![]() |
الهروب الى القدر(الفصل الثالث والأخير)
الفصل الثالث و الأخير :-
ضاق الحال بخالد ، و لم يعد يحتمل أكثر من ذلك … واغتنم فرصة وجود ابنة عمه المتزوجة من أحد أفراد عائلة الشيخ مكرم ، وكلمها عن ما يجول في قلبه ،ورجا منها مساعدته في الإفصاح لناهد عن حقيقة مشاعره تجاهها ، وعن حبه لها. أحست ابنة عمه من نبرات خالد الحزينة ومن بريق عينيه ، بحبه العميق لناهد ، وعلى الفور قررت مساعدته . فاغتنمت أول فرصة تقابل بها ناهد ، فنسجت لها بساطا من حديث لتستطيع من خلاله الوصول إلى مبتغاها ،وسألتها على سبيل المداعبة :تتنافس فرسان القبيلة للوصول إلى قلب أميرة الزمان جميلة الجميلات ، التي عندما حاولت اختيار فارس أحلامها ، اختارت ابن أبيها وأمها!!. فردت عليها ناهد قائلة: نعم لقد مال قلي إلى أحمد ، وأحببته من كل قلبي ، الذي لم يستطع تفسير ذلك الانجذاب له إلا عندما علم أنه كان حب أخت لأخيها ، وما أجمله من شعور!. فالتفتت إليها ممازحة: لا شك أن الحب الأخوي جميل ، ولكن، قلب كل فتاة يتمنى نوعا آخر من الحب . فضحكت ناهد ضحكة توحي بفهمها لقصد صديقتها ولكنها حاولت التجاهل قائلة : ماذا تقصدين ، يا حكيمة القلوب؟ ومن هنا استطاعت صديقتها أن تعرج على موضوع ابن عمها خالد ، ومن خلال كلمات ناهد استطاعت إدراك أن ما أصاب قلب خالد من نظرته لها أصاب قلبها هي الأخرى. ما أن حصلت صديقتها على ما تريد ، حتى طارت بالخبر إلى خالد وقالت له بمكر : أظن أن سهام نظرات خالد قد أصابت هدفها. برقت عينا خالد من الفرحة ، وطلب منها أن تروي له ما جرى بينها وبين ناهد. وفي نهاية حديثه مع ابنة عمه ، حزم أمره وقرر الذهاب إلى الشيخ مكرم لطلب يد ناهد منه. و فور وصوله إلى خيمة الشيخ ، اقترب منه أخبره بمراده ، فما كان للشيخ إلا أن يقول لخالد: لقد كنت يا ولدي سابقاً أملك أمر جميلة ، و لكن مهمتي انتهت بمجرد أن وصل أخوها إلى هنا ، فاذهب إلى أحمد و اطلب يدها منه ، فهو مالك أمرها الآن .. شعر خالد في نبرات الشيخ نوعاً من الشدة و عدم التراجع ، فلم يجد من مفر إلا أن يذهب إلى أحمد و يطلب يدها كما أخبره الشيخ ، فاستأذن من الشيخ و ذهب قاصداً المكان الذي اعتاد أحمد أن يجلس به ، فاقترب من أحمد ، حتى جلس إلى جانبه . فقال له أحمد : أهلاً يا خالد ماذا تريد ؟ تنحنح خالد قليلاً و قال : أنت تعلم يا أحمد أنني صديقك الحميم ، و لا أستطيع أن أخذلك، أو أخيب ظنك بي .. فقال له أحمد : تكلم يا خالد .. فقد كنت دوماً خير الأخ و الصديق ،هيا تكلم يا رجل ، ماذا تود أن تقول لي ؟ فقال خالد : بصراحة أنا متردد فيما سأقول ؛ خوفاً من أن تعتبرني قد خنت صداقتنا أو………… قال أحمد : إن لم تقل ما تريد فارحل . فقال خالد : لا . سأقول إن…… إني أود طلب يد أختك .. و قبل أن يتم خالد كلامه صرخ أحمد في وجهه : كيف تتجرأ أن تطلب مني هذا ؟ و أنت تعلم الجرح الكبير المحفور في قلبي ؟؟! فرد خالد : هذه مشيئة الله عز و جل ، و قد قدر لك هذا .. فقال أحمد : تقصد أن القدر جعلني تعيساً حتى يمنح السعادة لك ؟ ملعون أبو القدر .. ملعونة الصداقة الكاذبة التي كانت تجمعنا .. هيا اظهر على حقيقتك أيها المخادع ، فقد تعود على مثل هذه الصدمات ، وصرخ في وجهه وقال له: اغرب عن وجهي أيها الخائن .. ولا أريد أن أراك ثانية وإلا حطمت وجهك . فصعق خالد من رد أحمد العنيف و قال له : أحمد .. أحمد .. ماذا تقول ؟ ماذا حدث لك؟؟! فقال له أحمد : هيا ارحل الآن و إلا قتلتك .. و بسرعة اختفى خالد من أمامه مذعوراً ، و راح أحمد يسير و يقول : ملعون أبو القدر ، ماذا يعني أن تكون جميلة أختي ؟ فأنا سأتحدى القدر و ستكون لي لا لغيري ، سأقتلك أيها القدر اللعين ، سأقتلك يا خالد .. و سأقتل كل من يقف عقبة في سبيل حبي .. هكذا سار أحمد يطوي الصحراء يتوعد بالقتل لكل من يقف في سبيل سعادته الواهمة.. نحن نعرف أن الحب شيء جميل و رائع ، و لكن من الخطورة أن يدمن المحب عليه و بدل أن يضحي في سبيل سعادة حبيبه يصبح أنانياً لا يهتم إلا بنفسه فقط و لا تهمه مرضاة حبيبه،و بذلك سيتحول ذلك الحب من نعمة وهبها الله لنا ، إلى نقمة ستحطم كل من حولها.. امتطى أحمد جواده ، و صار يضربه بعنف حتى يجد في المسير ، و هنا أرادت الرحمة الإلهية أن تدرك هذا العبد المجروح ، فتعثرت قدم الحصان بحجر ، فسقط أحمد عن ظهر جواده ، فشجت صخرةً رأسه ، حتى أصابته بجرح في رأسه و غاب عن وعيه .. قام أحمد فوجد الناس ملتفين حوله فأبعدهم عنه و صرخ في وجوههم ، و من ثم أخرج بندقيته من جعبتها ، و قال : حتماً سأقضي على القدر .. فأين سيهرب مني ؟! و عند وصول خالد خُيل لأحمد بأنه القدر ، فصوب بندقيته تجاهه ، و أطلق الرصاص عليه، إلى أن اعتقد أن القدر مات .. فشعر أحمد بأنه أشفى غليله منه ، لكن القدر قام مرة أخرى ، و الرصاصات قد أحدثت فجوات في جسده ، فارتعب أحمد لذلك المنظر المخيف ، و أصبح يجري بسرعة ، و يحاول الهروب من القدر ، إلا أنه كلما ذهب إلى مكان و اعتقد أنه قد تخلص من القدر ، وجده إلى جانبه ، و إذا نام رآه نائماً إلى جواه .. هكذا أصبحت حياة أحمد مليئة بالهواجس و المخاوف، و لا يستطيع أن يرتاح للحظة واحدة،فربما كان أحمد يظن سابقاً أنه سيستطيع الهروب من القدر ، ولكن ما من مفر ، فهمها هرب ومهما ابتعد فلن يهرب منه ، بل سيهرب إليه!!. ورغم ذلك قرر أن يرحل إلى أبعد بلاد ، و عندما وصل وجد القدر في استقباله هناك ، و هذه المرة كان شكله أفظع ما يكون ، فمرة كان يظهر له على شكل وحش و مرة على شكل ثعبان مخيف ، و لكن هذه المرة لم يكتف القدر بذلك ، بل حدثه و الشرر يتطاير من عينيه ، حيث قال له : أين تحسب نفسك ستهرب مني ؟ فأنا ألازمك و ألازم جميع الخلق كظلهم .. و لكنك غيرهم جميعاً ،فأنت قد تمردت على القدر و على مشيئة الخالق ، فيجب أن تنال عقابك .. قيد القدر أحمداً ، و أخذه إلى المحكمة ، فرأى أحمد أن القضاة هم مجموعة من الحيوانات المفترسة ، و كلهم كانوا يقولون : هيا اقتلوه ، هذا شيطان ، هيا ماذا تنتظرون ؟ فحملوه و صلبوه على جذع شجرة ، و أحضر كل منهم سكينه أو بلطة أو أي شيء حاد استطاع الحصول عليه، و اقتربوا منه ، و هو يستغيث و يصرخ : أرجوكم اتركوني .. لا تمرد على رحمة الخالق ثانية .. لا تمرد على القدر .. سأعترف للقبيلة بمقتل خالد ، و أخذ أحمد يستغيث و لا أحد يستمع إليه .. و فجأة استيقظ أحمد ، و وجد الكل حوله .. أمه و خالد و ناهد .. والجميع .. و عندما رأى أحمد خالد قال له : أرجوك ابتعد عني لا تقتلني .. فتعجب خالد و قال له بالتأكيد قد كنت تحلم ، فعلى مدى ثلاثة أيام و أنت تمتم بكلمات غير مفهومة ، فإلى أين رحلت يا رجل ؟ فقال أحمد : سامحني يا خالد فقد أخطأت بحقك ، سامحوني جميعاً ، و التفت أحمد إلى خالد و قال له : مبروك عليك ناهد يا خالد ، ألف مبروك .. فلم يكد خالد يسمع ذلك حتى صار يقفز و يصيح : الحمد لله .. الحمد لله .. و فعلاً أقيم حفل الزفاف ، و باركهما الجميع على زفافهما ، و من بينهم أحمد الذي لن ينس يوماً الدرس الذي تعلمه من القدر ، و أخذ يردد في نفسه : مهما فعلت فلا هروب من القدر ، و لا هروب من مشيئة الخالق جل و علا .. فكم أنت عنيد أيها الإنسان ….ولكن اعلم أن مهما اشتد عنادك ،وتحديت القدر ، فلا تظن ، أنك ستهرب منه ، أو تحاول تغيير شيء منه ، بل كن واثقاً أنك لن تتعد حدود قدرك المكتوب لك ، ولن تهرب إلا إليه، إليه وحده فقط !!!!!!. تمت بحمد الله لا تبخلووا علي بردودكم. |
أختي سمر
السلام عليكم أريد أولاً أن أثني على جدك واجتهادك في الكتابة وهمتك العالية-وما شاء الله-فيها وهذا شيء صار نادراً مع الأسف مع انصراف الأجيال الجديدة العربية عن القراءة والكتابة. ثم بالعودة لما كتبت أقول إنه "حكاية" فيها خواص الحكاية الخام المتعارف عليها التي يحكيها الواحد للآخر والمأثورة في كتب الحكايات وهذا بحد ذاته لا بأس به إذ الحكاية تقوم بنقل خبرة حياتية وفيها مواعظ و عبر. وفي الحقيقة أنت حاولت في بعض المقاطع محاولات جيدة للخروج بالنص من عالم الحكاية "الخام" إلى عالم النص الأدبي المتعوب عليه أدبياً-كما في وصفك الجميل لليل. على أن طابع الحكاية الخام -أي ما قبل التصنيع الأدبي -ظل مهيمناً في رأيي. ولا ريب عندي أنك مع تقدمك في الكتابة سيزداد لديك نصيب التصنيع الأدبي على حساب الميل السردي الخام. والأديب يطلب منه أن يزيدنا وعياً وتحليلاً للحياة كما يطلب منه الجمال الخالص إن جاز التعبير. والقصة تنتمي تقريباً -بما هي حكاية!-إلى حدث خارق للعادة ونادر الحدوث جداً فهي تكاد تخرج عن إطار ما نلقاه في حياتنا اليومية ومع ذلك ففي تصوري-إن شئت رأيي، أن العاطفة الأخوية هي أعلى وأرسخ جذوراً بكثير جداً من الحب المألوف لهذا أظن أن بطلك أحمد كان المتوقع منه الانتقال لما هو أعلى وهو الأخوة بمجرد معرفته بالقرابة مع تلك الفتاة وليست هذه العاصفة بمتوقعة منطقياً! ولو سمحت لأخيك كاتب هذه السطور أن ينصحك بشيء فسأنصحك بالمواظبة على الكتابة بنفس الهمة ولكن مع الإكثار من قراءة نماذج الأدب القصصي العربي الحديث. ومن القصاصين الجيدين غسان كنفاني وثمة قصاصة ممتازة جداً ربما كانت ملكة القصاصات العرب وهي سميرة عزام رحمها الله ويعجبني جداً أسلوب أميل حبيبي وابتكاره لتركيب موفق بين التراثي والحديث مع عدم إعجابي بآرائه السياسية! وهذا خصوصاً في عمليه "سداسية الأيام الستة" و "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل". مع التمنيات الصادقة لأخيك بكل توفيق |
كل التحية لمحمد ب
لا أريد أن أقول لك شكرا أخي محمد على ردك بل سأشكر بطريقتي الخاصة، سوف أحاول أن أجسد نصائحك في كتاباتي رغم أنني أواجه العديد من المشاكل في كيفية توجيه كتاباتي ، لأنك كما تعلم العصر الذي نعيش به ليس عصر الأدباء المشهورين ، وليس قرائنا مثل قرائهم، فعندما أردت أن أرسل هذه القصة والتي أهدف منها في الإساس توصيل المغزى الى القارئ كنت أفكر هل القارئ سوف يتعب نفسه لقراءة مثل هذه القصة التي هي في نظره طويلة وطويلة جدا ، فأنا في الأساس كتبت هذه القصة على حجم المنشورة بأضعاف ، ولكن لأني أعلم ذوق ونفسية القارئ حاولت ضغط الأحداث مما ولا شك فيه أفقد الحس الأدبي منه نوعا ما وجعلها من النوع السردي أكثر منه أدبي . ولذلك قررت التوسيط في كتاباتي ، تارة أضع القارئ المعاصر في قائمة اهتماماتي وتارة أضع أفكاري وأحاسيسي على القمة وتارة أخرى أجمع بين الإثنين ولكن بتفاوت.
ولذلك ردك كان يدل على انسان لك حس أدبي رفيع ، ولكن ليس كل القراء مثل محمد ب ، وعندما اجد أنا قارئ لمواضيعي مثلك ، يكون هذا مكسب عظيم لي . :confused: |
الأخت سمر: القصة ممتعة وشيقة، والمغزى واضح دون الحاجة إلى شرحه في الفقرة الأخيرة، قرأتها كلها، لن أعطي أي رأي نقدي فهوايتي الكتابة، والنقد ليس عملي. ثابري والقادم افضل طالما العزم على التقدم موجود.
|
شكرا أخ ريان
يسعدني جدا أولا قراءتك للقصة وثانيا لردك على القصة وجميل جدا أن المغزى الذي كنت أهدف الية قد وصل دون توضيحي له في الخاتمة
|
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.