![]() |
جبران ومي والتراسل الادبي الراقي ؟؟
صديقي جبران
لقد توزع في المساء بريد أوروبة وأمريكة , وهو الثاني من نوعه في هذا الأسبوع , وقد فشل أملي بأن تصلني فيه كلمة منك . نعم إني تلقيت منك في الأسبوع الماضي بطاقة عليها وجه القديسة حنة الجميل , ولكن هل تكفي الكلمة الواحدة على صورة تقوم مقام سكوت شهر كامل . ... لا أريد أن تكتب إلي إلا عندما تشعر بحاجة إلى ذلك أو عندما تنيلك الكتابة سرورا , ولكن أليس من الطبيعي أن أشرئب إلى أخبارك كلما دار موزع البريد على الصناديق يفرغ فيها جعبته ! .. أيمكن أن أرى الطوابع البريدية من مختلف البلدان على الرسائل , حتى طوابع الولايات المتحدة وعلى بعضها اسم نيويورك واضح , فلا أذكر صديقي ولا أصبو إلى مشاهدة خط يده ولمس قرطاسه . ... ولتحمل إليك رقعتي هذه عواطفي فتخفف من كآبتك إن كنت كئيبا , وتواسيك إن كنت في حاجة إلى المواساة , ولتقوك إذا كنت عاكفا على عمل ولتزد في رغدك وانشراحك إذا كنت منشرحا سعيدا . مي زيادة ـــــــــــــــــــــــــــ صديقتي مي لقد أعادت رسائلك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع وألف خريف وأوقفتني ثانية أمام تلك الأشباح التي كنا نبتدعها ونسيرها مركبا إثر مركب .. تلك الأشباح التي ما ثار البركان في أوروبا حتى انزوت محتجة بالسكوت , وما أعمق ذلك السكوت وما أطوله ! . هل تعلمين يا صديقتي بأني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية والأنس والطمأنينة , وهل تعلمين بأني كنت أقول لذاتي , هناك في مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا , قد دخلت الهيكل قبل ولادتها ووقفت في قدس الأقداس فعرفت السر العلوي الذي اتخذه جبابرة الصباح ثم اتخذت بلادي بلادا لها وقومي قوما لها . هل تعلمين بأني كنت أهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي كما وردت على رسالة منك ولو علمت لما انقطعت عن الكتابة إلي , وربما علمت فانقطعت وهذا لا يخلو من أصالة الرأي والحكمة . جبران خليل جبران ــــــــــــــــــــــ حقا كلمات غايه في الروعة والجمال ...والسكوت في حضرة الجمال جمال جمال |
بين مي وجبران
لم يغفل تاريخ الأدب العربي الحديث قصة الحب بين الشاعر جبران خليل جبران والكاتبة النابغة الآنسة مي زيادة ، فقد تراسل الإثنان وكانت بينهما رسائل تعد من أجمل ما أثّر في الأدب العربي المعاصر ، وما أرقّ شاعرنا جبران وهو يكتب إلى مي قائلاً : ( يكفينا يا صديقتي ما في الأيام والليالي من الدموع والأوجاع والمتاعب والمصاعب ، إن من يستطيع الوقوف أمام المجرد المطلق لا يلتفت إلى كلمة جاءت في كتاب ، أو ملاحظة أتت في رسالة . إذن فلنضع خلافاتنا - وأكثرها لفظية – في صندوق من الذهب ولنرمِ بها إلى بحر من الإبتسامات ! . ما أجمل رسائلك يا مي ، وما أشهاها ، فهي مثل نهر من الرحيق يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي أحلامي … ) .
وقصة الحب الجميلة بين جبران ومي لم يحوها كتاب قائم بذاته ، أو حكاية مستقلة . ولكنها قصة فاتنة تحتويها الرسائل المتبادلة بين جبران ومي ، فهي رسائل تشف في مجموعها عن قصة حب عميق ، وغرام دفين لم توفِ الأيام بثمرته التي كانت مرجوة .. إلى أن كان ما كان من محنة مي في مغربها الأخير . عن مقال لمحمد عبد الغني حسن بعنوان " أجمل قصص الحب في الأدب العربي الحديث " نشر في مجلة الهلال عدد أغسطس 1975 . |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.