أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

مع كل إشراقة شمس كل يوم جديد لا أقرأ إلا المزيد من المقالات المحبطة… ولا أسمع إلا المزيد من العبارات اليائسة… ولا أرى إلا المزيد من الوجوه العاجزة… التي صارت تتوالد بسرعة مذهلة كما تتوالد الأرانب…
ومع كل حرف… مع كل كلمة… مع كل سطر… مع كل آهة … ينتابني الغيظ والسخط والإجهاد …

يمكننا أن نصفق لأنفسنا طويلاً فقد نجحنا -أكثر من أي بروتوكولات صهيونية أو خطط تنصيرية- في إقناع أنفسنا بأننا لاحول لنا ولاقوه، وأننا لا نملك شيئاً لنسير به أمور حياتنا البائسة…
يا جماعة … معقولة… ما من قنوات عربية سمعية كانت أو بصرية إلا وتردد علينا أمجاد إخفاقاتنا السابقة وفشلنا مرة بعد مرة…؟؟؟

صارت عبارة ما باليد حيلة، وقصص الحمير، وماذا جنينا لنستحق كل هذا …ما عاد في الدنيا خير… الله ينتقم منهم … تترد في مجالسنا وتترجم على ظهورنا المنحنية وملامحنا اليائسة…
وهل الإيمان يتعارض مع التفاؤل؟؟ إن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم… وأجيبوني بالله عليكم كيف ينتقم الله تعالى وينتصر لأمة عملت على تفتيت بعضها البعض أكثر من أي مؤامرة خارجية…
وعلى من نلقي اللوم آخر الأمر؟؟؟ على شارون… على إسرائيل… على حكامنا… على أمريكا… ولو لم يكن أولئك موجودون لألقى البعض باللوم على زوجته أو سوء حظه أو قضاءه وقدره…
ثم نلعن هذا الزمان الغادر الذي ولدنا فيه، ولو فتح الزمان فمه لبصق علينا…

قاصمة الظهر… حين نشكو حظنا العاثر لأمريكا ونظن أن بيدها أن تنقذنا مما نحن فيه وما سمعت في حياتي بما هو أكثر إثارة للشفقة وربما الضحك لدرجة البكاء من أن يشكو الأسير لجلاده لذع سياطه…

مع كل يوم يمر تنخفض روحي المعنوية أكثر فأكثر… وأتساءل هل حقاً نشعر بنشوة الانتصار إذا أقنعنا أنفسنا والآخرين بأن وضعنا ميئوس منه…؟؟؟
ما يجعلني أصر على أسناني من الغيظ الشديد هو عندما يرتفع صوت منتعش متفائل يحاول إيجاد مخرج، ويبذل جهداً صادقاً لإبراز جوانب إيجابية فيُقابل بحجج مضادة وعبارات ساخرة مسكتة… ويخيم الصمت الكئيب مرة أخرى…

في الحقيقة إن دور المجني عليه صار كالمرض المعدي الذي ينتقل بسرعة الضوء، ولاشك أن للحالة الراهنة التي يمر بها العالم العربي لها تأثير كبير على البعض الذين طوروا من قدراتهم الذاتية في إثارة الشفقة حتى وصلوا إلى مستوى رفيع وغدو أساتذة كباراً في مضمار النكد، فانتقلوا من دور الضحية إلى دور المصلوب الغير قادر عن الدفاع عن نفسه وديدنه فكرة واحدة فقط (كل أولئك الظالمون سيلقون جزائهم في نار جهنم وبئس المصير)؟؟؟
هذا النوع من الأساتذة موجود بيننا في صور عديدة … ومن صفاته أنه دائم الشعور بالذنب لأي شيء حتى للهواء الذي يتنفسه، دائماً ما يقلل من شأن نفسه ويردد بقصص أمجاد الأسلاف ومدى بشاعتنا وضآلتنا قياساً إليهم وليت ذلك يكون من باب رفع الهمم أو النقد الذاتي أو حتى التواضع… وإنما من باب تدمير الثقة وبغية الوصول إلى مرحلة الاكتئاب الفعلي…

هناك فرق كبير بين مواجهة الحقيقة وتكسير المجاذيف… لقد تعود الجسد العربي على الشظايا لدرجة الإدمان واللامبالاة بقطعها المتكسرة الموجودة بداخله…
ومع المزيد من الشظايا لابد لنا أن لا نيأس ولا نعترف بالهزيمة أبداً…
كل الناس السابقين صاروا طعاماً للديدان ولكن السر في من بقي في مخيلتنا إلى يومنا هذا وأيام قادمة، هو أنهم آمنوا بأن ليست الأحداث هي التي تصنع الإنسان، وإنما الإنسان هو الذي يصنع واقعه ويقرر مصيره بما يمليه عليه عقله وضميره وهمته…

ومن لا يحب صعود الجبال……. يعش أبد الدهر بين الحفر
فلا الأفق يحضن ميت الطيور… ولا النحل يلثم ميت الزهر
ايليا أبو ماضي…