أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   لا أذود الطير! (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=28992)

محمد ب 12-12-2002 11:08 PM

لا أذود الطير!
 
<html dir="rtl"><head><title>head</title></head>
<body bgcolor="#ffff00" text="7" face="arial">
<font face="arial"size="6" color="#fuchsia"><center><b>
لا أذود الطير!
</b></center>
<font face="arial"size="4">
<font face="arial"size="5" color="blue">

قال الشاعر:

لا أذود الطير عن شجر..قد بلوت المر من ثمره!

ما هي الظروف التي تجعلك تذود الطير عن شجر لم تنل منه إلا علقماً؟

أعود لاحقاً إن شاء الله إلى هذا السؤال بعد هذه الملاحظة العروضية السريعة.

هذا بحر ندر النظم عليه في الشعر فلم أر عليه إلا هذه القصيدة أو رأيت ولكن لم يعلق بذاكرتي إلا هي.
هو المديد أو المستعمل من المديد:فاعلاتن فاعلن فعلن
وقد مدح الشاعر أبا دلف العجلي وكان قائداً فصيحاً شجاعاً جواداً من قواد الدولة العباسية:

إنما الدنيا أبو دلف..بين مبداه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف..ولت الدنيا على أثره!


ولكنني في العصر الحديث رأيت قصائد لا أعرف أهي للأخوين رحباني(وهما من أكبر الشعراء بالمناسبة) أم غنتها فيروز وليست لهما.
والقصائد المذكورة في غاية الرقة.
منها:

أنا يا عصفورة الشجن..مثل عينيك بلا وطن
بي كما بالطفل تسرقه..أول الليل يد الوسن
واغتراب بي وبي فرح..كارتحال البحر بالسفن
أنا لا أرض ولا سكن..أنا عيناك هما سكني!


ومنها:

يا هموم الحب يا قبل..في بحار الشوق ترتحل
كلما قلنا صفا زمن..رجعت كالريح تشتعل!
أيظل الروض مبتسماً؟...ويطول البوح والخجل؟

ومنها:

مُرَّ بي يا واعداً وعدا..مثلما النسمة من بردى
تحمل العمر تبدده..آه ما أطيبه بردى!

بحر جميل رشيق سأفكر في سبب ندرة النظم عليه.
أهو فقط "قلة حظ" هذا البحر ومن البحار ما هو كبعض البشر قليل الحظ!
فكرت فرأيت والله أعلم أن الرمل فرض إيقاعه على الأذن:إيقاع فاعلاتن فاعلاتن فاعلن

فصار إيقاع فاعلاتن فاعلن فعلن غير مألوف لأن فاعلن تلتها حركتان والأذن متعود على حركة سكون (لتصبح فاعلاتن)
ولأخي الأستاذ خشان دراسات دقيقة قيمة رائعة في هذه التواليات وما يستملح منها وما لا يستملح.
هي دردشة أحببت أن أصبح بها على أدباء الخيمة الأدبية(أكتبها في الصباح المبكر) وصباح الخير ونهاراً سعيداً للجميع.



<br>


</font>

</font></body></html>

يتيم الشعر 13-12-2002 11:16 AM

أمتعتنا أخي محمد بالمعلومة الفيمة هذه وحقيقةً منذ أن قرأت المديح في أبو دلف - وهو مديح أثار غير الخليفة - وأنا أبحث عن أشباه هذه الأبيات وزناً والعجيب أنه وزنٌ مطرب أو مرقِّص إذا جاز القول ودهشتي لقلة استعماله شديدة ..

على فكرة تأكد لي صواب نسبتك تلك الأبيات لسلمٍ الخاسر - غفر الله لنا وله وعفى عنا وعنه - فاعذرني يا أخي و اقبل شكري لأنك أتحت لي الفرصة لأعود هنيهة إلى رياض الأدب ..

المركاز 14-12-2002 11:53 AM

هذه القصيدة التي قتلت صاحبها وهي للشاعر العكوك من شعراء العصر العباسي لكن المأمون اغتاله بسبب أنه مدح أبادلف العجلي بهذه القصيدة الذائعة وجعل أبا دلف فريد عصره في هذه القصيدة ونسي أنه يراجع المأمون فكان أبو دلف أحد ولاة المأمون فمن ضمن القصيدة البيت القائل :
دع ربا قحطان من يمن!!... في يمانيه وفي مضره
وامتدح من وائلٍ رجلا ... خفر الأيام في خفره
إلى أن قال وهي سبعون بيتا :
كل من الأرض من عرب...بين باديه ومحتضره
مستعيرٌ منك مكرمـــة ... يكتسيها عند مفتقره
أو كما قال ....
زعل منها المأمون والواجب أن يتذكر نعمة المأمون على أبي دلف فالتمس المأمون عذرا لقتله ووجد له قصيدته الملحدة التي يمدح فيهاأحد الأمراء بقوله :
أنت الذي تنزل الأيام منزلها وتنقل الدهر من حال إلى حال
فما قضيت على............. إلا قـــضــيت بآمــــال وآجـــال
فقتله المأمون بها.
أما من ناحية بحر المديد
لمديد الشعر عندي صفات فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
فهو من البحور التي نظم عليها كثير من الشعراء على سبيل المثال قول المهلهل (الزير سالم)في ديوانه :
يالبكرٍ أنشروا لي كليبا ..... يالبكرٍ أين أين الفرار
وقد يستعمل تاما ومجزوءاً وهو بحر من البحور الرقيقة وفيها امتداد متناسق وأكثر المعاصرين قد نظم عليه .

المركاز 14-12-2002 11:57 AM

هذه القصيدة التي قتلت صاحبها وهي للشاعر العكوك من شعراء العصر العباسي لكن المأمون اغتاله بسبب أنه مدح أبادلف العجلي بهذه القصيدة الذائعة وجعل أبا دلف فريد عصره في هذه القصيدة ونسي أنه يراجع المأمون فكان أبو دلف أحد ولاة المأمون فمن ضمن القصيدة البيت القائل :
دع ربا قحطان في يمن ... في يمانيه وفي مضره
وامتدح من وائلٍ رجل ... خفر الأيام في خفره
إلى أن قال وهي سبعون بيتا :
كل من الأرض من عرب...بين باديه ومحتضره
مستعيرٌ منك مكرمـــة ... يكتسيها عند مفتقره
أو كما قال ....
زعل منها المأمون والواجب أن يتذكر نعمة المأمون على أبي دلف فالتمس المأمون عذرا لقتله ووجد له قصيدته الملحدة التي يمدح فيهاأحد الأمراء بقوله :
أنت الذي تنزل الأيام منزلها وتنقل الدهر من حال إلى حال
فما قضيت على............. إلا قـــضــيت بآمــــال وآجـــال
فقتله المأمون بها.
أما من ناحية بحر المديد
لمديد الشعر عندي صفات فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
فهو من البحور التي نظم عليها كثير من الشعراء على سبيل المثال قول المهلهل (الزير سالم)في ديوانه :
يالبكرٍ أنشروا لي كليبا ..... يالبكرٍ أين أين الفرار
وقد يستعمل تاما ومجزوءاً وهو بحر من البحور الرقيقة وفيها امتداد متناسق وأكثر المعاصرين قد نظم عليه .

يتيم الشعر 14-12-2002 12:24 PM

أخي المركاز

ما شاء الله عليك أحييت في القلب هوى دفيناً وعشقاً لم ينم لأيام الأدب والطرب ..

محمد ب 14-12-2002 12:46 PM

أخي المركاز
أخوك من مذهب عروضي يهتم بما استعمل من العروض وليس بالأصل النظري الذي ورد في كتب العروض.
ومن هنا قلت إنني لم يعلق بذاكرتي من مديد التراث إلا قصيدة علي بن جبلة وهو اسمه الذي اشتهر به فيما لاحظت أكثر من لقب العكوك خلافاً للعادة فالعادة أن يشتهر اللقب أكثر من الاسم(هذه أيضاً من ملاحظاتي على المستعمل!)
ويكفيك من ندرة استعمال المديد أنني لم أعثر في ديوان المتنبي الذي عندي ولا على بيت واحد من هذا البحر!
وعجبت جداً لقولك إن أكثر الشعراء المعاصرين نظموا عليه.
والمعاصرون عندي هم أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعلي محمود طه وعمر أبي ريشة وبدوي الجبل والجواهري و أبي القاسم الشابي.
فإن أتحفتنا بقصائد على هذا البحر للمعاصرين كنت فعلاً من الشاكرين لأنني أبحث عن نماذج عليه.

محمد ب 14-12-2002 12:49 PM

وبالمناسبة المهلهل كما تعلم مشكوك جداً في قصائده ولا أستبعد أن يكون الراوي الذي نحل القصيدة اختار قصداً بحراً نادر الاستعمال.
وإلا فأين المديد عند جرير والفرزدق وبشار وأبي تمام وأبي نواس والبحتري ؟
هو كما قلت نادر إن ورد.
والله أعلم

خشان خشان 14-12-2002 04:20 PM

تحية للإخوة الكرام
من أكثر من كتب عن المديد الدكتور محمد عبد المجيد الطويل في كتابه (في عروض الشعر العربي – قضايا ومناقشات ) في الصفحات (108 – 120 ) وأشكر لأخي محمد طيب كلامه وإنها لشهادة منه أفتخر بها وأتمنى أن اكون عند بعض حسن ظنه.
شكرا على هذاالموضوع الشيق.
الموضوع طويل وسأحاول تحضيره والمشاركة مرة أخرى.
وحسبي في هذه العجالة أن اشير إلى أعاريض وأضرب المديد.في الرابط:

http://www.geocities.com/khashan_kh/...waladhrob.html


بعد أن كتبت ما تقدم عثرت في الشبكة على هذه المادة الرائعة ذات العلاقة بالمديد وأرجو أن تروق لكم.

فاسقنيها ياسواد ابن عمرو * إن جسمى بعد خالى لخل(1)



--------------------------------------------------------------------------------
http://64.119.168.231/uofislam/makta...ali/04/a93.htm

(1) - فاسقنيها - الخ البيت من قصيدة مشهورة من مختار أشعار القبائل لابى تمام قيل إنها للشنفري يرثي خاله تأبط شرا وذلك غلط لان تأبط شرا ليس خالا له ولان الشنفري مات قبله وقيل انها لابن أخت تأبط شرا يرثيه وقيل انها من أوضاع خلف الاحمر وأولها
ان بالشعب الذى دون سلع * لقتيلا دمه ما يطل *
* قذف العب‌ء على وولي * أنا بالعب‌ء له مستقل *


ووراء الثار منه ابن أخت * مصع عقدته ماتحل *


مطرق يرشح سما كما * أطرق أفعي ينفث السم صل


خبر ما نابنا مصمئل * جل حتي دق فيه الاجل


بزنى الدهر وكان غشوما * بأبي جاره مايذل *


شامس في القر حتى اذا ما * ذكت الشعرى فبرد وظل


يابس الجنبين من غير بؤس * وندى الكفين شهم مدل


ظاعن بالحزم حتى اذا ما * حل حل الحزم حيث يحل


غيث مزن غامر حيث يجدي * واذا يسطو فليث أبل


مسبل في الحى أحوى رفل * واذا يغزو فسمع أزل


وله طعمان أري وشري * وكلا الطعمين قد زاق كل


يركب الهول وحيدا ولا يصحبه * الا اليماني الافل


وفتو هجروا ثم أسروا * ليلهم حتى اذا أنجاب حلوا


كل ماض قد تردي بماض * كسنا البرق اذا ما يسل


فادركنا الثأر منهم ولما * ينج ملحيين الا الاقل


فاختسوا أنفاس ثوم فلما * هوموا رعتهم فاشمعلوا


فلئن فلت هذيل شباه * لبما كان هذيلا يفل (*)

---------------------------

http://alarabnews.com/alshaab/GIF/02-08-2002/Shaker.htm

العلامة محمود شاكر في مواجهة النص .. «رؤية ومنهج»



بقلم الدكتور: صـابر عـبدالدايم




يعد العلامة محمود شاكر من أكبر رموز الثقافة العربية المعاصرة التي تقف شامخة في وجه التشويه الثقافي. والضعف الذي أصاب الفكر العربي بالعطب والتبعية. إنه تحمل الأعباء الجسام في سبيل قضية التأصيل، والمحافظة على هوية اللسان العربي. والفكر العربي، وكان إيمانه الراسخ أن اللغة هي ثقافة الأمة، وأن رأس كل ثقافة هو الدين. وقد توج حياته الفكرية والثقافية، وجهاده المتواصل في ميدان الكلمة النقية التي تخلصت من العجمة، والغربة والاستلاب، توج هذه الرحلة المباركة بكتابه الصعب الذي أسماه «نمط صعب ونمط مخيف»(1). وهو تحليل موسوعي شامل لإحدى عيون الشعر العربي.. وهي قصيدة ابن أخت تأبط شرا التي يقول في مطلعها: إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلاً دمه ما يُطلُّ وهو بهذا الكتاب الفريد يلقن جيلنا المعاصر، والأجيال القادمة الدرس العميق، والرؤية الجادة، في تحليل الإبداع العربي، وفق منظور عربي، خالص من الشوائب والترجمات الهزيلة..، والتهجين الثقافي. * إنه تحليل يرتكز على إظهار عبقرية اللغة العربية، وجمالياتها الصوتية، والاشتقاقية، والبلاغيةفي خضم هذا الجمال العبقري، لا يغفل عبقرية المكان، ولا تضيع ملامح البيئة الممتزجة بالمفردة اللغوية، والتراكيب وخصائصها المائزة. إنه في هذا الكتاب عاشق جسور للغتنا الجميلة في أبهى عصورها وأقواها. * وأصالته تكمن في إيمانه العميق بسموق الفكر العربي، وتفوق التراث العربي.. لغة وإبداعا.. ومنجزات حضارية وتاريخية وعلمية.. كونت هذه الأمة وجعلت منها في عصورها الأولى: خير أمة أخرجت للناس. وينطلق محمود شاكر في كتاباته من منهج متكامل في مواجهة النص الإبداعي والفكري وذلك وفق منظور عربي خالص، مؤمن بفاعلية الحضارة العربية والإسلامية، ودورها الرائد في حضارة الإنسان، والرقي بمداركه وأخلاقياته. وهذه الرؤية الشمولية النزعة للتجديد والتأصيل، وعدم الاستكانة للمألوف والمتوارث، تتصادم مع السائد في الأعراف والتقاليد الأدبية وخاصة «المناهج الحديثة» التي ألفها جمهور النقاد والأدباء في تحليل النص.. وهي لا تخفى على من له أدنى صلة بالحياة الأدبية المعاصرة.

خشان خشان 14-12-2002 05:03 PM

هذه المناهج في تحليل النص، وفي دراسة الأدب لم يحددها الشيخ محمود شاكر، ولم يهاجم منهجا خاصا، ولم ينتصر لمنهج على آخر، شأن الكثيرين من كبار أدبائنا ونقادنا، ولكنه أعلن رفضه الصريح لكل المناهج الأدبية السائدة ويقول وهو يحث على ضرورة المنهج التطبيقي في تحليل النص بعد توثيق المادة وتمحيصها: «إن شطر التطبيق هو الميدان الفسيح الذي تصطرع فيه العقول، وتتناص الحجج. أي أن تأخذ الحجة بناصية الحجة كفعل المتصارعين، والذي تسمع فيه صليل الألسنة جهرة أو خفية، وفي حومته تتصادم الأفكار بالرفق مرة وبالعنف أخرى، وتختلف فيه الأنظار إختلافاً ساطعاً تارة، وخابياً تارة أخرى وتفترق فيه الدروب والطرق أو تتشابك أو تلتقي، هذه طبيعة هذا الميدان، وطبيعة النازليه من العلماء والأدباء والمفكرين، وعندئذ يمكن أن ينشأ ما يسمى «المناهج (2) والمذاهب». وهذا النص «الوثيقة» يفسر قناعة «محمود شاكر» بتعدد المناهج، وتسليمه بذلك، ويجعله بمنأى عن رفض الآخر، والانغلاق على الذات، ولكنه يرى أن لكل أمة منهجا وهوية وطريقة في تفكيرها وتحليلها واستنباطها، يقول مفسرا التناقض الظاهر بين إيمانه بتعددية المناهج وبين رفضه للسائد منها، وربطها بفساد الحياة الأدبية. «أعلم أن حديثي هنا هو الذي يسمى "المنهج الأدبي" على وجه التحديد أي : عن المنهج الذي يتناول الشعر والأدب بجميع أنواعه، والتاريخ وعلم الدين بفروعه المختلفة ، والفلسفة بمذاهبها المتضاربة، وكل ما هو صادر عن الإنسان إبانة عن نفسه وعن جماعته.. ووعاء ذلك ومستقره هو «اللغة واللسان لا غير»(3). وما تحدث به الشيخ هو الإطار العام للمنهج.. أما لب المنهج ووسائله الفاعلة المتشكلة من ثقافة أمتنا العربية والإسلامية،، فتتجلى في تحديده لها حيث يقول : إن الإحساس القديم المبهم المتصاعد بفساد الحياة الأدبية. قد أفضى بي إلى إعادة قراءة الشعر العربي كله أولا.ثم قراءة ما يقع تحت يدي من هذا الإرث العظيم الضخم المتنوع من تفسير وحديث وفقه، وأصول فقه، وأصول دين «هو علم الكلام» وملل ونحل «إلى بحر زاخر من الأدب والنقد والبلاغة والنحو واللغة، حتى قرأت الفلسفة القديمة والحساب القديم والجغرافية القديمة، وكتب النجوم، وصور الكواكب، والطب القديم، ومفردات الأدوية، وحتى قرأت البيزرة والبيطرة والفراسة. بل كل ما استطعت أن أقف عليه بحمد الله سبحانه، قرأت ما تيسر لي منه، لا للتمكن من هذه العلوم المختلفة، بل لكي ألاحظ وأتبين وأزيح الثرى عن الخبء المدفون»(4). إن هذه الرؤية الشاملة لثقافة الناقد الأدبي، ولكل من يواجه النص مواجهة تنطلق من الدراية وليس الرواية، تتكئ على الملاحظة والتدقيق، واستكشاف عناصر الإبداع في النص الأدبي، وجمالياته وأسسه وخصائصه الفنية وفق منظور عربي، لا يتصادم مع هوية الأمة ولا خصائصها وتسلمنا هذه الرؤية المنهجية إلى معالم المنهج الذي اختطه "محمود شاكر" في مواجهة النص وتحليله.(5) وهي مواجهة عميقة فاحصة متسلحة بالمعرفة المتآلفة مع الحس الإبداعي المرهف، والوهج الشعوري، والحدس الفني المدرك لما تحمله المفردة الشعرية من طاقات إحيائية، وما تبوح به التراكيب اللغوية من أسرار ومضامين ورموز، وحقائق وأحاسيس، تتراءى للشيخ كائنات حية متجسدة تبرهن عليها عبقرية اللغة وخبرة الناقد بأسرار العربية، ومعرفته المحيطة ببيئات الشعر، وأماكنه، وتاريخه، وتطوره، والفروق الدقيقة بين شاعر وشاعر، وقصيدة وقصيدة، وقد تجلت معالم المنهج التحليلي التذوقي لدى الشيخ في معرض مواجهته لقصيدة ابن أخت تأبط شرا. ويحدد معالم هذا المنهج الصعب.. والطريق المخيف.. إذ يقول: وأظنه صار بينا أو شبيهاً بالبين. «أن مدارسة قصيدة من القصائد (وقديم الشعر وحديثه في ذلك سواء) تحتاج أول كل شيء إلى تمثل القصيدة جملة. وتمثل أجزائها تفصيلا، تمثلا صحيحا أو مقاربا بدلالة جمهور ألفاظها على بنائها ومعناها. ثم تحتاج إلى تحديد معاني الألفاظ في موقعها من الكلام. ثم إلى ضبط الدلالات التي تدل عليها الألفاظ والتراكيب جميعا. ثم إلى تخليص ألفاظها وتراكيبها من شوائب الخطأ الذي يتورط فيه الشراح والنقاد. ثم إلى إزالة "الإيهام» الذي مرده إلى التهاون في تمييز فروق المعاني المشتركة بين الشعراء، إلى الغفلة في حذق الشعراء في استخدام الإسباغ والتعرية والتشعيث في الألفاظ والتراكيب».(6) وهذه الحيثيات الدقيقة في مدارسة النص.. هي البدايات حتى لا يضل الدارس الطريق الصحيح إلى فهم النص.. ثم تبدأ المواجهة بشواهدها المؤثرة ومنها : أولاً: ضرورة الوقوف على حقيقة قائل النص والتعرف على بيئته ومكونات ثقافته وينابيع هذه الثقافة، ومراميها القريبة والبعيدة.. ولأن الشيخ ينتصر للنقد التطبيقي القائم على تناص الحجج.. رأيناه يطبق هذا الشاهد من شواهد المنهج في جدية وتمحيص، حين خالف السائد الذي ينسب إلى تأبط شرا القصيدة التي حللها في كتابه "نمط صعب" فيناقش هذه النسبة في بدايات كتابه من ص 33-62، والمنهج التاريخي التوثيقي هو المسيطر في هذا المضمار، وهو أسلم المناهج في الوصول إلى ما يأمل الباحث من حقائق في مثل هذه القضايا. وقد رتب الشيخ رواة القصيدة ـ كلها أو بعضاً منها ـ مع تباين نسبتها وعددهم خمسة عشر راويا.. بداية من ابن هشام المتوفى سنة 218 هـ إلى البغدادي المتوفى 1093هـ، وقسم هؤلاء الرواة إلى خمسة أقسام، في نسبتهم القصيدة إلى قائلها.. وفي القسم الثاني حدد الرواة الذين نسبوها إلى "ابن أخت تأبط شرا" وهم «الجاحظ في الحيوان، وابن عبد ربه الأندلسي في العقد، والبكري الأندلسي في معجم ما استعجم، والتبريزي في شرح الحماسة، وهؤلاء لم يحددوا اسمه. وابن هشام في كتاب التيجان نسبها إلى أبن اخت تأبط شراً، وزعم أنه الهجال بن امرئ القيس الباهلي، وزعم البكري الأندلسي أنه "خفاف بن نضلة" في كتابه اللآلئ. وابن دريد، وابن بري، والبغدادي نسبوها إلى "الشنفرى» وزعموا أنه ابن أخت تأبط شراً. ويقول الشيخ.. مبينا أهمية هذا المعلم من معالم المنهج. وأول مشكلة معقدة تعرض : هي مشكلة نسبتها إلى صاحبها الذي هو صاحبها. ثم ينبه إلى أن الاستهانة بأمر نسبة الشعر إلى صاحبه مضر، لأنه يدخل الخلط والفساد في تمييز شاعر من شاعر، وفي الكشف عن خصائص بنية كل شاعر في شعره، ثم يقول "ولتحقيق النسبة خطر عظيم في أمر الشعراء المقلين، وفي أمر الشعراء أصحاب المفردات من القصائد ، لأن عبيد الشعر لهم مناهج غير مناهج الذين لم يقولوا الشعر إلا في مواقف بعينها، أثارتهم فانطلقوا يتغنون به، وغير مناهج المقلين أصحاب القصائد ذوات العدد". وتطبيقا لهذا المنهج في مواجهة النص.. ينعى محمود شاكر على "لويس عوض" عدم إحاطته بشخصية أبي العلاء وهو يحلل نصوصه. وقد وقع في ضلال كبير نتيجة لسوء الفهم.. وقلة التعمق في إدراك مرامي فكر أبي العلاء. وعدم تقصي مصادر ثقافته، والمؤثرات الحقيقية في أدبه. يقول أبوفهر «فالدارس ينبغي أن يكون قد ملك الأسباب التي تجعله أهلا لمعاناة المنهج" وهذا شيء يحسن ضرب المثل عليه لتوضيحه. فإذا اتخذنا شيخ المعرة مثلا موضحا. فدارسه ينبغي أن يكون مطبقا لقراءة نصوصه جميعا من نثر وشعر، لا من حيث هما لفظان مبهمان غامضان : نثر أو شعر، بل من حيث تضمنها ألفاظا دالة على المعاني، وألفاظا قد اختزنت على مر الدهور في استعمالها وتطورها قدرا كبيرا من نبض اللغة ونمائها الأدبي والفكري والعقلي، إلى كثير من الدلالات التي يعرفها الدارسون، ثم من حيث هي ألفاظ قد حملت سمات مميزة من ضمير قائلها بالضرورة الملزمة، لأنه إنسان مبين عن نفسه في هذه اللغة بما يسمى"شعرا" أو بما يسمى "نثراً"(7). وهناك دلائل متعددة فطن إليها "محمود شاكر" للتعرف على قائل النص، وقد أعمل خاطره وكد ذهنه. ومن هذه الدلائل: * الاعتماد على نسيج الشاعر وطريقته في صوغ الشعر، وقد مال إلى ترجيح أن تكون القصيدة المنسوبة لتأبط شرا ليست له، اتكاء على الإدراك الواعي لنسيج الشاعر وطريقته في صوغ الأسلوب، حيث يقول: "ووجه آخر هو أني أجد نسبتها إلى تأبط شرا أمرا صعبا، لأن نسجها يخالف كل المخالفة، ما وصل إلينا من شعره وهذا أمر دقيق(8). * والمكان له دور في تحديد قائل النص، حين تتعمق خبرة الناقد المعرفية بجغرافية المكان، وأماكن القبائل، وتحركاتها.. وقد نعى"محمود شاكر" على "ابن هشام"، نسبة القصيدة إلى «الهجال بن امرئ القيس الباهلي" [ابن أخت تأبط شراً] في خبر طويل جداً في كتابه «التيجان» وقال محمود شاكر: إن هذا الخبر فيه خلط كثير، وليس في كتب الثقات ما يؤيده، ثم يقوم بتجريح رواية "ابن هشام" فيقول: إنه كان قليل العلم بالشعر، ويناقش مسألة نسب ابن أخت تأبط شراً وهو الهجال في زعم ابن هشام ويقول: نعم كان «تأبط شراً من بني فهم بن عمرو بن قيس عيلان ابن مضر و«باهلة» التي ينسب إليها "الهجال بن امرئ القيس هم«بنو مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر" ولكني أستبعد أن يكون "الهجال" هو "ابن أخت تأبط شرا" لأن ديار باهلة عند الإسلام باليمامة في شرقي نجد، وديار بني فهم "رهط تأبط شراً" كانت بالحجاز غربي نجد، ويا بعد ما بينهما. ولم أجد في شيء من مراجعي ذكرا لأحد يقال له الهجال بن امرئ القيس الباهلي. ثانياً: العناية الفنية والعلمية بالترتيب الصحيح لأبيات النص، ومناقشة الروايات المختلفة للنص مع ضبطه في إحكام وضرورة التحقق من ذلك. وقد أشاد محمود شاكر بهذا المعلم من معالم منهجه صراحة في القسم الثالث من كتابه "نمط صعب" وأكد على أنه ينبغي ألا يدع المرء جهداً يبذل في تحري أمور أربعة، واستقصائها بكل وجه متيسر، وهي : استقصاء المصادر التي روت القصيدة تامة، أو روت قدرا صالحا منها، مع التزام الترتيب التاريخي لمن أسندت إليه الرواية فيها، ثم إيضاح اختلاف عدد أبيات القصيدة في كل رواية، ورصد الفروق بين رواية الرواة عن شيخ واحد من شيوخ الرواية، ثم اختلاف هذا الترتيب إن كان في رواية غيره من الشيوخ. ثم استقصاء كل اختلاف يقع في بعض ألفاظ الأبيات في هذه المصادر، ثم في سائر مصادر اللغة والنحو والأدب والتاريخ. ثم يؤكد الشيخ على أن الترتيب التاريخي في كل ذلك أمر لا ينبغي إغفاله أو التهاون فيه،(9) وهذه الصرامة في تطبيق المنهج ليست فرضيات يطرحها أبوفهر، وليست تنظيرا يعوزه التطبيق، ولكنه قام بتطبيق هذه الأمور الأربعة في دقة علمية، وهو يحلل قصيدة ابن أخت تأبط شراً، وهو بهذا المنحى التطبيقي قد سلم من الآفة التي تصيب كثيرا من الداعين إلى المناهج. حيث يقدمون قواعد جافة لا تصمد أمام وهج التطبيق، وتظل عاجزة عن تقديم الثمار النافعة لشداة الأدب، وأرباب البيان، وفرسان النقد. ثالثاً: الإيقاع العروضي وصلته بالتجربة : إن النص الشعري تتعدد أبعاده الجمالية، والبحث عن أسرار هذا الجمال ربما يكمن في البناء بالموسيقى،

خشان خشان 14-12-2002 05:05 PM

وربما يكمن في التشكيل بالصورة، وربما يكمن في البنية اللغوية والإحساس بالزمن، وكل الأبعاد السابقة تنبثق من الطاقة الشعورية المتدفقة من كيان النص، وهو بدون هذه الطاقة يعد نهرا جافا، وحديقة يابسة، وأفقاً منطفئ النجوم.(10) وهذه الطاقة الشعورية الموارة في وجدان الشاعر تظل بين التوهج والانطفاء من ناقد لآخر.. وهي في أكثر حالاتها خامدة، لأن الناقد يتعامل مع النص في وعي وعقلانية وأناة، ومعه أدواته النقدية وخبرته. ولكن الأمر مختلف جدا مع شيخنا "محمود شاكر" فهو يواجه النص وهو -ربما- أكثر انفعالا وتوهجا، والتحاما بالتجربة من منشئ النص نفسه، وربما تعد هذه الحالة النقدية من المشاهد النقدية النادرة في تحليل النص ومواجهته - وهي تمثل منهجا يقوم على التذوق الجمالي للنص، مصحوبا بحالة من الوجد والصدق الشعوري في استكشاف جماليات االنص، ويؤكد الشيخ هذا المنهج حينما يصور قراءته للشعر بأنها "قراءة متأنية، طويلة الأناة، عند كل لفظ وكل معنى، ثم يقول" كأني أقلبهما بعقلي، وأروزهما (أي : أزنهما مختبراً) بقلبي، وأحبسهما حبسا ببصري وببيدتي، وكأني أريد أن أتحسسهما بيدي، وأستنشئ (أي أشم) ما يفوح منهما بأنفي، وأسمع دبيب الحياة فيهما بأذني، ثم أتذوقهما تذوقا بعقلي وقلبي، وبصيرتي وأناملي، وأنفي وسمعي ولساني، كأني أطلب فيهما خبيئا قد أخفاه الشاعر الماكر بفنه وبراعته، وأندس إلى دفين قد سقط من الشاعر عفوا، أو سهوا، تحت نظم كلماته ومعانيه، دون قصد منه أو تعمد أو إرادة(11). إن هذا الفناء الكلي في النص في سبيل الكشف عن الكنوز الخبيئة، هو نمط صعب ونمط حبيب وغير مخيف لدى عاشقي الشعر ومن فطرهم الله على النقد والتحليل. وانطلاقا من هذا المنهج حلل "محمود شاكر" البنية الإيقاعية "في قصيدة ابن أخت تأبط شرا واحتشد لهذا التحليل، كالعهد به دائما احتشاد المحارب العاشق المدافع عن عرينه، وقد بالغ وأسهب في دراسة "الأطر العروضية" والأوزان، والدوائر، ومما ينبئ عن تغلغل القيمة النغمية والعروضية للنص في منهجه أنه بدأ مواجهة القصيدة بدراسة ظاهرة "التفعيل" ثم ظاهرة "التجريد" وهي حركات وسكنات التفاعيل، ثم عرض في إيجاز للدوائر العروضية(12). وهذا المهاد النظري العروضي، عاد إليه الشيخ مرة أخرى وأسهب في تقديم القواعد العروضية من ص(85-116)، وهو يعد ذلك تأسيسا لأحكامه النقدية الرابطة بين الإيقاعات العروضية، وبين تجربة الشاعر، وتصوير هذه التجربة في إطار من النغم المتدفق، وكان بإمكان شيخنا التركيز على بحر "المديد" وزحافاته وعلله، وتشكيلاته العروضية.. لأن القصيدة تسبح أنغامها في أمواج هذا البحر، الذي أفاض الشيخ في تباين خصائصه النغمية.. وعلاقة إيقاعه بالتصوير البياني، عن طريق التشبيه المفرد وليس المركب وكذلك نغم المديد بتشكيل الصورة الإيحائية، القائمة على الإيجاز والاقتصاد اللفظي، وكذلك علاقة هذا النغم بالكلمة الحية الموجزة المقتصدة. ولا شك أن هذه قضايا شائكة لم تأخذ صفة القاعدة، وإنما بنيت على التذوق، والاجتهاد النابع من سياق النص. ومكونات التجربة ومناخها، وتكوينها الأسلوبي، وأصالة المنهج تنبع من أن أحكام الشيخ وكشوفاته النغمية لا تنفصل عن جذور هويتنا الثقافية العربية والإسلامية، وليست متكئة على مصطلحات أجنبية مثقلة. يقول معقبا على تحليله لظاهرة النغم في النص: "الآن فرغت من هذا الغناء" الفخم" وكنت مستطيعا أن أهزل باسم الغناء والنغم، فأستولج في كلامي ألفاظا للتغرير والإثارة، فأقول "السمفني" و"الهرمني" وكروبا وراء ذلك كثيراً!!! ولكني آثرت أن أدع الأمر حيث هو من القرب، والبعد أيضا، لأن حديث النغم كان يقتضي أن أعود إلى ماقلته في بناء الغناء العربي كله على ماهدانا إليه الخليل رحمه الله، وسماه "الأسباب والأوتاد" وأن أعود أيضا إلى ما استظهرته من أن الأوتاد وهي الثوابت التي لا يدخلها زحاف، لها في كل بحر منازل لا تفارقها، ومن حولها تدور الأسباب مزاحفة وغير مزاحفة، وأن أبين أيضا أن الزحاف ليس ضرورة كما يتوهم، بل هو أصل في تنوع النغم، يعطيه شيئا جديدا، ويكسبه معاني جمة، لا تكاد تحصر، وكل العمل في الغناء والترنيم هو لمهارة "زمن النفس" الذي يتولى القصيدة في إلحاق هذه المعاني بالنغم، بنسب مضبوطة محكمة مقدرة، صادرة عن حركة الأسباب وزحفها على الأوتاد والتقائها بها، لا في البيت الواحد، بل في جملة الغناء من أول بيت إلى آخر بيت"(13) ويفيض الشيخ شاكر في تحليل إيقاع بحر «المديد» ويحلل قول العروضيين القدامى الذين وصفوا موسيقاه بالثقل، أو الصعوبة والعسر. كما وصفه د.عبدالله الطيب(14)، ويصل بعد تحليل للأسباب والأوتاد وعلاقتهما بالنغم إلى أن الأمر ليس ثقلا.. ولكنه نزاع خفي بين «الحادي والمجيب» وبين الترفيل، وما أوجب عليك نزاعهما من توقف وتردد وإحجام، ومن استفزاز مسرع بك إلى الانطلاق، ثم حدوث ذلك كله في زمن متقارب، وهذا التحليل منبعه الذائقة الفنية، والحدس، وهو كما يقول الغزالي" مفتاح أكثر العلوم"، وتذوق النغم والتأني في التذوق، هما الفيصل في إدراك حقيقة هذه الصفة، أو هذا المنزع في إدراك العلاقة بين البنية الإيقاعية والتجربة الشعرية. ويقول الشيخ "وأجهل الناس من يظن أن جمال الأنغام المتسربة من ألفاظ الشعر وألحانه المركبة، دانية القطوف لكل كاتب أو ناقد" ولا يغفل "محمود شاكر" شطر التطبيق في المنهج، فهو يصهر النغم وتشكيل الصورة والبناء اللغوي في بوتقة فنية واحدة، ويعلق على تصوير الشاعر لكرم خاله وشجاعته حيث يقول : شامس في القُرِّ، حتى إذا ما ذكت الشعرى، فبرد وظلُّ يابس الجنبين من غير بؤس ونَدِيْ الكفِّين، شهم، مدلُّ يقول بعد الغوص وراء موجات الألفاظ وتحليلها مثل شامس، ويابس الجنبين، وندي الكفين وشهم، ومدل، وكأنه يحيي هذه الألفاظ ويعود بها للحياة من جديد في سياق هذا النص الجاهلي بناء على فهمه الدقيق لأسرار لغتنا الشاعرة كما وصفها العقاد. ويعيب على كبار علماء اللغة والرواة والشراح فهمهم القاصر لمدلولات الألفاظ في سياق النص المذكور، فيعلق على تفسير الفراء لكلمة «شهم» بأنه تفسير قاصر جدا، ثم يقول «ولا يغررك كلام الفراء فتحمل عليه هذا الشعر الذي نحن فيه، فإذا هو زاهق، قد أدرج في كفن اللغة "وينعى على المرزوقي في تفسيره لكلمة «مدل» بأنه الواثق بنفسه وآلاته وعدته وسلاحه". وقال متهكما.. هذا تفسير يذبح الشعر بغير سكين". يقول الشيخ شاكر مصورا دور الإيقاع الشعري في إثراء التجربة والالتحام بواقع الشاعر "وتمام المقابلة بين يابس الجنبين"، و"ندي الكفين" "زاد حركة" التنغش في الصورة كلها، بيد أن شاعرنا لن يكف مقتصرا على ما أحدث من تنغش الحياة، فإنه قد عزم أن يجمع مهارته وسطوته إلى مهارة بحر المديد وسطوته فيجعل الصورة في الأبيات الثلاثة جميعا، تتحرك حية، مكتملة الحياة والحركة، فسكت سكتة لطيفة بعد أن انتهى إلى "وندي الكفين" فقطع ما كان فيه، وأعرض عن عطف صفة على صفة بشيء من حروف العطف، انبعث يرمي على "أنغام بحر المديد بلفظين طليقين موجزين، فاهتزت الصورة كلها حية بما دب فيها من حياة جديدة "شهم مدل". ثم يتابع رصده لعنصر الإيقاع قائلا: "كان في هذين اللفظين : "شهم، مدل" من وجيب الحركة ونبضها، ومن حثحثتها واندفاقها، ومن تلهبها ومضائها، قدر لايدانيه شيء مما تدل عليه ألفاظ هذه الأبيات الثلاثة، ومجيئها بعد تنغش الحركة في ثلثي البيت الثالث أتاح لهما أن يسكبا في ألفاظ الأبيات قبلهما حركة دافقة، هزت ما كان ساكنا يترقرق من معانيها"(15). وهذا المنحى في تحليل الإيقاع الشعري يحاول من خلاله الناقد أن يتسمع إلى الإيقاع الباطن وأن يشاهده، وأن يشم رائحته، وأن يقبض عليه.. إنه إيقاع تحسه ولا تراه، تدركه ولا تستطيع أن تقبض عليه، ويكمن في تعادل النغم عن طريق مدات الحروف حينا، وعن طريق تكرارها حينا، وعن طريق استعمال حروف مهموسة أو مجهورة تتساوى مع الإطار العام للقصيدة"(16). وغير خافٍ على شيخنا أبي فهر، وعلى متذوقي الشعر، ومحبي الشعراء أن الشاعر لا يتعمد، وربما لا يعلم عن هذه الجماليات الإيقاعية والأسلوبية شيئا. وإنما مرده إلى السليقة اللغوية، والموهبة الشعرية التي خص بها قوم دون آخرين، ولذلك أجدني مترددا في قبول هذه العبارة على سبيل اليقين، حيث يقول "أبوفهر" بيد أن شاعرنا لن يكف مقتصرا على ما أحدث من تنغش الحياة، فإنه قد عزم على أن يجمع مهارته وسطوته إلى مهارة بحر المديد وسطوته"....إلخ.

خشان خشان 14-12-2002 05:06 PM

وإنما الأمر أن الشاعر قال وعلينا أن نتأول، والمتنبي صاحب شيخنا الأثير ألم يقل : أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم؟!! ومن اكتمال. زمن التغني "كما يقول أبو فهر" أو ظاهرة الإيقاع في النص الشعري أن نرصد القيم الصوتية التي تبرز موسيقية الحروف في اللغة العربية. وفي بيت واحد ينوه "محمود شاكر" بخصائص الحروف وقيمتها في إحداث الإيقاع الشعري - أو كما يقول «الغناء» - ويربط بين حركة الإيقاع وبين النفسية للشاعر حيث يجد المستمع من هذا النغم نشوة كنشوة هذا الشاعر في تذكره خاله، معجبا به، مفتونا بأخلاقه وشمائله. والبيت يأتي تاليا للأبيات السابقة، في سياق رصد صفات وسلوكيات المتوجه له بالرثاء. ظاعن بالحزم، حتى إذا ما حلَّ .. حلّ الحزم حيث يَحلّ ويوازن أبو فهر بين ما أحدثه حرف الحاء من نغم في هذا البيت وبين ما أحدثه الحرف نفسه من تنافر في قول أبي تمام: كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي واذا مالُمته لمتُه وحدْي حيث يرجع التنافر في هذا البيت "لهاتين الحاءين المقترنتين بالهاء، ثم تكرارهما في لفظين متجاورين، يقول: "ولكن شاعرنا أتى بسبع حاءات في سبع كلمات متتابعات، فما ساغ لأحد أن يعده في تنافر الكلمات، والذي أفسد على أبي تمام كلامه، مجيء الحاء الساكنة بعدها هاء متحركة، والهاء مخرجها من أقصى الحلق، والحاء مخرجها من وسط الحلق، فهما متدانيان، وسكون الحاء زادها دنوا من مخرج الهاء التي تليها، فثقل النطق بهما ثقلا شديدا، فلما كرر اللفظ مرة أخرى أطبق الثقل، ونفرت منه طبائع النطق، أما شاعرنا فجاء بسبع حاءات في سبع كلمات متتابعات، ولما كانت الحاء المتحركة أقوى من الساكنة، كان النطق بها أخف، وكان النطق بها مفتوحة يستوجب شيئا من الأناة والتوقف، فطابق ما يستوجبه النطق بها، طبيعة "بحر المديد" من أناة وبطء،.. فالنغم يبدأ سريعا متحدراً " شهم، مدل، ظاعن بالحزم": ثم يستقبل الحاء المتحركة" حتى إذا ما حل" فيبطئ شيئا ما، ثم يزداد "بطئا وأناة، حتى توشك أن تقف وقفة لطيفة عند مخرج كل حاء" حل الحزم حيث يحل" فكان هذا التقسيم المتدرج في النغم وفي تحدره، راحة تعين على اجتلاء ملامح الصورة المتمثلة في هذه الأبيات، فتزداد وضوحا وصفاء، ويجد المستمع معها نشوة كنشوة هذا الشاعر مع تذكره خاله، معجبا به، مفتونا بأخلاقه وشمائله(17). رابعاً: استقلالية الرؤية في استقبال الآراء التراثية وآراء المحدثين: وهذا المعلم من معالم منهج «محمود شاكر» يؤكد أصالة منهجه، ونزعته التجديدية في قراءة التراث، فهو لا يكتفي بإقامة الشواهد التراثية برهانا على صدق ما يقول، ولكنه يحاور كبار علماء اللغة. ويستدرك عليهم كثيرا من الآراء ومن التفسيرات اللغوية لبعض الكلمات، ولا يتفق مع هؤلاء العلماء في شرحهم لبعض الكلمات أو التراكيب أو الأبيات، فهو يناقش في أصالة وجدة وابتكار أبا العلاء المعري والتبريزي، وابن هشام، وابن عبد ربه، والمرزوقي، ولا يكتفي بذلك بل يدعو إلى أن نزيد على نص اللغة مستدلين بأصل مادة اللغة، وذلك في سياق شرحه لقول الشاعر : "خبر ما، نابنا، مصمئل جل حتى دق فيه الأجلُّ يقول : وأصحاب اللغة يقولون "المصمئل" المنتفخ من الغضب و"المصمئل"، الشديد، فلو اقتصرت على نص اللغة هنا في تفسير هذا اللفظ، لفقد الشعر معناه وانما فحوى مراد الشاعر أن يدلك على أنه كلما زاد الخبر تأملاً، زاد تفاقماً وتعاظماً، وأطبق عليه إطباقاً، وأحاط به إحاطة لا تدع له من إطباقه عليه مخرجا، فأولى أن يقال إنه من قولهم «اصمأل النبات» إذا «التف وعزم وأطبق بعضه على بعض من كثافته»، وأصل هذه المادة في اللغة، صمل يصمل، صمولاً» إذا صلب واشتد واكتنز،، يوصف بذلك الجمل، والجبل، والرجل وما أشبه ذلك، «فأنت في مثل هذا الموضوع محتاج في البيان أن تزيد على نص اللغة مستدلاً بأصل مادة اللغة» (18) وفي البيت العاشر من القصيدة نفسها ينعى «محمود شاكر» على علماء اللغة وشراح الشعر تفسيرهم لقول الشاعر: غيث مزن، غامـرٌ حيث يجدي وإذا يسطو فليث أَبَلُّ يقول: «وأما يجدي فقد ذهب المرزوقي وسائر الشراح إلى أنه من الجدوى» وهي العطية وهذا لغو وفساد، لأن هذا التفسير اللغوي يجعل هذا البيت أشبه بأن يكون تكرارا للمعنى الذي سلف في البيت الثامن وهذا خطل شديد، كما يقول «أبو فهر» لم يرتكب الشاعر مثله فيما مضى، ولا فيما يستقبل، ولا يقع في مثله إلا من لا يحترز من خسيس الكلام. ويرى أبو فهر أنه ينبغي أن يقال: أجدى من «الجدا» وهو المطر و«أجدى» بمعنى أمطر. كما قالوا من «المطر» وهو اشتقاق صحيح لا قادح فيه، وهذا البناء بهذا المعنى، لم تذكره كتب اللغة.. «ولكنه ينبغي أن يقيد ويزاد عليها، وشاهده من كلام العرب هذا البيت»0(19) وحدة أبي فهر وسخريته في النقاش والحوار لم تفارقه وهو يستدرك على «التبريزي» طريقة قراءته لهذا البيت: «حلت الخمر، وكانت حراما وبلأي ما ألمت تحل» فهو يرى أن «قراءة البيت أضرت به إضرارا شديداً فالمرزوقي وأبو العلاء المعري والتبريزي قرؤوه «وبلأي. ما ألمت» ثم قال المرزوقي شارحا هذ التركيب «قوله: «ما ألمت» يجوز أن تكون «ما» صلة «أي زائدة»، ويجوز أن يكون مع الفعل بعده في تقدير المصدر، يريد «وبلأي ألمت حلالا».. ويعلق أبو فهر في سخرية وتهكم «وهذا كلام بارد غث سقيم، فاختلسه التبريزي في شرحه، فلم يحس بشيء من برده، لأنه نشأ بتبريز، من إقليم أذربيجان، وهو إقليم بارد جداً (20) وهذا التعليق ينأى بشخينا عن الموضوعية والحيدة العلمية، وأعتقد أنه من باب التفكه والتندر، وهما من طبيعة أبي فهر في مثل هذه المواقف» (21) يقول بعد ذلك في يقين وثقة «والصحيح في قراءة البيت ما أثبته: «وبلأي ما، ألمت» بينهما سكتة لطيفة «وما» حشو يأتي ليدل على الإعراض عن وصف الشيء بما ينبغي له من الصفات، وهذا الحشو يلزمك بعده سكتة عند إنشاده والترنم، ومجيء هذا الحشو، أسلوب في اختصار اللفظ يفضي إلى اتساع المعنى» (22) ويفيض «أبو فهر في محاورة الرواة وعلماء اللغة وشارحي الشعر الجاهلي، في مواضع كثيرة ويكاد يقف عند كل بيت من قصيدة «ابن أخت تأبط شراًَ» ويدلل على رأيه وفهمه الجديد بأدلة نابعة من رؤيته الثاقبة لتراثنا الشعري الفريد، ومتكئة على وعيه الفذ بأساليب العربية ودقائقها وطرائقها في التعبير، ومن هذه المواقف التقويمية لآراء شراح الشعر ما ورد من تعليق على شرح العلماء لهذا البيت: مُُسْبل في الحيّ، أحوى، رِفَلُّ وإذا يعْدو، فَسمعٌ أزلُّ يقول: «وشرح أبي العلاء والتبريزي، يجعل الشطر الأول متضمنا حلية في لباس صاحبه، أو في شعره أو في لون شفتيه، وهذا لغو لا «شعر»(23) ويرى «محمود شاكر» أن الشاعر مثل صاحبه في الشطر الأول، وهو في الحي فرسا أحوى من الجياد العتاق، ذيالا يرفل من خيلائه وزهوه، ومثله في الشطر الثاني، إذا فارق حِيّه في غاراته سمعاً أزل سريع الخطفة، لا تفلت فرائسه، فقابل بما في الشطر الثاني، ما مضى في الشطر الأول، على سواء واستقامة، لم يذكر في الآخر منهما حلية لصلة به في بدن ولا لباس، فوجب ألا تكون في أولهما حلية له في بدن ولا لباس. وهذا الاستواء ظاهر في الأبيات التي قبله كلها، فمن غير المعقول أن يخل بذلك في هذا البيت الفرد. والمتأمل في هذا التحليل الفني يرى أن التذوق الصحيح القائم على الخبرة والدربة ـ كما قال ابن سلام ـ هو المنهج الذي ارتضاه «محمود شاكر» في تحليله للنصوص، بل في مواجهته للنص، وهي مواجهة جادة عميقة متسلحة بأدوات معرفية شاملة، تستوعب علوم العربية كلها، وتتجاوز تخوم المعرفة الباردة حيث تقتحم المدارات الجديدة، وتكتشف العناصر الإبداعية في أصالة منهجية، وتوهج شعوري، وغيرة على حمى هذه اللغة من إغارات المغيرين، وحيل المخادعين، وحماقات الغافلين، من مدعي الحفاظ على لغة الأمة، وهم يشوهونها في غيبة منهم عن إدراك أسرارها، والجهل المردي بالشعاب المؤدية إلى استكناه تلك الأسرار. يقول أبو فهر في الإبانة عن منهجه في مواجهة «النص» وذلك في مقدمته لكتاب «المتنبي»: «كانت سيرتي في كل هذا الذي أقرؤه، هي سيرتي التي اخترتها ـ آنفاً ـ في شأن «الشعر الجاهلي» وهي «تذوق الكلام»! تذوق الألفاظ والجمل، وتذوق دلالتها على معاني أصحابها، وكيف يصوغ كل صاحب فكر فكره في كلمات؟ وكيف يخطئ؟ وكيف يصيب؟ وكيف يستقيم على المعنى طلبا للحق، وكيف يلتوي طلباً للمغالطة أو الزهو أو الظهور على الخصم» (24). وهذا المنهج التذوقي قاد الشيخ إلى آفاق جمالية، ومناطق جديدة في التعرف على أسرار النص الشعري، التي يعز على الكثيرين من أهل الاختصاص إدراكها..، يقول: «إن تذوق الجمال، والاستغراق في مجاله، والإحساس الشامل بالحي من نبضاته، والنفاذ الخفي إلى أسراره العميقة المتشابكة المشتبهة، بلذة وأريحية واهتزاز، شيء مختلف عن معاناة الإبانة عن ذلك الذي تجد باللفظ المكتوب». وأجهل الناس ـ في منهج «محمود شاكر» و«رؤيته الجمالية» ـ من يظن أن جمال الأنغام المتسربة من ألفاظ الشعر وألحانه المركبة، دانية القطوف لكل كاتب أو ناقد. ويعلل هذا الحكم بأن «اللغة هي قمة البراعات الإنسانية وأشرفها، وهي أبعد منالاً مما يتصوره المرء بأول خاطر، فما ظنك إذا كانت اللغة عندئذ لغة «شعر» أو «كلام مبين»! عندئذ تعي الألسنة عن الإبانة عن مكنون أسرارها، وتقصر همم النقاد أحياناً كثيرة عن بلوغ ذراها المشمخرة» (25) وبـعــد: فقد ألقيت بنفسي في المحيط الشاكري. وأظنني لست بناجٍ، فشراعي لا يصمد أمام رياح الشيخ المضمخة بنسائم الأجداد، وعبق التاريخ، ومخايل القوة، والمحيط مازالت كنوزه خبيئة في قراره الصافي البعيد. والقضايا التي أثارها شيخنا في مواجهة النص مازالت تتحدى.. وتعلن «تناص الحجج» ومنها قضية «الأزمنة والتجربة» وهي من مبتكرات الشيخ ومنها «زمن التغني، وزمن النفس، وزمن الأحداث»، وقضية «تشعيث الأزمنة، وأين مداخلها إلى مدائن النص». وقضية «التشكيل المكاني» أو «الصورة الأدبية» ولماذا لم تظهر بجلاء سافرة في «نمطه الصعب»؟. وقضية «النظم» التي لبست أكثر من قناع في وقفات شيخنا وتجلياته لأسرار التراكيب، لماذا جعلها تمشي على استحياء بين كلماته النافذة إلى أعماق النص؟ وتبقى قامة الشيخ ممتدة شامخة، وتقصر هممنا عن بلوغ ذراها المشمخرة رحمه الله، وهيأ للعربية من بعده من يواصل رسالته الجليلة في الدفاع عن حمى العروبة والإسلام، في قوة واقتدار وحمية لله ولرسوله. إننا مازلنا نحفظ قوله ونراه كائنا أمامنا يوقظ حواسنا الغافية، حتى نظل في رباط إلى يوم القيامة نعد ما استطعنا من قوة للمتربصين بهذه الأمة. يقول العلامة «محمود شاكر» رحمه الله: «وأنا لم أزل أشهد ـ منذ عشرات السنين ـ طلائع التخطيط المدبر، تنقض على أمتي وبلادي من كل ناحية، ويتم لها كل ما تريد، أو بعض ما تريد، يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، ومن أجل ذلك لم أحمل القلم منذ حملته، إلا وأنا مؤمن أوثق إيمان بأني أحمل أمانة، إما أن أؤديها على وجهها، وإما أن أحطم هذا القلم تحت قدمي بلا جزع عليه ولا على نفسي. وأبيت منذ عقلت أمري أن أجعله وسيلة إلى طلب الصيت في الناس أو ابتغاء الشهرة عندهم». رحمك الله يا أبا فهر...، وجزاك عن العربية والإسلام خير الجزاء، فأنت ـ كما قال شاعرك المجيد ـ ونعم ما قال... شامس في القُرًّ، حتى إذا ما ذكت الشِّعرى فبردٌ وظلُّ يابس الجنبين من غير بؤس وندي الكفين، شهم مدلُّ ظاعن بالحزم، حتى إذا ما حلّ، حلّ الحزم حيث يحلُّ

خشان خشان 14-12-2002 06:50 PM

ومن جميل الشعر قول إبراهيم ناجي على المديد

(( بل هو على الرمل كما بين تاليا أخي وأستاذي محمد ب. ))

رفرف القلب بجنبي كالذبيح * * * وأنا أهتف يا قلب اتئد

فيجيب الدمع والماضي الجريح * * * لِم عدنا؟ ليت أنا لم نعد

لِم عدنا؟ أو لم نطو الغرام * * * وفرغنا من حنين وألم

ورضينا بسكون وسلام * * * وانتهينا لفراغ كالعدم

آه مما صنع الدهر بنا * * * أو هذا الطلل العابس أنت؟!

والخيال المطرق الرأس أنا * * * شد ما بتنا على الضنك وبت؟!

أين ناديك وأين السمر * * * أين أهلوك بساطا وندامى

كلما أرسلت عيني تنظر * * * وثب الدمع إلى عيني وبت؟!

والبلي أبصرته رأي العيان * * * ويداه تنسجان العنكبوت

صحت ياويحك تبدو في مكان * * * كل شىء فيه حي لا يموت

عمر مطر 17-12-2002 10:30 AM

أكتفي بأن أقول إنه بحر مطرب وخفيف.

شكرا للأستاذ محمد على هذا الموضوع. وأنتظر تحليلا لقلة استعماله.

محمد ب 17-12-2002 12:30 PM

الأستاذ العزيز خشان
أبيات ناجي هي كما لا يخفى عليك على الرمل
وهو الرمل المستعمل:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلن..فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
ويجوز فيه ويلزم كل الأبيات "فاعلان" بدلاً عن فاعلن في نهاية البيت أو نهاية الشطر الأول في بيت مصرع.
وناجي اتبع النظام الحديث في القافية فجعلها مزدوجة وغيرها كل بيتين
آه مما صنع الدهر بنا * * * أو هذا الطلل العابس أنت؟!

والخيال المطرق الرأس أنا * * * شد ما بتنا على الضنك وبت؟!

فاعلاتن فعلاتن فعلن..فعلاتن فعلاتن فعلاتن(أو في النهاية فعلن إذا سكنا التاء ولم نشبع فتحتها)
فاعلاتن فاعلاتن فعلن..فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن

وهذا كثير

ومن الشعر المعاصر على الرمل قصيدة عمر أبي ريشة الخالدة:
أمتي هل لك بين الأمم..منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق..خجلاُ من أمسك المنصرم
وهي كما ترى
فاعلاتن فعلاتن فعلن..فاعلاتن فاعلاتن فعلن
فعلاتن فعلاتن فاعلن..فعلاتن فاعلاتن فعلن
وفاعلاتن تأتي في نهاية البيت وتلزم كل الأبيات.
ولم تأت فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن في الشطر الأول في كل أبيات القصيدة في حدود علمي إلا في قصيدة للمتنبي "إنما بدر بن عمار سحاب.."
ولم يعجب صنيع المتنبي النقاد.
(ولا أعجبني:))

محمد ب 17-12-2002 12:34 PM

وناجي رحمه الله معجب ببحر الرمل فيما بدا لي:
يا فؤدي رحم الله الهوى..كان صرحاً من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله..وارو عني طالما الدمع روى

محمد ب 17-12-2002 02:05 PM

لا يفوتني أن أشكر الأستاذ خشان على نقله للمقال القيم عن كتاب لمحمود شاكر رحمه الله لم يصلني(لا يصلني في هذه المدينة الأجنبية التي أعيش فيها إلا ما هو موجود في مكتبة الجامعة!)
وبفضل هذه المكتبة على كل حال عثرت على كتاب المتنبي بجزءين (الجزء الثاني كان جدالات مع طه حسين وغيره) وعلى كتاب شاكر"أباطيل وأسمار".

خشان خشان 17-12-2002 07:39 PM

أخي محمد ب.

سامحني ولسامحني القراء الكرام فلقد أخطأتُ إنه الرمل لا شك.

يتيم الشعر 17-12-2002 10:57 PM

بارك الله في مجهودكما أيها العزيزان ..

حقاً أشكر الأستاذ محمد الشاويش على استدراكه فقد كدت أشك في نفسي بسبب فاعلاتن هذه التي نقلتنا من المديد إلى الرمل لأنني بعد خطأي في موضوع ( سلم الخاسر ) أصبحت أكثر حذراً :)

و هنا اسمحا لي أن أسألكما لونكرمتما حول قصيدة عبيد بن الأبرص ( أقفر من أهله ملحوب .. فالقطبيات فالذنوب ) ففيها الكثير مما لم أستوعبه ولا أدري على أي بحر جرى !!

محمد ب 18-12-2002 12:26 AM

قصيدة عبيد هي على مخلع البسيط:
مستفعلن فاعلن مستفعل
وعليها قصيدة امرئ القيس الجميلة أيضاً
عيناك دمعاهما سجالُ..كأن شأنيهما أوشالُ

ومخلع البسيط شذب في العصر العباسي فما عاد يرد (فيما رأيت) إلا على الشكل
مستفعلن فاعلن متفعل=مستفعلن فاعلن فعولن

وهو ولا ريب أسلس .

محمد ب 18-12-2002 12:40 AM

وعلى أن الشعر الجاهلي لا يخلو من خروج على الوزن ولكن على رأي طه حسين (الذي لا يقر بصحة شيء من هذا الشعر!) من نحلوه خرجوا على الوزن المألوف قصداً ولكن خرجوا بطريقة تدل على أنهم يعرفون العروض!
وأقوال "العميد" لا تؤخذ كلها على عواهنها وموضوع النحل يستحق نقاشاً مطولاً.والله أعلم


وكنت في الحقيقة أطمع من الأستاذ خشان أن يدرس ظاهرة ندرة النظم على المديد انطلاقاً من نظريته العروضية وهذه النظرية هي فيما يبدو لي لها ناحية قوة (شأن أي نظرية علمية) تتعلق بدراستها الدقيقة للعناصر الصغرى في الوزن(الأسباب والأوتاد) وفي المقابل عندي إحساس أن لها جانب ضعف يتعلق في ميلها لحجب الضوء أو جعله خافتاً عن الأجزاء الكبرى (التفعيلة والبيت وتراكيبه المستعملة) وفي هذه النقطة الثانية أفضل طريقتي.ولكن موضوع المديد يخص فيما يبدو لي الوجه القوي من الطريقة الرقمية التي ابتكرها الأستاذ خشان.
وقد وضعت لذلك افتراضاً أن المديد تمت التغطية عليه من قبل الرمل فمال السامع إلى الحل التذوقي الأقرب الذي هو إعادة التفعيلة فاعلاتن ولم يقبل الخروج عنها بفاعلا ف ف (وضعت الفاءين قصدين لأذكر بصيغة المديد فاعلاتن فاعلن فعلن)
فرضية للنقاش لا أكثر.
مع شكري للأستاذ معين

خشان خشان 18-12-2002 06:39 AM

أخي الكريم محمد ب.
لأهمية الموضوع ولطول الشرح في هذه المشاركة ولأني إن شاء الله سأتناوله في غير مشاركة قادمة أستأذنك في أن أفرد له مشاركة بعنوان مستقل باسمه.

محمد ب 18-12-2002 10:39 AM

شكراً جزيلاً أستاذنا خشان

الغني بالله 14-10-2004 11:17 AM

شدني لخيمتكم ذكر العكوك فيهاويسرني التعقيب ثم المشاركة:
ماذكر أن المأمون قتله فقد ضعف ذلك معظم من ترجم له ورجحوا اختفاءه .
ومن يبحث عن قصيدته كاملة يعز عليه وجودها ومن ولعي بها أنقلها هنا كاملة.
ذاد ورد الغي عـن صـدره فارعوى، واللهو من وطره
وأبـت إلا الـوقـار لــه ضحكات الشيب في شعـره
ندمي إن الشبـاب مـضـى لم أبلـغـه مـدى أشـره
انقضـت أيامـه سـلـمـا لم أهج حربا علـى غـيره
حسرت عني بـشـاشـتـه وذوي اليانع مـن ثـمـره
وصغت أذني لـزاجـرهـا ولما تشجي لـمـزدجـره
إذ يدي تعصي بـقـوتـهـا لا ترى ثـأراً لـمـثـئره
والصبا سـرح أطـيف بـه فأصيب الأنس من نـفـره
ترعوي باسمي مسـارحـه ويلي ليلى بـنـو سـمـره
وغـيور دون حـوزتـــه حزت خلف الأمن من حذره
ودم أهـدرت مـن رشــإ لم يرد عقلاً علـى هـدره
بات يدني لـي مـقـاتـلـه ويفدينـي عـلـى نـفـره
فأتت دون الـصـبـا هـنةٌ قلبت فوقي عـلـى وتـره
جارنا ليس الشبـاب لـمـن راح محنياً علـى كـبـره
ذهبت أشياء كـنـت لـهـا صارفاً حلمي إلى صـوره
طرقت تلحى فقلـت لـهـا مذهب ما أنت من سـوره
قدك من موف علـى أمـل تحسر الأبصار عن نظـره
إن من دون الغنـي جـبـلاً ستكوس العيس في وعـره
يتناصلن الـسـرى قـذفـاً قد كساها الميس من قتـره
كم دجى ليل عسـفـن بـه يبتعثن الصبح من كـسـره
يتفرى عن مـنـاسـمـهـا كتفري النار عـن شـرره
دع جدا قحطان أو مـضـر في يمانيه وفـي مـضـره
وامتـدح مـن وائل رجـلاً عصر الآفاق من عصـره
المنـايا فـي مـنـاقـبـه والعطايا في ذرا حـجـره
هضـم الـدنـيا بـنـائلـه وأقال الدين مـن عـثـره
ملـك تـنـدى أنـامـلـه كابتسام الروض عن زهره
مستهـل عـن مـواهـبـه كانبلاج النوء عن مـطـره
عقـد الـجـد الأمـور بـه حين لم ينهض بمـتـعـره
فكفاها واسـتـقـل بـهـا لم تصف وهناً قوي مـرره
جبل عـزت مـنـاكـبـه أمنت عدنان فـي ثـغـره
إنمـا الـدنـيا أبـو دلـف بين معراه ومحـتـضـره
فإذا ولـى أبــو دلـــف ولت الدنـيا عـلـى أًثـره
لست أدري مـا أقـول لـه غير أن الأرض في خفـره
يا دواء الأرض إن فسـدت ومجير اليسر من عـسـره
رب ضافي الأمن فـي وزر قد أبت الخوف فـي وزره
وابن خوف في حشا خمـر نشته بالأمن مـن خـمـره
وزحوف فـي مـواكـبـه كصياح الحشر فـي أمـره
قدته والموت مـكـتـمـن في مذاكيه ومشـتـجـره
فغدا جـيلـوه عـنـه وقـد طوت المنشور من بطـره
زرته والـخـيل عـابـسة تحمل البوسي إلى عـقـره
خارجات تـحـت رايتـهـا كخروج الطير من وكـره
فأبحت الليل عـقـوتـه وقريت الطير من جزره
وعلى النعمان صفوتهـا فأقمت الميل من صعره
غمط النعمان صفوتـهـا فرددت الصفو في كدره
وبقرقـور أدرت رحـا وقعة فلت شبـا أشـره
وتأنـيت الـبـقـاء لـه فأبى المحتوم من قـدره
وطغى حتى رفعت لـه خطة شنعاء من ذكـره

الغني بالله 14-10-2004 01:20 PM

ومما يشاد به من قصائد شاعرنا المبدع قصيدته الموسومة بـ

بــــارعـــة الجمــــــــال


هل بالطلولِ لِســــــــــــــــــــــائلٍ رَدُّ
أمْ هل لها بِتكَـــــــــــــــــــــــلُّمٍ عَهْدُ

دَرَسَ الجــــــديدُ جَــــــــديدَ مَعْهَدِها
فَكَـــــــــأنَّما هِــــــــــــــيَ رَيْطَةٌ جَرْدُ

مِنْ طُولِ مَا تَبكـــــــــي الغُيومُ على
عَرَصــــــــــــــــــــــاتِها وَيُقَهْقِهُ الرَّعْدُ

فَوَقَفْتُ أســـــــــــــــــألها وليس بِها
إلا المها ونَقَـــــــــــــــــــــــــــانقٌ رُبْدُ

فَتَناثرتْ دُرَرُ الشُّــــــــــــــــؤونِ على
خـــــــــــــــــــــــدي كما يتناثرُ العِقْدُ

لَهفي على دَعْـــــــــــدٍ ، وما خُلِقَتْ
إلا لِطُـــــــــــــــــــــــــولِ تَلَهُّفِي دَعْدُ

بيضاءُ قدْ لَبِسَ الأديمُ أديـــــــــــــــــــ
ـــمَ الحُســــــــــنِ فهو لِجِلدها جِلدُ

وَيُزِينُ فوديها إذا حَسَـــــــــــــــــــرتْ
ضَافي الغَــــــــــــــــــدَائرِ فَاحِمٌ جَعْدُ

فالوجـــــــه مثل الصــــــــــبحِ مُبيضٌ
والشَــــــــــــــــعـْرُ مِثلُ الليلِ مُسْودُّ

ضِدانِ لما اســــــــــــتُجْمِعا حَسُنا ،
والضِّدُّ يُظهِرُ حُسْـــــــــــــــــنَهُ الضِّدُّ!

وَجَبينها صَـــــــــــــــــــــلْتٌ وَحَاجِبُها
شَخْتُ المَخَـــــــــــــــــــطِّ أزجُّ مُمْتَدُّ

فكأنها وســـــــــــــــــنى إذا نَظَرَتْ ،
أو مُدْنَفٌ لما يُفِــــــــــــــــــــــــقْ بَعْدُ

بِفُـــــــــــتـــــورِ عَــــــيْنٍ ما بِها رَمَدٌ ؛
وبِها تُداوى الأعـــــــــــــــــــينُ الرُمْدُ

وَتُريكَ عِـــــــــــــــــــــــرْنيناً به شَمَمٌ
أقنى وَخَــــــــــــــــــــــــــداً لَوْنُهُ وَرْدُ

وَتُجِيلُ مِسْـــــــــــــــوَاك الأراكِ على
رَتْلٍ كأنَّ رُضَـــــــــــــــــــــــــابَهُ شَهْدُ

والجِـــــــــيدُ منها جِــــــــــــيدُ جازِئةٍ
تَعْطُو إذا ما طـــــــــــــــــــــالها المَرْدُ

وكأنما سُـــــــــــــــــــــــقـِيَتْ تَرائِبها
والنحـــــــــــــــــــــرُ ماءَ الوردِ إذ تَبْدو

والمِعصــــــــــــــــمان فما يُرى لهما
مِنْ نِعْمَةٍ وَبَضَـــــــــــــــــــــــاضَةٍ زَنْدُ

ولها بَـــــــــنــــــانٌ لـــــــــــو أردْتَ له
عَقْداً بِكَفِّك أمْـــــكَـــــــــــــــنَ العَقْدُ

وَبِصَـــــــــــــــــــــدْرِها حُقّانِ خِلْتَهُما
كــــــــافــــورتينِ عَــــــلاهُــــــــما نَدُّ

والبطـــــــنُ مَطــــــــــويٌّ كما طُوِيتْ
بِيـــــــضُ الرِّيـــــــــــــاطِ يَزِينُها المَلْدُ

وبِخَصْـــــــــــــــــــــــــرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ
فإذا تنوءُ يَكــــــــــــــــــــــــــــادُ يَنْقدُ

والتف فَخْـــــــــــــــــــــذَاها وَفَوقَهُمَا
كَفَلٌ ، يُجــــــــــــــاذِبُ خَصْرَها ، نَهْدُ

فَقِـــيامُــــــــــــــــها مَثْنى إذا نَهَضَتْ
مِنْ ثِقْلِهِ وَقُـــعُــــودُهــــــــــــــــا فَرْدُ

ما شَــــــــــــــــــــــانَها طُولٌ ولا قِصَرٌ
في خَلقِها فَقِـــــــــــــــــــوَامُها قَصْدُ

إن لم يكنْ وَصْــــــــــــــــــلٌ لديكِ لنا
يشفي الصـــــــــــــــبابةَ فليكنْ وَعْدُ

قدْ كانَ أورقَ وَصْـــــــــــــــــلُكُمْ زمناً
فذوى الوِصَــــــــــــــــالُ وأورقَ الصَّدُ

لله أشـــــــــــــــــــــــواقي إذا نَزَحتْ
دارٌ بِنا وَنـــــــــــــــــــــــــأى بِكُمْ بُعْدُ

إن تُتْهِــــــمـي فَتِهـــــــــــامَةٌ وطني
أو تُنجِدي إن الهـــــــــــــــــــوى نَجْدُ

وزَعَمْتِ أنكَ تُضْـــــــــــــــــــمـِرين لنا
وُدّاً ، فَهَـــــــــــــــــــــــــــلاَّ يَنْفَعُ الودُّ

وإذا المُحِبُّ شـــــــــــكا الصُّدُودَ ولم
يُعْطَفْ عليه فَقَـــــــــــــــــــــتْلُهٌ عَمْدُ


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.