون الحكم اغتصاباً من بعده، لكن الملك سعود لم يخف غيظه، بل قاطع خطابي بصراحة أمام الناس كما قلت، ولما لم أعره سمعاً ولا طاعة أمر "ياوره" العقيد محمد الذيب بقوله: (خذها.. خذ الورقة منه)، وكرر قوله لي أمام الناس: {أنتم مجرمين.. إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون ويسعون ويسعون} وعلق لسانه على "ويسعون"، فجاء إلى جانبه مبعوث من الجامع الأزهر كان يدرس في مدرسة حائل ولقنه بقية الآية وهو يبتسم..

أما المرحوم الذيب "ياور" الملك فقد تمكن من سحب الورقة من بين يديّ وسلمتها له، حفاظاً على عدم تمزقها بين يدي ويديه.. وعندما وقفت أمام وجه الملك وقلت له متسائلاً: (من هم الذين يحاربون الله ورسوله؟! ان الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً، ويجب أن يقتلوا ويصلبوا وينفوا من الأرض إلى غير رجعة، ليسوا العمال الشرفاء، وإنما هم أولئك الذين نزلت بحقهم الأية الكريمة وأمثالهم ممن هم أفسد ممن حاربوا النبي محمد بن عبد الله سابقاً.. إنهم الأمريكان في الظهران، أعوان إسرائيل، وأعوان اليهود وأذنابهم في هذه البلاد.. والهيئة الملكية التي أرسلتموها لنا بحجة انصافنا من شركة أرامكو الإستعمارية، ولكنهم ارتشوا من ارامكوا وألقوا بنا في غياهب السجن مما دعا العمال للإضراب مطالبين بالإفراج عنا ومنع اعدامنا، ثم أفرج عنا لكننا نفينا بعيداً عن مناطق نفوذ الأمريكان. والذين يقتلون الفضيلة هم الواجب قتلهم والذين يأكلون الحق ويزيفون الدين هم المفروض تقطيع أيديهم وأرجلهم. إنني أقول الحق وبعد هذا لا يهمني أن تقتلني يا سعود)!.

ولم يتركني حتى أتوقف عن كلاي، بل سحب عباءته التي سقطت حينما وقف غاضباً، وأمسك بيد حاكم حائل الجزار ـ عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود ـ ووقفاً معاً وسعود يردد: (هذا الحفل زين لكن خرّبه ابن سعيد)!.. ومشيت خلفه، ولكن أخاه الأمير محمد بن عبد العزيز أمسك بيدي، وعرفني بنفسه وعلى ابن عمه فيصل بن سعد، وقال: (أنصحك أن لا تتبع الملك، أنني أخاف أن يقتلك لأنها أول مرة يقف فيها مواطن أمام ملك بهذه المطالب، ويتكلم بهذا الكلام أمام الناس. وأنا معكم وأشهد أنكم على حق، وأن قضيتكم راحت وأضاعها الدولار، وثق أنني سأقف معكم، ولكن أترك الملك يروح، وتعالى لي الليلة بعد المغرب في القصر الذي أسكن فيه. تعرفه؟ أنا أسكن في قصر نوره).. قلت له سآتي إليك الليلة. قلتها وأنا أعلم أن كل ما يقوله الأمير محمد لا يخرج عن كونه دجلاً من دجل الأمراء، ولم يقصد إلا سكوتي واسكاتي.

أما الذين حضروا ذلك الحفل فقليل منهم اتهمني بالجنون (لأنه لا يتكلم مثل هذا الكلام إلا فاقد العقل!) كما قالوا، فقلت لهم: كم نحن بحاجة إلى المجانين ليرفعوا عن "عقلاء" الذلة عار المذلة. وكم تمنيت لو أصيب كل شعبنا بالجنون الثوري، الذي سبق وان اتهم به النبي محمد وصحابته وكل الأنبياء، أما قسم منهم فقال "أنني جريء" وقسم أيدني بلا تحفظ. أما أنا فلم أقدم على ذلك ـ حسب شعوري ـ ذلك الوقت إلاّ بدافع من حبي للوطن، وألمي الشديد أن أحيا في بلد يسوده أقذر حكم عرفة التاريخ الوسيط والحديث.. ولا يهمني بعد ذلك من يتهمني بالجنون أو الجرأة أو يؤيدني، فكلهم من "عقلاء" الملذات ما داموا لا يعملون لدحر الطغاة، وقد كنت أبحث عن الموت باسمى طرقه..

أما الأمير محمد بن عبد العزيز فلم يخف "تأييده" لي لدى كل من قابله من أهالي حائل ـ ربما لادراكه أن الأكثرية تؤيد ما قلته وهي ضد آل سعود قاطبة ورحت تلك الليلة إلى الأمير محمد فوجدته يجلس في سطح القصر، ولديه عدد من الأمراء قدمني لهم "بشيء من الثناء" وطلب مني (أن أكتب تقريراً له في كل ما نريد!)، وقدم لي الورق والقلم فكتبت بخط يدي كل ما يريده العمال والفلاحون والجيش والشعب كله واحتفظت بصورة منه.. وقبل أن أسلمه تلك المطالب الوطنية قرأتها عليه ليستوعبها، فقال لي الأمير محمد: (إني مسافر اليوم مع الملك وسأقدمها للملك سعود، وسأقف إلى جانب هذه المطالب!) وأضاف: (ولكنني أطلب منك أن تتوجه إلى الرياض، لتكون قريباً منا وتسكن في ضيافتي عندي في قصري، وسأقوم بكل ما تريدون)!.

ولكن كل هذه الأقوال ذهبت مع غيرها من أقوال الامراء الكاذبة.. وكانت هناك دعاية وهمية يرددها السذج آنذاك عن "طيبة وديمقراطية" هؤلاء الأمراء، أمثال الأمير محمد(2)، وسلطان وفيصل وأولاده، وطلال ومشتقاته، لأن هؤلاء الامراء التجار الكبار إعتبروا الكلام لا يصرّفه أمثالهم الا على الشعب، المستهلك الوحيد لبضاعتهم الكاسدة، بإظهار عطفهم الزائف على الوطن والوطنيين حتى أن الأمير عبد الله الفيصل عندما ذهبت إليه شاكياً الوضع الفاسد بصفته وزيراً للداخلية، استنكر معي ما يلاقيه العمال من ظلم واضطهاد من جراء الحكم الفاسد وشركاته وطلب منا أن نحني رؤوسنا كما قال "للعاصفة حتى تمر ويأتي والده فيصل" وأظهر ميولاً نحونا، بل طلب منا اغتيال الملك سعود! وسلم لي تقريراً جاء له به (طلعت وفاء) المدير السابق للأمن العام (الذي اغتاله "الفهد" فيما بعد ، وقيل أنه انتحر في لبنان، وكان يعارضهم لاحالتهم إياه على المعاش) قدم هذا التقرير وأنا عنده، وكان قد كتبه "جون فيلبي" عن تاريخ هذه العائلة السعودية، وأوضح جون فيلبي دوره الكامل في خلق هذه العائلة وتكوينها وجملها وفصالها، وكيف أنشأها الانكليز.

وقال فيلبي: (أن الفضل في ذلك يرجع الى فيلبي أولاً، والسير برسي كوكس ثانياً)، ولقد سلم لي عبد الله الفيصل وزير الداخلية السابق هذا التقرير ربما دون أن يقرأه قائلاً: (خذ هذا واقرأه فقد ينفعكم، وقل لي رأيك فيما يكتب فينا وأعده اليّ).. وبالفعل فان هذا التقرير قد "نفعنا"، ولكني لم أعده اليه ولم "اقل له رأيي فيه"، وإنما نشرت معظم فصوله.. ولما قرأته قلت لنفسي: سوف لن أعيد هذا التقرير مرة أخرى إلى من لا يعرف قيمة هذا التقرير، اللهم إلا إذا طلبه مني، ولكنه لم يطلبه منّي فقد نسيه الأمير المحروم "من كثرة الحرمان"!.

وكان جون فيلبي قد أعلن غضبته على سعود وعائلته "لما عاملوه به من جفاء كفراناً بفضل خالقهم"، عندما وجدوا أن النفيعة الأمريكية أحسن مذاقاً وأجدى نفعاً من نفيعة الإنكليز. وكان جون فيلبي يشعر بمرارة لا بعاده من قبل سعود تنفيذاً لرغبة الأمريكان، وقد وسط بينه وبين سعود حسين العويني العميل السعودي المعروف الذي ألحقه جون فيلبي "في عضوية مجلس الربع السعودي" التابع لعبد العزيز ـ ورشحه السعوديون لرئاسة وزراء لبنان مراراً ـ… وقد صب جون فيلبي جام غضبه على سعود وأفراط عائلته الذين تنكروا كما يقول فيلبي (لأصدق صديق لوالدهم، تنكروا لمن حكم مكة من أول يوم دخلناها ولمدة 37 عاماً حكماً مباشراً حتى روضها، وحكم الجزيرة العربية 40 عاماً حكماً غير مباشر، عندما ـ كان كل الحكام يسيرون بأمري، ويستعطفوا مني كلمة صالحة في حقهم أرسلها في تقرير إلى لندن لطلب العون والمال والسلاح والحماية، وقد صليت بالناس إماماً في الحرم الملكي، وصليت بوالدكم إماماً، عندما تتهمونني الآن فقط بأنني غير مسلم. ان والدكم كان يأتمر بأوامري ولا يرى بعد رأيي أي رأي. أنني مواطن عربي الآن، ولو كان والدكم حياً لما سمح لكم بهذا التطاول علي الذي هو تطاول على والدكم في الحقيقة، لو كان أخي عبد العزيز بن سعود في الوجود لما رضي بابعاد والدكم عبد الله فيلبي، لو كان والدكم عبد العزيز حياً لقال لكم من أنتم يا أبنائي الذين تتجرأون على منشئ دولتنا الحاج عبد الله فيلبي، ومربيكم أنتم بالذات، وقد قالها أخي عبد العزيز بالفعل عندما انتقده عدد منّ مشايخ القبائل والدين "لتقريبه لعبد الله فيلبي والأخذ برأيه لأنه انكليزي".

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:05 PM

قال عبد العزيز: "هل تذكرون أولاً من نحن، وأين نحن وكيف كنا، لولا عبد الله فيلبي والانكليز؟". ورد عبد العزيز على نفسه قائلاً: "كنا مطرودين نعيش على فضلات صحون آل صباح في الكويت، لولا الإنكليز ومواقف الأخ عبد الله فيلبي الصديق الصدوق، الذي لا يمكن أن ننسى فضائله علينا، فإذا تنكرون علي أخذ مشورة عبد الله فيلبي لأنه انكليزي، فأحب أن أذكركم أن كل ما تأكلونه الآن هو من عند الله وعند الانكليز، والسلاح الذي معكم من الإنكليز، والريالات التي في جيوبكم سكّها لنا الانكليز، والذهب الانكليزي الذي معكم هو صنع الانكليز، وثيابكم وعمائمكم كلها من غزل الإنكليز، ولكنكم الآن تسبون المظهر وتنسون الجوهر.. هذا ما قاله والدكم عبد العزيز عني. وكنت أصلي إلى جانب والدكم خلف إمامه الخاص، وكان أمامه إماماً متعصباً ضد الانكليز "الكفار مما أثار غضب والدكم عبد العزيز. أثناء الصلاة، حينما قرأ هذا الامام الآية القرآنية القائلة: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، فتوقع عبد العزيز أن إمامه كان يعني "بالذين ظلموا" عبد الله فيلبي والإنكليز الموجودين معنا آنذاك، فتقدم عبد العزيز بعصبية نحو إمامه واجتذبه أثناء صلاته ورماه أرضاً، ثم تقدمنا في الصلاة بنفسه وتلا الآية التالية: {قل يا يها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما عبد ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين}.. هذا هو والدكم عبد العزيز ولكن المغريات الأمريكية أغرتكم بزخرفها عن أصدقائكم الأولين الحقيقيين، لكن أملي بالأمير فيصل قوي أن يعيد النظر ويتمسك بسياسة والده القديمة!).(3).

هذا هو جزء من التقرير والرسالة اللذين كتبهما جون فيلبي بتاريخ 14 / 6 / 1954 من بيروت، وعندما قابلت عبد الله الفيصل مرة أخرى بعد أن سلمني ذلك التقرير، توقعت أن يسألني عنه، لكنه لم يسأل وإنما طلب أن أركب معه بسيارته، وذلك عشية 22 / 6 / 1954، وأخذ يؤشر لي على بعض عماراته في جدة ويقول "ان هذه كلها من المرحوم جدي البطل عبد العزيز، الذي يعزني كثيراً، أما سعود فوجه فقر" وأردف قائلاً: "أنا أعرف أنكم تعملون للثورة، وأن الثورة ستقوم لا محالة مهما أخذنا احتياطاتنا ضدها، ولكن المؤسف أن الثوار سوف لن يميزوا بين سعود الفاسد المجنون، وبين الوطني المخلص عبد الله الفيصل أو والده فيصل، هذه هي مشكلة الثوار"، قلت للأمير سعود وأولاده وبقية العائلة، لأن ساعة الثورة ليست ساعة تمييز، وإنما هي ساعة إصدار حكم، وإبادة حكام، ولكن لماذا لا تثورون على أنفسكم أنتم ليميزكم الثوار الحقيقيون؟!".

قال: "ألا يوجد من العمال من يخلصنا من سعود وظلمه؟" قلت: "أن المسألة هي التخلص من النظام الفاسد، ونحن لا نؤمن بالاغتيالات الفردية ولم نقرها بعد، ولو أقريناها لكان بامكاننا التخلص من سعود وأمثاله".. قال الأمير: "تعال لي مرة أخرى لنتحدث أكثر، فأنا الآن معزوم على العشاء لدى "ابن زقر"، وها هو بيته ولا أريد أن تدخل معي عنده، فقد يكون عندهم من ينقل الكلام لسعود فاتهم بمناصرة العمال"..

وتركت الأمير لأسافر إلى الرياض، وفي الرياض اتصلت مرة بالوزير الامير سلطان وزير الدفاع حالياً، فعرضت عليه بصفته وزيراً ما يلاقيه العمال من طغيان، فأركبني معه في سيارته حيث كان متجهاً من بيته إلى مجلس الوزراء، ومر بي ما بين أكواخ بالية وقصور عالية تقع كلها متلاصقة ومتقابلة في جنوب الرياض، وكأنما هي تبارز بعضها، فأخذ الأمير سلطان يؤشر لي بيده على القصور والأكواخ وهو يقول: (انظر إلى أصحاب هذه الأكواخ كيف يموتون، وانظر إلى أصحاب هذه القصور كيف يعيشون. أصحاب هذه الأكواخ هم الشعب، وأصحاب هذه القصور هم قلة من مستغلي الشعب. فأين الاسلام عنهم؟)!!.. وتابع الأمير قوله التجاري قائلاً: (لو أن الاسلام قد طبق حقاً لسكن أصحاب هذه الأكواخ في هذه القصور، ولما أستحق أصحاب هذه القصور أن يسكنوا حتى في هذه الأكواخ، لكن الاسلام أصبح غريباً وأصبح أمثالكم عندما يطالب بحقه المشروع، وعندما يطالب بإيجاد عمل له من أجل أن يعيش ويعيش أولاده ويستر عورات أهله من العار، يتهم بأنه شيوعي خطير. كيف اتهموكم بالشيوعية؟)..

قلت: (الذين اتهمونا بالشيوعية هم ركائز الخيانة والاستعمار، اذاعة اسرائيل حينما سجنا عام 1953 أذاعت "بأننا شيوعيين" واذاعة صوت أمريكا أذاعت "بأننا شيوعيين" ووزعت شركة أرامكو بيانا تزعم فيه "أننا شيوعيين"، وأشاعت ارامكو وأذنابها من الحكام "بأننا شيوعيين" كما كتبت الهيئة الملكية التي أرسلها سعود لنا بأنني شيوعي، وذلك عندما لعنتها في مطار الظهران ونسفت "المنضدة" في وجوههم، عندما قال لي أحد أعضائها "نسيب السباعي" أن الله أمركم باطاعة ولاة الأمور كما يقول: {أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم}ـ ومن ولاة أمركم الأمريكان!..

وهذا هو مصدر اتهامنا بالشيوعية، رغم أننا لم نعمل ساعة للشيوعية، ولم نطالب لحظة بالشيوعية، وإنما كانت مطالبنا وطنية وعمالية وقومية ودينية، بل وجزء من هذه المطالب يتجه آنذاك مباشرة ـ بمضمونه ـ لإيجاد "رأسمالية وطنية" في البلاد، أي لتحويل هذه الأموال "التي سرقها أصحاب القصور من أصحاب الأكواخ" لإنشاء صناعات ومصانع ومؤسسات وطنية، أول ما يستفيد منها أصحاب رؤوس الاموال واللصوص أنفسهم، وبالتالي تنقذ أصحاب الأكواخ من الموت البطيء، والمرض القاتل والجهل المقيت، بدلاً من تهريب هذه الأموال إلى الخارج هذا ما قالته ألسنتنا أما نحن فالحقيقة أننا أخطر من الشيوعيين!)..

قال الأمير: كيف؟.. قلت أننا "عمريين" نؤمن بمبداً عمر بن الخطاب الذي حاسبه الشعب على نصف بوصة زائدة في أسفل ثوبه ـ حتى أثبت عمر ـ بأن ذلك الثوب لم يكن ثوبه، وإنما هو ثوب ابنه عبد الله، استعاره منه لأداء صلاة الجمعة، وهذا المبدأ "العمري" الذي طبق منذ مئات الأعوام في أرضنا المظلومة هذه، لم يطبق حتى الآن في بلد الشيوعية، وإنما طبق في الجزيرة العربية قبل أن يعرف الناس الشيوعية، نعم.. لقد طبق قانون عمر القائل: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتم أمهاتهم أحراراً؟) وكذلك قانون علي بن أبي طالب القائل (ما جاع فقير إلا بما متع به غني) وإذا كانت تؤمن يا صاحب السمو بما تقول "عن حق أصحاب الأكواخ في باطل سكان الصور" فاعمل بما تقول وستجد أن بامكانك تحقيق شيء من الإسلام!.. ولا أقول كل الإسلام!).. قال الأمير سلطان: (انني مثلك ليس بيدي تحقيق شيء مما قلت)!. قلت: (أن لديكم حصانة ـ أميرية ملكية ـ أما أنا فأقاوم كل القوى الشريرة: الأمريكان، وشركة ارامكو والرأسماليين وكل أجهزة الحكم ضدي، وليس معي حتى أصحاب هذه الأكواخ النائمين، لكنني مع هؤلاء الذين لا يجدون حتى الأكواخ ومن يعيشون على براميل الزبالة عند أبواب القصور!)..

قال الأمير: (هل تعلم أنني اتهمت بالشيوعية؟ وأنهم يقولون عني الأمير الأحمر؟!.. وانني موضوع في القائمة السوداء؟!).. قلت بتهكم واضح على هذا الكذب: (يجوز؟.. جائز جداً.. انك أمير أحمر فعلاً!).. صحف البلاط واذاعته بعد ذلك: (ان مجلس الوزراء قد عقد جلسته الهامة ونظر في الأمور المدرجة في جدول أعماله) بل جدول اهماله!.

هذا هو نوع من أقوال امراء التهريج أولاد عبد العزيز الطاغية، الذي أوصاهم قبل موته في تعريفه للسياسة (انها السياسة يا أولادي هي قل ما لا تفعل، وافعل ما لا توقل)! وسار معظم أولاد الحرام على هذه السياسة، اللهم إلاّ مشعل وزير الدفاع سابقاً أو "برميل اللحم" الذي قال لي عندما قابلته في فندق البساتين بجدة وقلت له: (أنني أريد دخول الكلية العسكرية) قال: لماذا؟.. قلت: لأخدم وطني!.. قال: (أنا أعرف ما هي خدمة وطنك علينا.. إن أحسن شيء للوطن هو تقطيع رؤوسكم. ولو كان الأمر بيدي لوضعتكم في فم الطوب)، أي لو كان الأمر بيده لما قتلنا إلا بوضعنا في داخل مدفع؟ قلت له: سلامتك، أي طوب تعني؟ وعياركم؟.. قال: أنتم أهل الاضطرابات؟ ومضى في حال سبيله غير الرشيد.

أما مفتي القصور السعودية محمد بن إبراهيم فقد قال: (أنه لا دخل لي في السياسة، وقضية العمال هي قضية سياسية لا يجوز لعلماء الدين الخوض فيها، أما عن قولك عن ابعاد العمال العرب بواسطة الامريكان وإحلال العمال الأجانب مكانهم، فهذا جائز شرعاً فديننا لا يبيح أن يعمل المسلم تحت أمرة الأمريكاني الكافر) قلت: (اننا لم نذهب إلى أمريكا وإنما الأمريكان جاؤوا لبلادنا، فما هي الفتوى التي تبيح سرقتهم لزيت بلادنا وخيراتها؟). قال: (الأمريكان يصلحون في الأرض ولا يفسدون، وقد عمروا أرضنا بعد أن كانت خراباً)، قلت: (ان الأمريكان يفسدون الأرض والضمائر معاً، وقد استأجروا عدداً من قضاة الدين عندهم كقضاة شرعيين للفتاوى، واحد في الرياض براتب قدره 13 ألف ريال، وواحد في جدة وواحد في الظهران كل منهما براتب قدره 6000 ريال). فقاطعني قائلاً: (إذا ثبت ما تقول، فان هذا يدخل ضمن الوظيفة والأجر مقابل العمل المشروط، أي وظفوا هؤلاء العلماء، وهذا جائز شرعاً. وجزى الله الأميركان خيراً)، قلت: (الأمريكان جزاهم الله خيراً؟!) قال: (نعم..) قلت: (انك تقول: أنّه لا يجوز للعمال العرب العمل لدى الأمريكان، فكيف يجوز أن يعمل رجال الدين لدى الأمريكا، ونحن نعلم أن هذه الدراهم لا تقدهم لهم إلا للفتاوى ضد العمال، ومع ذلك يجزي الله الأمريكان خيراً؟!..) فغضب وقال: (البلد كلها عائشة على الأمريكان.. قم.. قم. قد قلت لك أنه لا دخل لي في السياسة).

قلت هذا للمفتي وأنا أعلم أن محمد بن براهيم هو صاحب المرتب البالغ 12 ألف ريال شهرياً، الذي كان يدفع له من شركة أرامكو عن طريق مكتب العلاقات الحكومية "جوفر نمنت رليشن" كمرتب خصص للإفتاء في الشؤون العمالية، وقلت للمفتي: (سبق أن أفتى قاضي الظهران بقوله "الامريكان قد أحيوا أرضنا، والحديث الشريف يقول من أحيا أرضاً ميتة فهي له" فما رايك بهذا المفتي؟). فبدأ الغضب على وجهه لكنه سكت وحاول عمل شيء ضدي. وخرجت من عنده..

ولا أريد أن أسترسل في سرد بقية قصتي مع آل سعود وتجاز دينهم جميعاً فالقصة "غصة" شعب طويلة لا نهاية لها أبداً إل بنهايتهم جميعاً، حينما يطبّق الدين الصحيح في يوم تشرق فيه شمس الثورة ويتحرر الشعب وإنما أوردت بعض القصة التي جرت معي لأفنّذ كذب هؤلاء المرتزقة الذين التفّوا حول بعض الأمراء، وبدأوا يبثّون لهم دعاية كاذبة عن ديمقراطيتهم المزعومة وبايعوهم، بينما الشعب المسحوق "المسعدن" الممسوخ إسماً ورأياً ووطناً وديناً لم يبايع!.. بل كيف "يبايع" من لا يملك الرأي الحر ومن يؤخذ بالظن والشبهات؟!.. والأمراء الذين تحدثت عنهم هم الذين يحكمون الآن ويتحكمون.. ولو أنهم استفتوا الشعب على ثقته فيهم لما منح الشعب ثقته أبداً إلا لمن يقتلهم جميعاً، للقضاء على من اندسوا على الإسلام لتخريب الإسلام. ففعلوا أسوأ مما فعله معاوية وزبانيته الرأسمالية والاقطاع والخداع الأوائل.. في نكبة الجوف ضد: علي..

الهوامش:

1 ـ لا وجود لسجلاّت القيود آنذاك. وحتى الآن في معظم المناطق. فسجلات القيود كانت تعتمد على تحديدها بحوادث شهيرة معينة، كقوله: عام الطاعون، عام الجدري، عام السقوط، الخ…

2 ـ هو شقيق الملك خالد بن عبد العزيز، وهو من أكبر أولاد عبد العزيز ومن أشرّهم سابقاً، اذ كان يطلق الناس عليه (أبو الشرّين) فاشتهر بحبه للملايين والادمان الجنسي والكحولي.

3 ـ والمعروف أن فيصل قد تدرب في عدد من الدورات في المركز الرئيسي للمخابرات البريطانية في لندن على يد فيلبي الذي سافر معه وهناك عدد من الصور يظهر فيها فيصل يقوده جون فيلبي إلى المركز (انظر اليوبيل العربي ـ الطبعة الأولى ـ لجون فيلبي).

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:08 PM

الفصل الثالث
رسالة المناضل ناصر السعيد الى الملك سعود


تمهيد
هذه الرسالة التي أصدرها في هذ الوقت، الذي انكشفت فيه للملأ اجمع خيانات الملك سعود الحقيرة وتآمره على الجمهورية العربية المتحدة، وتدبير خطته اللعينة مؤامرة الملك سعود القذرة. لقد بعثتها بتاريخ 15 / 6 / 1957.

إلى المتآمر سعود.. حيث انتفخت أوداجه حنقاً لسبب بسيط، وهو أن في هذه الرسالة الحقيقة.. الحقيقة المرّة التي لا تسوخ لكل الملوك والعبيد.. ولقد كانت تلك الأيّام السالفة لا تسمح لأحرار الجزيرة العربية بنشر مثل هذه الرسالة أو غيرها، لأنّ القائمين على نهج السياسة العربية المتحررة، يرون في ذلك أمراً يبعد الملك (سعود) عن حظيرة الركب التحرري، ويجعله يترامى أكثر فأكثر في أحضان الاستعمار.. ولكننا نحن الذين عرفنا (سعود) المتآمر، أنه مركب نفسياً واجتماعياً على الاثم والفسق والفجور.. على اللصوصية والرذيلة والانحطاط الخلقي، على الكذب والبهتان والتآمر والاغتيالات الفردية، إشباعاً لنزواته الشيطانية، وشهواته الحيوانية الرخيصة، ندرك تماماً أنه لا يمكن إصلاحه أبداً، لأن البطانة الفاسدة التي تحيط بعرشه، والمجتمع المترف العفن الذي نشأ فيه، وترعرع بين أكنافه، كل ذلك جعل من الملك سعود خادماً ذليلاً بل مطية طيعة للمتسعمرين، وحمار أسفار لسادته الأمريكان!!!.

وهكذا أثبتت المؤامرة الدنيئة ـ التي لم تكن الأولى والأخيرة ـ على ما كنا نتوقعه ونعرف عن هذه الخائن الماجن العاق لشعبه والعميل الذليل.

ناصر السعيد 7 / 3 / 1958
قبل بدء الرسالة: اضع هذه الأضواء الكاشفة على خياناتك يا سعود، حينما عاهدت الله والشعب ألا تخون، فخنت الله والشعب، وحكمت بالطاغوت، وبعت البلاد لأعداء الله والشعب.. وفيما يلي مقتطفات من خطاب العرش وميثاقك الغليط يوم توليك العرش..


الشعب لم يبايعك يا سعود..

بل بايعته وختنه

(اعاهد الله ان أحكم بالعدل وأساوي بين الصغير والكبير وأعمل لاسعاد هذا الشعب العزيز ورفاهيته ورقى البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ساهراً على مصالح البلاد وتأمين حقوق أبنائها مذللاً كل عقبة تعترض سيرنا في هذا السبيل ضاربين على كل أسلوب معيب، وسنولى قواتنا العسكرية والوطنية عنايتنا. فأطلب ممن لهم خبرة في شؤون البلاد من أبناء شعبنا العزيز، أن يتقدموا بما لديهم من آراء لاصلاح وضعنا هذا).

5 من ربيع الأول 1373 "سعود"

ألم تقرأ الدستور الذي تزعم أنه دستورك؟

{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}.

{ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً}.

{والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}.

{وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.

{ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين}.

{ولا تسرفوا.. ولا تبخسوا الناس أشيائهم.. ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.

{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً}.

{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساداً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}.

{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}.

{ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.

{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}

"قرآن كريم"


اخطار إلى الطاغوت سعود


يا سعود
هذه مقتطفات من القرآن الكريم الذي تزعم أنه دستورك، أردت أن أضيق صدرك بها قبل الرسالة أيضاً، لأنها تدعو إلى العدل السياسي والعدل الاجتماعي.. تفرض العلم على الرجل والمرأة، وتساوي بينهما في جميع الحقوق والواجبات الاجتماعية والوطنية. تندد بالظلم والفقر الذين هما أكبر سمات عهدك المشؤوم. تحارب الاقطاع والكسب غير المشروع وسفك الدماء البريئة، وانتهاك الحرمات والحريات والتعذيب والنهب والسلب واللصوصية والخيانة والرذيلة التي تمرغت في وحلها، وكرعت من مستنقعاتها الآثمة، واتسم بها عهدك فكتبت على محياك أبداً..

كفانا زيفاً وتدجيلاً، وحسبك هذه المتاجرة المفضوحة باسم الدين، وان الدين ليبرأ إلى الله منك ومن أعوانك ومن حاشيتك الفاسدة، وولاتك ومستشاريك الذين نهبوا البلاد وأظهروا فيها الفساد..

ولم تكتف أيها الطاغوت الطاغي، يا من ارتديت مسوح الرهبان، وتظاهرت بالصلاح والتقوى، بما ارتكبت من جرائم وآثام في داخل الجزيرة العربية، بل سولت لك نفسك الشريرة أن تتآمر على الجمهورية العربية المتحدة، وتغتال زعيم العروبة جمال عبد الناصر..

تآمر ما وسعك التآمر، وأظلم ما وسعك الظلم. واستعن ما استطعت يا (حرامي) الحرمين ويا عبد الدولار ـ بأسيادك المستعمرين الأمريكان ـ على خنق الحريات، وتقتيل الشعب، وتكبيله بالقيود، فلن تفلت من قبضة الشعب الأبي الذي انتفض كالعملاق ينشد حقه في الحرية والحياة الكريمة، ويطالب برؤوس جلاديه ومستعبديه.. وما يومك الاسود ـ يا سعود ببعيد!!

ناصر

من ناصر السعيد إلى الملك سعود

من ناصر السعيد الى الملك سعود:

هذه الرسالة التي أحاول أن أضعها بين يديك تضم حياة شعبنا الدامية، ولخطورة المسائل التي ستتناولها هذه الرسالة، عملت على نشرها للرأي العام ليطلع على حقائقها، وليكون عاملاً مهماً في التأثير عليكم لتلبية حقوق شعبنا الطبيعية التي حرم ولا يزال محروماً منها، في حين تتمتع بهذه الحقوق بعض الأقطار العربية التي هي أقل منا مورداً وخيرات طبيعية..

على ضوء القرآن:

ان ما يقال عن بلادنا بأنها تحكم حكماً إسلامياً على ضوء تعاليم القرآن الكريم، أكبر فرية في التاريخ الحديث، جعلتك تفخر دائماً بطريقة حكمك هذه ، وتعتبرها أكثر سلامة وأقوى ضماناً لمصالح شعبنا، وتغمز في أكثر المناسبات الى أنظمة الحكم في الأقطار العربية الأخرى.

ولكن الأيام اثبتت، والقرائن دلت، والأوضاع شهدت، بأن شعبنا وفقاً لطريقة حكمك هذه يسير نحو التأخر والتجهيل، والفقر والمرض والأدواء الفتاكة على مختلف اشكالها، ولو أخذنا قطراً عربياً كالعراق ـ مثلاً ـ رغم الحكم الارهابي فيه وسيطرة عملاء الاستعمار والصهيونية على مقاليده، تنفيذاً لسياسة أسيادهم، لوجدنا العراق أكثر منا تقدماً ونهضة اقتصادية واجتماعية وتعليمية، على حين أننا لا زلنا نتخبط في دياجير الجهل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وضحالة الثقافة العلمية..

الدين الوسيلة:

ولكن الدين هو الوسيلة التي يتذرع بها كل من أراد أن يستهجن بني الانسان ويشوه الحقيقة، وهو السلم الذي يتسلق عليه من بغى من أمثالك على أكتاف الضعفاء والمستضعفين.

فلقد عذب محمد (ص) ورشق بالحجارة وطورد باسم الدين، وأوذي أبو ذر الغفاري، ومات منفياً باسم الدين، كما قتل أحمد بن حنبل باسم الدين، ورفع الملك فاروق وأمثاله إلى درجة الأنبياء باسم الدين، وأطلق الرصاص على جمال عبد الناصر باسم الدين، إلى أن جاء دورك ومن معك فرحتم تضحكون على الذقون، وتسفكون وتسرقون الشعب، وتقطعون الأيدي والأرجل وتمجنون، وتحكمون ظلماً باسم الدين، حتى ان ـ ايزنهاور ـ اوهمك باسم الدين قائلاً: "أنه يخشى على الأراضي المقدسة من مبدأ جمال عبد النصار الهدام، لذا فهو يحرص جيداً على اقرار الأمن، ودفع المساعدات وإصلاح المطارات والموانئ الحربية والبرية والبحرية، وتجديد اتفاقية قاعدة الظهران الذريعة لصد خطر جمال!"… أرأيت كيف أصبح الدين وسيلة حتى لسيد الخائنين؟..

ومع ذلك كله تقول بأن دستورك القرآن، وتعلم أنك تستهجن كتاب الله الذي هو أجل من أن يطلق عليه هذا الأسم، وقال عنه دستور أو نظام؟.

القرآن حتفكم:

اذا أصررت على أن يكون دستورك القرآن، فليتكلم القرآن ولتنطق آياته البينات.

{أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها اذلة وكذلك يفعلون} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}.

ولقد كان جالوت ملكاً عندما خسف الله به وبداره الأرض.. وكذلك فرعون وهامان وقارون وملك بابل وملك سبأ..

{فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.

وامدت مقاومة الله إلى قتل اتباع الملوك ومستشاريهم والمقربين منهم، {وقتل داود جالوت} وكان جالوت من أعداء طالوت.. فجاء الإسلام بعيداً عن روح الملكية البغيضة وحكم الفرد، حتى انه لم يرحم أي حاكم منحرف عن تطبيق الحكم، ولو كان هذا الحاكم من أصحاب الرسول.

كذلك قتل الشعب عثمان، ولن ننسى أبداً دور محمد عليه السلام في تحطيم الملوك.. فعندما رشحت قبائل الاوس والخزرج عبد الله بن سلول ليكون ملكاً في المدينة، قاومه النبي بشدة، حرصاً منه على ألا تحل الملكية المقيتة في أرض الجزيرة العربية المقدسة محل النبوة، ولم يقتصر جهد محمد عند هذا الحد، بل قاوم جميع الملوك كالمناذرة والغساسنة والحميريين وملوك مصر والفرس والروم، حتى طهر الأرض من رجسهم.

الحكم في الإسلام جمهوري وليس بالوراثة:

ويأبى الدين إلا أن تحكم الجماهير نفسها بنفسها، وتنتخب رئيسها حتى لا يكون الحكم وراثة، والشعب سلعة تباع وتشترى تسلم وتستلم من مالك إلى آخر. فيقول القرآن {وأمرهم شورى بينهم}، ويقول عمر عندما سأله أصحابه أن ينزل لأحد أو يستخلف أحداً (مالي ولأوزاركم أحملها حياً وميتاً)، فرفض أن يكون لابنه عبد الله شيء من الأمر، وقال: (حسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل ويسأل عن الأمة ظلم فيها أم عدل).

نبي الله بشر وليس صاحب جلالة.

وها هو ذا صاحب الرسالة الإسلامية يتبعه مئات الملايين من المسلمين لم يعلن نفسه ملكاً، ولم يقل: أنني أخذتها بالسيف وأنا شرعها وفرعها(1) بل جاء لتحطيم الملكيات الزائفة العروش النخرة والجماجم المتحجرة، وهو القائل عليه السلام: (انما أنا بشر مثلكم يوحى إليه)، وأنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد، ومن ظلمته فليقتص من جلدي). وكان ينام على حصير فيدخل عليه عمر بن الخطاب، واذا به قد أثر في جنبه فقال له:

ـ ألا تتخذ فراشاً ليناً يا رسول الله؟!

فأجاب عليه السلام:

ـ ماذا يا عمر؟ أتظنها كسروية؟ إنها نبوة لا ملك..

وكان ذات يوم يوزع مال الأمة لمصلحة الأمة، لا لمصلحة الحاشية ومن لف لفها، فأخذ أحد المواطنين نصيبه جذباً عنيفاً، وقال: زدني يا محمد فليس المال مالك ولا مال أبيك! فغضب عمر، ولكن محمداً ابتسم في حنان وقال:

ـ دعه يا عمر، ان لصاحب الحق مقالاً..

أرايت هذا التواضع الذي لم تعرفه دهاليز قصورك وفرشك. إلا أنه الدين الصحيح!

اذن على أي مادة من "الدستور!" تستندون؟ وبأي دين بعد الله وآياته تؤمنون؟ وأي حديث "شريف" يبيح مدينة الناصرية(2) وأخواتها؟ أي دين يبيح هذا الترف والإسراف والمنكر وإضاعة أموال الشعب والمتأجرة بمئات الألوف في الرقيق الأبيض والأسود، والزواج بالمئات والطلاق بالمئات، وافقار الشعب وخنق حرياته، وبيع أرضه وحرماته ومقدساته للمستعمر الزنيم.

وعذرك ان المالية في "جيبك الخاص"، والشعب "رعيتك"، والأرض وما فيها وما تحتها وما عليها ملكك، مدعياً أنك أخذتها بالسيف. هذا الذي يرجع تاريخه إلى ـ غزوة اليمن المشهورة ـ والتي رجعت فيها خائباً مدحوراً تجر أذيال الهزيمة.

هذا السيف الذي يعلم الله انه لم يشهر يوماً في وجه الأعداء، ولم يعرف إلا في مجالسك، ولم يظفر إلا برقاب الشعب الذي قاد الكفاح وولاك العرش وضحى بالأرواح حتى جعلك ملكاً. ولله در من قال:

وحين رست ركائبكم بنجد

تنكرتم لمن قاد الهجينا

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:11 PM

سنقاومك بسيوفنا يا سعود:

لا تؤاخذني يا سعود إذا ما خاطبتك بهذه اللغة المجردة من قشور النفاق وخضوع الذلة والمسكنة..

ولا شك أنها لغة غريبة عليك، بعيدة عن ـ دهاليز قصورك ـ لم تسمعها في حياتك من أفواه المستشارين والعبيد.. لكنها لغة أجدانا العرب..

وأنا على عزم يقين لمخاطبتك بها، فلست أفضل من أبي بكر الصديق القائل "اطيعوني ما أطعت الله فيكم. وان عصيته فلا طاعة لي عليكم".

ولست أجل من عمر بن الخطاب حين قال "وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتموني على حق فاعينوني وإن رأيتموني على اعوجاج فقوموني"، فيزكيه الشعب على لسان فرد من أفراده بقوله "ماذا يا عمر؟ لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا".

ثم ماذا فعل عمر بهذا المواطن الذي زجره أمام ملايين الناس؟ أي سجن يا ترى أدخله؟.

سجن العبيد بالاحساء؟.. سجن القطيف؟. أقبية الحجاز سجون القصيم؟..

مصمك الرياض.. أو هل أمر العبيد بجلده وتسريحه من العمل ونفيه عن مناطق حكومة أرامكو الاستعمارية السامية فوق الحكومة، وقصف أجله، أم قطع يده ورجله من خلاف؟ كلا.. وحاش أن يكون ذلك في الإسلام!!

اذن ماذا فعل عمر؟.. ألم تر كيف فعل؟..

لقد زاد عمر ابن الخطاب غبطة وفخراً وسروراً بهذا المواطن الذي عبر عن رغبات شعبه حين قال ـ كلمته المشهورة ـ "الحمد لله الذي جعل من هذه الأمة أناساً يقومون عمر بن الخطاب بسيوفهم عندما يعوج عن الطريق".

لا سمع ولا طاعة يا سعود:

وأين أنت من عمر: حينما وقف يخطب بادئاً قوله أيها الناس اسمعوا وأطيعوا"، فينبري له أحد المواطنين مقاطعاً عمر بقوله ـ لا سمع ولا طاعة ـ أترتدي ثوباً خلاف ثيابنا يا عمر؟ من أين لك هذا، مما اضطر عمر إلى أن يقف موقف الدفاع، أنه لم يسرق الثوب، فيقف عبد الله بن عمر موضحاً للشعب أن الثوب الذي يرتديه أبوه ـ كان ثوب عبد الله ـ أخذْ بالاعارة منه ليؤدي به صلاة الجمعة لأن ثوب عمر يعريه!

وبعد أن أطلع الجمهور على صحة ما قاله عبد الله بن عمر، ورأوا ثوب أبيه، وتيقنوا أن عمر بن الخطاب لم يسرق الثوب من مال الشعب، منحوه ثقتهم وقالوا كلمتهم:

ـ (لقد سمعنا الآن وأطعنا فأتم خطابك يا عمر).

ها هو ذا الذي يتمسك بتعاليم الدين، وينهج نهج القرآن الكريم من أجل خدمة الشعب، وإنارة طريق الشعب، ورفع مستوى الشعب، ها هو أحد العمرين الذي انتصر به الإسلام.. انظر كيف يحاسبه الشعب عن ثوبه الذي يرتديه ـ فكيف به لو أطلق أسمه على الشعب ـ قائلاً الشعب "العمري" مثلاً، كما قلت الشعب "السعودي"، وكيف به لو قال أن المال مالي والأرض أرضي والشعب رعيتي؟.

وأخذتها بالسيف، وورثت الحكم، كما قلت أنت تماماً؟

ماذا سيكون مصيره تلك الساعة؟:

هذا الذي يحق له أن يتكلم باسم الإسلام.. لا يفرض بإرادته عن إرادة الشعب، ولا برأيه عن رأي الشعب..

لا يسخر الشعب لمصلحته الخاصة، ولا يسخر منه ولا يعلو عليه، ليس له قصور ولا حور ولا طعام ولا شراب يشرف على احضاره الأمريكان، بل كان حرباً عواناً على أمثال هؤلاء المستعمرين الأمريكان.

متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً؟.

ولقد جاء رجل من مصر إلى عمر بن الخطاب وقال "إني أعوذ بك من شر الظلم" قال ما بك أخبرني؟. قال:

جرى سباق، فأقبلت فرسي فقلت، فرسي ورب الكعبة، وإذا بمحمد بن عمرو بن عمرو بن العاص ينهض من مكانه ويضربني بسوطه وهو يقول "خدها من ابن الأكرمين"، فبعث عمر الى عمرو كتاباً يستقدمه به، ولما قدم ومعه ابنه قال عمر للرجل: "دونك الدرة فاضرب ابن الأكرمين" فضربه حتى أوجعه، ثم قال عمر عليك برأس والده، فوالله ما ضربك الا بفضل سلطانه، والتفت عمر وقال "يا عمرو متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" ذلك هو الدين.

غير أنك تتجاهل كل هذا تاركاً ولاتك الجهلة الظلمة، وحاشيتك الخائنة الخبيثة، وعبيدك وأشباه العبيد من اتباعك والجواسيس يلعبون ويمجنون ويفسقون ويقتلون ويفتكون ويسفكون ويرتشون ويتاجرون ويعتدون على الأعراض ويبخسون الحريات. ويتعاملون مع الإستعمار الأمريكي المتجسد بشركة أرامكو المجرمة اتباعاً لسنتك، مستغلين اسمك وجورك وسلطانك ضد بلادنا وحريات شعبنا، الذي باسمه أصبحتم رجالاً، أمراء ووزراء مسؤولين، تتصرفون بالشعب وقيمه وكرامته وحرياته وتقودونه الى الهاوية وبئس المصير.

ابوابي مفتوحة:

وبين حين وآخر تصدر مذيلة باسمك، تارة تتهم الشعب "بالشيوعية"، تهدده بالويلات والسيف والموت والسجون، وأخرى تقول ان أبوابك مفتوحة للشاكي والمظلوم، والسائل والمحروم، وأنك غير مسؤول ولا لوم عما يحدث من مظالم.

"وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين"، ولم نستوعب الحقيقة بعد، ولم تعرف أي الأبواب المعنية بالأمر، والمفتوحة المقصودة بهذه البيانات المفتوحة أيضاً؟

أبواب القصور المحروسة بالعبيد الغلاظ، والحرس الشداد يقصدون؟. أم أبواب السجون القذرة الغاصة بالمناضلين الشرفاء المليئة بالحشرات السامة وعظام الأموات، المزودة بأحدث ما ابتكرته عقول الأمريكان اللئام من أجهزة التعذيب الرهيبة والقيود المتينة؟.. نحن لا نعلم أي أبوابك المفتوحة…

ومع ذلك لقد طرق الشعب أبواب القصور ـ أبواب المظالم المزعومة ـ، وتضرع إليك أيها المتجبر فخابت آماله فيك، فبدأ بارسال البرقيات والعرائض، ولم يجد إلاّ الويل والثبور، فحاول أن يثبت للذين كانوا يظنون أنك لا تعرف ما يدور خارج القصور من أمور ومظالم، وحين وقف يصرخ صرخات الألم والحقد ـ ممثلاً بعشرات الألوف من العمال والمواطنين الذين وقفوا يصرخون بوجهك عندما كنت في طريقك الى مطعم شركة "أرامكو" يوم 9 / 6 / 56 بهذه الصرخات الحزينة المؤلمة ـ (مظلومين).. (مظلومين متململين) نستصرخك من أجور الشركة المجرمة أرامكو الاستعمارية، (انقذنا من ظلم الولاة الجهلة في دوائر الحكومة وفي مصلحة العمل بوجه خاص)، نرفض تجديد قاعدة الظهران الذرية)، (اطلقوا حرياتنا النقابية وجميع الحريات المشروعة)، وختموها بقولهم (الفناء للاستعمار والموت لأذنابه الخونة).

ثم تقدموا في تلك اللحظة بكتاب يحتوي على المطالب الشعبية والعمالية التي تقدّم بها العمال سابقاً على يدي لجنتهم وممثليهم عام 1952 و 1955، ان أفراد البطانة الفاسدة اللعينة وفي مقدمتها جمال الحسيني، ويوسف ياسين، وتركي العطيشان، ومسعود بن جلوي، ومساعد بن عبد الرحمن وغيرهم، حضروا لديك تلك الليلة في قصر بن جلوي بالدمام، فقالوا ولعنوا بما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بشعبهم، قالوا "أن هذه التجمعات لم تكن مظاهرة فحسب، وإنما هي ثورة عمالية مقصودة لقلب نظام الحكم، وهي من صنع أشخاص معروفين، وتدفعهم دولة أجنبية معروفة.. أجل ها هم يهتفون بالموت للخونة، وبالفناء للاستعمار، ويقولون مظلومين أمامك يا طويل العمر‍ فهل هناك ظلم "ما دام يوجد ديوان للمظالم".. وهل في بلدك المقدس خونة واستعمار؟ وما عليكم إلاّ الفتك بالرعية الخ..

والحقيقة الناصعة، ان بطانتك المجرمة تعرف نفسها جيداً، وتعلم أنها المقصودة.

وبعد ذلك تقدمت شركة أرامكو الاستعمارية بأسماء من تريد سجنهم من أبناء الشعب.. فحل طاعون حكمك الطاغي بعشرات المئات من العمال والمواطنين الشرفاء، فاستشهد العشرات في صحراء الاحساء، وفي سجن العبيد القذر، وسفكت الدماء الزكية، وشردت الآلاف، ولم يزل سجن الاحساء، بل قبر الأحياء ـ يضج من آهات المظلومين، وآهات الجياع والمحرومين، وصرخات المرضى المعذبين دون محاكمة أو تحقيق نزيه، دون أن تحترم حق الوطن وحرمات الدين، الذي تدعى زوراً وبهتاناً الانسان. فالانسانية معذبة بل معدمة في بلادنا‍ وأي إنسانية.. أجل أي إنسانية تبيح للإنسان أن يسوم أخاه الإنسان سوء العذاب في تلك السجون بل تلك المقابر الأثرية الواسعة، التي لا تليق بكرامة الحيوان ـ وربما لا يصح التعبير ـ لأن من الحيوان ما هو أعز لديك وأشرف من أي انسان.


عفو غير شرعي


عفو غير شريف:

وقد صدر عفوك ـ غير الشريف ـ مراراً، فشمل مجرمي الأخلاق من تجّار الأعراض، وأصحاب السوابق ومستوردي المخدرات. ولم يشمل الشرفاء بالرغم من عرائض الوفود الكثيرة، وبرقيات العمال، وصيحات الأهل والأقربين، وسلطات بعض الهيئات العربية، وإتحادات العمال العربية، والطلبة واحتجاج اللجنة الاقتصادية في هيئة الأمم المتحدة، واحتجاجات الصحف الشريفة، وغضب الشعب الذي هو من غضب الله.. وبالرغم من هذا كله لن تفرج عنهم.. ولكن النار تحت الرماد، وعذابك المصلت لن يكبح جماح جماهير الشعب، ولن يفلت من عزمها الجبار ونقمتها الطاغية.

بل على العكس من ذلك ـ فالضغط يولد الانفجار ـ، ومن أصدق ممن قال لنبيه: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر} ولكن… هيهات أن يسمع الصم الدعاء، أو يهتدي العمي عن ضلالتهم وقد ولوا مدبرين.. هيهات أن تسمع صوت شعبك وأنت تسير وفق أهواء أشخاص لا يمتون لهذا الشعب بصلة، وليس لهم من هدف غير استغلال الوضع الارهابي المقيت، ليغنوا عن طريق هذا الوضع بمقدرات شعبنا، وتبديد موارده الطبيعية، وخيراته الكثيرة، وحبس هذا الشعب في قمقم الارهاب الكبير، ليصفو لهم الجو ويعيثوا في بلادنا فساداً، ويمعنوا تخريباً بكل ما يقع تحت أيديهم، بحكم الصلة الوثقى التي تربطهم بك.. إن هذه السياسة لن تؤدي إلا إلى دماء البلاد وهلاك الشعب، وليس المسؤول عن هذا الفساد والأفساد، امثال يوسف يس، وجمال الحسيني، وتركي العطيشان، وسعود الجلوي شريك الجاسوس الانكلو أمريكي عبد الله بن درويش، وعبد العزيز بن مساعد، ومساعد وعبد الله بن عبد الرحمن، وغيرهم من أعمامك وعبيدك ومستشاريك مطايا الاستعمار الامريكي، الذين يأخذون الرشوات والرواتب السرية من شركة أرامكو الاستعمارية وأتباعها ـ كالتابلاين ـ، وبعض المقاولين للتستر على فضائحهم وألاعيبهم الضارة بمستقبل البلاد، بل أنك أنت المسؤول عن كل هذه المهازل والمخازي والألاعب، وسيحاسبك الشعب مهما تنصلت من المسؤولية في بياناتك "والمراسيم الكاذبة" الموقعة باسمك، وما يوم حسابك ببعيد.


الجأ إلى الشعب:

فالجأ الى الشعب، فالشعب هو الحصن الحصين الذي يجب أن تلجأ إليه في كل المناسبات والظروف، وهو الذي يملك كل شيء في هذه الأرض، لأنه صاحبها الشرعي، وما أنت إلاّ فرد واحد من هذه الملايين الثمانية، وإذا ظننت أن وسائلك الإرهابية والكبت والفتك المصلت على رقاب شعبنا قد أسكت صوته، ووقفت حائلاً دون إظهار شعوره بالتعبير الطبيعي فظنك آثم، ونقمة الشعب قد أصبحت تتحول الآن، من فورة ومظاهرات، الى ثورة جامحة حاقدة ساخطة، لن تصدها أساطيل أسيادك الأمريكان، ولا قنابلهم الذرية والهيدروجينية المخزونة في قاعدة الظهران الحربية الأمريكية، ولن تتمكن بوسائلك مهما طغيت وبغيت، ومهما كنت محصناً، أن تقف أمام طغيان شعبنا العنيد.

لقد بلغ السيل الزبى، فلا ترسل من يساومني بملايينك ووظائفك ومغرياتك، واخجل مما تقول "بأن الدين يدعونا لطاعتك وعدم مهاجمة حكمك"!

لقد حدثتك جهراً، وأنا في جحيم حكمك، فهل تريد منّي أن أسكت وأنا خارج الجحيم؟ أو لم تكن مساوئ الحكم الفردي والجهل والفقر والمرض والمؤامرات الممتحن بها شعبنا أنت؟! فأرسها يا سعود.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:13 PM

مجلس الأمراء والشورى:

ماذا تريد أن تقول مثلاً عن التعليم وبرامجه العقيمة، وطرق تدريسه، وعن الجامعات والمعاهد العلمية التي خرجت الأطباء والمحامين والقضاة والاخصائيين، وفي التجارة والصناعة والزراعة والمال "يا عيني" وأين أعباء الوزارات التي تسمى ظلماً وزوراً وبهتاناً وإنما مبيناً، بوزارات المعارف والصحة ـ والتجارة والصناعة ـ والدفاع والمواصلات، والزراعة والمالية والاقتصاد والخارجية والداخلية؟.. هذه الوزارات التي ترصد لها مئات الملايين وتذهب إلى غير رجعة، وأين مجلس الوزراء نفسه، أي مجلس الأمرء وأصحاب الشركات التجارية، ووكلاء الشركات الأجنبية، والأقربين، ومجلس الشورى الذي لم يكن إلاّ مجرد "تكية" يرسل إليها كل عجوز مخوف لا يهتم إلاّ باشباع بطنه المتخم.. ان خير ما يجب هو أن تجعل هذا الشعب مشاركاً لك في مهمة الحكم، ليتحمل عبء المسؤولية، ويؤدي كل مواطن واجبه الذي فرضه الوطن عليه، وذلك بتحقيق الحريات الديمقراطية، والانتقال من الحكم الفردي الإستبدادي المتطرف المقيت، الذي طوح بالبلاد وفقدها الكثير من صفات الدول والمتعارف عليها عالمياً، الانتقال كما قلت لك عام 1953 عندما كنت في حائل، الى حكم دستوري تكون فيه ملكاً دستورياً مصوناً غير مسؤول عن هذه الأوضاع النتنة الخبيثة، ويتولى المسؤولية وزراء ينتخبهم الشعب عن طريق التمثيل النيابي، وليس هذا صعباً في الوقت الحاضر، إذا كنت مخلصاً لنفسك أولاً، ولشعبك ثانياً، فبإرادة ملكية تصدرها يمكن أن تنقلب الأوضاع البائدة السائدة البغيضة الى أوضاع ديمقراطية حرة سليمة، ويكفر الشعب عنك كل السيئات والجرائم التي ارتكبت باسمك، ليس في داخل المملكة فحسب، وإنما في خارجها كذلك.. إن الأوضاع كلها فاسدة مقيتة، ولن تتمكن بوسائلك الارهابية أن تحمي هذا الفساد على الدوام. اللهم ألا أن تزيد الضغط انفجاراً.

السياسة الخارجية:

بعد أن ناقشنا السياسة الداخلية، أريد أن أنقل لك رأي شعبنا في سياستك الخارجية، التي تتخبط بها الآن خبط عشواء، دون أن تكون لحكومتك سياسة قومية مرسومة.

ولنبد بمبدأ ايزنهاور:

ان الشعب يمقت الاستعمار الأمريكي.. ولكنك على الرغم من إرادة الشعب، تواطأت مع الاستعمار الأمريكي وبعت بلادنا بـ (500 مليون دولار) أنفقتها على شهواتك، ووطدت القواعد الحربية الأمريكية على أرض الرسول، لتمزيق وحدتنا وقتل قوميتنا، وطعن سيادتنا، وانذار أطفالنا وفلذات أكبادنا بدمار حرب عالمية ذرية طاحنة، تنطلق شراراتها من أرض الرسول، لتخطر العالم بالموت والدمار.

وقد اتخذت من الدين وسيلة لمحاربة الوحدة والحرية، باسم الخطر الشيوعي المزعوم، ولبيت دعوة ايزنهاور ـ لزيارة أمريكا ـ متحملاً كل ما لاقيته في سبيل دعوته المشؤومة من احتقارات وإهانات وهتافات عدائية صهيونية أمريكية، شهرها الصهاينة الأمريكان في وجهك في كل بلدة أمريكية حللت بها ضيفاً على حبيبك دالس ايزنهاور.

مع هذا يا سعود ومع هذا كله أسلمت، بل آمنت بمبدأ الشيطان الرجيم أيزنهاور، ولم تكتف بايمانك وحدك، بل دفعتك حرارة الإيمان ـ ويا للخيانة ـ إلى أن بذلت جهدك الجهيد، محاولاً اقناع ـ بطل الثورة العربية جمال عبد الناصر ـ بالمذهب الجديد الذي حملت لواء رسالته، وبعت أرض الرسالة والقرآن، وقبلت المساعدات الأمريكية من أجله، بموجب تجديدك اتفاقية ـ وصمة الخزي والعار ـ قاعدة الظهران الذرية، برغم إرادة الشعب ومطالباته وإصراره والحاحه الشديد، ببرقياته وعرائضه الكثيرة الموقعة من 625 مواطناً، يمثلون جميع فئاته بعدم تجديد هذه القاعدة التدميرية، التي أصبحت مخزناً للقنابل الذرعة والهيدروجينية التي من بنودها السرية ما تعرفه جيداً.

وهنا ألخص لك جزءاً من عملك الخبيث، وجزءاً من اتفاقية قاعدة الظهران الذرية، صك بيع وشراء الكعبة ومهابط الوحي، صك الخيانة التاريخية، لعنة التاريخ والشعب والأجيال في وجهك:ـ

1 ـ تمنح الحكومة السعودية حكومة الولايات المتحدة حق استخدام مطار الظهران لعمليات القوات العسكرية الأمريكية.

2 ـ وحق تحليق طائراتها العسكرية فوق البلاد السعودية جمعاء.

3 ـ وحق عمليات هذه الطائرات العسكرية في جميع المطارات الأخرى في المملكة السعودية أي في غير مطار الظهران حتى في حمى الحرمين الشريفين، لتكون هذه الطائرات الأمريكية حاملة القنابل الذرية والهيدروجينية بمثابة حمائم مكة والمدينة كما تنص هذه المادة.

4 ـ وحق إستخدام موظفين عسكريين ومدنيين في مطار الظهران وفي المطارات الأخرى.

5 ـ وعلى الحكومة السعودية أن تضع جميع المؤسسات والمباني العائدة لها والعائدة لرعاياها في منطقة مطار الظهران، تحت تصرف القوات العسكرية الأمريكية. ومن يعلم؟ فربما هذه المادة تشمل حتى المساجد التي لم تكن إلا لله وحده.

6 ـ ولحكومة الولايات المتحدة حق التصرف المطلق في إنشاء أبنية ومؤسسات في مطار الظهران، وبعض الأماكن الأخرى في المملكة السعودية وتحسينها وتغييرها.

7 ـ ولحكومة الولايات المتحدة الحق المطلق في حماية العرش. والأمن الداخلي من أي خطر يهدده في الخارج والداخل، وبموجب هذه المادة اللعينة، فقد بعت ـ الأرض ـ مهبط الوحي والقرآن لأعداء الله ورسوله!

8 ـ ولحكومة الولايات المتحدة وقواتها العسكرية الأمريكية والموظفين المدنيين التابعين لها، حق الإعفاءات المالية من الضرائب الجمركية، والرسوم الحكومية، وأي رسوم أخرى.. وتتعهد الحكومة السعودية بأن تقوم بتنظيم بريد خاص لأفراد القوات العسكرية الأمريكية والموظفين المدنيين التابعين لها، ويعفى هذا البريد من الضرائب الجمركية والرسوم الحكومية وغيرها من الرسوم، بما في ذلك رسوم الطوابع.

9 ـ وللقوات العسكرية الأمريكية حق ممارسة التدريب في الاراضي السعودية بدون تحديد مناطق خاصة لهذا التدريب.

10 ـ وللقوات العسكرية وغيرها من قوات الدولة التي قد تجلبها الولايات المتحدة في مطار الظهران والموظفين المدنيين الذين يعملون معها حق الاعفاء القضائي.

وهكذا تكشف لنا هذه المادة عن عمق ثغرة الخزي والعار المتعاظم الذي يلطخ ناصيتك، إذ أن هذه المادة أباحت باشراك حلفاء الولايات المتحدة من أتراك وصهاينة وانكليز وفرنسيين في قاعدة الظهران، وإعفائهم حتى من سلطان الأحكام القضائية السعودية!

11 ـ ولحكومة الولايات المتحدة الحق في إتخاذ أي إجراءات تراها لازمة لضمان سلامة وأمن القوات العسكرية الأمريكية، وبموجب هذه المادة، تتحول كل أرض شبه الجزيرة العربية إلى قواعد عسكرية أمريكية حربية، بحجة ضمان وسلامة القوات العسكرية الأمريكية.

12 ـ تتعهد الحكومة السعودية ألا تبيع أي أسلحة مشتراة من الولايات المتحدة إلى أية دولة أخرى، إلا بعد الحصول على موافقة الحكومة الأمريكية، وهذه الاسلحة التي تبيعها الحكومة الأمريكية للحكومة السعودية لمحافظة السعودية على أمنها الداخلي، بشرط ألا تستخدم هذه الأسلحة المشتراة من الحكومة الأمريكية في عمل عدائي ضد أية دولة حليفة أو صديقة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية.

وبهذا يكشف الله سترك يا سعود، وتبدأ كل عورة من رأسك إلى أخمص القدمين بتآمرك على العرب وتواطئك مع إسرائيل، أي أن هذه الأسلحة لا تستعمل ضد أمريكا وإسرائيل وأصدقاء أمريكا وإسرائيل، وإنّما لتقتيل الشعب وضدّ العرب أجمعين.




خنت الله والشعب:

وهكذا خنت الله وشعبك ودينك، واتخذت من الدّ أعدائنا الأمريكان، أصدقاء بل أولياء ألقيت إليهم بالمودة، عاصياً متجاهلاً قوله تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} {ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم في العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون}، {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروّهم وتسقطوا إليهم إن الله يحبّ المقسطين، إنّما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم أن تقولهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}.

والآن قل لي بربك يا سعود مَن مِن دول العالم يقاتلنا في ديننا ويخرجنا من ديارنا ويظاهر على إخراجنا؟

من زرع صهيون في أرضنا العربية، وأرضعها ثدييه وزودها بالمال والعتاد والذخيرة، وقال لها كوني شوكة في قلب العرب؟

من الذي شرّد مليون عربي من أرض فلسطين العربية، ونهب أموالهم وسلب أرضهم وسطاً على عرضهم؟

من الذي وضع قوات حلف الأطلسي وفقاً على تقتيل إخواننا عرب الجزائر؟

من الذي بارك لشن الهجوم الغادر على قلب العروبة النابض مصر، ودمّر بور سعيد الخالدة وأزهق الأرواح ويتم الأطفال؟

من الذي ملأ السجون، وشرّد الألوف، وسفك دماء الأبرياء في العراق والأردن ولبنان واليمن والبحرين والجزيرة العربية (المملكة السعودية) وعمان؟ أليس هؤلاء هم أعداؤنا الذين نهانا الله عنهم في كتابه العزيز، الكتاب الذي توعي زوراً وبهتاناً بأنه دستورك، وتسير على نهجه وهديه وسنة نبيه عليه السلام، هؤلاء المستعمرون الأمريكان الفجرة أعداء الإنسانية جمعاء، خالقوا التوتر في أرضنا وكابتو حريتنا، وجعل بلادنا ثكنات حربية لمعداتهم، ومخازن لأسلحتهم النووية الذرية التدميرية.

هم الذين نهانا الله في كتابه العزيز، عن أن نبرّهم ونصادقهم ونتخذ منهم أولياء وحلفاء وأصدقاء، ومدربين لجيشنا، ومستشارين في شؤوننا السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، هم الذين أثخنونا بالجراح، وقيدونا بإغلال الرجس، ونشبت أظفارهم وأنيابهم النجسة القذرة في أجسادنا، وولغت في دمائنا الطاهرة الزكية.

ان رسول الله يتململ في قبره من وطء أقدام الأمريكان القذرة، وأن أبا بكر الصديق يتأفف من نتن وحل الاستعمار الأمريكي الذي يعفر أرض الرسول، وأن عمر بن الخطاب تثور ثائرته ويزمجر حنقاً، وينتفض غضباً على الأمريكان الذين يتحكمون في مصير قومه وشعبه ووطنه، وترسو قواعدهم الأمريكية التدميرية على أرضه، ويعيث جنودهم فيها فساداً، وتبتز شركتهم الأمريكية اللصوصية "أرامكو" الاستعمارية خيرات الأرض وجهود العمال..

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:14 PM

الخطر الشيوعي ـ أم الخطر الأمريكي؟



لقد سلبت الخيرات وانتهكت الحرمات، وحكت المؤامرات وقمت بالاغتيالات الفردية، وهتكت أعراض، وفتكت بالشعب، وبعت الأرض، فأصبحت ـ أرض محمد ـ ثكنات حربية وموانئ أمريكية، وقواعد استعمارية، ومخازن للقنابل الذرية والهيدروجينية، متستراً خلف محاربه الخطر الشيوعي المزعوم"، متناسياً ما نحن فيه من خطر داهم.. هذا الخطر الذي له صلة مباشرة بأرضنا وعرضنا وديينا واستقلالنا وكيان أمتنا وشعبنا.. هذا الخطر الذي نعيش فيه الآن.. هذا الجيش الأمريكي المرابط في قاعدة الظهران الذرية بحجة حماية الزيت وأرواح الأمريكان.. هذه المخازن ـ الأقبية ـ المملوءة بالقنابل التدميرية.. "أرامكو" الاستعمارية… مبدأ ايزنهاور.. اسرائيل.. الصداقة الأمريكية السعودية.. المواثيق والأحلاف الأجنبية.. المساعدات الاستعمارية.. الدفاع المشترك. التآمر على العرب.. بيع خليج العقبة و"البريمي" لإسرائيل والانكليز.

هذا هو الخطر الحقيقي.. الخطر الذي يخشاه الشعب.. أما الخطر الذي تخشاه أنت وأمثالك، ويخشاه أيزنهاور فلم يكن سوى القومية العربية الصاعدة، سوى الوحدة وطوفان التحرر العارم المتلاطم، الذي لن يبقى أثراً لخائن في أرض العرب ولن يذر..

وأيزنهاور وتزوير التاريخ:
لقد انكشف الغطاء، وانحسرت حقيقة أيزنهاور الملبدة بالقشور، وبدأ صلب الحقيقية الأمريكية واضحاً جلياً حين أدلى أزينهاور بحديثه الصحفي كاشفاً الغطاء عن مدى خبث العداوة التي تكنها الولايات المتحدة للعرب.. حينما صرح أن المياه العربية في خليج العقبة مياه دولية، "وان إسرائيل حقيقة تاريخية أقيمت لتبقى، وعلى العرب أن يتعودوا العيش معها".

هذا التصريح العدائي السافر قال ـ سيد الخائنين ـ أيزنهاور أنه أبلغك إياه إبان زيارتك الأخيرة للولايات المتحدة واطمئان قلبك إليه وتلك دلالة واضحة جلية منك لتثبيت ـ الرجس ـ ركيزة الاثم والخيانة ـ ربيبة الاستعمار الأمريكي "أسرائيل" على قلب الأمة العربية.

وما ذلك إلا جزء من "الوعود والضمانات" التي أسدتها "صديقتك" أمريكا بسخاء ووفاء، تأميناً لدعامة الاثم والفجور ـ وباء المجتمع الإنساني اسرائيل..

عجبت لمن يدعي الاسلام ديناً.. عجبت لمن اطمأن قلبه إلى "الحقيقة التاريخية"، حقيقة أيزنهاور المزورة التي زور بها حتى التاريخ.. ومع ذلك لا نلوم سيد الخائنين عندما يجعل من إسرائيل حقيقة تاريخية، فهو الذي أراد لها البقاء على أرضنا، وهو عكازها وحجرها الأساسي، ولكننا نلوم "العربي"، نلوم "حامي حمى الحرمين الشريفين" الذي اطمأن قلبه إلى حقيقة هذا الفاجر، فأجرم بحق العرب، متآمراً معه مؤيداً ومؤازراً اسرائيل ضد العرب.. وضد فلسطين السليبة..

جرائمك لن تغتفر:
ولننتقل الآن إلى نوع آخر من جرائم سياستك الخارجية الخرقاء لأعطيك رأي الشعب فيه:

لقد استنكر الشعب تدخلك في شؤون الأردن الشقيق، ودعمك للفرخ الصفيق حسين في الانقلاب الأمريكي الصهيوني، ومقاومتك القذرة اللئيمة للحركة الوطنية المناضلة، التي كانت تقودها حكومة النابلسي، وقيام القوات السعودية بدورها المخزي الذميم، الذي لم تقم به قوات جلوب من قبلها، من اعتقال عرب أشقاء كانوا أول ضحايا الصهيونية، وجلدهم والتنكيل بهم، والاعتداء على حرماتهم في الشوارع والطرقات العامة دون رحمة أو شفقة أو خجل، حيث لا تزال قواتك السعودية مرابطة تؤدي دورها الهمجي المقيت ـ دور الاستعمار الغاشم ـ من اختطاف النساء والنشل، إلى قتل الأبرياء ومضايقة اللاجئين(3).

ولبنان:
واستنكر الشعب تدخلك السافر في الانتخابات اللبنانية لانجاح الخونة من عملاء الاستعمار، ومنفذي مشروع أيزنهاور وتوسطك دون خجل بين المعارضة وحكومة الإثم والخيانة "الشمعونية" خادمة الاستعمار.

وسورية:
وثار الشعب غضباً عندما كلّفت مستشار السوء عميل الاستعمار الذليل يوسف يس، تدبير انقلاب في سورية المناضلة، ومشعل التحرر ودعامة القومية العربية، عندما غمست يدك بمؤامرة إخراج القوات السورية من الاردن، ووضعت الحظر على أموال التجار السوريين، وعرقلت رخص الاستيراد، وهددت عرب سورية القاطنين في "السعودية" بالطرد، ومنعت سيارات الخضر الذاهبة من سورية، ومنعت حجاج سورية المسلمين من أداء فريضة الحج، وأغلقت أبواب سفارتك في دمشق، وهددت بقطع العلاقات، وأصدرت أوامرك الملكية إلى حكومة جمهورية سوريا باسكات ومعاقبة الصحفيين السوريين الأحرار، الذين ذكروا بعض الحقائق، وكتبوا القليل من الكثير عما يعانيه شعبنا المستعبد المنتهك الحريات.

كما لو أنك أصدرت هذه الأوامر على الصحفيين في "السعودية"، أو على عبد من عبيدك "بقطع الرأس"، أو تنفيذ أمر من أوامرك الإرتجالية المستعجلة..

وفي العراق:
وركوعاً لأوامر الغرب، مددت يديك إلى ألد أعداء العرب.. بل أعدائك "الهاشميين"، فاجتمعت مع فيصل بالدمام، ومع عبد الإله في واشنطن، وذهبت إلى العراق لتلتقي بعملاء الاستعمار الأنكلو أمريكي في الشرق الأوسط ـ عصابة حلف بغداد التي تحمي إسرائيل وتدافع عنها ـ، كما دفعت لهم الملايين مقابل نزولهم عن ملكهم المزعوم في الحجاز، مثبتاً بذلك أن لهم "ملكاً في الحجاز وعرشها"، بالاضافة إلى عرشك المنهار.. واتفقتم يداً واحدة لمحاربة السياسة العربية المتحررة التي يقودها جمال عبد الناصر، ولو عن طريق الاغتيال.

وفي اليمن:
وحاربت جميع الحركات التحررية في اليمن، فحدثت تلك المجاز الرهيبة التي ذهبت بعشرات الأحرار اليمنيين، وكانت مواقفك عدائية مخزية من تلك الحركات التحررية الوطنية.

ومقابل أجر دفعته لك أمريكا، بعثت برسوليك يوسف يس وجمال الحسيني لمساومة إمام اليمن لإدخال شركة أرامكو الأمريكية في اليمن.. ومنع اليمن من تأييد جمال عبد الناصر.

وفي البحرين:
كما طعنت الحركة التحررية الشعبية في البحرين "بنصائحك" ومواقفك العدائية، وتدخلاتك لدى حكومة البحرين، وعلى رأسها الشيخ سليمان آل خليفة.

ومما قلته لحاكم البحرين سليمان آل خليفة.. (اننا لن نقف مكتوفي الأيدي من هذه الحركة.. وهددته بطرد عرب البحرين من المملكة).

ثم بعد ذلك اتفقت مع الحكومة الأمريكية على أن توعز لحكومة الشاه، فتطالب بضم البحرين إلى إيران.

ومن جهة أخرى قمت بمساومة حاكم البحرين لضم البحرين إلى السعودية، ولم تنجح مساعيك حتى الآن بسبب تضارب المصالح الاستعمارية، وعندما استشارك حاكم البحرين حول الحكم الإنكليزي الصادر بحق زعماء الحركة الوطنية في البحرين، والقاضي بنفيهم إلى جزيرة سانت هيلانة، قلت "يجب قتلهم، أمّا النفي فقليل بحقهم".

والبريمي:
وأضعت حق شعبنا في واحة البريمي، فتخليت عن هذا الحق عندما أمرك الأمريكان بالتخلي عنه للاستعمار الإنلكيزي، لتكون البريمي رأس جسر يستخدمها الإنكليز لضرب الحركات التحررية والوطنية في اليمن والخليج العربي.

وفي المغرب:
وبأمر من الغرب ذهبت إلى مراكش وتونس وليبيا، بغية تكتيل هذه الحكومات في بوتقة الخيانة تحت راية الغرب ضد مصر وسورية.

وعمان:
وساومت إمام عمان على أرض عمان لمصلحة الاستعمار الأمريكي ولتستثمرها شركة أرامكو الاستعمارية.. ولكن أملك قد خاب في هذه "الوساطة".

وفقدت مبلغ 100 مليون الدولار التي عرضتها عليك "الأرامكو" مقابل "سمسرة"، بعد نجاح "الوساطة" في الموضوع، وذلك عندما بصق إمام عمان على كل مغرياتك وعروضك عليه، مقابل أن يسلم أرضه إلى الاستعمار الأمريكي وأذنابه بعد تحريرها من الاستعمار الإنكليزي.. وأصرّ الإمام على الكفاح بجانب شعبه البطل إلى النهاية، عند ذلك ضيقت الخناق على الثوار في عمان، ومنعت مساعدتهم لا من داخل المملكة فحسب بل ومن خارجها أيضاً..

وفلسطين:
وتآمرت أنت والاستعمار الأمريكي على فلسطين السليبة، فأمرت بحفر عدد من آبار الماء الارتوازية في صحراء "قرية" التي بين الكويت والمملكة لتوطين اللاجئين هناك.. ولكن خطتك لم تنجح، عندما فضح العرب حكومة الأردن الخائنة التي كانت تنوي تنفيذ هذه الخطة قبلك، فتوقفت أنت بانتظار التنفيذ، ومن قبل أبعدت أبناء فلسطين بأمر من شركة أرامكو، حيث كان يبلغ عددهم في الشركة وحدها أكثر من 1700 موظف، وبعلمك أيضاً شكلت ارامكو الاستعمارية "لجان العرفان بالجميل" بإشراف الخائن جمال الحسيني، ـ للتجسس ـ كما تقول أرامكو ـ على أصحاب المباديء من الفلسطينيين.. كما أنك تحارب بشدة كل من تسول له نفسه جمع التبرعات لمشردي فلسطين..

والجزائر:
وتآمرت على عرب الجزائر، فرفض أن تفتح مكاتب لجبهة التحرير في البلاد.. كما رفضت مساعدتها مادياً، وحاربت لجان التربع التي تشكلت من أبناء البلاد لنصرة الجزائر وفلسطين.ز كل هذا في الوقت الذي تدفع فيه مئات الألوف والملايين للغانيات الزانيات..!

وحرق جمال عبد الناصر:
واستعمر قلبك بناء الحقد على قائد العرب جمال عبد الناصر.. وزاد سعيراً عندما زار المملكة في شهر 9 / 1956 ورأيت جموع الشعب تزحف لتحييه وتهتف بحياته.. ففكرت في مؤامرتك الجنونية ضد حياة الرئيس..





شاهد من أهلك:


ويطول الشرح لو تحدثت عن جميع أدوارك الإجرامية المخزية، للفتك بكل حركة وطنية صميمة، دعماً لأمثالك من الحكام الخونة، وخدمة منك لوجه الاستعمار الأمريكي المقيت.

ولكي أثبت أعمالك الخبيثة، استشهد بأقوالك لوزير الدولة البريطانية السابق "ناتنج" أثناء زيارته للمملكة.

يقول "ناتنج" في مذكراته: (ركبت "الكلاديلاك" وكلّي آمال كبيرة في مقابلة الملك سعود في أحد قصوره الفخمة الرّخامية المضاءة بالنيون، والتي تتلاءم مع الأبهة الملكية، ولم تخب آمالي.. وتكلمنا بصراحة يتخللها المرح.. وكم يبدو الفرق كبيراً بين هذا وبين المحادثات التي أجريتها مع ولي العهد الأمير فيصل، التي كان يسيطر عليها الشك والصراحة، ومع "الشخصية البارزة" في الحكومة السعودية الذي يشبه راسبوتين.. وهو الشيخ يوسف يس. وقد عارض الملك سعود العبارة الشهيرة "الحياد الإيجابي"، وهي عدم الإنحياز الى أحد المعسكرين.. وأكد أن معناها المقاومة الإيجابية للشيوعية والتعاون مع أمريكا. وكان الشيخ يوسف يس يأمل إحلال الخبراء الأمريكيين، مكان الخبراء المصريين العرب، والملك سعود لا يساعد اية دولة تتصادق مع الشيوعية، ولو كان ذلك ضد إسرائيل.. وقد نصح الملك سعود الملك حسين بعدم الغاء المعاهدة البريطانية.. إلا أن سليمان النابلسي البعيد عن ثقة حكّام البحرين والكويت وقطر بأن يستمروا في توثيق علاقاتهم مع بريطانيا بغية حمايتهم) الخ.. ما قلت وقاله "ناتنج"..

تحت تأثير العملاء:

أن أكثر المؤامرا التي تحاك ضد وطننا العربي كله، والأقطار العربية المتحررة، وجميع الحركات التحررية والشخصيات الوطنية، تنسب إليك.. ونحن على يقين بأنك بلا شك واقع تحت تأثير عملاء الاستعمار ومنفذي خططه العدوانية، وغرضهم ليس خدمتك وإنما التشهير بسمعتك، وإبعادك عن نجادة الحق والصواب التي يسير عليها العرب بقيادة جمال عبد الناصر..

انه ليس في البلاد العربية كلها ـ بل في العالم كله ـ ملك أو رئيس بذل الملايين من الريالات والدولارات، للمؤامرات والصحفيين وتجار السياسة.. ومنح جوازات السفر، وخصص الرواتب والمخصصات الشهرية للمطرودين من بلادهم، والمغضوب عليهم من الشعب، بعد ثبوت جرائمهم وخياناتهم الدنيئة ضد الشعب والوطن، سواك يا سعود، كما هو شأنك مع فاروق، وناريمان، وزين، وحسين وأديب، وصلاح الشيشكلي، وجورج عبد المسيح، والملك فيصل وعبد الإله، وشمعون، وبقية الخونة والهاربين من وجه العدالة والقانون.

ولقد أدت بك هذه السياسة، إلى أن سخط عليك العرب في جميع ديارهم، وناصبك العداء حتى بعض هؤلاء الصحفيين الذين كنت وما زلت تغدق عليهم الملايين.. كما أدت هذه السياسة الخرقاء باقتصادياتنا وعملتنا للإنهيار، وبالمالية إلى الدين والافلاس، وأدت بلك إلى أن تقترض من "أرامكو" حصة الحكومة من عائدات البترول حتى عام 1964، وتبقى الخزينة مدينة للشركة بمئات الملايين..

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:17 PM

أرامكو والاستعمار الأمريكي:

لقد لمحت في مستهل رسالتي هذه عن شركة أرامكو الاستعمارية، وأود الآن أن أحدثك بايجاز أيضاً عن الشركة التي تحتل بلادنا اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً، تدعمها قوات أمريكا العسكرية المرابطة في قاعدة الظهران الذرية..

أرامكو مجموعة شركات أمريكية احتكارية كبيرة أتحدت خلال المدة التي بين عام 1944 و1947، تتألف الأرامكو من شركة ستندر أويل أوف كلفورنيا، وشركة تكساس وشركة استندرد أويل أوف نيوجرسي، ولكل من هذه الشركات الثلاث 30% من مجموع الأسهم سوى شركة فاكوم فانها تملك 10%.

وللأرامكو عدد من المؤسسات الفرعية كشركة التابلاين مثلاً، ونصف أسهم شركة "بابكو" في البحرين.. ويعمل ضمن الأرامكو عدد من الشركات الأجنبية الأخرى، وعدد ضخم من المقاولين السعوديين والأجانب السائرين في ركابها.

وتتمتع الأرامكو بمساحة من الأرض قدرها 340000 ميل مربع، أي نصف مساحة المملكة بأسرها. وقدر الخبراء الأمريكان كمية البترول في هذا الحقل الواحد بمجموع ما في آبار البترول في المملكة مجتمعة، وهي تعادل احتياطي الولايات المتحدة الأمريكية..

قامت الأرامكو بمد خط الأنابيب ـ المسمى بالتابلاين ـ من الظهران حتى صيدا، ويبلغ طول هذا الخط 1068 ميلاً، وعرضه بين 30 ـ 31 بوصة، وبقدر ما يدفعه سنوياً بـ 15 مليون طن من الزيت الخام حيث وفر هذا الخط على الشركة 70 مليون دولار سنوياً.

جميع واردات الشركة وصادراتها وأنابيب الزيت معفاة ـ والحمد لله! ـ من جميع الضرائب والرسوم.

وفت هذه الشركة برأسمال قدره 600 مليون دولار، وربحت خلال السنوات العشر الماضية 8 مليارات دولار.. وفي عام واحد فقط ربحت 1575 مليون دولار، أي أنها تربح أضعاف رأسمالها سنوياً واستخراج طن البترول الواحد في المملكة لا يكلفها سوى سبعين سنتاً، على حين يكلف استخراجه في أمريكا أحد عشر دولاراً.

وتبلغ تكاليف الطن الواحد من البترول دولارين ونصف الدولار الى رصيف المرافئ الأوروبية، بما في ذلك في نفقات الاستخراج والعائدات وأجور النقل.

وسعر طن الزيت في أوروبا يبلغ خمسة عشر دولاراً ونصف الدولار، أي أن ربح الشركة الصافي من الطن الواحد يبلغ ثلاثة عشر دولارا، وبعد هذا تدعي الشركة المجرمة أنها منصفة عندما تدفع للحكومة السعودية 280 مليون دولار، وهي كما تزعم نصف الأرباح في حين نجد أن ما تأخذه الحكومة من أرباح الشركة في الطن الواحد من الزيت لا يتجاوز دولاراً وربع الدولار..

اتفاقية الزيت المجحفة:

وبجانب هذا، اتفاقية الزيت المجحفة: الاتفاقية التي من نصوصها ألا تبيع ـ شركة ارامكو ـ الزيت ومشتقاته إلى أية حكومة أخرى ورعاياها إذا رأت "الحكومة الأمريكية" أن هذا البيع لا يتفق مع سياستها الخارجية..

وبموجب هذه الاتفاقية تسيطر الأرامكو على استخراج الزيت وعلى تصفيته وشحنه ونقله وبيعه..

وبموجب الاتفاقية ـ ألف حكومة أرامكو ـ جميع الاتفاقيات التي أبرمتها "حكومتك" دون أذن من الأرامكو.. كالاتفاقية التي عقدتها الحكومة مع شركة "أوناسيس" لنقل حصة الحكومة السعودية من البترول وبيعها في الأسواق العالمية..

وكذلك رفضت جميع الأوامر الملكية، ومنها الأمر القاضي بإيقاف البترول عن الدول المعتدية على مصر، وحيث أصبح بترولنا العربي يندفق على دول العدوان الغربي بغزارة تفوق ما قبل العدوان الآثم، وذلك عن طريق صيدا والبحرين ـ برغم الإعلانات الزاعمة بقطع البترول ـ كما رفض الشيخ ديفز ـ رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو ـ أمرك الملكي القاضي ببيع سوريا كمية من المحروقات، بعد أن طلبت منك الحكومة السورية ذلك أبان العدوان الثلاثي الغادر على مصر، والسبب هو ان الاتفاقية تبيح "لديفز" أن يرفض أمرك، لأن الحكومة الأمريكية لا تريد أن تبيع البترول إلى سوريا التي رفضت هي الأخرى بيع أرضها وعرضها وسيادتها الوطنية بالدولار الأخضر.. مبدأ الشيطان الرجيم: أيزنهاور.

وبموجب الاتفاقية أيضاً، رفضت ارامكو أن تخضع لأنظمة الحكومة السعودية المتعلقة بدفع ضريبة الدخل على أرباح الزيت الذي تبيعه الشركة بعد تصفيته في صيدا. ونظراً لتزايد كمية البترول اتي تنهبها الشركة الاستعمارية، فقد بلغت هذه الضريبة 160 مليون دولاراً مما يضطر الحكومة السعودية إذا لم تنزل عن هذا المبلغ، إلى إقامة الدعوى على الشركة أمام محكمة أمريكية كما تنص الاتفاقية..

أرامكو والعدوان الآثم على مصر:

وربما تعلم عن علاقة أرامكو بذلك العدوان الآثم المجرم الذي شن على مصر وفتك بالأبرياء وهدم البيوت والمعابد.. لقد قال أحد محامبي الإدعاء الشخصي في قضية التآمر على سوريا "مؤامرة العجلاني وعصابة نوري السعيد"، أنه وجد أشياء خطيرة للغاية وهو يدرس إضبارة الدعوى، من بينها أن عدنان العائدي قال أمام قاضي التحقيق ما نصه:

"لقد عاملني صديقي صلاح الأسعد مدير الاتصالات والمعلومات في شركة التابلاين ـ وهي المؤسسة الفرعية لشركة أرامكو طبعاً ـ بعد حدوث العدوان على مصر أبان زيارته له في بيروت، أن الهجوم كان مقدراً له أن يحصل على سورية بدلاً من مصر، ولكن أمريكا علمت في آخر لحظة بوساطة سفارتها في اسرائيل بهذا الهجوم، فأخبرت حكومتها التي تدخلت بعد أن قطع أيزنهاور رحلته الانتخابية، نتيجة لضغط أصحاب شركات البترول، لأنه في حال تعرض سوريا للعدوان الإسرائيلي الفرنسي البريطاني سيؤدي ذلك إلى قطع أنابيب البترول السعودي الذي يمر في سوريا، وذلك ضرر للمصالح الأمريكية" كذا..

لن انتقذ أرامكو:

تلك هي لمحة خاطفة عن الشركة التي تتحكم بأرضنا ومصير شعبنا كيف تشاء، ولست أقول ذلك منتقداً هذه الشركة الأمريكية الاستعمارية المجرمة، حاشى لله ـ وإنما انتقد الحكومة حامية حمى الحرمين، الحكومة التي تقتل المواطنين وتجلدهم في الطرقات، وتسلبهم وتعذبهم وتميتهم وتغتالهم في السجون، وتشردهم في المنافي، وتسرحهم من الأعمال، وتقطع أيديهم وأرجلهم، لتعليقها على أبواب الشركة إرضاء لها "وحماية ـ كما يقول المسؤولون ـ لضيوفنا الأمريكان".

مطالب الشعب:

لقد ضاق الشعب ذرعاً، وبلغت القلوب الحناجر، وحكمك يزداد من سيّء الى أسوأ، حيث أحسست أنت نفسك بالخطر، وعصر قبلك الخوف، ودعاك الأمر إلى تسليح ما يزيد عن 37 ألفاً من البادية "الأخوان" ـ أي ضعف الجيش الرسمي وذلك عدا الحرس العسكري الملكي وألوف العبيد "والخويا" والخدم والتابعين المدججين بالسلاح كل ذلك لحراستك، غير أن الجميع سيبقون معنا، من زمرة الصديقين الأوفياء لشعبهم ودينهم ووطنهم وأمتهم، ولن يبيعوا أرضهم وعرضهم وضمائرهم بدراهم معدودات، وكما قال لي أحد شيوخ الأخوان البدو: "نحن لا نعين الظالم على ظلمه، وسوف نكون مع الشعب.. وليس من المعقول أن يذبح المسلم أخاه المسلم. نحن وظفنا لمحاربة المستعمرين الأمريكان والإنكليز والفرنسيين ومن يتعاون معهم"..

هذا هو قول أحد الذين تعتمد عليهم من شيوخ الأخوان البدو، بل هذا ما يقوله الحرس الملكي كله..

ولو عدلت لآمنت.. ولو أمنت لما كنت بحاجة إلى كل هذه الحراسة الشديدة بل ولا لأية حراسة..

ولكن كيف تعدل وأنت تعتنق الفساد وتؤمن بالاستبداد.. وتعيش على اغتصاب ثروات الشعب؟.


دستور اتحاد ابناء الجزيرة العربية



اتحدا أبناء الجزيرة العربية امتداد لحركة العمال العرب في الجزيرة العربية.. امتداد لتلك الحركة المباركة التي قامت عام 1952، مطالبة حكومة السعودية وشركة البترول الإستعمارية لأول مرة في تاريخ الاحتلال السعودي، بعدد من المطالب العمالية، وقد امتدت هذه الحركة العمالية إلى عام 1953م، حيث أرسل الملك سعود بوحي من الشركة الاستعمارية هيئة حكومية لمساومة زعماء العمال الأحرار واغرائهم بالمناصب والأموال، للسكوت عن قضية العمال وخيانتهم للشعب.

ولما رفض زعماء العمال بأباء ما عرض عليهم من مغريات سعودية واستعمارية، زج بهم في سجن العبيد بمنطقة الإحساء، وسجن العبيد هو مقبرة سعودية مملوءة بالحشرات السامة وعظام الأموات من الشعراء الأحرار، أمثال محمد العوني، زعماء ورؤساء القبائل الثوار، أمثال سلطان بن بجاد، وفيصل الدويش، وغيرهم من الأحرار والثوار.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:18 PM

وكان قصد الحكام السعوديين أن يموت زعماء العمال، كما مات غيرهم في حفائر السجن السعودي المكروه. ولكن العمال الأحرار كانوا للسعوديين وأسيادهم المستعمرين بالمرصاد، حيث أعلنوا غضبهم وإضرابهم التاريخي العظيم صبيحة يوم 17 أكتوبر سنة 1953 إلى أجل غير مسمى، وقد تناسوا كل مطالبهم أمام طلب جديد واحد، ذلك هو الإفراج عن لجنة ممثلي العمال، وهي اللجنة التي تضم زعماء العمال، وقد أيدهم في إضرابهم الشعب كله، مما اضطر معه حكومة الاحتلال السعودي إلى الإفراج عن قادة العمال، ولكنها نفتهم بعيداً عن المناطق العمالية، وشردت الكثير من العمال بناء على أمر من الشركة الاستعمارية التي هي حكومة فوق الحكومة.

ونتيجة لمواقف العمال البطولية تجاه قادتهم المخلصين، أرغمت حكومة السعوديين وشركة الاستعمار على إعادة زعماء العمال إلى العمل بمناطق الظهران، وعادت الحركة العمالية من جديد وبنوع ثوري جديد، حيث أضيف إلى المطالب العمالية مطالبة سياسية ـ إذ لا فصل بين السياسة والاقتصاد ـ حيث طالبوا بإلغاء قاعدة الظهران الذرية. وأخذوا يناضلون من أجل كبح التغلغل الاستعماري، وجشع شركاته الاستعمارية وطمعها. كما تقدموا بعدد من المطالب الوطنية، مما اضطر الملك إلى إرسال عمه الأمير مساعد بن عبد الرحمن، الذي قبض الثمن من شركة الاستعمار.

ولكن العمال استمروا في نضالهم، مما اضطر الملك أيضاً إلى المجيء بنفسه تلبية لدعوة شركة الإستعمار، للضرب عل أيدي العمال الأبطال، ولكن العمال الأحرار لم يرهبهم مظهر الملك وأسلحته الفتاكة، بل قابلوه بمظاهرة صاخبة جندوا لها خمسين ألفاً من العمال والفلاحين والمثقفين، وذلك في الساعة السابعة من مساء يوم 9 / 6 / 1956 أمام بوابة الشركة بالظهران، حيث كان الملك سعود مدعواً للعشاء لدى هذه الشركة، لتناول العشاء الذي خصمت الشركة قيمته من حصة الشركة خمسين ألف دولار، كما خصمت الشركة 30 ألف دولار قيمة القوس الذي رفعته الشركة للترحيب بالملك أيضاً، ان هذا القوس ما زالت الشركة تستعمله لدعايتها أمام بوابة شركة الظهران، وهذه طريقة "كرم" الشركات الاحتكارية الاستعمارية.

وأمام هذه القوس إصطف العمال والفلاحون والمثقفون حتى الجنود الذين جاء بهم الحكم السعودي لقمع مظاهرة العمال وبغية إطلاق النار عليهم. لقد وقف الجميع صفاً واحداً في مظاهرتهم يهتفون أمام الملك والأمراء بأصوات تشق عنان السماء "مظلومين يا سعود" "يسقط الاستبداد السعودي" "سنؤمم الشركة الاستعمارية"، "يسقط الاستعمار"، "سنزيل قاعدة الظهران الذرية ونطلق الحريات الديمقراطية، النصر للجمهورية، عاشت الوحدة العربية، عاش جمال عبد الناصر، الموت للطغاة والفناء للخونة وعبيد الاستعمار".

وكان المتظاهرون يحملون 45 لافتة كتبت عليها مطالبهم الوطنية، بالإضافة إلى أنهم قد جعلوا من غترهم ـ أي "كوفياتهم" ـ جعلوا منها لافتات كتبوا عليها المطالب، وقذوفوا بها داخل سيارات الملك وركبه الملكي السعودي.

وقد جن الأذناب وسعود لهول ما رأوه فكتبت الشركة مرسوماً ملكياً أعطته إلى جمال الحسيني فوقعه الملك سعود باسمه للفتك بالعمال، فأمر الملك بسجن المئات وتسريح الآلاف، واغتيال العشرات، ومنهم الشهيد العمالي محمد الربيع، والشهيد أحمد الملا. وأمر الملك بقتل قائد العمال ناصر السعيد، وربطه إلى سيارة كبيرة بعد قتله، لتدور به في أنحاء المناطق العمالية، كعقاب له ونذير العمال. وكاد ينفذ الأمر الملكي السعودي لو لم ينتبه أحد الضباط الأحرار، وهو العقيد محمد الذيب، ياور الملك السعودي الذي اغتاله الملك في ألمانيا عام 1959 بحقنة سم أعطاه إياها طبيب الملك، وأدعى الملك أن هذا الضابط قد مات قضاء وقدراً بالسكتة القلبية.

وكان الضابط الحر صديقاً حميماً للقائد العمالي ناصر السعيد، وقد تعرف به في مدينة حائل بعد أن ألقى ناصر كلمته الوطنية أمام الملك في حائل باسم العمال والشعب، رافضاً مبايعة الملك إلاّ إذا وافق على مطالب الشعب، وهي الدستور والبرلمان وإطلاق الحريات الديمقراطية، وعدم تدخل العائلة المالكة إطلاقاً في شؤون الشعب والبلاد والحكم، مما جعل الملك يجن ويخرج عن وعيه أمام الآلاف من أهالي حائل، ويهرول تاركاً الحفل آمراً بقتل ناصر السعيد.

ومن ذلك الوقت تعرف الضابط محمد الذيب الذي اغتاله الملك في ألمانيا، بالقائد العمالي ناصر السعيد، الذي أسر له بترك البلاد، فاضطر ناصر السعيد للهرب من مملكة العبودية والتجأ إلى مأوى الأحرار الجمهورية العربية المتحدة.

هذا موجز لحركة العمال في قلب الجزيرة العربية، هذه الحركة العمالية التي انبثق منها اتحاد أبناء الجزيرة العربية، وهو اتحاد واسع يشمل كل الأحرار الثوار في الحجاز وعسير وتهامة وحائل والقصيم والرياض وأنحاء أبناء البادية والعمال والفلاحين والجنود وكل الكادحين الثائرين من أجل القضاء على الملكية ورفع راية الجمهورية، وراية التحرر والحريات الديمقراطية والوحدة العربية الشاملة، وهذا هو الدستور المؤقت لاتحاد أبناء الجزيرة العربية.

بنود الدستور:ـ

المادة الأولى: اتحاد أبناء الجزيرة العربية (تنظيم عربي ثوري) يعمل لتحقيق حقوق كافة جماهير الشعب في قلب الجزيرة العربية، ويضم جميع الآراء التي تهدف إلى تحقيق رسالته الوطنية.

المادة الثانية: يؤمن أعضاء الاتحاد بأن الشعب هو مصدر السلطات.

المادة الثالثة: أعضاء الاتحاد يعملون داخل الجزيرة العربية وخارجها.

المادة الرابعة: يهدف الاتحاد إلى تحقيق التحرر الوطني الكامل من النظام الملكي البغيض، والقضاء على مخلفاته، وقطع دابر الخونة والنفوذ الاستعماري، وتخليص البلاد من القيود التي تحول دون تقدمها وازدهارها.

المادة الخامسة: إتّحاد أبناء الجزيرة العربية يعمل بعد الاستقلال لإقامة نظام جمهوري وحكم وطني ديمقراطي.

المادة السادسة: إتحاد أبناء الجزيرة العربية يقرر بعد الاستقلال وضع دستور للبلاد ينسجم وظروفها وخصائصها، ويكفل للمواطنين المساواة أمام القانون، وحرية اختيار ممثليهم اختياراً صادقاً في برلمان حر.

المادة السابعة: اتحاد أبناء الجزيرة العربية يؤمن بأن الاشتراكية هي النظام العادل الذي يحقق توزيع الثروات بين المواطنين توزيعاً عادلاً يضمن للمجتمع رفاهيته وسعادته.

المادة الثامنة: اتحاد أبناء الجزيرة العربية يؤمن بأن الجزيرة جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير.

المادة التاسعة: اتحاد أبناء الجزيرة العربية يؤمن بأن النضال ضد الاستعمار، والمساهمة في النضال العالمي من أجل إقرار السلام، ومساندة الشعوب المستعمرة في كفاحها من أجل التحرر واجب وظني مقدس.

المادة العاشرة: إتحاد ابناء الجزيرة العربية يؤمن بأن انتهاج سياسة الحياد الإيجابي والتعايش السلمي في السياسة الخارجية أمر ضروري.

المادة الحادية عشرة: اتحاد أبناء الجزيرة العربية يعمل على نشر الوعي، وإشاعة الثقافة الوطنية الثورية، وجعل التعليم فرضاً على جميع المواطنين ومجاناً في جميع المراحل.

المادة الثانية عشرة: اتحاد أبناء الجيرة العربية يؤمن بأن التجنيد الإجباري فريضة وطنية مقدسة، لإيجاد جيش منسجم مع روح العصر، يخدم الوطن، ويحافظ على كيانه من كل اعتداء.

لظاهر بيبرس 22-04-2006 03:18 PM

شروط العضوية في الاتحاد
العضوية في الاتحاد حق لكل مواطن ومواطنة بشرط:

1 ـ الإيمان بدستوره ونظامه.

2 ـ المحافظة على وحدة الاتحاد وتطويره ونشر مبادئه وأهدافه بين جماهير الشعب.

3 ـ التقيد بنظام الاتحاد والتزام الضبط والدقة في تنفيذ الواجبات الموكولة له بكل أمانة واخلاص.

4 ـ توثيق صلاته بالشعب وبث الوعي الثوري في صفوفه.

5 ـ المحافظة على أسرار الاتحاد من أهم واجبات العضو.

6 ـ لا يقبل في الإتحاد كل من ينتمي إلى منظمة حزبية حتى يتخلى عنها.

7 ـ على العضو أن يدفع اشتراكاً معيناً تحدده الجهة المختصة بذلك.

8 ـ على العضو أن يعمل على رفع مستواه الفكري والثقافي وأن يتسلح بالروح الثورية والأخلاق الكريمة.

تعاليم للأعضاء

1 ـ حافظ على الأسرار.

2 ـ مصلحة الوطن تقتضيك إطاعة أوامر الاتحاد وتنفيذها بدقة.

3 ـ كن حكيماً في تصرفاتك، أميناً نظيف القلب واليد واللسان.

4 ـ لا تخف وكن شجاعاً.

5 ـ كن حذراً واحترس من الجواسيس، وافضح أمرهم وحذّر اخوانك منهم.. فالشجاعة لا تتنافى مع الحذر.

6 ـ حيثما كنت فلك دورك الايجابي الفعال إن لم يكن اليوم فغداً، فهيئ نفسك جسمياً وعقلياً وعسكرياً فأنت عدة الوطن.

7 ـ اجعل هذه المبادئ تتغلغل في روحك وعمقها بالدراسة والفهم، وكن داعياً لها في كل مكان، واعتن دائماً بالثقافة الثورية.

8 ـ نبذ التفرقة وطرح التحزب والتعصب والأنانية وحب النفس.. طريقتنا للمحبة والأخاء والثورة والحرية.

9 ـ الحجازي أخو النجدي وهما اخوان للاحسائي والقطيفي والعسيري والتهامي والجوزفي لا تفرقة بينهم.. بدوهم وحاضرهم سواء.. ولا فرق بين مذهب ديني وآخر، فالكل يد واحدة تعمل للتحرر، وتكافح لبناء الوطن الواحد على أسس سليمة قوية.

10 ـ "أنا مكافح وطني، أنا شريف". ليكن هذا شعارك في الصباح وفي المساء بل في جميع الأوقات هنا وهناك، بل في كل مكان.

11 ـ واذا عرض لك "أي أمر" فحلله على ضوء الشعار (هل ينافي دور الكفاح) روح الوطنية، روح الأخلاق، روح الثورة، روح الشرق، إن لم يتعارض معها فاقدم وإلا فانبذ ذلك الأمر.

12 ت وأخيراً تذكر أنك تبنى الوطن، والذي يبني الوطن يجب أن يكون شريفاً ثائراً صادق القول عفيف اللسطان.

13 ـ اقرأ هذه المبادئ والتعليمات مرة أخرى، أقرأها بكل روحك. بكل جوارحك، بكل عقلك، واعتبر نفسك عضواً بالاتحاد، فالاتحاد هو الشعب، والشعب هو الاتحاد.

اتحاد ابناء الجزيرة العربية


الختام




هذا هو موجز ما طالب به شعبنا، وهو حق شرعي لا يقبل الجدل فيه أو النقاش. وخير ما يجب تنفيذ هذه المطالب والسير بما تفرضه مصلحة الوطن. أما اذا استمرت الحالة كما هي الآن، فأن العاقبة ستكون وخيمة، وسيظفر الشعب في النهاية، والعاقل من أتعظ بغيره.

وأخيراً وليس آخراً.. تعلم أنه ليس لي جريمة ولا ذنب يستحق هذه المطاردة ـ اللهم الا الاصلاح ـ، والاصلاح لا شك جريمة في حكمك، الحكم الذي ليس به شفاعة ولا رحمة، ولا مجال للمواطن الحر الشريف أن يدافع عن نفسه.. كيف لا وأنت تقتل الشرفاء وترفع شأن المفدسين، على حين تتمتع بحصانة حكمك هذا حقنة عاطلة باطلة خائنة خبيثة، تسرق الملايين من أفواه الملايين..

وختاماً: ـ إذا كان قصدك ـ من مطاردتي هذه ـ ارجاعي إلى "جحيم السعودية" وقصف أجلي هناك بعد أن اجتزت حدود الستار الحديدي السعودي.. فاعلم ـ أرشدك الله إلى الحق والصواب ـ أنني ما فررت من وجه العدالة والقانون والمحاكم والشرائع السمحاء.. بل على العكس من ذلك.. فلا عدالة ولا قوانين ولا محاكم ولا شرائع سمحاء.. اللهم إلا قوانين الغاب وحكم الأذناب، وشرائع شركة أرامكو الاستعمارية المجرمة.. والظلم الأسود ووباء الحكم المقيت.

هذا ما جعلني أترك موطني الأشرف ـ عندما أردت قتلي ـ رافعاً راية الشعب ضد حكمكم المقيت، ولست وحيداً عندما برحت أرضي تاركاً طاعون هذا الحكم الفتاك، بل هناك الكثير من اخوتي الذين تركوا أرضهم اتباعاً لما اتبعه محمد عليه السلام، حينما ضاقت به أرض مكة ذرعاً من جور الظالمين.. ولسوف ننشر الدعوة ونفضح أمرك ونعود قريباً.. وتخرج من الحقيقة يا سعود..

أما اذا كان لك حق علي، فلا ترسل من يطاردني ـ من عبيدك وأشباه العبيد، بل أرسل من ينوب عنك لمحاكمتي، وأخذ حقك كاملاً غير منقوص! عندما يعرض كل منا ورقه وبراهينه أمام محكمة الحق، فنحن في بلاد الدستور وحكم الجمهور، ولسنا في "سعوديتك يا سعود" وإلى اللقاء، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون….

18 ذي الحجة سنة 1376

15 / 6 / 1957.

المرسل ناصر السعيد

ممثل العمال في مناطق الظهران.

_____________

المؤلف

سرح من وظائف كثيرة بتهمة "المشاغبة" وانحدرت به الأيام إلى أن عمل موظفاً لدى شركة ارامكو الاستعمارية.

عرفه العمال مناضلاً صلباً يبذل حياته مدافعاً دفاع المستميت عن حقوق العمال المهدورة.

انتخبه العمال عام 1952 مع عدد من اخوانه كلجنة لتمثيلهم ومطالبة السلطات بحقوقهم السليبة.

اعتقل مع اخوانه أعضاء اللجنة، وكبل بالحديد في سجن العبيد بالاحساء، وكان يراد قتلهم، لولا الاضراب المباشر الذي قام به جميع العمال من تاريخ 18 أكتوبر إلى أجل غير مسمى، إحتجاجاً على سجن لجنتهم، لاقت خلاله الشركة خسائر فادحة.. ثم أفرج عنه بعد ذلك ونفي مخفوراً إلى "حائل".

اول من طالب الملك "سعود" بالدستور، حيث كان له موقفه المشهود في المهرجان الذي أقامته مدرسة حائل عام 1953 لاستقبال الملك سعود، حين وقف خطيباً في ذلك الحفل الجماهيري متحدياً قوى الشر يطالب الملك "سعود" بعدد من المطالب منها:

جعل الشعب مشاركاً في الحكم، والسماح له بانتخاب نواب يمثلونه، وسن دستور وبرلمان للبلاد، واطلاق جميع الحريات ومنها الحريات النقابية، وأعادته واخوانه المنفيين والمسرحين إلى أعمالهم، وتعويضهم معنوياً ومادياً، والاذعان لمطالب العمال الخ.. مما جعل الملك "سعود" يقطع الحفل ويخرج غاضباً وهو يتلو الآية القرآنية كحكم بقتله {انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.

عاد الى عمله نتيجة مطالبة العمال الشديدة، وكان بالنسبة لشركة أرامكو الاستعمارية عبئاً ثقيلاً تخشاه..

بعثت "أرامكو" رسالة مطولة إلى سعود بتاريخ 10 من رمضان 1375 هـ 1956م تطلب فيها القضاء عليه لأنه يشكل خطراً في رأيها ويعمل لقلب النظام.

اتهمه الملك سعود بقوله: "انه وراء كل المطالبات والمظاهرات التي قام بها العمال" ومنها مظاهرة 9 / 6 / 56 التي هتف فيها ألوف العمال في وجه الملك سعود، بسقوط حكمه المقيت والاستعمار الأمريكي، وحكم الخونة والأذناب، وتقدم فيها المتظاهرون بعدد من المطالب السياسية والاقتصادية والنقابية.

سرح من العمل، وأمر الملك سعود بقتله ليرهب به العمال، فاشعره صديق له من الحرس الملكي بذلك، فخرج من البلاد ليمد في أجله ويرفع صوت شعبه المكبوت.

أرسل الملك سعود عدداً من خدمه لأغرائه بالعودة أو تكبيلة وإرساله أو اغتياله، ومن رسل سعود جاسوسه في السفارة السعودية بدمشق "عبد العزيز صقير"، وعبد العزيز ابن ضاوي مدير الجوازات والجنسية في الرياض.. ومحمد بن عقيل مفوض شرطة الظهران، وقد سجن الأخير 8 أشهر وسرح من منصبه لفشله في جلبه وافشائه الخبر "أو السر الملكي" كما قال سعود.

دفع الملك سعود مليون ليرة لمدير الأمن اللبناني ـ فريد شهاب ـ عن طريق سفير السعودية، عبد العزيز الكحيمي لإرساله حياً أو اغتياله.

كان مطلباً أساسها لمكشوف الستر المجرم المتآمر سعود، في كتابه لكاشف المؤامرات الوطني الحر "عبد الحميد السراج"

أنا موافق على ما قاله الأخ عبد الحميد السراج ولي ملاحظات وطلبات.. أما الطلبات فيوجد شخص اسمه ناصر السعيد، وهذا الشخص مجرم وعنده وثائق في مؤامرات وخلافها من اضطرابات الأمن، فاطلب بعد انتهاء العملية القبض عليه وعلى اوراقه وتسليمه لنا) ـ أي لمقصلة سعود!

الهوامش:

1 ـ أنا شرعها وفرعها أي أنني أملك جميع السلطات ولا أعترف بالشريعة التي يقال ـ زوراً ـ أنها تحكم بها البلاد.

والكلمة الآنفة (شرعها وفرعها ) يتفوه بها معظم الحكام السعوديين الظلمة، وعلى رأسهم جزار المنطقة الشرقية سعود بن جلوي عندما ينفلون أوامرهم الإجرامية بقطع الأيدي والأرجل والرؤوس، وغير ذلك من صنوف العذاب، يرفضون أية وساطة يطلب صاحبها احالة ضحيتهم الى حكم الشرع الإسلامي.

2 ـ الناصرية: المدينة التي تشتمل على عشرات القصور.. طولها 8 كم مربع. انشأتها بمبلغ 80 مليون ريال، ولما اصبحت من الطراز القديم هدمتها وانشأتها بما يزيد عن 850 مليون دولار أمريكي، منها 43 مليون دولار قيمة أجهزة مكيفات الهواء فقط، و 45 مليون دولار قيمة ماكينات الكهرباء والمصابيح والثريات البلورية، و12 مليون دولار موازنة بلديتها الخاصة. فيها مدارس للأمراء، وملاعب ودور السينما وبرك للسباحة، وجميع وسائل الراحة، كما أن فيها المنكر وآلاف الزوجات والرقيق الأبيض والأسود، فيها المطاعم الملكية الخاصة ـ أو السفرة كما يقال ـ التي يشرف الأمريكان على إحضار طعامها مقابل 350 ألف دولار شهرياً لسد بعض حاجاتها من الحليب والزبدة والدجاج والبطيخ وغير ذلك، مما كلف هذا المشروع ما يزيد عن 27 مليون دولار، حتى أنك استوردت ابقاراً ودجاجاً من الولايات المتحدة كلفت الخزينة 20 مليون دولار.

3 ـ وعلى سبيل المثال ـ لا الحصر ـ اعترض أحد المواطنين الأردنيين طريق جندي سعودي حاول اغتصاب امرأة في الطريق العام فقتله الجندي السعودي.

http://www.cdhrap.net/text/kotob/txt/9/txt/3/15.htm


كتب اخرى لها تتناول تاريخ " ال سعود " ومن جوانب مختلفة

http://www.cdhrap.net/text/kotob/kotob.htm

صتيمه 22-04-2006 04:04 PM

ياسي بيبرس في البدايه نقلت كلام معقول ممكن يناقش وفيه صوره واضحه لتاريخ لعلاقات ال سعوديه الانجليزيه من عهد الامام سعود لما كانوا يهددون مصالح بريطانيا في الخليج وماذا فعل القواسم الابطال بسفن الانجليز وكيف كان الانجليز يخافون من صعود نجم السعوديين حتى عندما هاجم السعوديين حليفهم العماني اصدروا اوامرهم لقواتهم ان تتجنب الاحتكاك بسعودييين

ثم تعاون الانجليز بحرا والترك برا(الذين تسمونهم زورا مسلمين) في عام 1819للقضاء على الدوله السعوديه الاولى وكيف صمد اهل التوحيد امام هذه الهجمه البربريه امام جيوش تفوقهم عدداوعده ثم ماذا فعلت دولت الخلافه المزعومه باهل الجزيره وكيف جلبت الخبراء الفرنسيين والايطالييين ومرزتقة اوروبا وافريقيا للجزيره لقتال اهل الاسلام ومن اهم نتائج سقوط الدوله السعووديه هيمنت الانجليز التامه على الخليج العربي خصوصا البريمي وقطر والبحرين

المهم كل هذا الكلام مثبت وسوف اثبته لك لاكن هل تستطيع انت ان تثبت لي كلام الهالك الشيوعي ناصر السعيد حليف الروافض الاول الانشائي والذي نقل ماخطته كتب الروافض والصوفيه من تزوير وجهل مطبق بتاريخ الجزيره اذا كان عنك كتاب ناصر السعيد اذهب وابحث عن
مصادره التي استند عليها وضعها هنا

وانا بعطيك مثال من كتابه يفضحه ويفضح جهله وجهل من ينقل منهم

قصيده منسبوبه لعبيد الرشيد في كتاب الهالك ناصر السعيد يستشهد بها على يهودية ال سعود

حنا نعرفك زين ياعوين المصاليخ
ماكنت عارفهم بماضى الزمان
غيرت إصول اهلك ببعض التواريخ

واصلك يهودي لو طمست المعاني
ياشين من حاخام سموك شيخ
وانت والله مالك بالمصاليخ داني
يامال فرد من كبار الصلابيخ
يأتيك مع ايمنك يالشقلباني



الي زور هذي الابيات على الفارس عبيد الرشيد هو طبعا مثل ما اسلفت من اجهل خلق الله بتاريخ الجزيره ومعلوماته التاريخيه سطحيه جدا ما كلف نفسه يقرا تاريخ الجزيره زين ويعرف علاقة آل الرشيد في بداياتهم يعني على وقت عبدالله الرشيد وعبيد الرشيد مع آل سعود والي كانت علاقه اكثر من مميزه هو فقط سمع ان آل رشيد اعداء آل سعود وقالك نزور على شاعرهم الكبير عبيد وهنا فضحه الله عبيد واخوه عبدالله من اقرب المقربين للامام فيصل بن تركي كيف يقولون عنه هذا الكلام




عبدالله وعبيد لما هربوا من ابن عمهم ابن علي امير حايل للعراق راسلوا الامام تركي وسمحلهم يأتون لرياض لانه الوحيد الي بيحميهم من ابن عمهم ونشئت علاقه قويه بينهم وبين ابنه الامام فيصل وعندما قتل مشاري خاله الامام تركي كان الامام فيصل في غزوا على القطيف لتأديب ثوره قام فيها الشيعه وعندما علم بمقتل والده رجع لرياض وارسل لكل اعوانه ومنهم عبدالله الرشيد وعبيد وحاصروا الرياض ولاكن لان الرياض كانت محصنه جيدا وهذا لان الامام تركي بعدما هدمت الدرعيه قام ونقل عاصمة الحكم لرياض وحصنها تحصين جيد المهم ان عبدالله الرشيد اقترح على الامام فيصل انه يقوم بعمليه فدائيه تدل على شجاعته الفائقه وقال للامام فيصل بعد ماطال الحصار سوف اتسلق اسوار الرياض واسوار القصور واقتل مشاري واذا قتل مشاري ستنتهي المشكله قال الامام ان فعلتها لك ولك وعده بامور كثيره قام هذا البطل ومعه اثنان من آل شامر من العجمان ونفذوا خطتهم بكل دقه وشجاعه واستطاع البطل عبدالله الرشيد ان يتسلل للغرفه التي تأوي مشاري وكان مشاري ضخم الجثه ومن الفرسان المعدودين ودارة معركة داميه استطاع ان يتغلب فيها عبدالله على مشاري وصرعه ففر اتباعه وسلمت المدينه وعندما دخل الامام فيصل على عبدالله الرشيد ووجد الجروح و الدماء في يده ومشاري مصروعا تحت اقدامه قال اطلب ماتريد قال انا اقدر من ابن عمي على ادارة امارة حائل وهاانت خبرتني قال الامام لك امارة حائل وعزل ابن علي منها واعطاها لعبدالله الرشيد هذاه بختصار قصة اول علاقه بين آل سعود و آل رشيد وهذه بختصار قصة علاقة آل رشيد بالحكم

ثم عندما عاد الترك لنجد بحملة على الدوله السعوديه واستطاعوا اسر الامام فيصل ذهبوا مباشرة لحائل حيث الحليف القوي والمخلص للامام فيصل آل الرشيد فهرب عبدالله وكانت معه زوجته حامل وقال قصائده المشهوره فيها في ذالك الوقت واعاد الترك ابن علي لحائل لاكن عبدالله الرشيد راسل الترك ووعدهم ان يكون تحت رايتهم وانه الاجدر بامارة حائل وقبل منه الترك هذا وعزلوا ابن علي واعادوه لامارة حائل ثم تدور الاحداث ويتمكن فرسان من قبيلة عتيبه عبروا الصحاري والقفار بعد قصيده ارسلها الامام يستنجد باهل نجد ووصف فيها مكانه وقل الحراسه عليه استطاع اثنان من ابطال الجزيره من عتيبه تخليصه من الاسر وهرب من مصر اين ذهب؟ ذهب لاصدقائه المخلصين عبدالله وعبيد الرشيد ورغم علاقتهم في حينها بالترك لم يلتفتوا لهذه العلاقه واستقبلوا الامام فيصل بن تركي وقالوا له ابشر بالسلاح والمال والمسير معك للقتال فسار الامام فيصل يصحبه اخوه جلوي (جد آل جلوي) وعبدالله الرشيد ومعه اخوه عبيد وكانت الرياض في حينها تحت حكم ابن ثنيان فلما راى ابن ثنيان الجموع الاتيه لم يستطع الوقوف بوجهها فسلم الحكم للامام فيصل وبعد هذا كله توطدت العلاقه اكثر واكثر وتناسبوا اخذ الامام فيصل وابنه عبدالله بنات عبدالله وعبيد الرشيد واخذ آل رشيد عبدالله وعبيد بنات الامام فيصل وعبدالله وظل آل رشيد اوفياء للامام فيصل يذكرونه في كل قصائدهم بكل خير وظلوا تحت رايته 22 عام حتى توفي رحمه الله ورحمهم جميعا



يتبع

صتيمه 22-04-2006 04:13 PM

ومن قصائد عبيد التي وجهها لامام فيصل ومناسبتها يريد تحريضه على غزوا القصيم

قال

ياشيخ انا جيتك مسير وبلاس**وباغ أشوفك يامضنة فؤادي
واخبرك بأحوال ناس من الناس**ناس على حكمك تدور الفسادي
اطلق سبوق الي للاضداد نكاس**عن رايهم مروي حدود الهنادي
عبدالله الي للملابيس مدباس**فرز الوغى متعب ركاب الجهادي
وعبدالله المقصود هو عبدالله ابن الامام فيصل

وقصائده كثيره هو واخوه عبدالله في الامام فيصل وابنه عبدالله وعبيد بذات كانوا يسمونه وهابي حائل لقربه الشديد من اهل الدعوه

ماذكرته لك هو ماسوف تجده في كل الكتب التي ارخت لتاريخ نجد حتى تلك الكتب التي كتبها اناس من آل رشيد

( نبذة تاريخية عن نجد ) تأليف ضاري بن فهيد ابن رشيد


فكيف واين وماهي المناسبه التي جعلت عبيد يقول مثل هذه الابيات التي تخالف الواقع كيف يناسب عبيد ال سعود ويناسبونه ثم يقول انهم يهود ومتى وفي اي وقت تعادا الامام فيصل وعبيد الرشيد لايوجد هذا الهراء في التاريخ
من الف هذه الابيات عجز ان ياتي بمناسبتها حتى لم يستطع انه يالف مناسبه لها لانها مخالفه لكل الوقائع التاريخيه ولم يستطع ان يذكر مصدر واحد لكلامه

وهذا الامر تكرر من الجهله مع العجمان وقائدهم البطل راكان وزوروا ابيات عليه يتهم آل سعود باليهوديه رغم انه قاتل مع الامام سعود ضد اخيه عبدالله وكان يلقبه بابوهلا (لكثرة ترحيبه بالضيف وكرمه)
ويذكره في قصائده حتى وهو في سجن الترك ويقول

يابوهلا ليتك تشوف**صفوا لي العسكر نظام
يقودني قود الخروف**العسكري ولد الحرام

وراكان زوج ابنته للامير محمد بن سعود بن فيصل (غزالان) وانجبت ابنته الامير سلمان بن محمد والذي اشترك مع اخواله العجمان في معركة كنزان ضد ابن عمه الملك عبدالعزيز وكذالك سعود بن عبدالعزيز بن سعود الفيصل اخواله هم العجمان وجده هو حزام بن حثلين وشارك مع ابن عمه سلمان في كنزان

وبعد هذا ياتي شخص ويزور بكل غباء على هؤلاء الابطال ويقول انهم ذكروا ان آل سعود يهود سبحان الله اول مره اشوف واحد يمدح اليهود ويناسبهم ويقاتل معهم شوفوا شلون جهلهك المطبق بتاريخ الجزيره اللهم لاشماته

تصحيح زوجة الفارس عبدالله الرشيد ليست ابنة الامام فيصل بل اخته الجوهره بنت تركي

(الجوهرة بنت الامام تركي بن عبدالله وقد تزوجت من عبدالله بن علي بن
رشيد وحظيت بمكانة كبيرة في نفسه يدلل على ذلك نظمه القصائد والابيات فيها.
ووقفت الجوهرة في عام 1281ه نسخة من كتاب اقسام القرآن والكلام على ذلك،
لابن قيم ونص وقفيتها كما يأتي:
يعلم الناظر اليه ان الجوهرة بنت تركي بن عبدالله بن محمد السعود وقفت هذا الكتاب
لوجه الله تعالى طلبا للثواب من رب الارباب لايباع ولايرهن فمن بدله بعدما سمعه
فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه
وسلم تسليما كثيرا، 29,,, سنة 1281 ه .
ووقف ايضا نسخة من كتاب العلو للعلي في ايضاح صحيح الاخبار وسقيمها للذهبي
في السنة التي وقف فيها الكتاب السابق، وجاء نص وقفيتها كما يأتي:
يعلم من يراه بان الجوهرة بنت تركي بن عبدالله بن سعود وقفت هذا الكتاب طلبا
للثواب من رب الارباب لايباع ولا يرهن فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين
يبدلونه ان الله سميع عليم، وصلى الله على محمد 29,,, سنة 1281ه .
ووقفت الجوهرة ايضا كتابين لم يحدد عليهما تاريخ وقفهما اولهما: رفع الملام عن
الائمة الاعلام لابن تيمية وجاء نص الوقفية:
هذا ما وقفت الجوهرة بنت الامام تركي لوجه الله ترجو بذلك ثواب الله ويبدو انها
وقفته بعد عام 1284ه اذ ان النسخة تحمل تاريخ تملك عليها باسم محمد بن
عبدالعزيز ,, ولعلها اشترته منه بعد ذلك التاريخ ومن ثم وقفته.
اما الكتاب الاخر فهو شرح حديث معاذ بن جبل لابن رجب الحنبلي ووردت الوقفية
كما يأتي:
هذا ما وقفت الجوهرة بنت الامام تركي لوجه الله ترجو بذلك ثواب الله,, ولتشابه
نص هذه الوقفية مع سابقتها وكذلك لتشابه الخط فاننا نذهب الى انها وقفته كما
السابق بعد عام 1284ه.)

قال فيها عبد الله الرشيد

يا مل قلب كل ما جا طربها = تذكرت خل بوادي حنيفة

الجادل اللي كن زمة حجبها =زمة قطاة كروش غب النتسيفة

وقالت فيه حينما قتل مشاري قاتل ابوها

حرٍٍٍٍٍٍٍٍشهر من قصر فيصل ودواس=يم الجبل فرق فروخ الحبـاري
متجندٍ في منكبه سيف عبـاس =في شذرته قطع علابي مشـاري

و هذه قصيدة للامير عبيد الرشيد في مدح الامام فيصل واعلان الولاء له ويشكرجميله على آل رشيد

حنا لابو تركي من امـسٍ وباكـر""سيفٍ على العازة للأصحاب والقوم
فالـى بـدا لـه لازمٍ مـا نفاكـر""الحيّ من حيّه ومن مات مرحـوم
وانا لمعروفه الى الحشـر شاكـر"" لى خاب عن رد الثنا كل محـروم
قطعت رايي قبـل تاتـي خياكـر""عن الزعل مع الرضا يكون معلوم
في حيل من بـه إتّشهـد المذاكـر"" وعلى الرسول بدعوة الخير مخدوم


وهذه قصيده اخرى لعبيد وقصتها ان عبيد رفض طلب من والي مصر عباس باشا الذي كان يرسل وفودا سنوية لشراء الخيل العربية الاصيلة لاسطبله الكبير في مصر وعندما وصلته الوفود لشراء فرسه كروش رفض الامير بيع فرسه لهم وفي اخر القصيده يؤكد انه بيع ماراح يبيع كروش واستثنى انه يهديها للامام فيصل بن تركي آل سعود ان طلبها تامل عمق العلاقه بين عبيد والامام فيصل

يابيه انا لكروش ما اعطي لا ابيع
--------------------------قبلك طلبها فيصل لابن هادي
يابيه لو كثرت بالقول ماطيع
-------------------- ياحيف تبغيني اسلم جوادي
يابيه مايرهم هلى مثلها البيع
-------------------- ولايجي مثله بقودة مهادي
ماجمع اصله بالقراطيس تجميع
-------------------- اصله يعرفونه جميع البوادي
باغ الى من لقموها المصاريع
-------------------- وصاح الصياح وثار عج الطرادي
انهج عليها وتعدي بالتراثيع
-------------------- مثل الفحل لاصار وقت الهدادي
واصلها لعيون بيض مفاريع
-------------------- فوق الحنايا والسبايا غوادي
هذاك بيعة والصبايا مفاريع
-------------------- بين القنا ومخفرات الهنادي
هذاك بيعه كان ماتفه البيع
-------------------- لن منهن جلبن بسوق المزادي
يابيه انا لا اسمع جوابك ولا طيع
-------------------- هرجك بمقلة ناظري والفوادي
ياسابقي مانرخصك بالمطاميع
-------------------- حتمٍ ولو قيل ارفعه بالحدادي
ابغي الى ثار القضا بالزعازيع
-------------------- وحطوا على عجلاتهن العدادي
بيوم يشيب من وحاه المراضيع
-------------------- حدين حاديهن من الخوف حادي
انطح ورا ربعي وجيه المداريع
-------------------- واقضي عليها دينهم والعيادي
وانشد عن افعاله بعاد المفازيع
-------------------- هو هرجنا ذا كذب والا وكادي
من لابة بالحرب ماهم مطاويع
-------------------- ولاتحسّب بالمداس العوادي
حلفت مايطري علينا بها البيع
-------------------- للحشر مايفخت سواده سوادي
مادام راسي للرياح الذعاذيع
-------------------- بالعون طالبها من الناس غادي
وديارنا حامينها بالمرابيع
-------------------- واضدادنا عنها تجي بالحيادي
ألا ان بغاه الليث حنا مخاضيع*
-------------------- ولامره هو فوقه كما البدر بادي
هذاك انا وحداي لامره مطاويع
-------------------- فرز الوغى صياد من لايصادي
حر يفدع بابرق الريش تفديع
-------------------- ولا يفرس الا من كبار الثنادي
طير السعد يفرح قلوب المراضيع
-------------------- تشتاق له معها وهو بالمهادي
يدرا وترجي من وراه المنافيع
-------------------- الليث يرحي للعطايا الزيادي
اودع مصاعيب القبايل مراجيع
-------------------- والخيل جاته من عمان تقادي
وصلوا عدد ماحيش مال ومابيع
-------------------- على نبي للورى خير هادي
فيصل=الامام فيصل (الامام طلبها ليهديها شيخ قحطان ابن هادي ليتقرب منه ولاكن عبيد رفض وقال لا اعطيها احد الى اذا طلبتها لنفسك)
ابن هادي\ محمد بن هادي بن قرمله شيخ قبيلة قحطان
الليث=الامام فيصل
والابيات الاخيره كلها في مدح الامام فيصل

المصادر

احمد العريفي ، تلويحات ص22
مضاوي الرشيد ، السياسة في واحة عربيه ص179
عبدالرحمن السويدا ، فتافيت ج1 ص64
طلال السعيد ، الموسوعة النبطية الكاملة ج1 ص273
الليدي آن بلينت ، رحلة الى بلاد نجد ط2 ص159
سعيد آل عمر ، تاريخ المملكة العربية السعودية في دليل الخليج ص2557
من ديوان الامير عبيد العلي الرشيد جمع وتحقيق ابراهيم حامد الخالدي
__________________

صتيمه 22-04-2006 04:16 PM

وهذا تقرير ضابط بريطاني لرؤسائه وهي شهاده لاجداد عبدالعزيز رحمهم الله جميعا وكل هذا موثق في دائرة المعارف البريطانيه

إلى ـ اللفتنانت كرنل أي. ئي. ويلسن



القائم بأعمال المفوض المدني للمناطق المحتلة في العراق

الرقم: 218 التاريخ: 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1918

سيدي،

أتشرف بتقديم تقرير عن عمليات البعثة التي كان لي شرف رئاستها إلى وسط الجزيرة العربية للتعامل مع سعادة الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (K.C.I.E) حاكم نجد وملحقاته، في أمور معينة ذات أهمية متبادلة، بالنسبة له وللحكومة البريطانية ، وذلك عملاً بتعليمات حكومة جلالته المبلغة إلى السير برسي كوكس ببرقية وزير الهند المؤرخة في 20 تشرين الأول / أكتوبر 1917 .

إن تقريري يغطي فترة سنة تقويمية كاملة تقريباً، تبتدئ بمغادرة البعثة بغداد في 29 تشرين الأول / أكتوبر 1917، وتنتهي في أول تشرين الثاني / نوفمبر 1918، يوم وصلت بغداد عائداً من وسط الجزيرة العربية لدى انتهاء عمليات البعثة.

وقد وجدت من الأفضل التخلي عن محاولة عرض أعمال البعثة بالتسلسل التاريخي، مفضلاً مناقشة كاملة ومستقلة للمشاكل المختلفة التي استوجبت النظر فيها خلال الفترة التي يغطيها التقرير. إضافة إلى ذلك، منعتني اعتبارات حجم التقرير من أن أدخل في هذا العرض أي وصف تفصيلي لرحلاتي في الجزيرة العربية، أو للنتائج الجغرافية أو العرضية الأخرى التي حصلنا عليها خلالها، إلاّ بمقدار ما كان ضرورياً لإيضاح الأمور التي كانت البعثة معنية بها بصورة مباشرة. وقد سبق لي أن كتبت أوصافاً مختصرة لبعض رحلاتي لتنشر في "النشرة العربية"، وإنني لأتطلع إلى فترة راحة وفراغ لكي أعد للنشر أكداس الملاحظات التي جمعتها عن موضوعات مختلفة مثيرة للاهتمام خلال إقامتي الطويلة في الجزيرة العربية.

ـ العلاقات السابقة بين بريطانية ونجد

لم تكن هنالك قبل نشوب الحرب العظمى اتصالات كثيرة بين السلطات البريطانية وحكام نجد، وذلك لأسباب واضحة. ففضلاً عن عدم ترحيب الشعب نفسه، بسبب تعصبه وانطوائه على نفسه، فإن الصداقة القائمة منذ زمن طويل بين بريطانية وتركية حالت دون أي نوع من الاعتراف السياسي من جانب بريطانية بتلك المنطقة الثائرة والمستقلة في تركية.

والواقع أن المناسبة الأولى التي قام فيها موظف بريطاني بزيارة نجد بصفة رسمية تمت قبل 99 عاماً، حينما اجتاز الملازم سادليير، موفداً من حكومة الهند، المناطق المدمرة للإمبراطورية الوهابية، ليقدم إلى من قام بتدميرها تهاني الحكومة على ما أنجزه، وليحثه على اتخاذ الاحتياطات الشديدة ضد إعادة إحياء السلطة الوهابية. ولحسن الحظ لم يكن إبراهيم باشا والذين يعمل نيابة عنهم ممن يقبل النصيحة الجيدة، وإذا كان هدف بعثة الملازم سادليير أصبح معروفاً في الجزيرة العربية، فإنه قد أصبح منسيّاً بالتأكيد عند زيارة البعثة البريطانية التالية للرياض.

كان ذلك في سنة 1865، حينما عهد إلى الكرنل لويس بيلي (Lewis Pelly) بوصفه مقيماً سياسياً في الخليج، بمعالجة الأمور الناجمة عن القرصنة والاتجار بالرقيق على الساحل العربي من الخليج، وقد قرر بمبادرة منه أن يزور السلطان الوهابي مع بعثة صغيرة حسنة الاطلاع. وكان استقباله من جانب فيصل بن سعود ووزيره غير مشجع. وعادت البعثة البريطانية إلى الساحل وهي تدرك أنه على الرغم من أنها تعلمت الكثير، فلم ينجز غير القليل في اتجاه تأسيس علاقات ودية دائمية مع البلاط الوهابي

صتيمه 22-04-2006 04:19 PM

سعود عبدالله القحطاني


الوهابية لم تتعاون مع الانجليز والفرنسيين



على سؤال فحواه: ما هو حكم الصلاة في المسجد الذي فيه ضريح؟ أجاب الشيخ (علي جمعة) مفتي مصر بأن الصلاة في هذا المسجد جائزة. إلى هنا والقصة تبدو طبيعية، فالشيخ عالم أزهري مجتهد، ومن حقه أن يخالف غيره في اجتهاده. غير أن الذي أثار استغرابي فعلاً هو أنه أرجع سبب تحريم الصلاة في هذه المساجد إلى الحركة الوهابية، وقال: إن مبرر الوهابيين في ذلك هو الخروج على الخلافة العثمانية!. أي أن الوهابيين جعلوا من بناء الخليفة العثماني للمساجد على القبور حجة لتكفيره، ومن ثم الخروج عليه.

فالمبرر في نظر فضيلة المفتي لا يرجع إلى أسباب دينية، ولكنه يعود - كما يدعي - لمبرر سياسي محض!. ثم أضاف إلى هذه الطامة، طامة (تخوينية) كبرى، وهي قوله بالنص: (وخرجوا على الدولة العثمانية، وتعاونوا مع الإنجليز والفرنساوية)!.

وأنا هنا لن أناقش الشيخ في وجهة نظره حول الصلاة في المساجد التي فيها أضرحة، فهناك من هم أعلم مني في هذا الشأن، وأقدر مني على تفنيد حججه؛ كما لن أتحدث عن تلك اللغة المتدنية، والعامية الساخرة، التي كان يجب أن ينأى بمقامه ونفسه عنها، طالما أن الحديث يتعلق بأمر من أمور الدين، غير أن الكتاب لا يُقرأ من عنوانه فحسب، وإنما من لغته أيضاً، ولله في خلقه شؤون!.

أما الذي يهمني في كلام المفتي المصري فهو الجزئية المتعلقة بالخروج على الخلافة، والتعاون مع الإنجليز والفرنسيين، وما كان هذا الاهتمام فقط لأنه يفتقر إلى الدقة التاريخية إلى درجة التدليس، بقدر ما هو - أيضاً - لأسباب موضوعية وكذلك وطنية؛ فالوهابية كانت هي الأساس الذي قامت عليه وحدة هذه البلاد، فشرعية التأسيس هي وهابية بالإجماع، وشرعية الاستمرار - في تقديري - تعود الى الإنجاز بكافة صوره.

وإذا حاولنا تحليل كلام المفتي في هذه الجزئية، فإننا سنخلص بأنه يترتب على كلامه: أن الخلافة العثمانية كانت هي القوة المسيطرة على منطقة نجد (منطلق الحركة الوهابية)، وأن الوهابيين جاؤوا، أو تمسكوا بفكرة تحريم الصلاة في المسجد الذي فيه ضريح، بغرض تكفير هذه السلطة والخروج عليها.

وهذا زعم لا أساس له من الصحة. فالعثمانيون - كما يعلم أي قارئ مبتدئ للتاريخ - لم يكونوا مسيطرين على منطقة نجد، ولم يكن ذلك الحيز الجغرافي من الوطن العربي داخل ضمن نفوذهم العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، بل كانت هذه المنطقة - في ذلك الحين - عبارة عن إمارات ومراكز قوى مستقلة، حتى جاء الإمام محمد بن عبدالوهاب وتحالف مع الإمام محمد بن سعود، وأخضعا المنطقة لسلطة الدولة السعودية الأولى، ثم توسعت هذه الدولة حتى خرجت من النطاق النجدي وشملت أغلب أرجاء الجزيرة العربية.

إذن فلا حاجة لأن يبحث الوهابيون عن مبرر لتكفير الدولة العثمانية كي يبنوا دولتهم المستقلة، ذلك لأنه لا وجود للعثمانيين من الأساس في منطقة نجد، وإذا زال المسبب بطل السبب كما هو معلوم.

وإذا استبعدنا هذا الاحتمال الذي يتبناه فضيلة المفتي لعدم واقعيته، فضلاً عن أنه لا يمت لتاريخ هذه الحركة بأية صلة، نستطيع القول بشيء من العلمية الموثقة تاريخياً، أنهم جمعوا بين إيمانهم الديني ووعيهم وطموحهم السياسي، فانطلقوا لتصحيح معتقدات الناس، وفي الوقت ذاته ضم أقاليم الجزيرة العربية إلى دولة واحدة تؤمن بمبادئ الدعوة.

أما ما ادعاه المفتي عن علاقة الوهابيين بالإنجليز والفرنسيين، وتوظيفهم لهذه العلاقة في خروجهم عن الدولة العثمانية، فهو أيضا زعم واه، ومتهافت، يعوزه الدليل، فالإنجليز والفرنسيون لم يكن لهم أي اتصال بالدولة السعودية الأولى بأي شكل كان؛ كما أن هذه الدول، وبالذات البريطانيين، لم يكن من صالحها - في ذلك الوقت - تفتيت الخلافة العثمانية. والشيخ يعرف بالتأكيد من قراءته للتاريخ المصري، على افتراض أنه يقرأ التاريخ، أن محمد علي باشا و الي مصر في ذلك الزمان، وهو تابع رسمي للدولة العثمانية، قام بالخروج على الدولة العثمانية، وحاربها حرباً ضروساً، حتى اضطر الخليفة العثماني أن يستنصر بالقوات الروسية لحماية الدولة العثمانية من جيش محمد علي باشا بعد معركة (قونية) عام 1833، والتي هزم فيها الجيش المصري جيش العثمانيين، وبالفعل وصل الأسطول الروسي إلى البوسفور بغرض حماية الخلافة العثمانية من (واليها) الثائر، وتدخلت أوروبا بكل طاقتها لوقف الزحف المصري على عاصمة العثمانيين، مما دفع بمحمد علي باشا لأن يحاول الاكتفاء بطلب الاستقلال الكلي عن الدولة العثمانية، وأن تكون حدود دولته المستقلة في كل المناطق التي بلغتها جيوشه، غير أن مصالح أوروبا، وفكرة توازن القوى لم تكن تسمح بتقسيم الرجل المريض في ذلك الحين، وقفت في وجه هذا المشروع بقوة.

من هذا العرض نخلص بما يلى:

أولاً: الدولة السعودية الأولى بدأت من الصفر ولم تكن المناطق التي بدأت منها وحدتها راضخة للعثمانيين.

ثانياً: أن الدولة السعودية الأولى لم يكن لها أي اتصال أو مصالح مع الإنجليز أو الفرنسيين، بل على العكس من ذلك كان الإنجليز مستائون من سطوة القواسم الوهابيين على مصالحهم في الخليج.

وفي ذلك يقول محمد جلال كشك في كتاب السعوديون والحل الإسلامي: (كانت حكومة الهند تتابع باهتمام بالغ أنباء الدولة السعودية والأحداث المتعاقبة بعد غزو إبراهيم باشا وسقوط الدرعية فقررت إرسال "سادليير" لداسة الموقف، وقد حددت المذكرة السرية التي كلف بها سادليير بالمهمة واجباته في 15نقطة). وأهم ما يعنينا من هذه النقاط:

أ - بحث إمكانية التنسيق للقضاء على الوهابيين.

ب - التعرف على نوايا إبراهيم باشا المقبلة بعد إخضاعه للساحل العربي.

ج - إذا كان إبراهيم باشا ينوي استئصال القواسم (الوهابيين) فما هي المساعدة التي يمكن أن نقدمها له من خلال أسطولنا وقواتنا؟

ويعلق الأستاذ كشك بعد ذلك ويقول: (فهي مهمة تجسس بريطانية ودراسة للوضع وإعداد لحملة استئصال الوهابيين وبالذات القواسم).

ثالثاً: أن مصر كانت تابعة رسمياً للدولة العثمانية، بل أن واليها - الألباني الأصل - محمد علي باشا لم يأت إليها إلا عن طريق الجيش العثماني، وكانت ولايته على مصر بمباركة العثمانيين، وكانت تبعيته لهم رسمية، ومع ذلك خرج عليها وحاربها وكاد أن يهدمها، لولا أن الخليفة اضطر للاستصراخ بأعدائه في الأمس كي يقفوا بوجه (عامله) الذي خرج عليه. أي أن زعم المفتي في (شجب) خروج السعوديين على العثمانيين ينطبق عليه المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت!.

رابعاً: محمد علي باشا كانت له اتصالات واسعة مع الإنجليز والفرنسيين والروس، ومن ذلك مثلاً ما قاله المؤرخ الوطني المصري الشهير عبدالرحمن الرافعي عن أن ابراهيم بن محمد علي باشا في حملته على معقل الوهابية في الدرعية: (استعان بخبرة الأوروبيين في الحروب فاصطحب معه في الحرب الوهابية طائفة من الإفرنج منهم الضابط الفرنسي فيسيير أحد ضباط أركان الحرب، وهذا أمر لم يكن مألوفاً ولا سائغا بين **** الشرق في ذلك العهد)!. والمسألة التي تستحق البحث - حقيقة - هي عن أثر هذه الاتصالات في خروجه على العثمانيين، وهل كانت المسألة برمتها فخاً سار فيه الباشا؟ أم أنها كانت خطة للضغط على العثمانيين؟ أم أن المسألة كما تبدو على ظاهرها مجرد محاولة للخروج على الدولة؟

وبمناسبة كون المفتي مهتما بدراسة العلاقات مع الإنجليز والفرنسيين في تلك الفترة، فليته يبحث لنا ويحدثنا عن احتلال هاتين الدولتين لمصر، وكيف كان الناس يتعاملون مع هذا الاحتلال، ومن كان من العلماء الأزهريين (الأبطال) في مواجهتهم، خصوصاً في وقت ثورة القاهرة على الفرنسيين. وفي المقابل، ليته يحدثنا أيضاً عن (خيانات) ضعفاء النفوس في تلك الفترات القاحلة، ويستخلص لنا من هذه القصص الدروس والعبر، وليبدأ لنا بذكر قصة الشيخ البكري وابنته على سبيل المثال لا الحصر، في هذه القصص فائدة للأمة، خصوصاً أن الشيخ - حفظه الله - مهتم بقضاياها، فهو يعيب - مثلاً - في شريطه المذكور على علماء الوهابية بأنهم لا يدعون لإخوانهم في العراق وفلسطين، ورغم أن هذا الزعم غير صحيح، يعرف عدم صحته كل مصل بالمساجد السعودية، إلا أنه على كل حال يدل على غيرة وحرص على الإسلام والمسلمين.

وبمناسبة هذه الغيرة وما رافقها من حمية للأزهر، فليت شيخنا الفاضل يحدثنا - ايضاً - عن قصة استقبال شيخ الأزهر للسفير الإسرائيلي وحاخام إسرائيل الأكبر وما رأيه في هذه الزيارة؟

وليحدثنا فضيلته عن أساتذة الأزهر الذين سافروا إلى إسرائيل!!، وتعاونوا مع جامعاتها، مثل: د. نبيل ذكر الله الأستاذ بكلية طب الأزهر، ود. رضا محرم الأستاذ بهندسة الأزهر، ود. عبد الموجود عبدالفضيل الأستاذ بكلية أصول الدين، ود. عبدالصبور فاضل الأستاذ بكلية اللغة العربية، وغيرهم من أساتذة الأزهر (الذين لم يجدوا حرجاً من السفر إلى الكيان الصهيوني في مخالفة واضحة لكل الأصول الشرعية وقرارات اتحاد الجامعات العربية بمنع التعاون الأكاديمي مع إسرائيل) (عبدالرحمن سعيد/ مجلة السنة/ العدد 111).

ويبقى التأكيد على أن دفاعنا عن الوهابية لا يعني بأنها حركة منزهة عن الأخطاء والمثالب، ومن المؤكد أنه توجد فئة غير قليلة من السعوديين ترى أن الوهابية ليست فوق النقد، متى ما كان هذا النقد موضوعياً وعلمياً وموثقاً ودقيقاً، أما إذا كان الكلام عن الوهابية لمجرد السخرية والتطاول، فهذا وبكل المعايير يكون أمراً غير مقبول، ولا أظن أن إخواننا العقلاء في مصر يرضونه أيضاً.

إن الوهابية هي التي حققت لهذه البلاد وحدتها بعد طول تشتت وتحزب وتحارب وصراع، والوهابية هي الحركة الدينية الوحيدة في العالم العربي التي بنت دولة مستقلة، والوهابية هي الحركة الدينية الوحيدة التي حققت وحدة سياسية بين خمسة أقاليم عربية في دولة واحدة اسمها اليوم المملكة العربية السعودية.

وأكبر مثال على ذلك أنه حين غزاهم إبراهيم بن محمد علي باشا كانوا كلهم وكما قال شاعرهم، فيصل بن سعود بن عبدالعزيز:

لا أصلح الله منا من يصالحكم *** حتى يصالح ذئب المعز راعيها

ولم تسقط الدرعية إلا بعد أن سقطت الأرض من دماء أبنائها حتى ارتوت، وبعد حصار مرير وطويل، وكتب التاريخ تزخر بقصص البطولات التي سطرها الوهابيون في دفاعهم عن دولتهم وفي معاركهم مع طوسون وأخيه إبراهيم، تلك المعارك التي لم تنته إلا بانبعاث الدولة السعودية ثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله، وثالثة على يد الملك عبدالعزيز.

وتحدثنا كتب التاريخ أن أول من سفك دمه دفاعاً عن الدرعية هم العلماء الوهابيون أنفسهم، وليس من المستغرب أن تكون الوهابية بهذه العملية والقوة مقارنة بغيرها، وذلك لأنها في الأساس حركة إصلاحية قامت على محاربة الخرافات وفكر الكرامات والخوارق، ولم تكتف بأي حال بالتواكل، لذا جاءت برجال تمكنوا من توحيد الجزيرة العربية كافة.

ولقد أنصف المفكر العربي المعروف محمد عابد الجابري الوهابية حين جعل من نشأتها (بداية) تاريخ النهضة العربية الحديثة، فلا نهضة مع الخرافة، ولا رجاء في تطور من يؤمنون بالخوارق والكرامات ويعتمدون على التواكل ويتجاهلون العمل. نعم نحن لسنا مع الغلو بكافة صوره، سواء كان وهابياً، أو أزهرياً (على غرار الفتاوى الأزهرية ضد طه حسين وعلي عبدالرازق مثلاً)، ولكن هذا لا يعني وبأي حال بأن نجعل من غلو البعض مبرراً في الطعن بالكل، ولو كان الأمر كذلك لطعن الفرنسيون بثورتهم، وشكك الأمريكيون باستقلالهم، ولما بقي بين أمم الأرض تاريخ تفخر وتزهو به.

ويبقى في نهاية المطاف تساؤل عن الأبعاد - الحقيقية - التي دفعت بمفتي مصر لقول مثل الكلام اللامسئول عن تاريخنا وبلادنا؟

يتبع

صتيمه 22-04-2006 04:20 PM

ولقد اضطررت إلى ايراد هذه المعلومات التاريخية توضيحاً لما قد يلتبس في أذهان العامة من أن ما ذكره الشيخ الدكتور علي جمعة والذي نكن له جميعاً كل احترام وتقدير كعالم جليل هو الواقع الذي سارت عليه الدعوة الوهابية كحركة مقاومة سياسية فقط وليست حركة إصلاح ودعوة لمجتمع بأكمله كان يعاني انتشار البدع والخرافات التي أبعدت ابناءه عن الدين الصحيح.

ويبقى رأي فضيلة مفتي مصر الشيخ علي جمعة رأياً شخصياً لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يؤثر في عمق العلاقات والروابط التي تجمع بين الشعبين الشقيقين السعودي والمصري خاصة ونحن نعرف وقفاتهما الثابتة والموحدة ضد كل من يسعى للنيل من ثوابتهما الدينية والاجتماعية.

صتيمه 22-04-2006 04:22 PM

وهؤلاء هم القواسم الوهابيين

لقد همت بريطانيا، وهي ذات الحول والطول في الشرق كله، بتدمير القواسم، ولكن هل تحقق لها ذلك ؟

قال لوريمر: في هذه الظروف أصدر الحاكم العام في الهند أوامره بإعداد حملة بحرية عسكرية، كان الهدف الرئيسي لها تدمير القواسم، بتدمير القوة البحرية لهذه القبائل العربية المشتغلة بالقرصنة، ولا يسمي العرب إلا لصوصاً، أسف على العلم والأدب؟، وإن كانت الحقائق تقوم بالتحدث عن الواقع بنفسها، وإن قال الأعداء ما شاءوا، فإنما بأفعاله يعرف الفاعل، قال: وأهمها القواسم، أي تروم للقواسم تدميراً نهائياً بحيث لا تبقى لهم حركة يقدرون على معاداة بريطانيا بها، وهي تعلم أنها مالها معاض إلا القواسم الأبطال، صقور البحر، الذين لا يخافون ولا يخشون، وقد جربتهم بريطانيا وجربوها، وإذا هم جمرة محرقة وشجي في الحلق .

وقال لوريمر: أن آخر ضحايا القواسم في هذه المرحلة كانت السفينة "داريا دولت" التي يقودها الكابتن " فيلمنج" وقد استولوا عليها في يوليو سنة 1819م، وهنا عزمت بريطانيا بكل ما أوتيت من قوة، على القضاء على القواسم قضاء ساحقاً، وإن تحكم عليهم حكماً ماحقاً، حتى لا تبقي ولا تذر اسماً للقواسم إلا غدا كان ضئيلاً مقهوراً، ويتابع لوريمر قوله. وقد صدرت الأوامر، أي من حكومة بومبي المعروفة بالهند وتحت ستار هذا اللقب، وكان أمراً منوياً، ومن هنا يظهر أن البريطانيين يصغرون الاسم القاسمي ويعظمون معناه، أي يرون معناه عظيماً حيث رأوا وسمعوا ما صار منهم، فهم يظهرون للناس تهوين أمرهم، ويكتمون الحقائق التي يعرفونها عنهم، وذلك دأبهم طيلة تلك الأيام .

صدرت التعليمات من حكومة الهند البريطانية للقادة البحريين والعسكريين في الحملة بهذه الأهداف جميعها عدا واحداً هو حماية سلطان مسقط من الضغط الوهابي. وهذا الهدف إذا صح أنه كان من بين أهداف الحملة، فقد كان مقنعاً وبشكل غير مباشر بالنسبة للقائمين بالأعمال، وصدرت التعليمات تؤكد بشكل خاص ضرورة تدمير سفن القواسم، ومن الناحية السياسية فقد تم الالتزام بأقصى جانب ممكن من الحذر والحيطة، والمعنى أن الحملة لم تترك شيئاً مما يتعلق بالحذر في الحال الإ جاءت به مع الكتمان الشديد، والأستار الغليظة التي تخفي بها المقاصد إخفاء كاملاً، فقد ملأت البحر برجالها وأساطيلها وهيأت المعدات الكافية، ومنعت العمليات البرية بقدر الإمكان، وخاصة ما يثير صراعات مع القوى العاملة بأمر أمير الوهابيين، وهذا هو مطلق بن محمد المطيري الذي جاء مع الجبري مناصاً له فتمركز في البريمي لكونها غافرية، والجبري ضد السلطان سعيد بن سلطان فوجد الأمير الوهابي مكاناً آمناً ومقراً معززاً يطمئن فيه عند القيام بعملياته ، وكذلك على الحملة أن لا تفصح عن أي نوايا عدائية نحو هؤلاء، وعليها تجاهل أي روابط قائمة بين القواسم والوهابيين، عند ذلك توجهت القوات البريطانية لضرب رأس الخيمة ورتبت أنظمة الضرب وأثبتت قواعدها، وفي اليوم 12 من الشهر نفسه اصطفت السفن لضرب المدينة من كل جانب، وأطلقت النيران فقصفت مدافع السفن الأصغر حجماً المدينة، لأنها استطاعت الاقتراب منها إلى أقصى ما يمكن، لكن المدافعين ظلوا يطلقون قذائف مدفعيتهم الصغيرة، وأغلقوا الخليج ووقفوا عليه كسور من الحديد، بحيث لم يستطع جنود العدو التقدم أقل شيء في الميدان.. وفي الصباح الباكر من يوم 13 نوفمبر قامت مظاهرة بحرية عند مدخل الميناء من طرف المدينة الشمالي، وخلف هذا الستار نزلت قوة المشاة البريطانية وبعض القوارب البحرية، عند الطرف المقابل في مياه تصل إلى منتصف قامة الرجل، واعترض هذا الانزال حشد من الرجال بالسيوف والأسلحة الخفيفة، لكن نيران المدافع التي أطلقت عليهم من القوارب المسلحة استطاعت تشتيتهم، وقد ركزت بريطانيا مدافعها وسفنها في البحر على السور، وأطلقت نيرانها عليه فانقض واندثر، ولم يستطع الثبات لتلك المدافع الثقيلة التي تدك الجبال لو واجهتها، ومنذ الساعة الثانية بعد إشراق الشمس إلى ما بعد الظهر والمدافع الرنانة تعمل عملها، حيث تم احتلال وسط المدينة، بعد أن دمرت المدفعية المباني، وخربت المنازل ، وهدمت السور تماماً، وذهب القواسم عن الميدان بعيداً حيث لاطاقة لهم على رد الواقع عليهم من أفق البحر، وهم في مدينتهم، وعند ذلك نزل الجنود البريطانيون ورفعوا العلم على بيت الشيخ إيذاناً بإتمام الاحتلال، وإظهاراً لانتصارهم، والنار تلتهم المدينة من كل جانب، ولم يبق منها إلا ما شاء الله .

قال لوريمر: والأجزاء الشمالية فقط في شبه الجزيرة بقيت في أيدي العدو ( أي القواسم) وفي الساعة الرابعة أحرق بحارة الاسطول البريطاني خمسين سفينة راسية على الشاطئ، تابعة لرأس الخيمة، وكأنهم لم يستطيعوا سحبها عندما نزل العدو على الساحل المذكور، ولعلها كانت خالية فارغة من كل شيء، منها ثلاثون سفينة كبيرة، وأصبحت المدينة نهباً للنيران، وقد نهب أفراد من الجنود بعض الأسلاب، ولكن لم يسمح بأعمال النهب العام، وبعد شروق الشمس في يوم 14 نوفمبر وصل تقرير يفيد باقتراب حشد كبير من القوات العربية في الداخل ، فبادر الكولونيل سميث للالتزام بالتعليمات الموجودة لديه يتجنب أي اشتباك مع الوهابيين، وأصدر الأوامر بصعود الجنود إلى ظهر السفن بأسرع ما يمكن، ولم تحصل الحملة على تسليم بالهزيمة من العرب الذي سرعان ما عادوا إلى احتلال الشاطئ، ومن الواضح أن القائد عندما رأى الرجال يقتربون من الساحل ظن أنهم من الجهة السعودية، وكانت لديه تعليمات من حكومة الهند بأنه إذا دخل الحرب مع القواسم سعوديون فعليه إيقاف الحرب، ولذلك ابتعد الجنود البريطانيون، وحل محلهم في الميدان رجال المدينة الذين سرعان ما عادوا إلى احتلال الشاطئ، وكأن شيئاً لم يحدث، وهناك ما يحملنا على الاعتقاد بأن القائد الوهابي مطلق تحرك لنجدة رأس الخيمة بمجرد وصول أنباء مهاجمتها إليه، وفي ضوء هذا الاعتبار، وفي ضوء ما حدث بعد عدة أسابيع قليلة في شناص، لا نستطيع توجيه اللوم إلى القائد البريطاني لاتخاذ هذا المسلك الحذر. .

القواسم يعودون لقوتهم

ظنت بريطانيا بعد تلك الأعمال التي أوقعتها بصقور البحر العماني القواسم، أن الحركات قد وهت، وإن أمور القواسم قد انتهت، ولكن الأمر ليس كما ظنت بريطانيا، وليس هدم رأس الخيمة وإحراقها بمثن من عزيمة القوم، وكم أُهلكت ولايات وهدمت إمارات ولم يطل عهدها، إلا وهي هي بحركاتها وأعمالها.

لا ريب أن القواسم وهم الرجال الأبطال الذين ناطحوا بريطانيا وعرفوا عنها الكثير، كما عرفت عنهم، أصبحوا مغمورين بالحنق على ما صار عليهم برأس الخيمة، فهاجوا على ممارسة بريطانيا أخذاً بثأر رأس الخيمة، وقاموا على الموانئ التي يحل البريطانيون فيها والمواقع التي يحتلونها، واشتدت شوكة صقور البحر وحددت مخالبهم وفرت أنيابهم جسم البحر الذي تخوضه السفن البريطانية، وننقل إليك ذلك عن المؤرخ الإنجليزي ومن معه من الإفرنج، ليكون اثبت حجة وأبين محجة، قال: في سنة 1811 إلى سنة 1819م، وغارات القواسم لم تقف ولم تنؤ، وجمرة القوم لم تنطفء ، وقد عرفوا ما حل عليهم برأس الخيمة حتى احترقت الخيمة ولم يبق لها رأس ولا طرف وما برحت تعالج جرحها الفادح، حتى قام صقورها وحلّـقوا على أفق البحر فكانوا على بريطانيا أضر من الأول .


كان الخليج العربي ساحة مليئة بالاحداث والصراعات والتحالفات ، فقد تحالف القواسم مع الوهابيين الامر الذي ازعج بريطانيا والعثمانيين على حد سواء. فالحركة الوهابية كانت القوة البرية الصاعدة والقواسم كانوا يمثلون القوة البحرية التي لا تعبأ بالهجوم على السفن البريطانية . لقد انزعج البريطانيون كثيرا من القواسم ووجهوا حملاتهم ضدهم في العام 1805 و 1809 ولكن هذه الحملات لم تكن لتمنع القواسم من معاودة النهوض وترتيب اسطولهم من جديد. وبعد تحالف القواسم مع الوهابيين ، وازدياد خطرهم في المنطقة وجه الوالي العثماني محمد علي باشا حملته ضد الوهابيين عام 1819 فاستغلت بريطانيا الفرصة وقامت بمهاجمة القواسم في رأس الخيمة في العام نفسه . وقد استطاع البريطانيون تدمير اسطول القواسم وكان من نتائج هذه الحملة التوقيع على معاهدة السلم العامة عام 1820م

صتيمه 22-04-2006 04:23 PM

شهادة السلطان عبد الحميد الثاني بن السلطان عبد المجيد بالملك عبدالعزيز وبخصوص علاقته بالانجليز


يقول السلطان عبدالحميد الثاني في مذكراته التي كتبها بخط يده : " يخطيء الانجليز إذا ظنوا أنهم سيسطرون على تصرفات شيخ الرياض عبدالعزيز بن سعود الذي يسعى لإحياء الحركة "الوهابية" .إن بن سعود يعرف جيداً حرمة الاقتداء بالانجليز " !!
إذاً الخليفة يحسن الظن بعبدالعزيز ، بل ويتهكم على البريطانيين إن ظنوا أنهم سيدخلون عبدالعزيز تحت تصرفهم ،فالرجل له مهمة وهي إعادة الحكم السعودي فقط !!
ثم يواصل السلطان حسن ظنه بعبدالعزيز بأن الذي يمنعه من السير قدماً في التخلص من قبضة الانجليز هو "تدينه" !! لأنه يعرف بأن ابن سعود ذا ديانة ويعرف متى يقف في المسايرة والتغافل لبريطانيا !!
هذه شهادة من عدو يعتبر لعبدالعزيز ..لكنه لم يتهمه في دينه ..بالرغم أن المسألة في بدايتها ..فكيف بنا يامن رأينا عاقبة تعامل عبدالعزيز مع عدو، حين سايره حيناً حتى نال بغيته ،ثم حكم شرع الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام !!
المصدر " السلطان عبدالحميد ..مذكراتي السياسية " ص 142 اصدارات مؤسسة الرسالة الطبعة الخامسة1406هـ

صتيمه 22-04-2006 04:27 PM

رد الملك عبد العزيز على الرئيس الأمريكي

ليعلم الجميع

من هو (( عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله ))



من الرئيس ترومان إلى الملك عبد العزيز

القصر الأبيض واشنطن 10 فبراير سنة 1948م.

إلى حضرة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية.

عزيزي الملك:

لعل من نافلة القول أن أذكّر جلالتكم بما يربط بلدينا من صلات المودة القديمة العهد القائمة على مبادئ العدل والحرية والرغبة الأكيدة في التعاون التام لصون السلام العالمي ولخير بني البشر قاطبة، تلك الصلات الأدبية التي وثقت عراها بعد ذلك المصالح الاقتصادية المتبادلة منذ تفضلتم فأذنتم لشركاتنا الكبرى بإقامة منشآتها العظيمة لاستغلال آبار البترول الغنية في بلادكم على أسس التعاون المثمر لخير البلدين.

فلا غرو يا صاحب الجلالة نتيجة لهذا الارتباط الوثيق بين بلدينا أن صار لكل ما ينتاب إحداهما من الأحداث الدولية سارها وضارها صداه البعيد في صاحبه.

وحيث إنه يهم هذه البلاد أن يستقر السلام في ربوع الشرق العربي الذي تربطه ببلادكم روابط الدين والتاريخ واللغة، وينتظم جميعها في جامعة الدول العربية، وحيث إن لشخصية دولتكم مكانها المرموق في هذه الجامعة وفي قلوب العرب جميعا، فقد عنّ لي أن استنجد بكم باسم السلام العالمي وباسم الإنسانية المعذبة لتسخدموا نفوذكم العظيم في وضع حد للحرب الأهلية الناشبة بالأرض المقدسة بين أهلها العرب واليهود, وذلك بأن تندبوا العرب إلى مسالمة مواطنيهم اليهود، فكفى ما أصابهم من الاضطهاد النازي وسياسة الإبادة التي اتبعها معهم طوال حكمه المشؤوم، مما أعتقد اعتقادا جازما بأن ذلك لا يرضيكم، فضلا على أن ما يقوم به العرب اليوم يعتبر تحديا صارخا لقرار هيئة الأمم المتحدة القاضي بتقسيم البلاد بين الفريقين، ومن ثم يعتبر عملا عدائيا موجها إلى جميع الدول المشتركة في الهيئة وفي مقدمتها بلادكم المجيدة.

وأخوف ما أخافه أن تضطر الدول المتحدة إلى إرسال قوات مسلحة لتأديب هؤلاء الخارجين على قرار هيئتها وتنفيذه بالقوة, بما في ذلك ما فيه من تعريض أرواح الألوف من بني جنسكم للموت، مما لا شك عندي أنه سيؤلمكم وسيؤلمني أيضا لألمكم، وإني لا أكتمكم أنني أخشى إذا تمادى هذا الحال أن يتكدر صفو العلاقات الطيبة بيننا، وتصاب مصالحنا المشتركة بأضرار بالغة، لأن شعب الولايات المتحدة شديد العطف على اليهود المنكوبين الذين قد خضعوا لقرار التقسيم على الرغم من عدم وفائه بكل مطالبهم، فجدير بالعرب ألا يكونوا أقل من اليهود رغبة في إقرار السلام، واحتراما لقرار الهيئة الدولية الموقرة.

إن التاريخ يا صاحب الجلالة ليترقب منكم أن تقوموا بعمل حاسم في هذا السبيل ليسجل في صفحاته أن الملك العربي عبد العزيز بن آل سعود قد استطاع بحكمته ونفوذه أن يقرَّ السلام في الأرض المقدسة فأنقذ بني جنسه العرب من وبال العقوبة العالمية، وساهم في الترفيه عن شعب إسرائيل المعذب المضطهد.

وتفضلوا جلالتكم بقبول تحياتي وتمنياتي الطيبة وخالص شكري سلفاً.

المخلص هاري ترومان/ رئيس الولايات المتحدة



ورد عليه الملك عبد العزيز بالرسالة الآتية:



من الملك عبد العزيز

إلى الرئيس ترومان

القصر الملكي الرياض 10/ ربيع الآخر سنة 1367هـ

إلى حضرة صاحب الفخامة الرئيس هاري ترومان رئيس جمهورية الولايات المتحدة.

عزيزي الرئيس:

تلقيت رسالتكم المؤرخة 10 فبراير الجاري، وأحطت بمضمونها علما، وإني مع شكري لفخامتكم على ما وجهتم إليّ فيها من عبارات المودة والمجاملة، لا يسعني إلا أن أصارحكم والصراحة من آدابنا المرعية بأنه ما كادت تتلى عليّ الرسالة حتى عجبت أشد العجب من أن يبلغ بكم الحرص على إحقاق باطل اليهود إلى حد أن تسيئوا الظن بملك عربي مثلي، لا تجهلون إخلاصه للعروبة والإسلام، فتطلبوا منه أن يناصر باطل الصهيونيين على حق قومه، ولكي تقدروا موقع هذا الطلب من نفوسنا فسأضرب لكم مثلا:

لو اعتدت دولة قوية على إحدى ولاياتكم المتحدة، ففتحت أبوابها لمهاجرين من شذاذ الآفاق ليقيموا بها دولة، فلما هبَّ الأمريكيون لرد ذلك العدوان والحيلولة دون قيام تلك الدولة الغريبة في أرضهم جئنا نحن فنناشدكم بحق الصداقة التي تربط بلدينا وباسم السلام العالمي أن تستعملوا نفوذكم ومكانتكم لدى الأمريكيين ليكفوا عن الدفاع بلادهم، ويمكّنوا لذلك الشعب الغريب أن يقيم فيها دولته حتى يسجل التاريخ في صفحاته البيضاء أن الرئيس (ترومان) قد استطاع بحكمته ونفوذه أن يقر السلام في القارة الأمريكية!!

فليت شعري ماذا كان يكون وقع هذا الطلب في نفوسكم ؟!

يا فخامة الرئيس إنني ما بلغت المكانة المرموقة التي تذكرونها لي عند العرب إلا لما يعرفون من تمسكي الشديد بحقوق العروبة والإسلام، فكيف تطلبون مني ما لا يمكن أن يصدر من أي عربي مسؤول؟

وليست الحرب القائمة في فلسطين حربا أهلية كما ذكرتم ولكنها حرب بين العرب أصحابها الشرعيين وبين غزاة الصهيونيين الطارئين عليها من الآفاق على كره من أهلها، وبمساعدة الدول التي تدعي حب السلام العالمي، وهي تتلاعب به، وما قرار التقسيم الذي كان لحكومتكم الوزر الأكبر في دفع الدول إلى تأييده إلا قرار جائر رفضته دول العرب وشعوبهم من البداية ورفضته معهم الدول التي آثرت أن تؤيد الحق، فليس العرب مسؤولين عن النتائج الوخيمة التي قد أنذروا بها الهيئة من قبل.

وإني لا أشفق على بني جنسي الذين يستشهدون في المعارك الدامية بفلسطين، دفاعاً عن وطنهم ضد الغزاة الصهيونيين وغيرهم ممن قد يأتون لمناصرتهم، فإننا معشر العرب نعد ذلك شرفا يغبطون عليه، ولن يتراجعوا ولن نتراجع عن تأييدهم بكل ما أوتينا من قوة حتى نبدد أحلام الصهيونيين وأطماعهم في بلادنا إلى الأبد.

أما ما ذكرتم من المصالح الاقتصادية التي تربط بلدينا فاعلموا أنها أهون في نظرنا من أن نبيع بها شبرا واحداً من أرض فلسطين العربية لمجرمي اليهود.

ويشهد الله أنني قادر على أن أعتبر آبار البترول كأن لم تكن، فهي نعمة ادخرها الله للعرب حتى أظهرها لهم في الزمن الأخير, فلا والله تكون نقمة عليهم أبدا.

ولقد صرحت للعالم مرارا أنني مستعد أن أسير أنا وأولادي جميعا لنقاتل في سبيل فلسطين حتى نمنع قيام دولة اليهود فيها أو نموت، فكيف يعقل بعد هذا أن يكون الكسب المادي من البترول أعز من نفسي ونفوس أولادي.

إن القرآن الذي به نؤمن وعليه نحيا وعليه نموت قد لعن اليهود كما لعنتهم التوراة والإنجيل، وهو يوجب علينا أن نمنع اعتداءهم على هذه الأرض المقدسة بأرواحنا وأموالنا، لا يقبل منا في ذلك صرفا ولا عدلا، وإذا كانت العقيدة الدينية عند المسيحيين الأمريكيين وغيرهم قد بلغت من الرقة والضعف بحيث تسوغ لهم تمكين اليهود من تدنيس الأرض المقدسة فإن قلوبنا ما تزال عامرة بالإيمان الذي يحول بيننا وبين ذاك.

لقد كان في ممالأتكم السافرة لأعدائنا الصهيونيين وموقف حكومتكم العدائي نحو العرب ما يكفي ليحملنا على قطع الصلات الودية بين بلدينا وفسخ عقود الشركات الأمريكية وإلغاء الامتيازات التي خولناها لها، لولا أننا آثرنا ألا نعجل باتخاذ مثل هذا الإجراء لعل حكومة الولايات المتحدة تراجع نفسها وتصحح موقفها من قضية فلسطين فتعدل عن تأييد الباطل الواضح إلى تأييد الحق الواضح دون ضغط منا أو تهديد بقطع مصالحها الاقتصادية في بلادنا، لأننا معشر العرب نؤثر أن ينتصر الحق بالحق لا كما يفعل أعداؤنا الصهيونيون الذين يحملون الحكومات والهيئات العالمية على تأييد باطلهم بالرشوة وبالضغط الاقتصادي وبالحرمان من أصواتهم في الانتخابات وهلم جرا.

بيد أننا متى أيقنا أن كرامة الحق ستهدر فلن نتردد في صيانتها بالوسيلة التي لا نؤثر غيرها عليها، ولا سيما إذا قررت ذلك جامعة الدول العربية التي نتقيد بقراراتها في كل ما يحفظ كيان العرب ويصون حقوقهم ويسرني أن أطمئنكم بأن الضيوف الأمريكيين النازلين في بلادنا لن يمسهم أي سوء ما داموا في أرضنا, وقصارى ما يصيبهم إذا جدَّ الجد أن نقصر أمد غربتهم عن بلادهم فنرحلهم إليها سالمين موفوري الكرامة مصوني الحقوق.

وفي الختام نذكّركم يا صاحب الفخامة بأن البضاعة التي قامت عليها صلاتنا الاقتصادية هي من البضائع التي يكثر طلابها ويقل عارضوها في أسواق العالم.

وتفضلوا فخامتكم بقبول تحياتي وتمنياتي الطيبة.



عبد العزيز آل سعود

ملك المملكة العربية السعودية

صتيمه 30-04-2006 01:34 AM

يرفع لعيون ال سعود


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.