أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة المفتوحة (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=7)
-   -   الإرهاب والحرب الباردة -كتاب قيم لمحمود ممداني (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=39963)

علي علي2 17-06-2004 01:19 AM

الإرهاب والحرب الباردة -كتاب قيم لمحمود ممداني
 
الإرهـــاب والـحــرب الـبــــاردة
مقدمة-علي علي

في الحقيقة لم أسمع بالكاتب محمود ممداني حتى قرأت هذا التقديم لكتابه في "ملحق النهار الثقافي".
هو كاتب هندي مسلم ولد في أوغندا ثم سارت به الأيام حتى أصبح مدرساً للعلوم السياسية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الكتاب كما يرى القارئ مناقشة رزينة لموضوع الساعة في الإعلام ألا وهو موضوع الإرهاب الذي غالباً ما يتهم به الإسلام بالذات ظلماً.
وهو يضعه في نطاقه الصحيح بوصفه نتاجاً أمريكياً بامتياز!

ملحق النهار الثقافي- الاحد 13 حزيران 2004

رائـف زريـق

كيف نفهم أحداث 11 أيلول، وإزاء أي خلفية يمكن فهمها؟ هناك فيض من الكتب، صدرت في السنوات الثلاث الأخيرة، تعالج هذا الموضوع. كتاب محمود ممداني الأخير يحظى بموقعٍ خاص، ويتمتع برؤية مميزة، ويتعاطى مع الموضوع من زوايا متعددة. ممداني، الهندي الأصل، الذي نشأ وترعرع في أوغندا في آخر عصرها الكولونيالي، متخرج من كلية العلوم السياسية في جامعة هارفارد، ولاحقاً أستاذ العلوم السياسية والأنتربولوجيا في جامعة كولومبيا-نيويورك. المناضل السياسي الذي أُبعد عن وطنه أوغندا مرتين، يكتب عن جذور الإرهاب مزوّداً تجربة أفريقيا الغنية بافي اعتبارها الساحة الخلفية لصراع القوى العظمى إبان الحرب الباردة، ومبرهناً أنّ النموذج الذي استخدمته أميركا في أفريقيا بدايةً، جرى تعميمه لاحقاً.
كلام الثقافة
بدايةً، يرفض ممداني ما يسمّيه التحليل الثقافي أو كلام الثقافة (Cultural Talk)، ويقصد به ذلك النموذج من التحليل الذي يتعامل مع الثقافة في صفتها علّة العلل، ومصدر الخير والشّر. وهو تالياً يرفض المقولات التسطيحيّة ذات النزعة الجوهرانية لـ"صراع الحضارات"، التي تتعامل مع الحضارات والثقافات باعتبار كلٍّ منها تشكّل وحدة متجانسة ومتماهية داخليّاً، وفي حالة تصادم مع الثقافات الأخرى. هذا النموذج من التحليل السياسي، والذي يعد برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون من مهندسيه، يختزل السياسي في الثقافي، ويتغاضى عن تناقض المصالح وصراع القوى، ويكتفي بتحليل البُنى الثقافية الذهنية. يشغل هذا التيار التحليلي نفسه بأسئلة من نوع: هل هناك تناقض بين الإسلام والحداثة؟ هل من الممكن التوفيق بين الإسلام والعلمانية؟ وغيرها من الأسئلة التي تقوم على افتراض تناقضاتٍ جوهرية بين الإسلام والديموقراطية، وعلى وجود نزعة للعنف متأصلة في الثقافة الإسلامية.
في هذا الكتاب، كما في كتبه الأخرى، يعيد ممداني الاعتبار الى السياسة والى حساب المصالح كطريقة للتحليل وفهم الأحداث. فبدلاً من الكسل الذهني الذي يردّ كل شيء إلى "العقلية" أو إلى "الثقافة" الإسلامية أو المسيحية، هناك حاجة إلى التحليل المتفحّص لحسابات السياسة والمصالح.
يقدّم الكتاب للقارئ الأميركي المبتدئ والمتمرّس على السواء، بعض المفاهيم الأساسية التي تتعلق بالأصولية الدينية وبالإسلام السياسي، موضحاً الفروق بين حسن البنّا، الذي يمثّل التيار الإسلامي المرتكز على ترتيب المجتمع، والسيد قطب والمودودي اللذين يمثّلان التيار الإسلامي السّاعي إلى الاستيلاء على السلطة.
من لاوس وفيتنام إلى أنغولا- الحرب "بالنيابة" (Proxy War) يتمحور الكتاب حول ادّعاء أساسي مفاده أنّ فهم نشوء الإرهاب الجديد يجب أن يتمّ من خلال قراءة السياسة الخارجية الأميركية إبان الحرب الباردة، وفي الأساس بعد حرب فيتنام. لقد استنتج صانعو السياسة الخارجية الأميركية أنّ نموذج الحرب الذي اتّبعه الأميركان في فيتنام قد أثبت فشله، إذ جعل من الجنود الأميركيين لقمةً سائغة في فم المقاومة الفيتنامية، والخسائر الكبيرة في الأرواح ضاعفت من المعارضة الشعبية للحرب داخل أميركا، الأمر الذي أضرّ بهيبة أميركا كدولة عظمى وكبّدها الخسائر الفادحة.
مقابل النموذج الفيتنامي، برز نموذج الحرب في لاوس كنموذج موفّق بالنسبة الى الأميركان. وهو يقوم على مبدأ عدم التدخل العسكري المباشر، إنّما إدارة الحرب من طريق وكلاء محلّيين، أي تبنّي بعض المجموعات المحليّة المسلّحة ذات المصلحة الخاصة في خوض المعركة، وتزويدها المال والعتاد. جرى تطوير نموذج الحرب في لاوس، والذي يدعوه الكاتب نموذج الحرب "بالنيابة عن " ( By proxy war) ، بفكرة أنّ على الآسيويين أن يموتوا في آسيا، وعلى الأفارقة أن يموتوا في أفريقيا دفاعاً عن المصالح الأميركية، وأنّ أميركا لن ترسل بعد اليوم أبناءها ليموتوا في أرضٍ غريبة. تميّز هذا النموذج من الحرب بعملية "خصخصة للحرب": فالقوى المحاربة هي قوى خاصة، وليست جيوشاً نظامية تابعة لدولة أو بلد ما، وإنّما مجموعات عقائدية سياسية، أو مجموعات مرتزقة يجري توظيفها لزعزعة نظام سياسي في بلدٍ ما لا تروق سياسته الخارجية لأميركا.
عامل آخر ساهم في الترويج لهذا النموذج هو الضغط الذي مارسه الكونغرس على الإدارة الأميركية بعد حرب فيتنام، وتمثّل في التقييدات التي فرضها الكونغرس على السياسة الخارجية الأميركية، والتي توخّت ضبط عمليات الدعم والتمويل لعناصر أجنبية.
في السّبعينات انتقل مركز الثقل في الحرب الباردة من شرق آسيا إلى أفريقيا. وفي أفريقيا جرى التطبيق الأول لهذا النموذج من الحرب الجديدة، وهدف إلى ضعضعة أركان الدول القومية الفتيّة التي نالت استقلالها حديثا. في هذا السياق، يشير ممداني إلى مجموعة "أونيتا" (Unita) في أنغولا، ومجموعة "رينامو" (Renamo) في موزمبيق أولى المجموعات الإرهابية التي قادت الحروب نيابة عن أميركا، وقد تلقّت كلتا المجموعتين الدعم التّقني والمادي المباشر من حكومة الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وفي رعاية أميركية.
ضمن هذا الإطار يمكن فهم ما حدث لاحقاً في شأن حركة "طالبان" في أفغانستان، والتي أرادها الأميركان أن تكون فيتنام سوفياتية.
الخصخصة والمخدرات
إحدى القضايا المثيرة التي يتعرّض لها الكتاب هو علاقة السياسة الداخلية الأميركية بسياستها الخارجية، وبقضية بيع المخدرات. إنّ ما نتج من نموذج "الحرب بالنيابة عن"، هو خصخصة القدرات والمعلومات العسكرية والخبرات القتالية، وانحصارها في أيدي أفرادٍ ومنظمات وعصابات لا تخضع لسلطة دولة أو قانون، ولا تأتمر بسلطة مركزية. وما حركة "طالبان" في أفغانستان، وظاهرة أسامة بن لادن سوى أمثلة على ذلك. يقتبس ممداني مقولة الرّوائية الهندية ارونداتي روي، التي علّقت على ابن لادن مرّة بقولها: "إنّ ابن لادن يحظى بامتياز خاص في التاريخ، فأجهزة F.B.I تلاحقه مع العلم أنّه من صنع C.I.A". تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ ثاني أكبر قوة عسكرية موجودة في العراق اليوم، بعد الجيش الأميركي، هي قوات عسكرية من المرتزقة تملكها شركات خاصة. فخصخصة الحرب التي نشهدها اليوم في بلد مثل العراق، لها جذور تمتد عميقاً في تاريخ الحرب الباردة.
إلاّ أنّ عملية الخصخصة هذه قد واجهت مشكلة أساسية ألا وهي مشكلة التمويل: كيف يمكن تمويل هذه المجموعات/العصابات الخاصة في ظل رقابة الكونغرس؟ هنا، تفتّق إبداع وكالة الاستخبارات الأميركية في توظيف تجارة المخدرات في اعتبارها مصدراً أساسياً لتمويل نشاط مثل هذه المجموعات. في هذا السياق نشير إلى أنّ الصحافي والمؤرخ المصري محمد حسنين هيكل قد سبق وأشار إلى الدور السعودي والمصري في عهد بريجنسكي في تمويل الحرب الأفغانية ورعايتها من طريق تجارة المخدرات.
إسرائيل
تحظى إسرائيل باهتمام خاص لدى الكاتب ضمن سياقاتٍ عدة. فهو يسهب في توضيح الدور الإسرائيلي في تصميم النموذج الأميركي للحرب "بالنيابة عن"، خاصة في أميركا اللاتينية، موضحاً الدور الذي لعبته إسرائيل في زعزعة الأنظمة اليسارية في هذه الدول. فضلاً عن ذلك، يُفرد الكاتب فصلاً من كتابه يتناول فيه قضية العمليات الانتحارية التي يقوم بها الفلسطينيون داخل إسرائيل، واضعاً إيّاها في إطار تاريخي عام. في سبيل ذلك يناقش ممداني مفهوم العنف وعلاقته بمشروع الحداثة، مشيراً إلى أنّ الحداثة لم تنبذ العنف إنّما قامت على تنظيم استعماله، ونبذت نوعاً واحداً من العنف، وهو ذاك الذي لا يخدم في منظورها حركة التاريخ الصاعدة، وقيم التقدم والحضارة كما فهمتها أوروبا. أمّا العنف ضدّ السّكان الأصليين في بقاع عدة في العالم، ومحاولات إبادتهم، فقد كان مبرّراً دائماً وأبداً. يستلهم الكاتب من تراث فرانز فانون وحنّة آرندت فيشير إلى أنّ الكارثة التي حلّت باليهود في أوروبا كانت فريدة من ناحية، وغير فريدة من ناحية أخرى. هي غير فريدة في اعتبار أنّها عملية إبادة منظّمة لشعب كامل، وقد سبق وتمّت عمليات إبادة كهذه في المستعمرات الخاضعة للدولة الكولونيالية، سواء كان ذلك في أفريقيا، آسيا، أو أميركا حيث أُبيد ملايين الهنود الحمر (وإن كان هناك اختلاف في الأعداد والكثافة)، مما يجعل الكارثة اليهودية فريدة هو حصولها على أرض أوروبا، ضد شعب أوروبي (في اعتبار اليهود أوروبيين). عليه، يمكن رؤية الكارثة كنقطة تقاطع ظاهرتين مركزيتين في تاريخ أوروبا: الأولى ظاهرة العنف الكولونيالي، والثانية ظاهرة اللاسامية.
أمّا في ما يتعلّق مباشرة بالعمليات الانتحارية، فالكاتب يدعو القارئ إلى فهم تاريخ الصراع الفلسطيني -ا لإسرائيلي، وفهم حال اليأس التي تدفع بالشبان الفلسطينيين إلى اختيار موتهم. حين نفهم ظاهرة الانتحاريين في سياقها التاريخي والواقعي، سنتوقف عن رؤيتها كحالة تضادٍ مع الحداثة، وإنّما كاستمرار للعنف الذي وُلد مع مشروع الحداثة نفسه. إنّ نموذج الجندي الذي يُخضع حياته وحياة الآخرين من أجل هدفٍ أسمى (الدولة والشعب والعلم) يتحول، في حالاته القُصوى، إلى نموذج الانتحاري.


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.