الغرور صديق الندم
 

مقال
الغرور الذي يورث الندم

عمرو الفيصل

شاهدت منذ أسبوع على محطة فوكس الإخبارية الأمريكية حوارا حول سياسة الولايات المتحدة تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران. ناقش الحضور، وهم نخبة من الخبراء و المستشارين الأمريكيين، الخيارات و البدائل المطروحة أمام الإدارة الأمريكية الحالية للتعامل مع إيران و من ضمن هذه الخيارات الخيار العسكري. لفت انتباهي تدخل أحد الخبراء الذي عارض الخيار العسكري عندما قال ''انتبهوا من العبث بالإيرانيين فهم ليسوا مثل العرب!''. لقد وجدت أن هذه العبارة تستحق الوقوف عندها قليلا و تحليلها. يبدو أن بعض الأمريكيين يعتقد أن العرب يمكن العبث بهم و الاستخفاف برغباتهم التاريخية و إرادتهم الوطنية. هذا في رأيي مثال آخر على الغرور و الغطرسة الذي انتاب أولئك القوم ''حماة الحرية'' بزعمهم وجهلهم بتاريخ العرب. إن المغول العتاة الذين غزو بلاد العرب و المسلمين في القرن الرابع عشر الميلادي قد فتكوا بأهل العراق حتى أن بغداد مدينة السلام قتل بها ما يقدر بـ800 ألف شخص في أسبوع. هل تعلمون كم بقي المغول بالعراق؟ 18 شهرا ثم طردوا منها بلا رجعة. دولة الأتراك العثمانيين حكموا بلاد العرب خمسة قرون وقد سلمنا لهم طواعية لأنهم حكمونا بالإسلام وبصفتهم خلفاء الأمة الإسلامية. قاتلنا معهم في حروبهم ضد أعداء دولتهم و دفعنا المكوس لجباة دولتهم و دعونا في مساجدنا لدوام عز سلطان آل عثمان و رخاء دولتهم. ثم انقلب الأتراك على دين الإسلام و حولوا دولتهم على يد أتاتورك الى دولة علمانية قومية تركية. نتيجة لذلك ثار العرب وطردوا الأتراك من كل بلادهم في ظرف عامين. ثم جاء دور أوروبا لغزو واحتلال بلاد العرب وهم في تلك الفترة أكثر قوة و عزة بالنسبة للعرب من الولايات المتحدة اليوم. ولكنهم لم يستطيعوا البقاء في بلاد العرب أكثر من 30 الى 80 عاما ثم طردوا هم الآخرون جميعا. ولا تصدقوا ما يدعونه من أنهم غادروا بلاد العرب طواعية لأن ضمائرهم لم تسمح لهم بالاستمرار في قهر العرب بل غادروا لأنهم أجبروا على ذلك من المقاومة الشرسة و المستمرة لحكمهم و لأنهم أيقنوا أن شعوب بني يعرب لن تستسلم لهم أبدا. دولة إسرائيل التي هي من صنع الغرب كل الغرب و بلا استثناء بل حتى الإتحاد السوفييتي و الكتلة الشرقية ساهمت في تأسيس و توطيد ذلك المشروع الاستيطاني الصهيوني. هل قبل العرب تلك المكيدة؟ لا ، بل حاربوا أربع حروب رغم أن إسرائيل كانت و لا تزال أكثر استعدادا عسكريا من كل جيوش العرب مجتمعة كما أن لديها أحدث ما تزخر به ترسانات الغرب من أسلحة التي تمنح لها دون مقابل أو بأسعار رمزية. ولم يكتف الغرب بهذا فحسب بل سلم الإسرائيليين تقنية أسلحة الدمار الشامل من الكيميائي الى النووي مرورا بالبيولوجي. كما أن الغرب صب و لا يزال يصب مليارات من الدولارات كدعم لتلك الدولة وهو دعم سخي لم تحظ بها دولة في التاريخ. هل نفع كل هذا؟ هل أطفأ نار المقاومة؟ أبدا ، كل ما فعله أنه أطال مدة بقاء الكيان الصهيوني و أخر بعض الشيء نهايته المحتومة حتى ينضم الى قافلة الاستعماريين الذين طردوا من بلادنا. أما أحدث الاستعماريين الجدد الأمريكان فمن المؤسف أنهم يجهلون التاريخ لأن من لا يتعلم من التاريخ محتم عليه أن يعيده ولكن المرة الأولى تكون مأساة أما المرة الثانية فتكون ... ''مسخرة''
__________________

جريدة المدينة المنورة , يوم الاحد 5/6/1424 الموافق 3/8/2003

أما الاستعماريين الجدد الأمريكان فمن المؤسف أنهم يجهلون التاريخ لأن من لا يتعلم من التاريخ محتم عليه أن يعيده ولكن المرة الأولى تكون مأساة أما المرة الثانية فتكون ... ''مسخرة''