أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   شهيد الطيور (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=44014)

ABUISLAM 12-04-2005 05:01 AM

شهيد الطيور
 
الوعد الحق



يا أيتها الأرض المقدسة... بدأت مدينة القدس عالية المآذن... ملتوية الشوارع والحارات... متهالكة المباني في الجولات الأخيرة من معركة النور والظلام.. وبدأ القمر شاحباً فقيراً فجيشه مدحور أمام كتائب الغجر الغازية.. وذبحت صفحة السماء الهادئ هدوء الحرب التي تقف بهدنة غير مرغوب فيها.. باقات من الطيور المتضامنة في خفة ورشاقة ذاهبة إلى بيوتها الكائنة في إحدى الأبراج المنتشرة في جنبات زهرة المدائن.. وعلى غرة دوى صدى طلق ناري فتبعثرت باقة ورد على صفحة السماء.. وسقطت وردة مضرجة بدمائها على سطح الأرض تتلوى ويتمخض جسدها المرتجف من بين انحاء كيانها البائس وأطبقت أصابع قاسية على عنقها الوديع وانطلقت بعد تلك الجريمة صيحات تأييد وتشجيع.. بالله لماذا قتلوا ذلك الطائر ؟! أخذوه من حضن الحياة وأغرقوه في سائل الموت والرائحة المبغوضة..

ناجي .. يا ناجي
انتشله ذلك النداء من صحراء أحلامه التي لم يجد لها ارض بل كانت مليئة بالسراب سراب 48 وسراب 67..

ناجي .. يا ناجي
قام سريعاً خفيفاً إلى أمه ليتناول إفطاره فوجد على المائدة الأب والأم والإخوة والأخوات فتناول إفطاره مع من أحب.. وخرج من الدار تصحبه الدعوات فقابل في طريقه إلى المدرسة رفيقاه غسان وشادي رفيقا الدرب وقد صبغت السماء في هذا النهار بألوان الشمس الوليدة وكان الهواء بكراً يحيي النفوس ويبعث في النفس بنياناً راسخاً من النشاط والحيوية فعلت نفوس الثلاثة إلى البهجة والسعادة... وخاضت الأقدام في أزقة المخيم المملوءة بسعف النخيل ورائحة البرتقال وكانت نوافذ البيوت تتسابق لتنال اكبر قسط من الهواء ونور الصباح الطازج وبدت الحياة شهية من باب الدار حتى الشارع الرئيسي.. وعند الشارع الرئيسي تصطدم العيون بالأحذية القاسية وملابس العسكر المنتشرة وسيارات الجيب التي تشبه كهوف تنادي هل من مزيد.. يا له من منظر بشع أن تشعر انك فريسة سهلة المنال ( قالها شادي بمرارة) ورد ناجي بصوت عميق سيأتي يوم الثأر.. قالها وصورة حطين تسبح في خياله وقافلة صلاح الدين تخترق أفكاره وقبل أن يدركوا الطريق الترابي الوعر المؤدي إلى مدرستهم سمعوا تهاليل عظيمة.. وتكبيرات تعلو في الأفق وظهرت من بعيد بيارجة سنابل فلسطين.. يحملها أجيال النصر فركضت الأحذية القاسية إلى الضما ر لكي تطحن تلك السنابل فكانت الحجارة الرد.. أجل حجارة من سجيل، فأنتزع ناجي حجراً من الأرض المقدسة التي باركها الله فتسربت الحماسة والحرقة وذل الأجيال إلى ذلك الحجر فتحول إلى كتلة من الجمر فقذفه ناجي إلى عنان السماء لعله يصل إلى علو وشموخ سيف صلاح الدين ورماحه فهوى على رأس احد الجنود المزيفين فتفجر الدم منه مدنساً الأرض الطاهرة وصاح ناجي بصوت هادر اليوم يوم الثأر.. اليوم يوم الثأر فتساقطت الحجارة كالجمر الملتهب وقذفت القنابل المسيلة للدموع فتحول الشارع إلى ساحة قتال.. دماء تسيل وتنهمر.. أرواحا تزهق وتعلو.. ايدى غليظة تسحب طفلاً لتلقي به في بطن الجيب .. وأخرى تضرب.. وأرجل تجري للإمام.. وأخرى للخلف، ويختلط صوت الرصاص مع التكبير مع صياح الألم ليصنع سيمفونية للحجارة ظهرت فيها ذكريات ترسبت إلينا من عهد البطولات والفتوح..

وهنالك كان جسد ناجي هامدأ ساكناً وقد فارقته روحه بعدما صنع لها ناجي سلماً تصعد به إلى السماء وهي تبتسم فرحه جزلة وتلقي نظرة سعيدة على دمع الرحمة على ذلك الجسد المجيد حتى وصلت إلى أبواب السماء فتقدمت فدخلت معززة مكرمة فنظرت إلى مكان غير بعيد ودققت النظر فرأت صلاح الدين وحوله رجال القدس يضحكون مستبشرين خيراً فهمست إلى ذلك الجسد النائم أن ابشر الفجر كتائبه اقتربت من مدينة المدائن القدس الشريف.


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.