الإشــاعـــات
 

الإشــاعـــات
العجيب العادي هنا ، في تركيبة المجتمع المغربي في حالته الحالية اليومية المعيشة ، و قد استفحلت فيها تقاليد الثقافة الشفوية المتأصلة من ساحة جامع الفنا في مراكش ، حيث تخدير الغافلين بحكايات سيف بن ذي يزن ، اصبحت هذه التركيبة مرتعا خصبا للاشاعة التي أخدت في المغرب أبعادا "جيكانتيسكية" و أصبحت تبتعد بالالسن من الهمس إلى حيرة الناس بين التصديق و محاولة اللمس .
و الرأي العام عندنا ، و هو الذي افتقد في هذه الايام مصادر الخبر ، و اضحى مطية للثرثرة و الهدر ، أصبح يشعر بفراغ مشوب بالفزع ما بالك لو تعلم أن الفزع أتى من الفراغ ..
و هذا الفراغ المستفحل نتيجة تقصير المكلفين بملئه ، قد تضخم نتيجة عجز الاحزاب بالدرجة الاولى في تنشيط الساحة بأفكارها ،بعد أن ولى زمن الخطباء و سكت العلماء و الفقهاء ، و أجهزة الاعلام التي انقرضت بها في عهدنا كل وسائل النقاش الحر ، و الحوار المر ، فألقي الحبل على الغارب ، تجاه شعب من البشر كل انسان فيه كما يقول القرآن الكريم ( ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا و اذا مسه الخير منوعا ) فكيف و الاغلبية الساحقة ، عفوا المسحوقة ، عندنا تشكو مما يمسها من شر تصرفات كثير من المسؤولين فهي إذن جزوعة ، يرمي العاقلون بجوارحهم الى الكلام في ما تنميه الشائعات من جزع ، و يرمي ناقصو التجربة بانفسهم الى البحر و هذه قصة جزع آخر .
و الشائعات في المغرب ، بلد القيل و القال ، و البلابلا و كثرة السؤال ، تتضخم أكثر مما تتصور ، تخرج من كازاباراتا ( طنجة ) في حجم الذبابة ، و تصل الى أوريكة ( اقليم مراكش ) في حجم الفيل .
كما أن المغاربة هم الشعب الوحيد في العالم الذي يسأل فيه كل واحد أي واحد بقوله و هو يسلم عليه : آش كتعاود ؟(ماذا تحكي) فيرد : لا بأس ، ثم يحكي الاشاعة ، اية اشاعة .
و ما انتشار المقاهي في المغرب بشكل لا مثيل له في العالم ، حيث أنه بين كل مقهى و مقهى يوجد مقهى ، هذه الاماكن ما هي الا صالونات لسرد الاشاعات و مناقشتها..
الملك الحسن الثاني في زمانه ، و كان يشغل شعبه بمواضيع شتى ، انطلاقا من حكمة من سبقوه "" الشعب إن لم تشغله شغلك "" لكنه تذمر صراحة ذات يوم في أحد خطبه حيث قال ( لقد قلقت جدا من الاشاعات التي أشيعت حولي و حول حالتي الصحية ) ...
ابنه البار لذكرى أبيه ، محمد السادس يطبق نصيحة ابيه بحذافيرها "" الشعب ان لم تشغله شغلك "" و هكذا فمرة نسمع عن خليه نائمة للقاعدة و بن لادن في المغرب ، و مرة نترشح لكأس العالم و اشاعات بتنظيم المغرب للكاس ، و اشاعات عن اكتشاف البترول في شرق المغرب و و و و ، الى ماشئت من الاشاعات .
و آخر اشاعة هذه الايام ، هي خبر وفاة الوزير الاول ، لكن كيف ذلك ؟ إنها جريدة مشاغبة كتبت في أعلى صفحتها الاولى ( رحم الله عبد الرحمان اليوسفي ) فتهافت الناس على الجريدة و تناقلوا خبر وفاة الوزير الاول ، بينما المقال لم يكن إلا حديثا عن الموت المعنوي لحكومة فاشلة و عاجزة ...

الى اللقاء مع اشاعة أخرى .