أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة الإسلامية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=8)
-   -   متى تكون من أصفياء الله تعالى ؟ (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=56540)

يوسف المغربي 10-08-2006 05:21 AM

متى تكون من أصفياء الله تعالى ؟
 
قيل لذي النون المصري: "متى يعرف الرجل أنه من صفوة الله تعالى ؟ فقال : يعرف ذلك باربعة اشياء: اذا خلع الراحة, و أعطى من الموجود, و أحب سقوط المنزلة, و استوت عنده المحمدة و المذمة".شتان بين العصرين ..عصر الايجاز و التلميح , و عصر الاسهال اللغوي !
كان السلف الصالح يرى في تكثيف المعنى مع ايجاز العبارة دليل اقتدار لغوي ..لكنها في مجتمعاتنا الحاضرة غموض يتوجب للكشف عنه ضرب الامثلة و الاسهاب و الاطناب عسى ان تلوح في الاذهان بارقة فهم!
و لأعد الى هذا الرد الموجزو البديع ..يعلم الله تعالى اني مكثت قدرا غير يسير من الزمن أتأمل هذا الرد..و أتفحصه علني أقرأ ما خلف السطور,و ما يكمن خلف العبارات. بدأت أولا بمحاولة فهم و استكناه كل عبارة على حدة , ثم انتقلت الى كشف الرابط بين العبارات و دلالة التناسق و ما يتولد عنه من بيان ساحر و معنى عميق و لطائف خفية ! فخلصت الى ما يلي , و ارجو الله ان اكون قد وفقت :
"..اذا خلع الراحة.." أول اختبار يقود العبد لأن يكون من أصفياء الله تعالى أن يخلع الراحة , أي افناء الذات في اشكال العبادات التي تدنيه من ربه , ألم يرد في الحديث القدسي" و مازال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه"؟!, فيكون تحصيل المشقة في العبادة لذة لانظير لها , و يحضرني في هذا المقام قول احد الصالحين " اللهم اني اخشى ألا تثيبني على العبادة لاني اصبحت اشتهيها", فانظر رعاك الله الى هذا التحول البديع من المشقة الى اللذة .. الى حد ان خشي هذا الصالح الا يثاب على طاعته لانها اصبحت عنده شهوة , وقد نهينا عن اتباع الشهوات !!.
فاللهم انا نسألك إفناء الذات في محبتك فهي خير النعم !!!!
"..و أعطى من الموجود.." انه ثاني اختبار يقود العبد الى مراتب الصفوة..وهو لعمري أشدها على النفس التي جبلت على الحرص و البخل و الخوف من زوال النعم ..ان شريعتنا السمحة تحفل بآيات قرآنية و احاديث شريفة تحض على الكرم و الايثار و التصدق والمواساة المادية ..و الناظر في احوال امتنا اليوم و ما استشرى فيها من بؤس و فقر يجزم ان السبب الرئيس هو بخل الأغنياء و شح الموسرين , و الخوف المرضي من زوال النعم. و تبقى في العبارة فائدة جليلة و هي ان العطاء يجب ان يكون من الموجود,
وهذا يتجاوز معنى التصدق الى معنى التنازل , و دليله قول الله تعالى "يوثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصة"أي ان تفقد, باختيارك و عن رضى مسبق, حقك في التنعم إرضاء لله تعالى أولا , و حبا لأخيك المحتاج ثانيا!
"..و أحب سقوط المنزلة.." قد يرى البعض في ترتيب هذه العبارات تدرجا من الأشق الى الأيسر ,لكنه – لعمري- انتقال من الايسر الى الاشق! فقد يتنافس الناس في قيام الليل و صيام الهواجر و بذل الاموال و العطايا, لكن أن يرضوا بما دون قمم الجبال فهذا مما قد تضيق به الصدور !.
فتحصيل المجد و الشهرة و بلوغ اسمى المراتب غاية من الغايات التي تفنى فيها الذوات و تعطل لاجلها باقي الغايات ..و هي من اسباب تعاسة الانسان حين يكون منتهاها دنيويا لاحظ للأخروي فيه, ولنا في السلف الصالح امثلة عديدة ,قد لايتسع المقام لسردها, لعلماء و فقهاء و عباد و أتقياء رأوا للإنزواء في الظل بعيدا عن أضواء المجد البراقة مجاهدة شاقة للنفس الأمارة بحب الظهور! فكانت مخالطتهم للفقراء و المساكين مصدر متعة و راحة , و دنوهم من قصورالحكام مشقة لا تعدلها مشقة !
لطيفة :"قيل لعمر بن عبد العزيز: أتدفن في حجرة النبي صلى الله عليه و سلم؟فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلا لذلك!!"
"..و استوت عنده المحمدة و المذمة.." وهي ان تسقط الناس من دائرة الاعتبار , فتكون حركاتك و سكناتك كلها لله , وان تصبح كل عاداتك عبادة .و يحضرني في هذا المقام حادثة بليغة اوردها الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في كتابه" فتح المجيد" قال : "جرت مسألة في المحبة بمكة -أعزها الله – في ايام الموسم فتكلم الشيوخ فيها , و كان الجنيد أصغرهم سنا فقالوا : هات ما عندك يا عراقي , فأطرق رأسه و دمعت عيناه , ثم قال : عبد ذاهب عن نفسه, متصل بذكر ربه , قائم بأداء حقوقه , ناظر اليه بقلبه, احرق قلبه انوار هيبته, وصفا شرابه من كأس محبته , و انكشف له الحياء من أستار غيبته , فان تكلم فبالله , و ان نطق فعن الله ,و ان تحرك فبأمر الله , و ان سكن فمع الله , فهو لله و بالله و مع الله.فبكى الشيوخ و قالوا : ما على هذا من مزيد, جبرك الله يا تاج العارفين". و لعل في هذه الافادة ما يغني عن القول بان القرب من الله يلغي أي اعتبار آخر, و لله در القائل:
و ابغ رضى الله فأغبى الورى
من أسخط المولى و أرضى العبيد.
إن هذه العلامات الآربع من أشق أنواع المجاهدة التي يعسر على النفس تحملها و لا يتلمس حلاوتها الا من أيقن بان السبيل الى بلوغ مراتب الصفوة يوجب مكابدتها.فلله در عقل خلص الى هذه المعاني , و لله در لسان صاغها , و ليس ذلك ببعيد على قلوب أشربت حب الله تعالى , وعقول أشربت ملكة التفكر.


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.