إهدأى يا جراح

* فى سجون الحياة يقبع ذلك الإنسان مغللا بقيود من الحزن والأسى .. وفى وحدته هذه يحدث قلبه .. رفيق دربه .. يشكو إليه ويبثه ألمه .. يحدثه عن هذه الحياة وروعتها وعن سحر الطبيعة وروعة هذا الوجود .. إلا أنه عاجز أن يستشعر روعته من وراء هذه القضبان .. غنى للظلام ردحا من الزمن فإذا أطل الفجر بنوره العذب عانقه معانقة الأحباب وودع أمسه المظلم ..

إهدأى يا جراح *** سوف يأتى الصباح
لا البُكا والنواح *** أو مُدامٌ وراح
يبعث الإرتياح *** فاهدأى يا جراح

قد عرفت الحياة *** فى ظلام السجون
كل ضوءٍ سناه *** لى صديقٌ حنون
واعتناق الظنون *** واقتراب المنون

لى رفيقٌ هنا *** فى الدجى والقيود
عامرٌ بالحياة *** حافلٌ بالورود
بالصفا والنقا *** والصبا والوعود

قد أتينا هنا *** من قديم الزمان
منذ بدء الوجود *** منذ فجرالمكان
إنما القيد فــى *** معصمى من جُمان

سوف أطوى الألم *** قانعا بالسلام
والبلى والعدم *** سائرا للأمام
لن يفيد الندم *** أو يفيد الكلام

كلّ عيدٍ أتى *** للأنام سعيد
غير أنى هنا *** فى السجون وحيد
حافلٌ بالأسى *** والنوى لى قصيد

إعتراكُ الأسى *** يشعل الذكريات
أين صحبى هنا *** فى الرؤى المظلمات
أين عهد الصبا *** يا دموع الِشكاة

إذهبى يا رياح *** واعبرى يا غيوم
واسكتى لا صياح *** فى فؤادى الهموم
إن قلبى إستراح *** من صدىً لن يدوم


رتلى بالصلاة *** آية بالكتاب
يا نفوس الهدى *** واقدمى للرحاب
آه من لوعة *** اليأس والإغتراب

رفَّ طير المُنى *** بالشذى والعطور
حاملا طاقة *** من ورودٍ ونور
فى ابتهاج يدور *** شارحا للصدور
باعثا للسرور *** ناثرا لى الحُبور

ليس يحلو هنا *** غير شدو الهَزار
أفتح النافذة *** للنسيم المُثار
والشعاع الذى *** مثل خيط النُضار
وغناء الطيور *** واهتياج البحار

وجمال الربى *** والذرى والجبال
واختفاء الدجى *** خلف فجر الجمال
واختيال الظلال *** فى أعالى التلال
والسنا والمنى *** والشذى والجلال

فى هدير الحمام *** واختلاف الفصول
فى هبوب الرياح *** وازدهارالحقول
آية للجمال *** والرخا والرفول
فى خِضم الحياة *** جنة لا تزول

فى سجون الحياة *** قد جرى مصرعى
فوق شطء الظلام *** يستوى مضجعى
سوف تمضى الهموم *** يا شجون اسمعى

غارقا فى الدموع *** فى بحار الحياة
بين موج أضيع *** يحتوينى مداه
بين برد وجوع *** تائها فى لجاه


يا فؤادى الكسير *** قد مللتُ الهرب
غنّ للناس لا *** يحتويك التعب
من وراء الضلوع *** خافقٌ يلتهب

غنّ يا بلبلا *** من وراء السياج
فوق خُضر المروج *** والكلا بابتهاج
غنّ مثل الرعاة *** للقطيع المُهاج

قد طردتُ الهموم *** فوق سطر الكتاب
وأحلت الشجون *** واحة كالسراب
فانتهت شقوتى *** والضنى والعذاب

والصباحُ العظيم *** بعد ليلٍ بهيم
مشرقٌ بالضياء *** زاخرٌ بالنسيم
والهَزار الرخيم *** والربيع الوسيم

غردى يا حياة *** واصدحى يا طيور
رنمى وانشدى *** واعبثى بالزهور
رفرفى فى الفضا *** لا تخافى الصقور

إهدأى يا جراح *** سوف يأتى الصباح
لا البكا والنواح *** أو مدام وراح
يبعث الإرتياح *** فاهدأى يا جراح

آلامى وآلامك هى آلام هذه الأمة .. أخى الحبيب .. محمد

أعترف أنى لم أذق طعم الحياة وراء القضبان لأنى دائما ما كنت على الجانب الآخر منها ..

إنما رأيتها بعين من أحب .. وسجن الحياة الواسع المعتم لهو أشد عذابا وأشد ظلمة ..

دمت لى أخى الحبيب ..

أختى الغالية .. على رسلك ..

هو حديث النفس الهادىء الساكن فى ليلة ظلماء .. شفافة تكون فى مثل هذا السكون ..

وفى الظلام يدرك الإنسان روعة الضياء وسحر النور ..

بينكم عرفت وطنى ولمست نفسى .. نتشارك كل شىء حتى الألحان والنغمات ..

تقديرى واحترامى ..

خاتون .. صاحبة الذوق الرفيع .. وصاحبة الخواطر الشفافة ..

هو إطراء وثناء ولى بلا حدود .. حين يأتينى منك ..

دمت بكل خير ..

ثق .. محمد .. أنا نحس ونشعر بما يلاقيه عراقنا الحبيب ..

أو قل هى صورة فى خيالنا وأذهاننا .. وليس الخيال كالواقع ..

لم يكن هذا ولن يكون أول خطب يلم بعراقنا الجريح على مدى الدهر ..

أنظر ورائى فلا أرى عبر التاريخ إلا غزاة مروا وجبابرة أفسدوا وقد طواهم الدهر ومحتهم يد التاريخ ..

ويظل العراق صامدا شامخا كالجيل الأشم .. وشعب العراق هو شعبى جرحه جرحى ومصابه مصابى ..

وكل بقاع الإسلام هى وطنى ..