أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة السياسية (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   (الهجرة) وحق الإنسان في التفكير والاختيار (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=10877)

صلاح الدين 01-04-2001 06:39 PM

لقد تعاملت مكة مع المسلمين - وهم أفراد من مختلف شرائحها وأسرها - ككتلة واحدة يرأسها بنو هاشم.

وكان الضغط على الأسرة الهاشمية لتقف هي نفسها في وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) والجماعة المسلمة الأولى يتسق مع سياسة مكة في إلغائها للشخصية الفردية والتعامل فقط مع القبيلة. فقد كانت سياسة الملأ من قريش أن يمسك الهاشميون بزمام ابنهم النبي (صلى الله عليه وسلم) ومن التحق به من الأسر الأخرى وعبيد وأحابيش قريش، وهل من برهان أوضح من حصار هؤلاء جميعاً في شعب أبي طالب لا يبيعون لهم ولا يبتاعون منهم، ولا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم، ولا يكلمونهم ولا يستمعون إليهم، وجلهم لا يعتنق الإسلام.

كان حصاراً شديداً وامتحاناً قاسياً بسبب عدم إقرار مكة للفرد بحرية الاختيار، وهو إنكار ينسحب على كل شيء ابتداء من الاعتقاد وانتهاء بالوضع الاجتماعي، فليس للمكي ولا للمكية أن يتزوج ممن يريد إلا إذا وافق ذلك سلم الانتماء الاجتماعي للمجتمع القرشي، فهناك معايير دقيقة متبعة لا يصح من الفرد – كائناً من كان – تجاوزها أو التهاون فيها.

= يتبع =

صلاح الدين 02-04-2001 09:42 PM

وفي الوقت الذي أنكرت فيه جاهلية قريش حرية الإنسان وحقه في اختيار عقيدته وطريقه في الحياة، آمن الإسلام بالمسؤولية الفردية، وجعل حرية الاختيار معياراً وحيداً لانتماء الفرد الديني والعقدي، بين الكفر والإيمان والنفاق، ومحاسبته في الدنيا والآخرة.

ولا يقر الإسلام بالتوارث في العقيدة والفكر، ولا يقبل الانتماء القسري الذي تفرضه الأعراف أو القوانين، قال سبحانه وتعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى} [النجم/39]، وقال عزّ من قائل: {وألا تزر وازرة ورزَ أخرى} [الأنعام/164] وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) [رواه مسلم].

وجعل الإسلام بني هاشم – وهم عزوة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته - كغيرهم من المسلمين، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا يميزهم شيء عن الناس ولا عن المسلمين اللهم إلا في أحكام تملي عليهم مراقبة أنفسهم وتصرفاتهم احتراماً لنسبهم من رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وفي الحديث الشريف: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) [رواه البخاري ومسلم].

= يتبع =

صلاح الدين 04-04-2001 06:50 PM

وآيات الكتاب الشريف، وأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، والأحكام الشرعية الإسلامية واضحة في أن الناس سواسية أمام الله، لا فرق لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، وأن الجميع سواسية أمام الشريعة، وأن قرابة أي إنسان أو مكانته الاجتماعية أو موقعه السياسي لا تعطيه الحق في تعدي حدود الله، ولا توفر له أي حصانة أمام القضاء، فليس لأحد أن يشفع في حد، وليس لسلطة أن تسقط عقوبة عن معتدٍ، كائناً مَن كان.

وإن فرّط أحدُ بني هاشم في جنب الله، أو أخطأ في حق رسوله (صلى الله عليه وسلم) أو في حق دعوته، فهو – كأي مسلم - ليس في معزل عن العقوبة، تعزيراً كانت أو حداً، وربما أدت قرابته إلى مضاعفة عقوبته، ولقد نزل في عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبي لهب وامرأته {حمالة الحطب} [المسد/4] سورةٌ من القرآن يتلوها المسلمون في صلواتهم إلى يوم القيامة تؤكد الصورة المغايرة لما كانت عليه الجاهلية من تقديم النسب وتقديس القربى على حساب الحق، كما تؤكد سواسية الناس أمام التشريع الإلهي.

= يتبع =

صلاح الدين 08-04-2001 01:03 PM

لقد شهدت مسيرة الهجرة النبوية عدداً من المعجزات الدالة على حفظ الله ورعايته لنبيه (صلى الله عليه وسلم)، وهي أمور توسع في ذكرها رواة السيرة، وخطباء منابر الإسلام في كل زمان ومكان. وتطرقوا إلى أصغر التفاصيل الوصفية، وبينوا دور الصحابة (رضوان الله عليهم) في إنجاح أهداف الهجرة وإقامة دولة الإسلام، وذكروا ما قيل فيها من أشعر، وكيف استقبل الأنصار والمهاجرون رسول الله (صلى الله عليه) وصاحبه الصدّيق (رضي الله عنه).

وكل ما قالوه طيب وفيه خير كثير، ولكن ما حققته الهجرة في عالم الواقع للإنسان - من لدن الهجرة وحتى قيام الساعة – كتقرير حق التفكير، وحرية الاختيار، وعدم الإكراه، وإقرار التنوع في المجتمع الواحد، ووضع أسس التحالف السياسي الذي يعزز مفهوم المواطنة بالرغم من اختلاف الدين والعرق واللغة، كل هذه الأمور وغيرها، تستحق – كذلك - الوقوف عندها، وقراءتها قراءة واعية تستهدف تعديل واقعنا وتصحيح كثير من مفاهيمنا بعدما طغت التقاليد والأعراف وركام سنوات التخلف والجهل على حقائق الإسلام وقواعده في عالم الدين والثقافة والسياسة والاجتماع.

= يتبع =

الدكتور2000 09-04-2001 10:26 AM

ننتظر المزيد - جزاكم الله خيراً.

صلاح الدين 09-04-2001 11:39 AM

كان العهد الذي وقّعه النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أهل المدينة واضحاَ غاية الوضوح في احترام الإسلام للإنسان بعيداً عن كل عصبية تدعو إلى نبذ الآخر وعزله وتصفيته لمخالفته دين السلطة أو اختياره طريقاً آخر غير طريق الأكثرية.

ففي عين الواقع ألغت (صحيفة المدينة) مفهوم (الأقليات) وجعلت كل الأفراد في المجتمع مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، كما نصت على واجبات الدولة وحقوقها، وأقامت توازناً سبق ما وصلت إليه (عصبة الأمم) ومن بعدها (الأمم المتحدة) من حيث التطبيق وعدم الاكتفاء بالتنظير والتقعيد دون الممارسة والتنفيذ.

وللأسف يقر بهذه السابقة علماء السياسة والنظم السياسية، ودارسو المجتمعات، والعاملون في حقل (حقوق الإنسان) من منصفي العلماء الغربيين والشرقيين على حد سواء. وينكره ملحدو العرب!!!!

= يتبع =

الدكتور2000 09-04-2001 05:26 PM

بالفعل، لقد حل الإسلام ما يسمى بمشكلة الأقليات، ولكن هل نمارس هذا الحل اليوم، وفي واقعنا رفض تام للحوار الإيجابي، وقبول التعدد داخل الطائفة نفسها فكيف مع بقية الطوائف؟؟؟؟؟؟

صلاح الدين 09-04-2001 11:26 PM

أسئلة الأخ الدكتور2000 جديرة بموضوع مستقل، وعسى أن نكتب فيه بعد الانتهاء من موضوعنا هذا، إن شاء الله. وليساهم المشاركون بآرائهم!
-------------

وفي سياق التطبيق وعدم الاكتفاء بالتنظير علينا أن نقف عند النموذج العملي الذي بناه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في المدينة، من موقعه في السلطة بالإضافة إلى موقعه في التبليغ عن الله، وفي القضاء بين الناس فيما اختلفوا فيه، وفي كل مواقع حركته اليومية أباً وزوجاً وإماماً، وهلمجرا.
فقد اعتدنا من بعض السياسيين المغامرين أو القياديين الطموحين أن يعارضوا الظلم الذي يواجههم أو يواجه جماعتهم في فترة نضالهم، وأن يطالبوا النظام الحاكم أو المجتمع السياسي بتحقيق العدالة والإقرار بالحقوق المهضومة، سياسية كانت أو غير سياسية، فإذا ما قفزوا إلى السلطة أداروا ظهورهم لكل المطالب، وتجاهلوا كل الشعارات التي رفعوها، وتنكروا لأقرب المقربين إليهم حفاظاً على مواقعهم الجديدة.

غير أن النموذج الذي رأيناه في المدينة بعد الهجرة، بقيادة النبي (صلى الله عليه وسلم) والنخبة من أهل الحل والعقد والشورى من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان، كان البر التام بكل الشعارات المرفوعة في فترة الاستضعاف.

= يتبع =

صلاح الدين 11-04-2001 09:18 PM

فالنبي (صلى الله عليه وسلم) لم يدر ظهره لشعار العدالة الذي رفعه في وجه الملأ من قريش، ولا لشعار حرية الاختيار الذي حث المكيين والقبائل المحيطة بهم على العمل به، ولا لشعار التفاضل على أساس التقوى والعمل الصالح دون العرق واللسان واللون.

كانت الهجرة – بهذا المعنى – مفصلا تاريخياً بين الظلم والعدالة، وبين الإنسانية والحيوانية، والروحية والمادية، والسمو والضعة، والعالمية والإقليمية.


صلاح الدين 12-04-2001 11:17 AM

كانت الهجرة – بهذا المعنى – مفصلا تاريخياً بين الظلم والعدالة، وحوّلت المدينة في كنف العهد الجديد إلى موئل لكل مستضعف ولو لم يكن مسلماً، بل إن العهد المذكور (صحيفة المدينة) أمّن أهل الشرك على أصنامهم، وترك الفرصة لهم ليخبروا الإسلام عن كثب وليعتنقوه عن رضا وليتخلوا عن عقائد الجاهلية عن قناعة، ففي رأس قواعد الإسلام: {لا إكراه في الدين} [البقرة/256] وهي قاعدة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بممهدات تعترف للإنسان بقدراته وقابلياته وحرية اختياره.

وهو أمر فاق بكثير ما تدعيه الأمم المتحضرة خلال تاريخها القديم والمعاصر. بل إن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعرف حتى اليوم، معنى التعددية التي عرفتها المدينة المنورة في العهد النبوي والراشدي على حد سواء.

وهي صورة حضارية إسلامية رائعة ومتميزة لم تتوقف بوفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا بانتقال خلفائه إلى الرفيق الأعلى، بل استمرت في تاريخنا، إلا ما كان في أيام معدودة من الجور والظلم أصابت المسلمين قبل غيرهم.



Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.