أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   الخيمة المفتوحة (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=7)
-   -   مجالسنا ذهاب لهمومنا ولكن!! للدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=55705)

فهد البديوي 08-07-2006 03:54 PM

مجالسنا ذهاب لهمومنا ولكن!! للدكتور عبدالملك بن يوسف المطلق
 
جريدة الرياض
الخميس 10 جمادى الآخرة 1427هـ - 6 يوليو 2006م - العدد 13891
مجـالسنـــــا ذهـــــاب لهمومنـــــا ولكـــــــــــــن!!

د. عبدالملك بن يوسف المطلق

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد.. فإن الناظر المتأمل في هذه الحياة يجد منغصاتها وأحزانها تكاد أن تكون مطبقة عليها فلا وجود للأفراح فيها؛ - إلا ما رحم الله - فما نسمعه اليوم في العالم العربي من حولنا من قتل ونهب وسلب وتهجير وخطف، وما يحدث في مجتمعنا من مشاكل خطيرة - لا تقل أهمية عنها - تطالعنا بها الصحف يومياً لتجعل الحليم فيها حيران لا يعدو فكره أن يكون عاجزاً عن تفسير ذلك، مما يجعل اللسان ينطق بصوت مرتفع «الله اكبر والعزة لله، الله أكبر والعزة لله، الله أكبر والعزة لله!! ليفهم الجسد الإنساني أن لا مقر له ولا خلود في هذه الدنيا أبدا؛ كيف لا وقد قال تعالى {لقد خلقنا الإنسان في كبد} (4) سورة البلد. وقال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (56) سورة الذاريات ولو نظرنا بعين الاعتبار إلى هذه الأحزان والأكدار لوجدنا أننا مهما فعلنا ومهما تطور العلم الدنيوي لدينا فلا يمكن إزاحة هذه الأحزان عن النفس بالكلية؛ ولكن يخفف منها بقدر ما ألهمنا الله سبحانه وتعالى به من فضل ومنة؛ كقراءة القرآن الكريم وتدبره، وكتأملنا بحال الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة، وما عمل عليه صحابته الكرام من الصبر وقوة التحمل والتواصي على ذلك، وغيره مما يزيح الهموم أو يخففها كمجالسة الصالحين الناصحين الأخيار؛ حيث نجد أنفسنا تتوجه إلى الأحباب والأخوة الأخيار لنسامرهم الحديث بأنواعه؛ المعرفي والقصصي، ونحو ذلك من مسامرة الجلساء عادة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة؛ وذكرهم الله فيمن عنده» وبهذا يكون المجلس مفعماً ومعطراً بذكر الله سبحانه وتعالى فينعكس ذلك تلقائيا على قلوبنا حيث قال تبارك وتعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (28) سورة الرعد. فمجلس الأحباب والأصحاب الأخيار جلاء للأحزان بلا شك وقرب للجنان، فبها يطيب الكلام وتأنس النفس؛ لذلك نجد كثيراً من المجالس الطيبة اليوم يحرص روادها بعدم التغيب عنها، بل ويتواصون بالحضور إليها مهما كانت انشغالاتهم رغبة لما فيها من علم نافع متنوع، وحوار هادف يثري الأذهان والعقول، وينورها بوجود الحلول المناسبة لبعض الإشكالات العامة التي ترد على كل حي، بل ويتجدد الفكر ليطلق أفكارا جديدة؛ من أهمها: الأفكار التربوية الناجحة للروح والجسد، والتي لا يستغني عنها كل احد، متصفة بصفات الأدب والاحترام المتبادل لوجهات النظر المختلفة، بإدارة صاحب المجلس الذي عادة ما يكون كبيراً للقوم في السن والعلم والتقدير. وفي حالة انتقال صاحب المجلس عن هذه الدنيا الفانية يبدأ المجلس بالضمور والانكماش، وقلة القادمين إليه؛ فتخفت الأصوات وتضمحل شيئا فشيئا حتى تنتهي، وهذه سنة الله في الحياة البشرية وهذا الكون، فلكل شيء نهاية فيها قال تعالى:
{كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} (88) سورة القصص.
ولكن: المشكلة التي نحن بصدد علاجها هي: ذلك المجلس الذي برز في حواره ووعظه وجلاسه الأخيار ثم انتكس على عقبيه رويدا رويدا حتى مله أصحابه ورواده (بمباركة أصحابه) فذاك يتكلم ساخراً مجاهراً بلا روية ولا احترام؛ وآخر يتكلم مفتيا في كل شيء وهو جاهل لأبسط الأمور؛ وذاك يقهقه عالياً وكأنه حرر القدس من قبضة اليهود!! وأعجبهم من يتصدر المجلس وهم له كارهون؛ فلا علم ولا أدب في استماع الحديث، ولا فائدة تذكر سوى حشو من الكلام يقال! حتى أصاب مستمعيه الضجر والملل؛ فاستقبحوا جلسته، واستهجنوا قولته، ولم يعلموا علته؟ فخرجوا بخفي حنين كما قيل.
واقترح على كل مجلس من المجالس أن يثلث إلى ثلاثة أثلاث؛ فثلث للترحيب والسؤال عن الحال والأسرة والطمأنينة عليهم، وما يتبع ذلك من الحكايات الخفيفة التي لا تمل. وثلث يخصص للفوائد العامة؛ سواء كان ذلك قراءة لكتاب جيد قد أعده احدهما مسبقا، أو تفسيراً لآية مع ذكر الفوائد منها، أو حديثا مع شرحه واستخلاص الفوائد منه، ونحو ذلك من الفوائد التي تنمي الفرد وتوسع مداركه وتصقل مواهبه. والثلث الآخر يكون عاماً إما أن يجعل للاستشارات المهمة والعامة أو للتحدث الفردي وغير ذلك مما اعتاده المجتمع، المهم: أن لا يكون المجلس فوضويا دون إدارة ودون وعي، فالكل يتكلم متى شاء وبأي موضوع شاء دون اعتبار لمشاعر الآخرين، والكل لهم آراء مختلفة لم تجتمع؛ فهم ينتقدون دون عمل أي شيء لإصلاح هذا المجلس. فالنجاح له خطة وبرنامج منظم يسير عليه من أراد التفوق وهذا يعكس الفشل الذي يجعل صاحبه مبدعاً في اختلاق الأعذار والتبريرات!
فهل نثلث مجالسنا أخي القارئ الكريم أم فوضويتها أحسن؟!


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.