أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   الشيخ محمد (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=17436)

mubarrah 16-11-2001 09:19 PM

الشيخ محمد
 
جلست في جوف الليل ، أراجع آيات من القرأن ، أقوم بها ، فارتادني خاطر ، جعلني أتساءل عن أول ليلة قمت بها في رمضان ، ففاضت بي الذكريات ، وجعلت عيناي تبكيان.
كنت ابن سبع سنين ، في ليلة القدر ، دعانا الشيخ محمد إلى داره للقيام ، استأذنت أمي في الذهاب ، فأذنت لي ، كنا سنقضي الليلة كلها عنده ، كانت والدتي قد اعتادت خروجي مع الشيخ ، أنا وأتراب لي من أقربائي ، فلم يكن علي ضيق في الذهاب معه.
كان الشيخ محمد في الخامسة والعشرين ، لحيته الشقراء لم تكتمل بعد ، كنت أشعر أنني أقرب تلامذته إليه ، تبين لي فيما بعد أن هذا ما كان يشعر به كل تلامذته ، وكان قد تخرج لتوه من كلية الشريعة ، كان سماء بالنسبة لي فهو أول من عرفت من حفظة القرأن ، وكنت أحلم أن أغدو يوماً مثله.
صلينا التراويح في المسجد مع الشيخ ، ثم ذهبنا معه إلى بيته في طرف مدينتنا الصغيرة ، كانت تجربة جديدة علينا ، ولكم راد بنا شيخنا دروباً جديدة ، وفتح قلوبنا الصغيرة على عوالم الخير ، بفرحاتنا بهذا الجديد.
بدأنا ليلتنا ببعض الحلوى التي أعدتها زوجته ، ولا تسل عن فرحنا بها ، كنت أشعر أنه يعاملنا كأصحاب له ، لا كتلاميذ ، يأنس بنا ، ويهش لنا ، لم أشعر أن هناك حواجز بيننا.
ثم توضأ من يريد الوضوء منا ، وقفت وكان جنبي عبدالفتاح ، وكان أسن مني ، كان في الثانوية ، فرأى كيف أن الماء لم يصل إلى كعبي ، فأخذ يدلني على الطريقة الصحيحة لغسل القدمين ، منذ تلك الليلة وأنا أبالغ في الوضوء حتى أكون من الغر المحجلين.
لم يقف الشيخ ليصلي بنا ، بل أراد أن يمرننا على الإمامة ، فكان على كل منا أن يصلي ركعتين ، آه كم هو جميل شعوري تلك الليلة ، وقد جاء دوري ، كدت أطير من الفرح ، أنا ابن السبع سنين سأصلي إماماً ، بأكثر من عشرين شخصاً ، أخذت أفكر ماذا سأقرأ ، لا بد أن أظهر قدرتي ، سأقرأ آخر ما حفظت.
قرأت سورة الشمس في الركعة الأولى ، كان صوتي يتقطع من الإثارة ، لكن كانت عندي جرأة لا تزال إلى اليوم ، تجعلني لا أهاب الجموع ، في الركعة الثانية قرأت الليل ، وكانت أصعب علي من الشمس ، فأخطأت وردني بعض صحابي ، كان ذلك جزءاً من التمرين ، لما سلمت ، نظرت إلى الشيخ ، أنتظر نظرة استحسان منه ، نزلت على قلبي برداً وسلاماً ، أنا لا أزال أثيراً لديه.
مرت أكثر من عشرين سنة على هذه الحادثة ، صليت بعدها إماماً في أكثر من مدينة ، ووقفت خطيباً في أكثر من جامع ، وما أحسب إلا أني ابن لتلك الليلة.
كانت المسابقة التي توسطت القيام لذيذة ، أحلى من كل الألعاب ، أذكر منها سؤالاً عن الصحابي الذي ذكر اسمه في القرأن ، لم نعرفه حينها ، لكني أحفظ الجواب الأن كما أحفظ ذكريات الشيخ الغالية ، بحنين ، لا أقرأ تلك الأية إلا ترحمت على الشيخ.
لكن حكايتنا مع الشيخ ككل الحكايات العربية ، يموت فيها البطل ، ولا تنطفئ الشعلة رغم العواصف ، بل تزيد توهجاً واشتعالاً ، ينقلها جيل إلى جيل ، وهل أنا إلا حسنة من حسنات الشيخ محمد.

الصمصام 17-11-2001 09:41 AM

رحم الله الشيخ محمد
وبارك بك أخي المبرح

عمر مطر 28-11-2001 10:39 PM

قالت لي زوجتي: ألم تقرأ قصة الشيخ محمد؟
فقلت لها: بلى سمعتها من فم صاحبها.
قالت: أقول ألم تقرأ، وليس ألم تسمع.
فقلت: وكيف أقرؤها، أهي مكتوبة؟
قالت: بلى، كتبها المبرح.
قلت: أين؟ لم أرها.
قالت: هي في الخيمة الأدبية.
فبحثت في الصفحة الأولى ولم أجدها.
فظننت زوجتي تمزح.

واليوم اشتقت لأخي المبرح، فبحثت عن آخر ردوده القليلة، فإذا بالشيخ محمد يظهر لي من بين الموتى، ويسرد القصة التي كنت قد سمعتها من قبل، إلا أني هذه المرة أتأثر بها كأني كنت أحد العشرين.

رحم الله الشيخ محمد، وجازى قتلته بما هم أهل له.

فكم من محمد قتلوا، وكم من مبرح برحوا.

كلنا صائرون إلى ما صار إليه، ولكن مَن منا يترك وراءه مبرحا إذا قضى؟


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.