أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية - حصلنا علي وثيقة إنقاذ بوش في العراق

حصلنا علي وثيقة إنقاذ بوش في العراق

احتاجت أمريكا إلي ملايين الصفحات المكتوبة‏,‏ وآلاف الصور والتقارير‏,‏ وعدة مئات من زيارات للجان التفتيش‏,‏ لتبرر غزو العراق‏,‏ والآن‏,‏ بعد أكثر من عامين‏,‏ تفكر في الخروج من المستنقع الرهيب بثلاثين صفحة مكتوبة سرا تسمي‏'‏ خريطة الطريق العراقية‏'.‏
وقد حصلت‏'‏ الأهرام العربي‏'‏ علي النص الكامل‏,‏ الذي استغرق أكثر من ثمانية أشهر لكتابته النهائية‏,‏ ودارت حوله مفاوضات سرية بين أطراف دولية وإقليمية معنية بالأمر مباشرة‏,‏ عراقية وأمريكية وعربية وأوروبية‏.‏
حددت هذه الوثيقة إستراتيجية لخروج القوات الأمريكية من العراق في نهاية هذا العام‏,‏ تنفيذا للقرار الدولي‏1546‏ الذي سيتغير بقرار آخر من مجلس الأمن بدعم أمريكي‏-‏ عراقي‏,‏ طبقا للرؤية المقترحة‏,‏ ينص علي أن العراق دولة ذات سيادة كاملة‏,‏ وتتضمن أربعة عناصر‏:‏ أولا‏-‏ عقد مؤتمر مصارحة ومصالحة عراقية‏-‏ عراقية‏,‏ وثانيا‏-‏ صياغة بروتوكول واتفاق تفاهم شرف مشترك‏,‏ وثالثا‏-‏ تقديم ديباجة وأسس قرار دولي جديد يعدل القرار‏1546,‏ وأخيرا‏-‏ تبني مشروع مارشال عالمي لإعمار العراق‏.‏
علي أن تصبح القوات العسكرية الموجودة تحت قيادة الأمم المتحدة‏,‏ وتتحول إلي قوات حفظ سلام‏,‏ وتسمح الخطة بقدوم قوات عسكرية من دول عربية وإسلامية إلي العراق لحفظ الأمن والسلام وتدريب الشرطة والجيش العراقيين‏,‏ لحين إتمام العملية السياسية‏,‏ وكتابة الدستور الدائم‏.‏

جورج بوش
ولكن الشرط الملزم للجميع هو التوقف عن عمليات الدهم والاغتيال والعمليات العسكرية الأمريكية والحكومية معا‏,‏ وفي نفس الوقت تتوقف المقاومة المسلحة عن أي عمل مضاد‏,‏ وتنخرط في المفاوضات الجارية‏,‏ مع استبعاد التنظيمات‏'‏ الإرهابية‏'‏ من أي مفاوضات‏.‏
وسوف تعلن هذه البنود في مؤتمر دولي تستضيفه إحدي الدول العربية‏,‏ بعد الموافقة النهائية علي خريطة الطريق الجديدة‏,‏ وبعد الإشارة الأمريكية لتلك الدولة المقترحة‏,‏ ومرشحة دولة خليجية‏,‏ أو لبنان أو مصر‏,‏ وكان ملك البحرين حمد بن خليفة قد حصل علي نص خطة الخروج الأمريكي‏,‏ من د‏.‏عامر التميمي قبل زيارته الأخيرة إلي مصر‏,‏ وكانت بلاده قد رحبت باستضافة مؤتمر للمصالحة العراقية في أثناء انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد منذ عدة أشهر والخاص بمعالجة الوضع العراقي المأزوم‏.‏
وكانت رحلة حصول الأهرام العربي استمرت عدة أسابيع‏,‏ وتطلبت لقاءات واتصالات عديدة مع د‏.‏عامر التميمي‏,‏ منسق لجنة الحكماء العراقية الدولية التي صاغت المبادرة الجديدة‏,‏ وهي لجنة مستقلة عن الحكومة العراقية الحالية وعن القوات الأمريكية في نفس الوقت‏.‏
ويقول د‏.‏ التميمي منسق لجنة الحكماء العراقية الدولية إن هذه الخطةوصلت إلي الإدارة
الأمريكية عبر شخصية عراقية نافذة لدي كل الأطراف المعنية بالخروج من المأزق العراقي‏,‏ ويتمتع بثقة الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية والجماعات المعارضة للاحتلال‏,‏ ويحمل الجنسية الأمريكية حيث يعيش هناك منذ أربعين عاما أستاذا للتاريخ في إحدي الجامعات الأمريكية‏,‏وبذلك وصلت إلي أقرب دائرة للرئيس الأمريكي جورج بوش‏,‏ وهي دائرة التخطيط الإستراتيجي للشرق الأوسط‏,‏ قسم العراق‏,‏ وأصبحت الخطة في حوزة ومسئولية شخصية أمريكية تعمل كمساعدة ونائبة لمستشار الأمن القومي ستيفن هادلي الذي حل محل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس‏.‏
كما درستها ووضعت فيها تصوراتها أرفع الشخصيات والقيادات والتيارات السياسية العراقية‏,‏ سواء أكانت تنتمي للحكومة العراقية الحالية‏,‏ أم المعارضة والجماعات الرافضة للاحتلال الأمريكي‏,‏ ووصلت إلي ثلاثة قادة في دول الخليج العربي‏,‏ في انتظار التنسيق النهائي من أجل إعلان رعاية هذه الخطة علي أرض واحد من البلدان الثلاثة‏,‏ وذلك بالتنسيق مباشرة مع لجنة الحكماء العراقية‏-‏ الدولية صاحبة المشروع من ناحية‏,‏ ثم بعد ذلك بالاتفاق والتفاهم مع الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية من ناحية أخري‏.‏

صدام حسين
والخطة بصيغتها النهائيةكانت قد وضعتهاعدة شخصيات عراقية بعد انهيار الدولة العراقية في التاسع من إبريل عام‏2003,‏ وقدمتها إلي دي ميللو مبعوث الأمم المتحدة إلي العراق قبل اغتياله في حادث مأساوي في بغداد‏,‏ وينتمي معظم هذه الشخصيات إلي تيارات مختلفة‏,‏ بعضها يعود إلي عهد الملكية‏,‏ وعهود الجمهورية في زمن عبد الكريم قاسم وعبدالسلام وعبدالرحمن عارف‏,‏ واختفت أو اعتقلت أو صمتت في زمن صدام حسين‏.‏
ويترأس هذه اللجنة ناجي طالب رئيس وزراء العراق ووزير الخارجية الأشهر والأسبق‏,‏ ومعه أكثر من عشر شخصيات بارزة عراقيا ودوليا من مختلف التوجهات‏,‏أبرزها فؤاد عارف وهو زعيم عسكري كردي معروف‏,‏ ولا ينتمي للحزبين الكرديين الكبيرين‏,‏ وعبد الغني الدلي الوزير في العهد الملكي‏,‏ وفيصل إبراهيم الأنصاري‏,‏ قائد الجيش العراقي السابق‏,‏ والذي تم ترشيحه رئيسا للعراق‏,‏ قبل أن تقرر أمريكا وضع غازي الياور رئيسا في الحكومة المؤقتة السابقة‏.‏
وللجنة امتداداتها وشخصياتها العربية والدولية المعروفة‏,‏وأبرزها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذي اطلع علي تفاصيل الخطة من خلال الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلي العراق‏,‏ ومن خلال الاتصال المباشر مع د‏.‏ عامر التميمي منسق اللجنة ورئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري‏,‏ وثروت عكاشة من مصر‏,‏ والزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا‏,‏ وسليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق‏,‏ والأمير الحسن بن طلال ولي عهد الأردن‏,‏ إضافة إلي شخصيات عربية رسمية رفض د‏.‏ التميمي تحديدها في الوقت الراهن‏.‏
وكان صائغو خطة خروج العراق من المأزق قد وضعوا تصورا أوليا‏,‏ تضمن بيان إعلان مباديء‏,‏ واقتراح عقد مؤتمر يهدف إلي حل كل مصاعب العراق الشائكة والملتهبة الحالية وضمن الشرعية الدولية وبتوافق ورضا جميع الأطراف عراقيا ودوليا‏.‏
فالمشروع حسب د‏.‏ التميمي عبارة عن خريطة طريق عراقية بأبعاد أمريكية ودولية‏,‏ ويمكن له أن ينجح ويطبق في هذه الظروف التي أصبحت مناسبة لكل الأطراف الدولية والعراقية خاصة بعد نجاح الانتخابات والعمليةالسياسية الديمقراطية الجارية في العراق‏,‏ وماترتب عليها من نتائج‏,‏ ومن تطورات داخلية سياسية عراقية
وهي بحاجة لأن تتوازي معها تطورات وقرارات سياسية خارجية دولية ونتائج ليصل الجميع إلي برالسلام والأمان في العراق والمحيط الإقليمي والدولي‏.‏
وكانت الإدارة الأمريكية حاولت تفادي هذه الخطة بإجراء مفاوضات سرية مع أطراف من النظام العراقي السابق‏,‏ من أجل إيقاف المقاومة المسلحة‏,‏ وذهب رامسفيلد إلي صدام حسين في السجن الأمريكي كوبر الموجود قرب مطار بغداد‏,‏ فقد تصور الأمريكيون أنه يمكن لصدام إلقاء خطاب إلي الشعب العراقي يطالبه فيه بإيقاف العنف ضد قوات الاحتلال‏,‏ لكن هذا المسعي فشل‏,‏ فأعادت الإدارة المحاولة عبر سمير عبد العزيز النجم القيادي البعثي السابق‏,‏ والذي شارك في اغتيال الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم مع صدام حسين‏,‏ ورغم ذلك فقد كان معزولا عن قيادة البلاد في زمن البعث‏,‏ وأيضا فشلت المحاولة وإن أثمرت عن حوار يمضي بطيئا بين الأمريكيين وبعض أعضاء حزب البعث لإنجاح الخطة الجديدة‏,‏ وكانت كوندليزا رايس قد قالت في أثناء زيارتها سرا إلي العراق إن حل المشكلة العراقية لن يتم عبر العمل العسكري‏,‏ في إشارة واضحة لعزل المحافظين الجدد المسيطرين علي البنتاجون‏.‏
من جانب آخر كان موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي‏,‏ اجتمع في العاصمة القطرية قطر مع د‏.‏ التميمي وأطلعه الأخير علي خطة الطريق‏,‏ وأكد الربيعي لـ‏'‏ الأهرام العربي‏'‏ في حوار طويل صحة الأنباء التي تحدثت عن اعتزام الرئيس الأمريكي جورج بوش سحب قواته من العراق بحلول نهاية العام الحالي‏,‏ قائلا‏:‏ إن القوات الأمريكية لن تبقي إلي الأبد‏,‏ وأنها في وضع القوات الحليفة في الوقت الراهن‏,‏ وعندما سألته هل توافقون علي قواعد عسكرية أمريكية في العراق‏,‏ رد بعصبية بأن معظم الدول العربية لديها قواعد عسكرية أمريكية‏,‏ وهو أمر لم تتطرق إليه خريطة الطريق حسب د‏.‏ التميمي‏.‏
والآن اقتربت ساعة الخروج الأمريكي من العراق‏,‏ لكن المثير للدهشة أن أمريكا التي ذهبت وحيدة إلي الحرب‏,‏ ولم تعتن بالغضب والرفض العالمي والعربي‏,‏ واستهانت بشعوب المنطقة‏,‏ أصبحت تنتظر إشارة من إحدي دول المنطقة لاستضافة المؤتمر‏,‏ فيقوم الرئيس بوش بتوقيع الوثيقة الموضوعة علي مكتبه في البيت الأبيض ويبدأ الانسحاب الكبير‏.‏
***********
http://arabi.ahram.org.eg/arabi/ahram/2005/6/4/WRLD5.HTM