أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الأسرة والمجتمع (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=21)
-   -   عن مسلسل "بقعة ضوء"-مقال في السفير (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=29155)

محمد ب 21-12-2002 03:33 AM

عن مسلسل "بقعة ضوء"-مقال في السفير
 
هل يؤسس <<بقعة ضوء>> لصناعة درامية جديدة في سوريا؟ الأشياء التي قرأها المشاهدون خلسة
راشد عيسى

http://www.assafir.com/iso/today/culture/6.html

قد يكون من الظلم ان نحيل النجاح الذي حققه مسلسل <<بقعة ضوء>> إلى الجرأة وحدها، فهذه غشاوة قد تسيء الى رؤية العمل بعناصره الفنية المختلفة، كما أنها قد تخفي مساوئه التي سرعان ما ستنكشف إذا وضع المسلسل في مناخ آخر. ثم لا ندري ما الذي تعنيه الجرأة في تلفزيون رسمي، عدا عن كونها <<اشارة ضوئية لا تخطئ، تفيد بأنه بات بالإمكان التعبير عن الضيق من اساليب المؤسسة. وكل ما فسد أو ترهل مع الوقت>> كما كتب الزميل ساطع نور الدين في محطته الأخيرة (<<السفير>> 5/12/2002)؟
ولعل الانشغال بالقول الجريء هو ما جعل من بقعة الضوء تزداد شحوبا كلما اقتربت من عالم السياسة وانتقاد الفساد والبيروقراطية. لوحات قليلة من المسلسل يمكن الاحتفاء بها، تلك التي تبتعد عن المباشرة، وتبحث في هموم إنسانية تقع في صلب (الآن وهنا)، وبذلك لن تكون بعيدة عن مقاربة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ليس هذا مطلبا للابتعاد عن السياسة، بل لوضعها في قالب يخضع اولا وأخيرا للشرط الفني.
أحببت من بين لوحات العمل تلك التي تتناول شخصيات من المهمشين والمقهورين الذين يعيشون في مناخ معاد، من بشر وأسمنت، كتلك التي حملت عنوان <<مشهور أبو عطوة>>، وهي شخصية شاب يحلم بعدوى من اسمه بأنه سيصبح مشهورا ذات يوم، وبأن اسمه سيضيء صفحات الجرائد، وهو طيب الى حد يصبح معه أشبه بخادم لكل من حوله، من دون أن يصغي إليه أحد حتى من أفراد عائلته، هو الذي يهم بالحديث عن أحلامه عند لقاء اي شخص، وسرعان ما يقابل بالإهمال. لكن حلمه سيتحقق على نحو مفارق، سوف يسقط في حفرة صرف صحي مفتوحة في الطريق، ولن يسمعه أحد، ولن يفتقده أحد، الى ان تنقل الصحف خبر العثور على شاب ميت ظل ثلاثة ايام في تلك الحفرة ودون ان ينتبه أحد! وهنا استطاع الفنان نضال نجم ان يلعب الدور ببراعة أنستنا كل بطولاته في المسلسلات التاريخية.
نميمة تلفزيونية
وفي لوحة أخرى سيعثر شاب بائس (فارس الحلو) على فتاة عمره بما يشبه المعجزة، بعد ان اهتدت هي إليه، فقد بحثت عنه طويلا بعدما رأته على باب المسرح وفتنت بآرائه المسرحية، ها هي تقوده الآن، في موعدهما الأول، الى شقتها، ستراقصه، ويراقصها بخطى عاثرة، ستبوح، ويبوح غير مصدق، وفي موعد العشاء سيبذل شهامته ليجلب لها ربطة خبز من شارع قريب (هل كانت تلك أرغفة سيزيف؟)، لكن سيزيف سيضيّع طريق عودته، تدوّخه البنايات والأبواب والادراج بتشابهها، الى ان ييأس فيصرخ مناديا وسط المدينة: ليلى. هو قيس إذاً، قيس عصري ضيّع ليلاه وليلته، ولم تكن المسافة بينهما سوى رغيف خبز!
أما اللوحة الأبرز، التي شغلت الناس اكثر من غيرها، فحملت اسم <<طموح>>، وفيها تقوم الدنيا ولا تقعد بسبب تلميذ (يخربش) طموحه كإجابة عن سؤال المدرّسة: ماذا تريد ان تكون في المستقبل؟ يكتب الولد شيئا (لا شك في ان المشاهدين قرأوه خلسة)، فتجن المعلمة، تأخذه الى المدير، ثم يؤنبه أبوه (بسام كوسا)، الذي يلقنه كيف يكون أرنبا بلا طموح. يعود الطفل، وحين يطلب إليه ثانية ان يجيب عن السؤال يقول: أنا خدام الطيبين، أنا ورقة بيضاء فاكتبوا فيها ما تشاؤون!
ولعل هذا المقطع يصح اختبارا للتعرف على طبيعة الاستجابة لهامش الحوار المتاح، إذا اعتبرنا ان العمل يتوخى توسيع هامش الحوار مع المشاهدين، فقد كتبت صحيفة رسمية محلية: <<الطموح: نص يتحدث عن علاقة التعليم القائمة بين المعلم والتلميذ، ويرصد بالصورة الأسلوب التعليمي والتربوي الخاطئ من خلال استخدام وسائل الزجر، والترهيب، وتغييب حرية التعبير في مرحلة مهمة ومبكرة من التعليم الابتدائي، حيث تبدو المسؤولية مشتركة بين المدرسة والأسرة>>! ألا يبدو هذا الكلام أشبه بمصير ذلك الطفل الفزع في المسلسل؟!
ما من شك في ان <<بقعة ضوء>> كان متفاوتا، بين لوحات متقنة وجميلة، وأخرى في غاية السوء، (وهذا طبيعي في عمل تناوب على كتابته كتّاب كثيرون) كتلك اللوحة التي تناولت شخصية مخرج مسرحي مأسور بشروط زوجة كاتب مسرحي راحل، كان الأمر مثيرا فقط بالنسبة للوسط الفني والثقافي الذي استطاع ان يخمن من كانت تلك الشخصيات في الواقع، أما بالنسبة لعموم المشاهدين فلم يكن الأمر يعنيهم، ولا هو قدم بشرط فني لائق، ما جعل اللوحة تبدو أشبه بنميمة تلفزيونية.
آباءكثيرون
ومع ان اللوحات المتقنة لم تتجاوز عدد أصابع اليدين، فهي تستحق ان تعتبر إنجازا في ظل شروط الدراما الرديئة. لكن الإنجاز الأهم هو شروط الانتاج الجديدة التي تبشر بالتأسيس لصناعة درامية حقيقية في سوريا، فمن جهة تحرر العمل من الموضوع الذي يُطرح عبر ثلاثين حلقة، واعتمد بناء اللوحات من دون ان يلزم نفسه بوقت محدد لكل لوحة. ويبدو ان ثمة موجة من المخرجين السوريين الجدد تصر على ان العمل التلفزيوني المسلسل ما هو إلا شكل من اشكال التلقي المتخلف، وأن العمل المطروح في حلقة أو لوحة هو أقرب ما يكون الى بنية العمل المسرحي او السينمائي الذي يتلقاه المشاهد دفعة واحدة. ومن أبرز ممثلي هذه الموجة مخرج <<بقعة ضوء>> الليث حجو وفراس دهني وآخرون. ومن جهة اخرى يندر ان نجد في عمل واحد كل ذلك العدد من النجوم، الأمر الذي يتطلب عادة ميزانيات ضخمة، فقد قبل عدد من النجوم ان يطلوا عبر مشاهد قد لا تتعدى دقيقة واحدة وربما من دون حوار. والأهم من ذلك العمل بروح جماعية تقترب من الشغل المسرحي، حيث يجري تلقف الفكرة والاشتغال عليها من قبل الجميع.
قدم العمل لحظات لا تنسى من أداء بسام كوسا وأيمن رضا وباسم ياخور ونضال سيجري وعبد المنعم عمايري ومحمد حداقي وعبد الحكيم قطيفان وسواهم. ومن المؤسف ان شائعات تسربت تقول إن عقدا أبرمته الشركة المنتجة قد استبعد في الجزء الثالث من <<بقعة ضوء>> المخرج الليث حجو والممثل بسام كوسا، بعد خلافات نشبت بين الآباء الكثيرين ل<<بقعة ضوء>>.
(دمشق)


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.