أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   قصتان (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=61518)

رياض بن يوسف 15-02-2007 04:39 PM

قصتان
 
الرقص على القمة

كنا معا في الطريق إلى القمة. كانوا ستة و كنتُ وحدي. كنتُ في المقدمة و كانوا خلفي، يتباطؤون عمدا، و يتغامزون،
و يتهامسون ضاحكين من شكل جمجمتي و مشيتي العرجاء،
و كنتُ أتلقى إبرهم بظهري.
في أحد المنعرجات قرروا التوقف. شرعوا في الغناء
و الرقص و التصفيق، و ظلوا على هذه الحال ساعة من الزمن، أما أنا فجلستُ على صخرة و كنت أحدق في القمة البعيدة.
استأنفنا السير زمنا يسيرا، فإذا بحيرة كبيرة تخطف أبصارنا بصفحتها اللامعة. ذهب الستة نحوها يعدون، ثم لم يلبثوا أن صاروا داخلها يسبحون و يتراشقون بالماء في جذل طفولي،
و حين ضجروا من لعبتهم خرجوا إلى شاطئ البحيرة و أخذوا يتلقون أشعة الشمس بأجسادهم المبتلة، أما أنا فكنتُ أحدِّقُ في صورة القمة المنعكسة على صفحة البحيرة اللامعة.
استأنفنا السير من جديد فصادفنا بعد سويعة غابة صغيرة. تسلل الآخرون بفضول إلى الغابة، و شرعوا يتسلقون أشجارها و يكسرون أغصانها الطرية، ثم أخذوا يتبارزون بتلك الأغصان، أما أنا فتسلقتُ أعلى شجرة وجدتُها، و وقفتُ على غصن سميك مستمْسِكًا بغصن آخر، أحدِّق في القمة التي كانت تتطاول على الغابة في كبرياء.
اقتربنا من القمة، كان الآخرون خلفي و قد اتسعت المسافة بيننا.. فلم تعد إبرهم تصل إلى ظهري.
وصلتُ أخيرا.أخرجْتُ من جرابي عتاد التسلق، ثم زرعْتُ أول وتد حديدي في خاصرة الجبل العذراء، و نظرتُ خلفي، كان الآخرون بعيدين جدا، لا يكادون ينقلون خطاهم إلا بجهد هائل بعد يوم حافل.. أما أنا فكنتُ هنا، أتسلق الجبل بخفة سنجاب... و بعد أن وضعت قدمي على آخر نتوء في الجبل، وثبْتُ إلى القمة، و وقـفْتُ هناك قمّةً أخرى.
شرعتُ أغني، و أصفق، و أرقص بشراسة و عنفوان...
و سُكْرٍ لا يعرفه إلا من وصل إلى هناك.


الجسر

كنت أهمز فرسي همزا شرسا لتركض بأقصى قوتها، و خلفي أربعة فرسان يطاردونني بسيوفهم اللامعة تحت شمس الظهيرة، و حين كنت ألتفت مسترقا نظرة عابرة إليهم كان إصرارهم الظاهر على ملاحقتي يزيدني رعبا فتتقلص يداي أكثر..فأكثر على العنان.
استمرت المطاردة زمنا غير يسير و بدأ التعب الشديد ينال مني.. و فجأة وجدت نفسي أمام حافة منحدر سحيق يمتد منها جسر خشبي طويل إلى الحافة الأخرى.
ترجلت عن فرسي، و وقفت أنظر إلى الجسر يائسا، وقد بدا لي هشًّا، أوهى من أن يحتمل وقع خطواتي. حدقتُ فيه مليا، ثم سألتُه بأنفاس متقطعة:
- هل أنت قوي.. أيها الجسر؟ ألن.. تغدرَ بي؟!
لم يجبني الجسر، فعدت أسأله:
- هل أنت هشٌّ حقا.. كما يبدو؟
ظل الجسر العجوز صامتا، فصحتُ به حانقا:
- إن كنت سأهوي و أتهشم على الصخور، فأنا أفضل أن أموت مجالدًا أعدائي بسيفي على ميتة جبانة كهذه!
بعد هنيهة وقع في خاطري الهاجع، اليائس، ما حرك فيه دوائر المرح..ابتسمْتُ، و أخذت نفسا عميقا، ثم امتطيتُ صهوة فرسي ثانيًا عنانها إلى الجهة المعاكسة...جهة أعدائي.
شُدِه الفرسان الأربعة فتوقفوا مرتبكين، و لكنني لم ألبث أن مرقت من بينهم ناثرا عقد كوكبتهم الصغيرة و قد أخذتُ في صولتي تلك رأس أوسطهم بنصل سيفي، ثم استدرت أعارك الثلاثة الباقين، كما لو أن لي ستة أذرع، فجنْدلتُ اثنين منهم بضربة واحدة، وبقي الثالث يجالدني فهويت عليه بضربة خلتُها قاضية غير أنه صدها بسيفه الذي طار من يده فصار أعزل.
رميتُ سيفي بدوري، ودعوته إلى مبارزة بالأيدي. قبلَ دعوتي، فترجلنا عن فرسينا و شرعنا نداور نفسينا، و حين هممتُ بإمساك رأسه أفلتَ مني و استدار هاربًا، حاولت ملاحقته و لكنه سبقني إلى...الجسر.
مشى خطوات على درجاته الخشبية، و إذ أوحى له الجسر ببعض الثقة زاد من سرعة خطواته.. و في منتصف المسافة تماما أنَّتْ إحدى درجات الجسر الخشبية فتوقف، و لكن بعد فوات الأوان، إذ سرعان ما تعددت الأنّاتُ، ثم تناثرت الألواح الصغيرة، و تهاوى الجسر بمن عليه....

كان ذلك هو الجواب.

بن يوسف رياض- من مجموعتي القصصية : فضة وذهب

خاتون 04-05-2007 02:45 PM

جميل إبداعك
 
رؤية جميلة من القمة
جمعت عتادي وتابعت مسيرك ايها المغوار
فوجدتني على عمق الكلمات أغازلها
وأصنع منها سيوفا مخملية
أحملها لأعبر الجسر
وأقرأك

تحياتي
خاتون

صمت الكلام 05-05-2007 12:31 PM

قصة جميلة وقصيرة

استمتعت بقرائتها

فشكرآ لك عليها



رياض بن يوسف 06-05-2007 02:55 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة خاتون
رؤية جميلة من القمة
جمعت عتادي وتابعت مسيرك ايها المغوار
فوجدتني على عمق الكلمات أغازلها
وأصنع منها سيوفا مخملية
أحملها لأعبر الجسر
وأقرأك

تحياتي
خاتون

الأخت الفاضلة الأديبة المتألقة خاتون..
رائع ما خطت يمينك و مذهل هذا التدفق الساحر للكلمات..
تحياتي الأخوية.

رياض بن يوسف 26-05-2007 04:43 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة صمت الكلام
قصة جميلة وقصيرة

استمتعت بقرائتها

فشكرآ لك عليها



شكرا " صمت الكلام"على الاهتمام و على القراءة
تحياتي الأخوية

السيد عبد الرازق 26-05-2007 05:17 PM

رياض بن يوسف مررت علي القصتين.
تحياتي وتقديري
دمت مبدعا شاعرا وناثرا.
تحياتي وتقديري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.