أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

عدة ليال و أنا أحاول فتح نافذتي و أفشل بسبب هذا الشاب القابع في الشرفة المجاورة لبيتنا .. إنه لا يفعل شيئا سوى التأمل

أو القراءة .. صامت كذاك الليل الذي يظهر فيه .. لا حركة .. لا ضجيج .. لم أتبين شكله فالمكان مظلم ولكن .. بصراحة لفت

انتباهي وفضولي .. و أكذب إن قلت إعجابي .. فقد عجزت عن تبين ملامحه في الظلام ..

أصبحت فجأة متعلقة بهذا الشاب الذي يرفض الالتفات لكل حركاتي ولفتاتي و محاولاتي لإثارة انتباهه ..

هل هذا النوع من الثقل والكبرياء أم أخلاقياته تأبى عليه الإلتفات هنا أوهناك ..؟

تصرفه هذا ضاعف تعلقي به لدرجة أنه بات يقتحم علي أحلامي وفكري صباح مساء فكان لابد أن أحزم

أمري .. إن أخلاقي تأبى علي أن أعرض قلبي لأي مخلوق كائنا من كان .. ولكن ..

هذا ليس من إياهم, من يجلس في العتمة من المؤكد أنه يبحث عن النور .. من يعانق الكتاب

فهو يعانق الحقيقة .. ومن ينعزل عن البشر فإنما ينعزل عن كثير من الشرور .. ومن ينزوي في ركن

ضيق "بلكونة" متأملا سارحا في ملكوت الخالق هو في ظني يفتح لنفسه اّفاقا أكبر من معرفة الذات والعالم ..

قررت ألا أتورط أكثر من فتح نافذتي بعد أن فشلت الطرق الأخرى .. لقد عطست و سعلت و همست و

أسقطت ملاعق وكسرت كاسات و رفعت صوت الراديو و التلفاز دون جدوى .. يبدو أن عالمه لا يتوافق

مع عالمي .. أبحت لصديقة مقربة مني في مدرستي بحكايتي .. همست لي قائلة:

"أيتها الساذجة .. مثل هذا لا يقدر بالذهب .. لا تتخلي عنه .. أين تعثري على مثقف عاقل متزن في زمن الفوضى والإنفلات ..؟"

شرحت كلماتها قلبي ولهذا قررت أن أخطو خطوة جديدة نحوه .. قررت أن أسهر جوار نافذتي طوال

الليل إلى أن تشرق الشمس .. سأسهر في كتابة خواطري وتأملاتي .. سأقرأ في كتاب أحبه ليدرك أنه

ليس الوحيد في هذا الكون الذي يكتب ويقرأ ويتأمل وأن هناك (لو نظر حوله) من يشاركه اهتماماته ..

وهكذا كان .. القلم يجري بين أناملي , ومع كل سطر أرسل عيني إليه وهو في عالم أخر ..

يطول الليل .. ويطول قفزي بين السطور والكلمات .. بدأ النعاس يشدني .. لن أستسلم .. الفجر يقترب ..

حملت كتابي .. بدأت أقرأ .. النافذة اشتكت مني وأنا اشتكيت من هذا القاسي الذي لا يلين قلبه ..!!

الوقت يمر .. وأنا أقرأ بكسل وملل .. خيوط الفجر تداهم المكان فجأة .. ملامحه تكاد تتضح .. وجهه

دقيق .. شعره كثيف .. لا .. إنها ذقنه .. أي ذقن ..؟ لا .. لم أعد أميز بعد .. لازلت بحاجة إلى مزيد من

النور لأتبين وجهه .. وقفزت الشمس من مخدعها لتزيح الستار عن جاري العزيز .. يا لخيبتي وسوء

حظي .. لم يكن هذا الحبيب سوى "مركن" زهور موضوع فوق سور الشرفة ..!! يجب أن أهرع اليوم

إلى طبيب العيون .. وبلا تأخير .. !!