أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية

أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com/index.php)
-   خيمة الثقافة والأدب (http://hewar.khayma.com/forumdisplay.php?f=9)
-   -   ما هي القراءة؟-اخترت لكم (http://hewar.khayma.com/showthread.php?t=23415)

محمد ب 05-06-2002 01:18 AM

ما هي القراءة؟-اخترت لكم
 
نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياها - دكتور حسن مصطفى سحلول
دراسة - من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق - 2001-ا

الفصـــل الأول :في القراءة عامة وفي القراءة الأدبية وأشكالها خاصة
لقراءة نشاط متعدد الوجوه‏
إن نشاط القراءة نشاط معقد ومتعدد ينمو في اتجاهات كثيرة. ولقد ظهرت محاولات نظرية عديدة للإلمام بها من خلال أبعادها الكثيرة. وسنعرض هنا لواحدة منها ترى في القراءة نشاطاً ذا أبعاد خمسة أساسية.‏
1-1-القراءة نشاط عصبي وفيزيائي‏
القراءة هي قبل كل شيء فعل مادي ومحسوس تمكن ملاحظته ويعبئ ملكات محددة في الكائن البشري. فالقراءة تتعذر مثلاً إن أصاب الجهاز البصري أو بعض أقسام الدماغ عطب كبير فالقراءة إذن وقبل أن تكون تحليلاً لمضمون هي إدراك حسي لرموز الخط وتعرف عليها وتذكّر لها. ولقد حاولت دراسات أن تصف مراحل عملية القراءة هذه وصفاً دقيقاً ومنها كتاب فرانسوا ريشودو : المقروئية (1969). Francois Richaudeau La lisibilité. ولقد برهنت جميعها على أن جهاز العين لا يلتقط رموز الخط الواحد تلو الآخر ولكنه يأخذها "مجمّعة" في رزم صغيرة. وعليه فمن الشائع أن تقفز العين فوق بعض الكلمات أو أن تخلط بين حرف وآخر.‏
ولقد أثبتت تلك الدراسات كذلك أن حركة النظرة ليست أفقية ولا متناسقة. ولكنها تقفز قفزات مفاجئة ومتقطعة تفصل بينها وقفات قد تطول أو تقصر. ويتراوح طول هذه الوقفات بين ربع الثانية وثلثها. وهذه الوقفات هي ما يسمح لنا بإدراك الحروف. فخلال هذه الوقفات "تسجّل" العين سبعة أو ثمانية رموز وتستبق في نفس الوقت بقية الرموز "فتلقي نظرة" عليها بفضل محيط العين الجانبي.‏
ويسهل على القارئ إدراك رموز الخط بقدر ما يكون النص المقروء مؤلفاً من كلمات قصيرة مألوفة قديمة وسهلة ذات معانٍ متعددة. ومن جهة أخرى فإن قدرة الذاكرة المباشرة تتراوح بين ثمان كلمات وست عشرة كلمة. وهذا يعني أن أفضل الجمل تلاؤماً مع هذا الاستعداد الذهني الطبيعي هي الجمل القصيرة ذات البنية المتماسكة. ولقد لفت ريشودو النظر إلى أن إهمال الكاتب لشروط "المقروئية" العامة هذه قد يتسبب في أن ينزلق القارئ في سبل معانٍ كثيرة. وعندها لا يكون النص "المقروء" عين النص "المكتوب".‏
وانزلاق معنى النص ليس أمراً نادراً في ميدان الأدب. ولنذكر غموض الصوغ عند أبي تمام (779-845) أو وحشية مفرداته وما آلت من صعوبات شتى في التأويل. ولنذكر من بين معاصرينا أسلوب حيدر حيدر (سورية‏
1936) في روايته المضنية الزمن الموحش (1973) أو رواية ادوار خراط (مصر 1926) المعقدة رامة والتنين (1980).‏
إن هذا وحده يكفي للدلالة على أن فعل القراءة ذاته هو نشاط ذاتي إلى درجة بعيدة. وهكذا فإن القراءة تظهر، حين ننظر إليها من جانبها الفيزيائي العضوي، على أنها نشاط استباقٍ وتنظيم وتأويل.‏
1-2- القراءة نشاط معرفي‏
بعد أن ينظر القارئ إلى رموز الخط وبعد أن "يفكّها" يحاول عندها أن يفهم ما الأمر وعما يدور الحديث. إن تحويل الكلمات أو "رزم الكلمات" إلى عناصر ذات معنى يفترض أن يبذل القارئ جهداً كبيراً للتجريد.‏
وقد يظل فهم القارئ ضمن حده الأدنى، وهو يكتفي عندها بأن يرافق الأحداث الجارية أمام ناظريه. فينصب اهتمامه على توالي الأحداث وليس له من هم إلا أن يبلغ نهاية الكتاب وخاتمة وقائعه. وهو ما يحدث على الأغلب عندما نقرأ روايات بوليسية أو ذات لغز بوليسي كأعمال الكاتبة الانكليزية أجاتا كريستي (1891-...) أو عندما نقرأ روايات تعتمد المغامرة كعنصر جذاب كروايات جرجي زيدان (لبنان 1861- القاهرة 1914) التاريخية الانقلاب العثماني (1911) أو أسير المتمهدي (1892) مثلاً. وهو ما يحدث كذلك في النصوص الأدبية التي تبني حبكتها حول التشويق الغرامي كما في بعض روايات إحسان عبد القدوس (القاهرة 1919-1990) الناجحة (في بيتنا رجل، 1957).‏
ويقع نقيض ذلك حين يكون النص أصعب أو أعقد. فعندها يستطيع القارئ أن يهمل تعاقب الأحداث في سبيل تأويلها. فيتوقف عند هذا المقطع أو ذاك يُعمل فيه نظره ويسعى لإدراك كل معانيه المضمرة وكل تفسيراته الممكنة.‏
والحقيقة أن نشاط القراءة في النصوص الأولى يمضي قدماً في سبل الحبكة الروائية ومنعطفاتها. وهو لا ينظر إلا إلى رقعة النص وانتشارها. ولا يعبر اهتمامه قط لتراكيب اللغة وبنى جملها. فحين يقرأ أحدنا يوسف السباعي (القاهرة 1917- قبرص 1978) فإنه يقرأ بسرعة فائقة وإذا أهمل شيئاً من خطاب الكاتب فإنه بدون ريب لا يفقد شيئاً يعيق قراءته. وأما قراءة النصوص الأخرى فإنها لا تُفلت شيئاً وهي تتفحص كل شيء وتلتصق بنصها التصاقاً. فهي إذا صح القول قراءة مجتهدة ومتحمسة. وهي تطارد في كل نقطة من نقاط النص مهارة الفن وإتقان الصنعة. وهي تبحث باستمرار عما يربط أطراف الجملة ببعضها وعما يربط الجمل ببعضها وليس ما يربط وقائع الحبكة وأحداثها.‏
وبطبيعة الحال فإن هناك سبيلاً وسطاً بين السعي حثيثاً إلى نهاية الكتاب لمعرفة خاتمة الأحداث وبين القراءة المتأنية التي تهدف إلى فهم تفاصيله الدقيقة. ويمكن أن نجمع بين القراءتين بأن نأخذ من كل منهما بنصيب قد يكبر أو يصغر. ومهما يكن الأمر، وفي جميع الأحوال فإن عملية القراءة تتطلب كفاءة. ويفترض النص أن القارئ يمتلك حداً أدنى منها إذ يرغب بمتابعة القراءة.‏
1-3- القراءة نشاط عاطفي‏
تكمن جاذبية القراءة إلى درجة كبيرة في الأحاسيس التي تثيرها فينا. وإذا كان تلقي النص يعبئ عند قارئه ملكاته الفكرية فإنه يهيج كذلك، وربما على نحو أشد، نزعاته العاطفية. فالأحاسيس هي التي تقوم خلف مبدأ تقمص القارئ للشخصيات الروائية. وهذا المبدأ هو المحرك الأساسي لقراءة الأعمال المتخيلة. ولأن الشخصيات الروائية تثير استحساننا أو استنكارنا ولأنها توقظ فينا الغيرة أو الشفقة والمودة أو البغضاء فإننا نهتم بمصائرها ويشغل بالنا ما يقع لها من خير أو شر. ولقد أشار الناقد الروسي توماشفسكي Tomachevski ومنذ مطلع القرن العشرين إلى أهمية العواطف الأولى في "لعبة" النص. وكلما كبُرت موهبة الكاتب كلما كبرت صعوبتنا بأن نقاوم سيطرته على انفعالاتنا وكلما ازدادت كذلك قوة نصِّه على الإقناع. وقوة الإقناع هذه هي منبع افتتاننا بالنص الأدبي وسبب تأثرها به وذلك لأنها إحدى وسائل التعليم والتبشير.‏
ولقد أشار فرويد Freud كذلك إلى ضعف مقاومتنا العاطفية هذه. وكان يرى أنها سبب انخراطنا في عالم النص الروائي وهي بالتالي سبب العظة التي نستخلصها من تلك التجربة. وذلك لأننا جميعاً وعلى وجه العموم نظل سلبيين أمام شؤون الحياة اليومية وممتثلين لنتائجها. ولكننا نستكين لنداء الشاعر وهو يستطيع بفضل الحالة النفسية التي يثيرها فينا وعن طريق الآمال التي يلوِّح بها أمامنا أن يعبث بعواطفنا فيوجهها حيث يشاء.‏
ويسهل علينا أن ندرك أثر الانفعالات في نشاط القراءة. فأن نتعلق بشخصية روائية يعني أن نوجه أنظارنا إلى ما يقع لها. أي إلى الحكاية التي تُخرج الشخصية الروائية من فراغ العدم إلى عالم الوجود ثم تدفع بها إلى ساحة الحدث الروائي. ولأن وشائج عاطفية تربطنا بمصطفى سعيد فإننا نتابع قراءة رواية الطيب صالح (السودان 1929) موسم الهجرة إلى الشمال) (1965) ونهتم بالأسباب النفسية والاجتماعية التي قادته إلى الضياع. ولأن شخصيات ثلاثية نجيب محفوظ (القاهرة 1911) جذابة ومنفرة، كريهة ومحبوبة تثير ابتسامتنا أو تهيج غضبنا فإننا نسافر راضين في كون الثلاثية (1956-1957) فنرضى في نفس الوقت بتصور العالم والفن الذي يتمثل من خلالها.‏
وإنه لمن الجلي أن عنصر التقمص هو واحد من أهم طرق القراءة وأكثرها شيوعاً بين القراء. وأن ارتباط القارئ العاطفي بالنص المقروء هو مكوِّن أساسي من مكوّنات القراءة وأنه سيبقى كذلك حتى زمن بعيد ولا شك. وعليه فإن استبعاد التماهي بين القارئ والشخصية الروائية وبالتالي استبعاد العنصر الانفعالي من التجربة الجمالية كما نادى بذلك بعض الكتّاب والمنظّرين المعاصرين هي محاولة قد حُكِم عليها مسبقاً بالإخفاق.‏
1-4-القراءة نشاطٌ حجاجي‏
وبما أن النص هو نتيجة إرادة الكاتب الخلاّقة الواعية ومجموعة عناصر منظّمة فإنه من الممكن دائماً أن نحلله على أنه خطاب. أي على أنه موقف يتخذه الكاتب من الكون ومن الكائنات ولا يعدّل من ذلك شيئاً أن يلجأ الكاتب في روايته إلى ضمير الغائب.‏
وإذا استخدمنا مصطلحات النظرية التداولية في النقد قلنا بأن النية في تعديل سلوك من يتوجه إليه الخطاب والتأثير عليه هي صفة لازمة في النصوص الروائية. فالسرد، أي ما يقوم به الحاكي حين يروي حكايته، يسعى إلى أن يقود المؤوِّل الغائب (أي القارئ الذي يقرأ النص المسرود) أو القارئ الحاضر (المستمع الذي يصغي للنص المروي) إلى تبني خاتمة ما أو إلى الإعراض عنها. ونية الإقناع هذه موجودة في كل حكاية سيان ظهرت واضحة جلية أم توارت عن عين القارئ المتسرّع.‏
وتظهر الوظيفة الحجاجية بوضوح في الروايات التي تنافح عن فكرة ما أو تدافع عن قضية محددة. كأغلب روايات حنا مينه التي تهدف إلى إقناع القارئ بصحة موقف الطبقات الكادحة السورية أو كبعض الروايات التي تريد تصوير فساد المدينة الجديدة كما في رواية عبد النبي حجازي (جيرود، سورية 1938) قارب الزمن الثقيل (1970) أو في رواية أحمد يوسف داوود (طرطوس سورية 1945) دمشق الجميلة (1977).‏
ولكننا نجد هذه الوظيفة كذلك في نصوص تنتمي إلى أنواع أدبية أخرى. فالجاحظ يحاول مثلاً في كتابه البخلاء أن يعدل من طريقة القارئ في النظر إلى مسألة الشح من خلال عرضه لوجهات نظر متباينة حول هذا الموضوع. فهو يترك سهل بن هارون وأبا يوسف الكندي يشرحان لنا كيف يكون البخل صلاحاً والشح اقتصاداً. ويكاد القارئ يوافقهما الرأي ويقرّهما على ما هما فيه. ثم يدعو أبو عثمان آخرين فيذمّون البخل ويظهرون مساوئه ويردون على حجج سهل بن هارون وصاحبه بحجج أخرى لا تقل عنها بلاغة ولا إقناعاً. ويصبح من الصعب بعدها على القارئ أن يطرح وجهة نظر هؤلاء كاملة ليتبنى رأي أولئك بمجموعه. فكل منظور يلغي الآخر. وكل طريقة لها ما يدعمها. وهكذا يقود أبو عثمان عمرو بن بحر قارئه قوداً هيّناً إلى غايته الأولى وإلى نيّته الأساسية. وهي نسبية الإحالة المرجعية وتعذّر تبني أحكام مطلقة.‏
ومهما يكن نوع النص الأدبي فإنه يدعو دائماً قارئه دعاء سافراً أو مستتراً بإلحاح قد يقوى أو يضعُف، إلى تبنّي موقف ما. ومع ذلك فللقارئ الحق بأن يأخذ بالحجج المطروحة أو أن يرميها، ويستطيع كذلك أن يرضى بالنقاش القائم أو يشيح عنه.‏
1-5- القراءة نشاط رمزي‏
إن المعنى الذي يستخلصه القارئ من قراءته (بردة أفعاله أمام القصة المسرودة، وبتأثره بالحجج المعروضة وبتعدد زوايا السرد والرواة) يمضي مباشرة ليتخذ مكاناً له في البيئة الثقافية التي يعيش فيها ذلك القارئ.‏
وكل قراءة تؤثر وتتأثر معاً بالثقافة وبالبنية السائدة في عصر ما وفي بيئة ما. وسيان أنكرت القراءة النماذج الفكرية المهيمنة في الخيال الجماعي أو عزّزت من مواقعها فإنها تؤثر بها فتؤكد بذلك بعدها الرمزي. ويكتسب المعنى الذي ترتديه قراءة ما في وسط ما أهميته بالنسبة لبقية أشياء العالم التي يألفها القارئ في ذلك الوسط. ويثبت هذا المعنى في خيال ذلك القارئ. وبما أن هذا القارئ ينتمي بالضرورة إلى مجموعة بشرية وإلى خيال جماعي تتميز به هذه الجماعة عن غيرها من الأقوام فإن المعنى الذي ثبت في خياله يرفد كذلك الخيال الجماعي.‏
وهكذا فإن القراءة الفردية تظهر هنا كجزء لا يتجزأ من ثقافة جماعية. ونحن نعرف الآن كيف أثّرت كتابات الثلث الأول من القرن العشرين تأثيراً كبيراً في تطوّر المجتمع العربي الثقافي. فإذا ذكرنا أن طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي (حلب، سورية 1848-1902) وتحرير المرأة لقاسم أمين‏
(1865-1908) والشعر الجاهلي لطه حسين (المغاغة، مصر 1889-1973) ومسألة الحكم في الإسلام لعلي عبد الرزاق قد ظهرت جميعها بين عام 1900 وعام 1925 أدركنا كيف يمكن للقراءة أن تغير من الذهنية الاجتماعية خلال بضع سنوات!.‏


Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.