أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   الكاتب وظله (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=7638)

عبدربه 24-04-1998 06:53 PM

شكرا لك أيتها الأخت الكريمة..طلبك أمر.. لكن أرجوك أمهليني قليلا.

عبدربه 24-07-2000 08:07 AM

الكاتب وظله
 
من عادة الكتابة،أن تصطنع نوعا من المسافة بين الكاتب وشخوصه. وهذه المسافة،على ما ترومه من بناء عالم مستقل ومتعدد،فإنها هي المسافة نفسها،التي تفصل ببين المعيش وبين المكتوب. وحتى وإن كانت الكتابة سيرة ذاتية،فإنها لا تستطيع أن تنهض بدور مقاربة الحقيقة،أي إخراج صورة حرفية عن معيش الكاتب،في حقبة أو حقب،وفي أوضاع نفسية واجتماعية معينة. فمن مهام الكتابة أن تنشئ عالما قد تحضر في ثناياه صورة الكاتب،وهي مشحونة بأنواع التحويرات والتلوينات وبياضات الذاكرة،وما يمكن أن تمنحه اللغة من دفقات شاعرية وأسلوبية قد تخدم الشيء العرضي إذا كان له سحره وبهاؤه أكثر من سردها لوقائع.
وفي حال الرواية،فإن المسافة المشار إليها،تظل قائمة،محتفية بوعيها الخاص،لأنها السبيل إلى جعل ذات الكاتب مرصدا،وهي تتحرر من توجيه الأحداث والمصائر،أو من بث خطابات جامدة وأحادية النظر إلى العالم،زهي السبيل أيضا،إلى تحرير لغة الكتابة ومساحات تخييلها ومنحها الدينامية الضرورية لخلق الأشكال.
وإذا كانت ذات الكاتب مرصدا،بهذا المعنى،فإنها لا تسعى إلى جعل الحياة الخاصة موضوعا،وتفاصيل المعيش وثيقة،تتوخى رسم صورة شخصية لهذه الذات ومجتمعها،بل إن التحولات التي يعرفها المجتمع،والتي تصنعها شخصيات مقيمة أو عابرة،هي وجه من وجوه اشتغال الكتابة الروائية.
ثمة إذن،ظل هارب أبدا،يلاحقه الكاتب،هو أناه وتاريخه الشخصي،وذاكرته ومدركاته للعالم،وهروب ذلك الظل،يعني الوقوع في حبال خرائط وجغرافيات ومتاهات وحقب في أزمنة ولحظات تشكل أوضاع مجتمعية أو تحولها. وهذه الوضعية،سوف تسح للكاتب بأن يحيا إغراء ارتياد عوالم أرحب وأوسع،يمنح لذة التقصي والاكتشاف، ودهشة الخلق الأول عبر مراودة اللغة وبياضات الكتابة.
ظل الكاتب الهارب أبدا،لا يغري بملاحقته أمام إغراء ظلال أخرى ومرئيات ومشاهدات وتجارب،ربما تكون في غاية التنوع والتعدد. ومطاردة الكاتب لظله،المفتقد، سوف تقوده إلى نسيان هذه المطاردة،وقد صار يطارده الأخيلة والأفكار وتفاصيل محكيات ليست له بها أية علاقة،سوى علاقة الجذب والانجذاب،والسحر والإغراء،والكشف والاكتشاف،وتعلم فن العيش في فضاءات غير مسيجة بحدود اليومي والمبتذل،لأن تلك الفضاءات قد تنفتح على أنماط حياتية وأوضاع مجتمعية لها استقلاليتها عما يكون قد عرفه وعاشه الكاتب. هي فسحة لهت قلقها وتيهها ومروقها وتجلياتها وذهابها نحو اللامنتهى،لأن هذه الفسحة،قد تأخذ الكاتب نحو تخوم الكتابة.
التفاصيل البانية للأوضاع السردية،والشخصيات وهي تتشكل،ومستويات الوصف وهي تصف الوصف،والفضاءات وهي تتناسل،كلها مجال للعب تتحرك فيه اللغة بتوصيفاتها وإيحاءاتها،وذاكرة النص،تشهد على الحروب،وأساليب القتال،وأشكال تبادل العشق،والخيانة،وأنواع المقايضة،وتحولات المبادئ والقيم والأعراف،وطرائق الأعراس ودفن الموتى. الكاتب ليس إثنوغرافيا،وهو يعي معنى السقوط في مطب توصيفات الإثنوغرافيا،كما أنه ليس مؤرخا ولا جغرافيا ولا محللا اجتماعيا للظواهر،ولا خطيبا سياسيا مفوها أو عير مفوه،فهو عابر سبيل حيث لا سبيل،وهو يستشعر كل اللحظات من أجل بعث الدم في الحكاية،وهي حكاية بسيطة،لأنها حكاية ظل،يبحث عن الظل،وسط ظلال أخرى.
-للمقال بقية-
الكاتب الخفي - محمد عزالدين التازي

ميموزا 24-07-2000 10:41 PM

المقال جميل جداًّ يا عبدربه ، أنتظر تتمته ، بسرعة من فضلك !
ولا تنس إن تكرمت التعريف بالكاتب . وجزاك الله تعالى خيراً .

ميموزا 15-08-2000 08:46 PM

جزاك الله تعالى خيراً يا عبد ربه .
ولكن أين تتمة المقال ؟؟؟ أتمنى أن تتاح لك فرصة إكماله قريباً ، افتقدت اسمك في القائمة ، ولكن الحمدلله سؤال جمال عنك جعلنا نطمئن عليك . ننتظر عودتك قريباً .

عبدربه 17-08-2000 07:04 PM

أعتذر عن التأخر في نشر التتمة لأسباب خارجة عن إرادتي :
"ستقول أشكال الكتابة تاريخها ، على ألسنة النقاد ، وهم أيضا صفوف مصفوفة من ظلال تبحث عن أجسادها ، أو أن الأجساد هي التي تبحث عن الظلال . أما أشكال الكتابة في الكتابة فهي لا تقال ، وإنما تجسد ، كما جسد أحد فناني عصر النهضة أبواب الجنة ، وكما جسد نص ألف ليلة وليلة شكل الأشكال،عبر الثابت (حكاية شهرزاد) والمتناسل (حكاية مجتمع برمته)،وكما تجسد تاريخ الحكي، من "الكوميديا الإلهية" و "دون كيخوطي دو لامانشا"،حيث ترسخ انفتاح شكل الكتابة على أشكال أخرى ممكنة،غدت تتخلق من المحاولات الدائمة،لارتياد عوالم وبناء فضاءات تخييلية لا نهاية لها.
إن التاريخ الأدبي،سواء أكان تاريخ أفراد هم الكتاب أنفسهم،أو تاريخ للأشكال،لن يزعزع من حقيقة أساسية مفادها أن الكتابة الأدبية،هي عالم تخييلي،أولا وقبل كل شيء،وهذا العالم،بما يحيل عليه من وقائع وأحداث وشخصيات معروفة،هو بؤرة للرموز الإنسانية،التي تكسر منطق الخاص نحو العام،وتذهب بالمحلي إلى الكوني،والكتاب الذين استوحوا بعض تجاربهم في الحياة،من أجل تفجيرها وإغنائها بمزيد من التفاصيل المتخيلة،قد سعوا إلى كتابة أعمال تمت إليهم بصلة،ولكنها لا تنتسب إليهم،بعامل الصلات المتعددة والمتنوعة مع الواقع والثقافة والوعي والتراث. عندما يريد الكاتب أن يكون شاهدا،عليه أن يكتب مقالة سياسية أو مذكرات أو بيانا من البيانات،وعندما يريد الكاتب للعمل الروائي،التخييلي،أن يكون شاهدا،فلا بد من الشهود،بزورهم ونفاقهم وتخاذلهم وجهرهم بالحقيقة،وسردهم لتفاصيل معيشة أو ملفقة عن موضوع الشهادة. ولا بد من ظل هارب يتبع ظلالا هاربة أخرى،ولا بد من غلالة شبحية تربك الحقائق ومن إغواء وإغراء.
أنا أكتب إذن أنا أقترب من بدء عالم أخذ يتشكل،وكيف يكتب الكاتب وهو ذاهل أمام ظله الهارب،يعيش أيامه وأعوامه هادئا (هدوءا ظاهريا) وهو عكر المزاج، يذهب من العمل إلى السوق،ومن البنك إلى مدرسة الأولاد،يأكل بغير شهية،ويتأرق،ويقرأ الكتب والجرائد،ويمارص بخذلان بيّن بعض الحضور في تجمعات لأصحابها مطامح ذاتية أكثر مما لها وظيفة إخصاب الفعل الجماعي ؟ كيف ؟ وكيف يستمع الكاتب إلى الأخبار،ويعلق على مشهد عابر،ويتذكر تاريخ المدن والأحداث،ويتوجع ويبتلع حبة مهدئ أو وجع الأضراس، ويجوس كل شيء،هنا وهناك،ويغضب ويثرثر وينسى النسيان،وكل ذلك لا يجعل من حياته الخاصة شيئا اسثنائيا،فكيف سيكتب ؟
الاستثنائي في الكاتب هو قدرته على الخيال،وعلى خلق تناسلات للمحكي والحكاية. وبهذين الحدين،يمكن لأنواع التمرين المواظبة أن تذهب نحو شحنات من المعاني،ونحو طاقات لغوية وأسلوبية خلاقة،في اتجاه تطويع ما يتأبى على المطاوعة.
ملاجظة ظل الكاتب الهارب،تأخذ إلى عوالم تأتي فيها شخصيات لا علاقة لها بحياة الكاتب الخاصة،اليهودي،المرابي،اللواطي،العاهرة،القاتل،الجن رال،المجنون،المتصوف،وهي كشخصيات تأتي من أزمنة وأمكنة بعيدة كل البعد عن زمن ومكان الكاتب،وحتى الشخصيات التي يفترض من خلال الحكاية أنها في زمانه ومكانه،فهي كائنات غير مستنسخة،لأنها باحثة عن وجودها الخاص في النص،الذي يختلف تماما عن وجودها في الواقع،حتى وإن كان ذلك الوجود محتملا.
الكاتب ليس جاسوسا،يتجسس على حياة الناس،ليجعل منهم أبطالا لقصصه ورواياته،وإنما هو مرصد،وذاكرة خصبة تحضر فيها لحظات وأشياء وأناس،وكل ذلك لن يشكل سوى مواد أولية للكتابة،إن كانت لها محفزاتها واستدعاءاتها ونداءاتها العميقة،وتلك المواد الأولية لا يمكن تشويش معالمها من أجل التضليل. ولكن تشويشات الكتابة،التي تقوم بها اللغة،ووسائط التعبير،هي من صميم فعل الكتابة.
يحيا الكاتب وسط أشباح عابرة،وأناس طيبين أو أشرار،وفي قلب الحياة نفسها،لا تبدو المظاهر سوى سطوح ملسة لفراغ فاقد للمعنى،وهذه الصورة عن الحياة،تتفاعل مع صورة أخرى تتصارع فيها المواقف وتتباين،وتحتد لغة الاحتجاج،وتتفاقم أنواع سوء التفاهم ،بين الناس،وبين الحكام والمحكومين،وبين الرجل والمرأة،وبين الكاتب وظله. تفاعل هاتين الصورتين،سوف يؤدي إلى جعل اللحظات و المواقف الاعتيادية لحظات رمزية،عبر قوة الكتابة وإيحاءاتها.
إلا أن ظل الكاتب،المسكون بالتوتر والترقب المشحون بتداخل الخيالات والرؤى،المغموس في مداد الكلمات،يظل راقصا رقصته الدموية،على طرف حبل أو على حد سكين،كما يظل هاربا أبدا،حتى وإن كان مثخنا بجراح اليومي،سئما من عاداته ، ويظل راتعا في مجال لليقظات ، وفي فضاءات ميثولوجيا الكتابة ، حيث يخلق شخوصا لم يرها الكاتب في حياته ، ولم يسمع حكاياتها ، ولم يستنسخها من الواقع ، حتى وإن كانت دماؤها من دم الواقع نفسه .
هل لظل كهذا بداية أو نهاية ؟ إنه يبدأ من جسد الكاتب ، ولكنه لا ينتمي إلى مكان محدد ، فالأماكن كلها تحت سطوته وسلطانه ، وما على الكاتب إلا أن يتخفى،حتى يتناسل الرمز في الواقع،والأسطورة من الذات الجماعية التي هي رحم الكتابة. وليبق اللحاق هو اللحاق،لحاق الكتاب وراء ظله. ولحاق القارئ وراء سراب اسمه الكاتب."
انتهى مقال "الكاتب وظله" لمحمد عز الدين التازي

عبدربه 17-08-2000 07:07 PM

نبذة عن التازي :
ولد محمد عز الدين التازي بفاس، و عاش طفولته بعنف خاص في فضاء الدهشة بين الأسوار و الدروب و الأسواق و لحظات الذهول و الصمت . درس الابتدائي في المدرسة الأميرية (إحدى مدارس الحركة الوطنية)،و التحق بثانوية القرويين ،فدرس الأدب القديم و علوم اللغة .و لما صدمته الثقافة المحافظة أخذ يقرأ الأدب الغربي المعاصر و ترجمات الأدب العالمي.نشر أول قصة قصيرة وبعض المقالات سنة 1966 ،وهو تلميذ بالثانوية.و تابع دراسته الجامعية بكلية الآداب بفاس .
حاز محمد عز الدين التازي على جائزة فاس للثقافة و الإعلام(96)،و جائزة المغرب للكتاب(97)،و له عدة كتب نقدية و أدبية ، منها:"الكتابة الروائية في (رفقة السلاح و القمر)"،(السرد في روايات محمد زفزاف)،سبع مجموعات قصصية و تسع روايات و مسرحية،و تصدر له قريبا رواية في ثلاثة أجزاء (زهرة الآس)، و رواية (ضحكة زرقاء)و مجموعة كتب للأطفال .
و التازي عضو اتحاد كتاب المغرب، اتحاد كتاب العرب بدمشق، المكتب التنفيذي لرابطة أدباء المغرب، هيئة تحرير مجلة دفاتر الشمال،و هيئة تحرير سلسة إبداعات شراع.

ميموزا 18-08-2000 02:19 PM

جزاك الله تعالى خيراً يا عبدربه على المقال والتعريف بالكاتب .

عبدربه 18-08-2000 06:29 PM

شكرا للأستاذة ميموزا وأعدك بعرض موضوع "الكاتب ورهاناته" لنفس الكاتب بمجرد ما تسمح الظروف بذلك.

ميموزا 22-08-2000 06:46 AM

جزاك الله تعالى خيراً يا عبدربه .
آمل أن تسنح الظروف قريباً !

عبدربه 23-08-2000 11:15 AM

الأستاذة الكريمة ما الفرق بين الظروف السانحة والسامحة؟؟
أفدني يرحمك الله وشكرا مسبقا.


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.