الاعتراف الأخير
 

أتيح لي مؤخراً أن أتوقف عن طلب الرزق ، وأقتات ببقايا شرف مهدور ، فصحوت على جرح غائر ، منذ سنين يؤرقني ، لم ألحظه حتى الآن ، تشخيص الجرح: نزف معوي حاد..في عقلي ، تتراجع فيّ الأفكار ، وعواطف قلبي تتقرح ، آخر أعراضه: بسمات كاذبة في وجهي ، ضحكات خرقاء ، حين أشاهد نشرة أخبار ، وبكاء عند تناول خبزي ، وعند توقف أسواطك.
أدهشني أني ماعدت أراك ، أخبرني بعض رفاقي عن حادثة في الزمن الغابر ، حين أتيت ، بأسياخ من كذب وهراء ، وسملت بها عيني ، قالوا: كانت حمراء ، تتحدث عن حبك هذا الوطن ، وعن حرصك..أن تفني كل العملاء ، ووراءك جيش من فنانين وأرتال من أجراء ، عزفوا أنشودة عشق وطنية ، تلعن كل الأعداء ، وبقيت بلا عينين ، وكرامة وطني مثل العينين.
في طلبي للرزق ركبت أراجيح مخوزقة ، تبلغني في أول شهري بعض إدام ، تكفيني خبزي أوسطه ، وتترك لي أملاً في آخره بالشهر التالي ، فشكرتك أن أبقيت على نفسي ، وحفظت مكاني في الطابور الممدود من الفجر ، لطلب العيش ، لكنك –وبحمدك- عبت الطابور ، وتركت الخبز متاحاً في كل الأوقات ، يأكله أصحاب كروش وطنية ، يبدو لي بدراً ما أحلاه ، لو يسمح لي أن أمسكه أو أنساه.
في صحوة موتي أذكر أشياء غريبة ، مثل فلسطين وعشقي والحرية ، يتأجج صدري حقداً ضد ملوك العرب وأشياخ قبائلهم ، ضد عروش جمهورية ، ألعن أسواق نخاستهم ، وشعارات الزيف الوطنية ، وسجوناً تحرسها حراس حدود بالنيران ، تفتحها بالمجان ، تنهبها إسرائيل ، في القدس وفي بيسان ، في الجولان ، وفي لبنان ، وسفارات الخزي بكل الأوطان ، من قطر حتى شنقيط..
حتى شنقيط!..أي هوان..أي هوان.
أبسم مرتاحاً لملاك الموت ، يرحمني من أرض الأحزان ، فأنا إنسان ، في قلبي بعض من إيمان ، بعض..من...إيمان.
عفوك سيدنا ، عفوك ، هذا هذيان ، هذا هذيان.

شعبٌ مسمولُ العينين ِ.... لا ليس يرى إلا الظلماء.... شعبٌ يسمعْ... وإذا يحكي فالقول هُراء.... أبدان ليس لها أسماء.... أرواح تفدي... محض رياء...تبدي نحو الرؤساء ولاء.... شعبٌ كذاب كذبته... صدّقها آلاف الضعفاء.... نحن العاصون فلولانا.... لبلغنا النصر على الأعداء.... ولعاش الكل كما كنا.... بنعيم دام وليس عناء....

أخبرني بعد أيا صاح... عن قصة مدعاة الهذيان...
عن أية ذكرى... حدثني ... حدثني عن أي هوان... أبقيت الخل يخالطه... ألفاظ الحزن تسطرها... وجوى الحرمان... وظللنا يرمقنا الكل... في درب ليس له عنوان .... في جمع ليس به أصحاب .... في بيت ليس له جيران... وظللنا يعرفنا الكل .. بلا أنساب... وبلا أهل وبلا عنوان ... بلا عنوان.
تعتذر النظرات إلينا يسبقها في العجز لسان... وتروح الفرص ولا تأتي... ومشينا يصحبنا الذل... في كل مكان... وكل زمان... نبسم فرحا لملاك الموت.. يرحمنا من أرض الأحزان... والعفو إليك أيا خلي.. مازاد مصابك في نفسي.. إلا أنفاسا من نيران.. ألفظها عل تأججها.. يطفي ما ألفى من غليان...

أعتذر إن كانت الكلمات قد خانتني.

أخى المبرح
لن أضيف إلى ما قلت حرفا..فكفى ماقاله أخواى عمر وخرنق..فقد عزفا وأجادا على وترك..سيدى أعتقد أن هذه هى الترجمة الحرفية لقصيدة خماسيات الغربة التى تشَرَّفَت بتعليقك عليها أنت وإخوانى الأعزاء..سيدى..الجرح واحد والنزف مستمر ولا أمل لنا إلا فى الله..ونعم بالله..
أشكرك على هذه الرائعة التى أبدعت فيها ونطقت بكل ماطفح به الكيل ...
د/حنان فاروق

الأخ عمر..
أعتذر عن تأخري على الرد بسبب عطل في الحاسوب عندي.
كما قالت الأخت د.حنان قد عزفت على وتر المشاركة فأجدت ، وقفت عند أجهزة الغثيان ، وعقول المتلقين المسلوبة ، فبغزو من هذه ، وانهزام من تلك تبقى الجراح نازفة ، ويظل الدرب طويلا.
شكراً لك.

الأخ خرنق..
طربت لكلماتك ، حسبي أنني أثرت كامن الدرر ، وأخرجت دفين الذهب ، أهو التواضع الذي يحرمنا من هذا الفن ، أم الانشغال بما هو أهم.
تعبيرك عن الاغتراب أكثر من رائع: وظللنا يرمقنا الكل... في درب ليس له عنوان .... في جمع ليس به أصحاب .... في بيت ليس له جيران... وظللنا يعرفنا الكل .. بلا أنساب... وبلا أهل وبلا عنوان ... بلا عنوان.
أنتظر مزيداً من هذا العذب

الأخت د. حنان
وقوفك عند مشاركاتي وحده شهادة فخر لي ، نعم الجرح واحد ، والنزف مستمر ، ربما ليس بمقدور الأديب وقفه ، لكنه صوت المعاناة ، وصرخة الحق في وجه الظالم ، وبالإيمان يبقى الأمل ، فموعود الله آت ، لكن بشرطه.
أشكرك.

ماشاء الله اخي المبرح
من قال بأنك من وجعٍ تهذي يا مبرح بين الناس ؟ فانا ثمل مذ جاوزت الحلم ويعلم ربي ان ما همت بينت الكرم ولا بالكاس . لكني ثمل ويراعي سيظل يترجم ما في القلب وما في الغصة من احساس. سنشق البحر باطفال
ونصدق قول الدجال
وسيغدو الكف بنا شفةً تتسول من دون نوال .

مع تحياتي

الأستاذ الكريم جمال حمدان..
سررت جداً لإطرائك ، فالاستحسان من مثلك مصدر اعتزاز لي.
وقفت أكثر من مرة عند كلماتك المركزة الرقيقة ، وتساءلت: أينا أبلغ جرحاً؟ وهل شيء يستحق أن نقف يراعنا عليه كالنبض بهذا الألم؟! لك بلا ريب قدم السبق في ذلك.
أشكرك جزيلاً

الله! ... أحسنت يا مبرح أحسنت أحسنت أحسنت ... لم أقرأ منذ فترة شيئا بديعا كهذا .. أنت أستاذ ماشاء الله ..
وعواطف قلبي تتقرح .. وبقيت بلا عينين .. وكرامة وطني مثل العينين .. وتترك لي أملا في آخره بالشهر الثاني .. أحسنت أحسنت.