أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة السياسية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   من غرفة الإعدام (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=60093)

صمت الكلام 02-01-2007 12:49 AM

من غرفة الإعدام
 

مازن حماد

من غرفة الإعدام

الحكومة التي كان همها الأول القتل والتشفي بالقتيل لا تستحق أن تسمى حكومة، والاحتلال الذي يسمح لقطّاع طرق بأن يشاركوا في إعدام رئيس دولة أسير، يضع بتصرفه علامة استفهام كبيرة على كل شيء يدعي أنه يمثله أو يدافع عنه ابتداء بالديمقراطية وانتهاء بحقوق الإنسان.

إعدام صدام تم في مقر الاستخبارات الأميركية التي سمحت لأعضاء في «فرق الموت» بلف الحبل حول عنق الرئيس السابق وإهانته في لحظاته الأخيرة. فالإعدام له أصوله وطقوسه وهيبته، والمشاهد التي تناقلتها الفضائيات والملتقطة، كما يبدو بكاميرا هاتف جوال فضحت استسلام الولايات المتحدة لرغبات وغرائز الحكومة وحزب الدعوة بأن تمارس حتى في غرف الإعدام، في انحياز مخيف إلى جانب طائفة ضد أخرى من منطلق أن المقاومة سنية وأن تنظيم القاعدة سني.

تلك المشاهد المؤذية والمستفزة هي التي سترسم ردود الأفعال وتحدد خطوط الانقسام الطائفي بعد أن تزيده عمقا واتساعا في بلد لم يعد سرا أن حكومته الحالية هي حكومة الشيعة لا حكومة العراق. ولا يجدي نفعا إنكار الحكومة انحيازها، ولا زعمها أن إعدام صدام كان إجراء عاديا لتحقيق العدالة، ذلك أن إعدامه كان قرارا أميركيا سياسيا بحتا ذا دوافع ثأرية، فيما كانت محاكمته طبخة نصف مسلوقة لم تلب ولا حتى ربع المعايير الأخلاقية والقانونية عندما قبلت شهادات مجهولين وعندما اغتالت «فرق الموت» الرسمية بعض محامي الدفاع، وعندما عزلت الحكومة قاضيا بتهمة اللين مع صدام.

سيترك الحوار الأخير بين صدام وجلاديه تأثيرات هائلة على مسار الأحداث في العراق، إن كان لجهة التحدي الذي أظهره الرئيس الراحل عندما سأل مستفزيه إذا كان ما يفعلونه به - وهو أسير على شفا الموت - «مرجلة»، أو لجهة صراخهم بكلمات تضمنت اسميْ مقتدى (الصدر) وباقر الحكيم الذي يُتهم نظام صدام بقتله، ثم لجوئهم إلى فتح «كوة الموت» ليهوي الجسد قبل أن يكمل صاحبه تلاوة الشهادتين.

أخطأت أميركا ليس فقط لأنها قدمت للعالم محاكمة شكلية بعد أن منعت محاكمته دوليا خشية انكشاف دورها الحقيقي في الحرب التي أعلنها صدام على إيران ثم الأكراد، ولكن لأنها أعدمته في أول أيام الأضحى، كما أوقفت واشنطن محاكمته في قضية «الأنفال» التي تتضمن ضرب بلدة حلبجة الكردية بالسلاح الكيماوي، لتفادي مناقشة سر صمتها عن تلك الجريمة سنوات طويلة.

الأكراد غاضبون لأن واشنطن أوقفت محاكمته في تلك القضية مكتفية بحكم الإعدام الصادر بحق صدام في قضية الدجيل، رغم أن ضحايا «الأنفال» أضعاف أضعاف ضحايا الدجيل، وراحوا يتهامسون بأن أميركا أخذت جانب الشيعة ضد السُنة، والآن ضد الأكراد أيضا.

المضحك أن جورج بوش وصف إعدام صدام بأنه خطوة على طريق الديمقراطية، في ذات اليوم الذي بلغ فيه عدد القتلى من القوات الأميركية بالعراق ثلاثة آلاف، إضافة إلى «22» ألف جريح. لكن المؤسف أن أمل بوش الواهم في تحسين وضعه السياسي المأزوم في بلاده يدفعه إلى ارتكاب الخطأ تلو الآخر، سواء بإعدام صدام أو باختيار التوقيت السيئ لتنفيذه، أو بتفضيل الشيعة على الأكراد واعتبار السنة أعداء. لكنه سيفاجأ عندما يكتشف أن صدام، رغم الإجماع على أنه طاغية، أصبح يحتسب بعد إعدامه بتلك الطريقة بطلا في نظر الكثير من العرب والمسلمين، وهو «تطويب» ما كان ليناله لو أنه اعتقل وحوكم وأعدم بأيد عراقية «حقيقية»، لا بأيدي دولة احتلال أجنبية مزقت العراق بدل أن تنقذه، كما زعمت أنها ستفعل، وحولته إلى منتج لمائة جثة في اليوم، ودفعته إلى حرب أهلية مذهبية وطائفية وعرقية يمكن أن تشعل المنطقة كلها.


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.