أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

في غمرة التطبيل و الإطراء ترقص أنت طربا و تشعر أن كل شيء تقوله وحي من السماء.
هذا ما استنتجته من أول مسابقة لي أمثل فيها مدرستي ضد مدرسة أخرى على مستوى المقاطعة.
كان الوحيد الذي يأخذ المبادرة هو أنا..و لم يكن في الأمر أحجية
كل ما هنالك أنني و في سن العاشرة كنت أفرق بين تصفيق البنات و تصفيق الذكور.
و كان ذلك اليوم يوم مشهود، إذ أن أغلب الحضور كنَّ من ربات الخدور.
إضافة إلى ممثلين عن الأكاديمية و مدعوين من أولياء التلاميذ .

و أذكر يومها من أول صعود للمنصة أنني شعرت أنها ملك لي وحدي خاصة بعد أن رأيت الشعبية التي كنت أتمتع بها وسط البنات و هن يصفقن علي و يشرن الي بالبنان بعد أول إجابة موفقة، و علامة 10/10 ترسم على اللوح لصالح مدرستنا.
و أنا نازل من المنصة وسط التصفيقات و التشجيعات اتخذت قرارا مصيريا ... قررت تأميم المنصة من أجل الصالح العام لمدرستنا الحبيبة، لا أحد بعد الآن يصعد هناك غيري.
الأمر اصبح جد و لا استطيع التفريط في شعبيتي ..عفوا ..لا أستطيع التفريط بالفوز لصالح مدرستنا.

و توالت الأسئلة و حمي وطيس المعركة بيننا و بين المدرسة المنافسة و كلما أوشكت دقيقة التفكير و التشاور على الانتهاء أقفز أنا دون مشاورة و اصعد الى المنصة و اقول في لغة بني عربوب " ..اتفقت الجماعة على أن يكون الجواب كما يلي .."
و أروح اسرد أنا الاجابة كما بدى لي، فلا دخل للجماعة بعد عملية التأميم.

بدأ صبر الجماعة ينفذ خاصة بعد أن رأوا أن الاعضاء المشاركين من المدرسة المنافسة يتداولون على الاجابة و يصعدون الواحد تلو الآخر الى المنصة لينالوا حظهم من التصفيق و الشهرة.
و قرروا أن سؤال الجغرافيا يجيب عليه أحد غيري، و لكن هيهات "جات الساقيه تعاند بحر الطوفان".
ما ان فرغ المنسق من القاء السؤال حتى قفزت أنا من الكرسي قاصدا المنصة الحبيبة.
قال لي المنسق " يا ابني لم تنطلق بعد دقيقة التفكير و التشاور ؟؟"
قلت له في نفسي :"التفكير للحمير" أما التشاور فلا تشاور و لا حوار و لا هدنة و لا مصالحة ...و الحرب خدعة.
و أخذت الميكروفون و قلت في نبرة الواثق من نفسه "...اتفقت الجماعة على أن يكون الجواب كما يلي.." و انطلقت الصالة في الضحك على عبارة "اتفقت الجماعه" فلم يكن هناك لا تشاور و لا اتفاق.
تمالكت نفسي و رحت أجيب على السؤال " ..هناك مناجم كثيرة في الجزائر منها منجم الونزه للحديد في الشرق و منجم كذا في الغرب و منجم كذا في الجنوب و رحت أعدد أكثر من ثلاثة مناجم و هو كل المطلوب في السؤال، ووصل العدد الى خمسة مناجم فاندهش المنسق و معه اعضاء لجنة التقييم و التصحيح . و نزلت أنا من على المنصة وسط موجة من التصفيق الحار،
نزلت من على المنصة و راسي في السماء و أنا أمشي بطرا و رئاء الناس، و في الطريق الى مكاني تذكرت أنني نسيت منجما آخر ...و يا ليتني لم أتذكره.
رجعت لحينه الى الميكرفون و رفعت أصبعي كمن يكتشف شيئا مهما، قلت " نسيت أن أذكر مناجم مهمة جدا.."

توقف الجميع عن الكلام و نظر أعضاء اللجنة اليَّ بتعجب و ريبة اذ الظاهر أنني ذكرت جميع المناجم الموجودة في الجزائر.
قلت:" نسيت أن أذكر "مناجم الحراش"..."
و ما كدت أنطق هذه الجملة حتى غرقت الصالة في الضحك و لم يستطع احد أن يوقفهم ..فمناجم الحراش هو فريق لكرة القدم يلعب في القسم الممتاز.
طابت أوقاتكم.