الغلو .....والتطرف ...والغلو المضاد
 

طالعتنا صحيفتان سعوديتان احداهما هذه الجريدة الغراء (المدينة المنورة) بتمجيد غير مسبوق لسيدة أعمال سعودية شاركت في منتدى جدة الاقتصادي واختارت ان تلقي خطابها على الملأ حاسرة الرأس على غير ما التزم به أهلنا في هذه الديار المقدسة، ورأى محرر ملحق (الأربعاء) ان السيدة الكريمة قد بنت - بما فعلت - صرحا تعلو عنده القمم ويسال علوه المجد الوثاب، واعتبر المحرر الذي افقدته نشوة الاعجاب توازنه ان السيدة الكريمة: (مداد خص نفسه بالافصاح جهرا، وقلم خطر سطر المجد فجرا، وسفر لكفاح امرأة سعودية أنجزت الممكن وتهفو للمستحيل في اقصى ركن من الإمكان، إنها مثال فوق المثال لهزيمة افتراء الغرب على المرأة السعودية!!) (الاربعاء 29/11/1424هـ)
وفي البلد ألوف ألوف الفاضلات من أساتذة الجامعات والطبيبات والأمهات والعاملات والكادحات اللائي لم يسمعن في حياتهن المباركة عشر معشار هذا الغلو في التمجيد والاسراف في الثناء.





ومن قبل حملت الينا جريدة الوطن الغراء بشرى ان الشبكة الاخبارية الأمريكية الشهيرة (سي إن إن) قد بثت ولأول مرة تحقيقا متلفزا عن المغنية اللبنانية هيفاء وهبي، وهي احدى أبرز مغنيات التهتك والإثارة الجنسية الفاضحة، وأوضح لنا المحرر الفني للوطن الغراء ان كاميرا (سي إن إن) تجولت في الشارع اللبناني ترصد انطباعات الشباب عن المغنية التي تلاقي جماهيرية عالية بسبب جمالها الملفت وجرأتها في ارتداء الملابس المثيرة، لكن المثير حقا ان المحرر الهمام يبشرنا بأن (أوساط الجالية العربية المقيمة في الولايات المتحدة اعتبرت أن هيفاء وهبي بإمكانها ان تحدث تأثيرا على انطباعات الرأي العام العالمي تجاه المنطقة العربية، ونقلت (الوطن الغراء) عمن أسمته المشرف على موقع الجالية العربية في الانترنت: (إن الرأي العام العالمي اعتاد ان يرى المجتمع العربي دموياً فقط، وعندما يرى جمال هيفاء سيفاجأ من وجود جمال عربي إلى هذا الحد. وفي الجدل الدائر حول الموضوع أيد ما يقارب من مئتي شاب وشابة ضرورة تصدير أشباه هيفاء وهبي للعمل على اقناع الرأي العام العالمي بأننا شعوب جميلة وليست قبيحة فقط) (الوطن 12/11/1424).




في افغانستان الشقيقة فاجأ التلفزيون الأفغاني الرسمي البلاد لأول مرة بظهور مغنية افغانية حاسرة الرأس، خلافا لقرارات المحكمة العليا ودستور البلاد، وزعم وزير الإعلام الأفغاني بان ذلك مقتضى ما ينص عليه الدستور من مساواة المرأة بالرجال، وهللت وسائل الإعلام الدولية للنبأ وتناقلته بعض صحفنا العربية، لكأنما سفور هذه المغنية يشكل علاجا لمآسي افغانستان المروعة وفقرها المدقع ودمارها الواسع وأمنها واستقلالها الضائعين وعيشها على الصدقات، أو ربما توقف زراعة أخطر أنواع المخدرات التي عادت افغانستان لتكون من جديدة مصدرها الأول في العالم بعد ان اوشكت حركة طالبان على اجتثاثها، فلما وقع الغزو الأمريكي عادت زراعة الأفيون وتجارته أقوى وأوسع مما كانت من قبل!؟




من جهة أخرى تعرض شيخنا الجليل صالح بن عبدالرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ورئيس الحوار الوطني لما يشبه التوبيخ من بعض كتابنا الشباب لأنه تجرأ فوجه رسالة رقيقة موجزة معبرة للرئيس الفرنسي جاك شيراك بشأن اعتزام حكومته إصدار قانون يحظر الحجاب، ولم يكن نقد الشباب موجها لمحتوى الرسالة بقدر ما كان منصبا على مبدأ بعث الرسالة وأحقية الشيخ في توجيهها للرئيس الفرنسي، بل لقد تجاوز أحدهم فاستغرب ان يجرؤ مركز بدأ ثقافة الحوار (لتوه) في بلده على كتابة رسالة عن فضائل الحوار ووجوب صون الحرية إلى بلد هو مهد فلسفة حقوق الإنسان ومحضن الثورة الفرنسية، وهكذا تجاوز التحقير لينال هذا البلد وأهله وتاريخه وتقاليده، وما دري هؤلاء بأن الرئيس الفرنسي شأنه شأن الرئيس الأمريكي وملكة بريطانيا وغيرهم من ملوك ورؤساء أوروبا يتلقون يوميا مئات الرسائل من مختلف انحاء المعمورة بما في ذلك افريقيا وآسيا فلا يرون في ذلك اجتراء ولا بأسا بل يهشون لها ويسعدون بالاجابة على الكثير منها.




في ملحق (الأربعاء) أيضا يقول أحد الأخوة المشاركين في حوارات هذا الملحق الذي يحاول - فيما يبدو - تجديد الفكر الديني والثقافة الوطنية!!؟: (بعد مرور ربع قرن من عمرنا، ينبغي أن يكون قد ترسخ في ضميرنا ووجداننا واذهاننا قناعات فحواها أنه ليس من الضرور الاحتكام للرؤية الدينية في كل شاردة وواردة تطرأ على حياتنا) (الأربعاء 22/11/1424). وهكذا اباح هؤلاء الأخوة الذين يعدون على أصابع اليدين لأنفسهم الفتيا في الدين والتقنين لأحكام الشرع والانفراد بتفسير نصوص الوحي، وتوبيخ شيوخ العلم وعلماء البلاد، ونصبوا أنفسهم هداة محدثين للبلاد متترسين بمحاربة التطرف والغلو ومتسترين بالتنديد بالإرهاب، وما دروا ان ما يفعلون هو غلو مفرط وتطرف هدام مسرف وإرهاب فكري يعوق مسيرة الاصلاح ويستجلب غضب الناس ويستنزل سخط المولى عز وجل.

فاكس: 6530693-02 البريد الإلكتروني: msalahuddin@makkahadv.com
_________________

جريدة المدينة , السبت 2/12/1424هـ الموافق 24/1/2004م


هذه نماذج من الغلو المضاد

أخي الكريم...كيم كام...حفظنا الله وإياك من الفتن ما ظهر منها وما بطن...

لن يفلحوا بإذن الله ... والله لهم بالمرصاد...المهم أن نؤدي دورنا الصحيح...ونلتفح حول علمائنا وحكامنا ونعمل على تخفيف الشر وتكثير الخير ... إلا أن يتوفانا الله من هذه الدنيا ونحن على الإسلام....

ثم إن مشكلتنا أن الأعلام بالذات ... ابتعتد عنه كثير من الأخيار فأصبح في أيد مختلة في الفكر والمنهج...ولا بد أن يتوجه أصحاب الأقلام النيرة الفصيحة من أهل الحق وأهل الإعتدال وأهل الرأفة والرحمة بالناس إلى هذه المنابر الإعلامية ويتولو زمامها ويثبتون أنفسهم ويزاحمون أهل البغي وينشرون الخير للناس ويوجهونهم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة...

أما ما يفعله شرذمة من هنا أو هناك مما يخالف تعاليمنا السمحة هو لا يشكل إلا شذوذا من هؤلاء ينفخه بعض الصحفين مختلي الفكر والمنهج...وليسوا محسبين على الكثرة الكاثرة من أهل الخير والتمسك....

الفلك يدور
 

قضت حكمة المولى عز وجل أن تكون شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقومات المجتمع المسلم حتى يوم الدين، وتنزل الوحي الإلهي بتكليف الأمة كلها كمجموع باقامة هذه الشعيرة وجعلها مناط فلاحها وذلك في قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران 104)، ثم خص سبحانه لحكمة بالغة المؤمنين والمؤمنات بتكليف قرآني منفصل قدم فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الصلاة والزكاة وجعله من أسس الولاية بين المؤمنين والمؤمنات ومناط رحمته سبحانه لهم أجمعين وذلك في قول الحق عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم). (التوبة: 71).


وان من فضل الله علينا ان تأسست هذه البلاد وتوحدت على القيام بهذه الفريضة على مر العقود، لكن ذلك لا يمنع من هنات هنا وهناك قد يقع فيها بعض الآمرين بالمعروف عن محدودية في العلم أو اندفاع غير مبرر نحو الغلظة والعنف، أو تجاوز لما لديهم من تعليمات صريحة تمنعهم من التصرف على أساس من الظن أو تتبع غير شرعي للعورات، على أن يخضع كل ذلك لما أمر الله به من الحرص على البينة الصحيحة والتثبت من الوقائع والبعد عن الارجاف والتداول غير المسؤول للأقاويل.


*** من أخي الاستاذ نجيب عصام يماني الزميل الكاتب في هذه الجريدة الغراء، تلقيت الرسالة التالية التي أضعها بين يدي شيوخنا الكرام المسؤولين عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جدة، وكلي ثقة أن مشايخنا الأجلاء سيصححون الخطأ إن كان قد وقع ويعاقبون المسؤول ان ثبت التجاوز:


سيدي الكريم أعطيتم القارئ فرصة طيبة بأن يأخذ ويرد ويعقب بمداخلاته على ما تقدمون من فكر يحمل الخير والتسامح وقبول الرأي الآخر في عامودكم المميز المقروء (الفلك يدور)!. في المدينة العدد رقم 14885 الصادر بتاريخ 2/12/1424هـ قرأت في (الفلك يدور) تحت عنوان (أليس هذا غلوا مفرطا) عن عدة نماذج من أشكال الغلو والتطرف قائلا: (وهكذا أباح هؤلاء الأخوة الذين يعدون على اصابع اليدين لأنفسهم الفتيا في الدين والتقنين لأحكام الشرع والانفراد بتفسير نصوص الوحي، وما دروا أن ما يفعلون هو غلو مفرط وتطرف هدام وارهاب فكري يعوق مسيرة الاصلاح ويستجلب غضب الناس ويستنزل سخط الله عز وجل) ولكن هذا الغلو الممقوت الذي ذكرته قابله تشدد من نوع آخر، فقد ذكر في نفس العدد والصفحة ان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هاجمت قصر أفراح في مدينة جدة وأغلقته بالشمع الأحمر، وأخذت بعض موظفيه وفرقت مجتمعيه وحولت الأفراح إلى أتراح، وذلك بحجة أن هناك زواجا مختلطاً لاخوة افارقة اقيم في هذا القصر، وكل هذا الذي حدث بسبب بلاغ من مجهول.

ان التعرف وهو أولى درجات الاحتساب منهي عنه، وهو طلب المعرفة بجريان المنكر، فلا ينبغي للمحتسب ان يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت المنكر، ولا يستنشق ليعرف رائحة الخمر، ولا يسأل الجيران عما يجري في دار مجاورة لهم، وثانيها التعريف ويتم باللطف ومن غير عنف وإيذاء ليعرف الجاهل بخطئه، وثالثها النهي بالوعظ والارشاد والتخويف والترهيب، الرابعة التعنيف بالقول الغليظ ولا يقدم عليه الا عند الضرورة، والخامسة التهديد والتخويف كقوله دع عنك هذا اتق الله فيما تفعل، والسادسة وهي مباشرة التغيير باليد بشرط الضرورة وعلى قدر الحاجة، وأما الأخيرة وفي حال ألا يقدر المحتسب على الجاني بنفسه ويحتاج إلى أعوان، وهذا يحتاج إلى إذن الإمام.


وما قامت به الهيئة بالنسبة لقصر الأفراح في جدة يخرج عن الركن الرابع من أركان وآداب المحتسب، علاوة على أن هذا الزواج لأجانب ربما لا يعرفون عادات وتقاليد البلاد، وبدلا من الهجوم عليهم فان هناك طرقا وسبلا بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم ألم يتح رسول الرحمة صلوات الله وسلامه عليه لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ان تنظر لأحباش يلعبون ويهزجون في فرح لهم في ساحة المسجد ولم يمنعهم من ذلك، وليعلم الجميع ان هذا الدين دين يسر ومحبة وأمن وأمان، وان دور الهيئة ينحصر في التوجيه والنصح والارشاد، وان وجودهم في المجتمع ضرورة للقيام بهذه الشعيرة الاسلامية ولكن ليس بأسلوب الاكراه والضرب والتعنيف والترويع، ولكم احترامي.


فاكس : (6975040) فاكس: 6530693 - 02

البريد الالكتروني: msalahuddin@makkahadv.com

______________________
جريدة المدينة المنورة , يوم الاحد 17/12/1424هـ الموافق 8/2/2004م