أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة السياسية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   الوحدة العربية والمشروع النهضوي (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=59055)

ابن حوران 26-11-2006 05:15 PM

الوحدة العربية والمشروع النهضوي
 
الوحدة العربية والمشروع النهضوي

بدءا لا بد من التنويه أنه عندما نقول وحدة عربية فإنها تقترن بالمسمى الذي يطلق على الأمة التي كونتها رسالة الإسلام وجعلت منها أمة قوامها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، والدين الإسلامي الذي التصقت به الثقافات التي أسهمت بها الأمة، فهي تعني بالكتلة البشرية التي تنحدر من أصول عربية وغير عربية وتعتنق الإسلام أو تتعايش مع معتنقي الإسلام في بقعة متجاورة ومتحاذية، وأصبحت شريكة في التراث والهموم والآمال ..

وهي كشأنها في عهود ازدهارها، لم تكن أمة منغلقة ولا شوفينية عنصرية، بل أمة منفتحة على كل الأمم تتعامل مع منتجاتهم الثقافية وتطور عليها وتأخذ منها وتعيد إنتاج تلك المنتجات الذهنية والحضارية، بتفاعل دون تنازل عن أداء رسالتها الدينية، فكان أوج ازدهارها عندما كانت تلتزم بحقها في تبليغ الرسالة السماوية، دون أن تغفل جوانب العلوم الحياتية التي تصب في مصلحة االبشرية جمعاء.

كما أنها تعايشت مع إثنيات عرقية ودينية، دون أن تبخسهم حقهم، لا بل استقطبت من كل أنحاء الأرض المبدعين أو من كانوا يروا في التربة التي تديرها الأمة مشتلا ومصنعا لنمو إبداعاتهم، فكان اليهودي والنصراني يتوجه نحو دور العلم (العربية الإسلامية) لينهل منها ويبدع فيها دون إحساس بالدونية، بل وكانوا يقبلون على تعلم العربية ويؤلفون فيها.

ولم يقترن اسم الأمة ببقعة محددة أو بدولة، فكانت الدولة تتمدد وتتقلص تتسع وتضمر، ولكن الأمة بقيت، فكان أبناء الأمة يتنقلون بين حواضر وعواصم لدول قد لا يلتقي حكامها فيما بينهم، وأحيانا يكونوا في حالة عداء سافر، لكن أبناء الأمة وعلمائها وطلائعها الفكرية والحضارية تتنقل بين ربوع دول دون الإحساس بغربتها .. وهي وحدة المواطن مع أخيه دون حساب للحدود الجغرافية.. ولا أظن أن الحال قد تغير كثيرا حتى هذه الأيام التي نعيشها.

ونحن عندما نقول أمة عربية، لا نتخاصم مع مفهوم الأمة الإسلامية، فالأولى تتجاور بالبقعة وتشكل من أطياف عرقية ومذهبية، لكنها تصلح للانطلاق بمشروعها النهضوي بصورة أكثر عملياتية من المناداة بالعمل، على الثانية التي تشكل عمقا كبيرا للأولى وتشكل عضدا استراتيجيا لها، إضافة الى أن الثانية قد تخضع لعوامل لا يكون فيها المسلمون يشكلون الأغلبية في جميع الأحوال..

وأهمية القول هنا تنبع من تلاقي المشروعين النهضويين الإسلامي والعربي في كثير من النقاط، كما أن الأهمية تظهر للعيان، لما يطرح من مشاريع عدوانية قصدت منذ البدء الانفراد في الأمة العربية (جغرافيا وسياسيا) لكي تؤثر على مشروع حمل الرسالة، فمنذ مؤتمر مدريد المشئوم والذي قصد به تفكيك التكتل العربي الرسمي (وإن كان مهلهلا أصلا) لتتبعه بمشروعات مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير لزج الكيان الصهيوني فيه، كمكمل للنوايا التي جعلت به الأقطار العربية (فرادى) في المفاوضات الكئيبة مع الكيان الصهيوني..

لقد تم استغلال ظروف قاسية مرت بها الأمة العربية خلال العقدين الماضيين ورافقها اختلال التوازن العالمي، حتى غدا الرأي الرسمي العربي يجاهر بالتقرب للغرب بشكل سافر ويرضخ لتطلعاته دون ثمن يذكر، تحت مسمى الواقعية، مستعينا بالاستناد للحالة المضطربة التي مرت بها الأمة العربية، ومفسرا تلك الحالة حسب أهوائه أو حسب أهواء الأعداء وما يلتقي معهم في خدمة مشروعهم الخطير.

لقد ظهرت نتائج تلك الهجمات بشكل سافر، عندما قامت طلائع الليبراليين بضخ مثقفيها لقنوات التلفاز لتسفه المناداة بالمشروع النهضوي العربي، قاصدة من ذلك إزاحة وإبعاد النفس القومي عن الحديث الذي أصاب المريدين له الإحباط تلو الإحباط خلال العقدين الماضيين، ومستغلة معاونة أصحاب الفكر الإسلامي الذين لا يفتئون من تصغير فكرة المشروع النهضوي الوحدوي العربي.

وبالمقابل تجند الأبواق لتتهم أصحاب المشروع الإسلامي بالإرهاب، وفق عمل مؤسسي إعلامي صهيوإمبريالي، وقد نجحت الى حد كبير في عمل ذلك الشرخ بين الفصيلين الأكثر خطورة على مشروعهما..فكانت وقائع العدوان على الأمتين متزامنة معا .. فمن حملات تسفيه المشروع الوحدوي العربي، لحملات الهجوم على الرسول الكريم، لفرق التنصير التي جابت أنحاء بلاد المسلمين كافة.

لذا ونحن نطرح مثل هذا الموضوع، ونحن ندرك مديات صعوبة تقبل مثل هذا الكلام، نود أولا أن ندرب أنفسنا على التفكير بشكل يقبل الآخر الذي يلتقي معنا في تحليل ما آلت إليه أوضاع الأمة .. فإن كانت وحوش الغابة تتوحد في إجراءاتها باتقاء الزلازل والحرائق، وتؤجل عدوانيتها لبعضها البعض .. فما بالنا لا نلتقي ونؤجل عداواتنا، خصوصا وأننا في مرحلة حرجة يفصل بين هزيمة المشروع الإمبريالي الصهيوني ومشروعنا النهضوي خيط رفيع!

يتبع

ابن حوران 09-12-2006 06:01 AM

الوحدة : نحو تعريف أبسط !

قد يستغرب القراء طرح عنوان كهذا، بعد أن امتلأت صفحات الكتب والمجلات والجرائد عن هذا الموضوع .. وقد يكون هو نفس السبب الذي دفعني لكتابة عنوان فرعي كهذا.. فقد تم تشويش المواطن العربي بما كتب عن الوحدة أكثر مما وضعه أمام تعريف واضح يجعله يتعامل مع هذا المصطلح بتعاطف وانجذاب نحو السير بما يجعل الوحدة مطلب لكل من يستمع أو يقرأ أو يراقب نشاطا يصب في هذا المسار ..

فمنهم من قال أنها وحدة قومية تضم عرقا اسمه (العرب) ومنهم من قال أنها وحدة وطن اسمه (الوطن العربي)، ومنهم من قال أنها وحدة (روحية) قوامها المؤمنون بتراث الأمة ودينها ولغتها، ومنهم من قال أنها وحدة (نضالية) تصبو الى رفعة البلاد ومواطنيها!، ومنهم من قال أنها وحدة (كونفدرالية) أو فدرالية أو تضامنية أو الخ ليدخل في منهاج وشكل الوحدة ضمن تعريفه وحديثه.

ولو وقفنا عند كل صفة ربطت بالوحدة بما قيل، وتقمصنا دور طرف لا يتفق مع تلك الصفة الملصقة بالوحدة، لرأينا أن هذا الطرف أو ذاك معه الحق في رفض هذا المشروع أو العنوان لأنه ببساطة لا يعنيه، فالكردي لا يعنيه قوة العرب ليسهم في زيادة قوتهم، والأمازيغي لا يحب طمس هويته الخصوصية العرقية تحت عنوان لم يكن من اختياره، والنصراني لا يحب ربط الوحدة العربية بالدين الإسلامي وهكذا، كما أن المنعمين من الوضع القطري لا يحبون بل ويعادون مصطلح الوحدة النضالية التي ترتبط بمنهج يعيد توزيع الثروات ويقلل من هيبة سيادتهم المحصورة في نطاق أضيق ويتكئ على العلاقات الدولية التي ستنتهي الى كونها كخصم في مفهوم الوحدة النضالية ..

لقد تشظى مفهوم الوحدة عند تلك التعريفات الملتصقة بصفات أثارت نوازع رفضها، حتى بات من يحاول طرح موضوع الوحدة، يحس بحرج واستحياء في طرحه، وإن طرحه فإنه سيتوقع من طرحه أن يذهب أدراج الرياح، خصوصا في هذا الوقت الذي باتت القطرية (الحالية) مطلبا غير مضمون صيانته.

إن كان سكان الوطن العربي الآن يزيدون عن 315 مليونا، وإن كان الناطقون بالعربية 422 مليونا، فهذا وحده لا يجعل هؤلاء يندفعون نحو التوحد لاشتراكهم باللغة، فالرصف العمودي يختلف عن الرصف الأفقي في مسائل كهذه، حيث أن محصلة الراغبين بالوحدة قد تتساوى أو حتى تقل عن أولئك الذين لا يرغبون بها لاعتبارات شتى.

لو عدنا لموضوع تعريف الوحدة، وعلى الطريقة (المدرسية) أو التعليمية، فإنها ببساطة: (إنها اندماج دولتين أو أكثر بدولة واحدة ذات كيان دولي واحد وذات سيادة كاملة) . فتصبح عناصر الدولة الموضوعة بدوائر المعارف، الوطن والشعب والحكومة والسيادة ..هي مجموعة معنوية واحدة ضمت ما سبقها وتخلت عما سبقها من اعتبارات، والأمثلة كثيرة في ألمانيا (بسمارك) وبعد اتحاد الألزاس واللورين وغيرها من المقاطعات التي كونت فرنسا، وغيرها الكثير من الأمثلة وآخرها اليمن ..

ولو أردنا الالتفات لمناقشة الأدبية التي كتبت في موضوع الوحدة العربية، سنجدها مسألة فكرية سياسية حاولت ربط الواقع كمشهد بائس سياسيا واقتصاديا و معنويا، بمستقبل يتجاوز هذا البؤس و يعيد الشعور بالانتماء بشكل يسمو فوق حالة انعدام الوزن التي يحس بها أبناء الوطن العربي. سنجد حينها عوامل اتفق عليها الكثير من المفكرين جعلوها مبررات لتوحد الأمة، وهي الروابط القومية كاللغة والتاريخ والتراث المشترك والأدب والصلات الحضارية والعوامل العرقية ووحدة الأرض وترابط أجزاء الوطن، أي مجموع العوامل التي تكوِن الروابط الروحية التي تربط الأمة العربية. يضاف إليها المصالح المشتركة المادية (الاقتصادية) والصراع مع الاستعمار والصهيونية، وهذه العوامل تخلق وحدة الشعور بين أبناء الأمة العربية.

لكن هل وحدة الشعور هي الوحدة؟ إن ذلك لا يتفق مع التعريف الذي أوردناه، فوحدة الشعور تتعلق بالحالة النفسية والفكرية للشعب العربي، والوحدة أمر يتعلق بكيان الدولة، ووحدة الشعور عامل أو أرضية يدفع باتجاه التفكير الإجرائي، في حين الوحدة هي إجراء عملي يقع في وقت محدد يحدث بسببه تغيير في كيان الدولة وزوال أجزائها، وهو بدوره يعيد تغذية الشعور بالوحدة لصيانتها من التشرذم من جديد.

لكن ونحن نتحدث عن وحدة الشعور، لا بد من الحديث عن وحدة النضال من أجل الوحدة، فالتعبير عن مشاعر الغضب في المظاهرات ينبئ بوحدة أبناء المغرب العربي مع أبناء المشرق العربي من حيث مشاعرهم في الاستياء مما يحيط بالأمة من أعمال تستهدف تخريبها و الاستمرار بإنهاكها، وهذا قابل لأن يتحول لإجراء نضالي، إذا ما عرفنا أن محركات مخازن الرأي العام تتمثل بالمنظمات الجماهيرية النقابية والحزبية وغيرها، فكلما تطورت وحدة التنسيق بين تلك المنظمات كلما تطور النضال من أجل الوحدة ..

ولكن الذين يخشون تصاعد هذا النمط من النضال، يقولون أن هناك جامعة عربية تقوم بهذا الدور ولها ميثاق عمل وفيها من المؤسسات والأجهزة ما يشمل التوحد الثقافي والاقتصادي وحتى السياسي، ولسنا بحاجة للتفكه من هذا القول، فعمل الجامعة أشبه بسير السلحفاة التي تتسابق مع صاروخ ..

يتبع

ابن حوران 15-12-2006 06:48 PM

الوحدة : نحو تعريف أبسط !

الخلط و الأفكار الوحدوية

اتخذت شرائح واسعة من المثقفين مواقف متذبذبة من موضوع الوحدة، وكان للخلط الثقافي الذي اجتاح المنطقة خلال ما يزيد على القرن، الأثر الأكبر، وبالذات تلك الأفكار المتعلقة بالشيوعية والاشتراكية، فكانت ردود الفعل تتفاوت بين محارب لها من باب وحدة النضال العالمي (حسب رأي الشيوعيين) ومنها ما يتعلق بوحدة نضال المسلمين (حسب رأي الإسلاميين) .. كما استغل ردود الفعل تلك جهات لا تفكر بالوحدة لا القومية ولا الإسلامية ولا الأممية ..

وعلينا هنا أن نحاول تسليط الضوء على اللبس الثقافي في موضوع الوحدة من خلال ربطها بمجموعة من المفاهيم التي ألصقت بها من باب الظن الحسن أو الظن السيئ، وسواء كانت حقيقية أو من باب الافتراء ..

أولا: هل الوحدة مشروطة بالاشتراكية ؟

حسب التعريف المبسط الذي أوردناه، لن تكون الوحدة مشروطة بالاشتراكية وليست ضدها ـ بطبيعة الحال ـ فتطبيق النظام الرأسمالي أو الاشتراكي شيء والوحدة شيء آخر. فالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرهما الكثير من دول العالم ذات النظام الرأسمالي وموَحدة و تحافظ على وحدتها، كذلك هناك دول ذات نظم اشتراكية تحافظ على وحدة بلادها كالصين والاتحاد السوفييتي (سابقا) ويوغسلافيا وغيرها .. فلا علاقة للوحدة بطبيعة النظام.

ثانيا: هل الوحدة مشروطة بالديمقراطية ؟

يظن البعض أن الوحدة تأتي مع وضع ديمقراطي ويتذكرون توجه الفرنسيين والأمريكان نتيجة نمو الشعور الديمقراطي بعد كتابات مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسو وغيرهم التي تزامنت مع وحدة فرنسا وتحقق الثورة الفرنسية. ولكن ليس هناك علاقة بين طبيعة النظام ديمقراطيا كان أم ديكتاتوريا، فلا علاقة لذلك مع موضوع الوحدة، ألم يوصف النظام السوفييتي والصيني وغيره من الأنظمة على أنها نظم شمولية ( ديكتاتورية) .. وكانت وحدة بلادها قائمة؟

ثالثا: هل الوحدة مشروطة بشكل النظام ملكي أم جمهوري؟

كما ناقشنا الثنائيات السابقة يمكن أن نناقش تلك المسألة، فليس هناك علاقة بين شكل الحكم وموضوع الوحدة، فماليزيا وبريطانيا و غيرها نظم ملكية اتحادية، كما أن هناك الكثير من جمهوريات العالم تصون وحدتها .

رابعا: الديانة والمذهب

إن التوجه للوحدة أو صيانة الوحدة ليس له علاقة بالدين أو المذهب، ففي الهند هناك ما يزيد على المائة ديانة ومع ذلك يحرص أبناء تلك الديانات على صيانة وحدة بلادهم، وهذا الكلام يقال عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكثير من دول العالم المتحدة ..

خامسا: القومية واللغة

ليس هناك دولة في العالم تخلو من تعدد القوميات، وتتعدد بها اللغات أو اللهجات، وتكاد منطقتنا العربية تكون أقل اختلافا من الهند أو الولايات المتحدة أو جنوب إفريقيا أو إيران أو أفغانستان، ومع ذلك فإن التوجه نحو الوحدة عند أبناء أمتنا يصطدم باعتراضات متعددة يلتقي فعلها مع أصداء مَطالِب استعمارية مشبوهة.

سادسا: هل الوحدة مشروطة بالتقدمية أو الرجعية

لا تختلف محاكمة تلك النقطة عن سابقاتها.. ونحن إذ نناقش تلك المسألة لا يعني أننا ليس معنيين بموضوع الديمقراطية أو شكل النظام أو نمط الحكم، لكننا نحاول الإشارة لمطلب الوحدة كونه مطلب يمكن تكييفه مع مختلف أصناف المثقفين واعتقاداتهم الفكرية، كمطلب قد يتفقون عليه جميعا. ونحن إذ نضع تلك النقاط بشكلها المختصر بشدة، إنما نرغب في تليين نقاط الخلاف التي دأب على إثارتها أبناء الأمة طوال قرن كامل، وحين يوضع مطلب الوحدة أمامهم فإن ليس هناك من يقول منهم أنه ضد الوحدة.

استنتاجات:

1 ـ يجب على كل المثقفين دعم أي توجه وحدوي يقود الى وحدة دولتين أو أكثر من البلدان العربية دون تردد .. فإن قيل لنا ما رأيك بوحدة تونس مع ليبيا؟ علينا الإجابة بالقبول فورا والتأييد وإشاعة الأجواء المساندة لمثل ذلك التوجه.

2ـ يجب على كل المثقفين الابتعاد عن إثارة ما يخص الخلاف داخل القطر الواحد من شأنه أن يعمق فكرة الانفصال، كموضوع الصحراء الغربية، حيث لن يكون من المفرح أن تزداد أعداد دولنا عما هي عليه ونحن نسعى لتصليب التوجه نحو الوحدة.. وهذا يقال عن جمهورية الصومال وجمهورية أرض الصومال أو ما يجري حاليا من دعوات مشبوهة لتقسيم العراق، أو دس الأنف بما يجري بين الفصائل اللبنانية أو الفلسطينية بقصد تقوية طرف ضد آخر.

3ـ عدم الاستهتار وتسفيه أي توجه أو أسلوب من شأنه لم الشمل وتصعيد التوجه نحو الوحدة، كالغمز بدور الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي، أو اتحادات النقابات المهنية كاتحاد المحامين العرب والأطباء العرب وغيرها من الأشكال السائدة .. بل دفع تلك الأشكال الوحدوية المتواضعة لتصعيد أدائها في التوجه نحو خدمة الهدف الوحدوي الأسمى.

يتبع

ابن حوران 24-01-2007 09:36 AM

تجارب وحدوية عالمية ..

نشأت في القرون الثلاثة الماضية تجارب وحدوية في العالم، لو نظرنا إليها ببساطة شديدة، ودون إمعان، لرأينا أن تلك التجارب تتدنى في شروطها الوحدوية عن حال التجربة التي طالما حلمنا بها عربيا ..

التجربة البريطانية و الفرنسية :

كانت بريطانيا في عصور ما قبل التاريخ مأهولة بالسكان (الكلتيين) وهم شعوب جرمانية جنوبية ظهرت في الألف الثاني قبل الميلاد في جنوب شرق ألمانيا، ثم نزحت على مراحل نحو الغرب فوصلت الى غرب فرنسا وبريطانيا وايرلندا. وفي القرن الأول قبل الميلاد احتل الرومان القسم الجنوبي من المملكة المتحدة، أي حوض لندن، وأقاموا حوله سورا واستمروا في حكم البلاد لعام 407م عندما طردهم الإنجليز والساكسون، وهجروا القبائل (الكلتية) لتستقر في أطراف بريطانيا .. (ايرلندا) .. وأقاموا دولتهم الأنجلوساكسونية.. في جنوب انجلترا ..

أصبحت تلك الدولة قوية بعد أن اعتلى عرشها (الفريد الكبير 871ـ899) كما غدت بعد اعتناقها المسيحية في نهاية القرن العاشر الميلادي من أكثر الدول المبشرة بالمسيحية والتي أمدت الحروب الصليبية فيما بعد بالجند والإمكانيات.

أما شكل تلك الدولة فقد كان يتأرجح بين الانكماش والتوسع فتارة تحتل فرنسا ثم تخوض مع الفرنسيين حرب المائة عام (بين 1337ـ 1453) وأحيانا تخوض حروبا على صعيد الطائفة الدينية (بين البروتستانت و الكاثوليك) حيث ما أن يقتنع أحد ملوكها مذهبا ويخوض من أجله الحرب، إلا وأن يظهر معارضون له .. وأحيانا تستنصر أحد ملوك الجوار كملك هولندا (غاليوم) لتعطيه الحكم وتتوحد معه في سبيل نصرة مذهب ضد آخر، وهكذا.

إلا أن شكل الصراع أخذ بعدا مختلفا بعد الثورة الصناعية التي كان أول ظهور لها في بريطانيا، فأصبح الصراع بين الإقطاع و البرجوازية التي نشأت على هامش الثورة الصناعية والحركة الاستعمارية البريطانية. في حين تراجع الخلاف المذهبي ليتنحى جانبا ويعاود الظهور بين حين وآخر..

لقد كانت مملكة اسكتلندا (مساحتها 78.773كم2 وسكانها 6ملايين الآن) وويلز ( مساحتها 20.763كم2 وسكانها الآن3ملايين) وايرلندا التي اقتطع منها الجزء الذي هو الآن تحت حكم التاج البريطاني وسكانه حوالي مليوني نسمة ومساحته 14.121كم2 .. كانت تلك المقاطعات المتحدة مع (إنجلترا 130.367كم2 وسكان حوالي 50مليون) .. يحكمها ملوك أو ملكات تربطهم ببعض صلة القرابة فإما ابن أو ابنة أو صهر ولكنهم في النهاية توحدوا عندما رأوا نجاحا في وحدة جيوشهم وأساطيلهم الاستعمارية .. والتي كانت تحقق لهم الربح الوفير، تمشيا مع القاعدة القائلة (الرابحون يتوحدون والخاسرون يتشرذمون) ..

أما التجربة الفرنسية : يرجع تاريخ فرنسا أو (غاليا) كما كانت تسمى سابقا (La Gaule) الى الألف الأولى قبل الميلاد، حيث استقرت بها قبائل (هالشتات) النمساوية.. واستمرت بحضارتها الى القرن الأول قبل الميلاد، ثم احتل الرومان بلاد (الغال ـ فرنسا) ولكن لم تخضع خضوعا كاملا إلا عام 58ق م في عهد (يوليوس قيصر) وقسم البلاد الى أربعة أقاليم (نربونة، وأكيتان، وليون و بلجيكا) .. وتنصرت فرنسا في القرن الثاني الميلادي، ثم انتشرت الديانة المسيحية في كامل البلاد في القرن الرابع..

في بداية القرن الخامس تعرضت فرنسا لهجوم قبائل البرابرة( الوندال، والفيزيقوط والبورغوند والفرنجة وهم من أصل جرماني) وقد استطاع القائد الفرنجي (كلوفيس) من توحيد بلاد (غالية) عام 481م والتي أصبح اسمها منذ ذلك التاريخ بلاد (الإفرنجة) أو (فرنسا) .. وبعد موت (كلوفيس) انقسمت البلاد الى ثلاث دول، ولم تتوحد إلا على يد (شارل مارتيل) الذي اشتهر كبطل قومي بعد معركة (بلاط الشهداء) مع العرب عام 732م. ثم عادت فانقسمت مرة أخرى لتتوحد بتدخل البابا في تنصيب (شارلمان) عام 800على الغرب كاملا بما فيه (بافاريا) و(الساكس) .. لكنه خسر حربا أمام العرب في معركة (رونسفو) فتقلصت على إثرها مساحة نفوذ أبناءه، فقد خسروا أمام النورمان الذين احتلوا المنطقة التي تعرف اليوم باسم (النورماندي) ..

وكان القرن الرابع عشر الميلادي مليئا بالاضطرابات والحروب، حيث استمرت حروب (المائة عام) مع بريطانيا.. ولم يثبت شكل فرنسا ووحدتها إلا في عام 1871 في فترة الجمهورية (الثالثة) عندما تم ضم (الألزاس) و (اللورين) بعد الاتفاق مع ألمانيا ..

وكانت جهود الوحدة تأخذ طابعا دمويا نتيجة الحروب المستمرة، إضافة لجهود المفكرين والأدباء والفنانين التي كانت تصب في نفس الاتجاه. كما أن الحالة الاستعمارية لنشاط قوى رأس المال كان وراء توحد المشاعر الفرنسية التي كانت منشغلة باستمرار في حروب خارجية في مستعمراتها، مع منافسيها الكبار.


المراجع :

1ـ الموسوعة السياسية / الجزء الأول والجزء الرابع.
2ـ الوحدة العربية/ المشكلات والعوائق/ناجي علوش/منشورات المجلس القومي للثقافة العربية/الرباط/المغرب ط1/1991

ابن حوران 15-04-2007 04:02 PM

تجارب وحدوية أخرى :

لن نتوسع كثيرا في تجارب الوحدة في العالم، فإن كانتا تجربتا بريطانيا وفرنسا نموذجين صالحين لنمو فكرة الوحدة بقيادة القوى الرأسمالية، التي كانت تتنافس في مستعمراتها في العالم، وإن كانت شعوب تلك الدول التي نشدت الوحدة قد وقفت وراءها برضا أو بالقوة التي كانت لصالح القوى الرأسمالية الحاكمة، والتي تخلصت من تفرد الملك وصنعت أشكالا من الحكم تضمن للملك أن يبقى على عرشه باستمرار وهدوء وشعور بالفخر بدولته القوية .. وضمنت بنفس الوقت مصالح القوى الرأسمالية التي كان لها دور إمبريالي في نفس الوقت .. ولم يكن هذا الوضع يتنافى مع ما يرنو إليه عموم أبناء شعوب تلك الدول التي كانت مصالحهم تتناغم مع مصالح الدولة .. فالوحدة كان لها وظيفة إضافة الى كونها ضرورة ..

هذا النموذج كان في معظم دول أوروبا الغربية، والولايات المتحدة فيما بعد، وقد نفرد ملفا خاصا يفصل الحالات بشكل أكبر في عشرة دول كبرى نختارها للحديث عنها فيما بعد ..

ولكن لربط موضوعنا الأصلي (الوحدة العربية) سنمر على نموذجين حديثين في وحدتهما، ومختلفين عن النموذج السابق التي كانت القيادة في تحقيقه للقوى الإمبريالية، فسنختار نموذج وحدة الهند الذي قادته القوى البرجوازية الوطنية، ونختار نموذج الصين الذي انفجر من وضع شعبي للتخلص من الاستعمار، لنضع مقاربات حول النموذج الذي سنتحدث عنه في منطقتنا العربية ..

نموذج الهند :

الهند (جغرافياً وتاريخياً)


الهند، شبه قارة، تبلغ مساحتها 3.287.590كم2 وسكانها حوالي مليار. تعود الأصول الحضارية التي تم التعرف عليها من خلال علماء الآثار الى الألف الثالث قبل الميلاد من خلال آثار وجدت في مدن (موهنجو ـ دارو) في السند، و(هاربا) في البنجاب، والمدينتان اليوم في (باكستان).

في حوالي عام 1500 ق م جاءت قبائل ( هندية ـ آرية) من جنوب روسيا الحالية، وسكنت الهند وكانت مميزة عن الشعوب التي كانت تسكن الهند، بلون بشرتها ولغتها وتنظيمها الاجتماعي، وتقدمها من حيث استعمال الأدوات الزراعية والصناعية، وتمكنت من الاستئثار ببعض أجزاء الهند الشمالية، ومن فرض معتقداتها الدينية التي أصبحت ـ فيما بعد ـ أساسا للديانة الهندوسية.

وفي القرن الرابع قبل الميلاد، نمت حركتان دينيتان كبيرتان، هما: البوذية، والجاينية.. وفي القرن نفسه غزا الفرس الجزء الشمالي الغربي من الهند، وبعد قرن من الزمان أخضع الاسكندر الكبير تلك المناطق لسيطرته..

أما أول إمبراطورية هندية خالصة، فكانت تدعى (موريا) وقد تأسست عام 324 ق م .. وأشهر ملوكها (أسوكا) الذي حكم بين (274ـ 232 ق م) واعتنق البوذية ونذر حياته في التبشير لها وإقامة المعابد والمغاور للنساك، حيث وجد الكثير من الكتابات على الصخور داخل الكهوف ..

بعد نحو خمسمائة عام أي بين أعوام (320ـ 500م) قامت إمبراطورية قوية في شمال الهند، هي إمبراطورية (غوبتا)، ويعتبر المؤرخون عصرها هو أبهى عصور الهند وأكثرها إبداعا في مجالات النهضة الأدبية والعلمية والفنية والفلسفية ..

وبعد اندثار تلك الإمبراطورية، تفتت الهند الى ممالك صغيرة وكثيرة، تصارع ملوكها فيما بينهم، فمهدت لدخول الفتوحات العربية الإسلامية. وأنشأ الأتراك مملكة لهم في (دلهي) عام 1206م.. وترسخ نفوذ المسلمين، ثم دخل المغول الذين اعتنقوا الإسلام فيما بعد وأنشئوا إمبراطورية إسلامية كبرى عام1526

أما العهود الأوروبية في التدخل، فقد بدأت منذ وصول (فاسكو دي غاما) عام 1498 الى الهند، فأخذ الأوروبيون يؤسسون لمراكز تجارية لهم هناك، وأخذت الصراعات في أوروبا تنعكس على مناطق نفوذ الرأسماليين الإمبرياليين في الخارج، فأسس الإنجليز (شركة الهند الشرقية) وحذا الفرنسيون حذوهم، فأحس الهنود بتغلغل النفوذ البريطاني، فثاروا عدة ثورات أشهرها ثورة عام 1857، التي قمعها الإنجليز بقوة السلاح، وعينوا حاكما عاما للهند عام 1858 واستمر دور الحاكم حتى نالت الهند استقلالها عام 1947.

العروق والقوميات في الهند :

حدد أحد الباحثين العروق التي ينتمي لها سكان الهند بسبعة عروق هي:
1ـ (التركي ـ الإيراني)
2ـ ( الهندي ـ الآري)
3ـ (السكايثو ـ الرافيديان)
4ـ الهندستاني
5ـ ( المنغولي ـ الرافيدي)
6ـ نمط الهملايا الممنغل
7ـ الدرافيدي *1

وهناك 179 لغة، تنتمي الى 5 أصول منفصلة، و 544 لهجة محلية، ولكن اللغات الرسمية للمخاطبة هي ثلاثة ( هندي و أوردو و الإنجليزي) ..
أما الديانات فيقال أن في الهند أكثر من 100 ديانة، لكن تم التعارف على ذكر الهندوسية لتضم الكثير من الديانات الفرعية، وقد كانت الديانات في الهند تتوزع حسب النسب التالية :
عام 1882 هندوس: 74% مسلمون20% سيخ أقل من 1% وكذلك المسيحيين
عام 1982 هندوس 83% مسلمون11% سيخ2% مسيحيون3%

نظرة حول وحدة الهند

هناك من ينظر الى الوحدة الهندية رغم تعدد الأديان والأعراق، بأن وحدة التاريخ التي صهرت النمط الحضاري لكل الأعراق ليعطي في النهاية شخصية هندية واحدة. وهناك من يعتقد أن الاستعمار البريطاني هو من وحد الهنود، عندما اتحدت كل جهودهم في تشكيل عقائدي واحد (حزب المؤتمر الوطني) حيث ضم كل الأطياف، ووضع هدفه الأول التخلص من الاستعمار .. فحقق ذلك ..ولكن عندما تحقق الاستقلال انصرف الناس الى التفكير بغير ذلك، فتشكلت دولة باكستان والتي تشكل منها فيما بعد دولة أخرى انشقت عنها هي (باكستان الشرقية) أو بنغلاديش ..

لقد تحققت وحدة الهند دون عائلة مالكة كما في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ودون قيادة الفكر الإمبريالي، بل تحققت بتحالف القوى بمختلف قدراتها الاقتصادية واختلافها الأيديولوجي.


هامش
ــــ
الوحدة العربية/ المشكلات والعوائق/ناجي علوش/منشورات المجلس القومي للثقافة العربية/الرباط/المغرب ط1/1991/ ص 22

ابن حوران 29-04-2007 04:53 PM

نموذج الصين

جغرافيا وتاريخ

تقع جمهورية الصين الشعبية في الجزء الشرقي من قارة آسيا تشترك الصين في حدودها مع 14 دولة : أفغانستان، بوتان، ميانمار، الهند، كازاخستان، قرغيزستان، لاوس، منغوليا، نيبال، كوريا الشمالية، باكستان، روسيا، طاجاكستان و فيتنام. وتعتبر ثالث دولة في العالم من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحتها 9.6 مليون كيلومتر مربع، وطول حدودها البرية مع دول الجوار 22.800 كم .. وسواحلها 18ألف كم .. ويتبع لها 5400 جزيرة، والبعد بين طرفيها الشمالي والجنوبي حوالي 5000كم وكذلك هو البعد بين طرفيها الشرقي والغربي تقريبا.. وسكانها يشكلون خمس سكان العالم حوالي 1.3 مليار نسمة.

والديانات الموجودة في الصين: البوذية (13ألف معبد) الطاوية (1600 معبد) البروتستانتية المسيحية (12ألف كنيسة) الكاثوليك (4600 كنيسة وقاعة) المسلمون (30ألف مسجد) .. حيث هناك عشر قوميات تدين بالإسلام وهي: هوي والويغور والقازاق والقرغيز والتتار والأوزبك والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وباوآن. وتدين قومية التبت ومنغوليا ولوبا ومنبا وتو ويويقو بالبوذية التبتية (تدعى أيضا اللامية). وتدين قومية داي وبولانغ ودآنغ ببوذية هينايانا (المركبة الصغيرة). ومعظم أبناء قومية مياو وياو ويي يدينون بالكاثوليكية والبروتستانتية. وبعض الهانيين يدينون بالبوذية وبعضهم الآخر بالبروتستانتية والكاثوليكية والطاوية.

نشأة الصين:

لم تتفق الآراء بشكل نهائي حول العصر الذي ظهرت فيه الدلائل الأولى للحضارة الصينية. فبعضها ترجعها الى الألف العاشرة قبل الميلاد، وبعضها الى الألف الخامسة.. ولكن كل الآراء تتفق على أن الحضارة الصينية موغلة في القدم، وكل الآراء تتفق على أن الحضارة الصينية جاءت نتيجة ثلاث ثقافات متكاملة، هي : (يانغ شاو) ومركزها هينان، و (لونغ شان) ومركزها شان دونغ، و (سياو تون) ومركزها هينان أيضا.. ويسبق هذه الحضارات حضارة البرونز.

ويرجع المؤرخون وجود أول أسرة حكمت الصين الى أواخر هذه الحضارة، أي بين 2200و 1800 ق م .. وهي أسرة (كسيا Xia) التي أسسها البطل الخرافي (يو Yu) .. وتوالت الأسر على الحكم، ولن نطيل في سرد تواريخها، لكننا سنؤشر على فترات التفكك والتشرذم وما تبعها من جهود وحدوية وحدت البلاد التي تمزقت ثلاث مرات كانت الممالك الصغيرة فيها بالمئات أحيانا..

الوحدة الأولى :

في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد بدأ حكام مملكة (تسين) بضم الممالك المجاورة لهم الى مملكتهم، وقد أدى ذلك بالنهاية الى احتلال كامل الأراضي الصينية من منغوليا ومنشوريا في الشمال، الى المناطق الجبلية الموجودة في جنوب (اليانغ سي) أي النهر الأزرق، وقد تمكن الإمبراطور (تسين شي) الذي بنا سور الصين العظيم والذي حمل اسمه وسميت البلاد بعد ذلك باسمه، من القضاء على ممالك الهان و فاي و تشاو و تشو .. وكان بناءه للسور لصد هجمات المعتدين .. وقد اتسعت البلاد في عهده لتشمل إضافة الى الصين الحالية فيتنام ولاوس وكوريا وغيرها ..

بعد سقوط عائلة هذا الإمبراطور عادت الصين وتقسمت من جديد الى ثلاث ممالك : المنطقة الوسطى للنهر الأصفر وهي مهد معظم منابع الحضارة الصينية ومنطقة النهر الأصفر .. وأسماء المملكات الثلاث هي: (واي) وعاصمتها (ليويانغ) و مملكة (شو) وعاصمتها (شانغ تو) ومملكة (فو) وتشمل معظم جنوب الصين و عاصمتها (فوت شانغ) ..

الوحدة الثانية:

لم تبق دول الصين الثلاث كما هي بل بدأت بالشرذمة من جديد في القرن الثالث الميلادي، وبقيت أعداد الممالك تتزايد حتى القرن السادس، عندما قامت معارك طاحنة بين الأسر المالكة. فبرز أحد الوزراء واسمه (يانغ جيانغ) فأزاح الملوك الواحد تلو الآخر، وذلك منذ 550م وأنهى وحدة البلاد وإعادة الإمبراطورية الصينية الموحدة في عام 589م .. فازدهرت العلوم والفلسفة وشقت القنوات .. وقد قدر عدد سكان الصين الموحدة عام 750م بخمسين مليون نسمة.*1

الوحدة الصينية الثالثة:

في عام 907م تفتت الصين من جديد، وتقاسمتها خمسة أسر، ولكنها لم تتراجع في اقتصادها كما في المرات السابقة بل ازدهرت صناعة الخزف وتجارته وعرف العالم بذلك العصر (الخزف الصيني) والذي أصبح يختصره الناس ويقولون (صيني) فقط وظهرت الطباعة وغيرها من الفنون..

إلا أنه برزت أسرة تطمح في توحيد الصين من جديد وهي أسرة(سونغSong) والتي استطاعت توحيد الصين من جديد، وحافظت على وحدة البلاد لغاية عام 1124م حيث عادت الى التفتت من جديد وتعرضت البلاد لأشكال من الغزو المغولي و الإسلامي، وغيره ، ثم دخلت تحت الأطماع الغربية بعد أن انفصلت منشوريا وأخذ اليابانيون حصة منها وتراجعت الأسرة الحاكمة، حتى لم يبق تحت حكمها إلا 200ألف نسمة .. واستولى البريطانيون على خمسة موانئ هامة، منها هونغ كونغ وثار المسلمون في مناطق تركستان و يونان وثار الجنوبيون (التايبينغ) الذين استولوا على (نانكين) وجعلوها عاصمة لدولة صغيرة أطلقوا عليها (إمبراطورية الصين الخالدة) وكان ذلك عام 1853

إعلان الجمهورية عام 1911

ازدادت الحروب بين ممالك الصين واليابانيين والفرنسيين والإنجليز والروس والألمان، ولم تتمكن أي حكومة صينية من حسم النزاعات .. فظهرت حركات ثقافية تحرض الناس و تدعو الحكام لمزيد من الفطنة والحذر والالتصاق بالشعب كما قامت حركات ثورية أطلق عليها الغرب اسم (ثورة البوكسير) وهكذا تجمعت القوى الشعبية والبرجوازية الوطنية حول قطب من أقطاب البرجوازية الوطنية وهو (صن يات صن) .. حيث انتخبه ممثلو الأقاليم ليكون رئيسا للصين في أول جمهورية تعلن فيها في شهر أيار/مايو 1911, إلا أنه تنازل بذكاء في فبراير / شباط 1912 للجنرال (يوان شيكاي) الذي استطاع كسب الغرب لصفه..

(شيانغ كاي شيك) والحزب الشيوعي الصيني:

لاحظ أهل الصين أن نفوذ الغرب واليابان قد زاد في عهد الجمهورية، أكثر مما كان قبلها، وأن حكام الأقاليم كما هو رئيس الجمهورية أصبحوا لعب بيد مانحي القروض للصين، فاصطف (صن يات صن) مع أستاذ جامعي في جامعة بكين (شيوعي) وتلقوا دعما في عام 1919 من حكومة الاتحاد السوفييتي التي استلمت الحكم منذ سنتين، فتحرك الطلاب في الجامعات، وتم تأسيس الحزب الشيوعي الصيني عام 1921 والذي تزعمه (شن توهيو) وكان (ماو سي تونغ) طالبا في الجامعة .. إلا أن الاتحاد السوفييتي نصح الشيوعيين الصينيين بأنهم لم يكونوا في وضع يجعلهم يثوروا على الحكم.. تقرب (شيانغ كاي شيك) من صن يات صن في حكومته التي أنشأها في إقليم (كانتون) كما مثل دور حبه للفكر الشيوعي.. حتى استطاع الغرب أن يعتمد عليه في ذلك، فأصبح بموقع المسئول العسكري ل (الكيومتانغ) .. فقام بتطهير التحالف المعارض من الشيوعيين .. توفي (صن يات صن) عام 1925 .. واستلم السلطة في هذه الأثناء (شيانغ كاي شيك) الذي أعلن الغرب دعمه بوضوح، فأحس الحزب الشيوعي باقتراب تصفيته نهائيا..

أدرك (ماو سيتونغ) أن الأخذ بآراء السوفييت سيقضي على بوادر ثورتهم، فقرر منذ عام 1927 بالاعتماد على الفلاحين بثورته، بعكس مقولة الشيوعيين في موسكو (الاعتماد على العمال) .. وبدأ بتنظيمهم وتدريبهم ، وأنشأ جمهورية في جبال (هونان و كيانغ سي) والتحق كل المريدين له فيها، وابتدأ مسيرته الشهيرة عام 1934 ولكن وعورة الطريق و قمع قوات (شيانغ كاي شيك) جعلت أعدادهم تتقلص من 100ألف عنصر الى 20ألف ..

الحرب اليابانية الصينية وإعلان جمهورية الصين الشعبية

استغلت اليابان اضطرابات الصين، فاحتلت منشوريا وتايوان وكثير من المناطق، فاعتقل أحد ضباط (الجيش الأحمر) الذي تأسس عام 1927، اعتقل (شيانغ كاي شيك) فأقنعه (شوان لاي) بأن تتوحد قوى الصين لطرد اليابانيين، في جبهة موحدة عام 1936. ازدادت أعداد الجيش الأحمر حتى وصلت الى 90ألف عام 1937 مدربين بشكل جيد، وانحلت قوات شيانغ كاي شيك، لضعف الانضباط، فاختلت الموازين لصالح الشيوعيين، الذين استفادوا من مسار الحرب العالمية الثانية حيث انكسرت اليابان، فانفصل شيانغ كاي شيك مع ما تبقى من قواته، ليتلقى دعما من الولايات المتحدة، فطالت عملية توحيد الصين الأخيرة الى 1/10/1949، حيث قامت جمهورية الصين الشعبية برئاسة (ماو سي تونغ) ..



هوامش:
*1ـ موسوعة السياسة / أسسها عبد الوهاب الكيالي/ الجزء الثالث/ط2/ 1993/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ صفحة688

ابن حوران 10-05-2007 10:09 AM

وحدة شعب أم وحدة حكومات؟

اطلعنا على نماذج بشكل مختصر من نماذج الوحدة في العالم، وتناولنا النماذج التي يعتقد المثقفون أنها لدول خالصة في عروقها وحضاراتها (بريطانيا، فرنسا، الهند، الصين) ولم نأخذ أي نموذج للوحدة تكون فيه العروق والإثنيات واضحة كما في الولايات المتحدة الأمريكية و أستراليا و جنوب إفريقيا وروسيا الاتحادية.. ووضعنا ذلك ليشكل مقتربات تمهد لمناقشة الموضوع القديم الجديد في حالتنا العربية ..

ومن يتفحص الحالة العربية، ويقارنها بالحالات المذكورة سيجدها تتفوق بشكل واضح من حيث أهليتها لتكون نموذجا قائما، يؤدي دوره الحضاري بشكل متكامل و راسخ .. فإن كانت الحالات التي مررنا عليها، تزامن فيها التوحد الشعبي مع التوحد السياسي سواء بالتجربة البريطانية أو الهندية أو الصينية، فإن التوحد الشعبي في الحالة العربية لم ينقطع على مر العصور، وإن كان التفكك السياسي و تغير شكل ومساحة الدولة في حالة أوج اتساعها قد تغير بشكل مستمر .. فالتراث العربي الثقافي و المعرفي و العلمي يتفشى في كل أنحاء البلدان العربية، ويستعان بكتاب القطر العربي لوضعها في مناهج التدريس في الأقطار العربية الأخرى، ويتم تناول الأدباء والمفكرين القدماء لا بانتسابهم لأقطارهم الحالية بل بانتسابهم للأمة بشكل كامل.. فلا يتوقف الناس عند طرفة ابن العبد على أنه شاعر بحراني بل لأنه شاعر عربي، ولن يتوقفوا عند زهير بن أبي سلمى على أنه شاعر نصراني سعودي بل كونه شاعرا عربيا، وكذلك يقال عن كل من يتكلم عن الشعراء الوثنيين في الجاهلية بغض النظر عن أقطارهم الحالية

كما أن الأدباء والمفكرين الحديثين وحتى المعاصرين منهم والذين على قيد الحياة، يُنظر إليهم على أنهم يكرسون جهدهم للأمة، فعندما يذكر احمد شوقي ذو الأصل التركي، والذي عاش في دولة الخديويين في مصر، لا ينظر إليه بصفته العرقية والقطرية، ولم يُعط لقبه (أمير الشعراء) على شعراء مصر بل شعراء الوطن العربي الذين يكتبوا ويفكروا باللغة العربية، كذلك يقال عن جميل صدقي الزهاوي (الكردي)، فعروبتهم أتت من الأدوات التي فكروا بها وجمهور المخاطبين الذين أرادوا توجيه خطابهم (المنظوم بشكل شعر) لهم ..

كما أن المفكرين السياسيين، في أقطار المغرب العربي، لم ينعزلوا عن واقع أمتهم، فنقدهم وكلامهم يشمل الواقع العام للأمة، كذلك فإنهم يكتبون ويفكرون في أقطارهم ويطبعون ما يكتبون في بيروت والقاهرة والرياض ودمشق، وهذا ما يفعله أخوانهم من الأقطار العربية الأخرى ،عندما يطبعون كتبهم وينشرونها في دور النشر المغاربية ..

بين الأمس واليوم

لو عدنا لبدايات الحديث عن الوحدة العربية، لرأينا أنها ظهرت منذ بداية القرن العشرين، على إثر حملات التتريك وظهور الحركة الطورانية، التي وجهت جل جهدها لنسف الصبغة العربية عن شعوب الولايات العربية التي كانت تحت الحكم العثماني. ثم بدأت تتصاعد في الثلاثينات من القرن الماضي وتم الوصول بصياغة الخطاب القومي العربي بعد ظهور الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.. ماذا حدث من تغيير منذ تلك الفترة الى اليوم؟ أو أي الظروف أكثر ملائمة، تلك التي ظهرت عند إطلاق الدعوة للوحدة العربية في بداية القرن العشرين، أم تلك التي نعيشها في القرن الحادي والعشرين؟

للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نصنع مقاربة بين الشأنين المعنوي والمادي في التاريخين المراد المقارنة بينهما:

أولا: الشأن المعنوي، المتعلق بوحدة الهوية والاعتقاد والتأثير للمحيطين العربي والدولي .. ففيما يتعلق بالشأن المعنوي، كانت الدول العربية، بمجملها ترزح تحت نير الاستعمار، بمختلف صنوفه، فكانت تستمد قوة رفضها للمحتل من خلال التسلح في هويتها الوطنية القطرية، ودينها الإسلامي، دون أن تنسى معالم عروبتها المستهدفة من قبل المحتلين سواء كانوا أتراكا في المشرق في بداية القرن العشرين من خلال حملات (التتريك) أو كانوا فرنسيين الذين حاولوا طمس كل ما يتعلق بعروبة اللسان في الأقطار المغاربية، من خلال التمييز بين البربر والعرب، وإصدار المراسيم ( الظهير البربري) التي تجعل السمة الفرنسية بلغتها وانتماء البلاد هي الطاغية .. فكان البحث عن العروبة في المشرق العربي هو الملاذ الذي كان يتوجه إليه أهل المنطقة من جور جمال السفاح .. في حين كان أهل المغرب ووادي النيل يخوضون معارك التحرير من الاستعمار، فتشابكت العواطف الدينية والقومية، ليردد الناس أشعار الشابي
(إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر)
ورددوا (بلاد العرب أوطاني .. من الشام لبغدان )
.... (ومن نجد الى يمن ... ومن مصر فتطوان
لم ترتق المحاولات الشعبية أو حتى جهود الأدباء والشعراء الى مرتبة أعلى من مرتبة إثارة الهمم الطيبة، لكن هذه الصورة كانت وما تزال تشكل حاضنة لتطوير دعوات الوحدة عند شعوب المنطقة ..

وقد تطور الإنشداد المعنوي في شرائح شعبية وثقافية واسعة في عموم الأقطار العربية، وساهم في ذلك تعرض أجزاء الوطن العربي لجهود متساوية تخرج من نفس البؤرة التي لا تريد لتلك البقعة التقدم والاستقرار .. فوحدت الجهود الخارجية تلك النظرة الشعبية الدافعة والمطالبة بالتوحد، ولا ننسى تطور الإعلام وإيصال ما يجري أولا بأول لكل أبناء الأمة ..

ثانيا: على الصعيد المادي ..

يغض الناس نظرهم عن بعض عيوب غيرهم، عندما تكون حجم، فالجار الذي يقف الجيران معه في محنه وأفراحه، سيغض النظر إذا كسر ابن أحد الجيران زجاج نافذته المصالح المشتركة بينهم كبيرة ، ولا يتسامحون في مسألة عابرة مع غريب، فالتاجر الذي تصل حجم تجارته مع عميله الى آلاف الوحدات النقدية، سيغض النظر عن عجز العميل عن التسديد أو إنكار سلعة بعشرة أو مئة وحدة نقدية، للحفاظ على ديمومة العلاقة فيما بينهما. هذه المسألة هي التي جعلت دولا تلتحم مصالحها الاقتصادية لتفجر طاقات المنتجين في بلادها، وتشيع الرفاه بين شعوبها، وهذه النماذج منتشرة في العالم بشكل كبير، في أوروبا، وجنوب شرق آسيا وأمريكا وغيرها. هذه المسألة دفعت أصحاب رأس المال العربي الى التفكير بأولويات محددة تجعلهم يقتنعون بأحقيتهم بأسواق جيرانهم الأشقاء، وهي مختلفة عن الصور المنتشرة في العالم، والتي لا يربطها إلا الجوار، دون الأخوة أو دون الروابط التي نعتقد ويعتقد حتى خصومنا بأننا نحظى بها دون أن نحسن استثمارها..

قلب الأسد1425 10-05-2007 04:56 PM

أخي العزيز ابن حوران يقال ان هناك مشروع اسلامي بدأ يلوح في الافق وان هذا المشروع قائم على أساس شعبي لا علاقه للحكومات به لا من قريب ولا بعيد ويقال أيضا ان المشروع القومي في أفول في المنطقه ومشروعكم الذي طرحتموه ان كان امتداد لما سبق فانه قائم على حالة التضاد مع المشروع القادم وقد جربه الناس وثبت فشله وان كان جديدا ففي حالة نجاحكم كما تتوقع فكيف ستتعاملون مع المشروع القادم والذي من المعروف انه لا يقبل المشاركه.


قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فان ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله تحياتي اخي الكريم

ابن حوران 12-05-2007 07:22 PM

السلام عليكم ورحمة الله أخي الفاضل قلب الأسد 1425

أرحب بطرحك الحصيف والهادئ .. وسأدخل بتناول ملاحظاتك على الفور:
تفضلتم بالقول : يقال ان هناك مشروع اسلامي بدأ يلوح في الافق وان هذا المشروع قائم على أساس شعبي لا علاقه للحكومات به..
إن هذا المشروع ليس وليد الساعة، بل بدأ منذ العهد الراشدي، وبلغ ذروته أيام الشافعي رضوان الله عليه عندما أطلق مقولته الشهيرة (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا كما صلح أولها) واستمرت مظاهر عدم الرضا ابتداء من سقيفة بني ساعدة الى يومنا هذا .. وهو أمر ليس بالسوء كما يتصور البعض، بل يطلق طاقات العقل و يغذي التنافس في البحث عن طرائق تؤمن رضا الله بالأول وتوفر الأمن والسلام والحياة الكريمة للمواطن .. وهذه المحاور أينما وكيفنا توفرت، توفر معها العدل والقوة والرفعة للدولة بغض النظر عن اسمها وعن حجمها وعن طريقة تداول السلطة فيها، سواء كان الحاكم خليفة أو ملك أو أمير أو رئيس جمهورية ..

لكن من يتفحص التاريخ، لا يقر بأن هناك أزمة عقائدية في الأمة، فالخلافات كانت ذات طابع سياسي بحت، فقد اقتتل الصحابة وقسم منهم مبشر بالجنة، ولم يكن الخلاف بينهم عقائديا، وأنا من الذين لا يحبون نبش الماضي .. فهو ماضي أجدادنا ومردهم الى الله فيحكم بينهم .. فإن ذكرنا عيوب حكمهم عادت مساوئها علينا .. فأمجادهم ورثناها ولا بد أن نرث أخطائهم كذلك، لا لنرميهم بها (حاشا لله) بل لنتجنب الوقوع في مثلها ..

ونحن إذ نتلقى خطابات مثل (الإسلام هو الحل) .. فكأن من يطلقها يعني فيها قوما وثنيين لا يؤمنون بالله .. ولو فتشت بين هؤلاء الدعاة لوجدت الخلاف فيما بين مذاهبهم يفوق الخلاف بيننا وبينهم ..

وهم يأخذون علينا أننا جربنا منهجنا وفشل .. لقد كانوا يراهنوا على فشله قبل إعلان الفشل الرسمي للمشروع (هذا إن فشل) ويحاكمون مشروعا لم يمض عليه سوى عقود قليلة .. وينسون أن قرونا طويلة سبقت حكم القوميين، وكان الفشل السمة العامة لمعظمها، هذا إذا استثنينا القرنين ونصف الأوليات، منذ الحكم الراشدي الى حكم المتوكل العباسي ..

نحن لا ننطلق من نزعة قومية شوفينية عنصرية ونقدمها على الدين، وهذا مفهوم يتعمد أعداءنا أن يلصقونه بنا .. فلا يجوز مقارنة النخيل بطائرة النقل، فالمقارنة تجري بين شيئين متقاربين .. نحن نناقش فكرة تناقل السلطة لأقوام تعيش في بقاع متجاورة تتكلم بلغة مفهومة فيما بينها ويدين الأغلبية الساحقة من مواطنيها بالدين الإسلامي الذي تحتل مفرداته في أدق تفاصيل الحياة بما فيها القوانين ..

أرأيت أخوين مسلمين يعيشان في دار واحدة، ولاحظ أحدهما أن أخاه تجاوز حدوده الأخلاقية تجاه زوجته، أيسكت له بحجة الأخوة في الدين وهو أخ له من أم و أب ؟ هذه حالنا تجاه من حاول إسقاط اعتبارنا كأمة وهذا حالنا في رفض احتلال الأتراك للإسكندرونة، واحتلال إيران لإقليم الأحواز والجزر العربية الثلاث والأطماع المتكررة تجاه العراق .. والتدخل بشؤونه .. أوليست الأرض كالعرض؟
عندما يلجأ الغرب والأعداء لتسمية منطقتنا بإقليم الشرق الأوسط، تجنبا لذكر الوطن العربي والأمة العربية، ولزج أقوام عدوة بيننا و قبولها .. فإن دعوات الأمة الإسلامية تلتقي هي الأخرى مع دعوات الأعداء .. ولو بحسن نية ..

إن هناك أمما إسلامية وليست أمة إسلامية.. فكيف لنا أن نوظف خمس سكان الهند (200 مليون) مسلم في قضايانا و ثلثي سكان نيجيريا والسنغال وأمما أخرى كأهل إندونيسيا و تركيا وإيران وغيرهم، ولهم من القوانين والأهداف والمسارات ما يختلف عنا ؟

دعنا نبحث عن نقاط التقاء توحد أمتنا العربية وتجعل منها أمة واحدة قوية يسودها القانون والعدل، عندها ستجد كل المسلمين يلتفون حولها، فجاذبية القوي أكثر من جاذبية الضعيف.. فكيف لنا نتناسى قوتنا ونحن حملة الرسالة الخالدة، ولسان تلك الرسالة هو لساننا، فإن ضعفت اللغة صعب تفسير القرآن وفهمه، وإن كان ربنا عز وجل قد طمأننا (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) الحجر9 ..

على أي حال فهناك تنسيق قوي بين معظم التيارات السياسية سواء كانت تلك الإسلامية أو القومية أو غيرها .. إن الهند وجنوب إفريقيا لم تتخلص من مشاكلها إلا عندما توحدت كل أحزابها وفصائلها في فصيل واحد هو (المؤتمر الوطني) سواء في الهند أو جنوب إفريقيا ..

أشكرك على هدوءك في الطرح .. وأستميحك عذرا للإطالة في الرد

ابن حوران 18-05-2007 06:59 AM

العروبة والإسلام في دساتير الدول العربية :

كانت النخب التي استلمت الحكم في البلدان العربية تتماشى مع نبض الشارع العربي، وتعكس توجهاته ـ على الأقل في نصوص دساتيرها ـ . والدستور كما هو معروف هو القانون الأعلى أو الوثيقة السياسية الأسمى للدولة، أو الإطار العام الذي ينظم شكل الحكم وسلطاته المختلفة ويحدد حقوق المواطنين أو الجماعات. والدستور الحي والفعال هو الذي يتلاءم مع تقاليد الشعب وتراثه، ويتوافق مع تطلعاته وطموحه وينظم عملية انتقاله الفوري أو التدريجي من مرحلة الى أخرى بغية تطوير المجتمع الذي نعنيه ووفقا للمثل التي يعتنقها ذلك المجتمع ..

وقد تعرفت بلادنا العربية على فكرة الدستور، من خلال الدولة العثمانية عندما وضع أول دستور لها عام 1876م أي بعد مائة عام من أول دستور في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية 1776)*1 والذي تلاه مباشرة الدستور الفرنسي عام 1791.. ومع أن الدستور العثماني لم يعمر طويلا، إلا أنه ترك أثرا في نفوس النخب من الرعايا العرب التابعين للدولة العثمانية، والذين انفكوا عن كونهم رعايا عثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

ويلاحظ المطلعون، أن الدساتير العربية، حتى الستينات من القرن الماضي، كانت من وضع الغربيين، أو متأثرة تأثرا كبيرا بالدساتير الغربية، أما بعد الثورة الجزائرية فإن تغيرا كبيرا قد انتشر في نصوص جميع الدساتير العربية ..

اليوم، كل الدول العربية لها دساتير مكتوبة، عدا المملكة السعودية وسلطنة عمان، اللتين تعتبران القرآن الكريم وأحكام الشريعة الإسلامية دستورا لها، وسنمر باختصار على مسألة النص وما يتعلق بموضوع الانتماء.

ذكر العروبة في دساتير الدول العربية:

أولا: التأكيد على الانتماء الى الأمة العربية..

تختلف صيغ النصوص في الدساتير العربية من حيث شكل انتمائها كدولة أو كشعب أو كأرض للعرب، فأغلبيتها تنص صراحة في دساتيرها على انتماء شعبها وأحيانا شعبها وإقليمها الى الأمة العربية..

فالمادة الأولى من الدستور البحريني تنص على أن شعب البحرين (( جزء من الأمة العربية وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير)) والمادة الأولى من الدستور السوري تعلن أن (( القطر العربي السوري جزء من الوطن العربي)) و (( الشعب في القطر العربي السوري، جزء من الأمة العربية))..

وهناك فئة أخرى من الدول العربية، تكتفي دساتيرها بالنص على الانتماء الى وحدة جغرافية أقل تحديدا أو وضوحا من الأمة.. فالدستور التونسي ينص في توطئته على (تصميم الشعب التونسي) على (( تعلقه .. بانتمائه للأسرة العربية)) والدستور السوداني ينص على أن جمهورية السودان ((جزء من الكيانين العربي والإفريقي)) .. والدستور الجزائري الصادر عام 1963 كان ينص في مادته الثانية على أن الجزائر (( تكون جزءا متكاملا مع المغرب العربي والعالم العربي و إفريقيا)) ومع أن المادة هذه اختفت من دستور عام 1976 فإن المادة السادسة منه تؤكد على أن ( الميثاق الوطني) هو (( المصدر الأيديولوجي والسياسي المعتمد لمؤسسات الحزب والدولة على جميع المستويات)) والميثاق الوطني ينص على أن (( الشعب الجزائري مرتبط بالوطن العربي وهو جزء لا يتجزأ منه ولا ينفصم عنه))

وهناك فئة ثالثة لا تنص في دساتيرها على أي ذكر للانتماء العربي (لأسباب ومبررات متباينة) .. ولبنان والصومال من هذه الدول..

ثانيا: التأكيد على قومية اللغة العربية..

بعد تغيير شكل الحروف من العربية الى اللاتينية في تركيا، وظهور دعوات مختلفة في الأقطار العربية لاعتماد الحروف اللاتينية كشكل من دعوات التغيير أو اعتماد اللهجات المحلية للكتابة... تصدى لتلك الدعوات كثير من المفكرين القوميين العرب، في مختلف أرجاء الوطن العربي، وبالذات أولئك المتأثرين بأسلوب (بسمارك في ألمانيا) باعتماد اللغة ((أساسا)) في دعوات الوحدة العربية ومن هؤلاء: ( محمد حسين هيكل و ساطع الحصري و زكي الأرسوزي وغيرهم) وقد نعود لعرض بعض نشاطات المفكرين العرب في هذا الشأن في زاوية أخرى..

ويذكر المؤرخون أن أول تشديد على استعمال اللغة العربية قد سبق نشاط أولئك المفكرين. فقد ظهرت تلك الدعوة في حزيران/يونيو 1879 في مجلس الشورى في (مصر) عندما تم اعتماد اللغة العربية الفصحى لغة ملزمة للدولة ولأعضاء ومكاتبات مجلس الشورى..

ويمكن اختيار مجموعة من التباينات في مسألة اللغة العربية في الدساتير

1ـ هناك دساتير تسمح باستعمال لغة أخرى الى جانب اللغة العربية في كل البلاد، فالمادة الثالثة من الدستور الموريتاني تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد .. ولكنها تضيف (( واللغتان الرسميتان هما اللغة الفرنسية واللغة العربية)).

2ـ وهناك دساتير تجيز استعمال لغة أخرى في بعض المناطق فقط فالمادة السابعة من الدستور العراقي (قبل الاحتلال الأمريكي البغيض) تنص على ((أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية وتعتبر اللغة الكردية لغة رسمية الى جانب العربية في المنطقة الكردية)).

3ـ وهناك دساتير لا تعارض في استعمال لغات أخرى في بعض المجالس والهيئات. فالمادة العاشرة من الدستور السوداني تعتبر اللغة العربية هي اللغة الرسمية.. ولكن المادة 139 تؤكد على أن مداولات مجلس الشعب وأعمال هيئاته ومكاتباته تكون باللغة العربية إلا ((أنه يجوز استعمال غير العربية بإذن من رئيس المجلس أو من رؤساء اللجان))

4ـ وهناك دساتير تقر بإمكان استعمال لغة أجنبية في بعض الأحوال، فالمادة 11 من الدستور اللبناني تنص على أن (( اللغة العربية هي اللغة الوطنية الرسمية. أما اللغة الفرنسية فتحدد الأحوال التي تستعمل بها بموجب قانون))

5ـ في الأقطار المغاربية (المغرب، الجزائر، تونس) تؤكد الدول الثلاث في تصدير دستورها (المغرب) أو توطئته (تونس) أو مبادئ عامة أولية (الجزائر) على اعتماد اللغة العربية لغة رسمية. ولكن المشكلة هناك ليست في النصوص، بل بأثر طول مدة الاستعمار على تلك الأقطار وتغلغل المصطلحات ومفردات اللغة التي تأتي بشكل طبيعي و عفوي ودون ابتذال، كما أن حجم العلاقات الحالية مع الغرب لا يزال كبيرا (للقرب الجغرافي .. وللمصالح المشتركة) مما يجعل من مسألة اللغة هناك مسألة تختلف عنها في بقية الأقطار العربية ..

يتبع
ـــــــــــــــــ
هوامش:
د محمد المجذوب/ بحث قدمه في 17/1/1981.. ثم عاد فنشره في كتاب صدر عن مؤسسة ناصر للثقافة/ وقد تم الاستعانة به في هذه الزاوية بطبعته الأولى عام 1981
من شبكة الإنترنت في البحث عن (دستور كذا) ..

ابن حوران 24-05-2007 05:17 AM

الإسلام في الدساتير العربية

بعد السكون المؤقت الذي خيم على نشاط أصحاب الخطاب الديني، في الربع الثاني من القرن العشرين، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وإنهاء دولة الخلافة العثمانية على يد (كمال أتاتورك)، واستعار لهيب المقاومة العربية من أجل التحرر والاستقلال من المستعمرين الذين تقاسموا تركة الدولة العثمانية، وبروز تيارات وطنية قومية .. عاود الخطاب الديني للظهور، بعد نكسة حزيران 1967، وما فضح من خلالها العجز الحكومي العربي والذي كانت غالبية حكوماته تتبنى الخطاب القومي.

وكانت النقاشات المنصبة على ضرورة العودة لتبني الخط الإسلامي، لم تتعرض الى معاندة و مخاصمة واضحة المعالم، من أي قوة فكرية أخرى، فالكل يتفق على أن سمو القرآن الكريم (كتاب الله) يتفوق على كل الدساتير المكتوبة، ولكن عاود النقاش بين أنصار اعتماد دساتير مكتوبة وأنصار اعتماد القرآن والشريعة ليلتحم مع النقاش الذي حسمه (مدحت باشا) الذي كان له الفضل في بروز أول دستور مكتوب في المشرق الإسلامي، وعليه فقد حسمت مسألة اعتماد وقبول دستور مكتوب، مع بقاء النقاط المثارة والمهمة في هذا الموضوع:
1ـ هل بإمكان الدولة الإسلامية العصرية أن تجد في القرآن الكريم والشريعة كل ما تحتاج إليه من تشريعات وأنظمة وقواعد لمختلف مجالات الحياة؟
2ـ هل يتنافى وجود الدستور المكتوب مع وجود القرآن الكريم؟
3ـ ألا يمكن اعتبار الدستور المكتوب وثيقة تنظيمية مكملة للتعاليم الدينية؟
4ـ ألا يمكن تضمين الدستور كل المبادئ الروحية والأخلاقية والاجتماعية التي ينص عليها القرآن؟

هذا الجدل الذي استمر طويلا ـ وما زال ـ ترك آثاره في نصوص الدساتير العربية ..

أولا: وصف الدولة لنفسها بأنها إسلامية ..

1ـ هناك عدة دول تضع صفة العروبة باسمها (جمهورية مصر العربية، الجمهورية العربية اليمنية، الجمهورية العربية السورية، اتحاد الإمارات العربية) ودولة واحدة تضع صفة الإسلام باسمها ( الجمهورية الإسلامية الموريتانية) .. ودولة واحدة أخرى هي (المملكة المغربية) تتضمن ديباجة دستورها بأنها دولة إسلامية ..

2ـ هناك دولتان هما البحرين واليمن تضعان صفة الإسلام مقرونة في دستورهما مع انتمائهما العربي ..

3ـ إذا كانت هناك دول عربية تضع في دستورها بأنها جزء من الأمة العربية، فإنه لا توجد دولة عربية واحدة، ينص دستورها على أنها جزء من الأمة الإسلامية ..

ثانيا: النص على أن الإسلام دين الدولة:

• الدستور الموريتاني لا ينص على أن الإسلام دين الدولة، ولكنه يعلن في المادة الثانية على أن الإسلام هو دين الشعب.. والفرق واضح في الصيغتين.
• الدستور اللبناني يخلو من أي نص يشير الى دين الدولة، ولكن لا يعني ذلك اتجاه الدولة للنمط العلماني.. فهو يشير بمواده الأخرى على حماية حقوق الطوائف الدينية، ويجيز لكل طائفة فتح مدارس دينية (المادة العاشرة).
• الدستور السوداني يتبنى صيغة توفيقية، تسترعي الانتباه محاولا إرضاء المسلمين والمسيحيين معا، فالمادة السادسة تقول:
أ ـ في جمهورية السودان الديمقراطية، الدين الإسلام، ويهتدي المجتمع بهدي الإسلام، دين الغالبية وتسعى الدولة للتعبير عن قيمه..
ب ـ والديانة المسيحية في جمهورية السودان الديمقراطية لعدد كبير من المواطنين، ويهتدى بهديها وتسعى الدولة للتعبير عن قيمها ..
ومن خلال هذا الغموض، لا نستطيع الاستنتاج بأن الإسلام هو دين الدولة.

• الدستور السوري يكتفي بتحديد ديانة رئيس الدولة (إن دين رئيس الجمهورية الإسلام) دون التعرض لذكر دين الدولة..

ثالثا: اعتبار الشريعة أو الفقه مصدرا للتشريع :

لقد لاحظنا أن نصوص الدساتير العربية، من خلال الظرف الذي تعيشه النخب الحاكمة والتي تقوم بصياغة الدساتير، والتي تحاول من خلالها التعامل مع الفضاء الذهني الذي تشغله قضية الانتماء القومي والديني وكيفية التعامل معها من خلال صيغ توفيقية تحاول إرضاء الأطياف المختلفة من أبناء كل قطر، وتبقى مسألة الاعتماد على الدين أو الشريعة أو الفقه كمصدر وحيد أو مصدر مساعد في التشريع .. فبعد أن نفضت تلك النخب عن كاهلها مسئولية الانتماء للدين الإسلامي باعتباره دين الدولة، واكتفت بذلك، وهذا حال معظم الدساتير العربية، فإن إشكالية (الحكم بالإسلام أو بما أنزل الله) لا بد من مراعاتها في بعض النصوص ..
فالدستور الكويتي مثلا بمادته الثانية قد وضع نصا يحاول من خلاله حل تلك المسألة ( دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع) أما المادة الثانية من دساتير كل من الجزائر والمغرب والعراق تكتفي على أن (الإسلام دين الدولة) .. وفي الوقت الذي تتفق فيه مجموعة من الدساتير العربية على ذكر الشريعة الإسلامية، يفضل الدستور السوري استعمال (الفقه الإسلامي) .. وينفرد الدستور المصري بذكر (مبادئ الشريعة الإسلامية) .. أما الدستور السوداني فينص (أن الشريعة الإسلامية والعرف مصدران رئيسيان للتشريع، والأحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم).

خلاصة (العروبة والإسلام في الدساتير العربية)

حاولنا إلقاء الضوء على محورين أساسيين في مسألة الوحدة، وهما العامل القومي و العامل الديني، وهما لا يزالان يحتلان قمة جدول قضية التقارب العربي وتوحده، وقد اخترنا الدساتير لأنها صنيعة نخب ثقافية عربية، كانت في المعارضة في عينة من الوقت واستلمت الحكم في عينة أخرى، وهي تشكل عينة أكثر واقعية لوصف الحالة الأيديولوجية في الساحة العربية.. ولم نتوقف عند الكثير من التفصيلات، حتى لا يخرج الموضوع عن مساره ..

ابن حوران 04-06-2007 04:41 AM

التوجه للوحدة يتناسب طرديا مع الرقي

لو تجرأ أحد المدعوين لحضور لقاء مع رئيس دولة أو مسئول كبير فيها، وخرج عن صمته، وقال بعض ما يجول في خاطره، وما كان قد سكت عنه ـ هو ـ وما كان قد سكت الآخرون عنه مدة طويلة، لانتابه شعور فوري بُعيد كلامه، بالتمني من أنه لو لم يقل ما قاله، لأن وقع كلامه على من يجلس في المنصة كان من الرداءة بمكان، كما أن رجاله المنتشرون في المكان قد تحفزوا لإسكات مواقع من ينغص هدوء سيدهم..

لقد تبخرت آمال المتكلم في أن جموع الجالسين أو الواقفين الذين ظنهم أنهم سيؤازرونه، سيقومون بتلك المؤازرة وضم أصواتهم الى صوته.. كيف لا؟ وهو كان يعتقد أنه يتكلم باسم الجماهير الكادحة!.. لا بل أن آماله تحولت الى أن لا يقوم أحد من تلك الجماهير الكادحة بضربه بعد رمقته عيونهم بغضب ممزوج بنفاق قسري، وسيقف أحد هؤلاء ويهتف بأعلى صوته ( يعيش القائد ..) ولن يتخلف أحد من الحضور بترديد الهتاف، حتى صاحبنا المخذول ..

هذا جانب من الرغبة الدفينة في مشاعر الناس بالتوحد ..

لو مات رجل ثري ترك لأولاده مساحات شاسعة من الأرض الزراعية، التي تزرع بالقمح والمحاصيل الحقلية والبساتين، وترك لهم أعدادا من المواشي، فإنهم ما أن يواروه التراب، حتى يبادروا باقتسام التركة، لينعموا بحرية التصرف بحصصهم وفق أهواء كل منهم، دون حساب، ودون رقيب. وهذا جانب من الرغبة الدفينة في عدم التوحد..

ألم يكن بإمكان هؤلاء الورثة أن يقتسموا ما تنتج أراضيهم ومواشيهم، تحت إدارة موحدة لأملاكهم التي ورثوها، ويوفروا على أنفسهم تشتيت الجهد، وتشويه الأرض والتركة، ويحس كل منهم بارتقاء مسئوليته لأنه جزء من مجموع؟ .. فقد تجعل الأرض المقسمة مسافة عرض الأرض قليلة، فيضطر صاحبها أن يحرثها باتجاه واحد، قد يصبح تكرار الحرث فيه مجرى للمياه فتعريها فتقل خصوبة الأرض، خصوصا إذا كانت من الأراضي المنحدرة..

إن السلوك الأخير، سلوك بدائي يبتعد عن الرقي، ولا يتقدم كثيرا عما كان عليه الإنسان الأول عندما يسكن في الكهوف، أو أنه يكاد يكون مطابقا لما كان عليه مجتمع الرعاة عندما يكتشفون غديرا من الماء، لا يسرهم أن يكون هناك شركاء لهم فيه..

هذا يجعلنا غير مندهشين عندما لا نجد أيا من الكتاب خلال قرن ونصف، لا يتكلمون عن فوائد الوحدة، بل تتركز أعمالهم على معوقات الوحدة، وشكل تلك الوحدة، فمنهم من يريدها عربية ومنهم من يريدها إسلامية، لكنهم يتفقون على استحسان أي عمل وحدوي يقترب مما يرنو إليه كاتب الخطاب ..

سلاح النقد .. أم نقد السلاح ؟

بإمكان أي رجل من دول العالم الثالث ـ وهو متكئ على جنبه ـ أن يخرج ورقة وقلم ويكتب سلسلة يصل عدد مفرداتها الى ألف من الانتقادات لأكبر وأرقى دول العالم.. وهذا يحدث في بلادنا، فلا نترك دولة عظمى أو غير عظمى أو وزيرا أو كاتبا أو أديبا أو لاعب كرة قدم، دون أن نضعه تحت باب النقد الشديد الذي يصل الى الاستهزاء والتحقير، وهي ظاهرة يعتقد من يمارسها، بأنه يتفوق على من ينتقده، حتى لو كان الناقد قد تجاوز عمره السبعين عاما، وأصيب في ساقيه، فلم يعد يقتدر على النهوض، لكنه لا يتورع من السخرية من مهاجم أضاع فرصة إحراز هدف في مباراة كرة قدم ..

أين العيب؟ هل العيب فيمن يُنتقد(بضم الياء) أم العيب فيمن يَنتقد (بفتح الياء) أي في الناقد أم المنقود؟ أم في سلاح النقد نفسه؟ أي في الموازين التي نستخدمها في المفاضلة بين صورتين؟ .. وقضية المفاضلة تلك تتمثل جليا في موضوع الوحدة.. فمن يوحد من؟ ومن أجل ماذا؟ وكيف؟ أي ما هي الوسيلة التي ستسخدم في التوحيد؟ ومن يحمل لواء التوحيد؟ هل هم ملوك وأمراء ورؤساء الجمهوريات للدول القائمة؟ أم هل هم أفراد وإن علا وزنهم وزادت ثقافتهم يقبعون في مناطق متفرقة داخل الوطن أو خارجه، يكتبون بلغة قد لا يطلع عليها إلا من هم مثلهم من القابعين في مناطق أخرى؟ عشرات بل مئات الأسئلة التي لو أثيرت لوجد الكتاب برنامجا لهم يغطي بقايا أعمارهم.. وما أن ينتهوا من كتابة ما جال في خواطرهم، حتى تتغير الظروف بحيث تصبح وصفاتهم التي كتبوها، لا تصلح للظرف الذي أنهوا كتابتهم فيه؟ هذا على افتراض أن المعنيين من الناس قد اطلعوا على ما كتب هؤلاء..

إن السلاح الذي نقصده هنا، هو حصيلة المعرفة التي كونت تلك المفاهيم المؤدية لكتابة مناهج تفكيرية في قضية الوحدة.. وهناك من المفكرين من يحبذ استخدام مصطلح (العقلية) التي أنتجت تلك الصيغ من المناهج ..

إن المعرفة الراهنة لأي كاتب أو مفكر عربي أو إسلامي، هي نتيجة تراكم ثقافة تنتمي للماضي في معظمها ـ ولا عيب في ذلك ـ وتتخذ موقفا غير متصالح مع ما هو حاضر، سواء كان الحاضر محليا (عربيا) أم عالميا لا يكن الود لنا ويتربص بوجودنا تربصا عدوانيا، فتتكون المناهج الذهنية لدى الكُتَاب بشكل انتقائي، تنتقي من الماضي ما تود استخدامه من معلومات، وتسكت عن القسم الأكبر، الذي لو تم تسليط الضوء عليه بتروي دون أن نجلد ذاتنا لكانت النتيجة أكثر فائدة، حيث سنتتبع مكامن الخطأ ونوازع الانفصال منذ بداياتها الأولى..

ليس هذا فحسب، بل يتناسى الكُتاب، وعن قصد، الواقع الراهن، بما فيه من مناهج تعليمية قطرية، وما فيه من قوى محلية لها مصلحة في بقاء الحالة القطرية المذعورة من التوحد غير الواضح، وعدم وضوحه ـ وحده ـ يجعل منه شبحا يخيف القوى الحاكمة ـ الراهنة ـ من السعي نحوه ..

ويتناسى الكُتاب، المشاكل الكامنة في الإثنيات من قوميات متعايشة مع العرب ومن طوائف وديانات تتعايش مع المسلمين. لا بل يذهب الكاتب في كثير من الأحيان الى التزلف والتملق لرؤية قديمة تستصغر تلك الإثنيات وتتعالى عليها، على غير وجه حق ..

كما يتناسى الكاتب الوضع الدولي والمصالح العظمى التي تفضل الحالة القطرية الراهنة لضمان انسياب خيرات المنطقة دون إزعاج..

إن التوفيق بوضع الحلول لكل تلك المحاور الهامة، هو ما يجعل من سلاح النقد وسيلة حديثة ملائمة للتوجه نحو الوحدة بهمم عالية يشترك فيها الحاكم الحالي الممثل للقوى الراهنة المستفيدة من الحالة القطرية وتلتف حوله الجماهير التي تقدم لها المناهج الوحدوية إجابات واضحة وحاسمة وقاطعة لما تنشده تلك الجماهير ..

ابن حوران 18-06-2007 06:50 AM

بيئة نمطية التفكير السياسي وعلاقتها بموضوع الوحدة والنهوض
تناول الغذاء وارتداء الملابس وتصاميم الأبنية، تخضع لعوامل معقدة، تجعل من سيادة نمط في فترة ما على بقية الأنماط، التي تختفي وتتنحى عن شاشة ملاحظة الناس لها لمدة من الوقت، قد تطول، وقد لا تعود نهائيا، وقد تعود مرة أخرى عندما تعود الظروف التي ساد بها النمط .. وتسمى (المودا أو الموظة) ..

قد يضجر من يقرأ تلك الكلمات، ويتساءل: ما علاقة ذلك بموضوع الوحدة؟ ولكن لو تأمل أي مثقف ـ من خلال اطلاعه ـ على الكتابات التي عبر عنها مفكرون وأدباء وسياسيون منذ نهاية القرن التاسع عشر وتابع ما كتب بعدها حتى أيامنا هذه، لأدرك على الفور مطابقة ما تم الإشارة إليه مع تلك الحالة ..

نستطيع تقسيم تطور الكتابات السياسية والتفاف النخب حولها منذ نهاية القرن التاسع عشر ليومنا هذا الى ثلاثة أقسام: الأول: إسلامي إصلاحي ليبرالي، والثاني: اشتراكي قومي، والثالث: المشروع الإسلامي الجديد ..

أولا: زمن التوفيق بين الإصلاحية الإسلامية والليبرالية الغربية :

سادت منطقة المشرق الإسلامي في نهايات القرن التاسع عشر، مشاعر تتحفز للخلاص مما هي فيه من فساد وانحطاط في الأداء، من حكومتين إسلاميتين أو تدعيان التمسك في الإسلام، (العثمانية: ممثلة للمذهب السني) و(القاجارية في إيران ممثلة للمذهب الشيعي) .. في حين كانت السلطات في البلدين الإسلاميين تُضَمِن الولايات لولاة مقابل مبالغ يدفعونها لحكومة المركز أو للسلطان، والوالي يقوم ببيع القرى والمدن والقصبات لمسئولين محليين، فانحطت الخدمات التعليمية والصحية، وانحط أداء الجيوش المركزية، وكثرت ديون الحكومات في عهد السلطان (عبد العزيز 1861ـ1876) في الدولة العثمانية، والسلطان (ناصر الدين شاه 1848ـ 1896) في الدولة القاجارية في إيران. وعندما أصبح الدائنون من الدول الأوروبية يتدخلون في الصغيرة والكبيرة في الدولتين، وبالذات فرض نظام المجالس النيابية أو المشرفة على شؤون الدولة، وكيفية دس عناصر صهيونية موالية للغرب، في الدولة العثمانية ـ بالذات ـ لم يستطع السلطان عبد الحميد الثاني من التخلص منها بشكل كامل عندما استلم الحكم، ولم يستطع أن يرتفع بشأن الولايات التابعة لإمبراطوريته، وفي تلك الأثناء كانت ولايات إفريقيا العثمانية تدخل بعلاقات مع الغرب، دون علم (المركز)، والحملات التبشيرية والطلاب الدارسون في أوروبا الذين كانوا يلحظون الفروق في نمط الحياة الغربية عنها في كل من إيران وتركيا وولايات تركيا، مما جعلهم يشكلون نخبا يكون لها دور في رسم شكل البلاد المستقبلي ..

عند كل ذلك ظهرت نخب إسلامية متأثرة بالطابع الغربي، تريد مزاوجة الطابع التراثي الإسلامي الشرقي مع الطابع الليبرالي الغربي، فظهر شكلان منهجيان في هذا الشأن:
أ ـ شكل يريد أن ينفذ من مدخل الثورة على كل ما هو قائم، أو يتبع أسلوب النصح للحاكم مع تحريض الناس على عدم القبول بالوضع القائم، وقد مثل هذا الشكل (جمال الدين الأفغاني) من خلال نصحه للسلطان العثماني، والسلطان القاجاري، (وقصته مع السلطان القاجاري معروفة) .. إضافة لكتاباته ومقالاته الكثيرة بشرح ما يريد ..

ب ـ شكل يريد أن يصل من خلال إقامة الدولة الدستورية المرتكزة على مبدأ الشورى، وهو الخط الذي سلكه المفكرون والفقهاء المؤمنون بالحرية والوحدة أو الجامعة الإسلامية، وهؤلاء على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم الدينية اجتمعوا حول مبدأ هو أن الديمقراطية البرلمانية ممثلة الأمة تساوي الشورى، وأن صيغة أهل الحل والعقد تساوي صيغة البرلمان .. وأن الاستبداد السلطاني هو صورة دخيلة على الإسلام .. وقد مثل هذا الشكل (عبد الرحمن الكواكبي) و (رشيد رضا) من (السنة) و(حسن نائيني) (شيعي نجفي إيراني) ..

وقد تطور هذا الشكل من دعاة التغيير والإصلاح، حتى أفرز مفكرين مختلفين، مثل (محمد عبده) و (خالد محمد خالد) و (علي عبد الرازق) وحتى (طه حسين).
وقد ابتهج الغرب لظهور مثل هذا الخط، فوافقوا على جزء من مطالبه، ورفضوا الجزء الآخر، مما دفع بظهور خط يؤيد التصادم مع النظم القائمة ويفرز حركات ثورية لحد ما، كحركة أحمد عرابي وسعد زغلول وغيرهم .. هذا الشكل قد تعايش مع المحتل وطور أداءه ضامنا عدم اصطدامه مع المحتل أحيانا وينوي التطور والنهوض أحيانا أخرى، فيقي الفساد مستترا وظهرت نخب استفادت من وجودها في السلطة لتصبح طبقة (باشوات وبهوات)، استمر تأثيرها في الحياة السياسية المصرية لوقت طويل .. هذا وينسحب الوضع على باقي البلدان العربية وبأسماء تختلف أحيانا، ولكن الشكل هو نفسه ..

ثانيا: زمن الاستقلالات والاشتراكية القومية :

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وخروج دولتين قويتين منتصرتين، هما الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة لانتصار الإرادة الليبرالية الإمبريالية الغربية، والاتحاد السوفييتي، الذي استفاد من حروب التحرير ضد النازية في دول أوروبا الشرقية. في حين قدم الأمريكان لدول أوروبا الغربية الخارجة منهكة من الحرب، مشروع (مارشال) الذي أوصل في النهاية الى قيام حلف شمال الأطلسي لحماية منجزات الدول الغربية، قام الاتحاد السوفييتي بتشكيل ما سمي ب (المنظومة الاشتراكية) .. وتشكلت حدود فاصلة بين المعسكرين طالت ألمانيا نفسها من خلال (حائط برلين) .. ولكن لم تصل تلك الحدود والفواصل الى مختلف بقاع العالم، فقد قامت ثورة بالصين زاوجت بين الاجتماعي والاقتصادي لتحجز ربع سكان العالم عن المعسكرين، كما قامت إصلاحات وتطورات هائلة في الهند، وانشغلت أوروبا خلال عقد ونصف من الزمان في لملمة جراح الحرب العالمية الثانية، واستغلت بقية دول العالم التي كان معظمها يتوزع بين استعمار تلك الدولة أو تلك، ومن بين تلك الدول المستعمَرة دولنا العربية ..

لم يكن سجل الدول الغربية نظيفا ونزيها للتعامل مع قضايانا العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين، بل كان يعتمد الاستغفال والعدوانية المتذاكية. فمن اتفاقية سايكس بيكو الى وعد بلفور الى نقض عهود الغرب مع من وقف معهم من العرب في الحرب العالمية الأولى، الى قيام الكيان الصهيوني، والاعتراف به وتزويده بعوامل البقاء .. كل هذا أوجد حالة صدود من الارتكاز على معاونة الغرب، فكانت فترة الانقلابات العسكرية في منطقتنا العربية، ترفع شعارات معاداة الغرب والصهيونية وأعوانهما في المنطقة، وكان لا بد من تقوية وضعها العسكري والتأسيس لمرحلة نهضوية علمية تقنية اقتصادية، فكان الميل الى الكتلة الاشتراكية ومحاكاة شعاراتها المطروحة وبالذات تلك المتعلقة بالاشتراكية والتأميم وغيرها ..

ولو وقفنا قليلا مع نموذج (الحالة المصرية) وبالذات في الفترة بين عامي 1954 و1962 أي بين (فلسفة الثورة) والميثاق، واطلعنا في أدبيات الحالة المصرية في تلك الفترة، والكيفية التي نظرت بها الى ماضي مصر القريب لاستطعنا تكوين صورة كافية عما نتحدث عنه.. فالميثاق الذي نسب الى جمال عبد الناصر يرى في تتابع الأحداث داخل مصر كما يلي :

إن المأساة في عهد (محمد علي باشا) هي أنه لم يكن يؤمن بالحركة الشعبية التي مهدت له حكم مصر، إلا بوصفها نقطة وثوب الى مطامعه.

ويضيف: وهذه نافذة أوقعت مصر في براثن الاستعمار الذي كان قد تطور في ذلك الوقت من (مجرد احتلال المستعمرات واستنزاف مواردها الى مرحلة الاحتكارات المالية لاستثمار رؤوس الأموال من المستعمرات) [النص من الميثاق] و( كان مدخل ذلك وركائزه الاحتلال المباشر، والاعتماد على الأسرة الحاكمة والإقطاع) [ أيضا نص من الميثاق]

أما الثورة وقوى الإصلاح من عرابي الى سعد زغلول فهذه القوى (لم تستطع أن تمد اندفاعها الى ما بعد المواجهة السياسية الظاهرة من طلب الاستقلال) وبالتالي يضيف الميثاق (لم تصل الى أعماق المشكلة الاقتصادية والاجتماعية).

وهذه القوى أيضا (لم تستطع أن تمد بصرها عبر سيناء وعجزت عن تحديد الشخصية المصرية، ولم تستشف من التاريخ أنه ليس هناك صدام على الاطلاق بين الوطنية المصرية وبين القومية العربية) [من الميثاق]

لقد أسست الحالة المصرية نموذجا يكاد يكون متشابها في أكثر الدول العربية التي انتهجت نهجها .. وتعتمد ركيزتين أساسيتين : الأولى: المراهنة على الالتفاف الجماهيري، والانتباه الى موضوع التعبئة العامة والتحفز لمقارعة الاستعمار والقوى الخارجية. والثانية: مسألة تتعلق بدوائر الانتماء، وفي الخطاب الناصري، هناك وضوح في التعامل مع تلك الدوائر الثلاث(العربية، الإفريقية، الإسلامية) .. وما لبث الشعور بالثقة المفرطة في هذا الخطاب، إلا أن يتمطى نحو التأثير والتأسيس لمجموعة (دول عدم الانحياز) كقطب ثالث، لا مع الغرب ولا مع الشيوعية ..

ولما كانت الشعارات المطروحة في الخطاب الناصري، أوسع من أن تلبس بثوب الإمكانيات الضيق، الذي سرعان ما تفتق وظهرت من خلاله عيوب هذا الجسم المختل في بناءه، فلم تكن عملية بناء التقنيات والاقتصاد والكوادر تتلاءم مع الشعارات المطروحة، وبمجرد ما (نغز) دبوس (الكيان الصهيوني) هذا الثوب الضيق عام 1967 حتى تفتق الثوب القومي والاشتراكي وحتى حركة عدم الانحياز نفسها ..

ثالثا : عودة طرح المشروع الإسلامي :

عندما يتعرض فرد، ذكرا كان أم أنثى، الى مصيبة فإن عودته الى الله ستكون طبيعية، فنرى دعوات (الملحدين) جنب غرف العمليات لله عز وجل لإنقاذ مريضهم من الموت. وهكذا الأمم كلما تعرضت الى مصيبة وإحباط تكثر الأصوات المنادية بالعودة لله وللدين ..

ظهرت في العقود الأخيرة، التي تلت (نكبة) 1967 الثانية، تيارات تعتمد الرجوع للدين كمنقذ وحيد لما تمر به الأمة، وتبدو تلك التيارات لمن يراقبها من الخارج وكأنها طيف واحد لا خلاف فيما بينها، وهذه خدعة لا تنطلي على من يتمعن في أداء تلك التيارات ويراقب أداءها وسلوكها السياسي اليومي أو الدوري أو الذي يظهر في مناسبات دون غيرها .. فمنها من يعتمد أسلوب المواجهة العنيفة مع الخصوم ومنها من يعتمد أساليب حديثة ويقر بالوصول الى الحكم من خلال النضال الحزبي البرلماني .. وسنؤجل الحديث والخوض في تلك التفاصيل الى حين ..

لقد تأثرت تلك الجماعات كلها وعلى اختلاف طرقها في العمل وتحديد الأهداف، بكتابات سيد قطب، الذي تأثر هو الآخر بكتابات (أبو الأعلى المودودي) صاحب مقولة المجتمع الجاهلي.. وقد تلقيت (شخصيا) وأنا في صفوف (حزب التحرير) في أواسط الستينات من القرن الماضي، منهاجا تعليميا داخل الحزب، يعتمد (ظلال القرآن لسيد قطب) .. وكذلك تفعل جماعة الأخوان المسلمون ..

وقد نمت تلك الجماعات الدينية بشكل أساسي في مناخ تعثر التجارب اليسارية والقومية في الوطن العربي، لا بل اعتمدت (تصيد) أخطاء النماذج القومية واليسارية كمحور أساسي في بناء خطابها الأيديولوجي الفضفاض .. وتلك الجماعات التي لم تختلف عن غيرها في مسألة الفعل ورد الفعل، فإن كانت التجربة القومية قد سفهت وقللت من قيمة ما سبقها من تجارب، فإن التيارات الإسلامية تسفه منذ الآن ما هو قائم من تجارب، ولا تذكر أي إنجاز للدولة القومية، بل تركز على السلبيات وتسهب في الحديث عنها، كيف لا وسجلها نظيف من أي تجربة يمكن أن تنتقد عليها!. يتهيأ لها أنها ستقوم بدور فريد لا تشوبه شائبة ..

لقد غاصت تلك الجماعات الإسلامية والقومية، ونخب الدول الحاكمة ـ أي الناطقين باسم الدول الحاكمة الراهنة ـ في سجال مقيت، لا يقدم ولا يؤخر، لا بل قد يؤخر ويؤذي ويعيق أي محاولة جادة للخروج مما نحن فيه..

ومع ذلك هناك فرصة لتكون هناك فضاءات يتم بها نقاش الوضع القائم وكيفية الخروج منه، من خلال القبول بالآخر والاستماع للرؤى التي تحدد الكيفية التي يتم بها بناء الدولة، والكيفية التي يتم بها مراقبتها وضبط حالات الفساد فيها واجتثاثها وفق ضوابط يتم الاتفاق عليها من خلال خطاب أكثر وضوحا وأكثر تسامحا ..

هذه هي البيئة التي يتم من خلالها بحث شؤون مصيرية للأمة ومنها الوحدة والمشروع النهضوي ..

ابن حوران 29-06-2007 05:35 AM

شروط تحقيق الوحدة ..

لم نطل الحديث في فوائد الوحدة، لاعتقادنا أن أعداءها هم من القلة بمكان، ولكن استخفاف الكثير من الناس بإمكانية تحقيقها، هو ما يجعلها خالية من الفوائد، أو أن الحديث بها خال من الفوائد. وإن كنا مررنا على تجارب (كعينات) من الأشكال الوحدوية في العالم، والحقيقة أن كل دول العالم القائمة الآن هي نتاج عمل وحدوي، وأكبر مثال على ما نقول هو أن تنحي سيادة المفهوم الوحدوي لا تضمن بقاء دويلة واحدة دون محاولات تجزئتها وتفكيكها، (لبنان، فلسطين، دارفور) ..

لذا سنتكلم عن شروط تحقيق الوحدة، كوننا قد تجاوزنا تساهل الآخرين في قبول فكرتها ـ حتى ولو على مضض ـ . وسيلاحظ القارئ الكريم الذي سبق له أن اطلع على مادة من هذا النوع، أن هذا الفصل وما يليه، سيكون متأثرا تأثرا كبيرا بما طرحه (د نديم البيطار) في أواخر السبعينات من القرن الماضي في كتابه الموسوم : (من التجزئة الى الوحدة ) ..

لقد وضع الدكتور نديم البيطار ثلاثة شروط لتحقيق الوحدة، ابتدأها بشرط أو عامل مهم هو إقليم القاعدة .. وقد عنى المفكر العربي بذلك القوة الأكثر تأثيرا في عينة من الوقت والتي تملك إرادة التوحيد أو تذويب ما هو خارجها فيها، وهذا الكلام، يصلح أن يُنظر إليه مجازا، ففكرة إقليم القاعدة أو القوة الأكبر، قد تكون تندرج:
1ـ تحت الشكل العشائري، حيث كانت نويات الدول تنشأ إما على ضفاف الأنهر أو في الموانئ ـ على البحار والمحيطات ـ أو على مقربة من المراعي والمياه في المناطق ذات الطبيعة الصحراوية ـ كمنطقتنا ـ وكانت تلك القوة الأكبر بمثابة إقليم قاعدة لرضوخ القبائل الأقل قوة لها والقبول بالتعايش معها ..

2ـ وقد تكون قوة إقليم القاعدة، قوة فكرية عقائدية، تكتسح في فورتها كل ما هو أقل شأنا منها، أو يتطوع من هو أقل شأنا منها لإعلانه بالرضوخ لها تحت باب الولاء والتعاون وغيره، وهو ما حدث في الفتوحات الإسلامية، وما حدث مع الاتحاد السوفييتي إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتلوينه أوروبا الشرقية بلون قد يكون لأبنائها رأي فيه لو كان عن رضا .. وهو ما رأيناه بعد تفكك المنظومة الاشتراكية التي كانت تتلون بلون واحد، استنكرته كل الأطراف بعد التفكك حتى إقليم القاعدة نفسه (روسيا) ..

3ـ وقد يكون إقليم القاعدة مجسدا بشخص واحد يمتلك صفات (كاريزمية) جاذبة، كما كان يحدث مع قيادات المسلمين، فكان يقال: دولة الرشيد، ودولة المنصور، أو كما كان يحدث قبلهم مع الفراعنة أو بعدهم مع (هولاكو وجنكيز خان) .. أو كما حدث في العصر الحديث مع (جورج واشنطن وهتلر و موسوليني ولينين وستالين و ماوسيتونغ وكيم إيل سونغ) .. فقوة رمز البلاد تعطي للشخص أهمية وكأنه هو (إقليم القاعدة) .. ألم تختف دولة (بروسيا) عن الوجود باختفاء رمزها (فريدريك) .. أو لم يعبر الشيوعيون بأشعارهم عن تلك الدالة عندما كانوا يتغنون .. فقد كتب (دجابيف) وكان من أهم شعراء الاتحاد السوفييتي في وصف ستالين بقصيدة أثارت إعجاب حتى أعداء الشيوعيين فقال :

لكنت قارنته بالجبل الأبيض، ولكن للجبل قمة.
لكنت قارنته بأعماق البحر، ولكن للبحر قاع
لكنت قارنته بالقمر الوضاء، ولكن القمر يضيء في نصف الليل
وليس عند الظهيرة
لكنت قارنته بالشمس البراقة، ولكن الشمس ترسل أشعتها عند الظهيرة
وليس عند منتصف الليل ..


وقد بقي هذا النمط من الأشعار سائدا ليس في حياة ستالين بل حتى بعد مماته، وليس في الاتحاد السوفييتي، بل حتى عند شيوعيي العالم أجمع، حتى جاء خورتشوف وسفه من يعبد الشخص ويؤلهه، ونشر أخطاء ستالين التي وضع بنشرها نهاية لتلك الموجة من التأليه، وقد نعود الى ذلك النمط من التعلق بالأشخاص وأهميتهم في دعم فكرة الوحدة في حينه ..

4ـ كما أن انتشار لغة أصحاب السلطة، تشكل عاملا إضافيا لجعل (إقليم القاعدة) يمتد الى ما يحيط بكل الناس الذين تحت إمرة قيادته، فيضطر السكان لتعلم لغة أسيادهم .. وهو شكل من أشكال التوحد والانضواء ..

5ـ العامل الاقتصادي .. فمع تطور الحضارة، لم تعد القبائل تتبادل ما تنتجه مع من يجاورها، بل تجاوزت الأمور ذلك، فأصبح العامل الاقتصادي عاملا مهما يجبر الناس على عدم رفض التوحد لارتباط الوحدة بأسباب معيشتهم .. ولو راقب أحدنا ما يجري اليوم في لبنان أو كردستان العراق، لأدرك أن هناك من لا يريدون قطع الأواصر لا مع العراق بالنسبة للأكراد ولا مع سوريا بالنسبة للبنانيين، فمصالحهم الاقتصادية تقتضي التساهل في نزعة التفاخر القطرية أو (الإثنية) ..

وهذا الشكل من التوجه الوحدوي بهدف (الاقتصاد) ساد معظم مناطق العالم، من جنوب شرق آسيا، الى دول أمريكا اللاتينية، الى أوروبا التي تعززت توجهات توحدها الاقتصادي لتتقدم في طريق توحيد رؤاها السياسية و العسكرية والبرلمانية، حتى غدت كأنها كتلة اقتصادية سياسية عسكرية واحدة، مع الاحتفاظ بالسيادة القطرية في بعض أشكالها التي تضمن بعض الخصوصيات الوطنية..

لكن هل يمكن لإقليم القاعدة أن يقود حركة التوحيد دون اعتراف الآخرين له بالقوة؟

من يتتبع نماذج التوحيد في بلدان العالم، سيجد لا القوة البشرية ولا الاقتصادية ولا الأيديولوجية، هي ما كانت تعطي زخما لإقليم القاعدة أن يقوم بعملية التوحيد.. بل كان لا بد أن يكون مع كل من تلك العوامل منفردة أو مجتمعة، عامل آخر وهو مهم جدا وحاسم، وهو القوة العسكرية، وأهمية هذا العامل تبرز في درء أخطار قوى خارجية لا يروقها موضوع التوحيد، وهذا جرى مع (يوسف بن تاشفين) في توحيده لإمارات الأندلس، حيث كان يجب عليه درء أخطار (القشتاليين ) وهو يقوم بعمليات توحيد الإمارات، كما كان يحدث مع الفارس (صلاح الدين الأيوبي) وهو يسكت ويحيد ويوحد حكم الأتابكة، وهو في نفس الوقت يحارب الصليبين، فقد انتزع كل من القائدين أهلية (إقليم القاعدة) باعتراف الجميع ..

هذا أيضا حصل مع جورج واشنطن، وهو يتخلص من المحتلين البريطانيين، ويخوض حروبا لتوحيد الولايات المتحدة. كما حدث مع ماو تسي تونغ في توحيد الصين .. إذ كان يحارب قوى متعاونة مع المحتلين، وهو في طريقه لتوحيد الصين ..

كيف يمكن تطبيق موضوع إقليم القاعدة على حالتنا العربية؟

يمكننا القول أن تجربة محمد علي في مصر في بداية القرن التاسع عشر، كانت تمثيلا أكيدا لإقليم القاعدة، حيث اعتبر مصر إقليم قاعدة (جغرافي) .. كما اعتبر نفسه (وهو الألباني الأصل) (رمزا لإقليم قاعدة) .. كما أنه بادر الى توضيح خطابه القومي من خلال انتقاده للدور العثماني الذي لم يستطع درء حملة نابليون على مصر، فجاء انتقاده للفساد الذي دب في جسم الإمبراطورية العثمانية، ورغم المكائد التي صنعت له في السودان والجزيرة العربية، والتي تم تكليفه بإخماد الثورات فيها، بوحي من معشر الدائنين للدولة العثمانية، والذين لم يرق لهم وجود مثل هذا النموذج الطموح في تعطيل خططهم باقتسام ممتلكات الدولة العثمانية، فقد نجح محمد علي بواسطة جيوش قادها ابنه ابراهيم في تعطيل من كان يريد تعطيل مشروعه، وكاد مشروعه أن يتحقق لولا التحالف الاستعماري الغربي (من سبع دول غربية استعمارية) الذي أجبره على تفكيك مصانع السلاح والذخيرة، و تقليص جيشه من (540 ألف) مقاتل الى 12 ألف فقط ..

كان نموذج محمد علي قد أوحى لقادة في القرن العشرين من تكرار التجربة، التي حاولت قوى محلية تعطيلها نيابة عن الغرب، ولكن في كل مرة كان الغرب يضطر للتدخل في معالجة الوضع بنفسه، هذا ما حصل مع مصر (جمال عبد الناصر) وما حصل مع عراق (صدام حسين )

بالمقابل فإن القوى المتصدية لقوى التوحيد، لا تملك مقومات تحولها الى إقليم قاعدة، لا من حيث التقنيات ولا الرموز ولا القوة العسكرية .. فكانت تكتفي بتصيد عثرات من يملكون خصائص إقليم القاعدة، بل أن قوى محلية هزيلة تتماطى وتمثل دور العمالقة مستفيدة من ظروف دولية معروفة، وتحل محل قوى إقليم القاعدة ولو الى حين ..

ابن حوران 21-07-2007 03:57 AM

هل بالقوة العسكرية أم بالرغبة السياسية يتم التوحد؟

إذا سلمنا بأثر إقليم القاعدة، في عملية التوحد، وهي مسألة يكتنفها بعض الغموض وقد نخضعها في مرحلة متقدمة لنقد يشذب مفهومها، أو على الأقل نبين فيه زعمنا بعدم اكتمالها، فإن مسألة تسهيل مهمة الداعين للوحدة منطلقين من إقليم القاعدة، ستمر عبر طريقين، هما : طريق القوة العسكرية، والثاني طريق القبول والتوافق السياسي السلمي، بطلب من دولتين أو أكثر في قبول التوحد والاندماج بشكل إرادي وطوعي ..وإن هذا التعميم نفسه ليس بتلك الأهمية، حيث لم تثبت وحدة بلاد بالقوة العسكرية وحدها، ولم يكن هناك نماذج كثيرة لإرادة التوحد السياسي الصرف بقبول كل شرائح الدولة المطروح عليها فكرة التوحد، فسيبقى هناك من الرافضين لسبب اقتصادي أو عِرقي أو ديني أو غيره ..

لم تشهد دول الشرق النموذج السياسي في طلب التوحد إطلاقا(إذا استثنيا تجربة وحدة اليمن حديثا) .. وكذلك فإن أوروبا لم تشهد مثل هذا النموذج، إلا في حالتين هما هولندا وسويسرا .. ولكن التجربتان الأسترالية والكندية تعتبران نموذجان على عملية التوحد السياسي ..

نماذج التوحد العسكري المتبوع بالتوحد السياسي:

كانت نواة ذلك التوحد موغلة بالقدم، تقوم بها قبائل بدوية تهاجم المزارعين في أقاليم معينة وتبيدهم عن بكرة أبيهم، كما حدث في غزو القبائل المنحدرة من شمال بحر قزوين الى بلاد (فارس الحالية) وإحلال شعب مكان شعب، أو إذابته نهائيا. ثم تطورت فكرة الغزو للقبائل البدوية في الإبقاء على شعوب الأقاليم المحتَلَة، مع إخضاعهم بالقوة والقسر، واستثمار جهدهم في الزراعة والصناعة واقتسام إنتاجهم بين الغزاة، مع إبقاء القليل من ذلك الإنتاج للسكان الأصليين. ولكن الأمور أخذت شكلا مختلفا في القرون الوسطى ..

النماذج القديمة في التوحد

الحالة السومرية :

كانت المدن العراقية القديمة تتبارز في إظهار الشكل الحضاري المتقدم على مثيلاتها، فاستغل سرجون قوة مدينته باعتبارها (إقليم قاعدة) وأخضع المدن العراقية أولا، ثم أنشأ أول إمبراطورية بالتاريخ امتدت حتى بسطت نفوذها على كل غرب آسيا .. حتى أطلق على نفسه ملك (جهات العالم الأربع) .. لكن تلك الإمبراطورية انهارت بعد قرن من الزمان، حيث لم تستطع القوة العسكرية وحدها أن تصنع أمة موحدة .. كما انهارت بعدها محاولات سلالة (أور) الثانية.

الحالة المصرية :

تتكرر الحالة السومرية في مصر، عندما وحد الملك الإمبراطور (مينيس) كل مصر، بعد أن انطلق من مصر العليا من مدينة (نيس) باعتبارها (إقليم قاعدة) وعرشه كان المحور الرئيس الذي اعتمد عليه في بناء مشروع الوحدة المصرية. ولكن المصريون وجدوا رفاهيتهم في وحدتهم، فمهما تقلب على مصر من حكام، سواء محليين أو غزاة، فإن الشعب المصري دافع عن وحدة البلاد، وانصهرت العروق الداخلية وتعايشت الديانات فيه، باعتبار أن وحدة البلاد، هي مسئولية شعبية أكبر من كونها مسئولية سياسية ترتبط بمحور رئيسي هو العرش أو شكل الحكم. وهذا الاعتقاد انتقل للغزاة أو الطامعين في مصر، فتعاملوا معها كوحدة واحدة ..

حالات أخرى عديدة :

كانت هناك حالات هي عبارة عن سيادة قبيلة ترغم قبائل أخرى، على الخضوع والاندماج بها، لا تفتأ تلك القبائل الخاضعة أن تنسى ماضيها، وتتعايش مع الحالة الجديدة التي تشبع قرارة نفسها وتحسسها بقوة وانتماء هو أكثر أهمية من إعادة التفكير بخصوصياتها القبلية الأخرى .. تلك الحالات وجدت بالقبائل المغولية والتركية ، وحتى العربية في العصور الإسلامية في آسيا، والسلافية في شرق أوروبا، وقبائل إفريقيا. وقد تكون إمبراطوريات تلك القبائل التي أصبحت بفعل سيادتها لفترات طويلة على مساحات شاسعة من البلاد، أمما لها شخصيتها الحضارية والدينية والثقافية، قد انهارت وزال سلطانها أو ضعف، لكن خصائصها كأمة وأحلام أبناءها، لا زالت قائمة، وتحتل مساحة مؤثرة في صياغة خطاباتها الأيديولوجية ..

أما في العصور الحديثة :

الحالة البريطانية :

سيطرت بريطانيا مثلا، على (ويلز) سنة 1282 عسكريا، ولكن القوانين والإرادة السياسية لم تتوحد إلا عام 1485.. فلم يحقق الاحتلال العسكري الوحدة والاندماج إلا بعد مرور قرنين من الزمان .. ثم تطورت فكرة الإخضاع باعتبار أن بريطانيا هي إقليم القاعدة والعرش الملكي فيها هو المحور الأساسي الذي كان ينتبه في مصاهرة الأقاليم بتزويج بنات الملك من أمراء تلك الأقاليم أو زواج أبناء الملك أو الملكة من بنات أمراء تلك الأقاليم، فكان العمل العسكري مقدمة لم تثبت أواصر الوحدة، إلا في إتباع طرق مساعدة أخرى، مع التوجه الاستعماري فيما بعد الذي أسهم في وحدة القوى الاقتصادية والسياسية في ترسيخ أركان تلك الوحدة. وإن كانت (ايرلندا) لغاية الآن تساور أبناءها أفكار انفصالية جدية ..

الحالة الأمريكية :

لو تم سؤال أي مواطن من مواطني (الولايات المتحدة الأمريكية) قبل عام 1865 عن وطنه لأجاب : إنه كارولينا، أو فرجينيا أو تكساس، ولن يجيب أي منهم أنه من الولايات المتحدة الأمريكية.. إن الشعور بالقومية الأمريكية صنعته حالة الوحدة، وليس العكس، أي أنه لم تصنع المشاعر القومية الوحدة. لكن كيف تم ذلك؟ فلقد كانت أجزاء الولايات المتحدة الأمريكية مستعمرات، منفصلة تماما عن بعضها، وكل واحدة كانت تعتبر عالما صغيرا معزولا عن غيره، ولقد كتب أحد الزائرين الأوروبيين آنذاك يصف الحالة التي كانت بين تلك الأجزاء من الولايات المتحدة (الحالية) يقول : { إن الماء والنار لا تختلفان كما تختلف المستعمرات الموجودة في شمال أمريكا فليس هناك من شيء يستطيع أن يزيد من درجة الحسد والمنافسة القائمة بينها} .

وفي المناقشات التي كانت تتم حول الدستور الأمريكي قبل تبنيه عام 1787 كانت الفروق الإقليمية عنصرا مهما. وكان الكثير من المراقبين يعتقدون أنه لا يمكن لوحدة حقيقية أن تتحقق أبدا في تلك البلاد*1

قبل الثورة الأمريكية لم يكن هناك ولاء لأمريكا، بل كانت الولاءات للمنطقة (الولاية) وما يحمل أبناؤها من آمال وأحلام للتخلص من المستعمر الإنجليزي، فقد قاد النصر في تلك الثورة الى شعور بالوحدة، ولكنه غير مرسخ في نفوس السكان، فأخذت الصراعات تتكرر بين السكان وبالذات أولئك في الولايات الجنوبية ضد الأغنياء، ولم يمنع الدستور الموحد وتشكيل الأحزاب التي تضم كل أبناء الولايات في منع المحاولات العديدة للانفصال .. فقد كانت الوحدة الأمريكية تحتاج المزيد من الوقت للتعود عليها.. وقد كانت الحرب الأهلية عام 1860 عاملا قويا في تشكيل الدولة الفيدرالية الاتحادية التي راعت في تفاصيل بنود صلاحيات الحكام الفرعيين ما كان يجعل الأمريكان يناصبون العداء للوحدة.. ومنذ ذلك اليوم فإن تقاليد الدولة التي اعتمدت احترام الدستور أحيانا وتنصيب عدو خارجي يجعل الأمريكان يفضلون الوحدة، كما أن الإحساس في إشباع التفاخر بالانتماء الى الولايات المتحدة سواء من حيث بروزها كقوة عسكرية أو اقتصادية قد دعم هو الآخر روح التمسك بالوحدة ..

هوامش
ـــ
القوانين الأساسية لتجارب التاريخ الوحدوية/ نديم البيطار/ مركز دراسات الوحدة العربية/ بيروت/ ط1/ صفحة 63/ وضع هامشا أخذه عن :
Carl Joachim Friedrich/Trends of Federalism, in Theory and Practice/ New York/1960 p 54

ابن حوران 21-08-2007 05:14 AM

الرغبة الجماهيرية أم الإرادة الجماهيرية

تكون الأحلام باستمرار بلا قيمة فعلية إن لم تتحول لإجراء وتأخذ طريقها للتنفيذ وِفق تصور جماعي يتضمن إرادة فعالة تتلاءم مع حجم الحلم .. فلو سألنا ملايين الشباب عما إذا كانوا يحلمون بإيجاد عمل ومنزل وتكوين أسرة، لما وجدنا بينهم من يعارض تلك الأحلام، بل سيتنهد ليؤكد موافقته من أعماقه، كذلك هم الفقراء الذين يشاهدون برامج سياحية على التلفزيون، سيطير كل منهم محلقا في أحلامه ليحط في جزيرة جميلة شاهدها بالتلفزيون أو يركب سيارة فخمة أو يرتدي ملابس كالتي تعرضها محلات الملابس أو يرتديها ممثلون وإذاعيون .. بل يحلم كل مشتهي من العزاب أن تكون له زوجة كتلك التي تطل بابتسامتها المشرقة على المشاهدين ..

حسنا، لكن هل كل الأحلام بلا قيمة، ولا يمكن تحقيقها؟ أم أن الحلم مرحلة هامة وأساسية لعمل عظيم؟ .. فالإمبراطوريات والمشاريع النهضوية والاختراعات والمصانع والشوارع، كلها بدأت بحلم، في وقت الصحوة وليس في المنام. صحيح أن كثيرا من الأحلام لم ولن يتحقق، ولكن ليس هناك مشروع ضخم لم يبدأ بحلم..

في عام 1992 قام مجموعة من الباحثين الأردنيين بدراسة استطلاعية*1 حول موضوع الوحدة العربية من وجهة نظر المثقفين العرب، وبشكل ميداني، ومن يعيد الاطلاع على تلك الدراسة بعد مرور خمسة عشر عاما، سيجد الكثير مما نشير إليه حول موضوع الحلم وإمكانية تحقيقه!

صحيح أن العينة التي شملتها الدراسة الميدانية لم تكن عينة ممثلة تمثيلا حقيقيا للمجتمع العربي، فقد كان 60% منها من الأردنيين والفلسطينيين حيث بلغ عددهم 608 أشخاص .. وعلى وجه التحديد كانت العينة تمثل (الأردن 399 ، فلسطين 209، سوريا 130، العراق80، مصر70، عُمان 50، اليمن 39، لبنان10، المغرب10 )
ومن ناحية التوزيع المهني (أستاذ جامعة198، طالب دراسات عليا100، طبيب 105، مهندس104، كاتب 15، أعمال خاصة385، أخرى غير محددة90)
ومن حيث الأعمار(أقل من 24(37)، من 25ـ34(299)، من 35ـ44(301)، 45ـ54(210)، 55ـ64(100)، أكبر من65سنة(50).

وكانت الإجابات على الأسئلة كالآتي:

السؤال الأول: هل ترغب بتحقيق الوحدة بين الدول العربية (نعم98ـ لا 2)
السؤال الثاني: هل تعتقد أن الوحدة العربية ستتحقق فعلا؟(نعم68 ـ لا 32)
السؤال الثالث: هل تعتقد أن الوحدة ستتحقق من خلال القوة؟48 أم الشورى والديمقراطية 52%.
السؤال الرابع :هل تعتقد أن مجالس التعاون العربية تشكل بديلا عن الوحدة العربية؟ نعم 5% ولا 95%
السؤال الخامس : هل تعتقد أن الجامعة العربية تشكل بديلا عن الوحدة العربية؟
نعم 8% و لا 92%
السؤال السادس: هل تعتقد بإمكانية قيام الوحدة العربية في ظل النظام العالمي الجديد؟ نعم 3% لا 95% لا أعلم 2%
السؤال السابع: هل تعتقد أن أسباب عدم تحقيق الوحدة العربية يعود لِ:
*تضارب المصالح السياسية العربية32%
*فروق ناتجة عن وجود عرب أغنياء وآخرين فقراء 10%
*وجود النفط 20%
*النزعة الإقليمية التي تكرست في العقود الأخيرة 10%
*كل ما ذكر 28%
السؤال الثامن: هل تعتقد أن الأصولية الدينية تشكل عائقا أمام الوحدة العربية؟
نعم : 16.5% .. لا : 83.5%
السؤال التاسع: هل تعتقد أن الأحزاب القومية العربية التي نشطت على الساحة العربية في السنوات الماضية كانت من عوامل تقارب العرب أم تباعدهم؟
تباعدهم : 85.1% .. تقاربهم 14.9%
السؤال العاشر: هل تعتقد أن الأحزاب الوطنية (المحددة في مجال عملها داخل القطر الواحد) قادرة على صياغة فكر وحدوي قابل لتحقيق الوحدة العربية؟
نعم: 69% .. لا: 31% [ الإجابة على هذا السؤال تأثرت بأعداد الأردنيين والفلسطينيين].
السؤال الحادي عشر: هل تعتقد أن الدولة القطرية قادرة على مجابهة المخاطر التي تهدد كيانها (إن وجدت هذه المخاطر؟) نعم:6% .. لا 94%
السؤال الثاني عشر: إذا كانت مصادر الخطر التالية تشكل تهديدا للدولة القطرية فما درجة الخطر باعتقادك؟ طلب من الشخص أن يضع أعلى درجة 10 نقاط
*اجتياح عسكري إسرائيلي أو قلاقل تثيرها إسرائيل 7.8 نقطة
*اجتياح عسكري غربي أو قلاقل يثيرها الغرب 7.9 نقطة
*الاستيلاء على موارد المياه والطاقة 7.9 نقطة
*حصار اقتصادي يشمل على السلاح والغذاء 6.4 نقطة
*انفجار اجتماعي (صراع طبقي) 7.0 نقطة
*المديونية الخارجية 7.1 نقطة
* التكتلات السياسية والاقتصادية والعالمية 6.9 نقطة

لن نطيل الشرح على تلك المقتطفات من الدراسة الميدانية، تاركين المجال للقارئ أن يتأمل ما جاء فيها مستفيدا من الخمس عشرة سنة التي تفصلنا عن تاريخ تلك الدراسة وما حدث خلالها من أحداث، ابتداء من الحصار على العراق ومؤتمرات السلام والتسوية وأوسلو والانتفاضة ومقتل رابين وانتصار المقاومة في لبنان واحتلال أفغانستان والعراق والعدوان على لبنان .. وغيرها من الأحداث الجسام وتطور القوانين .. ولو أجريت تلك الدراسة اليوم وفي أقطار عربية أخرى، فهل ستتغير النتيجة كثيرا؟ أم تبقى الأحلام منتعشة تبحث عن إرادة قوية لترجمة تفصيلاتها؟

هوامش
ـــ
*1ـ دراسة قام بها فريق ترأسه الدكتور عبد الرزاق بني هاني مدير مركز الدراسات الأردنية في جامعة اليرموك، تم تمويلها من مركز الدراسات الأردنية، وساعده فيها مجموعة من الباحثين منهم محمد جهاد الشريدة ومحمد الروابدة وعزت حجاب و محمد الهزايمة .. تم نشرها في مجلة المستقبل العربي الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية/بيروت/ العدد164/ شهر10/1992


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.