"لا تستحمّي ليلا"/ بقلم الإعلامي الفلسطيني محمد أبوعبيد
كأن التنجيم والتصديق , قشة وغريق . انقلب القول وصار : صدق المنجمون ولو كذبوا.هكذا حال البعض , يضعون عقولهم في ما يتنافي مع العقول . في الآونة الأخيرة تمت استباحة الفضاء ببرامج التنجيم وقراءة الفنجان إلى ما هنالك من الترهات والهرطقات .المؤسف هو توظيف آيات القرآن الكريم في مثل هكذا برامج , وازددْ أسفا ً , إن شئت , عندما تسمع " العالم الجليل " يتلو الآيات على نحو خاطئ , ويطلب توظيفها على شاكلة تجافي موضع كلام الله جل شأنه .
ليس المقصود الفضائيات المتخصصة بذلك كوسيلة لتحقيق أرباح , إنما الظاهرة بعينها , والتي زاد الفضاء الحر من ظهورها على الملأ . كأن المبادرين إلى هذه البرامج وصلوا إلى درجة من الإحباط جعلتهم يتخيلون كل ما يخفف عنهم قشة يتعلقون بها على أمل النجاة من الغرق في بحر إحباطهم . إذنْ , هؤلاء الذين ادعوا أن بإمكانهم حل مشكلات من انطلت عليهم الحيلة والخدعة , يخطئون في قراءة الآية ,ويطلبون من المتصل , أو المتصلة , كتابة بعض الآيات على قصاصة ورق ووضعها في الماء وشربها . إنهم بذلك جعلوا الآيات مسحوقا أو محلولاً يُشرب مع الماء . "الحلول المبتكرة" التي يقدمها هؤلاء مكررة . من هذا التكرار الطلب من المتصلة ,بعد جملة من "النصائح والوصفات" , عدم الاستحمام ليلا ً للتخلص من مشكلة ما أو لطرد الجن من البيت. عجباً , هذه النصيحة دائما من نصيب المتصلات. إذا كانت تلك المتصلة قد عاشرها زوجها ولم تؤد صلاة العشاء بعد, وهي تواظب على صلاة الفجر,ذلك يعني أنه لا غضاضة أن تترك الفرضيْن عملا بوصفة "الطبيب المُنَجّم" , إلى أن يدركها الصباح وتعود إلى الاستحمام المُباح . لعل المتصلين بهذه البرامج نسوا , أو تناسوا , أن "أبطال" هذه الحكايات , والمسلطة عليهم الكاميرات طيلة ساعات , يجعلون أنفسهم عالمين بالغيب , والغيْب من اختصاص الله, وعارفين بما يحمله المستقبل ولا يعلمه إلا الله , ودارين بكل المشكلات التي يعانيها مختلف الناس. ليتهم اهتدوا إلى بيان لجنة الإفتاء السعودية , وغيره من الفتاوى , مثلما اهتدوا إلى هذه البرامج. في شهر أكتوبر من العام الماضي ,اصدرت اللجنة المذكورة بيانا تحرم فيه أفعال التنجيم هذه بأنواعها . يُروى أن علياً بن أبي طالب (رض) عندما ذهب لقتال الخوارج ,نصحه مُنَجّم بعدم السفر لأن القمر في العقرب وعليه سيهزم علي وأصحابه. فردّ عليّ بإنه وصحبه سيسافرون ثقة بالله وتوكلا ً عليه وتكذيبا ً لك (المنجم ) , ثم عادوا منتصرين. من الاستهانة بالعقل , أن يصبح العقل منشغلا ً بالتفكير في أهمية عدم الاستحمام ليلاً في حل مشكلات معينة , أو التخلص من "جن يشارك البعض منازلهم" . ومن الاستهانة بالعقل أيضاً أن تغلبه العاطفة وتقنعه بشرب ماء بطعم الورق والحبر. ما هكذا ينشغل يا "سعد" العقل. **الإعلامي الفلسطيني بقناة العربية: محمد أبوعبيد |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.