النظام السعودي في ميزان الإسلام .. ( 2 )........!!!!
ومازال الحديث مستمراً ............
وهو موجه خاصة إلى الباحثين عن الحقيقة فقط ..! الحكم بغير ما أنزل الله قبل الحديث عن تقويم النظام السعودي من حيث تحكيم الشريعة أوالحكم بما أنزل الله، نستعرض بعض القواعد الهامة في هذه القضية: أولاً: وجوب الحكم بما أنزل الله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع بل هو معلوم من الدين بالضرورة، قال تعالى: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً" (النساء، 105). قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (...ليس لأحد أن يحكم بين أحد من خلق الله لا بين المسلمين ولا الكفار ولا غير ذلك إلا بحكم الله ورسوله، ومن ابتغى غير ذلك تناوله قوله تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" (المائدة، 50) وقوله تعالى: "فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" (النساء، 65)(1). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (وتحكيم شرع الله وحده دون كل ما سواه شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه، إذ مضمون الشهادتين أن الله هو المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسوله هو المتبع المحكم ما جاء به فقط، ولا جُردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك، والقيام به فعلاً وتركاً وتحكيماً عند النزاع ...)(2). ثانياً: ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن التحاكم إلى غير ما أنزل الله تحاكم إلى الطاغوت، وأن سن التشريعات المخالفة لحكم الله "أياً كان اسمها" هو من الكفر البواح، قال تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" (المائدة، 44)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (... فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر)(3)، وقال: (... والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه كان مرتدا ...ً)(4) وقال ابن القيم رحمه الله: (... من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء عن الرسول فقد حكم بالطاغوت وتحاكم إليه، وقد أمرنا سبحانه باجتناب الطاغوت قال سبحانه: "والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها" (الزمر17،) فالاحتكام إلى شريعة الطاغوت هو نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بهجرها واجتنابها ...)(5)، وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: (... من دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد ترك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغب عنه وجعل لله شريكاً في الطاعة، وخالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله تعالى به في قوله: "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" (المائدة، 49) وقوله تعالى : "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" (النساء، 65))(6)، ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في تفسير هذه الآية: (... وقد نفى الله الإيمان عمن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين كما قال تعالى: "ألم تر إلى الذين آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً" (النساء60،)(7). ثالثاً: الالتزام بحكم الله يقتضي هيمنة الشرع على كل نظام وقانون وهيئة ومحكمة ومؤسسة وحاكم وقاض ومدير ومسؤول ومحكوم، وإقرار أي قانون مخالف للشرع حتى لو كان فرعياً أو صغيراً هو من الحكم بغير ما أنزل الله ويترتب عليه من الأوصاف والآثار الشرعية ما يترتب على الحكم بغير ما أنزل الله. وقال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: (كل بدعة - وإن قلّت - تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون ملحقاً بما هو مشروع، فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً لكفر، إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير - قل أو كثر - كفر، فلا فرق بين ما قلّ أو كثر ...)(8)، قال الجصاص: (... إن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام سواء ردّه من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع عن التسليم ...)(9)، وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في رسالته إلى أمير الرياض: (... واعتبار شيء من القوانين للحكم بها ولو في أقل القليــــل لا شك أنه عدم رضاً بحكم الله ورسولـــــه، ونسبـــة حكم الله ورسوله إلى النقص، وعـــدم القيـــــام بالكفاية في حل النزاع وإيصال الحقوق إلــــى أربابها وحكم القوانين إلى الكمال وكفاية الناس في حل مشاكلهم، واعتقاد هذا كفر ناقل عن الملة والأمر كبير مهم وليس من الأمور الاجتهادية ...)(10) . رابعاً: سنّ القوانين والأنظمة واللوائح الوضعية وإقامة المحاكم أو الهيئات التي تحكم بها هو لاشك من الحكم بغير ما أنزل الله ويترتب عليه أحكام شرعية عظيمة، قال تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" (المائدة، 50)، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : (ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيره، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد هواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير)(11)، ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: (... إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين ...)(12)، ويقول العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: (تحكيم النظام المخالف لتشريع خالق السموات والأرض في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها، وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى أن يكون معه مشرع آخر علواً كبيراً "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" (الشورى، 21)، "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالا، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون" (يونس، 59)(13)، ويقول الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في تعليقاته على كتاب التوحيد، في شأن مُحَكِّم القوانين الوضعية: (... فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها ...)(14)، ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحكيم القوانين الوضعية: (فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه ...)(15). خامساً : إن هناك فرقاً كبيراً بين من يقصّر حيناً، ويتجاوز حينا،ً ويظلم حيناً آخر لجهل أو لمحاباة أو لهوى، وبين من يسن الأنظمة، ويجعلها تشريعاً ملزماً للناس يفرضه عليهم، ويؤسس لها المحاكم والهيئات والمجالس ويعين لها القضاة والحكام، ومن الضروري التفريق بين الصنفين لأن الصنف الأول رغم أنه جريمة كبيرة فقد لا يكون كفراً أكبر ناقلاً عن الملة، أما الثاني فهو بلا شك كفر أكبر، قال الشيخ محمد بن إبراهيم في الصنف الأول: (... أما الكفر الذي لا ينقل عن الملة والذي ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما بأنه كفر دون كفر، وقوله أيضاً “ليس بالكفر الذي تذهبون”، فذلك مثل أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى، وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملّة فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزنا وشرب الخمر والسرقة وغيرها، فإن معصية سماها الله في كتابه كفراً أعظم من معصية لم يسمّها الله كفراً...)(16)، وقال في وصف الصنف الثاني: (...وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً، وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً، وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة، وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم الكتاب والسنة من أحكام ذلك القانون، وتلزم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة ...)(17). سادساً : مجرد زعم الحاكم أو النظام أنه يحكم بالإسلام ويطبق الشريعة لا يُغني شيئاً إذا كان يحتكم إلى غير شرع الله، قال تعالى: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً" (النساء ، 60)، قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في تفسير هذه الآية: (فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن، فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله: "يزعمون" من نفي إيمانهم، فإن يزعمون إنما يُقال غالباً لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها، يحقق هذا قوله: "وقد أمروا أن يكفروا به" (النساء، 60)، لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد، كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً، والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه، كما أن ذلك بيّنٌ في قوله تعالى: "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى" (البقرة، 256)، وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به)(18)، وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في تفسيرها: (... فإن قوله عز وجل "يزعمون" تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد فكل من حكم بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه ...)(19)، وقال رحمه الله في موضع آخر بعبارة أكثر تصريحاً في نفس المعنى "لو قال من حكّم القانون أنا أعتقد أنه باطل، فهذا لا أثر له، بل هو عزل للشرع كما لو قال أحد: أنا أعبد الأوثان وأعتقد أنها باطل"(20). ومن هذا المنطلق يمكن تقويم الحكم السعودي، هل جعل السيادة للشرع في الأنظمة والسياسات، واقتصرت مخالفاته على بعض التقصير والتجاوز وبعض المظالم أما لجهل أو لمحاباة أو لهوى، كما وقع لكثير من خلفاء المسلمين في التاريخ الإسلامي؟، أم أن الأصل في حكم آل سعود الحالي هو تعطيل سيادة الشرع وتحكيم القوانين والأنظمة غير الشرعية وحصر المحاكم الشرعية فيما يحال إليها من الحكام ثم تخويل الحكام وأمراء المناطق حق تعطيل الأحكام التي تصدرها تلك المحاكم أو إلغاءها؟. الواقع: والمتأمل بدقة للواقع التشريعي وأحوال القوانين والأنظمة في المملكة لا يسعه إلا أن يخرج باستنتاج أكيد أن واقع المملكة ينطبق تماماً وبلا جدال على الحالة الثانية. ولكن الدولة تتهرب من كلمة تشريعات وقوانين وتستخدم بدلاً من ذلك عبارات أنظمة ولوائح وتعليمات وأوامر ومراسيم، وهي في حقيقتها تشريعات كاملة بما تحويه كلمة تشريع من معنى، ففيها نصوص بالإيجاب، ونصوص بالمنع، ونصوص بالعقوبات، ونصوص بإباحة الحرام وتحريم الحلال، والذي يدعي أنها مجرد أنظمة إجرائية ليس لديه من علم الشريعة ولا القانون شروى نقير. فمن هذه الأنظمة: نظام الأوراق التجارية ونظام الشركات، ونظام العمل والعمال، ونظام مراقبة البنوك، ونظام الجنسية العربية السعودية، ونظام المطبوعات والنشر، ونظام المؤسسات الصحفية، ونظام الأحكام العامة للتعرفة الجمركية، ونظام الجيش العربي السعودي، ونظام العلم الوطني، وغيرها من القوانين والتشريعات، والمتأمل لهذه الأنظمة يكتشف أن الإسلام في وادٍ وحكم آل سعود في واد آخر، فإن مقدمة كل نظام أو لائحة أو مرسوم تؤكد على أن مصادر تشريعها غربية أو مختلطة المصادر، وقد تكون الشريعة من بيبها ولكن ليست المصدر الوحيد!. بل وتصل الوقاحة في بعض الأحيان أن تعتبر الشريعة مصدراً احتياطياً للتشريع، كما في نظام هيئة تسوية المنازعات لدول مجلس الخليج العربي وكما في المادة (185) من نظام العمل والعمال هذا من جهة اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً للأحكام، فقد نصت هذه الأنظمة على كل أشكال التشريع المخالف للأسلام أما من جهة الحدود والعقوبات الشرعية فإن نظام الجيش العربي السعودي ونظام الأوراق التجارية ونظام مكافحة الرشوة، وغيرها كثير، فيها عدد كبير من العقوبات لا يمت للإسلام بصلة، أما من جهة المسائل المدنية والتجارية ونظام الأوراق التجارية ونظام الشركات وغيره فإنه يحوي أشكالاً من فض المنازعات وأنماط الصلح المخالفة للشريعة جملة وتفصيلاً، ونظام مراقبة البنوك يبيح بلا تحفظ جميع الأنشطة الربوية التي حرمت بالدليل القاطع من الكتاب والسنة، ويعتبرها محمية من قبل الدولة، بل لقد ورد فيه نصوصاً مخالفةً للشرع من جميع الوجوه، وأعطت الملك حق الربوبية الكامل بلا تحفظ، تقول المادة (27) من نظام المحاكمات العسكرية: “ولصاحب الولاية (الملك) وحده حق تنفيذ الأحكام أو توقيفها أو استبدال حكم بحكم فيها”. وسعياً لإمضاء هذه التشريعات والقوانين المسماة أنظمة ـ تهرباً وتلبيساً ـ فقد شكلت الدولة محاكم غير شرعية، أسمتها لجاناً وهيئات ودواوين ومجالس، ويشترط في أعضاء هذه المحاكم أن يكونوا متقنين لما ورد في تلك الأنظمة والقوانين لا أن يكونوا شرعيين، وقد تقصّى أحد الباحثين هذه المحاكم فوجدها أكثر من ثلاثين لجنة أو هيئة كلها تمارس دوراً قضائياً مناهضاً للشرع، منها على سبيل المثال هيئة فض المنازعات المصرفية، والمحاكم التجارية وديوان المحاكم العسكرية، وغيرها كثير. أما المحاكم الشرعية فهي محصورة عملياً في شؤون محدودة، ومع ذلك فهي نفسها لا تسلم من هيمنة القوانين غير الشرعية، فالقضاة الشرعيون ملزمون تعميمات مجلس الوزراء والوزارات المختصة والإمارات والبلديات، حتى لو خالفت تلك التعليمات الشرع، وأحكام القضاة المخالفة لتلك التعليمات أو للأنظمة المذكورة أعلاه غير نافذة أبداً، بل إن القاضي نفسه لا يمكن أن ينظر في كثير من القضايا إلا "حسب النظام"، والنظام هو تصنيف القضايا بما يضمن حصار الشرع في حدود معينة، وإطلاق يد القانون الوضعي في مساحات كبيرة!. فهذا هو الواقع إذاً! السيادة ليست للشرع، والهيمنة ليست للإسلام، والقوانين والتشريعات غير الإسلامية والمخالفة للشرع قد سرت في معظم أنظمة الدولة، والقضاة الشرعيون محاصرون في دوائر صغيرة لا يستطيعون تجاوزها؟ فكيف يمكن أن يدعي مدع أن هذه الدولة تطبق الشريعة أو تحكم بالإسلام؟ و كيف يشك طالب حق أن الاحتكام إلى تلك التشريعات احتكام إلى الطاغوت؟. والثابت هنا أن هذه المعاندة للشرع ليست تجاوزاً عن هوى أو رغبة في الجبروت والظلم مع هيمنة الشرع بل هي إعراض عن شرع الله، وترسيخ لغير شرع الله وحصار لشرع الله، ولكن هل يمكن أن يكون ذلك جهلاً أو غفلة؟. والإجابة على ذلك سهلة وقصيرة وهي أن الحجة في العلم قد قامت على الحكام بلا شك ولا جدل، فلقد وقف العلماء من أمثال الشيخ بن عتيق والشيخ بن سعدي والمفتي السابق الشيخ محمد بن إبراهيم رحمهم الله جميعاً في وجه تلك التشريعات بشكل صريح، ودوّنت مراسلات الشيخ محمد بن إبراهيم في إنكار تلك القوانين والأنظمة والتحذير منها واحداً واحداً، وبدلاً من أن يرتدع آل سعود، ويعملوا بنصيحة الشيخ محمد بن إبراهيم فقد منعوا "بالقوانين نفسها" وبأمر ملكي طبع وتوزيع مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم حتى لا يفتضح هذا الكفر والنفاق، وحديثاً قدم العلماء لهم النصيحة مرة أخرى بشكل منهجي ومركز في "مذكرة النصيحة" بطريقة لا تدع مجالاً لهم أن يدعوا الجهل وسوء الفهم، ولكنهم أبوا النصح وأصروا على قوانينهم وأنظمتهم، فالحجة قامت عليهم قطعاً بلا جدل. فهل يجادل أحد من أهل العدل والإنصاف بعد هذا الاستعراض في أن الحكم السعودي يحكم بغير ما أنزل الله، وأن تلك الشعيرة العظيمة معطّلة. وأن الإثم في تعطيلها يقع على الأمة كلها؟ لأن ذلك من فروض الكفاية، والأمة مسؤولة بعد ذلك أن تسعى بما أوتيت من قدرة واستطاعة أن تقيم هذه الشعيرة حتى تسلم من الإثم وتؤدي حق الله عليها. وبناء على ما سبق فإن الذين يدافعون عن النظام بدعوى زعمه تطبيق الإسلام ويستميتون في ذلك في خطر عظيم، قال تعالى "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً، ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً" (النساء، 105،107)، قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في تفسير قوله تعالى "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله" (التوبة، 31) (... من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم فقد اتخذهم أرباباً ...)(12). هوامش الحكم بغير ما أنزل الله 1) ابن تيمية الفتاوى، 35/407-408 . 2) محمد بن إبراهيم، الفتاوى، 12/251 . 3) ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، 3/12 . 4) ابن تيمية، الفتاوى، 3/267 . 5) ابن القيم، إعلام الموقعين، 1/49. 6) عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، فتح المجيد، ص392. 7) محمد بن إبراهيم آل الشيخ، رسالة تحكيم القوانين (ص8). 8) الإمام الشاطبي، الاعتصام، 2/61. 9) الجصاص، أحكام القرآن، 2/214. 10) مجموع فتاوي الشيخ محمد بن إبراهيم ج12/،251 رسالة تحكيم القوانين الصفحات 15،14،13. 11) انظر تفسير ابن كثير، في تفسير سورة المائدة (ج2/17). 12) محمد بن إبراهيم، رسالة تحكيم القوانين (ص5). 13) محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان، 4/84. 14) انظر فتح المجيد ، شرح كتاب التوحيد، 3/396. 15) أحمد شاكر، عمدة التفسير، 4/157. 16) محمد بن ابراهيم، رسالة تحكيم القوانين، 8. 17) محمد بن إبراهيم، رسالة تحكيم القوانين، ص7. 18) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، 393 . 19) انظر محمد بن إبراهيم، رسالة تحكيم القوانين (ص 8-9). 20) مجموع الفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (189/6). 12) محمد بن عبدالوهاب، كتاب التوحيد، 146. |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.