![]() |
الجهاد في سبيل الله الحلقة (20)
سابعا: ومن الأعذار الضعف البدني والعجز المالي ( 20 )
مما عذر الله تعالى به عبده المؤمن عن الخروج للجهاد في سبيل الله، فقدُه القدرة على ذلك، سبب ضعف في بدنه، من مرض، وعمى، وعرج، وشلل، وقطع يد أو رجل، وشيخوخة، ونحوها، مما لا يقدر معه على مباشرة الجهاد. وكذلك الفقر الذي لا يتمكن معه على الإنفاق على نفسه، ذهابا وإيابا، وأثناء المعركة، ولا شراء ركوب وسلاح، أو النفقة على العيال، فإن في ذلك عذرا له في تخلفه عن الجهاد. ويشترط في ذلك – أي في كون الضعف البدني والعجز المالي عذرا له – أن يكون المتخلف ناصحا لله ولرسوله وللمؤمنين، نادما أشد الندم على تخلفه، عازما على الخروج لو زال عذره، طالبا من الله تعالى نصر إخوانه المجاهدين وهزيمة أعدائهم من الفار والمشركين، فإن لم يكن كذلك، بأن كان مسرورا بعدم خروجه للجهاد، متخذا عذره الظاهر ذريعة لذلك، مرجفا وراء المجاهدين، غر مبال بنصر المؤمنين، أو متمنيا نصر أعداء الله الكافرين على أوليائه المؤمنين، فإنه آثما بذلك. قال تعالى : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) [ التوبة 91-92 ] قال ابن كثير رحمه الله: "ثم بين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به. ومنها ما هو عارض بسبب مرض عنّ له في بدنه شغله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب فقر لا يقدر على التجهيز للحرب، فليس علة هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يفرجوا بالناس، ولم يثبطوهم ) [ تفسير القرآن العظيم ( 2 / 381 ) ]. وقال الكاساني: (وأما بيان من يفترض عليه فنقول: إنه لا يفترض إلا على القادر عليه، فمن لا قدرة له لا جهاد عليه، لأن الجهاد بذل الجهد وهو الوسع والطاقة بالقتال أو المبالغة في عمل القتال، ومن لا وسع له كيف يبذل الوسع والعمل؟! فلا يفترض على: الأعمى، والأعرج، والزّمِن، والمقعد، والشيخ الهرم، والمريض، والضعيف، والذي لا يجد ما ينفق. قال سبحانه وتعالى: ( ليس على الأعمى حرج ) الآية [ النور: 61 ] وقال سبحانه: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ) [ التوبة: 91 ] فقد عذر الله جل شأنه هؤلاء بالتخلف عن الجهاد ورفع الحرج عنهم ) [ بدائع الصنائع ( 9 / 4301 ) ]. وقال في المهذب: (ولا يجب على الأعمى لقوله عز وجل: ( ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج ) [ الفتح: 17 ) ] ولا يختلف أهل التفسير أنه في سورة الفتح أنزلت في الجهاد، ولأنه لا يصلح للقتال فلم يجب عليه. ولا يجب على الأعرج الذي يعجز عن الركوب والمشي، لأنه لا يقدر على القتال، ولا يجب على الأقطع والأشل لأنه يحتاج قي القتال إلى يد يضرب بها ويد يتقي بها. ولا يجب على المريض الثقيل للآية، ولأنه لا يقدر على القتال. ولا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلا عن نفقة عياله لقوله عز وجل: ( ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ) [ المجموع ( 18 / 53 ) والآية من سورة التوبة 91 ]. وآية النور التي استدل بها الكاساني رحمه الله استدل بها كثير من العلماء على نفي الحرج عمن ذكر فيها، لكن منهم من رأى أنها عنت التخلف عن الجهاد، ومنهم من استدل بعموم النفي وإن كان السياق بظاهره يدل على نفي الحرج عن هؤلاء في أكلهم في بيوتهم من سمّى الله في الآية [ راجع تفسير ابن جرير الطبري ( 18 / 167 ) وما بعدها. وقال القرطبي رحمه الله: (قوله تعالى: ( ليس على الضعفاء ) الآية، أصل في سقوط التكليف عن العاجز، فكل من عجز عن الشيء سقط عنه، ولا فرق بين العجز من جهة القوة، أو العجز من جهة المال. ونظري هذه الآية قوله تعالى: ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) [ البقرة: 268 ] وقوله: ( ليس على الأعمى حرج ولا على المريض حرج ) [ الجامع لأحكام القرآن ( 8 / 226 ) والآية من سورة النور: 61 ]. ولاختلاف المفسرين في تفسير آية النور: أعنت التخلف عن الجهاد بذاته أم يستدل بعموم نفيها؟، وعدم اختلافهم في آية الفتح، قال في المهذب: ( ولا يختلف أهل التفسير أنها في سورة الفتح أنزلت في الجهاد ) كما مضى قريباً. هذا وقد جمعت بعض النصوص الفقهية تلك الأعذار كلها بعبارات وجيزة، منها ما قاله أبو الضياء خليل بن إسحاق المالكي في مختصره: ( وسقط بمرض، وصبا، وجنون، وعمى، وعرج، وأنوثة، وعجز عن محتاج له، ورقٍ، ودين حلّ، كوالدين في فرض كفاية.. ) [ حاشية الدسوقي ( 2 / 175 ) وراجع الكتب الفقهية الآتية: فتح القدير لابن الهمام الحنفي ( 5 / 442 ) حواشي تحفة المحتاج في الفقه الشافعي ( 9 / 231 ) وروضة الطالبين للنووي ( 190 / 208 وما بعدها ) ]. وهذا سرد للأعذار بدون ذكر أدلتها، كما هو الغالب في المتون الفقهية. أما ذكرها مع أدلتها من الكتاب والسنة فقد عني بها ابن قدامة رحمه الله، فقال: ( ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والسلامة من الضرر، ووجود النفقة ). فأما الإسلام والبلوغ والعقل فهي شرط لوجوب سائر الفروع، ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد، والمجنون لا يتأتى منه الجهاد، وقد روى ابن عمر قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربعة عشرة فلم يجزني [ البخاري رقم الحديث 4097، فتح الباري ( 7 / 492 ) ومسلم ( 3 / 1490 ). وأما الحرية فتشترط لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد [ قال المحشي على المغني: " ذكر ابن حجر في تلخيص الحبير 4/91،92 أن النسائي أخرجه، وانظر تحفة الأشراف اهـ ]، ولأن الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة فلم تجب على العبد كالحج. وأما الذكورية فتشترط لما روت عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ فقال: ( جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة ) [ راجع ما سبق في ص: 87 ]، ولأنها ليست من أهل القتال لضعفها وخورها، ولذلك لا يسهم لها. وأما السلامة من الضرر فمعناه السلامة من العمى والعرج والمرض، وهو شرط لقول الله تعالى: (ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج ) [ راجع الصفحة التي قبل هذه ]، ولأن هذه الأعذار تمنعه من الجهاد. وأما وجود النفقة فيشترط لقوله تعالى: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ) [ سبقت في ص: 95 ]، ولأن الجهاد لا يمكن إلا بآلة فيعتبر القدرة عليها ) [ المغني ( 13 / 8 ]. |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.