أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة التنمية البشرية والتعليم (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=56)
-   -   المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=55200)

ابن حوران 22-06-2007 04:08 PM

المشاريع الصغيرة الإنتاجية وتحول مسارها الاقتصادي :

الأصل في وحدة المجتمعات هو الفرد، ومن ثم الأسرة، وتتطور التجمعات الاجتماعية بمحاور مختلفة قد تتجمع حول محور سياسي أو فكري أو اقتصادي .. وما يعنينا هنا هو التجمعات الاقتصادية ونموها في منطقتنا، وأحيانا يكون نمو المشاريع الاقتصادية مربوطا بشكل وثيق مع إدارة الدولة، وأحيانا أخرى تنظم الدولة نمو تلك المشاريع عن بعد، من خلال منحها الترخيص اللازم، والذي يعتمد أحيانا على حزمة قوانين تراعي المواصفات القياسية التي تعتمدها الدولة في تحديد شكل ومكونات السلعة وتوافقها مع الشروط الصحية أو الفقهية في بعض الأحيان (المحرمات من الأغذية والمشروبات) ..

تعتمد قرارات الصغار من الاقتصاديين على الذاكرة بالدرجة الأولى وعلى الملاحظات الظاهرية في الأسواق، وعلى حجم الكلام الذي يتم تناقله بالمشافهة غالبا. ولكن يندر عودة الراغبين الى جهات حكومية أو حتى (مدنية) في الاسترشاد بما تمنحهم تلك الجهات من نصائح عملية وإجرائية تجنبهم الوقوع في أخطاء قد تنهي مشاريعهم في وقت مبكر من حياة تلك المشاريع، أو بعد أن يتم نجاح المشروع ظاهريا، فإن زوارا من وزارة الصحة والصناعة والتجارة وضريبة الدخل ووزارة العمل وإدارات البلديات سيكونون قريبين بشكل ملازم ومزعج في كثير من الأحيان.. وستكون تلك الزيارات سببا في تقليص حجم المشروع الاقتصادي، أو حرفه عن مساره مما يبدد ما تراكم من خبرات ضرورية في إدامة عمر المشروع ..

إن هذه الصورة تكاد تكون متشابهة في معظم الأقطار العربية، والأسباب في مثولها شاخصة في كل البلدان هي:

1ـ غياب هيئات حكومية فاعلة وجاهزة ومؤمنة بتطوير المشاريع الصغيرة في المجتمع، وإن كانت مسمياتها الوظيفية موجودة في أكثر من بلد عربي، وتبرير الدول في هذه المسألة يأتي من :
أ ـ عدم متابعة تلك الهيئات الحكومية من مجالس البرلمان أو من ممثليات شعبية تهتم بها .. فتبقى صيغها والمهام المنوطة بها متجمدة عند الشكل الذي تم استحداثها به.
ب ـ عدم مراجعة المواطنين لتلك الدوائر، لعدم ثقتهم بها، وعدم تظلم وتشكي المواطنين لهيئات شعبية تتابع مثل تلك الهيئات الحكومية .. جعل المنظمات المدنية المختصة بمثل تلك الشؤون لا تتوازى مع الهيئات الحكومية العاجزة أصلا.. في حين نجد أن هذا النمط منتشرا في كثير من دول العالم، وقد تعرفت عليه في (جنوب إفريقيا) و(تركيا) .. إذ أصبح مجالا خصبا للاستثمار ـ بحد ذاته ـ فأنت حتى تحصل على جواب دقيق عليك أن تدفع ما قيمته (20) رند في جنوب إفريقيا .. حتى لو كان السؤال طلبا لعنوان شركة .. وكذلك هي الحال في تركيا .. وتكون الأسئلة موثقة، والإجابة عليها موثقة ..

هذا النمط المتقدم، يقابله تطوع مجاني في بلادنا أو إدعاء مبالغ فيه بالمعرفة ممن ينوي القيام بمشروع، فيكفيه أن يتوكل على الله، دونما معرفة الخطوات الإجرائية الضرورية التي تجنبه الوقوع ب (مطبات) اقتصادية، قد تنهي حياته الاقتصادية بوقت مبكر ..

تحول تدريجي بالابتعاد عن فكرة الإنتاج بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة:

إزاء هذا الوضع المضطرب، وغير المراقب من هيئات حكومية، أو مدنية، بصفتها أطر مرجعية، يتم العودة إليها. ولتداخل القوانين الحكومية، والتي يتم سنها بالتجريب، دونما مشاركة فعالة واعية ممن يمثلون القطاعات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، وجعل تلك القوانين بأيدي أعضاء برلمانات يفتقرون القدرة على استنباط القوانين التي توائم بين حالة صاحب المشروع و سياسة الدولة .. فإن الكثير من أصحاب تلك المشاريع يسلكون سلوكا وقائيا يتمثل في الابتعاد عن الإنتاج تدريجيا، واللجوء للبيع والشراء، فيتعرفون على مصادر تنتج ما كانوا ينتجونه وتبيعها بسعر أقل كلفة مما كانوا يبيعون بها، فيتحولون الى تجار يستعملون عملية (حسابية) واحدة وهي (الطرح) إذ يطرحون ثمن الشراء من ثمن البيع، ليبقى لهم في النهاية هامش ربح معلوم.. وهي طريقة أكثر أمانا لهم .. ولا تحملهم تبعيات الإنتاج وملاحقة أجهزة الدولة لهم، أو صدود المشترين المحليين من الإقبال على منتجاتهم .. بل بالعكس فإنهم بالحالة الجديدة سيعرضون أنواعا وأصنافا مختلفة من السلع المستوردة، ولا يتحمسون لأي منها، بل همهم الوحيد هو البيع ومسك الثمن مع هامش الربح ..

إن حالة مثل هذه، وهي منتشرة انتشارا هائلا في بلادنا العربية، سيكون لها أضرارا جسيمة على صعيد الوضع الاقتصادي الوطني في الدولة القطرية، وسيبعد احتمالية التقارب العربي، من حيث تبادل التجارة البينية بين الدول العربية، طالما أنه ليس هناك ما يشدنا للاستيراد والتعاون مع البلد العربي الفلاني، ونحن نعلم مصدر بضائعه فنلجأ الى بلد المنشأ الأصلي مباشرة. بالإضافة الى خسائر أخرى غير منظورة يمكن تلخيصها بما يلي :

1ـ هدر أموال التعليم المدرسي والجامعي على خريجين، تحولوا الى باعة، في حين أن هذا النمط من العمل لا يحتاج الى كل تلك الدراسة!

2ـ عدم بناء خبرات إنتاجية تراكمية، ليتشكل منها الاقتصاد الوطني للبلاد.

3ـ تسفيه فكرة العلم والتقنية، بأجواء تسود فيها عملية الربحية.. فلماذا تدرس الهندسة، ولماذا يُدرس الطب، ولماذا تُدرس الفيزياء والكيمياء، طالما أننا نستطيع استقدام أي بضاعة في العالم، حتى الطبيب والمهندس والعسكري؟

4ـ اختلال التوازن الاجتماعي، ففي حين ينجح القليل من الشباب في أعمالهم التجارية التي نوهنا عنها، فإن فرصا فاشلة تتكرر يوميا في كل بقاع وطننا العربي، من خلال إغلاق محال تجارية، وبالذات تلك المتعلقة ببيع أجهزة التلفونات الخلوية (الموبايل) ومثيلاتها .. ويتبع تلك الصرعة محلات البوتيكات لبيع الملابس وغيرها ..

لا ننسى في النهاية، ذلك الأثر الذي أحدثه تراكض الكثير من الدول العربية للانضمام لمنظمة (الجات) لكي تربط نفسها، أمام منتجين عالميين يحاولون إبعاد فكرة الإنتاج عن كثير من دول العالم الثالث، لتبقى لهم أسواقا وفية مفتوحة.

1badreddine 28-06-2007 02:57 AM

جزاك الله خيرا

ابن حوران 22-08-2007 05:55 AM

تقنين الوقت والجهد


أثناء مراقبتنا لمباراة بكرة القدم، قد تقع أعيننا على نموذج من اللاعبين لا يحسن تقنين جهده ولا يحسن تقدير وقت اللعب مع الجهد المبذول، فقد ترى في فضاء الملعب كرة مقذوفة من أحد اللاعبين، وتقدير المتفرج لها أنها ستقع خارج خطوط ساحة اللعب، ولكن ذلك اللاعب يركض وراءها بسرعة هائلة، لو استخدم عقله لثانية أو جزء من الثانية لما ركض وراءها لتيقنه من أن لن يلحقها ولتيقنه من أن لا خطورة منها على فريقه، ولكنه يركض ويبذل جهدا لن يستفيد منه لا فريقه ولا هو .. فبعد عدة محاولات ركض فاشلة كتلك سيفقد معظم لياقته في اللعب وسيضطر المدرب لتبديله بلاعب آخر!

أحيانا تجد أحدهم يمسك بمطرقة (شاكوش) ويطرق به على مسمار واحد خمسين طرقة، وسيدعي بأنه قد حل به التعب، وهو لم ينجز سوى قدر ضئيل من الإنتاج إذا اتبع نفس الطريقة .. في حين كان يمكن أن ينجز أكثر من ذلك بكثير لو أن كل مسمار احتاج لطرقة واحدة أو طرقتين من نفس العامل!

إن هذا المدخل من الحديث يقودنا الى بحث مسألة (النمطية) التي يلجأ إليها (اليابانيون) في صناعتهم.. وهي تكديس المهارة في شيء محدد .. فمن يشد برغي في جزء من سيارة، لا ينتقل الى غيره من الأعمال، لا من باب الترقية ولا من باب التنويع في اكتساب المهارات، فإذا كان ينجز تسع وحدات في الساعة مثلا، في سنته الأولى من العمل، وأصبح ينجز عشر وحدات في السنة الثانية فإن الوحدة الإضافية الجديدة لها حسابها الكبير في إدارة الصناعة اليابانية ..

إن النمطية لا تعني التقليد الأعمى ولا تعني الالتزام المطلق بنهج بعينه، ولا تعني الابتعاد عن البحث العلمي الذي تتعاون فيه جهات حكومية وأهلية للتوفير في المال الوطني، قبل التوفير بالمال الشخصي، وكلاهما متلازمان في الدول التي تنمو بشكل متناسق ..

سنقرب هذا الكلام ليصبح مهضوما و قابلا لأن تكون الملاحظات بشأنه مفيدة، وتبعث على التفكير .. وسنتناول في هذه الزاوية ما يخص تربية الدجاج اللاحم على سبيل المثال لا الحصر ..

فكلف تربية الدجاج اللاحم تتمثل بثمن الكتكوت بعمر يوم واحد إضافة لكلف العلف المقدم له و ثمن العلاجات البيطرية وأجرة العامل وثمن التدفئة وأجرة المزرعة وبعض المصاريف الأخرى..

سنقارن تلك المسألة بين تربية الدجاج اللاحم في هولندا والأردن، آخذين عام 1997 كعام للمقارنة، مستفيدين من السجلات التي بين يدينا كمتخصصين في هذا المجال ..

كان العامل الواحد في الأردن يستطيع تربية ما بين (7ـ11) ألف طير .. في حين كان العامل الهولندي يستطيع تربية (142)ألف طير.
كان المتر المربع الواحد من قاعات التربية في الأردن ينتج (16كغم) من اللحم في حين كان المتر المربع الواحد في هولندا ينتج (42كغم) من لحم الدجاج.
كانت كلفة علاج (10000) طير في الأردن تحتاج 1500 دولار في حين كانت في هولندا 300 دولار.
كان كل كيلوغرام من الدجاج يحتاج الى 2.4كغم من العلف في الأردن، في حين كان كيلوغرام من الدجاج في هولندا يحتاج 1.7كغم من العلف..
كان طن العلف الواحد في الأردن يكلف 380 دولار، في حين يكلف في هولندا 200 دولار لا غير ..
كانت كلفة التدفئة ل10000 طير في الشتاء بالأردن تحتاج 1500دولار في حين كانت 400 دولار في هولندا بنفس شتاء نفس السنة.

من يتأمل تلك الأرقام وفروقاتها، سيدرك على الفور صعوبة المنافسة بين السلعة المحلية (العربية) والسلعة الهولندية (الدول المتقدمة) .. وهذا سيهدد المنتجين المحليين فيما لو خضعت معاملات التجارة الدولية لبنود اتفاقية (الجات) وما سيتبعها من فتح الأسواق، والتي لن يصمد فيها إلا من كان يبتكر طرقا في تخفيض الكلف ..

إن التقليد الأعمى الذي يتبعه المنتجون للدجاج اللاحم في التغذية، والتي تشكل التغذية فيه 67% من الكلفة العامة للإنتاج، هو سبب قوي في جعل المنتج العربي متخلفا عما هو عليه المنتج الأوروبي .. فاستخدام (الذرة الصفراء، والصويا، ومركزات التغذية) تقليد تسير عليه معظم الدول العربية حتى تاريخ المقارنة التي اعتمدناه، في حين لم تدخل هولندا (الذرة الصفراء) منذ عام 1960 ..

لقد دخلت مختبرات شركة هولندية (هايفيد) وكان فيها عينات ل (450) مادة علفية، منها 11 مادة من الصومال و 81 مادة من السودان، وهناك جذور نباتات من الفيليبين الخ ..

والسبب الآخر في زيادة كلف التربية عندنا كانت مباني التربية الرديئة التي سيترتب عليها استهلاك أكثر لوقود التدفئة، وتمكن الأمراض من الدخول الى قاعات التربية وفتكها بالطيور مما يزيد من الكلفة الإجمالية. ففي حين كانت كلفة الكيلوغرام الواحد في هولندا عام 1997 هي 95سنتا كانت في الأردن 1.5دولار ..

إن تلك المقارنة قد دفعتنا في وقتها للبحث عن طرق تقلل من الكلفة وقد استطعنا خلال عشر سنوات من تخفيض كمية العلف من 2.4كغم الى 1.9كغم عام 2007 .. أي وفرنا في كل 1 كغم لحم نصف كيلو من الأعلاف، واستطاعت شركات أخرى أن تنتج 38كغم من اللحم في المتر المربع الواحد عام 2007 بدلا من 16 كغم عام 1997.

إن البحث العلمي لتقليل كلف الإنتاج لن تكون مسئولية فردية أو تتعلق بشركة واحدة، بل يتطلب تعاون الجامعات والحكومات وممثليات الإنتاج الأهلي ..


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.