أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة السياسية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   في إشكاليات النخب و الطلائع (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=54503)

ابن حوران 01-06-2006 08:05 AM

في إشكاليات النخب و الطلائع
 
في إشكاليات النخب و الطلائع ..

تهيم عقول أبناء الأمة في واقعها ، و يجتهد كل فرد ضمن مجموعة ما أو كفرد وحيد سولت له نفسه أنه هو الوحيد الذي يعنى بما يدور حوله .. وتكثر الأفكار المطروحة ، وتكثر نقائضها .. ويزيد الهيام و الأسى في نفس أبناء الأمة ، هل وصلنا الى طريق مسدود أم أن هذا قدرنا منذ القدم ..

يكون هناك في أمكنة كثيرة ، حيث يتعايش أصناف كثر من الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية و المعرفية ، أناس لا يتورعون عن جلد ذات الأمة ، فيسفهون أي تاريخ لها يحمل نقاطا مضيئة ، فيردونه إما للصدفة و إما لهزل الأمم التي كانت تعيش في تلك الأيام ، ومنهم من يردون النقاط المضيئة لشعوب اعتنقت الإسلام و دخلت فيه ، فغطت بما تملك من خبرات حضارية ، جانب الظلام الذي عاشت به أمتنا .. فكسبت أمتنا مجدها من أفعال غيرها من الأمم .

ومنهم من يعيد الازدهار و التطور الذي أضاء للأمة طريقها ،الى الإسلام الذي فجر طاقات الإبداع لمن دخل فيه .. وعندما ابتعد الحكام عن الإسلام ، فلتت قبضتهم عن القدرة على إدارة دولتهم ، فتفككت و انتشر الفساد والشرذمة ، وسبقتها باقي الأمم ، حتى تعمق الشعور في انعدام الوزن لدى أبناءها و حكامها ، على حد سواء فاستسلمت لمشيئة الأجنبي .. وحاولت أن تبقي على مسافة منه تبرر فيها دونية الأمة وعدم جدارتها بالنهوض .

وحتى نناقش تلك المشكلة ، والتي يبدو أنها هي أس معظم المشاكل الفرعية الأخرى ، فعلينا أن نقف عند ثلاث مصطلحات وردت في هذه المقدمة ، وهي : الأمة و الطليعة و النخبة .. وهي مصطلحات بالرغم من أنها أصبحت من المصطلحات الممجوجة و المبتذلة إلا أنها ، لا زالت تتخذ موضع صلب الخطاب السياسي والثقافي لدى الجميع ..

الأمة :

يبدو أن مصطلح أمة قد نال في لغتنا العربية ، نصيبا لم يناله مثل هذا المصطلح لدى الكثير من اللغات العالمية .. فهي إن لم تشرح ويتم تبيانها ، تقفز للخيال فكرة أناس يعيشون في مكان ما ويتكلمون بلغة واحدة أو يفهموا لغة ما يتكلم به الجميع ، ويحلمون بمستقبل متشابه ، ويتذكرون تراثا واحدا يحتكمون إليه في التعبير عن القيم الجمالية و الأخلاقية والحضارية ..

ونحن إذ حاولنا تطويع أنفسنا على القبول بهذا التعريف ، فإننا سنضع أنفسنا فيمن يتكلم عن القومية ، وهنا سنفتح أبوابا من عدم القبول ، لمن ينكر وجود تلك القومية أو حتى فكرتها ، ضمن منظور نخب التفكير اليساري ( الشيوعي) ، ولن نسلم من مناوشة من يدعون الى توسيع فكرة الأمة ، لتصبح أمة إسلامية ، تشمل من يعيش في شبه جزيرة الهند وشبه جزيرة العرب وحتى تطال كل من يعتنق الإسلام في تركيا والسنغال و موزامبيق ..

ونحن لم نطرح هذا الموضوع إلا كمحاولة ، للخلاص من تلك الإشكالية العامة والتي تفلسف رؤية المنادين بالاكتفاء بما نحن عليه من حالة الشرذمة والقطرية ، طالما لم تحسم مسألة فهم الأمة .

لقد ورد لفظ أمة في القرآن الكريم ، في عدة أماكن ، لو تمعنا بها لاهتدينا لمفهوم الأمة لغويا ( على الأقل ) ..
1 ـ { ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين} النحل 120
2 ـ{ ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون} الأنبياء 92
3 ـ {ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون ووجد من دونهم امراتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير} القصص 23
4 ـ { وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون} الزخرف 23
5 ـ {فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} النساء 41
6 ـ {وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون} الأنعام 36

7 ـ {ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون} الأعراف 159
8ـ {وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وانزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون} الأعراف 160

نكتفي بهذا القدر من الآيات الكثيرة التي تذكر لفظ أمة .. ونلاحظ في الآية رقم (8) من الآيات أعلاه .. أن السبط أصبحت أمة ، ونلاحظ في الآية (7) أن من القوم برزت أمة يهدون بالحق .. ونحن نعرف لغويا أن الأمة أوسع من القوم .

وفي الآية رقم ( 1) .. كان إبراهيم ( أمة ) .. وهو فرد ! .. أما في الآية رقم (3) .. ولما ورد ماء مدين وجد عليه ( أمة ) .. أما في الآية (6) وما من دابة الخ الآية .. فتساوت الدواب مع البشر في مسألة الأمة ..

لنترك هذا الجانب قليلا ، ونعود لجذر (أمَ) وهو قاد و إمام المسجد أو القوم هو من يقودهم ، و أمه فلانة .. أي التي بدأت به الحياة وولدته .. إذن ، فخط السير أو البداية ، الذي يبتدئ عنده مجموعة ، هو ما يميزهم عن غيرهم ..

لقد اعتبر ابراهيم ( أمة ) لأن من تبعه الى يوم الدين ، فهو من أمته ، ومجموعات النمل أو النحل التي تختط خطا في حياتها هي أمة .

نحن عندما نسمع أحدا يقول أن هناك أمة إسلامية ، فهو محق ، عندما يتعلق الأمر بالانصياع لتعاليم الدين الإسلامي .. وقد تجد مجموعة في الصين من المسلمين لا يساوون واحد بالمائة من مجموع الصين ، فهم من الأمة الإسلامية عندما يتعلق الأمر بدينهم ، وهم من الأمة الصينية ، عندما يتعلق الأمر بهويتهم القومية ، أو الوطنية ..

وعندما يقول أحدهم أنه من أبناء الأمة العربية ، تتطاير اعتراضات هنا وهناك من جهات مختلفة ، في حين و إن كانت اعتراضات من يعترض لها وجاهتها فإن كلامه أيضا له وجاهته .. فالأرمني الذي يسكن بين العرب هو أرمني من ناحية القومية ، وهو عربي من حيث الفضاء الذهني الوطني والتراثي .. تماما كما يكون اليوناني أو الكوري الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ، فهو يوناني وكوري ، وهو أمريكي .. و ( أمريكو فسبوشي) الذي نسبت إليه اسم قارتين وهو شخص ( فرد ) .. لا أظن أن نستكثر على الأمة العربية ، أن تحمل هذا الاسم و دورها فاق كثيرا دور أمريكو فسبوشي ..

يتبع

ابن حوران 03-06-2006 03:20 AM

مصطلح الأمة بين التفاخر الفضفاض والواقعية المفقودة

قد يحدث أن يعلو صياح أحد أبناء حي ما في بلدة ما ، مهددا ومنذرا ومعربدا ، ظنا منه أنه بين عصبيته و أهله ، فيستمد قوته منها و يتعالى صوته ، حتى يبرز إليه من يتحداه ، وقد يكون أقوى منه أو معه من يعينه ، فيوسعه ضربا ويطرحه أرضا ، فيكتشف صاحب الصوت العالي أنه خذل ، ولم ينصره أحد ، فيكظم غيضه ، ولكنه يبقي على جذور مبررات صوته العالي ، وقد يستخدمها في مناسبة أخرى ، ظنا منه أنه قد عالج سبب الخذلان الأول ..

كما أن للبيضة حدود ولقطعة الأرض المملوكة من قبل مالك حدود ، فإن للجماعة حدود ، وبما أن الأمة هي جماعة بمفهومها العام فإن لها حدود ، وحدودها تتشكل بالقدر الذي يلتزم أفرادها بالإيمان المحوري الذي تشكلت منه جماعتهم ( أمتهم ) .. وبقي أفراد تلك الجماعة على جاهزية كاملة في الدفاع عن مفهوم تماسك جماعتهم و تحويل ( الإيمان ) الى إجراء دائم ..

إن الجماعة التي تصلي صلاة الجماعة وراء إمام ، تلتزم بالإشارات الصادرة منه ، وتكتسب صفة الجماعة ، طالما أنها التزمت بقيادة الإمام لها ، وتأخذ صفة جماعة حتى لو كان المصلين ثلاثة .. وهذا ينسحب على فصيل عسكري أو وفد تفاوضي أو كتيبة أو فيلق أو جيش أو أمة أو أممية ( إسلامية ) أو (شيوعية ) .. فطالما أن هناك إمام واحد ( قائد ) .. فمن يتبعه هو أمة ..

لكن إذا استخدم مصطلح أمة ، ولم يكن سلوك الأفراد ، الذين يفترض أن يكونوا بإمرته ، بما يقول أو يصدر عنه من أوامر .. فإن استخدام المصطلح هنا لا يعدو ظاهرة التفاخر والتباهي ، ومحاولة للتذاوت الوجداني لا أكثر .. وقد يكتسب نقطة واحدة لصالحه في هذا المجال ، بأنه يصلح أن يكون فضاءا يضخ به النشاط الذهني ليحوله من حالة المفاخرة الى حالة العملياتية ، التي يستحق عندها أن يكون فيها مصطلح الأمة معبرا عن حالة جماعة حقيقية طبيعية ، تتحرك بتناغم مع ما يقول أفرادها في مجال التباهي ..

عندما كان القائد (الفتى ) محمد قاسم الثقفي ، يخوض حربه في هضاب الصين ، كان هو وعسكره و جنده يستندون الى مفهوم الأمة بشكليها المتطابقين التفاخري و الحقيقي (العملياتي ) .. وعندها كان مفهوم الأمة الإسلامية ، يستحق النظرة إليه كمصطلح معبر عن الحالة التي ينشدها الكثيرون هذه الأيام في صورة الأمة ..

ولكن عندما تداخلت الأوامر، لتجد في مساحة معينة تنسب كلها للمسلمين ، ولكن قادتها متنافرون كما في عهد تزامن دولة بني عباس و الدولة الأغلبية والدولة اليعفرية و الدولة الفاطمية والدولة الأندلسية وغيرها من الدول الكثيرة التي تعايشت في زمان واحد .. فإن مفهوم الأمة الإسلامية ، ليس له أي معنى إجرائي ، والكلام به أشبه بمن يصف البشر الذين يحملون زمرة دم (A) .. فقد تجد منهم بالمكسيك والهند وروسيا ، ولكنهم لا يشكلون جماعة لها أي قيمة عملياتية ..

وهذا الكلام وإن كان يعني بأتباع ديانة معينة ، ونحن لم ندخل في الطوائف والمذاهب و التي تتصاعد الخلافات فيها لدرجة قد تتساوى مع الحالة العدائية التي تكون بين أتباع الديانات الأخرى ، وأمثلة الصراع بين أتباع الطائفة الأرثوذكسية و البروتستانت ، أو الشيعة و السنة ، وغيرها من الصراعات الطائفية المعروفة على مر الزمان ..

أما الجماعات الأممية السياسية ، التي تم إيجادها على هامش مفاهيم الحداثة التي حاذت الثورة الصناعية في أوروبا ، فإن الخلاف فيما بينهم قد تخطى حجم الخلاف فيما بين أبناء الديانات و الطوائف .. ونتذكر الخلاف الصيني السوفييتي والخلاف السوفييتي واليوغسلافي و من قبله خلاف تروتسكي مع رفاقه .. ونتذكر كيفية إلغاء فكرة ديكتاتورية البروليتاريا في كل من إسبانيا و إيطاليا وغيرها .. وهي خلافات ، تشير الى تنصل جماعات من تبعية الالتزام بفقه نظري لقيادات ، تم التشكيك في استحقاقها للقيادة على من تخلى عن التبعية .

إذن ألا يحق لنا أن نسأل عن جدوى صيحات القومية و صيحات الأممية و صيحات الدعوة لنشوء أو استعادة تكوين أمة الإسلام .. وان كنا نستهجن مثل تلك الصيحات ، فهل هذه دعوة للركون للحالة القطرية ، والتي هي الأخرى أصبح وضعها غير مأمون البقاء ، فالشرذمة والتفكك يهددها من كل صوب ؟

يتبع

غــيــث 05-06-2006 12:49 PM

بارك الله فيك وكثر من أمثالك أخي إبن حوران... فانت مكسب للمنتدى بحق

متابعين بقية موضوعك ... لاعدمناك

ابن حوران 06-06-2006 02:41 AM

أشكرك أخي غيث على الاهتمام والكلام الطيب

لك احترامي و تقديري

ابن حوران 06-06-2006 02:42 AM

الصراع والتصالح سمتان تتعايشان مع كل الأمم

منذ عهد آدم عليه السلام ، والتنافر يعيش داخل النفس البشرية ، وهي سمة ضرورية لديمومة الحياة ، بعد أن كانت إرادة الله في دفع الناس بعضهم لبعض ، وذلك من أجل أن يؤجر الملتزم و يعاقب المسيء .. والتنافر يؤدي الى جدلية وتطوير وابتكار لكل ما يضمن درء الأخطار و استمرار الحياة ..

في الأسرة الواحدة ، تجد أن الزوج والزوجة حتى لو كانا بلا أطفال ، يعيشان في مساحة يختلط بها الرغبة في بقاء العلاقة و رغبة في إنهاء تلك العلاقة ، حب و كره ، صفاء و كدر .. وقد تستمر الحياة و التعايش بين الزوجين حتى موتهما و بهاتين الثنائيتين .. و إذا ما رزقوا بأبناء ، سيحدث بين الأبناء حالات متشابهة من الثنائيات المتنافرة .. وإذا خرجنا الى الحي و البلدة والأقطار و الأمم فإننا سنجد تلك الثنائيات متلازمة .. وتستمر الحياة .

في موضوع التنافر داخل الأسرة ، تتكتم الأسرة عن تبيان حالات التنافر فيما بين أفرادها ، وتظهر جانب المودة و الصفاء ، وهي نظرة لا تخلو من مصلحة ، حيث لا تفرح الأسر في أن يتداول الآخرون أخبارها السيئة ، فهذا سيؤثر على علاقات الأسرة المستقبلية ، ويجعلها غير مرغوبة في إقامة علاقات طبيعية مع غيرها من الأسر ..من الإقبال على خطبة بناتها أو قبولهم عندما يخطبون لأبنائهم الذكور .. و كذلك لعلاقات كثيرة لسنا في صددها ..

عند العشائر ، تحدث خلافات كبيرة بين أبناء العشيرة ، ولكن القائمون على العشيرة يحرصون كل الحرص على عدم تبيان تلك الخلافات ليبقى جانب العشيرة في هيبته ، سواء كان في غزوها كما في الماضي السحيق ، أو في اتفاقها على موقف انتخابي في العصر الراهن ..

عندما تتكرر هفوات فضح خلافات الأسرة أو العشيرة ، فإن خطابها الخارجي سيصبح باهتا و ضعيف التأثير ، وستقع في المخاطر التي حرصت على عدم الوقوع بها من خلال التستر على جزئياتها الداخلية ..

في الأمم ، تتشابه الحالات الإثنية فيها ، فتجد أن في سويسرا و إيران و بلجيكا و جنوب إفريقيا ، خليط ضخم من الإثنيات القومية ، يفوق ما لدى الأمة العربية ، وفي بلاد كالولايات المتحدة الأمريكية ، فإن هناك عاملا إضافيا ليس في صالح الأمريكان كأمة موزائيكية ، ومع ذلك فان تلك الأمم لا تعاني من وقع سيء لمصطلح أمة كما نعاني منه نحن العرب ..

إن القوة و حرص قياداتها على التكلم باسمها و هي قوية ، يغطي على كل عيوبها التفصيلية الداخلية .. في حين أن الأمة التي تعاني الوهن و الضعف ، ستلعن و تشتم عندما تذكر باسمها من قبل أعدائها ، ومن قبل أبنائها أيضا .. فكم نصادف في صالونات الحلاقة ، شبابا يلعنون انتمائهم للعرب ، وكم نصادف أناسا عندما يذكرون ظاهرة فاسدة أو غير أخلاقية ، فإنهم يتبعون سخريتهم بكلمة ( عرب ! ) ..

إن اهتزاز صورة العرب كأمة ، نابع من تقطيع تسلسل تاريخها زمنيا ، وتسلسل بقاع أقطارها جغرافيا ، فهي في ذاكرة أبنائها تمتد من الصين الى الأندلس .. جغرافيا ، ولكنها تعيش واقع قطريتها ( البحرين ، جيبوتي ، لبنان ، الأردن ، تونس ، الكويت ) .. الخ .. وتجد في دساتير بعض تلك الدول ، أن الدولة جزء من الأمة العربية ، وبنفس الوقت تسمي برلمانها بمجلس الأمة !

و إذا عدنا للتاريخ فيهجم من يكره على الأمة اسمها ، عندما يذكر له دولة ابن طولون و الأخشيدي و الزنكي و المماليك ، والعثمانيين ، و الإليخانيين ، وغيرهم من الدول الكثيرة التي لا تمت للعروبة بصلة .. ستجد أن من يدعوا للحكم الإسلامي تبريرا سريعا ، مستفيدين من نص قرآني ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات 13 .. أو حديث ( الناس سواسية كأسنان المشط .. لا فرق بين عربي و عجمي إلا بالتقوى ) ..

في حين يتندر اليساريون بكل ذلك ، ويقولون إن دورة السيطرة ، لا علاقة لها بالدين ، فقد ساد الرومان و الإغريق ، كما ساد المغول ويسود الآن الإمبرياليون الأمريكان ..

إن تقطع أوصال المحورين السيني و الصادي للأمة العربية ، و إصرار أبنائها على التمسك بهما لتبيان إحداثياتهم للتركيز على الهوية ، أصبح عبئا إضافيا لم تمر به أمة على وجه الأرض ..

فإن كنا ، هنا ، نشير إلى محاولة رسم ساحة وميدان تكوين الخطاب السياسي المستقبلي ، في التأشير على المعنيين بهذا الخطاب ، فإن الحديث لن يكتمل إلا إذا تناولنا المصطلحين الآخرين ( النخب و الطلائع )

يتبع

ابن حوران 08-06-2006 02:57 AM

النخب و الطلائع :

النخب هم الأفراد الذين يبدعون و يتفوقون في بعض المجالات ، ولكنهم غالبا ما يكونوا فرادى ، لا تربطهم روابط مع جماعات معينة ( اصطناعية ) و بعد أن يذيع صيتهم أو يثبتوا قدراتهم المتفوقة ، قد يستدعوا للمشاركة في الحكم ، أو تتقرب منهم بعض الحركات السياسية و المدنية للدخول فيها ..

والطلائع ، هي مجموعات تصدرت حركة جماعات ، أنشئت حول محور فكري ، فانبثقت تبشر بهذا الفكر بين منظمات المجتمع المدني ، أو في صفوف الشعب أو التنظيمات العسكرية ، فالسابقون من تلك الحركات ، يسمون طلائع ..

في كل مجال هناك نخب ، فتختار الجهات الرياضية منتخبا يمثل البلاد ، من رياضيين مبدعين محترفين .. وتشكل جماعات الفن والآداب والفكر والعلوم نخبا مهمة في كل بلد من بلاد العالم .. و عندما يكثر هؤلاء على مر التاريخ ، يزينوا رصيد بلدانهم بنجوم سطعت ، ويسهموا في حبك النسيج الفكري للمجتمع والتمهيد للبناء فوقه ، و لا تستنكف الدولة عن الاعتراف بأثرهم و إبراز أدوارهم ، حتى لو سبقوا عهد تلك الدولة ، أو لم يكونوا على اتفاق كامل مع ما تلتزمه الدولة من خط فكري .. كما الحال في كتاب روسيا و موسيقييها قبل الاتحاد السوفييتي ، وكما يحدث في بلادنا العربية ، ( احمد شوقي ونزار قباني وبدر شاكر السياب و سليمان العيسى ) وغيرهم ..

عندما تجنح النخب الى الكلام في السياسة ، فإن من يمتدحها و يبرز دورها ، هم من آمنوا بمقولاتها السياسية ، في حين تلاحق و تنسج حولها الأقاويل لترميها بأسوأ الأوصاف ، إذا لم يكن كلام تلك النخب ، لا يرضي من هم في الحكم أو من يعارضوا تلك النخب .. فلذلك إن جر تلك النخب أو انجرارها للكلام في السياسة ، أو العمل ضمن أجهزة الدولة ، سيحرم المجتمعات التي تعيش فيها من معين دائم لرفد المخزون الفكري للمجتمع ..

لذلك نجد كلاما خالدا لابن المقفع ، وابن خلدون وابن رشد و فيكو و ديكارت ، ونجد لغطا كبيرا حول الجواهري و مظفر النواب و شاذل طاقة ، وقبلهم ماركس وإنجلز .. وان كانت طول المدة ستعيد إنصاف من تم القدح به في زمن حياته .

في وضع الطلائع ، يكون الضوء المسلط على رمز الحركة التي تنبثق منها الطلائع ، يغطي على باقي الأفراد ، وهذا يتم في الحركات السياسية الكبرى ، حيث تنسب كل المقولات السياسية لقلة قليلة من الطلائع ، و أحيانا تختصر في شخصية واحدة ، كما حدث عند الصينيين ( ماو سيتونغ و شوان لاي ) والفيتناميين ( هوشي منة و جياب ) والكوريين ( كيم إيل سونغ) و السوفييت بمجموعة محدودة (لينين ، ستالين ، خورتشوف ، بريجينيف ، جروميكو ، بودغورني ، جورباتشوف ).. رغم وجود الآلاف من تلك الطلائع التي أسهمت مساهمات كبرى في مشاغلة العالم بأسره .. وهذا ينسحب على حركات التحرر العربي في مختلف أطيافها ..

هل هموم النخب و الطلائع تمثل هموم المجتمع ؟

تدخل أحيانا (كنقابي) ، انتخابات عامة لنقابتك ، فتجد أن القائمين على تنظيم الانتخابات هم بالعشرات أو بضع مئات في أحسن الأحوال ، في حين يكون من يحق لهم التصويت ، عشرات الألوف من النقابيين المنضويين تحت اسم تلك النقابة ، ومنهم لا يعلم فقه تلك الانتخابات ، ومنهم لا يعلم الفرق بين النقابة والنادي ، ومنهم من يجر جرا للانتخابات ، أو يحمل على نفقة غيره ، ومنهم من تسدد عنه الاشتراكات ، نظير الإدلاء بصوته لمن يسددها !

ومع ذلك فإن العشرات التي تنظم الانتخابات ، والتي غالبا ما تنقسم الى قسمين أو ثلاثة في أحسن الأحوال ، تزعم أنها تتكلم باسم عشرات الألوف من النقابيين ، الذين بقوا منضويين تحت لواء النقابة ، للتكيف مع قوانين دولتهم التي لا تعطيهم إجازة مزاولة المهنة إن لم يكونوا قد سووا أوضاعهم المالية مع نقاباتهم !

وعندما يغمز أحد الكتاب بهشاشة هذا الحشد و عدم قوته ، ويستكثر على من يتكلم باسمه ، هذا السلوك ، فإن من يقومون بتنظيم الانتخابات ، سيردون ذلك الغمز ، بغمز في جانب الدولة ، حيث يقولون : وهل الحشود المرغمة على التصفيق للدولة ، كلها مؤمنة بفقه الدولة و سياستها ؟

والأدهى أنك ستبحث عن الآخر ، الذي يبقي جانب التوتر في أداء تلك النقابات لتتلمس ، جدارة تلك النخب أو طلائعها ، فيحتار دليلك ، حيث ستلقى أن الأطباء أو المهندسين أو الممرضين أو الجيولوجيين أو الصحفيين ، قد يكون كل من نزل في قوائم المرشحين ، هم من موظفي الدولة ، وأحيانا قد يكون النقيب هو الرجل الثاني في الوزارة !

أين الآخر في الخطاب ، وأين قوة حالة إحداث التوتر ؟ .. سيجيبك من آمن بهذا النهج : بأنه ليس المطلوب أن يكون هناك آخر ، بل يكفي أن يتم تنظيم المهنة ، وعدم إتاحة المجال للمخادعين أن يتسللوا إليها و إيذاء المجتمع !

فنقابة الحلاقين ، ليس بها آخر ، حتى الزبون فإنه سيقيم أمام الحلاق بضع دقائق ، كما يقيم في المطعم أو الفرن ، وقد لا يعود ، ولكن النقابة هي لضبط أبناء المهنة ، وليس تحشيد من ينتمي لها من أجل إحداث معركة !

ستجد هؤلاء النخب ، تحتل في عينة من الوقت ، مقاعد برلمانية ، وستجدها تكتب على صفحات الجرائد ، وتخرج على شاشات التلفزيون ، وتتكلم معطية لنفسها وزنا ، مشكوك فيه بكل تأكيد .. فقد احترفت فكرة البقاء كنخب ، تسلط عليها الأضواء ، وتبقى في حالة إشباع ( لتوكيد الذات ) لديها .. وتحترف بنفس الوقت فكرة إحباط وصول نخب جديدة لاحتلال مكانها ..

لقد استلهمت النخب العربية ، خبرات الحكومات العربية ، و احترفت التعايش مع تلك الحكومات ، فأصبحت كأنها خط دفاع ثاني عن تلك الحكومات ، و إن اختلفت معها بين حين و آخر على مسألة هامشية ، لا تعيش في ذاكرة المواطن ، حتى أن ذلك المواطن قد غسل يديه من فكرة جدوى تلك النخب ، كما غسل يديه سابقا من فكرة جدوى الإصلاح الحكومي عند الحكومات العربية .. فباتت الحكومات العربية والنخب العربية إطارين لصورة لا تنتمي لتلك الإطارين !

يتبع

Orkida 11-06-2006 12:54 PM

موضوع رائع فعلا أخي الغالي ابن حوران،
وفقك الله وبارك فيك، وأنا متابعة لموضوعك القيم بكل حماسة حتى أني أحتفظ به.
دمت بألف خير وخير أيها الغالي وبارك الله فيك ولاحرمنا منك أبدا...
أختك بالله أوركيدا

ابن حوران 11-06-2006 04:12 PM

أشكرك جزيل الشكر أيتها الفاضلة .. وبارك الله بك

ابن حوران 11-06-2006 04:13 PM

النخب العربية .. أسماك أحواض زينة

عندما كانت النخب في الماضي تصعد من أسفل طبقات الشعب مع النسغ الذي يصعد حاملا آلامه و آماله ، ويمد أوراق شجرة الشعب بما تحتاج من خصوبة الأرض ، فتطبخ مع شمس البلاد و تعيد ما تصنع الى جذور شجرتها . عند ذلك فقط كانت أشجارنا ظلالها وارفة ، و ثمارها يانعة ، ومن يستظل بها ويحتمي يأمن من كل شر ..

وعندما أصبحت نخب اليوم ، نتاج للفساد و اختلال توزيع الثروات ، فأصبح من يقدر أن يبعث ابنه للخارج نتيجة لقربه من نظام حكم ، أو نتيجة لثروة طارئة ، فإن النخب العائدة ، تحترف العلم احتراف كالقتل ، أو اللعب ، فلا تعود نخبا تفيد شعبها و أمتها ، بل نخب تقع جغرافيا وسط الشعب ، ولكنها خارجه .

تماما كما هو الدجاج مصنف مع الطيور ، ولكنه لا يطير ، يحصر نظره بين قدميه ليبحث عن حبة قمح ، أو حشرة ، ويخمد عندما يركض وراءه من يخيفه ، بعكس الصقر يمتد نظره الثاقب الى الأفق ، يطير حرا ، ويغير حرا .. فلذلك يعلو ثمنه رغم أنه لا يؤكل ، و يتباهى من يستطيع امتلاكه و ترويضه ..

تنال تلك النخب شهاداتها العليا ، و في أبواب تبقى عناوينها مجهولة ، حتى لمن نال بها الشهادة .. فالمعلومة كالعضلة إن لم تتحرك تضمر .. وقد توقفت حركة تلك الأبواب في البحوث ، عندما نال أصحابها الشهادات ، فقد كانت الشهادة ، غاية بحد ذاتها ، أو وسيلة لغاية أكثر حقارة .. فكم من بحث بقي على رفوف الجامعات ، أو نشر بلغة أجنبية ، ولم تستفد منه أمتنا ؟

إن النخب التي بليت بها الأمة ، وسجل أصحابها أرقاما إضافية في عدد حملة الشهادات ، لا أظن أن فائدتهم تزيد عن فائدة وجود عبوات من دم في بنك الدم ، ولكن عندما تحتاج اليها ، ستكون زمرتها و مواصفاتها لا تتطابق مع زمرة دم الأمة .. أو كمخزن لقطع غيار للسيارات ممتلئ بكل الأصناف إلا صنف سيارة الأمة ..

نعم إن العمل بلا علم أعمى ، و أن العلم بلا عمل فراغ ( كفراغ الطبل ) .. وإن كان صوته عالي .. لكن عندما تتناغم حركات العلم مع حركات تطور المجتمع مع إرادته التي تتولد وفق حركات ما حوله .. عند ذلك فقط تكون النخب قد بعثت دورها من جديد ، و أصبح انتمائها لتربتها و أمتها يعطيها شهادات إضافية ، أكثر وفرة بالمجد و أكثر فائدة خالدة ..

وبعكسه فإن النخب ستبقى محبوسة في انتماءاتها اللامنتمية ، تظن أنها نتاج حضارة عالمية ، و أصحاب الحضارة لا يقرون بفعلها لا في ساحات جامعاتهم التي تخرجوا منها ، و المجتمع المحلي ينظر الى تلك النخب كنظرته لأسماك أحواض الزينة ..

ابن حوران 19-06-2006 02:22 AM

الطلائع تتخصص في إعاقة بعضها البعض :

تستبشر الجماعات المحبوسة في أساها و بؤسها ، خيرا ، عندما يأتيها خبر بأن طلائع فك أسرها ، و إطلاق طاقاتها ، قد تقدمت نحوها ، فتتحرك الآمال بالنفوس ، و يصبح الحراك في الجماعات يتناغم مع حراك القادم الجديد .. لكن قد يطول الانتظار للقادم ، وقد يكون ظل القادم إذا ما وصل أثقل من ظل البؤس السائد .. فتصبح الجماعات تترحم على بؤسها القديم من ويل بؤسها الجديد . وهذا ما يفسر دفع الشوق عند أبناء الأمة الى أعماق تاريخها ، حيث تبنى صور زاهية جميلة .. وقد لا تكون كذلك ، لكن الابتعاد عنها ، هو مرتع مريح من هول ما تعيشه تلك الجماعات .

لن نحاكم طلائع الماضي البعيد ، فهم أجدادنا ، فإن أصابوا ـ وما أكثر المرات التي أصابوا بها ـ فقد أورثونا مجدا و علما ، لا زلنا نحن إليه ، و إن أخطئوا فإننا ورثنا أخطائهم ، لا لنجعلها نقيصة عندهم ، فإن كان من سيدفع ثمن تلك الأخطاء ، فهم ( نحن ) .. و علينا التهوين من تلك الأخطاء ، والاستفادة من الكيفية التي تجعلنا لا نكرر الوقوع بها ..

أما محاكمتنا (لأحد) إن جاز تسميتها بذلك ، فهي محاكمة لطلائعنا الراهنة ، ليس بقصد الإساءة و الإقصاء لها ، بل بقصد صناعة مقتربات ، للتنسيق بين مسيرة تلك الطلائع (متحاذية) .. ولكن ما الذي سنحاكمه بتلك الطلائع ، هل نحاكم طبيعة خطابها ، أم نحاكم سلوك كل منها تجاه غيرها من الطلائع الأخرى .. سيقول قائل : أوليس السلوك الذي تمارسه أي طليعة ، يلتصق التصاقا عضويا بطبيعة الخطاب و شكله ؟

تتناحر الطلائع و تعيق بعضها البعض ، وتستنكف عن حوار بعضها البعض في أوقات يكون الحوار متيسرا و قابلا للحدوث .. وتضطر لمثل هذا الحوار عندما تتناقص قوتها ، ويبرز لها عامل يجبرها على الحوار ، لينتزع من كل طرف من أطراف الحوار (المفترض) ، مكاسب تزيد عن مكسب كل طرف ، بل تزيد عن مكاسب الأطراف مجتمعة .. تماما كمن يعطي لمحامي حصة أكثر من حصته(هو) في حق اختلف عليه ، ويأس من تحصيله ..

لقد بنت الطلائع في منطقتنا خطابها ، على مقارعة فريق محلي ، و نسجت تفاصيله الأدبية ، وفق حركة ذلك الفريق ، وكانت تزين خطابها بركائز ذهنية تتصل بعمق الموروث الحضاري لجمهور المخاطبين .

فكانت معظم الخطابات تكتب أو تعد على ضوء نشاط طليعة أخرى ، فالآخر بخطاب أي طليعة هو طليعة أخرى ، وتكتب البيانات و أدبيات أي طليعة ، على إثر تحرك أو صدور خطاب من تلك الطليعة ، فكانت خطابات الطلائع عبارة عن مساجلات فيما بينها ، ملها الجمهور ، الذي كان ينتظر توجها نحو المستقبل وفق خطاب يتلاءم مع مخزونه التراثي و إمكانية تحقيقه وفق قدرات المجتمع و تكيفها مع الظروف السياسية المحيطة ..

لقد كانت خطابات الطلائع ، بيانات أدبية ، ذات صبغة وجدانية ، تعتمد إثارة الهمم الطيبة ، وتهاجم غيرها من الطلائع . لقد كانت خالية من الصبغة السياسية المعاصرة المحترفة ، مما جعل انجذاب الجمهور نحوها ، انجذابا لحظيا ، لا يتمسك بها أو الدفاع عن تلك الطلائع إلا إذا كانت قد وصلت للحكم ، أو أنها كانت تعبر في عينة من الوقت عن إرهاصات المواطن ، فيتعاطف معها لحظيا ووقتيا ..

إن احتراف الطلائع وتمكنها من نبش خصائص بعضها البعض ، هي النتيجة الأكثر وضوحا والأكثر أثرا .. والتي نفرت الجمهور من التقرب لمؤازرة أي طليعة ، كما قدمت خدمة ذهبية للأنظمة الحاكمة ، لجعلها تبدو أنها أفضل حال من أي طليعة ، سيما وأن الخطاب السياسي الذي يكشف مساوئ تلك الأنظمة لا يصل بشكل واسع لجمهور أي قطر عربي ، بالقدر التي تصل به الخطابات التي تذكر مساوئ أي طليعة ..

Orkida 19-06-2006 06:34 AM

اسمح لي أخي الفاضل بإقتباس آخر مشاركة لك


إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة ابن حوران
الطلائع تتخصص في إعاقة بعضها البعض :

تستبشر الجماعات المحبوسة في أساها و بؤسها ، خيرا ، عندما يأتيها خبر بأن طلائع فك أسرها ، و إطلاق طاقاتها ، قد تقدمت نحوها ، فتتحرك الآمال بالنفوس ، و يصبح الحراك في الجماعات يتناغم مع حراك القادم الجديد .. لكن قد يطول الانتظار للقادم ، وقد يكون ظل القادم إذا ما وصل أثقل من ظل البؤس السائد .. فتصبح الجماعات تترحم على بؤسها القديم من ويل بؤسها الجديد . وهذا ما يفسر دفع الشوق عند أبناء الأمة الى أعماق تاريخها ، حيث تبنى صور زاهية جميلة .. وقد لا تكون كذلك ، لكن الابتعاد عنها ، هو مرتع مريح من هول ما تعيشه تلك الجماعات .

لن نحاكم طلائع الماضي البعيد ، فهم أجدادنا ، فإن أصابوا ـ وما أكثر المرات التي أصابوا بها ـ فقد أورثونا مجدا و علما ، لا زلنا نحن إليه ، و إن أخطئوا فإننا ورثنا أخطائهم ، لا لنجعلها نقيصة عندهم ، فإن كان من سيدفع ثمن تلك الأخطاء ، فهم ( نحن ) .. و علينا التهوين من تلك الأخطاء ، والاستفادة من الكيفية التي تجعلنا لا نكرر الوقوع بها ..

أما محاكمتنا (لأحد) إن جاز تسميتها بذلك ، فهي محاكمة لطلائعنا الراهنة ، ليس بقصد الإساءة و الإقصاء لها ، بل بقصد صناعة مقتربات ، للتنسيق بين مسيرة تلك الطلائع (متحاذية) .. ولكن ما الذي سنحاكمه بتلك الطلائع ، هل نحاكم طبيعة خطابها ، أم نحاكم سلوك كل منها تجاه غيرها من الطلائع الأخرى .. سيقول قائل : أوليس السلوك الذي تمارسه أي طليعة ، يلتصق التصاقا عضويا بطبيعة الخطاب و شكله ؟

تتناحر الطلائع و تعيق بعضها البعض ، وتستنكف عن حوار بعضها البعض في أوقات يكون الحوار متيسرا و قابلا للحدوث .. وتضطر لمثل هذا الحوار عندما تتناقص قوتها ، ويبرز لها عامل يجبرها على الحوار ، لينتزع من كل طرف من أطراف الحوار (المفترض) ، مكاسب تزيد عن مكسب كل طرف ، بل تزيد عن مكاسب الأطراف مجتمعة .. تماما كمن يعطي لمحامي حصة أكثر من حصته(هو) في حق اختلف عليه ، ويأس من تحصيله ..

لقد بنت الطلائع في منطقتنا خطابها ، على مقارعة فريق محلي ، و نسجت تفاصيله الأدبية ، وفق حركة ذلك الفريق ، وكانت تزين خطابها بركائز ذهنية تتصل بعمق الموروث الحضاري لجمهور المخاطبين .

فكانت معظم الخطابات تكتب أو تعد على ضوء نشاط طليعة أخرى ، فالآخر بخطاب أي طليعة هو طليعة أخرى ، وتكتب البيانات و أدبيات أي طليعة ، على إثر تحرك أو صدور خطاب من تلك الطليعة ، فكانت خطابات الطلائع عبارة عن مساجلات فيما بينها ، ملها الجمهور ، الذي كان ينتظر توجها نحو المستقبل وفق خطاب يتلاءم مع مخزونه التراثي و إمكانية تحقيقه وفق قدرات المجتمع و تكيفها مع الظروف السياسية المحيطة ..


لقد كانت خطابات الطلائع ، بيانات أدبية ، ذات صبغة وجدانية ، تعتمد إثارة الهمم الطيبة ، وتهاجم غيرها من الطلائع . لقد كانت خالية من الصبغة السياسية المعاصرة المحترفة ، مما جعل انجذاب الجمهور نحوها ، انجذابا لحظيا ، لا يتمسك بها أو الدفاع عن تلك الطلائع إلا إذا كانت قد وصلت للحكم ، أو أنها كانت تعبر في عينة من الوقت عن إرهاصات المواطن ، فيتعاطف معها لحظيا ووقتيا ..

إن احتراف الطلائع وتمكنها من نبش خصائص بعضها البعض ، هي النتيجة الأكثر وضوحا والأكثر أثرا .. والتي نفرت الجمهور من التقرب لمؤازرة أي طليعة ، كما قدمت خدمة ذهبية للأنظمة الحاكمة ، لجعلها تبدو أنها أفضل حال من أي طليعة ، سيما وأن الخطاب السياسي الذي يكشف مساوئ تلك الأنظمة لا يصل بشكل واسع لجمهور أي قطر عربي ، بالقدر التي تصل به الخطابات التي تذكر مساوئ أي طليعة ..


فقط اقتبست ما خطته يداك أخي الفاضل،
مستحيل أن أجد أفضل من هذا الكلام بارك الله فيك،
وأعدته من شدة اعجابي بالعبارات فكل فقرة معبرة أكثر من الأخرى..
ودمت بألف ألف خير أخي الغالي ابن حوران وشكرا لك على هذا الموضوع الرائع.

*سهيل*اليماني* 19-06-2006 07:51 AM

تحية ملؤها حب النخب والطلائع في زمن ليس من وقتنا بضائع .. وفي حب الله لاتقان العمل وفن ازهار البدائع ..

الذي يقول .. (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون قال اخسئوا فيها ولاتكلمون )

فالحوار .... دل عليه زمن الرد .. بعد ان تنادوا يامالك ... بعد الف عام .. واثبته الرد ايضا .. وسقوا ماءا حميما فقطع امعائهم ..


جزت رؤوس الطلائع في حاضرنا من اعداء الطلائع .. ليس بمنظوري فالخير باق وعلى كل فان عندي كفاف الحال .. من الطلائع ... ولا اغلوا الا باتباع خيريه .. من المنقضي اجله .. فقط لأستنير من وجله .. واستدل في عمله .. ممن كان رمز للطلائع ..


الان الطلائع هم اصحاب سبع الصنايع .. السياسة عندهم انعكاسة كل مايصب به وردهم فيستزيد منه حسابهم .. الاخلاق والقيم .. يجب سلخها فهي من السياسة .. بل قداسة السياسة ..


بينما السياسة ان تعيش حياة نعيمة الى حد ما اقله الامن ووجود قوت اليوم فانما استطعت ان تدل احد على سياستك ليعتز بها مذهبك والا فانت بحد ذاتك كنت امه .. تبعث وحدك .. ويأتي يوم القيامة من الانبياء من لايتبعه احد ..

يقول الشاعر .. وذلك بقصد الادب والاخلاق والتحلى بخفة الظل ايضا ..

لاصار ماتاخذ امورك سياسات
يصير عقلك والهبال متساوي

لانذهب بعيدا .. عن اسمى مقاصد الحي من الانسان .. والا فالميت لا هدف يرسمه .. وقد يصله بتمني حبه للطلائع .. ايضا ..

الحوار .. وقتي .. يتدرج .. حتى يكون مرتبطا بحياة الانسان ..

وقتي .. مثاله دعوة صديق لعشاء تقبله اوترده الدعوة عامه وصديقك الاخر يريد اقناعك وانت متردد .. ومثل مندوب يسوق بضاعته ..

والمرتبط بحياة الانسان هو مايكون دائما صادقا .. على اختلاف مقصده المأمول .. نوح عليه السلام .. ليس الشاهد مدة دعوته .. بل اني دعوتهم جهارا . ثم اني اعلنت لهم واسررت لهم اسرارا ... البشائر والنذائر .. بعدها .. رب لاتذر على الار ض من الكافرين ديارا .. انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولايلدوا الا فاجرا كفارا ..
ان الفائدة من دعوة نوح على قومه .. لتدل انه كان يدلهم على الخير وهو مبغضهم .. يبتسم لهم على حين لهب في جوفه .. يبرده حب الله له ..

الحكماء .. والنبلاء .. للانسانية .. كذلك .. العلماء .. ايضا .. وهكذا .. على اختلاف الاديان والعقائد ..

التحفيز .. والفاقة .. الضيق .. والكثرة تغلب الشجاعة .. ايضا ..

الضرورية والكماليه في الحاجات الانسانية ... كل ذلك أدي الى دعوة .. التخصص .. في مجال معين .. فلا طاقة للانسان .. وما اوتيتم من العلم الا قليلا ..

لياتي من تربع على عرش الطلائع .. واكتفى بالنهاية والتوقف عند حد السابقين .. فبدلا من ان يكون من الطلائع القادمين بالجديد ..

تجده اما يتحول الى تاجر طلائع .. مستضافا صحافا جديدا .. هيكلا عربيا جديدا .. مسليا للامة المحتضرة .. على نفقة العدو البلسمي الفتقي .. مكملا بعد هلوستهم الصحفية .. بامور أزلية قيامها اصلا كان خطئا .. فكيف ينبهر السذج بدمارها .. الا ان من دمرها كانوا هم الابطال .. لانهم غير سذج .. وكانوا يتميزون بالافعال لا بغيرها .. او على اقل حال محاربا لمن يريدون الاقتداء به ..

ان النقد ذهب .. فاذا ما انتقد الذهب ليس لجلاءه فقد ذهب نفعه عند من يمتلكه والا فهو ذهب لمن يقدره فتخسر الامه .. ليس بفعل ذلك الناقد .. وانما لحكمة الذهب فلا يكال مع الحديد .. لانه فريد .. فلا يرد الله سبحانه دعوة اشعث اغبر .. ولا يحب الناس كل منظر .. لوكان اللبس تاج من در .. واجتنبوا خضراء الدمن ..

( لم تقولون مالاتفعلون كبر مقتا عند الله ) .. وعار عليك اذا فعلت عظيم .. هل كل شئ تفعله يحرم التناصح فيه .. ابدا ..

فقد تدخن .. قد تقود سيارتك بعض الاحيان بسرعة خطرة .. قد تتلفظ بكلمات .. قد تكفر احيانا .. بتصديق كاهن .. قد تفتتن في حياتك .. وانما اذا بليتم فاستتروا .. انما الطلائع مانتخبت من المقاصد فسمت وقبلها الانسان بانسانيته .. ليس من دينه على اختلاف المناهج .. والسياسات .. واحبها .. وطلائع انتخابها في ختم الاديان ومعاملة القرأن وخلق محمد صلى الله عليه وسلم .. بشروا ولاتنفروا .. وامر بتحاورنا مع مايتفهمه الناس . فقد كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالخير وتنهون عن المنكر .. ليس بطريقة مقيده .. بل علم الله بايمانكم ومقاصدكم .. ليس باحتكاره على امر ديني .. بل كل خير .. ومن الخير ان تسعد طفلا .. ترشد خصما .. تنتقد هادفا .. تردد مقولة لشاعر شجاع .. اقول لها وقد طارت شعاعا .. لااظلم نفسي فاتركها لانه يختلف في دينه او مذهبه .. فانتقد كل شئ فيه .. لتكون طليعتي هلامية .. واهدافي غرامية .. واعتقاداتي هوائية ..


نعود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولفضله واتساع رحمته وتقديره وتفهمه بافكار من يتحاور معه ..

حتى ما سأله احد الصحابه عن الصلاة في آخر الزمان كيف تكون اوقاتها واليوم كشهر والشهر كسنه .. قال عليه الصلاة والسلام .. اقدروا له قدره ..

وادعى البعض التفرقة العنصرية في تقدير مقام البعض واحترامهم .. بينما هو العدل .. في انزال الناس منازلهم ..

ليعظم المحب خالقه ويذب عن كرامته وقداسته .. ( ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .... فقط بتركه امورا .. قدرها بتوفيق الله له .. والسلامة مطلب الطلائع دائما ..

يتسارع الزمن وتتغير الحضارات وتتصارع المتناقضات .. بينما يبقى الماء هو سر الحياة . (لا الشمس ينـبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) ... في هذه الحياة .. سيلحق بالركب الردف .. والمنقطع .. وحسن اؤلئك رفيقا .. فقط بحبة .. بصدق .. بحكمة .. تلك هي السياسة ..

فلولاهم .. ما احتاج الشجاع النخب .. الى سياسة وحوار اصحاب التعاسة .. فاذا ماسأله عن السماء .. قال ... هي اصل الماء ..

فاذا ماسأل طالب مدرسه في رحلة يوم الثلاثاء .. كيف تكتب الهمزة على الالف ام السطر .. قال المدرس .. دع الجواب يوم الخميس افضل ;) ..

فاذا ماقال اذكر ثلاث حيوانات برمائية .. قال الطفل البرئ .. الدفدع وامه واخته :) .. فظن السائل ان الطفل يعرف مقصده وكشف سره .. فيخافه ابد الدهر .. ليصدق قول الله .. ترهبون به عدو الله وعدوكم ..


لولا اني اقدرك بصدق واحترام وهيبة مقدار .. لما كان كذلك القدر من المكتوب .. والله اعلم بالصواب .. الهادي لخير جواب ..

ابن حوران 22-06-2006 05:09 AM

خرائط مشوشة لأهداف غير واضحة ..

تنتشر بين فترة وفترة في أماكن مختلفة من بلادنا ، حمى البحث عن الكنوز الأثرية ، فيتكون لها تراث مصطنع و أدب مصطنع و رواة آنيين ( حكواتية ) يسردون القصة تلو القصة ، عن رموز الاستدلال على الكنوز .. وتجد هناك من يجلس يستمع لهؤلاء ( الحكواتية ) ، فاغرا فاه ، هائما بأحلام ( أميبية ) لا حدود لها .. فيغتر ( الحكواتي ) بعمق تأثيره على جمهور المستمعين ، ويسترسل ، ساردا قصة وراء قصة ، واحدة سمعها منذ مدة ، فأجرى عليها تحسينا و إضافات ، وواحدة قد يؤلفها للتو ، طالما هناك من يستمع ..

وتظهر على ضوء ذلك النشاط المحموم ، عصابات تتاجر بخرائط الكنوز ، وتقدم للهواة ، خدمات ( طبعا بثمن ) .. كأن يحضروا لهم بخورا خاصا ، لفك رصد الكنز ، أو يحضروا شيخا ، تم استحداثه منذ وقت ليس ببعيد .. وإنهم سيجدون زبونا لكل سلعة من تلك السلع ..

قد يتعب هواة البحث عن الكنوز ، فيأتي جواب النصابين ، أنه قد يكون أخطأنا في قياس المسافة ، فلم يكن علينا أن نحفر هنا ، بل كان علينا أن نحفر على مسافة كذا ، وعندما ينهون الحفر في المكان الجديد ، سيأتي العذر ، بأننا فهمنا إشارة الأفعى على الخريطة بشكل خاطئ ، فلم يكن علينا اتباع رأسها .. بل ذيلها ..

هذه الصورة ، قد نجدها عند أتباع السياسة من طلائعنا ، فخرائطهم غير واضحة ، وأهدافهم غير محددة ، فيكثر التفسير في فك رموز كل خريطة ، وتختلف وجهات السفر في كل مرة . عندما يعرف أحدنا أنه سيسافر الى فرنسا (مثلا ) فإنه سيستخرج تأشيرة ( فيزا ) لفرنسا .. ولا يستخرجها لتايلاند ..

يتوهم البعض أنهم على علم كامل بتاريخ الأمة ، مع أن معلوماتهم قد لا تتعدى ، اجتهاد من قرءوا له من كتاب ، وقد تكون القراءة مستعجلة ، أو يكون الكاتب منحازا لتفسير دون آخر ، وقد يضاف على تلك القراءات غير المتأنية رغبة ( شهوة) القارئ ، في ترسيخ اعتقاد سابق تكون لديه عن تلك الأمة .. ومع ذلك فإن تلك القراءات ستكون خط انطلاق لسعي هذا الطليعي أو ذاك ..

وقد يطلع أحد المثقفين ، على تجربة دولة أو حضارة أجنبية ، فتكون احتقاناته ، وشعوره بالعدمية عاملان مهمان في التبشير بما اطلع عليه .. وقد يبارك اندفاعه في التبشير ، باحث عن أنصار ، فيغض النظر عن سوء فهمه ، طمعا في كسبه الى صفه ..

لو راقب أحدنا ذبابة ، وهو في وقت قيلولة ، لرأى أنها بعد أن شبعت ، تدور في دوائر لا تزيد نصف أقطارها عن متر ، وتكاد لا تمل من هذا الدوران المستمر ، وعندما يتأمل في تلك الظاهرة عله يجد تفسيرا لها ، فسيغلبه النعاس ولا يفيق من غفوته إلا على إزعاج الذبابة نفسها ، أتراها كانت تراقب حالته لتنقض عليه ؟

في السياسة ، وليس في أدناها ( طلب الأمن والقوت ) ، فهي إن كانت تلك هي أهداف السياسة ، فالسحالي هي أفضل من يفهم بالسياسة .. بل إن أهداف السياسة ، هي حشد طاقات المخاطبين في الخطاب السياسي ، وجعلهم يؤمنون بجدوى الخطاب ، إذا كان في النهاية ، يوفر لهم العيش الكريم ، وعدم الشعور بانتقاص قيمة الفرد والمجتمع محليا و دوليا ..

إن كان هذا هو العنوان ، فعلى صاحب الخطاب ( الطليعي ) ، فردا كان أو متكلما باسم مجموعته ، أن يتيقن بأن من سيخاطبهم ، قد لا يتفقون معه ، وقد لا يعاونوه ، وقد يعارضوه ، فإن افترض غير ذلك ، فإنه بلا شك مآله للفشل والاضمحلال ، وإن افترض ذلك ، فعليه أن يتدرب على تقريب المسافات بينه وبين من يتعايش معهم ، سواء كان هو في الحكم أو في المعارضة ، فتقريب المسافات بين أدوات التقدم ( الشعب ) هو أسمى أهداف السياسة ..

خلال مائة عام ، لم يبق مواطن في بلادنا ما كون فكرة عن أي طليعة أو نخبة ، فأصبح الفرد ( ذكرا كان أو أنثى ) له وجهة نظر في كل ما جرى لتلك الأمة .. فلو عملت جهة استبيانا ووزعته على عموم العرب ، وذكرت لهم كم تعطي لنفسك من عشرة نقاط قريبا من تلك الفصائل ، وذكر له في الاستبيان عشرين جهة ، فقد يعطي للفئة ( أ) 9 نقاط و يعطي للفئة ( ب) 3 نقاط الى ينتهي الى العشرين .. ولو جمعنا كل أوراق الاستبيان ، لما وجدنا ورقتين متطابقتان تطابقا كاملا ..

هل نتوقف عن البحث وعن التخاطب و الحوار ، ونتصلب عند حد ، قد لا يوافقنا عليه الآخرون ؟ .. أم نبحث عن صيغ ، تقرب بين فئات الشعب ، وطلائعه لنبعث في خطابنا الحياة ؟

إن التشبث بالمواقف الى مالانهاية ، هو أس مشاكلنا .. وعلى الطلائع أن تحذر الأحكام المسبقة ، و أن تحذر الاستناد الى مفاهيم تراها هي أساسية ، ويراها غيرها خلاف ذلك ..

إن توجهنا الى ذلك بالفعل ، عندها نستطيع أن نرسم أهدافنا ، ونستطيع وضع الخرائط الخاصة التي توصل لتلك الأهداف ..

ابن حوران 26-06-2006 07:20 AM

غياب الاحتراف السياسي وراء الكثير من المآسي :

لولا رحمة الله لعباده بالموت لهم عند عمر محدد ، لتفاقمت صعوبات الحياة حتى قتلتهم بأسوأ الصور وهم أحياء !

لنتصور أن هناك من يعيش ألف عام هذه الأيام ، ويكون هذا العمر ، غير استثنائيا ، بل لأغلب الناس ، فلا يستطيع أحدنا أن يبيع قطعة من عقار ، لأن مالكها الأول قبل ألف عام لا يزال على قيد الحياة ، ولا يستطيع أحدنا يخطب لنفسه أو لولده من أي مكان ، لأن كبير العائلة الذي (الجد الخامس عشر ) لا يزال على قيد الحياة .. وهو سيجد مبررا لرفض خطبة أي فتاة ، لأنه بهذا العمر المديد ، سيعثر على سبب يجعله لا يوافق على تلك الخطبة ، فإن سألته لماذا ؟ سيجيبك أنه عندما كان يقف مع صلاح الدين الأيوبي ، مر جد هذه الفتاة ولم يطرح السلام !

لكن رحمة الله قد وفرت علينا هذا العناء ، إضافة لكونها تخفف المزاحمة في العيش و السكن والتنافس على مصادر المياه الخ .. لكن بقي شيء هام جدا وهو مخزون الذاكرة الذي ينتقل من جيل الى جيل و من جد الى والد الى ابن !

لو تفحص أي محاور منا محاوره ، فسيجد نقطة في سجله تجعله يلاقي مبررا لرفض ما يطرح هذا المحاور ، فقد تجد له موقفا أكد اقترابه من الخط السياسي الفلاني أو الدولة الفلانية ، وهذا يكفي لرفض ما يطرح ، أو يجعل ما يطرحه في باب المشكوك فيه وفي نوايا ذلك الطرح ..

لا تقتصر تلك الظاهرة على المتحاورين من أبناء حي أو مدينة أو مهنة أو قطر أو قارة .. بل تتعداها الى كل بقاع الأرض .. وكلما اتسعت دائرة تصنيف المحاور ، كلما تيسر إيجاد السبب لرفضه ..

هذا يقود لوصف النشاط الذهني أو الأيديولوجي ، الذي يقوم به المثقفون والذين ينسبوا إما للطلائع أو النخب ، فنشاطهم أقرب ل ( الهربدة ) منه للعمل السياسي .. إن الطلائع والنخب ، مصانع متحركة ومتجددة لاختراع الأعداء ، وتنصيب آخرين نناصبهم العداء في كل صباح ومساء ..

ننظر بعين الحسد ، الى أعداءنا ، على الكيفية التي يقنصون فيها عملاءهم أو أصدقائهم من بيننا ، في حين ننظر بعين القرف الى أنفسنا ، على الكيفية التي لا نتوقف بها عن تفريخ أعداءنا من بيننا ، في حين نسقط من حسابنا التوجه الى الخارج لإيجاد أنصار لنا في قضايانا ..

لقد فقدنا الكثير ممن اعتنق الإسلام في إفريقيا ، نتيجة لعدم معاونتهم في التمسك بدينهم ، والوقوف صامدين أمام حملات التنصير .. هذا من زاوية دينية بحتة .. كما فقدنا أنصارنا ممن كانوا يقفون الى جانب قضايانا في معاداة الصهيونية ، فنفس الذين صوتوا الى جانب قرار (اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية ) .. هم أنفسهم من ألغى القرار في الأمم المتحدة ..

إن الحجَار الذي يقف أمام صخرة صلبة ، يقف متمعنا بها قبل ضربها بأدواته البدائية ، فيختار نقاطا للطرق عليها بفأسه أو ( إسفينه ) أو مطرقته ، إنه بفطرته ومهاراته التي تكونت لديه ، عرف أين يجب أن يضرب ، ومن أين عليه أن يبدأ ..

هذه سياسة ، معرفة فن تفتيت الكتل العدوة ، ومعرفة تجميع الكتل الصديقة ، ومن لم يتدرب على القفز عن حبل ارتفاعه قدم ، لن يتسابق في الدورات الأولمبية ليأخذ ميدالية في القفز العالي ..

لا تكفي الجعجعة و الكلام الفضفاض و طروحات إثارة الهمم الطيبة ، بل يحتاج التحرك الى معرفة تحشيد الأصدقاء و الأخوان ، والتعامل مع قضايا التصنيع و الزراعة والبيئة و تناقل السلطة ، والحفاظ على الهوية الوطنية ..

يفشل السياسيون الذين يستلموا الحكم بأي طريقة ، وهم من الضحالة السياسية بمكان ، يفشلوا في إقناع من يحكمون بالالتفاف حولهم ، ويفشلون في تحقيق برامجهم ( المفقودة أصلا ) ..

فمحترف سياسة الحكم ( أي من في الحكم ) .. لا يظهر فجأة ، بل عليه أن يكون محترفا للسياسة وهو خارج الحكم ..

ابن حوران 30-06-2006 03:25 PM

علاقات الطلائع مع الدولة :

تختلف الطلائع في بلادنا ، في العصر الراهن ،عن تلك التي ظهرت على مر التاريخ في بلادنا و بلاد العالم ، أو عن تلك التي ظهرت في العالم خلال القرن الماضي .. وذلك في عدة مظاهر ، وحتى ندخل في الحديث عن تلك المظاهر ، يجب أن ننتهي من التقرير بأن الطلائع تستحق اسمها كذلك ، عندما يتحول برنامجها النظري الى إجراء عملي ، فتأخذ سمة الحركة و التقدم في تحقيق ذلك البرنامج ، وهي باستمرار تأخذ الانحياز الى جانب الشعب ، وبعكسه ستفقد سمتها ( الطليعية ) لتتحول الى نخب ، أو جمعيات ثقافية مهمتها التنظير ، وفهرسة أخطاء من في الحكم و تحليل تلك الأخطاء ..

فتسبق الطلائع جموع الناس ، و تتقدم أمامهم بقوة في الخطى نحو أهدافها ، وقد تتفوق عليهم بفهم ما تقوم به ، ولكنها لا تتخلف عن التحرك والمضي في العمل على الوصول لتحقيق تلك الأهداف .. و بإمكاننا على ضوء هذا الفهم لمهمة الطلائع ، أن نعتبر حركة الانتشار الإسلامي قد تمت بفعل إيمان وتحرك طلائع من أوائل من اعتنق الإسلام وتحرك في قيادة المؤمنين في تحقيق أهدافهم ، كما أنهم في حركتهم الصاعدة كانوا يكسبون المزيد من المؤيدين و الأنصار لتزيد بهم قوتهم ..

وإن أردنا إسقاط نفس الحالة على حركة المغول و التتار والصليبيين ، وكذلك فإن حروب توحيد و إنشاء الصين الحديثة تعتبر امتدادا لتلك المجموعات ، فإننا لا نكون مغالين في تصنيف أول من آمن بأفكار تلك الحركات و سار من خلفه المؤيدين و الأنصار ، هم بدون أدنى شك طلائع ، اختمرت في رؤوسهم عقيدة ما ، وحولوا ذلك الإيمان لحركة منظمة ، في حالة صعود مستمر ..

إذن يتضح لنا أن في النماذج السابقة ، أن الطليعة تكتسب أهميتها و تحل بها القوة ، من خلال اختمار عقيدة قوية تؤمن بها ، تكون واضحة ، ومفهومة وقابلة لتجعل من المؤيدين والأنصار ، تابعين لها بإخلاص وتفان .. ولا بد لها من تنصيب ( آخر ) لتحرك نفسها وجماهيرها نحوه لتنهيه و تستخلص منه مطالبها ..

في الخطاب العربي الحديث ، لم يكن التشويش في وضوح الخطاب ، هو العامل الوحيد الذي جعل الطلائع تنثني دون تحقيق أهدافها ، غير الواضحة أصلا ، بل كان اختيار (الآخر ) ، عاملا إضافيا وقاتلا ، في تقزيم تلك الحركات الطلائعية ، وتحويلها لنخب حاكمة( بعد استلامها الحكم ) أو تشكل خط دفاع ثان للحكم ، بعد تكييف مطالبها ، ووقوفها الى جانب الحكم أو وقوفها في حالة مهادنة دائمة مع ذلك الحكم ، مما دفع بمؤيديها وأنصارها الابتعاد عنها ، وتركها في وضع مكشوف أمام الجماهير والحكم في آن واحد ..

فالطليعة التي تتسلح بالفكر القومي ، تعيش واقع قطري أكثر وضوحا مما في مخيلتها النظرية ، وتتعامل مع قوانينه ودساتيره ، وتكرس جهدها في أدبياتها بالتبشير بدولة (الوحدة) .. في حين تأخذ ترخيصها من دوائر الدولة القطرية ، والقبول بشروط الترخيص .. فتعيش حالة من الانفصام بأكثر من ثنائية ، ثنائية تعاملها مع المشاكل الحياتية اليومية والقوانين القطرية ، والتي لا توليها اهتماما كبيرا لا في أدبياتها ولا في تدريب كوادرها على النظر في تلك المشاكل ، وخطابها النظري الحالم بشكل (طوباوي) في وحدة , فتخسر نظرة تعاون الدولة معها من أجل تطورها ، وتخسر الجماهير التي لا ترى وضوحا في رؤية تلك الطلائع لحل مشاكلها ..

والثنائية الثانية ، تلك العقلية الفروسية الثورية التي تؤمن بتوحيد أقطار الوطن العربي ، بواسطة القوة ، والتي تبدو فقط من خلال الشعارات ، وطرف تلك الثنائية (الضعيف الخانع ) المتمثل بالوقوف أمام دوائر الدولة لأخذ ترخيص باعتصام أو مسيرة صامتة !

أما الطلائع ذات الفكر (الخطاب ) الأممي ، سواء تلك التي تدعو لرجوع الخلافة الإسلامية ، أو تلك التي تنادي بأممية شيوعية عالمية ، فإنها اختارت بخطابها صورا وردية منتقاة من التاريخ ، وأسقطت كل الشوائب التي علقت بها أو أرادت أن تسقطها ، مركزة على الصورة المثلى في الخطاب ، ولا تفتأ تردد ضرورة التزام خطها ، كمخرج مما نحن فيه . تلك الفئات (الطليعية ) لن تناقش كيفية التعامل مع ربع سكان الهند المسلمين ، والذين يساوي عددهم سكان العرب مجتمعين ، وإن أردت فحص مكونات تلك الطلائع لرأيت الخلاف فيما بين طوائفها يفوق الخلاف بينها و بين الليبراليين أو القوميين أو الشيوعيين ..

لقد تفوقت الشيوعية في نظرتها الأممية على النظرة الإسلامية (وضوحا ) رغم غياب الجانب العملي في النظرتين .. فكلاهما تتعامل مع أمم ( إسلامية ) أو غيرها .. وأسقطت كلتا النظرتين أن لكل أمة خصائصها تتعلق بأكثر من جانب ، وهما ( الجهتان ) .. لو أرادا تطوير خطابهما للزم عليهما مراعاة تلك الخصوصية ..

فقد رأينا كيف كانت الفروق بين النظرة لديكتاتورية البروليتاريا في دول غرب أوروبا التي أسقطت ( تباعا ) ، الالتزام بها كمعطى أيديولوجي محوري ، ورأينا كيف أن يوغسلافيا والصين لم تكن على وفاق كامل مع الاتحاد السوفييتي .. بل ورأينا كيف أن العناصر غير السلوفينية في الاتحاد السوفييتي ، قد اصطفت مع (جيش هتلر ) الغازي وتعاونت معه .. ورأينا كيف أن الماركسيين في كل من ألمانيا و فرنسا ، قد حاربوا بعض في الحرب الفرنسية الألمانية ..

كما رأينا كيف أن المسلمين في إندونيسيا والسنغال وتركيا وإيران لهم همومهم الخاصة التي تختلف عن بعضها ..

تبقى مسألة خاصة بنا (كعرب ) ناطقين باللغة العربية ونفهم ما تعنيه مفرداتها جيدا .. نلحظ حتى الملحدين في تلك الأمة لم يرتدوا عن دينهم الإسلامي ، بل يعودون في نهاية أيامهم لدينهم .. في حين ، من يراقب ما يحدث لمسلمين إفريقيا ، عندما استعملوا أدوات لغوية غير ( العربية ) .. فقد ارتد القسم الكبير منهم عن الإسلام ، فالقرآن نزل بلغة العرب ، ومن لم يفهم لغة العرب ، لن يفهم القرآن فهما كافيا ..

وهنا لا بد من التأكيد أن الأقليات أو الإثنيات التي تعيش داخل الوطن العربي منذ الأزل ، وقد تشكل الأغلبية في بعض الأقطار ، كالأمازيغ في بلدان المغرب ، لكنهم طالما يحسنون التكلم في العربية ، فإنه لم يسجل حالات ترك الدين في مناطقهم والارتداد عن الإسلام .. فهم عرب و إن كانوا غير عرب ، لأنهم تعاملوا مع اللغة باحتراف و رفدوا علوم اللغة والفقه بجهد خالد ..

لقد ارتاحت الدول القطرية ، من كون تلك الطلائع مرتبكة ، فبدت الدول القطرية القائمة متفوقة بخبراتها وتوازن خطابها ، على كل أطياف الطلائع مجتمعين .. وأضافت على تلك الميزة ، ميزة أخرى وهي أنها هي التي بيدها المال والتعيينات و الإعلام والقوانين التي تخدم ديمومتها !

منذ أكثر من ربع قرن ، اقتصر نشاط الطلائع العربية ، على ردات فعل هزيلة ، إزاء الأحداث العظيمة ، اعتصام ، بيان استنكار ، مسيرة صامتة ، كتابة في جريدة تصدر خارج الوطن العربي لمهاجر عربي ، أمن عدم ملاحقته ..

لو التفتت الطلائع لحالات البطالة ، والفساد ، والبيئة ، وتنسيق العمل فيما بينها ، وتنظيم انتخابات ، وتطوير قوانين تلك الانتخابات ، والمديونيات الخارجية ، وكيفية صرف أموال البلاد ، بجهد قريب من جهدها النظري الآخر ، لكسبت جماهيرها بشرف وارتقت بخطابها نحو ما تطرحه الآن ..

ابن حوران 05-07-2006 06:25 AM

الطلائع و الجماهير :

الطليعة و الجماهير و الأيديولوجية والاحتراف السياسي والانضباط ، هي الشروط الأساسية لتكوين الجماعات المنظمة الفعالة في عمل التغيير في أي بلد وأي وقت ..

فلو كانت الأفكار وحدها لها تلك الأهمية ، لكانت الكتب هي من تقود العالم ، ولو كانت الطلائع تسكن في جزيرة نائية وتحفظ كل مؤلفات العلوم السياسية والاجتماعية ، وانقطعت عن الجماهير ، لكن فعلها كفعل المملحة الضائعة ، يحتاجها الناس في تمليح طعامهم ، فلا يجدونها .

يلف الغرور كثيرا من الشباب العربي ، عندما يعتقد أنه ألم في مناحي علوم السياسة أو الفقه أو الدين ، فيكيف سلوكه العام مع الجماهير وفق ذلك الغرور ، فيختار أصدقاءه من المريدين والموافقين على ما يعتقد ، ويصبح هؤلاء الأصدقاء ، قبلة هامة له ، فيلتقي بهم يوميا ليتحدثوا و ليفصلوا حديثهم ، ويعرجوا على طرح مشاكل الناس ، فيتناولوهم بشيء من السخرية ، وشيء من التعالي ، في حين كان الإدعاء في تبني مشاكل تلك الجماهير ..

تتزايد لقاءات الطلائع فيما بينها ، وتكثر الأحاديث فيما بينها ، ويتبادل أعضائها عناوين لكتب صدرت حديثا في بلد قريب أو بعيد ، وتتم ( المثاقفة ) فيما بين تلك الطلائع ، ويصبح ديدنهم التكيف مع ما عرض عليهم من معلومات جديدة ، فيتبارون في القراءات الجديدة ، فتصبح عادة القراءة ، هي الهدف النهائي ، وتبتعد الطلائع شيئا فشيئا عن دورها القيادي ، فتغدو وكأنها تقود نفسها فحسب ، ويصبح تطوير المعلومات و تطوير مستوى اللغة في الحديث هو الهدف الواجب الانتباه له .

تنسى الجماهير وجود تلك (الزمر ) المسماة (طلائع ) ، ولم تكن قد تعرفت عليها أصلا ، وتتماطى قدرات تلك الطلائع الثقافية ، فيكتب بعضهم في الصحف المحلية ، أو في صحف تنشر خارج بلده .. تأتي كلمات الإعجاب من بعض أفراد الطليعة نفسها ، أو من أفراد ينتمون لطلائع مختلفة ، يتزايد الشعور ب (قرارة النفس ) لدى هذا الطليعي الكاتب ، ويصبح وفيا لمن امتدحه ، ومتناسيا للجمهور الذي لم يحسن الاطلاع على ما كتب ، نتيجة عدم رصد الجمهور لإبداعات هذا الطليعي ، أو كون الجمهور لم يتعود على التعامل مع تلك اللغة التي كتب بها موضوع ( الطليعي) واستهجان مفرداتها ..

يتذاكر أفراد الطليعة فيما بينهم ، ويؤكدوا شعورهم بالخيبة ، نتيجة صدود الجماهير عنهم ، ويحملوا الجماهير المسؤولية لعدم تأييدهم والالتفاف حولهم ، فتنمو لديهم مشاعر الكراهية تجاه تلك الجماهير ..

إن طليعة تكره جمهورها ، أو الشعب الذي تعمل داخله ، هي طليعة فاشلة لا تستحق لقب (طليعة ) على الإطلاق . فلا يجوز أن تدعي طليعة أن نذرت نفسها لخدمة شعب تكرهه ..

تتحول الكتابات و المناقشات الصادرة من الطلائع ، سواء كانت أعمال أدبية ، أشعار أو خواطر أو تحليلات سياسية ، للهجوم على الأمة ، بأنها أمة متخلفة ، وشعب جاهل ، وعندها تصبح الطليعة عامل إضافي من عوامل تخلف الأمة .

حتى تخرج الطليعة من واقعها المرير ، عليها التعلم كيفية العيش بين الناس وكيفية إيصال خطابها بلا تعقيد لهؤلاء الناس ، فمن يصيح من مكان بعيد لن يضمن أن هناك من يسمع نداءه .

ابن حوران 10-07-2006 04:20 PM

الطليعة و القوى الخارجية :

عندما تنزوي الطليعة و تتقوقع على نفسها ، فإنها لا تبقى كذلك ، بل يدب بها أشكال جديدة من الأمراض .. فبعد أن خذلت الجماهير ، و اعتقدت أن الجماهير هي التي خذلتها ، تستنزف مع ذاتها قدرتها على اجترار خطابها المتجمد ، وتبدأ بالتشرذم فيما بينها .. وبالرغم من أن أعدادها من القلة بمكان لدرجة أنها في بعض الأحيان لا تقبل القسمة ، فإنها تنقسم مع ذلك بصمت كبير ، ولا أحد يلحظ انقسامها لا لأن أفرادها يتكتمون على ما هم فيه ، بل لأنه لم يبق من يتابع أخبارها ، لزوال دورها ..

تلحظ الدوائر الاستخباراتية العالمية تلك الظاهرة ، من خلال مجساتها الممتدة بأشكال مختلفة كجمعيات خيرية ، أو مراكز دراسات ، أو غيرها ، فتحاول استثمارها على أحسن وجه ، فلديها الآن أشخاصا يتمتعون بثقافة متطورة عن دهماء الشعب ، ولديهم بعض الأسرار التي لا تخلو من فائدة ، ولديهم شعور بالإحباط ، فلماذا لا تجرب إنعاش طموحاتهم التي فشلت في مجال ما ؟

إنها تنتقي الأشخاص الذين يحملون أحلاما برجوازية ، ولكن إمكاناتهم تمنعهم من السلوك البرجوازي ، أو تنتقي الأشخاص الذين فشلوا في ( التماهي ) مع ركب الحكم ، أو تنتقي الأشخاص الذين اقتربوا من الوصول لمصاف رجال الحكم وأحسوا في عينة من الوقت بأنهم أكثر جدارة ممن هم في الحكم ، ولا يعني أنهم يختلفون مع من هم في الحكم .

إن استعداد تلك العينات التي دب بها اليأس للخروج مما هي فيه ، سيجعلهم صيدا سهلا للقوى الخارجية ، التي تنظم لهم لقاءات محلية في بلادهم والالتقاء بعينات حالمة ولكنها ارتبطت مع الدوائر الخارجية ، وتوكلت بمهام محلية لتفكيك الطليعة أو الطلائع ، أو استثمار ( سكرابها ) ..

فتكون اللقاءات الساهرة ، التي تنعش حالة قبول اليائسين وتلذذهم بفكرة أن ينخرطوا في الأجواء الجديدة ، ويتم التعرف عليهم عن قرب ، ويتم إجراء مزيد من الاختبارات اللازمة لتوظيفهم بالمشروع القادم ..

وقد تساعد أجواء البلاد ، في التعجيل في (إنضاج ) وضعهم ما قبل الانخراط في العمل الخارجي ، وذلك يتم من خلال :

1 ـ كثرة الحديث عن أمثال هؤلاء من قبل الدولة و أبواقها ، مما يحسسهم بجو من التهديد المبطن الذي يحفزهم لطلب الخروج من البلاد .
2 ـ مصادفة أن يكون هناك أذى لأمثال هؤلاء من أجهزة الدولة ، فيقوم أحدهم من باب الاحتياط أن يفكر بالهجرة أو الخروج ، مستشعرا خطرا قد يكون وهميا أو حقيقيا ..
3 ـ وصول إشارات من الخارج ممن يشبه وضعهم وضع هؤلاء ، وقد تكون تلك الإشارات أتت بالتنسيق مع الدوائر الخارجية عن قصد ..

يتم مغادرة البلاد ، بشكل طبيعي أحيانا ، وشكل غير طبيعي ، برشوة أو تزوير وثائق ، والحالة الأخيرة تعجل من تصنيف هؤلاء ضمن اللاجئين السياسيين .

يتم في الخارج اللقاء بأصناف من أبناء بلد المهاجر ويكونوا ضمن الأصناف التالية :

1 ـ صنف يترحم على حكم ما قبل الحكم الذي خرج في عهده ، وقد يكون فقد أملاكا أو مركزا سلطويا أو أنه أصبح مطلوبا بحكم التغيير السياسي .

2 ـ صنف الهاربين من التجنيد أو المطلوبين لجنح مدنية أو غيرها ..

3 ـ صنف قد يكون معارضا ، كسمة دائمة ، مهما تغيرت أنواع الحكومات ، واستمرأ وضعه بالخارج ، وفلسف وجوده هناك على هامش تلك الحالة ..

هنا يبدأ تكييف وضع المهاجر الجديد مع كل هؤلاء ، فيما لو كانوا يأتمرون بأمر جهة واحدة .. فلا بد من تغيير شعاراته ، والتي قد يكون أحدها معارضته فيما مضى للدولة التي أصبح بضيافتها ..

إن الجهات الخارجية في وضع كهذا ، يصبح كوضع تجنيد (الحشاشين ) الذين ظهروا بالقرون الوسطى ، أو في أحسن الأحوال كفرق ( الإنكشاريين ) .. ولكن ليس لخدمة بلادهم ، بل لخدمة أعداء بلادهم .

ابن حوران 18-07-2006 06:41 AM

الأزمات المتفاقمة للنخب والطلائع هل لها طابع أزلي ؟

قد يتساءل من يقرأ هذا الكلام ، وإن كان أمر التسليم به كمصنف ثابت لما هو قائم ، يأخذ طابعا نسبيا ، يعتمد على هوية القارئ و حجم الثوابت التي يؤمن بها ، منطلقا من تكوين عقائدي معين ، يجعل إيمانه بتطور الأحداث يختلف عما قرأ ..

وإن حدث أن تهادن القارئ مع ما قرأ ، فإن سؤالا أو مجموعة من الأسئلة ستبرز متتابعة ، أو على دفعة واحدة . وهي هل سيطول هذا الوضع ؟ ومن يضمن أنه لن يطول ؟ وكيف السبيل الى الخلاص مما نحن فيه ؟ وغير ذلك من أسئلة تتحاذى مع هذه المحاور المتعلقة بالنخب و الطلائع .. أي قيادات التغيير في بلادنا ..

لن أدعي ، كما أعتقد أن ليس هناك من يدعي بوجود ( وصفة ) واضحة المعالم متدرجة الخطوات ، تستطيع كسب المؤيدين والأنصار حولها ، وقادرة أن تحول هؤلاء المؤيدين الى قوة تزيل من حولها كل عوامل الإعاقة ، تباعا و تسهل تحقيق برنامجها ( على فرض وضوح البرنامج ) .

لكن الإيمان بالتغيير ، والذي لا ينبع من تراكم الآلام والأماني ، بل يعتمد على استقراء ظواهر طبيعية أو بشرية حدثت منذ زمن وتسلسلت في تكرارها لدعم فرضيات الاستقراء نفسه ، سيرشدنا الى تلمس البحث عن الخطوات الأولى ، وعندها ستظهر معالم الطريق ، ويحدث السير الى الأمام .. وستكون النماذج العالمية و ما تشكل لنا من تهديد محفزا إضافيا للإسراع في السير ، وعدم الإلتهاء عما نجده في طريقنا من سفاسف تعيق من سيرنا ..

في انتشار الأمراض ، كظاهرة طبيعية ، يظهر جيل من الميكروبات ، يفتك بخلايا الجسم ، فتقوم الأجسام المضادة ( خلايا المناعة ) في عملها باستبسال ، وقد تنجح بعملها ، وقد تفقد منها الكثير نتيجة الاقتتال مع الميكروبات .. لكن ما يتبقى منها ، سيكون بمواصفات أقوى من الجيل الأول من خلايا المناعة ..

بالمقابل ، فإن الميكروبات التي تم وقف زحفها بالاستعانة مع بعض المضادات الحيوية ، ستعاود الكرة بالهجوم ، ولكن بجيل يتقدم عما قبله في القوة والتحايل على المضادات الحيوية .. وتستمر العملية حتى تصبح المضادات الحيوية غير مؤثرة في وقف الميكروب ، فيتم اختراع جيل جديد من المضادات الحيوية وهكذا إنها دورة ( دياليكتيكية جدلية ) في الطبيعة .

عند اللصوص و خبراتهم في السرقات ، عندما أصبحت الأبواب المغلقة بأقفال محكمة ، تمنعهم من اقتحام الأمكنة التي يريدون سرقتها ، تم تطوير أجهزة الإنذار ، فتطورت خبرات اللصوص في التحايل عليها .. وهكذا (جدلية ).

في بداية القرن العشرين عندما بدأ استقلال صوري لبعض الأقطار العربية ، وحل في مواقع قياداتها ، نخب ورثت بالتراضي مع المستعمرين ، تلك المواقع ، انتبهت جماعات لتضرر مصالحها ، فتصارعت مع النخب الحاكمة أحيانا و تصالحت معها أحيانا أخرى ، نمت في كل مرحلة قدرات التمسك بالحكم عند النخب الحاكمة ، ونمت بالمقابل قدرات التعامل مع تلك النخب من قبل من يعارضها ، وإن كانت المسافات بين هذين النمطين من النمو متفاوتة .

لم تكن حماس أو حزب الله موجودتان قبل ربع قرن ، لكنهما وجدتا نتيجة تطور من الأعمال السياسية ونتائجها .. وكان قبلها في الجزائر عندما انخرطت أطياف متباينة عقائديا في حرب تحرير الجزائر ، فسكتت عن الخلافات في الرؤى فيما بينها لحين التحرير ( وهو سلوك نبيل ) .. لكن الخلافات التي سكت عنها عادت وظهرت لتفرق من اتحد في حرب التحرير ..

لكن انطلاقا من النظرية العلمية ، فإنه في النهاية سيجد كل الفرقاء في أي مكان أسلوبا للتعايش مع بعض ، إذا آمنوا أن هذا الأسلوب هو البديل عن تصفية و إنهاء الفريق الآخر ..

من هنا نجد أن الوضع الراهن ، مليء بأجواء ( حبلى ) في إنتاج أجيال من الطلائع و النخب ، تكون على شبه قطيعة مع ماضيها الذي فرقها ، وتبحث عن مستقبل يوحدها .. وأظنها ستصل في نهاية المطاف لما تريد مجتمعة .

ابن حوران 25-07-2006 05:52 AM

السمنة تعيق الوثوب :

تصاب الكوادر الطليعية أو النخبوية ، بحالات شبيهة بالسمنة عند البشر ، وكما هي السمنة تعيق صاحبها عن السير الطويل ، وتجعله أكثر ميلا للخمول وطلبا الراحة ، وتجعله غير قادر على التكيف مع أي طارئ ، ليثب أو يقفز أو يهرول ليناور في الهرب إذا ما تعرض المكان الذي يطيل المكوث فيه ، للحريق فإن الحريق سيطوله و لا شك ، وسيكون دهنه السائح وقودا جديدا للحريق .

لكن كيف تتكون تلك السمنة في أجسام الكوادر الطليعية و النخبوية ؟ .

عندما يتعود شخص على تناول وجبات أحبها ، و أكثر من تناولها فإن مكوناتها ستتحول وفق دورة كريب (Krib Cycle) التي تحول معظم النشويات الى دهون ، تتركز في منطقة العجز و أسفل المعدة ، فيختفي جانب الرشاقة في الجسم . وتلك الصورة نجدها ( الآن ) في الأرياف العربية ، حيث يكثر استهلاك الخبز والحبوب . وعندما كانت تلك العادة يتم التغلب عليها ، من خلال أعمال الفلاحة القاسية ، فكانت تلك الشحوم تحرق أولا بأول .. ويحافظ أصحابها على رشاقتهم .

لقد استمرأت الكوادر الطليعية والنخبوية ، تناول وجباتها الأيديولوجية من صنف واحد ، ولم تستطع تصريفه وفق حركة سياسية اقتصادية شعبية ، لتحرقه أولا بأول ، فكان هذا النمط من الوجبات يملأ كروشها و يهدل أجسامها ، لكن دون أن يمدها بالقدرة على الانطلاق في تنفيذ برامجها ، التي لم تعد ( أصلا ) .

لذلك نجدها ، تتسم بالزهق و الاستخفاف بالآخر ، وعدم الاستماع لأي خطاب جديد ، وعدم الاستعداد حتى لخوض نقاش أو حوار ، نافع أو ضار ، لقد هلكتها الدهون التي تكدست في أجسامها .. وستصبح بلا شك عرضة لأمراض كثر من (سكري ) وارتفاع ضغط الدم ، وقلة الخصوبة والإنجاب .. الخ

لقد أصبح من السهل على الجمهور ، تصنيف المنتمين لتلك الفئات ، ثم بات التعود على وجودهم كظاهرة ، مثلها مثل ارتفاع الحرارة أو الرطوبة بالجو ، يتخلص الفرد منها بأخذ حمام بارد أو يمسح عرقه بمنديل ، لكنه لن يكف عن التضجر والتأفف من تلك الظواهر الطبيعية ..

إن الجمهور لا يكن ودا كبيرا لتلك الفئات ، ولن يأسف عليها إذا ما احترقت ، ولم يعد يرجو منها نفعا ، أو انطلاقة جديدة ، لأن السمنة ستمنعها من السير بخطى تؤهلها لتجعلها تقود بجدارة ..

ابن حوران 29-07-2006 03:57 AM

هل تحتاج الجماهير الى نخب و طلائع أم أنها استغنت عنها ؟

يتفوق الأفراد المثقفون سواء كانوا جزءا من الطلائع أو النخب على غيرهم من الناس ، بالقدرة على التعبير عما يفكرون به ، فلذلك تجدهم يتصدرون الدواوين و منصات الخطابة ، ويدونون و يكتبون ، وكأنهم قد حصلوا على تفويض مطلق من كل الناس ..

في حين تخون قدرة التعبير الكثير من المواطنين ، حتى الكثرة من المتعلمين منهم في تبيان آراءهم ، والدفاع عما يجول في خاطرهم ، وهذا مما يجعل النخب و الطلائع في وضع تنظر فيه الى الناس على أنهم ( بلوك) من الدهماء الجهلة ..

يسير الآلاف من المتظاهرين ، في المسيرات المصرح بها من الدولة ، أو التي تخرج دون تصريح ، فينبري من يهتف بينهم هتافات معظمها أعدت في السابق لمناسبات تختلف عما هي عليه في المسيرة الراهنة أو الاعتصام الراهن . ويحس كثير من السائرين الذين يشاركوا في المسيرة أن أصواتهم لا تخرج أو أنها تخرج ولكن بشكل همهمات وتمتمات غير واضحة ، ويحسون أمام أنفسهم بحرج بليغ ، لسبب أنهم غير مقتنعين بما يطرح من شعارات و ما يقال من هتافات ، أو أنهم يحسون أنهم متخلفين عن التعامل مع مثل تلك الهتافات !

تصل المسيرة الى نقطة النهاية ، فيقوم خطباء تم الاتفاق عليهم مسبقا من قبل من قام بتنظيم تلك المسيرة ، فيقولون كلاما ، يهيئ إليهم أنه كلام هام ، وأنه يعبر عما يدور في عقول و نفوس الحشود .. ثم تصاغ برقيات اختتامية ، لتضع نهاية لهذا العمل الجماهيري العظيم !

في هذه الأثناء يتعامل المحتشدون مع الكلام ، وكأنه ( طنين ) أو (دوي ) أو طقس تم التعامل معه آلاف المرات ، فأصبح كأنه طقس من طقوس التعزية ، عظم الله أجركم ـ شكر الله سعيكم .

عندما ينفض المتظاهرون أو المعتصمون من عملهم ، يعودون وتسكنهم مشاعر بأنهم قدموا ما هو مطلوب منهم ، ويتباهون بذلك ، بأنهم تحركوا ، في حين غيرهم لم يتحرك . ويعود منظمو المسيرة أو الاعتصام يزهوهم شعور بأنهم قاموا بعمل استثنائي ، وسيضيفون ما قاموا به الى فهارسهم ليتفاخروا به أمام المتقاعسين .. و يذخرون تاريخه لحين وقت المجادلات التي يرميها بهم البعض ، مستنكرا ضآلة دورهم ، وكأن أحد الناس قد عاتبهم لماذا غابوا عن عزاء !

نجد في المقابل الدولة التي قد استنفرت أجهزتها الأمنية ، قد زفرت زفرة الراحة بعد انتهاء هذا العمل الجماهيري العظيم !

عندما تتوالى نكسات الأمة وانكساراتها يوما تلو يوم ، يحس الشعب ، كأنه معشر أيتام لا أب عادل يرعى وضعه و يدافع عن كرامته ( الدولة ) ، ولا وصي يهتم بأمور حياته حتى يشتد عوده ( المعارضة القوية ) .. فيحس كل واحد من أبناء الشعب وكأنه أصبح ذرة من غبار هائمة في الفضاء .. شعور بانعدام الوزن وعبثية الدور العالمي و قلق متزايد على المستقبل ..

تعاود أصوات الكتاب ممن يمثلون الطلائع و النخب ، بالضغط بقلم على كلمات سطور خطابها ، لتزداد وضوحا . يحمل فيها كل طرف الأطراف الأخرى المسئولية عن تلك الحالة المزرية ، ويتنصل كل فصيل من المسئولية .. في دورة من الحراك السياسي الباهت ، الذي يدفع عموم الشعب ، لأن يضغطوا على كلمات اعترافهم بالشعور واليتم ..

قطرات الماء الفرادى و ان كثرت دون تجمع ، لن تروي أرضا ، ولن تغسل وساخة ، وستتبخر مهما بلغت أعدادها غير المتجمعة . حبات الحصى التي تنتشر من المحيط الى الخليج لن تصب عمودا كونكريتيا إن لم يتم التحضير لها وتوحيدها و إزالة الشوائب منها . وجوه الناس البؤساء ، لن تخيف قطا حتى لو وصلت أعدادها الى المليارات ، فستكون بائس مضروب بمليار ، كما هو الصفر إذا ضرب (رياضيا وحسابيا ) بمليار ، سيبقى صفرا ..

أهمية الطلائع و النخب ، هي أهمية ما ينظم أرقاما صماء ، في كل شأن ، لكن أي طلائع و أي نخب ؟ .. أكيد ليست تلك التي طفت على السطح لعقود ، لا يحركها سوى شعور وجداني هائم ، انتهى مفعوله في إثارة الهمم الطيبة ، حتى غدا تكراره يشكل عاملا في إماتة الهمم الطيبة !

ابن حوران 02-08-2006 10:24 AM

في الظروف السيئة تضيع معاني البطولة :

في كثير من الأحيان ، يطرح تجار بضاعة يسمونها بضاعة نهاية موسم (ستوكات ) ، أو تلك التي لم يعد لها بريق يشد المشترين . كما يبيع بعض المزارعين محصولهم في الأرض لأصحاب الأغنام ، كمرعى لرعي أغنامهم به . وقد يكون من بين البضائع في الحالة الأولى عينات فائقة الجودة ، ولكن قرار البيع جعل صاحب البضاعة يغض النظر عن تلك العينات الجيدة .. وفي المثال الثاني ، قد يكون في الحقل عينات متفوقة من المزروعات ، ولكن حساب الحصاد و أجور الجمع قد جعل صاحب الزرع ، يقرر بيعه ، مضحيا بالعينات المتفوقة من المزروعات ..

في الحالة العربية المتردية ، لا تخلو الساحات العربية من أفراد أو هيئات تتسم بالبطولة ، فقد يظهر علماء و فلاسفة و مقاتلين أبطال ، وقد يظهر حاكم إداري في ناحية أو قضاء أو محافظة ، يتسم بالعدل و الإخلاص والروح المعطاءة ، كما قد نجد وزيرا أو قاضيا نزيها ، يقوم بعمله على أحسن وجه ، لكن لا تلمسه الحواس ، ولا تقر بالاعتراف بوجود مثل هؤلاء الأبطال .

قد يخالفني البعض الرأي فيما أقول ، مفندا رأيه ، بأن الناس يقروا ويعترفوا بهؤلاء الأبطال و يلمسوا أثرهم في محيطهم الضيق .. و القول لمن يحمل بمثل هذه الرؤية ، أنه صادق فيما يقول .

لكن قد نجد لاعبا فذا في فريق كرة قدم ، ويلمس من يشاهد مهاراته باللعب أنه لاعب فذ ، ولكن في حالة أن يكون بقية أعضاء فريقه ، من أصحاب اللياقات المتدنية و المهارات الضعيفة ، فإن ذلك لن يغير من النتيجة شيئا .. وسيخرج الجمهور بنهاية المباراة ساخطا على الفريق الخاسر ، ومتناسيا دور ذلك اللاعب الماهر والفذ ..

كذلك الحال بوجود موظف عدل نزيه ، في دائرة تسبح بالفساد ، فإن المراجعين لن يعطوا تقييما لتلك الدائرة ، إلا بالفساد ..

إن خميرة الفضيلة ، تؤدي دورها الفعال ، عندما تعزل عن وسط ما يفسد أثرها ، فكما أن اقتراب العجين من بعض أصناف الطعام ( الشمام مثلا) يفسد ذلك العجين و يجعل الخبز الناتج ذا مذاق غير طيب . فإن أثر الفضلاء في أجواء الفساد ، لن يجعل للفضيلة دورا واضحا ..

لكن لا يفهم من ذلك بأن هناك دعوة خفية ، لترك الساحة للمفسدين ، ولو كانت الحجة التي يتسلح بها أصحاب دعوات عزل الفضلاء عن أجواء الفساد لها ما يبررها ، إذ أن حجتهم تقول : بأن الفضلاء يخففوا من رداءة مذاق الفساد ويطيلون بعمره .. إذ أن جهدهم الفاضل سيجير الى من هم في الحكم ، ويضفي عليه بعض جوانب الخير !

إن رصف جهد الخيرين أينما وجدوا ، وانتباه الكتاب و السياسيين و النقابيين لجهدهم و توظيفه في التأشير على حالات الفساد ، فإنه لن يؤشر على بطولة الخيرين والفضلاء فقط ، بل يجعل الحرب مستعرة على الفساد ، حتى يتم تصفيته بشكل نهائي ..

فكثيرا ما نرى من مقالات ووجهات نظر لمثقفين ، ترسم صورا افتراضية عن شعب بكامله ، مفترضة خلوه من أي عنصر خيِر ، وهذا العمل يسهم بشكل أو بآخر بطمس آثار حراك الخيرين في البلاد ..

ابن حوران 11-08-2006 05:27 AM

جلد الذات .. هل يعيد العافية للذات أم يجهز عليها ؟

في الظروف الراهنة ، و كون الأمة تمر بحالة التقعر لها ، يبرز على صفحات الجرائد و المجلات و الكتب و الشبكة العنكبوتية ، كتاب احترفوا فن الصياغة و فن تركيب الصور ، وأسلوب الشد للقراء ، ووظفوا تلك الإمكانيات للهجوم على الأمة لكي يغسل أبناؤها أيديهم منها .. ولكل منهم غاية و هدف ، وهم أصناف :

1 ـ صنف لا يمت للعروبة و الإسلام بصلة ، فيجد فرصته الذهبية في الهجوم على الأمة وماضيها و حاضرها بكل ما أوتي من قوة ، دون أن يضيع فرصة ، وكأنهم كلاب سائبة وجدت في وفيات مزرعة دواجن أصيب بوباء شديد لتملأ بطونها ، قبل أن يستعدل حال المزرعة .

2 ـ صنف يساير الصنف الأول ، اعترافا بفداحة الوضع ورداءته و يقدم للصنف الأول غطاء ، ليقول المزيد ، وليمعن في هجومه .

3 ـ صنف تمترس خلف قناعاته ، بأن الذي يحل بالأمة ، هو عقاب لها لأن من يقود صفوفها الرسمية والشعبية ، لا يتبع وجهة نظره ، فهم يتحرقون على الأمة ، لكنهم فرحون في تلك المناسبة ، وكأنها فصلت لهم ليقولوا ما عندهم .

4 ـ صنف يعتقد أن ذكر مساوئ الأمة ونشر غسيلها القذر ، سيكون بمثابة مهماز يحرض به الغيارى ليأخذوا أمكنتهم في وضع الدفاع من ثم الهجوم لتصويب وضع الأمة .

إن أخطر الأصناف هما الصنف الأول والثاني ، فإن الصنف الأول يقوم بطرق خبيثة بفرز وقائع التاريخ للأمة ، ويعزل الرديء منها عن الجيد ، ويوظف أسوأ ما في الرديء في مقالاته بأسلوب ساخر لاذع ، كما يقوم من يستخدم برنامج (الإكسل ) في جهاز الحاسوب .. و يستطيع أن يخدع القراء من خلال أسلوبه الساخر بالتسليم بما جاء فيه من الهجوم على الأمة ليسهم في صناعة مزاج يشرع للإستسلام و قبول وضعنا كأمة دونية ..

لا يترك هذا الصنف فرصة ، في النيل من الأمة ، لا قبل الإسلام ولا بعده إلا ويذكر أردأها ، فإن ذكر له النعمان بن المنذر أو هاني بن مسعود ، فإنه يصفهما بأسوأ الصفات ، وإن ذكر له الحجاج أو وال خلده التاريخ من خلال صفات القسوة ، فإنه سينفذ من خلال تلك الصفة ليصنع نفقا يهاجم فيه الأمة .

ويساعد هذا الصنف من الطابور الخامس في صفوف المثقفين ، كل المتشددين العقائديين الذين كان ولا زال همهم ، أن يفكفكوا مكونات الأمة ، ويتناولوا كل فئة بأسوأ الصفات ، فيجد أفراد الصنف الأول تمهيدا قويا لهم في النفوذ الى مآربهم ..

إن مهمة الغرب الإمبريالي هي طمس فكرة العروبة ، من عقلية أبناء الأمة ، فتارة يبشرون بشرق أوسط جديد ، ليدخلوا به كل من إيران وتركيا والكيان الصهيوني ، لينسفوا بذلك فكرة العروبة ، كموئل للغة التي نزل بها القرآن ومن ثم يدخلون من خلالها على الإسلام كدين ، وقد ابتدأت محاولاتهم منذ بداية القرن العشرين عندما تم تغيير الحروف العربية في تركيا الى حروف لاتينية ، وعندما ظهرت دعوات لكتابة العربية بحروف لاتينية ، أو اعتماد اللهجات المحلية .. وكلها تصب في خدمة تجفيف جهود إبقاء اللغة العربية كمفسر للقرآن و همزة وصل مع تراث الأمتين العربية والإسلامية ..

إن مهمة الدفاع عن تلك الهجمة المبيتة ، تقتضي الوقوف في جبهة عريضة من كل أصناف المدافعين عن الأمة من إسلاميين وقوميين ويساريين .. وتبدأ في إعادة ترميم الثقة لأبناء الأمة بأمتهم .. لأن أي نجاح لهؤلاء الغامزين اللامزين بجوانب الأمة ستؤذي مشاريع هؤلاء كلهم ، ولا تؤذي مشروعا بعينه .

فالمبالغة بجلد الذات يقود الى ترسيخ فلسفة عدم القدرة عن الذود عن حياض الأمة ، وإن كان قصد البعض منه للتحريض على النهوض !

ابن حوران 16-08-2006 10:31 AM

النخب الدينية المتطرفة الأكثر خطرا في العالم

هناك أكثر من ثلثي سكان العالم من يدينوا بأديان سماوية ، ولو تناولنا الصهيونية كنخبة متقدمة على الديانة اليهودية ، ولو تناولنا المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية كنخبة متطرفة على النصارى ، لرأينا أن معظم إن لم تكن كل مصائب العالم تأتي بفعل تلك النخب الرجعية المتخلفة ..

إن من أخطر الأمور أن تستلهم الضحايا ، أسلوب جلادها ، وهذا ما رأيناه في استلهام ضحايا النازية ( الهتلرية ) أساليب التصفيات ، وتطبيقها في كل من فلسطين والعراق و جوانتانامو ولبنان وأفغانستان ، وهذا ما صرح به المندوب الأمريكي في مجلس الأمن بالأمس عندما ، قال إن قتل وتصفية أبناء لبنان ليس هو نفسه القتل لأبناء الصهاينة ، فأطفال لبنان هم مشاريع إرهابيين ..

في بلادنا الإسلامية هناك أكثر من مليار مسلم ، يؤدي منهم أكثر من النصف فرائضه الإسلامية بانتظام وانسيابية تامة ، و الكثير من هؤلاء لا يعرف لأي طائفة يتبع إلا بالاسم ، وعند عقد القران ، يكون معظم الحضور لا يدرك معنى (زوجتك ابنتي على سنة الله ورسوله وعلى مذهب أبي حنيفة النعمان ) .. ولا يدري عن تلك الفروق بين الحنفية والشافعية والمالكية و الحنبلية والشيعية ، وإن كان يعلم أنه سني أو شيعي ، فإنه لا يؤدي فرائضه إلا كما يؤديها عموم المسلمين .. ولا يمانع الشيعي من تزويج ابنته من سني و العكس قائم .

وان احتاج المسلم أن يتنور بمزيد من التفاصيل ، فإنه يذهب الى أقرب شيخ أو رجل يشهد له من في الحي أنه ثقة ، ويستفتيه في تفصيل غاب عن ذهن ذلك المسلم ..

لكن قامت منذ عدة عقود ، جماعات ( نخب) ، كان همها التفتيش عن كل ما يعلم (يبنط ويضغط) على الخطوط التي لم تكن ترى في الماضي لتفصل بين تلك الطوائف .. وكانت تتفنن في البحث عن غرائب القصص التي توغر صدور المسلمين ضد إخوانهم ، فتنبه من كان غافلا ومتعايشا بسلام مع مواطنيه ، لتقول له : هذا عدوك .. فانتبه منه !

كما قامت جماعات ترفع شعارا ( الإسلام هو الحل ) .. وكأنها تخاطب أناسا غير مسلمين ، وأنها وحدها التي اختارها الله عن دون عباده لترفع هذا الشعار! وطبعا إن ما يجعل تلك الشعارات ذات قيمة استثنائية ، هو ما يسود من أصناف للحكم تجعل المحتقنين يتبعوا أي شعار ..

لن نحاكم هؤلاء لشعاراتهم ، فعيون المسلمين ترى و تتابع مواقفهم وخلطها بين الجيد والرديء ، وهم بذلك لا يختلفون عن المواطنين الآخرين ، سوى أنهم في إحدى مهامهم الأخرى يثيرون الفتن بحسن نية أو بدون حسن نية ..

ليتق كل منا الله في دينه و تعاليمه ، ويتوقف عن إثارة الفتن ، وإن كانت مبررات أداء هؤلاء ، آتية من ردة فعل ، على فعل رديء يقوم به من في الطائفة الأخرى ( وهي مسببات مفهومة ) .. لكن نردد قوله تعالى : (ولا تزر وازرة وزر اخرى ) ..


لقد لفت انتباهي خطابات بوش التي تؤشر على مسألة الخلاف الطائفي ، وأن السنة قد ابتهجوا لضرب الكيان الصهيوني لحزب الله ( الشيعي ) .. وأن المناشير التي كان يلقيها الكيان الصهيوني ، على لبنان تشير ( أيها الناس حملوا حزب الله الشيعي ما حل بكم ) .. هذا بالإضافة الى اغتباط الفرس ( أعدائنا في الشرق) .. الذين جيروا انتصار المقاومة لصواب وجهة نظرهم والكل يعلم كم أذاقوا أهل العراق إبان الاحتلال ( سنتهم وشيعتهم ) الويلات والقتل ..

فلننتبه و لتكن النخب الدينية رافدا واعيا للتعبئة ، من أجل خلاص الأمة من ويلاتها ..

ابن حوران 23-08-2006 03:57 AM

النخب القومية .. جمود في الخطاب و استفزاز للمشاعر

لم تكن النزعة القومية معروفة ، قبل عدة قرون ، بل كانت الصفة (المناطقية) التي تهم سكان منطقة ، في مكان ما هي التي تحتم شكل الأداء المدني لسكان تلك المنطقة وقياداتهم ، وكانت سعة المنطقة التي تمارس سيادتها على مساحة معينة ، تزيد وتنقص وفق أثر الصراعات العصبية بين العائلات الحاكمة وازدياد قوتها أو اختفائها ، خاضعة لامتداد نفوذ غيرها .

وكانت القوة (الكاريزمية ) تستمد من تبرير ديني ، أو تفصح عن تبجح علني بقوتها .. وهذا النموذج ساد في عصر الطوائف في الأندلس ، كما ساد في عصر الأتابكة ، حيث كان كل أمير يدعي أهلية حكمه ووجوب طاعته من الجميع ، كما أن الغزاة استمرءوا تلك الخاصية ، في التماهي الديني و الطائفي ، كما حدث في الغزو المغولي ، حيث تم اعتناق الإسلام فيما بعد ، لتسهيل مهمة سيطرة الغزاة على الشعوب المحتلة أراضيها ، حيث تتفوق النزعة الدينية على غيرها في تمرير مبررات خطاب السيطرة . وقد حاول نابليون بونابرت استخدام هذا الأسلوب في غزوه لمصر ..

لقد مهد مجموعة من فلاسفة التاريخ ، مثل الإيطالي (فيكو) في تفضيل العنصر الأوروبي ، ووجوده كمركز لحركة التاريخ في العالم والنظر الى بقية أبناء العالم ، على أساس أنهم صنف أدنى و أقل أهمية من الأوروبيين ، مما دفع الى تحريض أبناء العالم في البحث عن خصائصهم التاريخية والمفاخرة بها كرد فعل ، مما فرش الطريق الأيديولوجية لتصاعد النزعة القومية ..

كما أن الصراعات التي كانت تتم بين دول و شعوب تدين بنفس الدين وأحيانا نفس الطائفة ، الى إرجاع أسباب ذلك الصراع لنوازع عرقية ( قومية) .. وهذا النموذج من الصراعات كان منتشرا في أوروبا إضافة الى مناطق واسعة من العالم ومنها منطقتنا ..

وعندما برز فلاسفة أوروبيين مهدوا لوحدة الدول الأوروبية ، معتمدين النزعة القومية (فيخته في ألمانيا ) ، الذي استخدم بسمارك أفكاره لتعبئة الألمان لقيام الوحدة ، وحدث ما حدث في وحدة الألزاس واللورين في فرنسا الخ .

ولكن الملامح التي رافقت تفسخ الدولة العثمانية ، واستقلال دول مثل بلغاريا واليونان وألبانيا و غيرها من دول أوروبا ، هي ما جعلت الفكرة القومية ملاصقة و محاذية لفكرة الاستقلال .. وهذا ما استنبطه الشباب العربي ، خصوصا أولئك الذين بعثهم محمد علي باشا لطلب العلم في فرنسا و ما تلاها من بعثات من مختلف الأقطار العربية ، إبان الاحتلال الذي تلا انسحاب الأتراك ، فتكونت نخب ذات نزوع قومي التقت مع تلك التي تكونت قبيل زوال الحكم العثماني ..

فكان خطابها الأدبي بمختلف أشكاله ، شعرا ونثرا ، يدغدغ المشاعر القومية ، فالتف حوله أبناء العرق العربي ، بمختلف دياناتهم و طوائفهم ، وابتعد عنه الإسلاميون والذين حزنوا بشدة على زوال الحكم العثماني ، كما عارضه أولئك الذين آمنوا بالمعتقدات الماركسية ، وأبناء الإثنيات العرقية الأخرى في مختلف الأقطار العربية ..

رافق تكون المشاعر القومية في بداية القرن العشرين ، حدثين سياسيين هامين ، وبالذات بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، وهما وعد بلفور ، واتفاقية سايكس ـ بيكو ، كما تم تخلي الدولة العثمانية عن تلك المناطق العربية ضمن اتفاقيات نهاية الحرب ، مما جعل الشعور بالترحم على دولة الخلافة العثمانية ينحسر ويتراجع ، لحساب المشاعر القومية .

لقد تولى قسم من النخب القومية ، مهام ضمن حكومات الانتداب الفرنسي والبريطاني ، وكانت تلك النخب أو قسم منها على صلة بقوات الانتداب قبل الحرب العالمية الأولى ، مما جعل وصفها أمام الناس ، لا يخلو من تلوث لدورها وهذا مما جعل خصومها ، يكيلون لها أسوأ الصفات ويحملونها ما يجري للأمة ، لا بل ويحملونها مسئولية انهيار الإمبراطورية العثمانية ..

إن الأجيال التي تلت ذلك الجيل الذي رافق سقوط الإمبراطورية العثمانية ، طورت في خطابها ، بما يتناسب مع ضراوة فعل الاستعمار ، فبرزت أجيال تفلسف لتوسيع دائرة العداء و المطالبة بالتحرر ، فوضعت الإمبريالية والصهيونية والرجعية ، بصف واحد ، وأخذت تصنف الناس والمثقفين وغيرهم حسب اعتقادها ، هذا رجعي وهذا عميل وهذا كذا .

لقد التقطت بعض النخب العسكرية ، تلك الإشارات و أضافتها لرصيدها (الكاريزمي) .. وكانت ما أن تنجح بانقلاب عسكري ، حتى تزيد من وتيرة الخطاب ، وتزيد من سعة أعداءها و خصومها ، حتى أصبحت تعادي مثيلاتها بالخطاب في أقطار عربية أخرى ..

تكونت في تلك الفترة ثلاث كتل لبث الخطاب القومي ، أحدهما في مصر والثانية في سوريا والثالثة في العراق ، وكانت تتبع تلك البؤر الثلاث شرائح من المثقفين العرب ، وتتعاون معها بعض أنظمة الحكم العربية في السودان واليمن والى حد ما الجزائر(فيما بعد) .. في حين انشغلت مناطق عربية في نضالها من أجل التحرر ، في مناطق الخليج العربي و إفريقيا ..

ولكن لم يحدث أن انسجمت البؤر الثلاثة (مصر وسوريا والعراق) في أدائها أو مواقفها ، بل بالعكس كانت في داخلها على خلاف مستمر ، مما أضعف الخطاب القومي بمحاوره الثلاثة المذكورة ، في حين توحدت تلك الخطابات باستعداء أطراف عربية أخرى ، مما جعل وحدة العداء بين أطياف واسعة ، عربية ودولية وهذا مهد الى حالة أشبه بالتجمد في الخطاب و توقفه عند إثارة الهمم الطيبة والصبغة الوجدانية ، وضياع هيبته في خضم السلوك السيئ الذي كان يتنافى مع روح الخطاب ..

ابن حوران 27-08-2006 05:39 AM

الصنعة الجيدة في الحبكة النظرية والشيوعية :

في مسائل الجمادات و الأرقام ، تفلح القوانين و النظريات في صياغة ما تدور فيه العمليات الحسابية و الهندسية لحل مسألة .. وقد بات ذلك تراثا عالميا لا يستطيع أحد تجاوزه ، فلا اعتراض على حصيلة ضرب عشرة في سبعة مثلا ، فلن تكون هناك مزايدات على الرقم الناتج (سبعين ) فيقول أحدهم علي بخمس وسبعين ، أو ينقص أحدهم الرقم ليصبح ستين مثلا ..

أما في المسائل الإنسانية ، فإن إخضاع حركة الناس لقوانين مادية ثابتة ، يصبح ضربا من الخيال ، إذ تكون هناك دعوة لصهر الناس و إعادة إنتاجهم كنسخ متماثلة . وهي كمن يقوم بتشخيص أمراض مراجعين لعيادة طبية ، بالجملة ، ويعطيهم كلهم نفس العلاج ..

لقد بالغت الشيوعية في تشخيص أمراض المجتمعات ، كما بالغت في وصف الحلول ، فعندما أرجعت مشاكل العالم للدين و الدولة والقومية ، وتفرعت نظرياتها لمناقشة تلك المحاور ، لتعيد صياغة الحلول بنفي منابع تلك المشاكل بتلخيص ( لا للدين .. لا للدولة .. لا للقومية ) ..

وما أن وضع لينين قدمه على درجة القطار بعد انتصار الثورة البلشفية ، حتى دار في ذهنه ، إذا تركنا البلاد بلا دولة ، فمن يضمن أن لا يأتي مجموعة من المغامرين لينقضوا على البلاد ويؤسسوا دولتهم ؟ .. فكان الجواب أن تقوم دولة قوية ، وإن كانت تراعي في اسمها المنطلقات النظرية للشيوعية ، فأضيف لها كلمة (سوفييت ) ، وهي لهجة تصالحية تدلل على حكم الشعب ضمن سوفييتات ، تتحد في النهاية بدولة قوية هي الاتحاد السوفييتي ، وهذه أول ارتكاسة مبكرة للمنطلقات النظرية ..

أما في موضوع القومية ، فقد ظهر ذلك مبكرا ، عندما اشتكت لجان الأحزاب الشيوعية من تسلط وهيمنة الروس على القوميات الأخرى ، خصوصا تلك التي في (القوقاز) .. فكتب (لينين ) مجموعة مقالات عام 1921 ، كان الطابع العام لمفرداتها الإهابة بالابتعاد عن العنعنة القومية .. لكن لم يكن للنشاط النظري أي دور في منع أبناء القوميات غير الروسية من التعاون مع الغزاة الألمان (في الحرب العالمية الثانية ) .. وهي قصة نراها تتكرر في العراق و غيره عندما يتعاون الشيوعيون من أبناء القوميات الأخرى مع المحتل ، الذي وصفوه بأسوأ الأوصاف في أدبياتهم ..

أما معاداة الدين ، فلم تستطع لا الحكومة المركزية القوية في الاتحاد السوفييتي أن تنسي الأجيال اللاحقة ، مسألة التمسك بالدين ، سواء للأقلية المسلمة ، أو للأكثرية الأرثوذكسية التي سارعت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، الى إعادة اسم (بطرس بورغ ) ليحل محل (لينينغراد ) .. وهذا رأيناه في ألبانيا حيث لم يستطع عهد (أنور خوجا .. و رامز عاليا ) من جعل الألبان يتركون دينهم .. كما لم يستطع الحكيم ( تيتو) من الحفاظ على تآخي قوميات وديانات الاتحاد اليوغسلافي .. فعاد الاقتتال الديني والعرقي للسطح بمجرد زوال المانع . وهذا ينسحب أيضا على ما حدث في فلسطين من قبل الصهاينة ، فلم يستطيعوا تنسية العرب المسلمين لدينهم .

وإذا تناولنا مواضيع فرعية أخرى ك ( ديكتاتورية البروليتاريا ) وكيف أن الأحزاب الشيوعية الأوروبية نسختها تباعا ، حتى لم يعد لها أي ذكر واضح ، في مواضعة التحليلات الماركسية عموما ..

أما الاقتصاد ، فالصين وتكييفها للماوية ( وهي شيوعية أيضا) ، واقترابها من موضوع الاقتصاد الحر ( الماركيتلي) .. مع إبقاء صيغة مركزية ، أكبر دليل على عدم التسليم بالمحاور النظرية الثابتة في الفكر الشيوعي ..

هذا إيجاز شديد لما آلت إليه التحولات في مواطن الشيوعية العالمية .. أما في بلادنا العربية ، فإنه من السهل على المطلع أن يجد عشرات الأصناف من الشيوعيين ، تحت مسميات مختلفة ، في القطر الواحد يتقاسمون مئات من المنتسبين لتلك المدرسة ، تحول نشاطهم الى ما يشبه المنتديات الثقافية المتخصصة في فهرست مشاكل ما حولهم إلا أنفسهم ..

ابن حوران 03-09-2006 06:27 AM

نخب ليبرالية انتهازية تستغل حالة التقعر العربي :

يجلس بعض المثقفين العرب يتأملون حياتهم و حياة أوطانهم و حياة الآخرين في العالم ، ويروق لهم أن يتوقفوا عند نمط أو أنماط الحياة الغربية ( الليبرالية) فيسيل لعابهم للوصول ما وصل إليه الغرب ، ويتحول قسم كبير منهم الى مبشرين بالأفكار الليبرالية بصورة انتقائية بحتة ..

عندما انتشرت الأفكار الليبرالية قبل قرنين من الزمان ، كانت تعبر عن حالة ارتبطت بشكل أو بآخر بالثورة الصناعية واقترنت بما يسمى ب (عصر الأنوار) ، كما تعمقت فلسفتها عندما كان حضور الفكر الاشتراكي قائما ، يدعو الى المساواة بين الناس ، فكانت ردود الليبراليين هي : إطلاق الحريات العامة واعتبار الطبقية ( الغنى والفقر ) مسائل طبيعية ، لا ضير منها ، وأن الاقتصاد الحر يضمنه الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية والقضائية .

لن نناقش تلك المبادئ من حيث صدقها ، فالصور واضحة للعيان في العالم عن الحريات الكاذبة داخل تلك الدول المدعية ، ولن نناقش كيف أن تلك الدول بنت سعادتها المزعومة على حساب إفقار شعوب الأرض ونهب ثرواتهم ، باعتبار مواطني سكان العالم كائنات حية غير بشرية !

إن ما نود مناقشته هو أنه إذا كانت الليبرالية تتفق مع نمو الحياة الغربية بسياستها واقتصادها و أخلاقها التي تكونت على هامش السلوكين الاقتصادي والسياسي ، فإن المناداة بتلك الأفكار في بلداننا كما هي بلدان العالم الثالث ، سيصطدم بكينونة لا تتقبل هذا النمط من التدبير الاقتصادي والسياسي (بشكل غير مأسوف عليه ) .. كما يرفض جسم الإنسان تقبل دما ليس من زمرته .

لقد تشكلت النخب الليبرالية في المنطقة العربية ، من الجامعيين الحالمين وبالذات المهندسين و المصرفيين ، والذين استفادوا من عصر الفوضى الاقتصادية في العالم ، ومنه منطقتنا ، حتى أصبحوا يفكروا بتصليب هذا الوضع بشكل يضمن ديمومته ..

لقد تطوعت تلك النخب للقيام بمهام قذرة لم تترك ناحية إلا و ناوشتها ، مستغلة الحالة الرديئة التي تمر بها الأمة ، فتهاجم الدين بطرف خفي و تهاجم القومية والماركسية بوضوح مستسخفة أفكارها ، و تهاجم حتى نظم الحكم لتقدم نفسها كمنقذ ، يستدل عليه بالاستنتاج ، فعندما نسود صفحات الآخرين ، فلا بد أن تكون صفحاتنا بيضاء ، هذا ما تشعر به تلك النخب ..

لقد انتشرت تلك النخب وتوزعت على قنوات التلفزيون و الصحف والمجلات والكتب ، واتخذت أساليب أخرى للتواصل مع الجماهير من خلال جمعيات خيرية وهمية ، أو أندية مشكوك بارتباطها بالماسونية ، تحت أسماء مختلفة ، كما أسست تلك النخب مراكز للدراسات ، لكي تلف نفسها بهالة علمية واعية ، ومع الأسف ، فإن الجهد العام لكافة القوى الفاعلة في المجتمع لم ينتبه لتلك النخب ، بل أبقى جل نشاطه موجها لقوى هي أقرب له من تلك القوى التي تنذر بخلخلة واقع الأمة ، أو بالأحرى وظفت نفسها بالتعاون مع قوى خارجية للإجهاز على ما تبقى من هذا الواقع ، مستفيدة من غض نظر الحكومات عن نشاطها في كثير من الأحيان ، بل و قد تستحسن الحكومات العربية التواصل مع مثل تلك النخب ، طالما كان هذا التواصل يحقق رضا الغرب !

ابن حوران 13-09-2006 01:23 PM

أسماء مختلفة ونكهات متشابهة :

هل يمكن لأحدنا قراءة جريدة بالعرض ، دون الالتزام بقراءة كل عمود على حدة ؟ بالطبع لا يمكن أن يكون ذلك .. ولكن ما علاقة هذا التساؤل ووضعه موضع استهلال لتلك المقالة ؟

لقد يئس المواطنون العرب من خطاب الفئات الطليعية ، ومن خطاب النخب ، كما يئست النخب و الطلائع من قدرتها على التأثير والجذب للناس للالتفاف حولها . لم نسمع طيلة قرن من الزمان أن هناك فئة تدعو الى تفشي البطالة وقطع الكهرباء و تلويث المياه و تسليم البلاد للأعداء .. بل كانت كل الخطابات تبشر بجنائن عدن وحرية وكرامة و انتعاش اقتصادي ، ومرت العقود والسنوات والأداء هو الأداء نفسه مع تغير وجوه الحاكمين وبطاناتهم ..

هل أصبح المواطن أمام حالة شبيهة بالحالة التي ظهرت بعد استخدام الأسمدة الكيميائية ، حيث زاد الانتاج ولكن على حساب اقتراب النكهات ، ولو اختلفت ألوان الثمار .. فأصبح للخيار طعم قريب من القرنبيط و للخس طعم شبيه بطعم السلق .. حيث أن الطبيعة ابتعدت بأصولها و تدخلت التقنيات لتضفي نكهة متشابهة للثمار !

ومع ذلك أحس المواطن العربي بأن لا مفر من التعامل مع ما يقدم له من وجبات ( غذائية أو سياسية ) .. ولكنه وهو يتعامل مع تلك الوجبات ، فقد متعة التناول التي كانت عند أجداده ، رغم بساطة ما كان يقدم لهم ، فأخذ يحن مليا للماضي بكل ما كان به ..

لنعد الى قراءة الجريدة بالعرض ، والذي يرتبط بشعور الطليعي والنخبوي بأزمتهما الخانقة ، لقد أحسَا بانخفاض شأنهما ، وبداية تفسخ و تحلل أدوارهما فلجئا الى التنوع المبتذل بطرائق تفكيرهما ، ظنا منهما أنهما إذا تنازلا عن بعض ما كانا يقولانه في الأمس ، والتسامح في تقبل ما يطرح خارجهما ، سيخرجهما من أزمتهما !

إنه أسهل على من أراد البناء ، أن يبدأ البناء في أرض (صليخ ) لا بناء سابق عليها ، من أنه يرمم ( خرابة ) .. فإنه في الحالة الثانية سيكون أسيرا لنمط البناء القديم ، والذي لا يدرك كيف خطط له وأين وقفت أسسه .

لكن لا بأس بعدما تتجمع الإرادة الجماعية الكبرى ، من أن يستفاد من بعض مواد البناء القديمة ، وعلى الإرادة الجماعية أن ترفق أثناء هدم الماضي ، بانتزاع القطع النفيسة من البناء القديم .. مع التشديد على تفهم ما جرى وأخذ ما يمكن توظيفه في صيغ جديدة خالية من أخطاء الماضي ، حتى لو كانت الفائدة تأتي من مخطط البناء نفسه ، والذي نفذ بطريقة خاطئة ، فليؤخذ وينفذ بطريقة أفضل .. عندها فقط نكون قد بدأنا بتشكيل طلائع و نخب قادرة على قيادة الأمة ..

انتهى


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.