أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة السياسية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   سيناريوهات مزعجه ومفاهيم مفقوده (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=47187)

جلال السيد 21-08-2005 06:30 AM

سيناريوهات مزعجه ومفاهيم مفقوده
 
سيناريوهات مزعجه ومفاهيم مفقوده

ليس هناك في الأعلام والسياسة تنبؤات، إنما هناك توقعات تكون مبنيّة على تحليل موضوعي للواقع يحاول قراءة المستقبل من خلال
ما هو متوفر من معلومات عن هذا الواقع وعن القوى المؤثّرة فيه سلباً أم إيجاباً.
في هذا السياق، أجد أنَّ الوقائع العربية الراهنة تسير في تداعياتها إلى احتمالات لا تبشِّر بالخير ما لم يتم وقف عناصرها السلبية.
وقد يرى البعض أنَ عنوان تحديات هذه المرحلة يتمحور حول مسألة الحرّية إنْ كان ذلك في حرّية الوطن من الاحتلال أو حرّية المواطن من الاستبداد الدّاخلي. لكن رغم صحّة هذا الأمر من الناحية الشكليّة، فإنَّ أساس المشكلة في الواقع العربي الراهن هو غياب الاتفاق على مفهوم "الوطن" وعلى تعريف "المواطنة". ولعل ما يحدث في العراق الآن من حوارات دستورية حول "الوطن" و"المواطن"، وما حدث قبل ذلك في السودان ولبنان، هي أمثلة حيّة على مكمن المشكلة السائدة في المجتمع العربي.
إنَ احتلال أي بلد في العالم ليس هو ناجم فقط عن قوة المحتل وجبروته، بل أيضاً عن ضعف في جسم البلد الّذي يخضع للاحتلال، وهو أمر بات يُعرف بمصطلح "القابلية للاستعمار أو الاحتلال". وبالتالي فإنَّ كلاً من العنصريْن ( قوة الغازي وضعف المغزو ) يؤدي إلى تقوية الآخر. هكذا كان الحال في الحروب العربية-الإسرائيلية، وما سبقها من حقبة الاستعمار الأوروبي عقب الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن العشرين.
إذن الاحتلال هو نتيجة وليس فقط السبب لمأساة عربية هنا أو هناك. ومواجهة الاحتلال لا تكون فقط بالمواجهات العسكرية وعمليات المقاومة ضد الجيش المحتل، بل أيضاً (وربما تكون هي المواجهة الأهم) في إسقاط الأهداف السياسية للمحتل، وفي بناء قوة ذاتية تنهي عناصر الضعف التي سمحت للاحتلال بأن يحدث أصلاً.

إنَّ الضعف العربي المتراكم منذ مطلع القرن العشرين الماضي هو بناء تدريجي كانت أسسه هي انعدام التوافق على مفهوم "الأمّة" بعد انتهاء حقبة الحكم العثماني، وبالتالي تجزئة المستعمر الأوروبي للمنطقة العربية وقيام أوطان غاب فيها الولاء الوطني الواحد وساد في معظمها أوضاع طائفيّة وقبليّة، فامتزجت التجزئة العربيّة بين الأوطان مع الانقسامات الداخليّة في كل وطن.
وأصبح أبناء كل بلد عربي يتساءلون: " أين العرب" حينما يقع بلدهم في أزمة، لكنّهم لا يتساءلون قبل الأزمة أو بعدها : "لماذا لا يكون هناك اتحاد عربي أو تكامل عربي في الحد الأدنى"!!. لقد سأل مراسل صحيفة أميركية الرّئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب حرب عام 1967 : "كيف تنهزمون كعرب أمام إسرائيل وأنتم تملكون أكثر من 10 جيوش عربية فاعلة"؟ وكان ردّ عبد الناصر: "انهزمنا لأنَّنا كذلك، فليس للعرب جيش عربي واحد"، وهذا ما حدث أيضاً في أوروبا بمواجهة الجيش الألماني النازي والّذي انتصر على جيش كل بلد أوروبي قاومه إلى حين قيام قوات مشتركة لدول الحلفاء ضد النازيّة.
وكانت حرب تشرين/أكتوبر 1973 خير مثال على أهميّة التضامن العربي، وكيف استطاع الحد الأدنى من التنسيق العربي الشامل أن يصنع انتصاراً عسكريّاً سرعان ما جرى تفريغه من مضمونه السّياسي، وعادت الصراعات العربية إلى الواجهة على مستوى الدول وبين الجماعات المؤلِّفة لبعض الأوطان.

وقد كان ممكناً أن تعيش البلاد العربيّة ظروفاً أفضل لو كانت المشكلة فقط هي غياب التنسيق والتضامن فيما بينها، لكن عمق الأزمة الرّاهنة يكمن في تراكم التجزئة مع الخلل في البناء الدّاخلي إن كان ذلك على الصعيد السياسي والدستوري أو في الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية حيث الفقر وندرة العدالة وارتفاع نسبة الأميّة ومحدوديّة فرص العمل وزيادة هجرة الكفاءات لخارج الأوطان العربية.
هناك الآن في المنطقة العربية حالة شبيهة بما حدث فيها في مطلع القرن العشرين من إعادة رسم الخرائط السّياسية والجغرافية لبلدان المنطقة في ظل الهيمنة الخارجية عليها وعلى مقدراتها. وهناك أيضاً في المنطقة الآن حالة فكريّة وسياسية مماثلة لحال العرب آنذاك من حيث انعدام التوافق على مفهوم "الأمّة "والهويّة المشتركة وأيضاً الانقسامات الداخليّة على أسس طائفيّة وقبليّة وعرقيّة.
وهناك في الأفق، مشروع أميركي لعدد من بلدان المنطقة يقوم على إعادة تركيبها بأطر سياسيّة ودستوريّة جديدة تحمل الشكل الفيدرالي الديمقراطي، لكنّها تتضمن بذور التفكك إلى كانتونات متصارعة في ظلّ الانقسامات الداخليّة والدور الإسرائيلي الشّغال في الجانبين الأميركي والمحلي العربي لدفع الواقع العربي والمشروع الأميركي إلى مشاريع إسرائيلية لحروب أهليّة عربيّة شاملة.
إنَّ إسرائيل هي في قلب المنطقة العربية ولها طموحات إقليميّة تتجاوز حتّى المشاريع الأميركية رغم توافق المصالح الآن مع واشنطن. ولا يعقل أن تكون إسرائيل فاعلة في أميركا وأوروبا وأفريقيا وشرق آسيا، ولا تكون كذلك في محيطها الإقليمي الّذي منه انتزعت الأرض وعليه تريد بناء إمبراطوريتها الخاصّة.
إنَّ فترة نهاية العام الحالي ستشهد ضغوطاً أميركيّة أكثر من أجل التطبيع العربي مع إسرائيل، كمدخل أميركي مطلوب لمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وهو المشروع الّذي كانت نواة الحديث عنه في مطلع التسعينات مرتبطة بمؤتمر مدريد للسلام، وبما كتبه شيمون بيريز آنذاك من دعوة لتكامل التكنولوجيّة الإسرائيليّة والعمالة المصريّة مع المال الخليجي العربي في إطار شرق أوسطي جديد يُنهي عمليّاً صيغة الجامعة العربية ويؤسس لوضع إقليمي جديد.
وكم هو مؤسف أن تكون الخيارات المستقبليّة للمنطقة قائمة على أحد مشروعين فقط: مشروع حزب العمال الإسرائيلي المدعوم أميركيّاً والقائم على نظام شرق أوسطي جديد وصيْغ كيانات فدرالية داخليّة، أو مشروع حزب الليكود الإسرائيلي العامل من أجل حروب أهلية عربيّة والّذي يستهدف قطف ثمار الزّرع الأميركي الحاصل في المنطقة منذ مطلع القرن الجديد!.
***
هناك حاجة قصوى الآن لوقفة مع النفس العربيّة قبل فوات الأوان، وهناك حاجة إلى فكر عربي جامع يتجاوز الإقليميّة والطائفيّة والمذهبيّة، ويقوم على الديمقراطيّة ونبذ العنف واعتماد مرجعيّة الناس ومصالحها في إقرار النصوص والدساتير والقوانين...
هناك حاجة ملحّة للفرز بين "الديمقراطيين العرب" لمعرفة من يعمل من أجل الحفاظ على النّسيج الوطني الواحد وبين من يعمل من أجل كانتونات فيدراليّة تحقّق مصالح فئوية مؤقتة...
هناك ضرورة عربيّة وإسلاميّة للتمييز بين من يقاوم فعلاً الاحتلال وأهدافه في المكان الصحيح والأسلوب السليم، وبين من يخدم سياسياً المحتل أو ربما أيضاً مشاريع الحروب الأهليّة العربيّة...
هناك حاجة لبناء عربي جديد يجمع بين الفهم السليم للأمّة العربية الواحدة القائمة على خصوصيات متنوعة، وبين الولاء للوطن الواحد القائم على أسس سليمة في الحكم والمواطنة...
هناك حاجة للاتفاق على مفهوم "الوطن" و"المواطنة"، كأساس لحرّية الوطن ولحرّية المواطن!.
*مدير "مركز الحوار" في واشنطن
alhewar@alhewar.com
منقول


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.