أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة المفتوحة (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=7)
-   -   الشجاعة (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=57542)

maher 18-09-2006 02:15 PM

الشجاعة
 
الشجاعة

حقيقة الشجاعة

في اللغة: يرد معناها إلى أصل واحد هو الجرأة و الإقدام . في لسان العرب: شَجُع شجاعة : اشتد عند البأس و الشجاعة : شدة القلب في البأس ، و من يتصف بهذا الخلق يقال له : شَجاع و شِجاع و شُجاع و أشجع و شَجع و شَجيع و شِجَعَة و يُجمع على : شُجْعان و شِجعان و شَجَعَاء و شِجَعَة و شِجْعَة و شَجْعَة و شُجْعَة و شِجَاع و المرأة شِجَاعَة و شَجِعَة و شَجِيعَة و شَجْعَاء ، و قيل : لا توصف به المرأ ة ، و شجّعته : إذا قلت له أنت شجاع أو قويت قلبه ، و رجل مشجوع : مغلوب بالشجاعة . قال بن المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف : الشجاعة الإقدام الاختياري على مخاوف نافعة في غير مبالاة . الشجاعة قلب حديدي جامد لا يهاب الموت كما قيل : لنحن أغلظ أكباداً من الإبل .
الشجاعة هي الصبر و الثبات و الإقدام على الأمور النافعة تحصيلاً و على الأمور السيئة دفعاً ، و تكون في الأقوال و الأفعال ، والشجاعة التغلب على رهبة الموقف قال بعضهم : الشجاعة صبر ساعة . الشجاعة من القلب و هي ثبات القلب و استقراره و قوته عند المخاوف ، و هو خلق يتولد من الصبر و حسن الظن . قال العلماء : منشؤها القوة الغضبية للنفس ، لأن الثبات أثر كمال تلك القوة ؛ فالشجاعة تتكون من : قوة الجنان و الجرأة على العدو و استصغار شأنه . قال الجرجاني : الشجاعة : هيئة حاصلة للقوة الغضبية بين التهور و الجبن بها يقدم على أمور ينبغي أن يقدم عليها كقتال الكفار مالم يزيدوا على ضِعف المسلمين . تعريف الشجاعة عند همنغواي: الصبر الجميل على الشدائد. و قيل: هي العنصر من عناصر الروح الذي يوصف بأنه العنصر الجسور الملهم. و قيل : قدرة الروح على انتزاع الفوز في مواجهة أعتى الأخطار. و قيل: القدرة على التحرك لقهر الخوف. وقيل: هي استعداد المرء لأن يحمل على كاهله السلبيات التي ينذر الخوف بمقدمها من أجل تحقيق ايجابيات أكثر زخماً. و قيل: الشجاعة هي الإقدام تحت إشراف العقل للدفاع عن النفس أو عن أي عزيز لديها. الشجاعة كمنحة من العناية الالهية هي سبب و نتيجة. قال الجاحظ في تهذيب الأخلاق : الشجاعة هي الإقدام على المكاره و المهالك عند الحاجة إلى ذلك ، و ثبات الجأش عند المخاوف مع الاستهانة بالموت . قال ابن حزم : هي بذل النفس للذود عن الدين أو الحريم أو عن الجار المضطهد أو عن المستجير المظلوم ، و عمن هُضم ظلماً في المال و العرض ، و سائر سبل الحق سواء قلّ من يعارض أو كثر . الشجاعة تختلف من شخص لآخر تبعاً للاستعداد الفطري فكل أحد لديه نسبة من الشجاعة و أخرى من الجبن. أو يكون شجاعاً في مواقف و جباناً في مواقف أخرى. الشجاعة لا بد أن تعتمد على رأي حصيف و تبصر مع حسن حيلة و حذر و تيقظ و إلا كانت انتحاراً .

قال المتنبي :

الرأي قبل شجاعة الشجعان ----- هو أول وهي المحل الثاني
فإذا اجتمعا لنفس مرة ----- بلغت من العلياء كل مكان
و لربما طعن الفتى أقرانه ----- بالرأي قبل تطاعن الأقران



أصل الشجاعة

في القلب و هو ثبات القلب و سكونه و قوته عند المهمات و المخاوف ، و لا يثبت القلب إلا مع سلامة العقل و المزاج و هو الاعتدال ؛ فالشجاعة حرارة القلب و غضبه و قيامه و انتصابه و ثباته ، والشجاعة ليس لها اتصال بالأبدان قوةً و ضعفاً ، و لا باللسان
يقول كثير عزة :

ترى الرجل النحيف فتزدريه ----- و في أثوابه أسد هصور
و يعجبك الطرير إذا تراه ----- فيخلف ظنك الرجل الطرير
و قد عظم البعير بغيرلبّ ----- فلا عرف لديه و لا نكير


نقل ابن قتيبة في عيون الأخبار: عن الحرس : " رأيت من الجبن و الشجاعة عجباً ، استثرنا من مزرعة في بلاد الشام رجلين يذربان حنطة أحدهما أصيفر أحيمش ( تصغير الأحمش و هو دقيق الساقين ) و الآخر مثل الجمل عظماً فقاتلنا الأصيفر بالمذرى ( خشبة ذات أطراف كالأصابع يذرى بها الحبّ و ينقى ) لا تدنو منه دابة إلا نخس أنفها و ضربها حتى شق علينا فقُتل ، و لم نصل إلى الآخر حتى مات فرقاً فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة ، و إذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل يتخضخض في مثل كوز من ماء .
ذكر عمرو بن معد يكرب الزبيدي عندما سأله عمر بن الخطاب عن أجبن رجل لاقاه فقال : يا أمير المؤمنين كنت أشن الغارة فرأيت فارساً لابساً لامة الحرب ، و هو راكب على فرسه فقلت : يا بنىّ خذ حذرك فإني قاتلك لا محالة ، فقال لي : و من تكون ؟ فقلت: عمرو بن معد يكرب فسكت و دنوت منه فوجدته قد مات ، فهذا أجبن من لقيت . ذكره في كتاب بدائع السلك لابن الأزرق .
يقول الراغب: الشجاعة إن اعتبرت و هي في النفس ، فصرامة القلب على الأهوال و ربط الجأش في المخاوف ، و إن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة . و هي فضيلة بين التهور و الجبن و هي تتولد من الفزع و الغضب إذا كانا متوسطين .


مجالات الشجاعة

في الجهاد و الخطابة و على المنابر و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إعلان الرأي قال تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا و أصلحوا و بينوا فأولئك أتوب عليهم و أنا التواب الرحيم ) فهذا تربية لشجاعة الرأي و مخاطبة عظيم في الحديث ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) رواه أبوداود و الترمذي ( سيد الشهداء يوم القيامة حمزة و رجل قام إلى إمام جائر فأمره أو نهاه فقتله ) . من الأمثلة موقف الإمام أحمد في فتنة خلق القرآ ن - رأي العز بن عبدالسلام في كلام الله تعالى أهو حرف و صوت ؟ أم معنى قائم بذاته قديم أزلي ؟ - وموقف العز بن عبدالسلام من بيع الأسلحة للفرنج في عهد الصالح إسماعيل حاكم دمشق - موقفه في مصر من قضية المماليك الذين اشتراهم الملك نجم الدين . و الشجاعة تكون في حالة التعرض للبغي و دفع الظلم و الذل عن النفس و الدفاع عن الحريم و الأعراض و طلب العز و المجد ، ومن أجل بقاء هذا الوجود، شجاعة الموقف ، شجاعة الإرادة التي تشمل ( القدرة على ضبط شهوات النفس و منع جنوحها إلى مهاوي الردى و المهالك - التغلب على مخاوف النفس و هواجسها و قهر أوهامها - ألا ينقاد المرء للجلساء و أصحاب المنافع أو الشهوات التي تخل برجولته أو كرامته أو مروءته )، شجاعة القرار مثل ( إمضاء أبي بكر الصديق الجيش لحرب المرتدين - جمع أبي بكر الصديق القرآن في المصحف - انسحاب خالد بن الوليد في غزوة مؤتة )، وغيرها كثير، و أعلى الشجاعة هو التقدم للتضحية بالنفس في سبيل الله تعالى ، و الحلم من الشجاعة . أعظم الشجاعة الخوف من الله عز و جلّ

قال الأول :

ليس الشجاع الذي يحمي فريسته ----- عند القتال و نار الحرب تشتعل
لكن من رد طرفاً أو ثنى وطراً ----- عن الحرام فذالك الفارس البطل



و لذلك قال بعضهم : لا ينتصر العبد في المعركة حتى ينتصر في نفسه على الشهوات و المعاصي و المخالفات . من مجالات الشجاعة الانتصار على النفس و الذات و الشهوات . الدفاع عن النفس عند التعرض للاعتداء أو لحماية ما يُرى فيه نفعه و ملذاته و هي سر بقاء البشر و استمرار الحياة و عمران الأرض . قال أبوبكر الصديق لخالد بن الوليد : احرص على الموت تُوهب لك الحياة . و العرب تقول : إن الشجاعة وقاية و الجبن مقتلة . و من دوافع الشجاعة طلب الثناء و الذكر الحميد و هو منهي عنه . و ذكر الأبشيهي أوجه الشجاعة عند اللقاء في الحرب في كتابه (المستطرف) . الشجاعة تكون في كثير من الأحيان حاسمة لبعض المواقف الشائكة و الرجل الشجاع درع لأمته و صون لها .


و ضد الشجاعة الجبن

والجبن يكون نتيجة تخوف و تغلب المخاوف المرتقبة أو الحاصلة أمام الناظرين فيحجم و لا يعود شجاعاً . مرض الجبن عند الجبناء يكبر بالوهم و أكثر مرض الناس و هم من أحاديثهم و ما تفتعله خواطرهم وما يتلقفونه من الحوادث و ما يشعرون به من نقص إيمان يقول الله تعالى عن ذلك الصنف من المنافقين ( يحسبون كل صيحة عليهم ) ( أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون ) . الجبناء يخافون من البشر أكثر من خوفهم من الله . في الحديث ( شر ما في رجل شح هالع و جبن خالع ) رواه أبوداوود . و الجبن و الخور و العجز ليس من محاسن الرجال ومما ذمه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم . الإقدام قد يكون محموداً و قد يكون مذموماً و كذلك في الإحجام قد يكون محموداً و قد يكون مذموماً و الضابط في ذلك هي الحكمة. و عدت العرب الجبن جريمة كبرى و سيئة في الرجل . الجبان يموت في اليوم مائة مرة و الشجاع يموت مرة واحدة الجبان يتوهم كل شىء ضده و الشجاع يتصور أنه ضد كل شىء إلا كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم و ما والاهما . قال عمر بن الخطاب: اللهم إني أشكو إليك عجز الثقة و جلَد المنافق .


وكمال الشجاعة وزينتها


أن تكون بإرشاد العقل متزنة و متوافقة مع الحكمة فإن الشىء إذا زاد عن حد الحكمة خشي أن يكون تهوراً و سفهاً و إلقاءً باليد للتهلكة و ذلك مذموم كما يذم الجبن فالشجاعة خلق فاضل متوسط بين خلقين رذيلين هما الجبن و التهور.



و ثمرة الشجاعة

الإقدام في الأقوال و الأفعال و عند القلق و الأضطراب . وهي فضيلة من أسمى الفضائل ، و إن شئت فقل إنها حارسة الفضائل. يعيب كل شخصية ألاّ تتصف بهذا الخلق الرفيع فالدافع لتحمل الألم و التعرض للموت بشجاعة يتمثل في أن القيام بذلك عمل نبيل بينما الإحجام عنه عمل وضيع ، فالرجل الشجاع يتصرف كذلك من أجل ما هو نبيل لأن ذلك هو مقصد الفضيلة. و هي جزء من الفضيلة ، وهي من أخلاق الإسلام التي ساعدت المسلمين على الفتوح و السيادة في الأرض . الشجاعة هي ينبوع مكارم الأخلاق و الخصال الحميدة و معظمها منشؤها منها و مردها إليها . قال الطرطوشي: و أعلم أن كل كريهة ترفع أو مكرمة تكتسب لا تتحقق إلا بالشجاعة . رؤوس الأخلاق الحسنة أربعة - تحمل على غيرها من محاسن الأخلاق- وهي: 1 -الصبر:يحمل على الاحتمال وكظم الغيظ وكف الأذى -- 2 - العفة: تحمل على تجنب الرذائل والقبائح -- 3 -الشجاعة: تحمل على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق -- 4 - العدل: يحمل على الاعتدال والتوسط. قال الأبشيهي: أعلم أن الشجاعة عماد الفضائل ، و من فقدها لم تكمل فيه فضيلة يُعبَّر عنها بالصبر و قوة النفس . قال ابن القيم في زاد المعاد : الشجاعة من أسباب السعادة فإن الله يشرح صدر الشجاع بشجاعته و إقدامه و هذا معلوم لأن الهم و القلة و الذلة و حقارة الحال تأتي من الجبن و الهلع و الفزع وأن السعادة و الانشراح و الضحك و البسطة تأتي مع الشجاعة و الإقدام و فرض الرأي و قول كلمة الحق التي علمها رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه . و الشجاعة تثمر محبة الله عز و جل لحديث ( ثلاثة يحبهم الله عز و جلّ و ذكر منهم و رجل كانوا في سرية فلقوا العدو فهُزموا ، فأقبل بصدره حتى يُقتل أو يفتح الله له ) رواه النسائي و الترمذي و صححه و الحاكم و قال : صحيح على شرط الشيخين و وافقه الذهبي .
و علاقة الشجاعة بالكرم أن الكرم إن كان ببذل النفس فهو شجاعة . و علاقة الشجاعة بالصبر أن الصبر في المحاربة شجاعة . يقال : الشجاع محبب حتى إلى عدوه ، و الجبان مبغض حتى إلى أمه .



maher 18-09-2006 02:22 PM



اكتساب الشجاعة و تنميتها :

قضية الشجاعة في النفس يحصل أثرها و يظهر التقدم عندما تغطى المخاوف و تتجاوزها لأنه لا توجد نفس إلا و فيها مخاوف مع خلطه بمركبات نفسية أخرى هي الإقدام و الحكمة و الفائدة و تغطية المخاوف و زوالها و التغلب عليها و بحسب خلط هذه العناصر تزداد الشجاعة أو تقل . و الشجاعة لا تستمر و لاتكتمل بعد وقوع الآلام إن لم يدعمها و يرافقها خلق الصبر. قال تعالى ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون ) .

قدم النابغة الجعدي للرسول صلى الله عليه و سلم يذكر بطولاته و أنا قابلنا أبطالاً سقونا الموت فسقيناهم الموت و لكننا صبرنا فقال في قصيدته أمام النبي صلى الله عليه و سلم :

تذكرت و الذكرى تهيج على الفتى ----- و من عادة المحزون أن يتذكرا
فلما قرعنا النبع بالنبع لم تكن ----- على البعد أبيانه أن تكسرا
سقيناهموا كأساً سقونا بمثلها ----- و لكننا كنا على الموت أصبرا
و ننكر يوم الروع ألوان خيلنا ----- من الضرب حتى نحسب الجون أشقرا



و ما زال يمدح في نفسه و في قومه المجاهدين حتى قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم :

بلغنا السماء جوداً و مجداً و سؤدداً ----- و إنا لنرجوا فوق ذلك مظهراً

فقال له صلى الله عليه و سلم : إلى أين يا أبا ليلى ؟ قال : إلى الجنة يا رسول الله .
و الشجاعة خلق نفسي له مواد تمده و تنميه: من ذلك الإيمان ؛ فإن الشجاعة في الإنسان تكون على قدر إيمانه و معرفته بربه و إيقانه أنه لا يصاب إلا بما كتب له و أن إقدامه إلى ما يرضي ربه يرفع قدره عنده عز و جل و أن الغاية هي الجنة و أن الدنيا لا تساوى شيئاً دون أن يمس ذلك الإقدام رزقه أو أجله أو يحول بينه و بين أي محبوب قدر أن يصل إليه كما قال النضر : الجنة الجنة و رب النضر ثم صاح يقول :

فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن ----- على شرعج عالي و خضر المطارف
و لكن أحن يومي سعيداً و فتية ----- يمسون في فج من الأرض خائف
عصائب من شيبان ألف بينهم ----- تقى الله نزاّلون يوم التزاحف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى ----- و صاروا إلى موعود ما في المصاحف



؛ و لذلك كله فالانبياء هم أشجع الناس لأنهم أعلى الناس إيماناً ، و لأنهم باعوا أنفسهم و أموالهم إلى الله تعالى فإن الله يقول ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يُقتلون ) و ما عند الله لهم خير من الدنيا ( و ترجون من الله ما لا يرجون ) و العاقبة لهم في الدنيا و الآخرة و الخاتمة و السمعة الحسنة و درء الحوادث و الأعراض و النتيجة الطيبة في الدنيا و الآخرة ، و لأنهم يحملون مبدأ و يثقون بحفظ الله تعالى و رعايته ( و إن جندنا لهم الغالبون ) ( إنا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا ) و يعلم العبد أنه سيلقى الله ملوما إذا لم يدعُ إلى الله و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يصبر على ما أصابه ( يا بني أقم الصلاة و أمر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر على ما أصابك ) ، ومما يمد بالشجاعة و ينميها قوة التوكل على الله و كمال الثقة بالله و الإيمان بالقضاء و القدر و ان الضر و النفع و الحياة و الموت بيد الله و علم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم ليكن ليصيبه . ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً ) ( و لئن قتلتم في سبيل الله أاو متم لمغفرة من الله ) ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون ) و حديث( و أعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك ) رواه الترمذي و أحمد بسند حسن . ( و أعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) ( و عزتي و جلالي ما اعتصم بي عبد ثم كادت له السموات و الأرض إلا جعلت له من بينها فرجاً و مخرجاً و عزتي و جلالي ما اعتصم بغيري عبد إلا أسخت الأرض من بين قدميه )

ذُكر في السير و ذكره ابن كثير في تفسيره . قال علي: الأجل درع حصينة . خرج علي يوم صفين و عليه درع فخلع الدرع فقال ابنه محمد: كيف تخلع الدرع يا أبتاه و هو يقيك ؟ فقال:

أي يوميّ من الموت أفر ----- يوم لا قُّدر أم يوم قدر
يوم لا قُّدر لا أرهبه ----- و إذا ما جاء لا يغني الحذر


و قتل الحجاج ابناً لعجوز صباحاً فأدخلها عليه ظهراً فقال لها : يا فلانة لقد قتلنا ابنك فقالت : لو لم تقتله مات .
يقول المتنبي :

و لو أن الحياة تبقى لحيّ ----- لعددنا أضلنا الشجعانا
و إذا لم يكن من الموت بدّ ----- فمن العجز أن تموت جبانا


و من الأسباب ذكر الله تعالى و الثناء عليه كما قال تعالى ( يا أيها الذين إذا لقيتم فئة فاثبتوا و اذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) . و من الأسباب تذكر محاسن ومنافع الشجاعة. الشجاعة لها مواد تمدها و منها قوة عزيمة في النفس تدفع للإقدام بعقل في مخاطرة بقول أو عمل لتحصيل خير أو دفع شر مع ما في ذلك من توقع الهلاك أو المضرة . و مما يقوي القلب و يطمئن الفؤاد و يجعل المرء يقدم العلم بالآثار الجليلة الناشئة عن الشجاعة .
الشجاعة فطرية و هناك شجاعة مكتسبة تزيد و تنقص بحسب الجو المحيط كتريبة الوالدين ، والتنعم و الترف يذهب بالشجاعة و كذلك الحال بالنسبة للجبن. أيضاً من أهم وسائل اكتساب الشجاعة: التمرين و التدريب العلمي حتى يصبح الإقدام ملكة له - التغلب على رهبة الموقف و يحصل بتكرار وضع النفس في المواقف التي يكون فيها الحرج و المأزق الشديد والرهبة لأن الرهبة شىء جديد على النفس فتتغلب عليه إذا ألفته و تعودت عليه فلا تصبح هناك صدمة أو مفاجأة - أن يقنع الإنسان نفسه بأن المخاوف أوهام أو ليست بالضرورة أن تحصل - استعراض مواقف الشجعان و قصصهم لأن النفس البشرية مفطورة على المحاكاة ثم المتابعة ثم المنافسة - إثارة دوافع التنافس و مكافأة الأشجع مع الثناء الشرعي عليه، و مما يزيد الشجاعة الإخلاص لله تعالى و عدم مراءاة الخلق لأنه حينئذ لا يهمه لوم اللائمين و مدح المادحين فيقدم على قول الحق لرضا رب العالمين ، و أما المرائي فما أسرع خوره في المقامات الرهيبة. كذلك التعوذ بالله من الهم و هو خوف ما يتوقع من حصول مكروه و كذلك من الحزن و هو الندم على ما مضى و ما فات و كلاهما يجبن الرجال و يجعله خوافاً و لا يجعله يقدم و لذلك كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ رواه الشيخان من حديث أنس . عَنْ سعد بن أبي وقاص رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا تُعَلَّمُ الْكِتَابَةُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ *. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ رواه مسلم .- تخليص الجبان من الأوهام التي تثير لديه رعباً و جبناً . - الشجاعة استجابة للمؤثرات البيئية .- قال عمر بن الخطاب : أن الشجاعة و الجبن غرائز في الرجال تجد الرجل يقاتل لا يبالي ألاّ يؤوب إلى أهله و تجد الرجل يفر عن أمه و أبيه و تجد الرجل يقاتل ابتغاء وجه الله فذلك الشهيد . ذكره في صفوة الأخبار.


حكم الشجاعة :

إذا كان المقصود من الشجاعة نصر الحق والدفاع عنه و عن الفضيلة و المروءة و الكرامة ، و رد الباطل و الجور و الطغيان و تحصيل المنافع الفردية و الجماعية للإسلام و المسلمين فهي شجاعة محمودة، أما إذا كان يُقصد من الشجاعة غرض دنيىء فاسد حرام دنيوي كقطّّع الطرق فهي ذميمة بل هي شهوة بهيمية أو سبعية. الإقدام بغير عقل ليس شجاعة بل هو تهور و جنون و الإقدام بغير مخاطرة لا يعتبر شجاعة بل هو نشاط و همة و إذا كان الإقدام لا لتحصيل خير ولا لدفع شر فإنه تهور مذموم أو هلاك و جنوح في العقل كالانتحار . الشجاعة مسألة مهمة في الدين فذكر ابن تيمية كلا ماً نفيساً عن الشجاعة في كتابه الاستقامة. الشجاعة خصلة حميدة حث عليها النبي صلى الله عليه و سلم. الإسلام جعل الشجاعة جهاداً في سبيل الله لنشر الحق و العدل و ليس لتحقيق مآرب شخصية و منافع مادية .

maher 18-09-2006 02:35 PM

أمثلة للشجاعة:

الأنبياء عليهم السلام حظوا بأوفر الحظ من الشجاعة ليكون لديهم من القوة ما يقوم به عملهم و هو دعوة الخلق للحق و هذا العمل لا يكون إلا بمواجهة النبي أمته بما جاء به و طلبه منهم الخضوع و نبذ ما هم عليه أبدأً ، و كذلك فإن الشجاعة في الإنسان تكون على قدر إيمانه و معرفته بربه و إيقانه أنه لا يصاب إلا بما كتب له و أن إقدامه إلى ما يرضي ربه يرفع قدره عنده عز و جل دون أن يمس ذلك الإقدام رزقه أو أجله أو يحول بينه و بين أي محبوب قُدِّر أن يصل إليه ؛ و لذلك كله فالانبياء هم أشجع الناس لأنهم أعلى الناس إيماناً (الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله ). ومن أمثلة شجاعتهم ما ذكر الله تعالى من قول نوح عليه السلام لقومه ( يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي و تذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم و شركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلىّ و تنظرون) ، و ما قاله هود عليه السلام لقومه ( إني أشهد الله و أشهدوا أني برىء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون) ومن أسباب تلك الدرجة العالية من الشجاعة أن قلبه كان مملوءاً باعتقاد ماذكره عنه ربه من قوله بعد ذلك ( إني توكلت على الله ربي و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) . . و إبراهيم له روغتان روغة الشجاعة عندما كسّر الأصنام و روغة الكرم عندما راغ و جاء بالعجل الحنيذ لأضيافه . و عندما قال قوم موسى عليه السلام له ( إنا لمدركون) عندما تبعهم فرعون و قومه و كان البحر الخضم المهلك أمامهم عندئذ قال لهم موسى ( كلا إن معي ربي سيهدين ) فضرب البحر بأمر الله فصار يبساً بقوة الله عز و جل فمشى عليه و قومه و نجوا ثم تبعهم الطاغية لكن لما صار على البحر رجع ماءً فغرق هو و قومه و من شجاعة موسى عليه السلام قوله لفرعون ( و إني لأظنك يا فرعون مسحوراً ) .


النبي محمد صلى الله عليه عليه وسلم كان أشجع الأنبياء ( و بالتالي فهو أشجع الخلق جميعاً) لأنه أقوى الأنبياء إيماناً و أكملهم في كل خلق كريم و معية الله تعالى معه و تأييده له أقوى من معيته لجميع الأنبياء عليهم الصلاة و السلام لكونه أكثرهم تقوى ، وتعوذ صلى الله عليه عليه وسلم أن يكون جباناً . عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه - وهو من أبطال الأمة و شجعانها- قال: ( إنا كنا إذا أشتد بنا البأس و احمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه و سلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه و لقد رأيتني يوم بدر و نحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم و هو أقربنا إلى العدو) رواه أحمد و الطبراني و النسائي ، و الرسول صلى الله عليه عليه وسلم كان هو الأقرب للعدو ليعتاد أصحابه على الإقدام للعدو و لأن ذلك فيه إما الشهادة في سبيل الله أو إيقاع الرعب في العدو و إشغاله بنفسه ليتحقق عز الإسلام و المسلمين. عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه عليه وسلم أحسن الناس و أشجع الناس و أجود الناس -- ينام في بيت واحد و يُطوق بخمسين مقاتل و يخرج عليهم حاثياً عليهم التراب ( فجعلنا من بين أيديهم سداً و من خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) -- ينام في الغار و يقول لا تحزن إن الله معنا -- وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا. رواه البخاري و مسلم. و من مواقف شجاعته صلى الله عليه عليه وسلم قوله لقريش عندما نقلوا التهديد بقتله لعمه إبي طالب إن لم يترك دعوته لهم فقال ميئساً لهم ( و الله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ) -- ما حصل بذات الرقاع عندما أخذ مشرك سيف الرسول صلى الله عليه وسلم و هو نائم وهمّ بقتله صلى الله عليه عليه وسلم فلما استيقظ قال: ما يمنعك مني قال : الله . متفق عليه و في بعض الروايات فسقط السيف -- طعنه لأُبىّ بن خلف في أحد في عنقه تدأدأ منها عن فرسه مراراً حتى قال أبيّ: لو بصق عليّ لقتلني . رواه عبدالرزاق و ابن سعد و البيهقي. -- موقفه يوم حنين عندما ولىّ الكثير من أصحابه وهو صامد ثابت رابط الجأش يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب فتحولت الهزيمة إلى نصر مؤزر-- حال الرسول صلى الله عليه عليه وسلم في الغار و الأعداء في طلبه - مواجهته للمعارضين في الدعوة إلى الله.
ومن شجاعة الصحابة: قال تعالى عنهم ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ) ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون ) ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلاً ) .

أبو بكر في حرب الردة يقف على المنبر و يعترض الصحابة فيقول : و الذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ، و كان يقول في رواية أخرى: و الذي نفسي بيده لو أتت الكلاب فأخذتني في أعقابي ما خلفت جيشاً عن الغزو في سبيل الله و قال أبوبكر بشأن مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة: و الله لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة . و قال هذه المقولة أيضاً لأهل فارس و قالها غيره كثير . و قال أبوبكر : لأرسلن لهم خالد يذهب وساوس الشيطان من رؤوسهم .

قيل لعلي بن أبي طالب : كيف تصرع الأبطال ؟ قال: إذا لقيت كنت أقدر أني أقتله و يقدر هو أني قاتله فاجتمع أنا و نفسه عليه فنهزمه . قيل لعلي : إذا جالت الخيل فأين نطلبك ؟ قال: حيث تركتموني . و كان يقول : و الذي نفس أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على فراش .

حمزة بن عبدالمطلب البطل الضرغام أسد الله الإمام أبو عمارة

الزبير بن العوام انتدب ( أي أجاب ) لما ندب ( دعا للجهاد ) الرسول صلى الله عليه و سلم أصحابه في غزوة الخندق و سماه الرسول حواريّه ( أي ناصره) رواه الشيخان .

معاذ و معوذ ابنا عمرو بن الجموح في قتلهما أبي جهل في بدر

ابن أم مكتوم أعمى يحمل اللواء بين الصفين

خالد بن الوليد عند شربه السم متوكلاً على الله تعالى و لم يضره

عبدالله بن مسعود أول من جهر بالقرآن بمكة

و كذلك عبدالله بن الزبير و شجاعته المفرطة و بطولاته و تضحياته لما بلغ عبدالله بن الزبير قتل أخيه مصعب قال : " إن يقتل فقد قُتل أبوه و أخوه و عمه إنا و الله لا نموت حتفاً ، و لكن نموت قصعاً بأطراف الرماح و موتاً تحت ظلال السيوف "

و كذلك أبو ذر الغفاري

و منهم البراء بن مالك الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك فكان أثناء المعركة يقول له الأنصار و المهاجرون : يا براء أقسم على الله أن ينصرنا ، حضروا تستر و هو معهم فقال أبو موسى قائد المعركة : يا براء نسألك بالله أن تقسم على الله أن ينصرنا فقال : اللهم إني أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا و أن تجعلني أول قتيل فانتصروا و قُتل أول القتلى ،

و كذلك ما ذكره الذهبي من شجاعة البراء بن عازب في حرب مسيلمة عند اقتحامه حديقة المرتدين على ترس و اشتهر عنه أنه قتل 100 من الشجعان مبارزة

و منهم حبيب بن زيد الأنصاري قطع جسمه مسيلمة الكذاب قطعة قطعة و صمد حتى آخر قطرة من دمه

و منهم خبيب بن عدي وقف على المشنقة و جسمه يُقطع و هو ينشد قائلاً :

و لست أبالي حين أقتل مسلماً ----- على أي جنب كان في الله مصرعي
و ذلك في ذات الإله و إن ----- يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع


و كان ابن سيرين لا ينازع في الشجاعة

مع جيش عبدالله بن السرح ابن الزبير( الموصوف بالشجاعة و الفروسية) في قتله جرجير في أفريقيه

أحمد بن إسحاق السرماني في قتله فارساً يعد بألف فارس ثم قتله 49 فارساً منتقين خارج سمرقند و قَتَل في المبارزة ألف مشرك ، كان شيخاً للبخاري قال عنه البخاري : أشجع الناس في الجاهلية و الإسلام السرماني ، وكان مع السرماني قطعة من حديد وزنها عدة أرطال يبارز بها يضرب بها الفارس على رأسه فإذا نخاعه شرقاً و دماغه في الأرض .

شبيب بن يزيد الخارجي من أشجع الناس كان معه ستون مقاتل من الخوارج هزم الحجاج الذي معه ثلاثة الآف ثم تتبع الحجاج في كل غزوة ، كان من شجاعته ينام على البغلة في المعركة قال ابن كثير في ذلك :

من قوة قلبه
وقفت و ما في الموت شك لواقف ----- كأنك في جفن الردى و هونائم
تمر بك الأبطال سلمى هزيمة ----- و وجهك وضاح و ثغرك باسم


شبيب كاد أن ينتصر على الحجاج لكن فرسه رأى بغلة (عشق بغلة ) فاقتحم ومن على نهر دجلة من على الجسر فوقع على النهر و كان شبيب مربط على الفرس فغطس به الفرس و ارتفع و غطس و ارتفع و أخذ يقول لله الأمر من قبل و من بعد ثم مات فلما تأكد الحجاج من موته شق بطنه وأخذ قلبه فوجده كالكرة ضرب به في الجدار فقفز قلبه ،
و امرأته غزالة شجاعة مثله حضرت الحجاج و قاتلت الحجاج و دخلت بيت الأمارة فهرب الحجاج من الباب الآخر فدخلت المنبر و أخذت السيف و خطبت في الناس فيقول أحد المسلمين ممن سجنهم الحجاج : يا مجرم يا حجاج سجتنا و عذبتنا و فررت من غزالة.

أسد عليّ و في الحروب نعامة ----- فذخاء تنفر من صفير الصافر
هلاّ بارزت إلى غزالة في الوغى ----- إذ كان قلبك في جناحي طائر


سأل عمر بن الخطاب عمرو بن معد يكرب : أين صمصامتك التي تقتل بها النا س ؟ أي لم ير السيف قوية فقال عمر : ما أرى قوة فقال : إنك رأيتها و ما رأيت الساعد الذي يضرب بها و قال عمر : الحمد لله الذي خلقنا و خلق عمرو . اعتدت قبيلة كندة أو قبيلة أخرى على قبيلة عمرو بن معد يكرب فسلبت نسائهم و أخذت أموالهم فخرجوا في الصباح يقاتلون فانهزمت القبيلة و لم يكن عمرو معهم كان غائباً فلما حضر أخذ فرسه و أخذ السيف و نازل قبيلة كندة كلها فأخذ يقاتلهم و يقاتلونه حتى يقول في قصيدته :
أمن ريحانة الساعي السميع يؤرجني و أصحابي هجوع
إذا لم تستطع شيئاً فدعه و جاوزه إلى ما تستطيع
فأخذ يكيل لهم الضربات إلى صلاة العصر فهزمهم جميعاً ، فسمته العرب أقدم العرب حتى يقول أبو تمام للمعتصم :إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم الأحنف في ذكاء إياس

و قد أسلم ثم ارتد رضي الله عنه ثم أسلم فقاتل في القادسية و انتصر نصرأ مؤزراً مع المسلمين ، و يُضرب به المثل في الشجاعة .



maher 18-09-2006 02:49 PM




ومن الأسباب التي دعت الصحابة لاتخاذ مواقف الشجاعة: أن النبي صلى الله عليه عليه وسلم كان يحمس القوم و يحفزهم كما قال له أحدهم: أرأيت إن قتلت يا رسول الله أين أكون قال له: في الجنة فألقى تمرات فقتل - تقدير المسئولية حق قدرها كما أعطى صلى الله عليه وسلم السيف لأبي دجانه بحقه لقتل المشركين في أحد . كل ذلك بعد حثه صلى الله عليه عليه وسلم على الإعداد الحربي المسبق . في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله و نحن عصابة حوله أن نقول الحق لا نخشى في الله لومة لائم . و عند ابن حبان عن أبي ذر قال : أخذ علي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقول الحق و لو كان مراً. مد رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفاً فقال : من يأخذ مني السيف فمد الصحابة أياديهم فقال : بحقه ، فخفضوا أياديهم و بقيت يد أبي دجانة قال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله ماحقه ؟ قال: أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني . رواه مسلم فأخذ السيف ففلق به هام المشركين لما أخذ السيف أخرج عصابة حمراء عصابة الموت فذهل الناس حتى يقول في قصيدته :

أنا الذي عاهدني خليلي ----- ونحن في السفح لدى النخيل
الاّ أوم الدهر في الكيول ----- و أضرب بسيف الله و الرسول


ففقلق هام المشركين و قتلهم قتلاً حتى أتى بالسيف مع صلاة العصر و قد انحنى . و هذه الشجاعة الإيمانية .
- الثوري كان ينصح و ينكر على الظلمة و قال لأبي جعفر المنصور و هو ظالم : اتق الله يا أبا جعفر ،و دخل طاووس على أبي جعفر المنصور : فقال : ناولني الدواء يا طاووس قال: لا قال: و لمَ ؟ قال: إن كنت تكتم باطلاً فلا أعينك على الباطل و إن كنت تكتم حقاً فلست خادماً لك - الأوزاعي أنكر على عبدالله بن علي عم أبي جعفر فيما قتل من المسلمين في دمشق و ما فعل بهم و السيوف تقطر حوله دماً حتى قال بعض الوزراء كنت أجمع ثيابي خوفاً من دم الأوزاعي وكان يزجره و يحذره مما فعل بصوت يجلجل كصوت الأسد --العز بن عبدالسلام الملقب بسلطان العلماء في إنكاره على منكرات السلاطين - شجاعة شيخ الإسلام ابن تيمية في قول الحق - ،و دخل المهدي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له الناس جميعاً إلا ابن أبي ذئب المحدث فقال له : لمَ لم تقم يا ابن أبي ذئب ؟ فقال : تذكرت قوله تعالى ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) فتركت القيام لذلك اليوم فقال : مكانك أجلس و الله ما تركت َ شعرة في رأسي إلا قامت

سيد قطب الذي وقف في وجه حكومة الضباط حزب التحرير بأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله و ألف قنبلة كتاب ( معالم في الطريق ) و أخيراً شنقوه و هو مبتسم

أبو الأعلى المودودي سجنه خان عشر سنوات و طلب منه ورقة اعتذار فقال : أنا أكبر من أكتب له ورقة اعتذار فمات رحمه الله

شجاعة العصاة : يقول الأمام أحمد لما دخل السجن : ما ربط على قلبي إلا قول أحد المسجونين سُجن في خمر يقول : يا أحمد أصبر على الحق و أصبر على السوط فإنك من أجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإني قد جُلدت في الخمر 1600 سوط و إني ما تراجعت ، فربط على قلبي

مرحب اليهودي قتل سبعة من المسلمين آخرهم عامر بن سنان بن الأكوع ، فخرج له علي بن أبي طالب يبارزه فقطع رأسه كأنه لم يُخلق له رأس فكان فتحاً من الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم و من معه . يقول مرحب قبل المبارزة :

أنا الذي سمتني أمي مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال علي :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أكيلكم بالسيف كيل السندرة.

--السمؤل بن عادية اليهودي قال :

يقرب حب الموت آجالنا لنا ----- و تكرهم آجالهم فتطول
وإنا قوم لا نرى الموت سفة ----- إذا ما رأته عامر و سلول
إذا مات منا سيد قام سيد ----- قؤول بما قال الرجال فعول


قيل لعبدالملك : من أشجع العرب في شعره ؟ فقال : عباس بن مرداس حين يقول :

أشد على الكتيبة لا أبالي ----- أحتفي كان فيها أم سواها

بابك القُرني قتل ألف ألف من العرب و العجم و الكفار و المشركين حتى أن المعتصم سهر ليال عديدة خاف أن يأتي يدخل عليه في بغداد وقف في الشمال يرسل الكتائب و يقاتل فقال المعتصم : من يأتيني به له ألف ألف درهم و أكتب أسمه مع أسمي و يُدعى له في المنابر فأرسل له قائد تركي يقاتله سنةً فظفر به ثم أتى به فقطع رأسه فصلب المعتصم رأسه في سامراء حتى قال البحتري : جعلته علماً في سامراء و مدحه الخليفة .
ابن فتحون من أشجع العرب و العجم في عصر الخليفة المستعين و كان المشركون يهابون نزاله .


الفرق بين الشجاعة و الجرأة :

مما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح في مبحث الفروق أن الفرق بين الشجاعة و الجرأة أن الشجاعة من القلب و هي ثبات القلب و استقراره عند المخاوف و هو خلق يتولد من الصبر و حسن الظن ، و الجبن يتولد من قلة الصبر و سوء الظن و وسوسة الظن و ينشأ الجبن من الرئة فتنتفخ الرئة فزاحمت القلب في مكانه و ضيقت عليه حتى أزعجته عن مستقره فأصابته الزلازل و الأضطراب ، فإذا زال القلب عن مكانه ضاع تدبير العقل فظهر الفساد على الجوارح فوضعت الأمور على غير مواضعها ؛ فالشجاعة حرارة القلب و غضبه و قيامه و انتصابه و ثباته فإذا رأته الأعضاء كذلك أعانته فإنها خدم له و جنود كما أنه إذا ولى ولت سائر جنوده و أولها الرجلان .
أما الجرأة فهي إقدام سببه قلة المبالاة و عدم النظر في العاقبة و الأندفاع بدون تفكير و لا حكمة و لهذا جاء في حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص فيما رواه أحمد و غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر ما في المرء جبن خالع و شح هالع. و قال أبو جهل لعتبة بن ربيعة عندما قال له يوم بدر نرجع قال له أبو جهل : انتفخ سَحَرك ! ( أي رئتك).


العرب كانت لهم أمثال و عبارات يضربونها في الشجاعة :

حديث ( لا تمنَّوا لقاء العدو و إذا لقيتموهم فاثبتوا) ففيه حث على الشجاعة - قال أبوبكر لخالد بن الوليد العبارة المشهورة ( أحرص على الموت تُوهب لك الحياة)
لما سأل عمر بن الخطاب بعض بني عبس عن ظهورهم على أعدائهم فقالوا : كنا نصبر بعد الناس هنيهة
سئل عنترة العبسي عن قتالهم ضد ذبيان فقال: كنا ألفاً مثل الذهب الخالص ليس فيه غيرنا لم نكثر فنتواكل و لم نقل فنذل ، و قيل لعنترة : كيف تغلب الأبطال ؟ قال : أبدأ بالجبان فاضربه فأقسمه قسمين فإذا رأى الشجاعُ الجبانَ مقسوماً فرّ مني ، و قيل له : كيف تنتصر على الناس ؟ قال : بالصبر

قال الخارجي قطري بن الفجاءة:

أقول لها و قد طارات شعاعاً ----- من الأبطال و يحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم ----- على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً ----- فما نيل الخلود بمستطاع
و لا ثوب البقاء بثوب عز ----- فيطوى عن أخ الخنع اليراع
سبيل الموت غاية كل حي ----- و داعيه إلى أهل الأرض داع
ومن لا يعتضد يهرم و يسقم ----- و تسلمه المنون إلى انقطاع.



قال المتنبي في الشجاعة :

أصارع خيلاً من فوارسها الدهر ----- وحيداً و ما قولي كذا و معي الصبر
و أشجع مني كل يوم سلامتي ----- و ما ثبتت إلا و في نفسها أمر
تمردت بالآفات حتى تركتها ----- تقول أمات الموت أم ذعر الذعر
وأقدمت إباء الأبي كأنني ----- سوى مهجتي أو كان لها عندي وتر


و قال المتنبي:

أرى كلنا يبغي الحياة بجهده ----- حريصاً عليها مستهاماً بها طبا
فحب الجبان النفس أورده البقا ----- و حب الشجاع الحرب أورده الحربا


من الشجعان محمد بن حميد الطوسي عمره ما يقارب 32 أختاره المعصتم لقيادة الجيوش الموحدة و كان له إمام حنفي و قاض و علماء معه يقاتلون الروم فلما حضرت المعركة خرج القائد الطوسي و لبس الأكفان عليه فأخذ يقاتل من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر و من الظهر إلى صلاة المغرب ثم قُتل قبل الغروب فلما قُتل بدأت النوائح في بغداد فقال أبو تمام قصيدة يعزي المعتصم :

كذا فليجل الخطب و ليقدح الأمر ----- فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر
توفيت الآمال بعد محمد ----- و أصبح في سفر عن السفر السفر
فتى كلما فاضت عيون قبيلة ----- دماً ضحكت عنه الأحاديث و الذكر
تردى ثياب الموت حُمراً فما أتى ----- لها الليل إلا و هي من سندس خضر
ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعةً ----- غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
عليك سلام الله وقفاً ----- فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر



سمع المعتصم القصيدة و عيونه تهراق بالدموع فيقول : يا ليتني أنا المقتول و قيلت فيّ .

قالت العرب عن الجبان : نعامة خسخاء و قالوا عنه دجاجة و قالوا عنه الحدأة القتول و قالوا الظليم . و كانت العرب تشترط في من توليه سيداً أن يكون شجاعاً كريماً .

من أجبن العرب أبو حشية النميري أخذ سيفاً من خشب فكان يجلس في آخر قبيلته عند القتال فإن انتصروا ضارب معهم وإن انهزموا فرّ و كان يسمي سيفه ملاعب المنية :New2: و يعرضه أمامه و يقول : يا سيف كم من نفس أهدرتها و من دم أسلته قال عنه ابن قتيبة في عيون الأخبار و صاحب العقد الفريد : دخل كلب في ظلام الليل بيته فخرج هو و زوجته من المنزل و تناول سيفه الخشبي و قال : الله أكبر وعد الله حق فاجتمع أهل القرية و قالوا : مالك ؟ قال: عدو محارب انتهك عرضي دخل عليّ بيتي و هو الآن في البيت ، ثم قال : ياأيها الرجل إن تريد مبارزة فأنا أبو المبارزة و إن تريد قتلاً فأنا أم القتل كله و إن تريد المسالمة فأنا عندك في مسالمة قال : فبقي يضرب الباب بالسيف و ينادي فلما أحس الكلب بجلبة الناس خرج من بينهم فألقى السيف من الخوف و قال : الحمد لله الذي مسخك كلباً و كفانا حرباً

:New2: :New2:


و من الجبناء قائد يسميه المؤرخون ضرطة الجمل أخذ القيادة بغير كفاية و لا قدرة و لا جدارة أخذ المسلمين إلى فارس و كان يمضي في الليل و ينام بالنهار شهراً حتى استعد أهل فارس و تترسوا و قووا كتائبهم ثم بدأ الهجوم فكان هو أول من انهزم و دخل المدينة على بغلته و ترك المسلمين يُقتَّلون فيقول الشاعر في قصيدة طويلة:

تركت أبنائنا تدمى كلومهم ----- و جئت منهزماً يا ضرطة الجمل

و قال قتيبة بن مسلم عنه : و الله لا أوليه و لا على شاة . - قال أبو جعفر المنصور لأبي دلامة لما بدأت إحدى المعارك : أخرج بارز ذلك الفارس فقال أبو دلامة : تعلم أني لست للمبارزة فقال : عزمت عليك أن تبارز فخرج فلما قرب من الفارس وضع سيفه فقال : و الله أنك تعلم أني أكره الموت على فراشي فكيف تقتلني هنا فضحك أبو جعفر و ضحك الناس و عاد أبو دلامة .

ذكر ابن كثير و الذهبي أن معاوية قال لعمرو بن العاص يوم صفين عزمت عليك أن تبارز علي قال : إنه علي . قال : عزمت عليك أن تبارز علي فلما خرج و رأى علي وضع السيف و قال : مكره أخاك لا بطل .

هناك أمور تساعد المرء أن يكون جباناً !: انطماس التوحيد و خوف البشر أكثر من الله للحفاظ على مصلحة دنيوية - عدم الاعتقاد أن الخالق الرازق هو الله - نسيان تقدير الآجال - تصور نفع الناس و ضرهم بغير مشيئة الله .






maher 18-09-2006 02:51 PM

الجبان والحيال والشجاع

دخل عمرو بن معد يكرب الزبيدي على عمر بن الخطاب ، فقال عمر : أخبرني عن أجبن من لقيت وأحيل من لقيت وأشجع من لقيت
قال عمرو : نعم يا أمير المؤمنين خرجت مرة أريد الغارة ، فبينما أنا سائر إذا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا رجل جالس كأعظم ما يكون من الرجال خلقاً ، وهو محتب بحمائل سيفه، فقلت له : خذ حذرك فإني قاتلك . فقال : ومن أنت ؟ قلت : أنا عمرو بن معد يكرب الزبيدي ، فشهق شهقة فمات . فهذا يا أمير المؤمنين أجبن من رأيت

وخرجت مرة حتى انتهيت إلى حي فإذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته ، فقلت : خذ حذرك فإني قاتلك . فقال : ومن أنت ؟ فأعلمته بي

فقال : يا أبا ثور ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا على الأرض، فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي ، فأعطيته عهداً فخرج من الموضع الذي كان فيه واحتبى بحمائل سيفه، وجلس

فقلت : ما هذا ؟ فقال : ما أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك فإن نكثت عهدك فأنت أعلم بناكث العهد . فتركته ومضيت . فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت

وخرجت مرة حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه الطريق فلم أر أحداً فأجريت فرسي يميناً وشمالاً وإذا أنا بفارس ، فلما دنا مني ، فإذا هو غلام حسن نبت عذاره من أجمل من رأيت من الفتيان ، وأحسنهم . وإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة ، فلما قرب مني سلم علي ورددت عليه السلام وقلت : من الفتى ؟ قال: الحارث بن سعد فارس الشهباء فقلت له : خذ حذرك فإني قاتلك

فقال: الويل لك ، فمن أنت ؟
قلت: عمرو بن معد يكرب الزبيدي
قال: الذليل الحقير ، والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك
فتصاغرت نفسي ، يا أمير المؤمنين ، وعظم عندي ما استقبلني به
فقلت له: دع هذا وخذ حذرك فإني قاتلك ، والله لا ينصرف إلا أحدنا
فقال: اذهب ، ثكلتك أمك ، فأنا من أهل بيت ما أثكلنا فارس قط
فقلت: هو الذي تسمعه
قال: اختر لنفسك فإما أن تطرد لي ، وإما أن أطرد لك فاغتنمتها منه
فقلت له : أطرد لي
فأطرد وحملت عليه فظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو صار حزاماً لفرسه ثم عطف عليّ فقنع بالقناة رأسي وقال : يا عمرو خذها إليك واحدةً ، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك
قال: فتصاغرت نفسي عندي ، وكان الموت، يا أمير المؤمنين أحب إلي مما رأيت
فقلت له : والله لا ينصرف إلا أحدنا . فعرض علي مقالته الأولى
فقلت له: أطرد لي
فأطرد فظننت أني تمكنت منه فاتبعته حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو صار لبباً لفرسه ، ثم عطف عليّ فقنع بالقناة رأسي وقال : خذها إليك يا عمرو ثانية
فتصاغرت عليّ نفسي جداً ، وقلت : والله لا ينصرف إلا أحدنا فاطرد لي فاطرد حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فوثب عن فرسه ، فإذا هو على الأرض فأخطأته فاستوى على فرسه واتبعني حتى قنع بالقناة رأسي
وقال: خذها إليك يا عمرو ثالثة ولولا كراهتي لقتل مثلك لقتلتك
فقلت: اقتلني أحب إلي ولا تسمع فرسان العرب بهذا
فقال: يا عمرو ، إنما العفو عن ثلاث ، وإذا استمكنت منك في الرابعة قتلتك وأنشد يقول

وكدت إغلاظـاً من الإيمـان ..... إن عدت يا عمرو إلى الطعان
لتجـدن لـهـب السـنـان ...... أولاً فلست من بنـي شيبـان



فهبته هيبة شديدة ، وقلت له : إن لي إليك حاجة
قال : وما هي ؟
قلت : أكون صاحباً لك
قال : لست من أصحابي
فكان ذلك أشد عليّ وأعظم مما صنع ، فلم أزل أطلب صحبته حتى قال : ويحك أتدري أين أريد ؟
قلت : لا والله
قال : أريد الموت الأحمر عياناً
قلت : أريد الموت معك
قال : امض بنا
فسرنا يومنا أجمع حتى أتانا الليل ومضى شطره . فوردنا على حي من أحياء العرب
فقال لي : يا عمرو في هذا الحي الموت الأحمر فإما أن تمسك عليّ فرسي فأنزل وآتي بحاجتي ، وإما أن تنزل وأمسك فرسك فتأتيني بحاجتي
فقلت: بل أنزلت أنت . فأنت أخبر بحاجتك مني ، فرمى إلي بعنان فرسه ورضيت والله يا أمير المؤمنين بأن أكون له سائساً ، ثم مضى إلى قبة فأخرج منها جارية لم تر عيناي أحسن منها حسناً وجمالاً ، فحملها على ناقة
ثم قال: يا عمرو ، فقلت : لبيك ! قال : إما أن تحميني وأقود الناقة أو أحميك وتقودها أنت ؟
قلت: لا بل أقودها وتحميني أنت ، فرمى إلي بزمام الناقة ثم سرنا حتى أصبحنا
قال: يا عمرو قلت: ما تشاء ؟ قال: التفت فانظر هل ترى أحداً ؟
فالتفت فرأيت رجالاً فقلت: اغذذ السير
ثم قال: يا عمرو انظر إن كانوا قليلاً فالجلد والقوة وهو الموت الأحمر ، وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء
فالتفت وقلت: وهم أربعة أو خمسة قال: اغذذ السير ففعلت ، ووقف وسمع وقع حوافر الخيل عن قرب
فقال: يا عمرو ، كن عن يمين الطريق وقف وحول وجه دوابنا إلى الطريق ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ووقف عن يسارها ودنا القوم منا وإذا هم ثلاثة أنفار شابان وشيخ كبير ، وهو أبو الجارية والشابان أخواها ، فسلموا فرددنا السلام

فقال الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي
فقال: ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتها
فقال لأحد ابنيه: اخرج إليه ، فخرج وهو يجر رمحه فحمل عليه الحرث
وهو يقول

من دون ما ترجوه خضـب ..... الذابل من فارس ملثم مقاتـل
ينمي إلى شيبان خير وائـل ...... ما كان يسري نحوها بباطل


ثم شد على ابن الشيخ بطعنة قد منها صلبه ، فسقط ميتاً ، فقال الشيخ لابنه الآخر اخرج إليه فلا خير في الحياة على الذل
فأقبل الحارث وهو يقول

لقد رأيت كيف كانت طعنتي ..... والطعن للقرم الشديد همتـي
والموت خير من فراق خلتي ..... فقتلتـي اليـوم ولا مذلتـي


ثم شد على ابن الشيخ بطعنة سقط منها ميتاً ، فقال له الشيخ : خل عن الظعينة يا ابن أخي ، فإني لست كمن رأيت
فقال : ما كنت لأخليها ، ولا لهذا قصدت
فقال الشيخ : يا ابن أخي اختر لنفسك فإن شئت نازلتك وإن شئت طاردتك، فاغتنمها الفتى ونزل
فنزل الشيخ وهو يقول

ما أرتجي عند فناء عمـري ..... سأجعل التسعين مثـل شهـر
تخافني الشجعان طول دهري ..... إن استباح البيض قصم الظهر



فأقبل الحارث وهو ينشد ويقول

بعد ارتحالي ومطال سفري ..... وقد ظفرت وشفيت صدري
فالموت خير من لباس الغدر ..... والعار أهديـه لحـي بكـر


ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابن أخي إن شئت ضربتك ، فإن أبقيت فيك بقية فيَّ فاضربني وإن شئت فاضربني . فإن أبقيت بقية ضربتك
فاغتنمها الفتى وقال: أنا أبدأ
فقال الشيخ: هات
فرفع الحارث يده بالسيف فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرب بطنه بطعنة قد منها أمعاءه ووقعت ضربة الفتى على رأس الشيخ فسقطا ميتين
فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف

ثم أقبلت إلى الناقة فقالت الجارية: يا عمرو: إلى أين ولست بصاحبتك ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت
فقلت : اسكتي
قالت : إن كنت لي صاحباً فأعطني سيفاً أو رمحاً فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك
فقلت: ما أنا بمعط ذلك ، وقد عرفت أهلك وجراءة قومك وشجاعتهم فرمت نفسها عن البعير ثم أقبلت تقول

أبعد شيخي ثم بعد أخوتـي ..... يطيب عيشي بعدهم ولذتي
وأصحبن من لم يكن ذا همةٍ ..... هلا تكون قبـل ذا منيتـي


ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنزعه من يدي ، فلما رأيت ذلك منها خفت إن ظفرت بي قتلتني ، فقتلتها
فهذا يا أمير المؤمنين أشجع من رأيت



rainbow 20-09-2006 04:39 AM

أخى ماهر ...

موضوعك رائع رائع بكل ما تحمله كلمة رائع من معنى ...

فالموضوع منسق وشامل إلى أعلى درجة .. إستمتعت به كثيرا ...

مثل الوجبة الرائعة كاملة الدسم .. ومعه الحلوى أيضا ..

بقدر ما أعجبنى الموضوع .. دفعنى إلى التفكير وإعمال العقل فى مفهوم الشجاعة ..


إقتباس:

أبو بكر في حرب الردة يقف على المنبر و يعترض الصحابة فيقول : و الذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ، و كان يقول في رواية أخرى: و الذي نفسي بيده لو أتت الكلاب فأخذتني في أعقابي ما خلفت جيشاً عن الغزو في سبيل الله و قال أبوبكر بشأن مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة: و الله لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة . و قال هذه المقولة أيضاً لأهل فارس و قالها غيره كثير . و قال أبوبكر : لأرسلن لهم خالد يذهب وساوس الشيطان من رؤوسهم .


أشجع قرار فى التاريخ .. من وجهة نظرى ..

والشجاعة كما ذكرت يختلف مفهومها حسب الزمان المكان والموقف بل والشخص نفسه ..

فشجاعة الرأى .. وشجاعة الفارس فى الميدان ..

وما أعجبنى أكثر هو ذكرك لأشهر أبطال العرب وأجبن الجبناء أيضا ..

وأضيف إلى الأبطال إثنين خطرا لى وأنا أقرأ الموضوع ..

القعقاع بن عمرو ... يعده أبو بكر بألف فارس وقال عنه لا يُهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو ..

ضرار بن الأزور ... إرتبط إسمه بخالد بن الوليد وولازمه فى كل معاركه وكان ذراعه الأيمن ..

وضرار هذا أتبسم من شجاعته .. فرغم تهوره الشديد ومواقفه الغريبة التى أذكر منها واحدة ..

عندما أرسله خالد فى مهمة إستطلاعية ولما فطن له الروم أرسلوا ورائة ثلاثين فارسا ..

فهرب منهم ولما إستدرجهم إلى خارج المعسكر كر راجعا إليهم وفى ظل دهشتهم وشجاعته الهائلة ..

قتل منهم 18 وهرب الباقون .. :New2: :New2: :New2:

وأظن الشجاعة لها علاقة كبيرة بالذكاء وسعة الحيلة .. فكما قال عنترة عندما سُأل عن سر شجاعته ..

وقال .. كنت أعمد إلى الضعيف الجبان فأضربه ضربة هائلة ينخلع لها قلب القوى الشجاع ..

أما حكمتى أنا ... فهى .. ليست الشجاعة ألا تخاف ولكن ألا يعرف الناس أنك خائف ..

والحديث ممتع وجميل .. شكرا لك ماهر على هذا الموضوع المميز والرائع ..

maher 04-10-2006 05:31 PM



نورت الموضوع أخي الكريم رينبو


و بارك الله فيك على إضافتك الجميلة، و أرجو أن تتكرم و تضيف ما عندك و تدلي بدلوك هنا فإنه لشرف لي



في السنة التاسعة عشر للهجرة بعث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جيشاً لحرب الروم، وكان قيصر ـ عظيم الروم - قد تناهت إليه أخبار ضد المسلمين وما يتحلون به من صدق الإيمان ورسوخ العقيدة واسترخاص النفس والنفيس في سبيل الله، فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين السابقين أن يبقوا عليه ويأتون به حياً، ويشاء الله أن يقع عبد الله بن حذافة السهمي أسيراً في أيدي الروم فحملوه إلى مليكهم، وقالوا: "إن هذا من أصحاب محمد السابقين"، نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلاً ثم بادر قائلاً إني أعرض عليك إن تتنصر فان فعلت أطلقت سراحك وأشركتك في ملكي وقاسمتك سلطاني.

فتبسم الأسير المكبل في قيوده وقال: "والله لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ طرفة عين ما فعلت"، قال: "إذا أمتك"، قال: "أنت وما تريد"، ثم أمر به فصلب وقال لقناصته ـ بالرومية - ارموه قريباً من يده، وهو يعرض عليه التنصير فيأبى، فقال ارموه قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه مفارقه دينه فيأبى، فأمر به إلى السجن ومنع الطعام والشراب ثلاثة أيام، ووضعوا عنده لحم خنزير وخمر ودخلوا عليه بعد ثلاث، فإذا هو مالت عنقه من الجوع والعطش فسألوه لم تأكل الخنزير وتشرب الخمر.

فقال: "أما إن الضرورة أباحت لي ذلك ولكني خشيت أن يشمت أمثالكم في الإسلام وأهله".

فأدخلوا عليه أجمل نسائهم لعل فتنة النساء تعطيهم ما يريدون أو تروى غليلهم، فتعرضت له فأعرض عنها وهو يتلو القرآن، حتى خرجت تقول: "والله لا أدري أأنثى أم ذكر، أأدخلتموني عل رجل أم على حجر".

وتتحطم فتنة النساء على صخرة الإيمان، بعد أن تحطمت فتنة المال والسلطان على نفس الصخرة.

ثم دعا قيصر بقدر عظيم فصب فيه الزيت، ورفعت على النار حتى غلت، ثم دعا بأسيرين من أسرى المسلمين فأمر بأحدهما أن يلقى فيها، فألقى فيها فإذا لحمه يتفتت وإذا عظامه تبدو عارية، ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة وعرض عليه النصرانية، فكان أشد إباء لها من ذي قبل، فأمر به أن يلقى في القدر فلما ذهب دمعت عيناه، فقالوا لقيصر: "إنه قد بكى"، فظنوا أنه قد جزع فقال: "ردوه"، فلما مثل به بين يديه عرض عليه النصرانية فأباها، فقال: "ويحك فما الذي أبكاك"، قال: "أبكاني أنى قلت في نفسي: تلقى الآن في القدر فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهى أن يكون بعدد ما في جسدي من شعر فتلقى كلها في نفس القدر في سبيل الله". فقال الطاغية: "هل لك أن تقبل رأسي وأخلى عنك؟"، فقال عبد الله : "وعن جميع المسلمين يضاً". قال وعن جميع المسلمين.

وعندما وطأت قدما عبد الله بن حذافة المدينة النبوية كان الخبر قد سبقه إلى أهلها، فقال له عمر بن الخطاب وهو فرح مسرور بثبات عبد الله وقوة إيمانه: "حقٌّ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ بذلك! فقام وقبل رأس عبد الله بن حذافة رضي الله عنه.




خبيب بن عدى رضي الله عنه بعد أن ظفرت به قريش بعد بدر وصلبوه ليقتلوه، وكان على رأس الناس يومئذ أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية. وتقدم أبو سفيان، وقال له: "أناشدك الله أتحب أن يكون محمد مكانك الآن تضرب عنقه وإنك في أمن في أهلك؟"، فتبسم خبيب، وقال: "والله ما أحب أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكانه الذي هو فيه الآن، وأن شوكه تصيبه فتؤذيه وإني جالس في أهلي". فما كان من أبي سفيان إلا أن قال: "والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد لمحمد".




قال ابن مسعود رضي الله عنه:”مازلنا أعزة منذ أسلم عمر” فلقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوياً وشديداً قبل وبعد إسلامه. حيث أن المسلمين كانو يجتمعون سراً ولم يكونو يجهروا بإسلامهم إلا بعد دخول عمر الإسلام. الدليل على ذلك هو أن عمر بنت الخطاب دخل على الرسول فقال:” ألسنا على حق إن متنا أو حيينا؟” فقال له عليه الصلاة والسلام:”بلى والذي نفسي بيده إنكم على حق وإن متم وإن حييتم” فقال عمر:”ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن” وبعد ذلك خرج الرسول في صفين في الكعبة ومعه أربعين من الصحابة ولما نظروا إليهم قريش أصابتهم كآبة شديدة. عن صهين بن سنان قال:” لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعا إليه علانية ، وجلسنا حول البيت حلقاً وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن أغلظ علينا”.




جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه
كان ثالث ثلاثة جعلهم رسول الله قواد الجيش وأمراءه..


عندما كادت الراية توشك على السقوط من يمين زيد بن حارثة رضي الله عنه، حتى تلقاها جعفر رضي الله عنه باليمين ومضى يقاتل بها في اقدام خارق.. اقدام رجل لا يبحث عن النصر، بل عن الشهادة...

وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم، وراى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل.. وراح يصوب سيفه ويسدده الى نحور أعدائه كنقمة القدر.. ولمح واحدا من الأعداء يقترب من فرسه ليعلو ظهرها، فعز عليه أن يمتطي صهوتها هذا الرجس، فبسط نحوها سيفه، وعقرها..!!

وانطلق وسط الصفوف المتكالبة عليه يدمدم كالاعصار، وصوته يتعالى بهذا الرجز المتوهج:

يا حبّذا الجنة واقترابها طيّبة، وبارد شرابها
والروم روم، قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ اذا لاقيتها ضرابها


وأحاطوا به في اصرار مجنون على قتله.. وحوصر بهم حصارا لا منفذ فيه لنجاة..وضربوا بالسيوف يمينه، وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله.. وضربوها هي الأخرى، فاحتضن الراية بعضديه..

في هذه اللحظة تركّزت كل مسؤوليته في ألا يدع راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حيّ..

وحين تكّومت جثته الطاهرة، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه، ونادت خفقاتها عبدالله بن رواحة رضي الله عنه فشق الصفوف كالسهم نحوها، واخذها في قوة، ومضى بها الى مصير عظيم..!!




خرج حمزة رضي الله عنه من داره،متوشحا قوسه، ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة، ورياضته الأثيرة، الصيد.. وكان صاحب مهارة فائقة فيه..

وقضى هناك بعض يومه، ولما عاد من قنصه، ذهب كعادته الى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا الى داره.وقريبا من الكعبة، لقته خادم لعبدالله بن جدعان..ولم تكد تبصره حتى قالت له:" يا أبا عمارة.. لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا، من أبي الحكم بن هشام.. وجده جالسا هناك ، فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره"..

ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله..واستمع حمزة جيدا لقولها، ثم أطرق لحظة، ثم مد يمينه الى قوسه فثبتها فوق كتفه.. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الكعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي جهل.. فان هو لم يجده هناك، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه..ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش..
وفي هدوء رهيب، تقدّم حمزة من أبي جهل، ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه، وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة، صاح حمزة في أبي جهل:
" أتشتم محمدا، وأنا على دينه أقول ما يقول..؟! الا فردّ ذلك عليّ ان استطعت"

أول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو، كان أميرها حمزة..
وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة..
يوم التقى الجمعان في غزوة بدر، كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب..!!


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.